تفسير سورة البقرة

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

((صحيح البخاري ٩/٩٣ ح ٥٠١٨ - فضائل القرآن - ب نزول السكينة والملائكة)، و (صحيح مسلم رقم ٧٩٦ - صلاة المسافرين، ب نزول السكينة لقراءة القرآن). واللفظ للبخاري).
وقال الإمام أحمد: ثنا سليمان بن داود، قال: أخبرنا حسين قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني عمرو بن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة، عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أخذ السبع الأول فهو حبر. ((المسند ٦/٧٣)، ذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي وهو ثقة (مجمع الزوائد ٧/١٦٢)، وأخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن جعفر به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٥٦٤)، وقد خرّج هذا الحديث الشيخ محمد رزق طرهوني تخريجا وافيا وتوصل إلى تصحيحه أيضاً (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن ١/١٢٤، ١٢٥)).
قوله تعالى (الم)
قال الدارمي: حدثنا أبو عامر قبيصة أنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: تعلموا هذا القرآن، فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول بـ (الم)، ولكن بألف، ولام، وميم بكل حرف عشر حسنات.
((سنن الدارمي ٢/٤٢٩ - ك فضائل القرآن، ب فضل من قرأ القرآن)، وأخرجه أبو القاسم ابن منده في الرد على من يقول الم حرف (ص ٤٤) من طريق عبد الرزاق عن سفيان به. وقد صححه الألباني في عدة مواضع (انظر السلسلة الصحيحة رقم ٦٦٠، وصحيح الجامع رقم ٦٣٤٥)).
وقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه فسرها، فيستحسن أن نقول: الله أعلم بالمراد منها، ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا تفسيرها واختلفوا فيها وأسوق هنا ما ثبت عنهم من الأوجه الآتية:
94
الوجه الأول: أنها قسم أقسم الله به وهو من أسمائه:
وأخرج الطبري: بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.
وأخرج الطبري من طريق يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة قال (الم) قسم.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
الوجه الثاني: أنها فواتح يفتح الله بها القرآن.
قال الطبري: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن مجاهد قال: (الم) فواتح.
(ورجاله ثقات إلا أحمد بن حازم الغفاري وهو أبو عمرو الكوفي صاحب المسند ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنا. ت ٢٧٦ هـ (انظر تذكرة الحفاظ ص ٥٩٤). هذا وقد رواه الطبري من طرق أخرى إلى مجاهد، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. فالإِسناد صحيح).
الوجه الثالث: أنها اسم من أسماء القرآن.
قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: (الم) قال: اسم من أسماء القرآن.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري، وابن أبي حاتم، من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به).
الوجه الرابع: أنها اسم من أسماء الله.
قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ثنا دعلج بن أحمد، ثنا محمد بن سليمان، حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن السدي قال: فواتح السور من أسماء الله عز وجل.
95
((الأسماء والصفات ص ١٢٠)، وإسناده صحيح إلى السدي -وهو الكبير- فرجاله ثقات إلى السدي إلا محمد بن سليمان وهو ابن الحارث الباغندي اختلف فيه (انظر لسان الميزان ٥/١٨٦ وسير أعلام النبلاء ١٣/٣٨٦)، ولكن قد روي من طرق أخرى إلى السدي (انظر تفسير الطبري رقم ٢٣٣-٢٣٥)).
قوله تعالى (ذلِكَ اْلْكِتَابُ)
قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن علية قال: أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: (ذَلِكَ الْكِتَابُ) هذا الكتاب
(وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن ابن علية به. وإسناده صحيح تقدم، وقد روي عن مجاهد والسدي وابن جريج نحوه [. واستناداً على هذه الرواية يكون معنى الكتاب: القرآن لأن الإِشارة إليه، واختصاص ذلك بالإشارة للبعيد حكم عرفي لا وضعي، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة، فيستعملون كلا منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم، وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة. ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول: إنما صحت الإشارة بذلك، هنا إلى ما ليس ببعيد، لتعظيم المشار إليه، ذهابا إلى بعد درجته وعلو مرتبته ومنزلته في الهداية والشرف (انظر تفسير القاسمي ١/٣٢-٣٣)).
قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ)
قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا معمر عن قتادة (لا رَيْبَ فِيهِ) يقول: لاشك فيه.
((تفسير عبد الرزاق ص ٣١)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري من طريق الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. قال ابن أبي حاتم الرازي: ولا أعلم في هذا الحرف اختلافا بين المفسرين، منهم: ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو العالية، والربيع بن أنس وقتادة، ومقاتل بن حيان، والسدي، وإسماعيل بن أبي خالد).
قوله تعالى (هُدَىً)
قال الطبري: حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: (هُدَىً) قال: هدى من الضلالة.
(وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أبي نعيم وعيسى بن جعفر عن سفيان، ومن طريق عبد الرزاق عن الثوري به. وسفيان هو الثوري وبيان هو ابن بشر الأحمسي، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين. وإسناده صحيح).
96
قوله تعالى (لِلْمُتَّقِينَ)
قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، ثنا يحيى بن حمزة، ثنا زيد بن واقد، ثنا مغيث بن سمي عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد.
((السنن رقم ٤٢١٦ - الزهد، ب الورع والتقوى). قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه (مصباح الزجاجة ٣/٢٩٩ رقم ١٥٠٤). وصححه أيضاً الشيخ الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم ٣٣٩٧)).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد ابن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يقول الله سبحانه وبحمده (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه.
وإسناده حسن تقدم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، حدثني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) من هم؟ نعتهم الله فأثبت نعتهم ووصفهم.
وإسناده صحيح تقدم.
وقد عدد الله تعالى أصنافا من المتقين في قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) سورة البقرة آية: ١٧٧.
قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)
وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما سبقونا به فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيّناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: (الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) -إلى قوله- (الْمُفْلِحُونَ).
((انظر تفسير ابن كثير ١/٨١). وأخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردويه (انظر تفسير ابن كثير ١/٨١ ق)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٠)، وأخرجه الواحدي (الوسيط بين المقبوض والبسيط ١/١٩٥)، كلهم من طريق الأعمش به. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في (الكافي الشافي ص ٤-٥ ح ٢٢)، والبوصيري في (المطالب العالية ٣/٦٩)).
قال الدارمي: أخبرنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي ثنا أسيد بن عبد الرحمن، عن خالد بن دريك، عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم، أحدثك حديثا جيدا، تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: "نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني".
((سنن الدارمي ٢/٣٠٨ - ك الرقاق، ب في فضل آخر هذه الأمة)، وأخرجه أحمد في مسنده (٤/١٠٦) عن أبي المغيرة به، والطبراني في الكبير (٤/٢٧، رقم ٣٥٣٨) من طريق أبي المغيرة ويحيى بن عبد الله البابلتي كلاهما عن الأوزاعي به. ورجاله ثقات إلا أنه قد اختلف في إسناده. فأخرجه أحمد في مسنده (٤/١٠٦) عن أبي المغيرة أيضاً به ولكنه قال:... حدثني صالح بن محمد قال حدثني أبو جمعة... فذكر صالح بن محمد بدل عبد الله بن محيريز. وكذا رواه الحاكم في (المستدرك ٤/٨٥) من طريق أبي المغيرة بهذا الإسناد فقال: صالح بن محمد. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وقد ذكر الحافظ في الفتح (٧/٦) لفظ رواية أبي المغيرة عن الأوزاعي، ثم قال: وإسناده حسن وقد صححه الحاكم).
98
قال الطبري: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زرِّ قال: (بِالْغَيْب) : القرآن.
(وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري به. وإسناده حسن. وعاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود معروف بالرواية عن زر بن حبيش وبرواية الثوري وابن عيينة عنه (تهذيب الكمال ل ٦٣٤)).
