ﰡ
سورة الإسراء
مكية
وآياتها عشر ومائة
بسم الله الرحمن الرحيم
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُشرح الكلمات:
سبحان: أي تنزه وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وهو الله جل جلاله.
بعبده: أي بعبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من المسجد الحرام: أي الذي بمكة.
إلى المسجد الأقصى: أي الذي بيت المقدس.
من آياتنا: أي من عجائب قدرتنا ومظاهرها في الملكوت الأعلى.
معنى الآية الكريمة:
نزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما نسب إليه المشركون من الشركاء والبنات وصفات المحدثين، فقال: ﴿سبحان١ الذي أسرى بعبده٢﴾ أي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني ﴿ليلاً من المسجد الحرام﴾ أي بالليل من المسجد الحرام بمكة إذ أخرج من بيت أم هانىء
حيّ النضيرة ربُة الخدر
أسرت إليَّ ولم تكن تسري
وقيل: أسرى من أوّل الليل، وسرى من آخره، والإسراء، والسُّرى: سير الليل.
٢ قالت العلماء: لو كان هناك اسم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرف من اسم عبد لسمّاه به في هذه الحال العليّة، وفي معناه قال الشاعر:
يا قوم قلبي عند زهراء
يعرفه السامع والرائي
لا تدعُني إلاّ بياعبدها
فإنه أشرف أسمائي
هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية الكريمة:
١- تقرير عقيدة الإسراء والمعراج بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالروح والجسد٢ معاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السماوات العلى، إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وأوحى إليه تعالى ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.
٢- شرف المساجد الثلاثة: الحرام، ومسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمسجد الأقصى أما المسجدان الحرام والأقصى فقد ذكرا بالنص وأما مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد ذكر بالإشارة٣ والإيماء إذ قول الأقصى يقتضي قصياً، فالقصي هو المسجد النبوي والأقصى هو مسجد بيت المقدس.
٣- بيان الحكمة في الاسراء والمعراج وهي أن يرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيني رأسه ما كان آمن به وعلمه
من طريق الوحي فأصبح الغيب لدى رسول الله شهادة.
٢ لا قيمة للقول بأن الإسراء كان بالروح فقط إذ لو كان بالروح لكان من المنام، ولما قال تعالى: ﴿أسرى بعده ليلاً﴾ ولما قالت أم هانىء: لا تحدّث الناس فيكذبوك، ولا فضّل أبو بكر بقلب الصديق ولا ما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب، ولما ارتد أفراد عن الإسلام بتشنيع قريش، وأما إطلاق لفظ الرؤيا على المنام خاصة فليس بذاك إذ قد يطلق لفظ الرؤيا على الرؤية في اليقظة، وأعظم دليل في قوله تعالى: ﴿ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المتهى﴾ أي: رأي الرسول جبريل مرّة أخرى في الجنة في السماء ليلة الإسراء والمعراج كما رآه أول مرّة في جياد بمكة.
٣ حدثنا شيخنا الطيب العقبى خريج المسجد النبوي الشريف: أنّه ألقى كلمة في الروضة بالمسجد النبوي ففتح الله تعالى عليه فذكر أنّ المسجد النبوي أشير إليه في آية الإسراء فهو إذاً مذكور في القرآن بالإيماء كما ذكرت في التفسير.
شرح الكلمات:
وآتينا موسى الكتاب: أي التوراة.
وجعلناه هدى: أي جعلنا الكتاب أو موسى هدى أي هادياً لبني إسرائيل.
وكيلا: أي حفيظاً أو شريكاً.
من حملنا: أي في السفينة.
وقضينا: أي أعلمناهم قضاء نافيهم.
في الكتاب: أي التوراة.
علواً كبيراً: أي بغياً عظيماً.
أولاهما: أي أولى المرتين.
فجاسوا خلال: أي ترددوا جائين ذاهبين وسط الديار يقتلون ويفسدون.
وعداً مفعولا: أي منجزاً لم يتخلف.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه هو الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنه هو الذي آتى موسى الكتاب أي التوراة فهو تعالى المتفضل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى أمته بالإسراء به والمعراج
وقوله: ﴿جعلناه﴾ أي الكتاب ﴿هدى﴾ أي بياناً لبني إسرائيل يهتدون إلى سبل الكمال والإسعاد وقوله: ﴿ألا تتخذوا من دوني وكيلا﴾ أي آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل من أجل ألا يتخذوا من غيري حفيظاً لهم يشركونه بي بالتوكل عليه وتفويض أمرهم إليه ناسين لي وأنا ربهم وولي نعمتهم. وقوله تعالى: ﴿ذرية من حملنا مع نوح﴾ أي يا ذرية١ من حملنا مع نوح اشكروني كما شكرني نوح على انجائي إياه في السفينة مع أصحابه فيها، إنه أي نوحاً ﴿كان عبداً٢ شكوراً﴾ فكونوا أنتم مثله فاشكروني بعبادتي ووحدوني ولا تتركوا طاعتي ولا تشركوا بي سِوَايَ وقوله تعالى (وقضينا إلى بني إسرائيل فى الكتاب لتفسدون في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً} يخبر تعالى بأنه أعلم بني اسرائيل بقضائه فيهم وذلك في كتابهم التوراة أنهم يفسدون في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب، ويعلون في الأرض بالجراءة على الله وظلم الناس ﴿علواً كبيراً﴾ أي عظيماً. ولابد أن ما قضاه واقع وقوله تعالى: ﴿فإذا جاء وعد أولهما﴾ أي وقت المرة الأولى ﴿بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس٣ شديد﴾ أي قوة وبطش في الحرب شديد، وتم هذا لما أفسدوا وظلموا بانتهاك حدود الشرع والإعراض عن طاعة الله تعالى حتى قتلوا نبيهم "أرميا" عليه السلام وكان هذا على يد الطاغية جالوت فغزاهم من أرض الجزيرة ففعل بهم مع جيوشه ما أخبر تعالى به في قوله: ﴿فجاسوا٤ خلال الديار﴾ ذاهبين جائين قتلاً وفتكاً وإفساداً نقمة الله على بني إسرائيل لإفسادهم وبغيهم البغي العظيم.
وقوله تعالى: ﴿وكان وعداً مفعولا﴾ أي ما حصل لهم في المرة الأولى٥ من الخراب والدمار ومن
٢ أثنى تعالى على عبده نوح بكثرة الشكر لأنّ شكور: من صيغ المبالغة معناه كثيرالشكر روي أنه كان إذا أكل قال الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء لأجاعني، د إذا شرب قال: الحمد لله الذي أرواني ولوشاء لأظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني.
٣ قال: ﴿عباداً لنا﴾ ولم يقل: عبادي لأنهم أهل كفر وشرك وفسق فلم يشرفهم بالإضافة إليه ووصفهم بأنهم من ملكه فسخرّهم لتأديب عباده الذين فسقوا عن أمره وخرجوا عن طاعته.
٤ الجوس: وهو مصدر جاس يجوس جوساً معناه: التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها، والمراد به تتبع المقاتلة لقتالهم.
٥ في هذه الآيات ذكر مجمل لتاريخٍ بني إسرائيل بدءاً من دولة يوشع بن نون بعد فتحه لبلاد القدس، وطرد العمالقة منها، وإقامة دولة فيها لأوّل مرة وختاماً بطردهم على أيدي الرومان وذلك سنة مائة وخمس وثلاثين بعد ميلاد عيسى عليه السلام، وقسمت الآيات هذا التاريخ قسمين معبرة عنه بالمرتين: الأولى بدءاً من دولة يوشع بن نون واستمرت إلى أن عاثوا في الأرض وفسدوا فيها بالفسق والفجور فسلط عليه البابليين فأسقطوا دولتهم، ومزّقوا ملكهم واستمروا مشتتين إلى أن ملّكوا طالوت وقاتلوا معه على عهد نبي الله حزقيل فهزموا جالوت البابلي، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: ﴿ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً﴾ إذ تكونت لهم دولة عظيمة على عهد كل من طالوت وداود وسليمان واستمرّت حتي فسقوا وفجروا فاستحقوا العذاب فسلّط الله عليهم بختنصر البابلي أيضاً فأحرق هيكل سليمان، ودمّر أورشليم فتركها خراباً ودماراً، وهذه هي المرة الآخرة ثم أنجز لهم الله تعالى ما وعدهم بقوله: ﴿عسى ربكم أن يرحمكم﴾ فاجتمعوا وصلحوا وعاد لهم ملكهم فترة من الزمن، وعادوا إلى الفسق والعصيان فعاد الله تعالى عليهم فسلّط عليهم الرومان سنة ١٣٥ بعد الميلاد فاحتلوا بلادهم وشرّدوهم في الأرض.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان إفضال الله تعالى على الأمتين الإسلامية والإسرائيلية.
! - بيان سر إنزال الكتب وهو هداية الناس عبادة الله تعالى وتوحيده فيها.
٣- وجوب شكر الله تعالى على نعمه إذ كان نوح عليه السلام إذا أكل الأكلة قال الحمد لله، وإذا شرب الشربة قال الحمد لله، وإذا لبس حذاءه قال الحمد لله وإذا قضى حاجة قال الحمد لله فسمي عبداً شكوراً وكذا كان رسول الله والصالحون من أمته إلى اليوم.
٤- ما قضاه الله تعالى كائن، وما وعد به ناجز، والإيمان بذلك واجب.
٥- التنديد بالإفساد والظلم والعلو في الأرض، وبيان سوء عاقبتها.
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (٧) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)
إن أحسنتم: أي طاعة الله وطاعة رسوله بالإخلاص فيها وبأدائها على الوجه المشروع لها.
أحسنتم لأنفسكم: أي أن الأجر والمثوبة والجزاء الحسن يعود عليكم لا على غيركم.
وإن أسأتم: أي في الطاعة فإلى أنفسكم سوء عاقبة الإساءة.
وعد الآخرة: أي المرة الآخرة المقابلة للأولى وقد تقدمت.
ليسوءوا وجوهكم: أي يقبحوها بالكرب واسوداد الحزن وهم الذل.
وليدخلوا المسجد: أي بيت المقدس.
وليتبروا ما علو تتبيرا: أي وليدمروا ما غلبوا عليه من ديار بني إسرائيل تدميراً.
وإن عدتم عدنا: أي وإن رجعتم إلى الفساد والمعاصي عدنا بالتسليط عليكم.
حصيراً: أي محبساً وسجناً وفراشاً يجلسون عليها فهي من فوقهم ومن تحتهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل فبعد أن أخبرهم تعالى بما حكم به عليهم في كتابهم أنهم يفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كبيراً. وأنه إذا جاء ميقات أولى المرتين بعث عليهم عباداً أشداء أقوياء وهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوهم، أنه تعالى رد لهم الكرة عليهم فانتصروا عليهم وقتل داود جالوت وتكونت لهم دولة عظيمة كانت أكثر الدول رجالاً واوسعها سلطاناً وذلك لرجوعهم إلى الله تعالى بتطبيق كتابه والتزام شرائعه وهناك قال تعالى لهم: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم﴾ أي إن أحسنتم بإتباع الحق والتزام الطاعة لله ورسوله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والأخذ بسنن الله تعالى في الإصلاح البشري وإن أسأتم تعطيل الشريعة والانغماس في الملاذ والشهوات فإن نتائج ذلك عائدة على أنفسكم حسب سنة الله تعالى: ﴿من يعمل سوءاً يجزيه ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً﴾ وقوله تعالى: ﴿فإذا جاء وعد الأخرة﴾ أي وقتها المعين لها، وهي المرة الآخرة بعد الأولى بعث أيضاً عليهم عباداً له وهم بختنصّر وجنوده بعثهم عليهم ليسودوا وجوههم بما يصيبونهم به من الهم والحزن والمهانة والذل ﴿وليدخلوا المسجد﴾ أي بيت المقدس كما دخلوه أول مرة ﴿وليتبروا﴾ أي يدمروا ما علوا أي ما غلبوا عليه من ديارهم ﴿تتبيرا﴾ أي تدميراً كاملاً وتحطيماً تاماً وحصل لهم هذا لما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وكثيراً من العلماء وبعد أن ظهر فيهم الفسق وفي نسائهم التبرج والفجور واتخاذ الكعب العالي. كما أخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- صدق وعد الله تعالى.
٢- تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مثل هذه الأنباء لا يقصها إلا نبي يوحى إليه.
٣- تقرير قاعدة ﴿من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها﴾.
٤- وجوب الرجاء في الله وهو انتظار الفرج والخير منه وإن طال الزمن.
٥- قد يجمع الله تعالى للكافرين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وكذا الفاسقون من المؤمنين.
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠) وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (١١)
٢ الحصير المكان الذي يحصر فيه فلا يستطاع الخروج منه ففعيل (حصير) إمَّا أن يكون بمعنى فاعل أي: حاصر أو بمعنى مفعول أي: محصور فيه، وفسّر في التفسير بالسجن وهو كذلك إذ السجن يحصر مَنْ فيه فلا يقدر على الخروج منه.
شرح الكلمات:
للتي هي أقوم: أي للطريقة التي هي أعدل وأصوب.
أن لهم أجراً كبيراً: إنه الجنة دار السلام.
أعتدنا لهم عذاباً أليما: انه عذاب النار يوم القيامة.
