تفسير سورة القارعة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة القارعة
مكّيّة وهى احدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ سبق بيانه فى الحاقة والتاء اما لتانيث الساعة او للمبالغة فى القرع.
مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة اى تقرع الناس يوم يكون الناس او مبنى على الفتح لاضافته الى الجملة فى محل الرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى هى يوم يكون بيان للقارعة كَالْفَراشِ الطير التي يتهافت فى النار الْمَبْثُوثِ المفرق وجه الشبه كثرتهم وهو انهم وتموج بعضهم فى بعض وركوب بعضهم على بعض بشدة الهول.
وَتَكُونُ الْجِبالُ عطف على يكون كَالْعِهْنِ الصوف ذى الألوان لاجل اختلاف ألوان الجبال الْمَنْفُوشِ ط المندوف لتفرق اجزائها وتطائرها فى الجو.
فَأَمَّا تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس فريقين مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه والمراد بها الأعمال الصالحة فانها المقص بوجودها او هو جمع ميزان وعلى هذا ايضا المراد به كفة الحسنات من ميزانه وقد صح ان الميزان له لسان وكفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد والآجري وابو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس واخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول الله - ﷺ - يقول خلق الله عز وجل كفتى الميزان مثل السماء والأرض وأورد الموازين بلفظ الجمع لان من ثقلت جمع معنى وافراد الضمير الراجع اليه نظرا الى افراد لفظه فمقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الاية على كون الميزان كل رجل على حدة وجاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن أعمالهم.
فَهُوَ هذا ايضا باعتبار لفظة من فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ط أسند الرضى الى العيشة مجازا وهى صفة لصاحبها كما فى ناصية كاذبة وقيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول اى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا او بمعنى ذات رضى.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا يعم الكافر الذي لا حسنة له لفقد الايمان الذي
هو شرط إتيان الحسنات والمؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الاول يعنى من ثقلت موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما او مغفورا او ترجحت حسناته على سياته قال القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي وفرقة كفار توضع كفرهم وأوزارهم فى الكفة المظلمة وان كان له عمل برّ كصلة الرحم ونحوها وضعت فى الكفة الاخرى فلا يقاومها ويرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول الله - ﷺ - انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث ابى هريرة وفرقة فساق المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة وسيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات أثقل دخل الجنة او السيئات أثقل ففى مشية الله يعنى ان شاء ادخل النار وان شاء غفروا دخل الجنة وان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه وبين الله وان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة الفقراء وفرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس بالتبعات وقال سفيان الثوري انك ان تلقى الله تبارك وتعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال وان الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى حتى يوفوا جزاء بعض سياته ويرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي وانما يوزن اعمال المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة واعمال الكافر اظهار الذلة قلت والمذكور فى القران غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين واما حال الذين خلطوا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القران فالظاهر ان المراد هاهنا بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى.
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار
330
يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات والهاوية اسم من اسماء جهنم وهو المهواة لا يدرك قعرها الا الله وقال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه وقيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي والى هذا التأويل ذهب قتادة وابو صالح قلت وكذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي - ﷺ - قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا وحال المخلط مسكوت فى الحديث والظاهر ان الملك لا ينادى عليه شىء من الصوتين ولذلك لم يذكر- (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى النار بغير حساب وهم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والاقدام وقال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء وسمعة فيميز الله الخبيث من الطّيّب بالميزان وقال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله - ﷺ - تنصب الموازين ويوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين ويوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل وذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث
331
ثواب الله لهم وقد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين لله لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء وكذا المراد بالبكاء فى قوله ﷺ ما من شىء الا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق والا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله ﷺ بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا الله وسبحان الله والحمد لله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي وابن حبان والحاكم والبزار واحمد والطبراني من حديث ثوبان وابو سلمى ولا شك ان وفات الولد من البلاء والشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء والله تعالى اعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا الله فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان وروى الحاكم وصححه وابن حبان والترمذي عنه نحوه وعن ابى سعيد وابن عباس وغيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا الله ولو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية والأمر منوط بفضل الله ومدار الأعمال على الإخلاص ومقداره والله اعلم.
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ط قرأ حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط والباقون بالهاء للسكت فى الحالين والضمير راجع الى الهاوية والاستفهام للتهويل وجملة ما أدريك معترضة لاستعظام أمرها وقوله تعالى نار بدل من هاوبة او بيان لها او خبر مبتداء المحذوف اى هى.
نارٌ حامِيَةٌ ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة.
Icon