وقال الطبري: حدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب)، قال: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، وكل هذا غيب.
وإسناده حسن.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا عثمان بن الأسود، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) فقال: من آمن بالله فقد آمن بالغيب.
((وصفوان هو ابن صالح معروف بالرواية عن الوليد بن مسلم وبرواية أبي زرعة الرازي عنه (انظر تهذيب الكمال ل ٦٠٩). ورجاله ثقات وإسناده صحيح).
وقال أيضاً: حدثنا أبي، ثنا شهاب بن عباد، ثنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) قال: بغيب الإسلام.
(وإسناده صحيح. وذكر ابن كثير هذه الأقوال ثم قال: فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع هذه المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به (التفسير ١/٨١)).
قال مسلم في صحيحه: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، وهذا حديثه: حدثنا أبي. حدثنا كهمس عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي
99
سيكل الكلام إليَّ. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر. لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه. ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإِيمان، قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإِحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: "أن تلد الأمة ربتها. وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان" قال ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: "يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم".
((الصحيح ـ ك الإيمان، ب بيان الإيمان والإسلام والإحسان رقم ١). وأخرجه البغوي من طريق يزيد بن هارون عن كهمس به ثم نقل عن الفراء أنه قال: فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الإسلام في هذا الحديث اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإِيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين ولذلك قال: "ذلك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم". ثم ساق حديثا صحيحاً ليدلل على أن الأعمال من الإيمان (معالم التنزيل ١/٤٦)).
100
قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو بن العباس، الباهلي، قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، قال: حدثنا عيسى بن ميمون المكي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في المنافقين.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم وأخرجه الثوري بلفظه. (تفسير سفيان الثوري ص ٤١)، وأخرجه آدم في تفسيره (ص ٦٩) عن ورقاء عن ابن أبي نجيح به، وأخرجه الواحدي (أسباب النزول ص ١٩) من طريق شبل عن ابن أبي نجيح به).
قوله تعالى (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى، أنبأ أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: يقول الله سبحانه وبحمده (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يقيمون الصلاة بفرضها.
وإسناده حسن تقدم.
قوله تعالى (وَممَّا رَزَقنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَممَّا رَزَقنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) عبَّر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله، ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إمساكه ولكنه بين في مواضع أخر أن القدر الذي ينبغي إنفاقه: هو الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لابد منها، وذلك قوله (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لابد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور... وقوله تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) الإسراء آية: ٢٩، فنهاه عن البخل بقوله: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ)، ونهاه عن الإسراف بقوله (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) فيتعين الوسط بين الأمرين، كما بينه بقوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان آية: ٦٧.
101
وبالإسناد الحسن المتقدم الذي رواه ابن أبي حاتم إلى ابن عباس (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) يؤتون الزكاة احتسابا بها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) فأنفقوا مما أعطاكم الله، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قال: زكاة أموالهم.
وسنده حسن.
قوله تعالى (وآلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَاَ أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ من قَبْلِكَ)
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد المتقدم عن ابن إسحاق... عن ابن عباس (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي يصدقونك بما جئت من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون بما جاؤهم به من ربهم.
وروى ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم عن قتادة قوله (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) فآمنوا بالفرقان وبالكتب التي قد خلت قبله من التوراة والزبور والإِنجيل.
قوله تعالى (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
قال عبد الرحمن بن يزيد بن رستة الحافظ في "كتاب الإيمان": ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء، أخبرنا الأعمش، عن أبي ظبيان ح ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن علقمة عن عبد الله قال: الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله.
102
(رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن رستة به، ثم قال: وهذا موقوف صحيح (تغليق التعليق ٢/٢٢)، وصححه العيني (عمدة القاري ١/١٣٠). وأخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ (انظر تغليق التعليق ٢/٢١)، والحاكم كلاهما من طريق الأعمش به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٤٤٦)).