ويدع الإنسان بالشر: أي على نفسه وأهله إذا هو ضجر وغضب.
وكان الإنسان عجولا: أي سريع التأثر بما يخطر على باله فلا يتروى ولا يتأمل.
آيتين: أي علامتين دالتين على وجود الله وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.
فمحونا آية الليل: أي طمسنا نورها بالظلام الذي يعقب غياب الشمس.
مبصرة: أي يبصر الإنسان بها أي بسبب ضوء النهار فيها.
عدد السنين والحساب: أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالأيام والأسابيع والشهور.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن هذا القران الكريم١ الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يهدي بما فيه من الدلائل والحجج والشرائع والمواعظ للطريقة والسبيل التي هي أقوم٢ أي أعدل واقصد من سائر الطرق والسبيل إنها الدين القيم الإسلام سبيل السعادة والكمال في الدارين، ﴿ويبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي ويبشر القران الذين آمنوا بالله ورسوله ولقاء الله ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض والنوافل بعد تركهم الكبائر والمعاصي بأن لهم أجراً كبيراً ألا وهو الجنة، كما يخبر الذين لا يؤمنون بالآخرة أن الله تعالى
٢ ﴿أقوم﴾ اسم تفضيل من القويم، وأقوم: صفة لمحذوف وهو الطريق أي: الطريق التي هي أقوم من هدي كتاب بني إسرائيل إذ قال فيه: ﴿وجعلناه هدى لبني إسرائيل﴾ فالقرآن أكثر هداية إلى السبيل الأقوم من التوراة.
وقوله تعالى ﴿ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير١﴾ يخبر تعالى عن الإنسان في ضعفه وقلة إدراكه لعواقب الأمور من أنه! ذا ضجر أو غضب يدعو على نفسه وأهله بالشر غير مفكر في عاقبة دعائه لو استجاب الله تعالى له. يدعو بالشر دعاءه بالخير أي كدعائه بالخير، وقوله: ﴿وكان الإنسان عجولا٢﴾ أي كثير العجلة يستعجل في الأمور كلها هذا طبعه ما لم يتأدب بآداب القرآن ويتخلق بأخلاقه فإن هو استقام على منهج القرآن تبدل طبعه وأصبح ذا توأدة وحلم وصبر وأناة، وقوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين﴾ أي علامتين على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا، وقوله ﴿فمحونا٣ آية الليل﴾ أي بطمس نورها، وجعلنا آية النهار مبصرة أي مضيئة وبين علة ذلك بقوله: ﴿لتبتغوا فضلا من ربكم﴾ أي لتطلبوا رزقكم بالسعي والكسب في النهار. هذا من جهة ومن جهة أخرى ﴿لتعلموا عدد السنين والحساب﴾ أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالأيام والأسابيع والشهور. لتوقف مصالحكم الدينية٤ والدنيوية على ذلك. وقوله تعالى: ﴿وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾ أي وكل شيء يحتاج إليه في كمال الإنسان وسعادته بيناه تبييناً أي في هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان فضل القرآن الكريم، بهدايته إلى الإسلام الذي هو سبيل السعادة للإنسان.
٢- الوعد والوعيد بشارة المؤمنين العاملين للصالحات، ونذارة الكافرين باليوم الآخر.
٣- بيان طبع الإنسان قبل تهذيبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية.
٤- كون الليل والنهار آيتين على الله تعالى وتقرران علمه وقدرته وتدبيره.
٥- مشروعية علم الحساب وتعلمه.
٢ روي أن آدم عليه السلام لما نفخ الله تعالى فيه الروح فانتهت الروح إلى سرّته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر فذلك قوله تعالى: ﴿وكان الإنسان عجولا﴾ قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومن مظاهر عجلة الإنسان انه يؤثر العاجل وإن قل على الآجل وإن كثر.
٣ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة رحمه الله: المراد بالمحو: اللطخة السوداء في القمر ليكون ضوء القمر أقلّ من ضوء الشمس فيتميّز الليل من النهار وما في التفسير أولى أي: جعل الله الليل مظلماً، والنهار مضيئاً لما يترتب على ذلك من مصالح العباد.
٤ كمعرفة أوقات الصلاة، وشهر الصيام، والحج، وما إلى ذلك من آجال الديون ونحوها كالعِدد للنساء.
شرح الكلمات:
طائره: أي عمله وما قدر له من سعادة وشقاء.
في عنقه: أي ملازم له لا يفارقه حتى يفرغ منه.
عليك حسيبا: أي كفى نفسك حاسباً عليك.
ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى.
مترفيها: منعميها من أغنياء ورؤساء.
فحق عليها القول: أي بالعذاب.
وكم أهلكنا: أي أهلكنا كثيراً.
من القرون: أي من أهل القرون السابقة.
خبيرا بصيرا: أي عليماً بصيراً بذنوب العباد.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه عز وجل لعظيم قدرته، وسعة علمه، وحكمته في تدبيره ألزم كل إنسان ما قضى به له من عمل وما يترتب على العمل من سعادة أو شقاء في الدارين، الزمه ذلك بحيث لا يخالفه ولا
٢ قالوا في علة: نشره أنه تعجيل للبشرى بالحسنات والتوبيخ بالسيئات.
٣ قيل في هذه الآية {ولا تزر وازرة... ﴾ نزلت في الوليد بن المغيرة إذ قال لأهل مكة اتبعوني واكفروا بمحمد وعليَّ أوزاركم. وإن لم تنزل فيه فهي شاملة لكل من يقول بقوله تضليلاً وباطلاً.
٤ استدلت عائشة رضي الله عنها بهذه الآية على بطلان حديث ابن عمر إذ قال: إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله، وردّ اعتراضها بأنّ الميت إذا أوصى بالبكاء كان ذلك من وزره لا من وزر غيره، وقد كانوا يوصون بذلك، قال طرفة بن العبد:
إذا مت فأتبعيني بما أنا أهله
وشُقّي عَلَيَّ الجيب يا بنت معبد
ومن الجائز أن يعذّب وإن لم يوص، إذا هو أهمل تأديب أهله.
٥ أول المعتزلة الرسول (رسولا) بالعقل، وقالوا: العقل يحسن ويقبح ويبيح ويحظر، وهو تأويل باطل لا يتفق مع اللغة ولا مع الشرع.
٦ شاهده حديث زينب في الصحيح: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
٢- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٣- تقرير العدالة١ الإلهية يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً.
٤- بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم غير أنها لا تهلك إلا بعد الإنذار والإعذار إليها.
٥- التحذير من كثرة التنعم والترف فإنه يؤدي إلى الفسق بترك الطاعة ثم يؤدي الفسق إلى الهلاك والدمار.
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ
شرح الكلمات
العاجلة: أي الدنيا لسرعة انقضائها.
يصلاها مذموما مدحورا: أي يدخلها ملوما مبعداً من الجنة.
وسعى لها سعيها: أي عمل لها العمل المطلوب لدخولها وهو الإيمان والعمل الصالح.
كان سعيهم مشكوراً: أي عملهم مقبولاً مثاباً عليه من قبل الله تعالى.
كلا نمد هؤلاء وهؤلاء: أي كل فريق من الفريقين نعطي.
وما كان عطاء ربك محظورا: أي لم يكن عطاء الله في الدنيا محظوراً أي ممنوعا عن أحد.
كيف فضلنا بعضهم على بعض: أي في الرزق والجاه.
لا تجعل مع الله إلها آخر: أي لا تعبد مع الله تعالى غيره من سائر المعبودات الباطلة.
فتقعد ملوماً مخذولاً: أي فتصير مذموماً من الملائكة والمؤمنين مخذولاً من الله تعالى.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في أخبار الله تعالى الصادقة والمتضمنة لأنواع من الهدايات الإلهية التي لا يحرمها إلا هالك، فقال تعالى في الآية الأولى (١٨) ﴿من كان يريد العاجلة﴾ أي الدنيا ﴿عجلنا له فيها ما نشاء﴾، لا ما يشاؤه العبد، وقوله ﴿لمن نريد﴾ لا من يريد غيرنا فالأمر كله لنا، ﴿ثم﴾ بعد ذلك ﴿جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً﴾ أي ملوماً ﴿مدحوراً١﴾ أي مطروداً من رحمتنا التي هي الجنة دار الأبرار أي المطيعين الصادقين. وقوله تعالى في الآية الثانية (١٩) ﴿ومن أراد الآخرة﴾ يخبر
وقوله ﴿فأولئك﴾ أي المذكورون بالإيمان والعمل الصالح ﴿كان سعيهم مشكوراً١﴾ أي كان عملهم متقبلاً يثابون عليه بالجنة ورضوان الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا﴾ إي أن كلا من مريدي الدنيا ومريدي الآخرة يمد الله هؤلاء وهؤلاء من عطائه أي فضله الواسع فالكل يأكل ويشرب ويكتسي بحسب ما قدر له من الضيق والوسع ثم يموت وثَمَّ يقع التفاضل بحسب السعي الفاسد أو الصالح وقوله ﴿وما كان عطاء ربك محظورا٢﴾ يعني أن من أراد الله إعطاءه شيئاً لا يمكن لأحد أن يصرفه منه ويحرمه منه بحال من الأحوال وقوله تعالى: ﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾ أي انظر يا رسولنا ومن يفهم خطابنا كيف فضلنا بعض الناس على بعض في الرزق الذي شمل الصحة والعافية والمال والذرية والجاه، فإذا عرفت هذا فاعرف أن الآخرة أكبر درجات٣ وأكبر تفضيلا وذلك عائد إلى فضل الله أولا ثم إلى الكسب صلاحاً وفساداً وكثرة وقِلًَّةً كما هي الحال أيضاً في الدنيا فبقدر كسب الإنسان الصالح للدنيا يحصل عليها ولو كان كافراً لقوله تعالى من سورة هود٤ ﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون﴾ أي لا ينقصون ثمرات عملهم لكونهم كفاراً مشركين.
وقوله تعالى: ﴿لا تجعل مع٥ الله إلهاً آخر﴾ أي لا تجعل يا رسولنا مع الله إلها آخر تؤمن به وتعبده وتقرر إلهيته دوننا فإنك إن فعلت- وحاشاه أن يفعل لأن الله لا يريد له ذلك ﴿فتقعد في جهنم مذموماً﴾ أي ملوماً يلومك المؤمنون والملائكة مخذولاً من قبل ربك لا ناصر لك والسياق وإن كان في خطاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن المراد به كل إنسان فالله تعالى ينهى عبده أن يعبد معه غيره فيترتب على ذلك شقاؤه والعياذ بالله تعالى.
٢ لفظ الحظر لغة: المنع، محظوراً أي ممنوعاً يقال: حظره كذا يحظره حظراً وحظاراً: إذا حبسه عنه ومنعه منه.
٣ ورد أن أهل الجنة يتفاوتون في درجاتهم إذ الجنة مائة درجة، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض، وفي الصحيح: "أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء".
٤ آية ١٥.
٥ الخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد به أمّته.
من هداية الآيات:
١- كلا الدارين السعادة فيها أو الشقاء متوقف على الكسب والعمل هذه سنة الله تعالى في العباد.
٢- سعى الدنيا التجارة والفلاحة والصناعة.
٣- سعى الآخرة الإيمان وصالح الأعمال والتخلية عن الشرك والمعاصي.
٤- يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب وعطاؤه قائم على سنن له في الحياة يجب معرفتها والعمل بمقتضاها لمن أراد الدنيا والآخرة.
٥- ما أعطاه الله لا يمنعه أحد فوجب التوكل على الله والإعراض عما سواه.
٦- تحريم الشرك والوعيد عليه بالخلود في نار جهنم.
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)
شرح الكلمات:
وقضى ربك: أي أمر وأوصى.
وبالوالدين إحساناً: أي وأن تحسنوا بالوالدين إحساناً وذلك ببرورهما.
فلا تقل لهما أف: أي تباً أو قبحاً أو خسراناً.
قولاً كريما: جميلاً ليناً.
جناح الذل: أي ألن لهما جانبك وتواضع لهما.
كان للأوابين: أي الرجاعين إلى الطاعة بعد المعصية.
وآت ذا القربى: أي أعط أصحاب القرابات حقوقهم من البر والصلة.
ولا تبذر تبذيرا: أي ولا تنفق المال في غير طاعة الله ورسوله.
لربه كفورا: أي كثير الكفر كَبِيرَهُ لنعم ربه تعالى، فكذلك المبذر أخوه.
معنى الآيات:
لما حرم الله تعالى الشرك ونهى عنه رسوله بقوله ﴿ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولا﴾ أمر بالتوحيد فقال: ﴿وقضى١ ربك﴾ أي حكم وأمر ووصى ﴿ألا تعبدوا إلا إياه﴾ أي بأن لا تعبدوا إلا الله عز وجل، وقوله تعالى: ﴿وبالوالدين إحسانا٢﴾ أي وأوصى بالوالدين وهما الأم والأب إحساناً وهو برهما وذلك بإيصال الخير إليهما وكف الأذى عنهما، وطاعتهما في٣ غير معصية الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما٤﴾ أي إن يبلغ سن الكبر عندك واحد منهما الأب أو الأم أو يكبران معاً وأنت حي موجود بينهما في هذه الحال يجب أن تخدمهما خدمتهما لك وأنت طفل فتغسل بولهما وتطهر نجاستهما وتقدم لهما ما يحتاجان إليه ولا تتضجّر أو تتأفف من خدمتهما كما كانا هما يفعلان ذلك معك وأنت طفل تبول وتخرأ وهما يغسلان وينظفان ولا يتضجران أو يتأففان، وقوله: ﴿ولا تنهرهما﴾ أي لا تزجرهما بالكلمة العالية النابية ﴿وقل لهما قولاً كريماً٥﴾ أي جميلاً سهلا لينا يشعران معه بالكرامة والإكرام لهما وقوله تعالى: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة٦﴾ أي ألن لهما وتطامن وتعطف عليهما وترحم. وادع لهما طوال
٢ هذه الآية نص في برّ الوالدين وحرمة عقوقهما، وشاهد ذلك من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل عن أحب الأعمال إلى الله تعالى فقال: "بر الوالدين" وقال: "إن من الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسبّ الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه".
٣ من شواهد الطاعة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كانت تحتي امرأة أحبّها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عبد الله بن عمر طلّق امرأتك" وللأم ثلاثة أرباع الطاعة وللأب الربع لحديث الصحيح: رواه الترمذي وصححه: "من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمّك قال: ثم من قال أمّك. قال: ثم من قال: أمّك. قال: ثم قال: أبوك".
٤ أي: لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم وعدم رضا، وأف: اسم فعل كصَه ومَهْ منوّن وفيه لغات.
٥ الكريم من كل شيء أرفعه في نوعه.
٦ ال: في الرحمة نابت عن المضاف، إذ التقدير: من رحمتك إياهما.
يخبر تعالى بأنه أعلم بنا من أنفسنا فمن كان يضمر عدم الرضا عن والديه والسخط عليهما فالله يعلمه منه، ومن كان يضمر حبهما واحترامهما والرضا بهما وعنهما فالله تعالى يعلمه ويجزيه به فالمحسن يجزيه بالإحسان والمسيء يجزيه بالإساءة، وقوله: ﴿إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين٢ غفوراً﴾ بحكم ضعف الإنسان فإنه قد يضمر مرة السوء لوالديه أو تبدر منه البادرة السيئة من قول أو عمل وهو صالح مؤدٍ لحقوق الله تعالى وحقوق والديه وحقوق الناس فهذا العبد الصالح يخبر تعالى أنه غفور له متى آب إلى الله تعالى مستغفراً مما صدر منه نادماً عليه.
وقوله تعالى: ﴿وآت ذا القربى٣ حقه والمسكين وابن السبيل﴾ هذا أمر الله للعبد المؤمن بإيتاء قرابته حقوقهم من البر والصلة وكذا المساكين وهم الفقراء الذي مسكنتهم الفاقة وأذلهم الفقر فهؤلاء أمر تعالى المؤمن بإعطائهم حقهم من الإحسان إليهم بالكساء أو الغذاء والكلمة الطيبة، وكذا ابن السبيل وهو المسافر يعطي حقه من الضيافة والمساعدة على سفره إن احتاج إلى ذلك مع تأمينه وإرشاده إلى طريقه. وقوله تعالى ﴿ولا تبذر٤ تبذيرا﴾ أي ولا تنفق مالك ولا تفرقه في غير طاعة الله تعالى. وقوله ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾ لأنهم بتبذيرهم المال في المعاصي كانوا عصاة لله فاسقين عن أمره وهذه حال الشياطين فتشابهوا فكانوا إخواناً، وقوله إن الشيطان كان لربه كفوراً لأنه عصى الله تعالى وكفر نعمه عليه ولم يشكره بطاعته فالمبذر للمال في المعاصي فسق عن أمر ربه ولم يشكر نعمه عليه فهو إذاً شيطان فهل يرضى عبد الله المسلم أن يكون شيطانا؟
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب عبادة الله تعالى وحده ووجوب بر الوالدين، وهو الإحسان بهما، وكف الأذى عنهما، وطاعتهما في المعروف.
٢ الأوّاب: الذي كلما أذنب تاب. والأوّاب، الحفيظ: الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربّه. وصلاة الأوّابين: صلاة الضحى حين ترمض الفصلان أي تحترق أخفافها من الرمضاء فتبرك من شدة الحر.
٣ هم قرابة المرء من قبل أبيه وأمّه معاً. قاله ابن عباس والحسن.
٤ قال مجاهد: لو أنفق ماله كله في حق ما كان مبذرا، ولو أنفق مُداً في غير حق كان مبذراً.
٣- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم إضمار أي سوء في النفس.
٤- من كان صالحاً وبدرت منه البادرة وتاب منها فإن الله يغفر له ذلك.
٥- وجوب إعطاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة، وكذا المساكين وابن السبيل.
٦- حرمة التبذير وحقيقته إنفاق المال في المعاصي والمحرمات.
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا (٢٨) وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠) وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا (٣١) وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (٣٢) وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (٣٣)
شرح الكلمات:
وإما تعرضن عنهم: أي عن المذكورين من ذي القربى والمساكين وابن السبيل فلم تعطهم شيئاً.
ابتغاء رحمة من ربك ترجوها: أي طلباً لرزق ترجو من الله تعالى.
مغلولة إلى عنقك: أي لا تمسك عن النفقة كأن يدك مربوطة إلى عنقك فلا تستطيع أن تعطي شيئاً.
ولا تبسطها كل البسط: أي ولا تنفق كل ما بيدك ولم تبق شيئاً.
فتقعد ملوما: أي يلومك من حرمتهم من الإنفاق.
محسورا: أي منقطعا عن سيرك في الحياة إذ لم تبق لك شيئاً.
ويبسط الرزق ويقدر: أي يوسعه، ويقدر أي يضيقه امتحانا وابتلاء.
خشية إملاق: أي خوف الفقر وشدته.
خطئاً كبيراً: أي إثماً عظيماً.
فاحشة وساء سبيلاً: أي خصلة قبيحة شديدة القبح، ، وسبيلا بئس السبيل.
لوليه سلطان: أي لوارثه تسلطاً على القاتل.
فلا يسرف في القتل: أي لا يقتل غير القاتل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في وصايا الرب تبارك تعالى والتي هي حكم أوحاها الله تعالى إلى رسوله للاهتداء بها، والكمال والإسعاد عليها. فقوله تعالى: ﴿وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً﴾ أي إن أعرضت عن قرابتك أو عن مسكين سألك أو ابن سبيل احتاج إليك ولم تجد ما تعطيهم فأعرضت عنهم بوجهك أيها الرسول ﴿فقل لهم قولاً ميسوراً١﴾ أي سهلا ليناً وهو العدة الحسنة كقولك إن رزقني الله سأعطيك أو عما قريب سيحصل لي كذا وأعطيك وما أشبه ذلك من الوعد الحسن، فيكون ذلك عطاء منك عاجلاً لهم يسرون به، ولا يحزنون. وقوله تعالى: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك﴾ أي لا تبخل بما آتاك الله فتمنع ذوي الحقوق حقوقهم كأن يدك مشدودة إلى عنقك فلا تستطيع أن تنفق، وقوله: ﴿ولا تبسطها كل البسط﴾ أي تفتح يديك بالعطاء فتخرج كل ما بجيبك أو خزانتك فلا تبق شيئاً لك ولأهلك. وقوله: ﴿فتقعد ملوماً محسوراً﴾ أي إن أنت أمسكت ولم تنفق لامك سائلوك إذ لم تعطهم، وإن أنت أنفقت كل
إلاّ تكن ورِق يوماً أجود بها
للسائلين فإني ليّن العودِ
لا يعدم السائلون الخير من خلقي
إمّا نوالي وإمّا حسن مردودي
وقوله: ﴿ولا تقربوا٣ الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً٤﴾ أي ومن جملة ما حكم به ووصى أن لا تقربوا أيها المؤمنون الزنا مجرد قرب منه قبل فعله، لأن الزنا كان في حكم الله فاحشة أي خصلة قبيحة شديدة القبح ممجوجة طبعاً وعقلاً وشرعاً، وساء طريق هذه الفاحشة سبيلاً أي بئس الطريق الموصل إلى الزنا طريقا للآثار السيئة والنتائج المدمرة التي تترتب عليه أولها أذية المؤمنين في أعراضهم وآخرها جهنم والاصطلاء بحرها والبقاء فيها أحقاباً طويلة. وقوله: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ أي ومما حكم تعالى به وأوصى أن لا تقتلوا أيها المؤمنون النفس التي حرم الله أي قتلها إلا بالحق، وقد بيّن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحق الذي تقتل به نفس المؤمن وهو واحدة من ثلاث: القتل العمد العدوان، الزنا بعد الاحصان، الكفر بعد الإيمان. وقوله: ﴿ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً٥﴾ أي من قتل له قتيل ظلماً وعدواناً أي غير خطأ فقد أعطاه تعالى سلطة كاملة على قاتل وليه إن شاء قتله وإن شاء أخذ دية منه، وإن شاء عفا عنه لوجه الله تعالى: وقوله: ﴿فلا يسرف٦ في القتل إنه كان منصوراً٧﴾ أي لا يحل لولي الدم أي لمن قتل له
٢ يقال: خطىء يخطأ خطئاً، وخطأ: إذا أذنب. وأخطأ يُخطىء: خطأً إذا سلك سبيل خطإٍ عمداً.
٣ قالت العلماء: قول: ﴿ولا تقربوا الزنى﴾ : أبلغ من قول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنى والزنى يمدّ ويقصر لغتان.
٤ قبح سبيلا إي: طريقاً لأنه يؤدي إلى النار.
٥ الولي: هو المستحق الدّم رجلاً كان أو امرأة، والسلطان معناه التسليط فهو إن شاء قتل وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
٦ أي: فلا يقتل غير قاتله، ولا يمثّل بالقتيل، ولا يقتل بالواحد اثنين أو أكثر ولا بالعبد الحر.
٧ جملة: إنه كان منصورا: تعليلية أي: علّة للنهي عن الإسراف في القتل.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- العدة الحسنة تقوم مقام الصدقة لمن لم يجد ما يتصدق به على من سأله.
٢- حرمة البخل، والإسراف معاً وفضيلة الاعتدال والقصد.
٣- تجلى حكمة الله تعالى في التوسعة على أناس، والتضييق على آخرين.
٤- حرمة قتل الأولاد بعد الولادة أو إجهاضاً قبلها خوفا من الفقر أو العار.
٥- حرمة مقدمات الزنا كالنظر بشهوة والكلام مع الأجنبية ومسها وحرمة الزنا وهو أشد.
٦- حرمة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق والحق قتل عمد عدواناً، وزناً بعد إحصان، وكفر بعد إيمان١.
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (٣٦) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (٣٩)
إلا بالتي هي أحسن: أي ألا بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والإنفاق عليه منه بالمعروف.
حتى يبلغ أشده: أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد.
وأوفوا بالعهد: أي إذا عاهدتم الله أو العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه.
إن العهد كان مسئولا: أي عنه وذلك بأن يسأل العبد يوم القيامة لم نكثت عهدك؟
أوفوا الكيل: أي اتموه ولا تنقصوه.
بالقسطاس المستقيم: أي الميزان السوي المعتدل.
وأحسن تأويلاً: أي مآلاً وعاقبة.
ولا تقف: أي ولا تتبع.
والفؤاد: أي القلب.
كان عنه مسئولاً: أي عن كل واحد من هذه الحواس الثلاث يوم القيامة.
مرحاً: أي ذا مرح بالكبر والخيلاء.
لن تخرق الأرض: أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك.
من الحكمة: أي التي هي معرفة المحاب لله تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها تقربا إليه تعالى بذلك.
ملوما مدحوراً: أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعداً من رحمة الله تعالى.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في بيان ما قضى به الله تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى: ﴿ولا تقربوا﴾ أي أيها المؤمنون ﴿مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن﴾ أي بالفعلة التي هي أجمل وذلك بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والإصلاح فيه، والإنفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه لتأكلوه إسرافاً وبداراً فلالا. وقوله: حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية. وقوله تعالى: ﴿وأوفوا بالعهد١﴾ أي ومما أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فلا يحل لكم أن لا توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الأحوال. وقوله: ﴿إن العهد كان مسئولاً٢﴾ تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى أن العبد
٢ الجملة تعليلية علل بها الأمر بالوفاء بالعهود، وحذف متعلق مسئولا لظهوره: وهو عنه أي مسئولا عنه.
٢ القفو: الاتباع يقال قفاه يقفوه إذا اتبعه وهو مشتق من القفا وهو وراء العنق.
٣ بهذه الحكمة وهي ولا تقف ما ليس لك به علم: وضع حد لكثير من المفاسد التي كانت تقع لسبب القول بدون علم منها: الطعن في الأنساب لمجرد ظن. ومنها القذف بالفاحشة. ومنها الكذب، ومنها شهادة الزور إلى غير ذلك من الأضرار التي تتم بسبب القول بالظن وبدون علم.
٤ كل أولئك: المفروض أن يقال: كلها ولكن عدل إلى أولئك لأهمية تلك الحواس ونظير هذا في كلام العرب قول الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام
وقوله تعالى: ﴿ذلك٢ مما أوحى إليك ربك من الحكمة﴾ أي ذلك الذي بيَّنَّا لك يا رسولنا من الأخلاق الفاضلة والخلال الحميدة التي أمرناك بالأخذ بها والدعوة إلى التمسك بها، ومن الخلال القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا عليك إتيانها مما أوحينا إليك في كتابنا هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة، فلله الحمد وله المنة.