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي: بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك قوله تعالى (أُولَئِكَ عَلى هُدىً مِن رَّبِهمْ)
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس (أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على نور من ربهم، وإستقامة على ما جاءهم.
قوله تعالى (وأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
روى الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن المتقدم إلى ابن عباس: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسن بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة (أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال: قوم استحقوا الهدى والفلاح بحق، فأحقه الله لهم، وهذا نعت أهل الإيمان.
قوله تعالى (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده عن طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله جل ثناؤه أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول.
وإسناده حسن.
وروى الطبري وابن أبي حاتم بالإِسناد الحسن المتقدم عن محمد ابن إسحاق... عن ابن عباس (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بما أنزل إليك وإن قالوا: إنا قد آمنا بما جاءنا من قبلك، (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي أنهم قد كَفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم مما جاءهم غيرك، فكيف يسمعون منك إنذاراً وتحذيراً؟ وقد كفروا بما عندهم من علمك.
قوله تعالى (خَتَم الله عَلَى قُلُوبِهِمْ)
أخرج مسلم بسنده عن حذيفة، قال: كنا عند عمر. فقال: أيكم سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا؟ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا، كالكوز مُجَخِّيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه". قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسراً، لا أبالك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد. قال، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا.
((الصحيح رقم ٢٣١ - الإيمان، ب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا)، وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا (١/٨٩). قوله مربادا: والمربد المولّع بسواد وبياض (ترتيب القاموس المحيط ٢/٢٨٦).
قوله كالكوز مُجَخِّيا: مائلا (ترتيب القاموس المحيط ١/٤٥٣)).
قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت، حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
((المسند رقم ٧٩٤١)، أخرجه الترمذي (السنن - التفسير - سورة المطففين رقم ٣٣٣٤)، وابن ماجة (السنن - الزهد - ب ذكر الذنوب رقم ٤٢٤٤) من طريق محمد بن عجلان به، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه الطبري، والحاكم (المستدرك ٢/٥١٧) من طريق صفوان بن عيسى به، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وصححه الألباني (صحيح ابن ماجه ٢/٤١٧)، وأحمد شاكر (المسند رقم ٧٩٤١)).
وقال الطبري: فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع. والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِم)، نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم، إلا بعد فضه خاتمه وحله رباطه عنها.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك.
وأخرج ابن أبي حاتم بالإسناد الصحيح من طريق شيبان عن قتادة قال: استحوذ عليهم الشيطان إذا أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون.
105
قوله تعالى (وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ)
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: لا يخفى أن الواو في قوله: (وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها، وأن تكون استئنافية. ولم يبين ذلك هنا، ولكن بين في موضع آخر أن قوله (وَعَلَى سَمْعِهِمْ) معطوف على قوله (عَلَى قُلُوبِهِمْ) وأن قوله (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) استئناف والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو (غِشَاوَةٌ) وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادهما على الجار والمجرور قبلها. ولذلك يجب تقديم هذا الخبر، لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ.... فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع، وأن الغشاوة على الأبصار وذلك في قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) الجاثية: ٢٣. فإن قيل: قد يكون الطبع على الأبصار أيضاً. كما في قوله تعالى في سورة النحل (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) الآية، النحل ١٠٨. فالجواب: أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل: هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية، والعلم عند الله تعالى.
((أضواء البيان ١/١٠٩، ١١٠)).
قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِالله وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَاهُم بِمُؤْمِنِينَ)
وهذا الصنف من الناس هم المنافقون كما سماهم الله تعالى في مطلعٍ سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) وقال أيضاً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء: ١٤٢.
وقد تقدم في الآية رقم (٣) قول مجاهد: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يذكر هنا بيانا عن هؤلاء المنافقين، وصرح بذكر بعضهم بقوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) التوبة: ١٠١.
106
ونهى تعالى رسوله عن الصلاة عليهم والدعاء لهم فحينما صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عبد الله ابن أبي بن سلول أنزل الله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه) التوبة: ٨٤.