وقوله: ﴿ولا تجعل٣ مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً٤﴾ هذه أم الحكم بدأ بها السياق وختمه بها تقريراً وتأكيداً إذ تقدم قوله تعالى: ﴿ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً﴾. والخطاب وإن كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كل أحد معني به فأي إنسان يشرك بربه أحداً من خلقه في عبادته فقد جعله إلهاً مع الله، ولابد أن يلقى في جهنم ملوماً من نفسه مدحوراً مبعداً من رحمة ربه التي هي الجنة. وهذا إذا مات قبل أن يتوب فيوحد ربه في عباداته. إذ التوبة إذا صحت جَبَّت ما قبلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمة مال اليتيم أكلا أو إفساداً أو تضييعاً وإهمالاً.
٢- وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود.
! - وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن.
٢ الإشارة إلى ما تقدم، والجملة مذيّل بها الكلام تنبيها على ما اشتملت عليه الآيات السبع عشرة من الحكمة تحريضاً على إتباع ما فيها وانه خير عظيم كما فيها الامتنان على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى أمته بهذه الحكم والمعارف النافعة في الدنيا والآخرة.
٣ هذه الجملة معطوفة على مثيلاتها المتضمنة للنهي عن كبائر الذنوب وهي مؤكدة لمضمون جملة: ﴿وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه﴾.
٤ المدحور: هو المطرود من رحمة الله المغضوب عليه من الله تعالى.
٥- حرمة القول أو العمل بدون علم لما يُقْضِي إليه ذلك من المفاسد ولأن الله تعالى سائل كل الجوارح ومستشهدها على صاحبها يوم القيامة.
٦- حرمة الكبر ومقت المتكبرين.
٧- انتظام هذا السياق لخمس وعشرين حكمة الأخذ بها خير من الدنيا وما فيها، والتفريط فيها هو سبب خسران الدنيا والآخرة.
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (٤١) قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)
شرح الكلمات:
أفأصفاكم: الاستفهام للتوبيخ والتقريع ومعنى أصفاكم خصكم بالبنين واختارهم لكم.
ولقد صرفنا في هذا القرآن: أي بينا فيه من الوعد والوعيد والأمثال والعظات والأحكام والعبر.
ليذكروا: أي ليذكروا فيتعظوا فيؤمنوا ويطيعوا.
لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا: أي لَطَلَبوا طريقا إلى الله تعالى للتقرب إليه وطلب المنزلة عنده.
ومن فيهن: أي في السموات من الملائكة والأرض من إنسان وجان وحيوان.
حليما غفوراً: حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على معصيتكم إياه وعدم طاعتكم له.
معنى الآيات:
يقول تعالى مقرعاً موبخاً المشركين الذين يئدون البنات ويكرهونهنّ ثم هم يجعلون الملائكة إناثاً ﴿أفأصفاكم ربكم١ بالبنين﴾ أي أخصكم بالبنين ﴿واتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولا عظيماً﴾ أيها المشركون إذ تجعلون لله ما تكرهون افترءً وكذباً على الله تعالى، وقوله تعالى: ﴿ولقد صرفنا٢ في هذا القرآن﴾ أي من الحجج والبينات والأمثال والمواعظ الشيء الكثير من أجل أن يُذّكروا فيذكروا ويتعظوا فيُنيبوا إلى ربهم فيوحدونه وينزهونه عن الشريك والولد، ولكن ما يزيدهم القرآن وما فيه من البينات والهدى إلا نفوراً وبعداً عن الحق. وذلك لغلبة التقليد عليهم، والعناد والمكابرة والمجاحدة. وقوله تعالى: ﴿قل لو كان معه آلهة كما تقولون﴾ أي قل يا نبينا لهؤلاء المشركين المتخذين لله أنداداً يزعمون أنها آلهة مع الله قل لهم لو كان مع الله آلهة كما تقولون وإن كان الواقع يكذبكم إذ ليس هناك آلهة مع الله ولكن على فرض أنه لو كان مع الله آلهة ﴿لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾ أي لطلبوا طريقاً إلى ذي العرش سبحانه وتعالى يلتمسون فيها رضاه ويطلبون القرب منه والزلفى إليه لجلاله وكماله، وغناه وحاجتهم وافتقارهم٣ إليه. ثم نزه سبحانه وتعالى نفسه أن يكون معه آلهة فقال ﴿سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً﴾. وقوله: ﴿تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن٤﴾ فأخبر تعالى منزهاً نفسه مقدّساً ذاته عن الشبيه والشريك والولد والعجز، فأخبر أنه لعظمته وكماله تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن بكلمة: سبحان الله وبحمده ﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾ كما أخبر أنه ما من شيء من المخلوقات إلا ويسبح بحمده
٢ من الجائز أن تكون (في) مزيدة، والقرآن: معمول لصرّفنا، إذ التصريف: صرف الشيء من جهة إلى جهة، والمراد به هنا: البيان والتكرير والانتقال من حكمة إلى حكمة ومن عبرة إلى موعظة.
٣ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لطلبوا مع الله منازعة وقتالاً كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض، وقال سعيد بن جبير المعنى: إذاً لطلبوا طريقاً إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه لأنهم شركاؤه، وما قاله ابن عباس كالذي قاله سعيد جائز لكن ما ذهبنا إليه في التفسير أولى وألصق بمعنى الآيات والسياق.
٤ من الملائكة والجنّ والإنس.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمة القول على الله تعالى بالباطل ونسبة النقص إليه تعالى كاتخاذه ولداً أو شريكاً.
٢- مشروعية الاستدلال بالعقليات، على إحقاق الحق وإبطال الباطل.
٣- فضيلة التسبيح وهو قول: سبحان الله وبحمده حتى إن من قالها مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت في الكثرة مثل زبد البحر.
٤- كل المخلوقات في العوالم كلها تسبح الله تعالى أي تنزهه كن الشريك والولد والنقص والعجز ومشابهة الحوادث إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
٥- حلم الله يتجلى في عدم تعجيل عقوبة من عصاه ولولا حلمه لعجل عقوبة مشركي مكة وأكابر مجرميها. ولكن الله أمهلهم حتى تاب أكثرهم.
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (٤٧) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً (٤٨)
٢ قوله: ﴿لا تفقهون تسبيحهم﴾ دليل على أن تسبيح كل شيء بلسان قاله ويؤيد هذا تسبيح الطعام، وسلام الحجر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدل من هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يسمع صوت مؤذن من جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة".
حجابا مستورا: أي ساتراً لهم فلا يسمعون كلام الله تعالى.
وجعلنا على قلوبهم أكنة: أي أغطية على القلوب فلا تعي ولا تفهم.
وفي آذانهم وقراً: أي ثقلاً فلا يسمعون القرآن ومواعظه.
ولو على أدبارهم نفوراً: أي فراراً من السماع حتى لا يسمعوا.
بما يستمعون به: أي بسببه وهو الهزء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذ هم نجوى: أي يتناجون بينهم يتحدثون سراً.
رجلا مسحوراً: أي مغلوياً على عقله مخدوعاً.
ضربوا لك الأمثال: أي قالوا ساحر، وقالوا كاهن وقالوا شاعر.
فضلوا: أي عن الهدى فلا يستطيعون سبيلاً.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وإذا قرأت القرآن﴾ ١ يخبر تعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا قرأ القرآن على المشركين ليدعوهم به إلى الله تعالى ليؤمنوا به ويعبدوه وحده جعل الله تعالى بينه وبين المشركين حجاباً٢ ساتراً، أو مستوراً لا يُرى وهو حقاً حائل بينهم وبين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يسمعوا القرآن الذي يقرأ عليهم فلا ينتفعون به. وهذا الحجاب ناتج عن شدة بغضهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكراهيتهم لدعوته فهم لذلك لا يرونه ولا يسمعون قراءته. وقوله تعالى: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة أن٣ يفقهوه﴾ جمع كنان وهو الغطاء حتى لا يصل المعنى المقروء من الآيات إلى قلوبهم فيفقهوه، وقوله: ﴿وفي آذانهم وقراً﴾ أي وجعل تعالى في آذان أولئك المشركين الخصوم ثقلاً في آذانهم فلا يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم، وهذا كله من الحجاب الساتر والأكنة، والوقر في الآذان عقوبة من الله تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن لسابقة الشر لهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ببغضهم للرسول وما جاء به وحربهم له ولما جاء به من التوحيد والدين الحق، وقوله
٢ ساتراً أي: للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يراه من أراده بسوء، ومستوراً أي: الحجاب لا يراه المشركون وهو موجود فعلاً، ولكن لا يُرى.
٣ أن يفقهوه أي: لئلا يفقهوه أو كراهية أن يفقهوه.
وقوله تعالى: ﴿انظر كيف٥ ضربوا لك الأمثال﴾ أي انظر يا رسولنا كيف ضرب لك هؤلاء المشركون المعاندون الأمثال فقالوا عنك: ساحر، وشاعر، وكاهن ومجنون فضلوا في طريقهم ﴿فلا يهتدون سبيلا﴾ إنهم عاجزون عن الخروج من حيرتهم هذه التي أوقعهم فيها كفرهم وعنادهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة حبك الشيء يعمى ويصم: فإن الحجاب المذكور في الآية وكذا الأكنة والثقل في الآذان هذه كلها حالت دون سماع القرآن من أجل بغضهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللقرآن وما جاء به عن الدعوة إلى التوحيد.
٢- بيان مدى كراهية المشركين للتوحيد وكلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
٣- بيان مدى ما كان عليه المشركون من السخرية والاستهزاء بالرسول والقرآن.
٤- بيان اتهامات المشركين للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسحر مرة والكهانة ثانية والجنون ثالثة بحثاً عن الخلاص من دعوة التوحيد فلم يعثروا على شيء كما قال تعالى: ﴿فضلوا فلا يستطيعون سبيلا﴾.
٢ أي: دلّ على معنى لا إله إلا الله.
٣ يجوز أن يكون نفور جمع نافر كشهود جمع شاهد، ويجوز أن يكون مصدراً من نفر نفوراً أي: نفروا نفوراً.
٤ قولهم هذا وهم يتناجون يقولون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً أي: مطبوباً قد خبله السحر فاختلط عليه أمره. يقولون هذا حتى ينفروا الناس عنه ولا يتبعوه.
٥ عجّبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وأخرى شاعر فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا يرجعون معه من حيرتهم أو يتمكنون به من صدّ الناس عنك وصرفهم عن دعوتك.
شرح الكلمات:
وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتاً: الاستفهام للإنكسار الاستبعاد والرُّفات الأجزاء المتفرقة.
مما يكبر في صدوركم: أي يعظم عن قبول الحياة في اعتقادكم.
فطركم: خلقكم.
فسينغضون: أي يحركون رؤوسهم تعجباً.
متى هو؟ : الاستفهام للاستهزاء أي متى هذا البعث الذي تعدنا.
يوم يدعوكم: أي يناديكم من قبوركم على لسان إسرافيل.
فتستجيبون: أي تجيبون دعوته قائلين سبحانك اللهم وبحمدك.
وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً: وتظنون أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا قليلا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير العقيدة ففي الآيات قبل هذه كان تقرير التوحيد والوحي وفي هذه الآيات تقرير البعث والجزاء الآخر ففي الآية (٤٧) يخبر تعالى عن إنكار المشركين للبعث واستبعادهم له بقوله: ﴿وقالوا١ أئذا كنا عظاماً ورفاتاً٢﴾ أي أجزاء متفرقة كالحطام ﴿أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً٣﴾ وفي الآية الثانية (٤٨) يأمر تعالى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لهم
٢ الرفات: ما تكسّر ويَلي من كل شيء كالفتات، والحطام والرّضاض يقال: رُفِت الشيء رفتا أي: حطم والاستفهام إنكاري.
٣ الاستفهام للاستهزاء مع الجحد والإنكار، و ﴿خلقاً﴾ : منصوب على الحال من ضمير ﴿لمبعوثون﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء وبيان حتميتها.
٢- بيان ما كان عليه المشركون من شدة إنكارهم للبعث الآخر.
٣- تعليم الله تعالى لرسوله كيف يجيب المنكرين المستهزئين بالتي هي أحسن.
٤- بيان الأسلوب الحواري الهادي الخالي من الغلظة والشدة.
٢ قال مجاهد: يعني السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس.
٣ لأنّ الموت لا شيء أكبر منه في نفوس بني آدم، قال أمية بن الصلت:
وللّموت خلق في النفوس فظيع
وخلقاً بمعنى مخلوق، ، ومن يكبر في صدوركم صفة له.
٤ روي أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "انكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم".
٥ قال سعيد بن جبير يخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون: سبحانك وبحمدك.
٦ وقيل: هذا ما بين النفختين، وذلك أنّ العذاب يكفّ عن المعذّبين بين النفختين وذلك أربعين عاماً فينامون فإذا نفخ النفخة الثانية قالوا: من بعثنا من مرقدنا وظنّوا أنهم ما لبثوا إلاّ قليلا.
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (٥٣) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (٥٥)
شرح الكلمات:
التي هي أحسن: أي الكلمة التي هي أحسن من غيرها للطفها وحسنها.
ينزغ: أي يفسد بينهم١.
عدواً مبيناً: أي بيّن العداوة ظاهرها.
ربكم أعلم بكم: هذه هي الكلمة التي هي أحسن.
وما أرسلناك عليهم وكيلا: أي فيلزمك إجبارهم على الإيمان.
فضلنا بعض النبيين: أي بتخصيص كل منهم بفضائل أو فضيلة خاصة به.
وآتينا داود زبورا: أي كتابا هو الزبور هذا نوع من التفضيل.
معنى الآيات:
مازال السياق في طلب هداية أهل مكة، من طريق الحوار والمجادلة وحدث أن بعض المؤمنين واجه بعض الكافرين أثناء الجدال بغلظة لفظ كان توعده بعذاب النار فأثار ذلك حفائظ المشركين فأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين إذا خاطبوا المشركين أن لا يغلظوا لهم القول فقال تعالى: ﴿وقل لعبادي٢﴾ أي المؤمنين ﴿يقولوا التي هي أحسن﴾ من الكلمات لتجد طريقاً إلى قلوب الكافرين، وعلل لذلك تعالى فقال ﴿إن الشيطان ينزغ بينهم﴾ بالوسواس فيفسد العلائق التي
٢ أي بالكلمات التي هي أحسن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- النهي عن الكلمة الخشنة المسيئة إلى المدعو إلى الإسلام.
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني
برد الأمور الماضيات وكيل
٢ الزبور: كتاب ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود لعدم الحاجة إلى ذلك لوجود التوراة بينهم، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد والآية صالحة لحجاج اليهود منكري نزول القرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣- بيان نوع الكلمة التي هي أحسن مثل ﴿ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم﴾.
٤- بيان أن الله تعالى أعلم بخلقه فهو يهب كل عبد ما أهله له حتى إنه فاضل بين أنبيائه ورسله عليهم السلام في الكمالات الروحية والدرجات العالية.
قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧) وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨) وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (٥٩) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠)
شرح الكلمات:
فلا يملكون: أي لا يستطيعون.
كشف الضر: أي إزالته بشفاء المريض.
ولا تحويلا: أي للمرض من شخص مريض إلى آخر صحيح ليمرض به.
يبتغون إلى ربهم الوسيلة: أي يطلبون القرب منه بالطاعات وأنواع القربات.
كان محذورا: أي يحذره المؤمنون ويحترسون منه بترك معاصي الله تعالى.
في الكتاب مسطورا: أي في كتاب المقادير الذي هو اللوح المحفوظ مكتوبا.
أن نرسل بالآيات: أي بالآيات التي طلبها أهل مكة كتحويل الصفا إلى جبل ذهب. أو إزالة جبال مكة لتكون أرضاً زراعية وإجراء العيون فيها.
إلا ان كذب بها الأولون: إذ طالب قوم صالح بالآية ولما جاءتهم كفروا بها فأهلكهم الله تعالى.
الناقة مبصرة: أي وأعطينا ثمود قوم صالح الناقة آية مبصرة واضحة بينة.
فظلموا بها: أي كفروا بها وكذبوا فأهلكهم الله تعالى.
إلا تخويفا: إلا من أجل تخويف العباد بأنا إذا أعطيناهم الآيات ولم يؤمنوا أهلكناهم.
أحاط بالناس: أي قدرة وعلما فهم في قبضته وتحت سلطانه فلا تخفهم.
وما جعلنا الرؤيا١: هي ما رآه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء والمعراج من عجائب خلق الله تعالى.
والشجرة الملعونة٢: هي شجرة الزقوم الوارد لفظها في الصافات والدخان.
ونخوفهم: بعذابنا في الدنيا بالإهلاك والإبادة وفي الآخرة بالزقوم والعذاب الأليم.
فما يزيدهم: أي التخويف إلا طغيناناً وكفراً.
معنى الآيات:
مازال السياق في تقرير التوحيد فيقول تعالى لرسوله قل يا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأولئك المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله سبحانه وتعالى فإنهم لا يملكون أن يكشفوا الضر عن مريض ولا يستطيعون تحويله عنه إلى آخر عدو له يريد أن يمسه الضر لأنهم أصنام وتماثيل لا يسمعون
٢ قيل فيها ملعونة جرياً على عادة العرب في كل طعام مكروه يقولون فيه ملعون، وجائز أن يكون المراد باللعن لعن آكلها أي: الشجرة الملعون آكلها.
وقوله تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته﴾ ﴿ويخافون عذابه﴾. يخبرهم تعالى بأن أولئك الذين يعبدونهم من الجن٢ أو الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه. بشتى أنواع الطاعات والقربات فالذي يَعْبُدُ لا يُعْبَد، والذي يتقرب إلى الله بالطاعات لا يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده، وقوله ﴿يرجون رحمته ويخافون٣ عذابه﴾، أي أن أولئك الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. لأن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلاء، لأنه شديد لا يطاق. فكيف يُدعى ويرجى ويخاف من هو يدعو ويرجو ويخاف لو كان المشركون يعقلون.
وقوله تعالى: ﴿وإن من قرية﴾ أي مدينة من المدن ﴿إلا نحن مهلكوها﴾ أي بعذاب إبادة قبل يوم القيامة، ﴿أو معذبوها عذاباً شديداً﴾ بمرض أو قحط أو خوف من عدو ﴿كان ذلك في الكتاب مسطورا﴾ أي مكتوباً في اللوح المحفوظ، فلذا لا يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة وإن لم يكن قد كتب عليهم فلا معنى لاستعجاله فإنه غير واقع بهم وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة وقوله تعالى: ﴿وما منعنا٤ أن نرسل بالآيات﴾ أي بالمعجزات وخوارق العادات ﴿إلا أن كذب بها﴾ أي بالمعجزات الأولون من الأمم فأهلكناهم٥ بتكذيبهم بها، فلو أرسلنا نبينا محمداً بمثل تلك الآيات وكذبت بها قريش
٢ روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون﴾ قال: نفر من الجنّ أسلموا، وكانوا يُعْبَدون فبقي الذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجنّ، وفي رواية قال: أنزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجنّ فأسلم الجنيّون، والذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون أي: بإسلامهم فبقوا يعبدونهم.
٣ في الآية الجمع بين الخوف والرجاء وهما كجناحي الطائر إن انكسر أحدهما لم يطر بالأخر،. ولذا فلابد للمؤمن منهما فالخوف يحمل على أداء الفرائض واجتناب المحرمات، والرجاء يحمل على المسابقة في الخيرات، وبذلك تتم ولايته لربه ويأمن عاقبة أمره.
٤ ﴿وإن من قرية﴾ أي: ظالمة حذفت الصفة للعلم بها إذ لا يأخذ الله أهل قرية إلاّ بعد ظلمهم إذ هو أعدل من يعدل وعدل، وأرحم من يرحم ورحم وقد جاء هذا الوصف في عدّة آيات منها: ﴿وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون﴾ وفي الآية تهديد ووعيد عرفه ابن مسعود رضي الله عنه فقال: إذا ظهر الزنى والربا في قرية أذن الله في هلاكهم.
٥ أي: وما صرفنا عن إرسالك يا رسولنا بالمعجزات التي يطالب بها المشركون إلاّ تكذيب الأولين بها وهؤلاء مثلهم لو أرسلناك بها فكذبوا بها واستحقوا الهلاك ونحن لا نريد لهم ذلك.
وقوله تعالى: ﴿والشجرة الملعونة﴾ أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة الزقوم وأنها ﴿تخرج في أصل الجحيم﴾ إلا فتنة كذلك لأهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة ذات طلع في وسط النار، كيف لا تحرقها النار قياساً للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد، وقوله تعالى ﴿ونخوفهم﴾ بالشجرة الملعونة وأنها ﴿طعام الأثيم تغلي في البطون كغلي الحميم﴾ وبغيرها من أنواع العذاب الدنيوي والأخروي، وما يزيدهم ذلك إلا طغياناً كبيراً أي ارتفاعاً وتكبراً عن قبول الحق والاستجابة له لما سبق في علم الله من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في دعوتك فإن العاقبة لك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة الآلهة المدعاة لعابديها.
! - بيان حقيقة عقليه وهي أن دعاء الأولياء والاستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر
٣- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
٤- بيان المانع من عدم إعطاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيات على قريش.
٥- بيان علة الإسراء والمعراج، وذكر شجرة الزقوم في القرآن الكريم.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (٦٤) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
شرح الكلمات:
لمن خلقت طيناً: أي من الطين.
أرأيتك: أي أخبرني.
كرمت على: أي فضّلْته علي بالأمر بالسجود له.
لأحتنكن: لأستولين عليهم فأقودهم إلى الغواية كالدابة إذا جعل الرسن في
اذهب: أي منظراً إلى وقت النفخة الأولى.
جزاءً موفوراً: أي وافراً كاملاً.
واستفزز: أي واستخفف.
بصوتك: أي بدعائك إياهم إلى طاعتك ومعصيتي بأصوات المزامير والأغاني واللهو.
وأجلب عليهم: أي صِحْ فيهم بركبانك ومُشاتك.
وشاركهم في الأموال: بحملهم على أكل الربا وتعاطيه.
والأولاد: بتزيين الزنا ودفعهم إليه.
وعدهم: أي بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء.
إلا غرورا: أي باطلاً.
ليس لك عليهم سلطان: أي إن عبادي المؤمنين ليس لك قوة تتسلط عليهم بها.
وكفى بربك وكيلاً: أي حافظاً لهم منك أيها العدوّ.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ أي اذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين الجهلة الذين أطاعوا عدوهم وعدو أبيهم من قبل، وعصوا ربهم، اذكر لهم كيف صدّقوا ظنّ إبليس فيهم، واذكر لهم ﴿إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ فامتثلوا أمرنا ﴿فسجدوا إلا إبليس﴾ قال منكراً أمرنا، مستكبراً عن آدم عبدنا ﴿أأسجد١ لمن خلقت طيناً﴾ ؟ أي لمن خلقته من الطين لأن آدم خلقه الله تعالى من أديم الأرض عذبها وملحها ولذا سمى آدم آدم ثم قال في صلفه وكبريائه ﴿أرأيتك﴾ أي أخبرني أهذا ﴿الذي كرمت علي٢﴾ ؟ ! قال هذا استصغار لآدم واستخفافا بشأنه، ﴿لئن أخرتني﴾ أي وعزتك لئن أخرْت موتي ﴿إلى يوم يبعثون لأحتنكن ذريته﴾ أي لأستولين عليهم وأسوقهم إلى أودية الغواية والضلال حتى يهلكوا مثلي ﴿إلا قليلاً﴾ ٣ منهم ممن
٢ أي: فضلت، والإكرام: اسم جامع لكل ما يحمد، وفي الكلام حذف تقديره أخبرني عن هذا الذي فضلته عليَّ لمَ فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين، ويصح بدون تقدير المحذوف أي: أترى هذا الذي كرمته عليَّ لأفعلن به كذا وكذا.
٣ ﴿إلا قليلا﴾ : يعني المعصومين وهم الذين قال تعالى فيهم: ﴿إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ واستثناء إبليس القليل كان ظنا منه فقط كما قال تعالى: ﴿ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه﴾ وقال الحسن: ظن ذلك لأنه وسوس لآدم في الجنة ولم يجد له عزماً فحصل له بذلك هذا العلم المعبّر عنه بالظنّ إذ يطلق لفظ الظن، ويراد به العلم.
وقوله تعالى: ﴿واستفزز من استطعت منهم بصوتك﴾ قال هذا لإبليس بعد أن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم أذن له في أن يعمل ما استطاع في إضلال أتباعه، ﴿واستفزز٢ من استطعت منهم بصوتك﴾ أي واستخفف منهم بدعائك إلى الباطل بأصوات المزامير والأغاني وصور الملاهي وأنديتها وجمعياتها، ﴿وأجلب٣ عليهم﴾ أي صِح على خيلك ورجلك٤ الركبان والمشاة وسقهم جميعاً على بني آدم لإغوائهم وإضلالهم ﴿وشاركهم في الأموال﴾ بحملهم على الربا وجمع الأموال من الحرام وفي ﴿الأولاد﴾ بتزيين الزنا وتحسين الفجور وعدهم بالأماني الكاذبة وبأن لا بعث يوم القيامة ولا حساب ولا جزاء قال تعالى: ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غروراً﴾ أي باطلاً وكذباً وزوراً. وقوله تعالى: ﴿إن عبادي﴾ أي المؤمنين بي، المصدقين بلقائي ووعدي ووعيدي ليس لك عليهم قوة تتسلط عليهم بها، ﴿وكفى بربك وكيلا﴾ أي حافظاً لهم: منك فلا تقدر على إضلالهم ولا إغوائهم يا عدوي وعدوهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية التذكير بالأحداث الماضية للتحذير من الوقوع في الهلاك.
٢- ذم الكبر وأنه من شر الصفات.
٣- تقرير عداوة إبليس والتحذير منها.
٤- بيان مشاركة إبليس أتباعه في أموالهم وأولادهم ونساءهم.
٥- بيان أن أصوات الأغاني والمزامير والملاهي وأندية الملاهي وجمعياتها الجميع من جند إبليس الذي يحارب به الآدمي المسكين الضعيف.