(وانظر صحيح مسلم - صفات المنافقين رقم ٢٧٧٤).
كما بين سبحانه وتعالى بعض صفاتهم في قوله تعالى (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) النساء: ١٤٣.
وقد عرَّفنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض صفاتهم حتى نحذرهم ولكي لا نتصف بها، فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "أربع من كن فيه كان مناففا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
((فتح الباري - الإيمان، ب علامة المنافق رقم ٤٣)، وصحيح مسلم (الإيمان، ب بيان خصال المنافق رقم ٦٠١). واللفظ للبخاري).
وأخرجا أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".
((نفس المصدرين السابقين رقم ٣٣، ١٠٧)).
وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة".
((الصحيح - صفات المنافقين وأحكامهم رقم ٢٧٨٤)).
وقد أخبر سبحانه وتعالى عن مصيرهم الرهيب فقال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار) النساء: ١٤٥، وسيأتي تفسيرها.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَءَامَنُوا)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق يصدق بلسانه، وينكر بقلبه، ويخالف بعمله، ويصبح على حال، ويمسي على غيره، ويمسي على حال، ويصبح على غيره، يتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها.
وإسناده صحيح.
قوله تعالى (وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنْفُسَهمْ وما يشعرون)
قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت ابن زيد عن قوله (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) قال: ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم، بما أسروا من الكفر والنفاق، وقرأ قول الله تعالى ذكره (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)
قال: هم المنافقون حتى بلغ (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) المجادلة: ١٨، قد كان الإِيمان ينفعهم عندكم.
وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ولهذا أوردته هنا، وابن وهب هو عبد الله وابن زيد هو عبد الرحمن، والإسناد صحيح إليه.
قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)، حتى بلغ (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)، قال: هذه في المنافقين.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح).
قوله تعالى (في قلوبِهِم مَرَضٌ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن عباس (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) أي شك، ثّم قال ابن أبي حاتم: وكذا روي عن مجاهد والحسن وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وقتادة.
وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مالك بن دينار، عن عكرمة (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) قال: الزنا.
((ورجاله ثقات إلا مالك بن دينار صدوق فالإسناد حسن)).
وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض) قال: ذلك في بعض أمور النساء.
((ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة، فالإسناد صحيح)).
قوله تعالى (فَزَادَهُم الله مَرَضاً)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: (فَزَادَهُم الله مَرَضاً) أي: شكا.
قال الطبري: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) قال زادهم رجسا، وقرأ قول الله عز وجل (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) قال: شرا إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم.
(وإسناده صحيح إلى ابن زيد وهو عبد الرحمن. وهذا التفسير من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأولون، وهو نظير قوله تعالى أيضاً (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)).
قوله تعالى (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني ثنا آدم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم) قال: الأليم: الموجع في القرآن كله.
(ثم قال: وكذلك فسره سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وقتادة وأبو مالك وأبو عمران الجوني ومقاتل بن حيان
وإسناد ابن أبي حاتم إلى أبي العالية جيد تقدم).
قوله تعالى (وَإذا قِيلَ لَهُم لا تفسدوا في الأرْض قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصلِحُون ألاْ إنَّهُمْ هُمُ اْلمُفْسِدُونَ ولَكِن لايَشْعُرُون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض، أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة.
(وإسناده حسن).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) قال: هم المنافقون.
قوله تعالى (وإذا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء ألا إنَّهُم هُمُ السُفَهَاءُ ولَكن لا يعلمون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قَالُوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء) يعنون: أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله تعالى (وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا) أن صاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة.
قوله تعالى (وإذا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ)
وبه عن ابن عباس (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وأخرجه أيضاً الطبري).
وأخرج الطبري عن بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتادة: قوله (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) أي: رؤسائهم في الشر.
(وإسناده حسن).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) قال: إذا خلا المنافقون إلى أصحابهم من الكفار.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن من طريق ابن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي: إنا على مثل ما أنتم عليه.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) إنما نستهزئ بهؤلاء القوم ونسخر بهم.