٦- بيان حفظ الله تعالى لأوليائه، وهم المؤمنون المتقون، جعلنا الله تعالى منهم وحفظنا بما يحفظهم به إنه بركريم.
٢ الاستفزاز: طلب الفز، وهو الخفة والانزعاج، وترك التثاقل، والسين والتاء فيه لشدة طلب الاستخفاف والإزعاج.
٣ الإجلاب: جمع الجيوش وسوقها مشتق من الجلبة التي هي الصياح إذ الجيوش تجمع بالجلبة فيهم والصياح بهم.
٤ قرأ حفص: ﴿ورَجِلِك﴾ بكسر الجيم لغة في رجل وقرأ غيره و ﴿رجْلك﴾ بسكون الجيم، والمعنى بخيلك: أي فرسانك ورجالك.
شرح الكلمات:
يزجي لكم الفلك: أي يسوقها فتسير فيه.
لتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا رزق الله بالتجارة من إقليم إلى آخر.
وإذا مسكم الضُر: أي الشدة والبلاء والخوف من الغرق.
ضل من تدعون إلا إياه: أي غاب عنكم من كنتم تدعونهم من آلهتكم.
أعرضتم: أي عن دعاء الله وتوحيده في ذلك.
أو يرسل عليكم حاصباً: أي ريحاً ترمى بالحصباء لشدتها.
ثم لا تجدوا لكم وكيلا: أي حافظاً منه أي من الخسف أو الريح الحاصب.
قاصفاً من الريح: أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتكسرها لقوتها.
علينا به تبيعاً: أي نصيراً ومعيناً يتبعنا ليثأر لكم منا.
ولقد كرمنا بني آدم: أي فضلناهم بالعلم والنطق واعتدال الخلق.
حملناهم في البر والبحر: في البر على البهائم والبحر على السفن.
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه. فقوله تعالى: ﴿ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله﴾ يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب أن يعبدوه ويطيعوه بعد أن يؤمنوا به هو الذي ﴿يزجي١ لهم الفلك﴾ أي السفينة ﴿في البحر﴾ أي يسوقها فتسير بهم في البحر إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق الله لهم بالتجارة من إقليم لآخر. هذا هو إلهكم٢ الحق، أما الأصنام والأوثان فهي مخلوقة لله مربوبة له، لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها، نفعاً ولا ضراً.
وقوله تعالى: ﴿إنه كان بكم رحيماً﴾ ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزجاء السفن وسوقها فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة. وقوله تعالى: ﴿وإذا مسكم الضر٣ في البحر ضل من تدعون إلا إياه﴾ يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم شدة من مرض أو ضلال طريق أو عواصف بحرية اضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا الله وحده ولم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطئ السلامة اعرضوا عن ذكر الله وذكروا آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو الله من قبل ﴿وكان الإنسان كفوراً﴾ هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان، وشدة الكفران. قوله تعالى: وهو يخاطبهم لهدايتهم ﴿أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر﴾ يقرعهم على إعراضهم فيقول ﴿أفأمنتم﴾ الله تعالى ﴿أن يخسف٤ بكم﴾ جانب الأرض الذي نزلتموه عند خروجكم من البحر ﴿أو يرسل عليكم حاصباً﴾ أي ريحاً شديدة تحمل الحصباء٥ فيهلككم كما أهلك عادا ﴿ثم لا تجدوا لكم﴾ من غير الله ﴿وكيلاً﴾ يتولى دفع العذاب عنكم ويقول: ﴿أم أمنتم﴾ الله تعالى ﴿أن يعيدكم فيه﴾ أي في البحر ﴿تارة أخرى﴾ أي مرة أخرى ﴿فيرسل عليكم قاصفاً من الريح﴾ أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتحطمها ﴿فيغرقكم بما كفرتم﴾ أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون ﴿ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا﴾ أي تابعاً يثأر لكم منا ويتبعنا مطالباً بما نلنا منكم من العذاب.
يا أيها الراكب المزجي مطيته
سائل بني أسد ما هذه الصوت
٢ أي: الذي يجب أن يشكروه بعبادته وحده دودن من سواه.
٣ لفظ الضرّ يعم المرض وخوف الغرق والإمساك عن الجري وأهوال حالة اضطراباته.
٤ الخسف: انهيار الأرض بالشيء فوقها، وجانب البر: ناحية الأرض إذ البحر جانب والأرض جانب.
٥ يقال لكل ريح تحمل التراب والحصباء: حاصب، قال الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام يضربنا
بحاصب كنديف القطن منثور
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تعريف الله تعالى بذكر صفاته الفعلية والذاتية.
٢- تذكير المشركين بحالهم في الشدة والرخاء حيث يعرفون الله في الشدة ويخلصون له الدعاء، وينكرونه في الرخاء ويشركون به سواه.
٣- تخويف المشركين بأن الله تعالى قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من الريح فيهلكهم أو يردهم إلى البحر مرة أخرى ويرسل عليهم قاصفاً من الريح فيغرقهم بسبب كفرهم بالله، وعودتهم إلى الشرك بعد دعائه تعالى والتضرع إليه حال الشدة.
٤- بيان منن الله تعالى على الإنسان وأفضاله عليه في تكريمه وتفضيله.
٥- حال الرخاء أصعب على الناس من حال الشدة بالقحط والمرض، أو غيرهما من المصائب.
٦- الإعلان عن كرامة الآدمي وشرفه على سائر المخلوقات الأرضية.
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ٢ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ
٢ ﴿فمن أوتي﴾ معطوف على مقدر اقتضاه قوله: ﴿تدعو كل اناس بإمامهم﴾ أي فيؤتون كتبهم ﴿فمن أوتي كتابه... ﴾ الخ.
شرح الكلمات:
بإمامهم: أي الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر.
فتيلا: أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة.
ومن كان في هذه أعمى: من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعلمه وقدرته، فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا.
وإن كادوا: أي قاربوا.
ليفتنونك: أي يستنزلونك عن الحق، أي يطلبون نزولك عنه.
لتفتري علينا غيره: أي لتقول علينا افتراء غير الذي أوحينا إليك.
إذاً لاتخذوك خليلاً: أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لاتخذوك خليلاً لهم.
ضعف الحياة وضعف الممات: أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفاً وعذاب الآخرة كذلك.
ليستفزونك من الأرض: أي ليستخفونك من الأرض أرض مكة.
لا يلبثون خلافك: أي لا يبقون خلفك أي بعدك إلا قليلاً ويهلكهم الله.
سنة من قد أرسلنا من قبلك: أي لو خرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل، سنتنا في الأمم.
ولا تجد لستتنا تحويلاً: أي عما جرت به في الأمم السابقة.
يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء، اذكر يا رسولنا، ﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم﴾ الذي كانوا يقتدون به ويتبعون فيتقدم ذلك الإمام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم واحداً واحداً فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفاً له وتكريماً، فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم بإيمانهم، يقرأون كتابهم ويحاسبون بما فيه ﴿ولا يظلمون﴾ أي لا ينقصون مقدار فتيل لا تنقص حسناتهم، ولا بزيادة سيئاتهم١. واذكر هذا لهم تعضهم به لعلهم يتعظون، وقوله تعالى: ﴿ومن كان في هذه﴾ أي الدنيا ﴿أعمى﴾، لا يبصر هذه الحجج والآيات والدلائل وأصر على الشرك، والتكذيب والمعاصي ﴿فهو في الآخرة أعمى﴾ أي أشد عمى ﴿وأضل سبيلا﴾ فلا يرى طريق النجاة ولا يسلكه حتى يقع في جهنم. وقوله: ﴿وان كادوا ليفتنونك٢﴾ أي يصرفونك ﴿عن الذي أوحينا٣ إليك﴾ من توحيدنا والكفر بالباطل وأهله. ﴿لتفتري علينا غيره﴾ أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك، وإذاً لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك، من الإغضاء على شركهم والتسامح معهم إقراراً لباطلهم، ولو مؤقتاً، ﴿لاتخذوك خليلاً﴾ لهم وكانوا أولياء لك، وذلك أن المشركين في مكة والطائف، واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي يأمر به ويدعو إليه مكراً منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر، ولقالوا قد رجع إلينا، فهو إذًا يَتَقَوَّل، وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا. وقوله تعالى: ﴿ولولا أن ثبتناك﴾ أي على الحق حيث عصمناك ﴿لقد كدت﴾ أي قاربت ﴿تركن﴾ ٤، أي تميل ﴿إليهم شيئاً قليلاً﴾ بقبول بعض اقتراحاتهم ﴿إذاً﴾ أي لو ملت إليهم، وقبلت منهم ولو شيئاً يسيراً ﴿لأذقناك ضعف٥ الحياة وضعف الممات٦﴾، أي لضاعفنا عليك العذاب في الدنيا والآخرة ثم لا تجد لك نصيراً ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم لمّا فشلوا في المحاولات السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة فأخبر تعالى
٢ عدي فعل يفتنونك بعن لأنه مضمن معنى فعل يتعدّى بها وهو الصرف يقال: صرفه عن كذا. أي يصرفونك.
٣ الآية مسوقة مساق الامتنان على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث عصمه، وفيها بيان مدى ما كان المشركون يريدونه من صرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحق الذي جاءه وهو يدعو إليه من التوحيد.
٤ الركون: الميل بالركن الذي هو الجانب من جسد الإنسان واستعمل في الموافقة بعلاقة القرب.
٥ هذه الجملة جزاء لجملة: ﴿لقد كدت تركن إليهم﴾ إذ تقدير الكلام لو ركنت إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات.
٦ جائز أن يكون المراد بعذاب الدنيا: تراكم المصائب والأزراء في مدّة الحياة وعذاب الممات أن يموت مكموداً مستذلاً بين من فازوا عليه بشرف سقوطه بينهم وضياع ما كان يأمله ويدعو إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الترغيب في الإقتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من الإقتداء بأهل الفساد ومتابعتهم.
٢- عدالة الله تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئاً.
٢- عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الآخرة وموجباته من السقوط في جهنم.
٣- حرمة الركون أي الميل لأهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاءً لهم.
٤- الوعيد الشديد لمن يرضى أهل الباطل تملقاً لهم طمعاً في دنياهم فيترك الحق لأجلهم.
٦- إمضاء سنن الله تعالى وعدم تخلفها بحال من الأحوال.
أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (٧٩) وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (٨٠) وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء
٢ قرأ نافع: ﴿خلفك﴾ أي بعدك، وقرأ حفص ﴿خلافك﴾ وهي لغة في خلف بمعنى: بعد.
شرح الكلمات:
لدلوك الشمس: أي زوالها من كبد السماء ودحوضها إلى جهة الغرب.
إلى غسق الليل: أي إلى ظلمة الليل، إذ الغسق الظلمة.
وقرآن الفجر: صلاة الصبح.
كان مشهوداً: تشهده الملائكة، ملائكة الليل وملائكة النهار.
فتهجد به١: أي بالقرآن.
نافلة: أي زائدة عن الغرض وهي التهجد بالليل.
مقاماً محموداً: هو الشفاعة العظمى يوم القيامة حيث يحمده الأولون والآخرون.
أدخلني مدخل صدق: أي المدينة، إدخالاً مرضياً لا أرى فيه مكروهاً.
وأخرجني مخرج صدق: أي من مكة إخراجاً لا ألتفت بقلبي إليها.
وقل جاء الحق وزهق الباطل: أي عند دخولك مكة فاتحاً لها بإذن الله تعالى.
زهق الباطل: أي ذهب واضمحل.
أعرض ونأ بجانبه: أعرض عن الشكر فلم يشكر، ونأ بجانبه: أي ثنى عطفه متبختراً في كبرياء.
على شاكلته: أي طريقته ومذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلال.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض الهائل لتلك الأحداث الجسام أمر تعالى رسوله بإقام الصلاة فإنها مأمن الخائفين، ومنار السالكين، ومعراج الأرواح إلى ساحة الأفراح فقال: {أقم الصلاة لدلوك
وقوله: ﴿عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾ عسى من الله تعالى تفيد الوجوب، ولذا فقد أخبر تعالى رسوله مبشراً إياه بأن يقيمه يوم القيامة ﴿مقاماً محموداً﴾ يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها ادم فمن دونه... حتى تنتهي إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: أنا لها، أنا لها، ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء، ليدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته.
وقوله تعالى: ﴿وقل رب٦ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾. هذه بشارة أخرى أن الله تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه لا بإخراج قومه وهو كاره. فقال له: قل في دعائك ربي أدخلني المدينة دار هجرتي ﴿مدخل صدق﴾ بحيث لا أرى فيها مكروها، وأخرجني من مكة يوم تخرجني ﴿مخرج صدق﴾ غير ملتفت إليها بقلبي شوقاً وحنيناً إليها. ﴿واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾ أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطاناً نصيراً لك على من بغاك بسوء، وكادك بمكر وخديعة، وحاول منعك من إقامة دينك، ودعوتك إلى ربك،
٢ غسق الليل: سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقاَ
واشتكيت الهمّ والأرقا
٣ وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله، ووقت المغرب: غروب الشمس، ووقت العشاء: ذهاب الشفق الأحمر، ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر: زوال الشمس عن كبد السماء.