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الشياطين من الإنس والجن كما تقدم في الاستعاذة.
قوله تعالى (الله يستهزئ بِهِمْ ويَمُدُّهُم فِي طُغْيانِهِم يَعْمَهُون)
أخرج الطبري من طريق ابن المبارك، وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق الحجاج بن محمد كلاهما عن ابن جريج قراءة عن مجاهد (يمدهم) قال: يزيدهم.
((واللفظ للطبري. وإسناده صحيح)).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعني يترددون. يقول زادهم ضلالة إلى ضلالتهم وعمى إلى عماهم.
وبه في قوله (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ) يعني: في ضلالتهم.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي في ضلالتهم يعمهون.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس (يَعْمَهُونَ) قال يتمادون.
قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِين اشْترَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) قال: استحبوا الضلالة على الهدى.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) أي الكفر بالإيمان.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) آمنوا ثم كفروا.
قوله تعالى (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن قتادة في قوله (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) قال: هذه في المنافقين.
وأخرج أيضاً عن محمد بن يحيى: أنبأ العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) قد والله رأيتموهم فخرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة، يقول (فَمَا رَبِحت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
((وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري من طريق بشر بن معاذ عن يزيد به)).
قوله تعالى (مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً فَلَمَّا أضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَب الله بِنُورهِم وَتَركَهُم فِي ظُلمَات لا يُبْصِرُونَ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) إلى آخر الآية: هذا مثل ضربه الله
للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإِسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات) يقول: في عذاب.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ضرب الله للمنافقين مثلا، فقال: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) أي: يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق.
((وأخرج ابن أبي حاتم جزءا منه من طريق ابن إسحاق به)).
قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه.
(وإسناده حسن).
وأخرج الطبري من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) عن الخير.
وبه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى خير فلا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه.
(وإسناده حسن).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي: لا يتوبون ولا يذكرون.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الآية، ظاهر هذه الآية أن المنافقين متصفون بالصمم والبكم، والعمى. ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن معنى صممهم، وبكمهم، وعماهم، هو عدم انتفاعهم بأسماعهم وقلوبهم وأبصارهم، وذلك في قوله جل وعلا (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأحقاف: ٢٦.
قوله تعالى (أوْ كَصَيِّبِ مِنَ السَّمَاء)
قال البخاري: حدثنا محمد -هو ابن مقاتل أبو الحسن المروزي- قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع، عن القاسم بن محمد عن عائشة: "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى المطر قال: صيباً نافعاً".
(فتح الباري ٢/٥١٨).
أخرج الطبري عن محمد بن إسماعيل الأحمسي قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ) قال: القطر.
((ورجاله ثقات إلا هارون لا بأس به فالإِسناد حسن: ومحمد بن عبيد هو الطنافسي معروف بالرواية عن هارون بن عنترة (تهذيب الكمال ل ١٤٣٠). وأخرجه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من طريق الثوري عن هارون بلفظ: المطر. (انظر تغليق التعليق ٢/٣٩٤)، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أحمد بن بشير عن هارون به، ثم قال: وكذلك فسره أبو العالية والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعطية العوفي وقتادة وعطاء الخراساني والسدي والربيع ابن أنس. ورواه البخاري معلقا عن ابن عباس بصيغة الجزم بلفظ: المطر. (فتح الباري ٢/٥١٨). ووصله الطبري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصيب: المطر. (وإسناده حسن).
قوله تعالى (فِيه ظُلمَاتٌ وَرعدٌ وبرقٌ يَجعلونَ أصَابعَهُم فِي آذانهم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذرَ المَوت والله مُحِيط بِالكَافِرين)
أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فِيهِ ظُلُمَاتٌ). يقول: ابتلاء.
(وإسناده حسن).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق محمد بن إسحاق قال: فيما حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس (فِيهِ ظُلُمَاتٌ) أي هم في ظلمة ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف والتخوف لكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب.