٤ ﴿قرآن﴾ : منصوب على الاغراء أي: والزم قرآن الفجر لأهميته ويصح أن ينصب على العطف أي: أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر أي: صلاته.
٥ ﴿نافلة لك﴾ : أي نافلة لأجلك خاصة بك دون سائر أمتك.
٦ روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت: ﴿وقل ربّ أدخلني..﴾ الخ وهو تعليم من الله لرسوله هذا الدعاء يقوله في صلاته وخارجها.
٢ وقد يستشفى بالقرآن من الأمراض الجسمية ففي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم وكانوا ثلاثين راكباً فنزلوا على قوم من العرب فسألوهم أن يضيفوهم فأبوا فلدغ سيد الحي فأتاهم آت وقال لهم: فيكم من يرقي من العقرب؟ قلنا: نعم لكن حتى تعطونا فقالوا: إنا نعطيكم ثلاثين شاة فرقاه بفاتحة الكتاب قرأها عليه سبع مرات فشفي فأخذوا الثلاثين شاة فأتوا بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهم "كلوا وأطعمونا من الغنم".
٣ المراد بالإنسان هنا: الكافر لا المؤمن وال فيه للجنس فيشمل اللّفظ كل إنسان كافر لم يهتد إلى الإسلام.
٤ كونه يؤوساً: لا يتعارض مع كثرة دعائه كما في قوله تعالى: ﴿فذو دعاء عريض﴾ إذ يدعو وهو قانط.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب إقامة الصلاة وبيان أوقاتها المحددة لها.
٢- الترغيب في النوافل، وخاصة التهجد أي "نافلة الليل".
٣- تقرير الشفاعة العظمى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- ضعف الباطل وسرعة تلاشيه إذا صاوله الحق ووقف في وجهه.
٥- القرآن شفاء لأمراض القلوب عامة ورحمة بالمؤمنين خاصة.
٦- بيان طبع المرء الكافر وبيان حال الضعف الملازم له.
٧- تعليم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين كيف يتخلصون من الجدال الفارغ والحوار غير المثمر.
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (٨٩)
شرح الكلمات:
يسألونك: أي يسألك المشركون بواسطة أهل الكتاب عن الروح الذي يحيا به البدن.
لنذهبن بالذي أوحينا إليك: أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف لفعلنا.
لك به علينا وكيلا: يمنع ذلك منا ويحول دون ما أردناه منك.
إلا رحمة من ربك: أي لكن أبقيناه عليك رحمة من ربك فلم نذهب به.
بمثل هذا القرآن: من الفصاحة والبلاغة والمحتوى من الغيوب والشرائع والأحكام.
ظهيراً: أي معيناً ونصيراً.
صرفنا: بينا للناس مثلاً من جنس كل مثل ليتعظوا به فيؤمنوا ويوحدوا.
فأبى أكثر الناس: أي أهل مكة إلا كفوراً أي جحوداً للحق وعناداً فيه.
معنى الآيات:
يقول تعالى: ﴿ويسألونك١ عن الروح﴾ إذ قد سأله المشركون عن الروح وعن أصحاب الكهف، وذي القرنين بإيعاز من يهود المدينة فأخبره تعالى: بذلك وعلمه الرد عليهم فقال: ﴿قل الروح من أمر ربي٢﴾ وعلمه الذي لا يعلمه إلا هو، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً لأن سؤالهم هذا ونظائره دال على إدعائهم العلم فأعلمهم أن ما أوتوه من العلم إلا قليل بجانب علم الله تعالى٣ وقوله تعالى: ﴿ولئن شئنا لنذهبن٤ بالذي أوحينا إليك﴾ هذا امتنان من الله على رسوله الذي أنزل عليه القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين بأنه تعالى قادر على محوه من صدره. وسطره، فلا تبقى منه آية ثم لا يجد الرسول وكيلاً له يمنعه من فِعْلِ الله به ذلك ولكن رحمة منه تعالى لم يشأ ذلك بل يبقيه إلى قرب قيام الساعة حجة الله على عباده وآية على نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصدق رسالته، وليس هذا بأول إفضال من الله تعالى على رسوله، بل فضل الله عليه كبير، ولنذكر من ذلك طرفاً وهو
٢ يطلق الروح على ملك من الملائكة عظيم ويطلق على جبريل ويطلق على هذا الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير وهو المسؤول عنه في هذه الآية، وسؤالهم كان عن بيان حقيقته وماهيته.
٣ لفظ الآية عام وإن كان سبب نزولها خاصاً إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإنه ما أوتي أحد علماً إلا وهو إلى جانب علم الله تعالى قليل.
٤ روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: إن هذا القرآن الذي أظهركم يوشك أن ينزع منكم. قالوا: كيف ينزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وكتبناه في المصاحف قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ثمّ قرأ: ﴿ولئن شئنا لنذهبنّ﴾ الآية.
وقوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت١ الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً﴾ لاشك أن هذا الذي علم الله رسوله أن يقوله له سبب وهو ادعاء بعضهم أنه في إمكانه أن يأتي بمثل هذا القرآن الذي هو آية صدق نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذلك تبطل الدعوى، وينتصر باطلهم على الحق. فأمر تعالى رسوله أن يرد على هذا الزعم الباطل بقوله: قل يا رسولنا لهؤلاء الزاعمين الإتيان بمثل هذا القرآن لئن اجتمعت الإنس والجن متعاونين متظاهرين على الإتيان بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ذلك لأنه وحي الله وكتابه، وحجته على خلقه، وكفى. فكيف إذا يمكن للإنس والجن أن يأتوا بمثله؟!
وقوله: ﴿ولقد صرفنا في هذا القرآن﴾ أي بينا مثلاً من جنس كل مثل من أجل هداية الناس وإصلاحهم علهم يتذكرون فيتعظون، فيؤمنون ويوحدون فأبى أكثر الناس إلا كفوراً أي جحوداً بالحق، وإنكارا للقرآن وتكذيباً به وبما جاء فيه من الحق والهدى والنور، لما سبق القضاء الالهي من امتلاء جهنم بالغاوين وجنود إبليس أجمعين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- علم الروح مما استأئر الله تعالى به.
٢- ما علم أهل العلم إلى علم الله تعالى إلا كما يأخذ الطائر بمنقاره من ماء المحيط.
٣- حفظ القرآن في الصدور والسطور إلى قرب الساعة.
٤- عجز الإنس والجن عن الإتيان بقرآن كالقرآن الكريم.
٥- لما سبق في علم الله من شقاوة الناس تجد أكثرهم لا يؤمنون.
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا
شرح الكلمات:
ينبوعاً: عيناً لا ينضب ماؤها فهي دائمة الجريان.
جنة: بستان كثير الأشجار.
كسفاً: قطعاً جمع كسفة كقطعة.
قبيلاً: مقابلة لنراهم عياناً.
من زخرف: من ذهب.
ترقى: تصعد في السماء
مطمئنين: ساكنين في الأرض لا يبرحون منها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والبعث وتقرير ذلك. فقال تعالى مخبراً عن قيلهم لرسول الله وهم يجادلون في نبوته: فقالوا: ﴿لن١ نؤمن لك﴾ أي لن نتابعك على ما تدعو إليه من التوحيد والنبوة لك والبعث والجزاء لنا ﴿حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾ أي
وقوله تعالى: ﴿قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً﴾ أي قل يا رسولنا لهؤلاء المنكرين أن يكون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشراً، المتعجبين من ذلك، قل لهم: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ساكنين في الأرض لا يغادرونها لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً يهديهم بأمرنا ويعلمهم ما يطلب منهم فعله بإذننا لأنهم يفهمون عنه لرابطة الجنس بينهم والتفاهم الذي يتم لهم. ولذا بعثنا إليكم رسولاً من جنسكم تفهمون ما يقول لكم يقدر على إفهامكم والبيان لكم فكيف إذا تنكرون الرسالة للبشر وهي أمر لا بد منه؟!
٢ فسر قبيلاً بعدّة تفسيرات قال ابن عباس: كفيلا، وقال مقاتل: شهيداً، وقال مجاهد جمع القبيلة أي: بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة، وقيل ضمناء يضمنون لنا إتيانك به وما في التفسير أولى وأظهر في تفسير الآية.
٣ الرقى: مصدر رقى يرقي رقياً ورُقيا أي: صعد المنبر ونحوه.
٤ الهدى: أي ما يحقق الهداية من الكتب والرسل من عند الله تعالى.
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- بيان شدة عناد مشركي قريش، وتصلبهم وتحزبهم إزإء دعوة التوحيد.
٣- بيان سخف عقول المشركين برضاهم للألوهية بحجر وإنكارهم الرسالة للبشر!
٤- تقرير أن التفاهم حسب سنة الله لا يتم إلا بين المتجانسين فإذا اختلفت الأجناس فلا تفاهم إلا أن يشاء الله فلا يتفاهم إنسان مع حيوان أو جان.
قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٩٦) وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (٩٧) ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا (٩٩)
شرح الكلمات:
شهيداً: على أني رسول الله إليكم وقد بلغتكم وعلى أنكم كفرتم وعاندتم.
فلن تجد لهم أولياء: أي يهدونهم.
على وجوههم: أي يمشون على وجوههم.
عمياً وبكماً وصماً: لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون.
وقالوا: أي منكرين للبعث.
مثلهم: أي أناساً مثلهم.
أجلا: وقتاً محدداً.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية إذ يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل لأولئك المنكرين أن يكون الرسول بشرًا، ﴿كفى١ بالله شهيداً بيني وبينكم﴾ على أني رسوله وأنتم منكرون عليَّ ذلك.
إنه تعالى كان وما زال ﴿بعباده خبيراً﴾ أي ذا خبرة تامة بهم ﴿بصيراً﴾ بأحوالهم يعلم المحق منهم من المبطل، والصادق من الكاذب وسيجزي كلاً بعدله ورحمته.
وقوله تعالى: ﴿ومن يهد الله فهو المهتد٢﴾ يخبر تعالى أن الهداية بيده تعالى فمن يهده الله فهو المهتدي بحق، ﴿ومن يضلل فلن تجد لهم٣ أولياء من دونه﴾ أي يهدونهم بحال من الأحوال، وفي هذا الكلام تسلية للرسول وعزاء له في قومه المصرين على الجحود والإنكار لرسالته.
وقوله: ﴿ونحشرهم يوم القيامة﴾ أي أولئك المكذبين الضالين الذين ماتوا على ضلالهم وتكذيبهم فلم يتوبوا نحشرهم يوم القيامة، يمشون على وجوههم٤ حال كونهم عمياً لا يبصرون، بكماً لا ينطقون، صماً٥ لا يسمعون وقوله تعالى: ﴿مأواهم جهنم﴾ أي محل استقرارهم في ذلك اليوم جهنم الموصوفة بأنها ﴿كلما خبت﴾ أي سكن لهبها عنهم زادهم الله سعيراً أي تلهباً
٢ حذفت الياء ليوقف على الدّال بالسكون وهي لغة فصيحة وفي حال الوصل يؤتى بالياء نطقا بها.
٣ جمع الضمير (لهم) مراعاة إلى أن (من) تكون للواحد والمتعدد.
٤ أي: يسحبون على وجوههم إهانة لهم كما يفعل في الدنيا بمن ينتقم منه حيث يسحبونه على وجهه في الأرض إهانة، ومن سورة القمر قال تعالى: ﴿يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر﴾ وجائز أن يمشوا على وجوههم عند حشرهم إلى جهنم فإذا دخلوها سحبوا على وجوههم لحديث أنس: "أليس الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه؟ " في جواب سائل قال: أفيحشر الكفّار على وجوههم؟
٥ هذا في حال حشرهم إلى جهنم وكانوا قبل ذلك يسمعون ويبصرون وينطقون ثم إذا دخلوها عادت إليهم حواسهم للآيات القرآنية المصرّحة بذلك منها: ﴿ورأى المجرمون..﴾ ومنها: ﴿سمعوا لها تغيظاً وزفيرا﴾ ومنها: ﴿قالوا يا مالك ليقض علينا ربك..﴾.
وقوله تعالى: ﴿وجعل١ لهم أجلاً﴾ أي وقتاً محدوداً معينا لهلاكهم وعذابهم ﴿لا ريب فيه﴾ وهم صائرون إليه لا محالة، وقوله: ﴿فأبى الظالمون إلا كفوراً﴾ أي مع هذا البيان والاستدلال العقلي أبى الظالمون إلا الجحود والكفران ليحق عليهم كلمة العذاب فيذوقوه والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- عظم شهادة الله تعالى ووجوب الاكتفاء بها.
٢- الهداية والإضلال بيد الله فيجب طلب الهداية منه والاستعاذة به من الضلال.
٣- فظاعة عذاب يوم القيامة إذ يحشر الظالمون يمشون على وجوههم كالحيات وهم صم بكم عمي والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.
٤- جهنم جزاء الكفر بآيات الله والإنكار للبعث والجزاء يوم القيامة.
٥- دليل البعث عقلي كما هو نقلي فالقادر على البدء، قادر عقلاً على الإعادة بل الإعادة - عقلاً- أهون من البدء للخلق من لاشيء.
قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (١٠١) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ
شرح الكلمات:
خزائن رحت ربي: أي من المطر والأرزاق.
لأمسكتم: أي منعتم الإنفاق.
خشية الإنفاق: خوف النفاد.
قتوراً: أي كثير الإقتار أي البخل والمنع للمال.
تسع آيات بينات: أي معجزات بينات أي واضحات وهو اليد والعصا والطمس الخ.
مسحوراً: أي مغلوباً على عقلك، مخدوعاً.
ما أنزل هؤلاء: أي الآيات التسع.
مثبوراً: هالكاً بانصرافك عن الحق والخير.
فأراد أن يستفزهم: أي يستخفهم ويخرجهم من ديار مصر.
اسكنوا الأرض: أي أرض القدس والشام.
الآخرة: أي الساعة.
لفيفاً: أي مختلطين من أحياء وقبائل شتى.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قل يا محمد لأولئك الذين يطالبون بتحويل جبل الصفا إلى ذهب، وتحويل المنطقة حول مكة إلى بساتين من نخيل وأعناب تجري الأنهار من خلالها، قل لهم، لو كنتم أنتم تملكون خزائن رحمة ربي من الأموال والأرزاق لأمسكتم بخلا بها ولم تنفقوها خوفاً من نفادها إذ هذا طبعكم، وهو البخل، ﴿وكان الإنسان﴾ قبل هدايته وإيمانه ﴿قتوراً﴾ أي كثير التقتير بخلاً وشحاً نفسياً ملازماً له حتى يعالج هذا الشح بما وضع الله تعالى من دواء نافع جاء بيانه في سورة المعارج١ من هذا
وقوله تعالى: ﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات١﴾ أي، ولقد أعطينا موسى بن عمران نبي بني إسرائيل تسع آيات وهي: اليد، والعصا والدّم٢، وانفلاق البحر، والطمس على أموال آل فرعون، والطوفان والجراد والقمل والضفادع، فهل آمن عليها آل فرعون؟! لا، إذاً، فلو أعطيناك ما طالب به قومك المشركون من الآيات الست التي اقترحوها وتقدمت في هذه السياق الكريم مبينة، ما كانوا ليؤمنوا بها، ومن هنا فلا فائدة من إعطائك إياها.
وقوله تعالى: ﴿فاسأل بني إسرائيل﴾ أي سل يا نبينا علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، إذ جاءهم موسى بطالب فرعون بإرسالهم معه ليخرج بهم إلى بلاد القدس، وأرى فرعون الآيات الدالة على صدق نبوته ورسالته وأحقية ما يطالب به فقال له فرعون: ﴿إني لأظنك يا موسى مسحوراً﴾ أي ساحراً لإظهارك ما أظهرت من هذه الخوارق، ومسحوراً بمعنى مخدوعاً مغلوباً على عقلك فتقول الذي تقول مما لا يقوله العقلاء فرد عليه موسى بقوله بما أخبر تعالى به في قوله ﴿لقد علمت﴾ أي فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب السماوات أي خالقها ومالكها والمدبر لها ﴿بصائر﴾ أي آيات واضحات مضيئات هاديات لمن طلب الهداية، فعميت عنها وأنت تعلم صدقها ﴿وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً٣﴾ ! أي من أجل هذا أظنك يا فرعون ملعوناً، من رحمة الله مبعداً مثبوراً هالكاً. فلما أعيته أي فرعون الحجج والبينات لجأ إلى القوة، ﴿فأراد أن يستفزهم من الأرض﴾ أي يستخفهم من أرض مصر بالقتل الجماعي استئصالاً لهم، أو بالنفي والطرد والتشريد، فعامله الرب تعالى بنقيض، قصده فأغرقه الله تعالى هو وجنوده أجمعين، وهو معنى قوله تعالى: ﴿فأغرقناه ومن معه﴾ أي من الجنود ﴿أجمعين﴾ وقوله تعالى:
٢ لا خلاف في اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والدم وإنما الخلاف في الثلاث الباقية وانفلاق البحر مجمع عليه وإنما في الطمس والحجر لأن الحجر كان في التيه بعد نجاة بني إسرائيل.
٣ الظنّ هنا بمعنى التحقيق، وذكر لكلمة مثبور عدة معان كلها صحيحة منها: الهلاك والخسران والخبال والمنع من الخير، قال ابن الزّبعرى:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغيِّ ومَنْ مال مَيْلَةُ مثبورُ
أي هالك وخاسر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- الشح من طبع الإنسان إلا أن يعالجه بالإيمان والتقوى فيقيه الله منه١.
٢- الآيات وحدها لا تكفي لهداية الإنسان بل لا بد من توفيق إلهي.
٩- مظاهر قدرة الله تعالى وانتصاره لأوليائه وكبت أعدائه.
٤- بيان كيفية حشر الناس يوم القيامة لفيفاً أخلاطاً من قبائل وأجناس شتى.
وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)
شرح الكلمات:
وبالحق أنزلناه: أي القرآن.
وبالحق نزل: أي نزل ببيان الحق في العبادات والعقائد والأخبار والمواعظ والحكم والأحكام.
وقرآناً فرقناه: أن نزلناه مفرقاً في ظرف ثلاث وعشرين سنة لحكمة اقتضت ذلك.
على مكث: أي على مهل وتؤده ليفهمه المستمع إليه.
أوتوا العلم من قبله: أي مؤمنوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي.
للأذقان سجداً: أي سجداً على وجوههم، ومن سجد على وجهه فقد خرَّ على ذقنه ساجداً.
إن كان وعد ربنا لمفعولاً: منجزاً، واقعاً، فقد أرسل النبي الأمي الذي بشرت به كتبه وأنزل عليه كتابه.
معنى الآيات:
يقول تعالى: ﴿وبالحق أنزلناه﴾ أي ذلك الكتاب الذي جحد به الجاحدون، وكذب به المشركون أنزلناه بالحق الثابت حيث لا شك أنه كتاب الله ووحيه إلى رسوله، و ﴿بالحق نزل﴾ فكل ما جاء فيه ودعا إليه وأمر به. وأخبر عنه من عقائد وتشريع وأخبار ووعد ووعيد كله حق ثابت لا خلاف فيه ولا ريبة منه. وقوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً﴾ أي لم نرسلك لخلق الهداية في قلوب عبادنا ولا لإجبارهم بقوة السلطان على الإيمان بنا وتوحيدنا، وإنما أرسلناك للدعوة والتبليغ ﴿مبشراً﴾ من أطاعنا بالجنة ومنذراً من عصانا مخوفاً من النار. وفي هذا تقرير لرسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبوته وقوله تعالى: ﴿وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث﴾ أي أنزلنا القرآن وفرقناه في خلال ثلاث وعشرين سنة لحكمة منا اقتضت ذلك وقوله ﴿لتقرأه على الناس على مكث﴾ آيات بعد آيات ليكون ذلك أدْعَى إلى فهم من يسمعه ويستمع إليه، وقوله تعالى: ﴿ونزلناه١ تنزيلاً﴾ أي شيئاً فشيئاً حسب٢ مصالح العباد وما تتطلبه تربيتهم الروحية والإنسانية ليكملوا به، عقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ويسعدوا به في الدارين وقوله تعالى: ﴿قل آمنوا به أو لا تؤمنوا﴾ أي قل يا رسولنا للمنكرين للوحي القرآني من قومك، آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به كعدمه لا يغير من واقعه شيئاً فسوف يؤمن به ويسعد عليه غيركم إن لم تؤمنوا أنتم به وهاهم أولاء الذين أوتوا العلم من قبله من علماء أهل الكتابين اليهود والنصارى قد آمنوا به، يريد أمثال عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي أصحم الحبشي وإنهم ﴿إذا يتلى عليهم﴾ أي يُقرأ عليهم ﴿يخرون للأذقان سجداً﴾ أي يخرون ساجدين على أذقانهم ووجوههم ويقولون حال سجودهم ﴿سبحان ربنا﴾ ٣
٢ ﴿تنزيلا﴾ : مصدر مؤكد لنزوله نجما بعد نجم وهو معنى مفرّقا آية بعد آية وسورة بعد سورة حتى اكتمل نزوله.
٣ في الآية دليل على مشروعية التسبيح في السجود وشاهده من السنة رواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر أن يقول في سجوده وركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وورد أنه فعله استجابة لقول الله تعالى ﴿فسبّح بحمد ربك واستغفره﴾ آخر سورة النصر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- القرآن حق من الله وما نزل به كله حق.
٢- الندب إلى ترتيل القرآن لاسيما عند قراءته على الناس لدعوتهم إلى الله تعالى.
٣- تقرير نزول القرآن مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة.
٤- تقرير النبوة المحمدية بنزول القرآن وإيمان من آمن به من أهل الكتاب.
٥- بيان حقيقة السجود وأنه وضع الوجه على الأرض.
٦- مشروعية السجود للقارىء أو المستمع وسنية ذلك عند قراءة هذه الآية وهي ﴿يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً﴾ فيخر ساجداً مكبراً في الخفض وفي الرفع قائلاً: الله أكبر ويسبح ويدعو في سجوده بما يشاء.
قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)
٢ دلت الآية على أن البكاء في الصلاة لا يقطعها، والخلاف في النفخ والأنين والتنحنح والصحيح أنّ ما كان بحروف تسمع كان كلاماً ويقطع الصلاة وما لم يكن بحرف فلا فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبكي في صلاته ويسمع له أزير كأزير المرجل.
ادعوا الله أو ادعوا الرحمن: أي سموه بأيهما ونادوه بكل واحد منهما الله أو الرحمن.
أياما تدعوا: أي إن تدعوه بأيهما فهو حسن لأن له الأسماء الحسنى وهذان منها.
ولا تجهر بصلاتك: أي بقراءتك في الصلاة كراهة أن يسمعها المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله.
ولا تخافت بها: أي ولا تسر به إسراراً حتى ينتفع بقراءتك أصحابك الذين يصلون وراءك بصلاتك.
وابتغ بين ذلك سبيلا: أي اطلب بين السر والجهر طريقاً وسطاً.
لم يتخذ ولداً: كما يقول الكافرون.
ولم يكن له شريك: كما يقول المشركون.
ولم يكن له ولي من الذل: أي لم يكن له ولي ينصره من أجل الذل إذ هو العزيز الجبار مالك الملك ذو الجلال والإكرام.
وكبره تكبيرا: أي عظمه تعظيماً كاملاً عن اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل.
معنى الآيات:
كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في دعائه يا الله. يا رحمن، يا رحمن يا رحيم فسمعه المشركون وهم يتصيدون له أية شبهة ليثيروها ضده فلما سمعوه يقول: يا الله، يا رحمن قالوا: أنظروا إليه كيف يدعو إلهين وينهانا عن ذلك فأنزل الله تعالى١: ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن﴾ أي قل لهم يا نبينا أدعوا الله أو أدعوا الرحمن فالله هو الرحمن الرحيم فـ ﴿أياما تدعوا﴾ منهما الله أو الرحمن فهو الله ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى وقوله تعالى: ﴿ولا تجهر٢ بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا﴾ أي وسطاً بين السر والجهر، وذلك أن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبُّوا قارئه ومن أنزله، فأمر الله تعالى رسوله والمؤمنون تابعون له إذا قرأوا في صلاتهم أن لا يجهروا حتى لا
٢ روى مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ولا تجهر بصلاتك﴾ الخ قوله نزلت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوارٍ بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به". فقال الله تعالى: ﴿ولا تجهر بصلات ك،﴾ فيسمع المشركون قراءتك ﴿ولا تخافت بها﴾ عن أصحابك أي: أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر ﴿وابتغ بين ذلك سبيلا﴾ أي: بين الجهر والمخافتة كان هذا في مكة ثم استقرت السنة بالجهر في صلاة الصبح والمغرب والعشاء في الركعتين الأولتين والسر في صلاة الظهر والعصر وثالثة المغرب والأخيرتين من صلاة العشاء.
وقوله تعالى: ﴿وقل الحمد لله١ الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً﴾ أي أمر الله تعالى الرسول أن يحمد الله الذي لم يتخذ ولداً كما زعم ذلك بعض العرب، إذ قالوا الملائكة بنات الله! وكما زعم ذلك اليهود إذ قالوا عزير بن الله والنصارى إذ قالوا عيسى بن الله! ﴿ولم يكن له شريك في الملك﴾ كما قال المشركون من العرب: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هولك، تملكه وما ملك! ﴿ولم يكن له ولي من الذل﴾ كما قال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل الله! ﴿وكبره﴾ أنت أو عظمه يا رسولنا تعظيماً من أن يكون له وصف النقص والافتقار والعجز.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إن لله الأسماء الحسنى وهي مائة اسم إلا اسماً واحداً٢ فيدعى الله تعالى وينادى بأيّها،: وكلها حسنى كما قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾.
٢- بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للرسول والقرآن والمؤمنين.
٣- مشروعية الأخذ بالاحتياط للدين كما هو للدنيا.
٤- وجوب حمد الله تعالى والثناء عليه وتنزيهه عن كل عجز ونقص.
٥- هذه الآية ﴿وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل﴾ تسمى آية العز هكذا سماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢ الإجماع على أنه لا يصح وضع اسم لله تعالى بالنظر والاجتهاد وإنما أسماؤه وصفاته توقيفية مصدرها الوحي الإلهي: الكتاب والسنة.