(وإسناده حسن).
أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا ما هذا الرعد؟. قال: ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده أو في يده مخاريق من نار يزجر به السحاب ويسوقه حيث أمره الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال: صوته. قالوا: صدقت.
((المسند رقم ٢٤٨٣)، والترمذي في (السنن - التفسير سورة الرعد رقم ٣١١٧)، والنسائي في (السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف ٤/٣٩٤). واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على موضع تفسير الرعد والحديث طويل، وقال الترمذي: حسن غريب وفي تحفة الأحوذي: حسن صحيح غريب (تحفة الأحوذي ٨/٥٤٢-٥٤٤)، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني: وقال: ورجالهما ثقات (مجمع الزوائد ٨/٢٤٢). وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد (المسند رقم ٢٤٨٣)، والألباني في (صحيح سنن الترمذي رقم ٢٤٩٢). ولهذا الحديث شاهد من القرآن في قوله تعالى (... وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) الرعد: ١٣. وفيه تسبيح هذا الملك بحمد الله تعالى والملائكة معطوف على الرعد فهو عطف عام على خاص، كما تقدم في سورة البقرة آية: ٩٨ (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ... ).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) والله منزل ذلك بهم من النقمة أي محيط بالكافرين.
وأخرج عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) قال: الله جامعهم.
115
وإسناده حسن. وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن بن صباح عن شبابة به وزاد قوله: يعني يوم القيامة (تغليق التعليق ٤/١٧١، ١٧٢). وهذه الزيادة من ابن أبي حاتم أو من الحسن.
قوله تعالى (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين.
(وإسناده حسن).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) أي: لشدة ضوء الحق.
(وإسناده حسن).
قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)
وأخرجا أيضاً بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر. يقول (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) كقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج: ١١.
(واللفظ للطبري).
وأخرجا من طريق ابن إسحاق بالإسناد الحسن عن ابن عباس: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) أي: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين.
116
وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا عصام بن رواد العسقلاني بها، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) فمثله كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة لها مطر ورعد وبرق على جادة كلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها، فإذا ذهب البرق تحيروا فكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له، وكلما شك تحير ووقع في الظلمة.
(وإسناده جيد، وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه به، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك).
قوله تعالى (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) أي لما تركوا من الحق بعد معرفته.
قوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق بسنده الحسن إلى ابن عباس قال: قال الله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم.
قال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا أبو خلف موسى بن خلف كان يعد من البدلاء قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن الحارث الأشعري أن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فكاد يبطيء فقال له عيسى إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وأن تأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أبلغهن ففال له: يا أخي إني أخشى إن سبقنني أن أعذب أو يخسف
بي قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي عمله إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وإن الله عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأمركم بالصلاة فإن الله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فقال هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وأمركم بذكر الله كثيرا وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل.
((المسند رقم ٤/٢٠٢). وقال ابن كثير بعد أن ساق الحديث: هذا حديث حسن والشاهد منه في هذه الآية قوله: (وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)، وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له. ا. هـ التفسير (١/١١٠، ١١١)).
قوله تعالى (الذي خلقكم والذين من قبلكم)
بين سبحانه وتعالى أطوار خلق الإنسان في سورة المؤمنون (الآيات ١٢-١٤) فقال (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
قوله تعالى (لعلكم تتقون)
أخرج ابن أبي حاتم عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (لعلكم تتقون) لعلكم تطيعونه.
(ورجاله ثقات وسفيان هو الثوري وأبو داود الحفري اسمه: عمر بن سعد ابن عبيد الكوفي، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري من طريق ابن وكيع عن أبيه عن سفيان به).
قوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (الذي جعل لكم الأرض فراشا) قال: مهادا.
(وأخرجه محمد بن يوسف الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه (تغليق
التعليق ٣/٤٩١) وإسناده حسن).
قوله تعالى (والسماء بناء)
أخرج الطبري عن بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد، عن سعيد عن قتادة في قول الله (والسماء بناء) قال: جعل السماء سقفاً لك.
ويزيد هو ابن زريع، وسعيد هو ابن أبي عروبة. والإسناد حسن تقدم.
قوله تعالى (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم)
روى ابن أبي حاتم عن أبيه ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عباد بن العوام ثنا سفيان بن حسين عن الحكم، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب فيمر به السحاب فتدر كما تدر الناقة، وثجاج مثل العزالي غير أنه متفرق.
(ورجاله ثقات والحكم هو ابن عتيبة الكندي معروف برواية سفيان ابن حسين عنه (تهذيب الكمال ٧/١١٤-١١٦). وهو مدلس لكن تدليِسه لا يضر لأنه من مدلسي الطبقة الثانية كما قرر الحافظ ابن حجر (طبقات المدلسين ص ٢٠). ورواية سفيان بن حسين عن الزهري فيها مقال لكنه لم يرو هنا عن الزهري. فالإسناد صحيح. قوله: العزالى: جمع عزلاء: والمراد بها هنا مصب الماء من الراوية. (ترتيب القاموس المحيط ٣/٢١٨). ومن في قوله تعالى (من الثمرات) لبيان الجنس. فيكون شاملا لكل الثمرات كما في قوله تعالى (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات) سورة النحل آية (١١)).
119
قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (فلا تجعلوا لله أنداداً) أي عدلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (أنداداً) أي عدلا شركا.
ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبي مالك وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك.
أخرج الشيخان في صحيحيهما لسنديهما عن ابن مسعود أنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك.
((صحيح البخاري رقم ٤٤٧٧ - التفسير - سورة البقرة - ب قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)، وصحيح مسلم - رقم ١٤١، ١٤٢ - الإيمان، ب كون الشرك أقبح الذنوب)).
قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أنا أجلح عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما شاء الله وشئت. فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده.
((المسند رقم ١٨٣٩). ورجاله ثقات إلا الأجلح فصدوق وإسناده حسن، وصححه أحمد شاكر والألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ١/٣٦٢ رقم ١٧٢٠)، وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة ص ٥٤٥، ٥٤٦)، وابن ماجة (السنن - الكفارات - باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت رقم ٢١١) من طريق الأجلح به. وقد روى هذا الحديث جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة. فأخرجه أحمد (المسند ٥/٣٩٣)، والنسائي (عمل اليوم والليلة ص ٥٥٤) بإسناد صحيح من حديث حذيفة ابن اليمان، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن يسار في (عمل اليوم والليلة ص ٥٤٥)
وصححه محققه. وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن رجل صحابي. (المصنف ١١/٢٨ رقم ١٩٨١٣)، وأخرجه أحمد (المسند ٥/٧٣)، وابن ماجة (السنن - الكفارات - ب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت. بعد رقم ٢١١٨) من حديث طفيل بن سخبرة وهو حديث طويل والشاهد فيه آخره: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد. قال البوصيري مشيرا إلى رواية ابن ماجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. (مصباح الزجاجة ٢/١٥٢). وبهذا يكون الإسناد صحيحا لغيره، وقد صححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ١/٣٦٢ رقم ١٧٢١). وذكره ابن كثير (التفسير ١/١٠٩-١١٠). والسيوطي (الدر المنثور ١/٨٨) عند تفسير هذه الآية).
120
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد حدثني أبو عمر حدثني أبو عاصم أنبأ شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي. ويقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك.
(وإسناده حسن. وقال ابن حجر: سنده قوي (العجاب في بيان الأسباب ص ٥١)، وقال مؤلف تيسير العزيز الحميد (ص ٥٨٧) : وسنده جيد).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما إلى ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لاشك فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن يحيى ثنا العباس بن الوليد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) إن الله خلقكم وخلق السموات والأرض ثم أنتم تجعلون له أندادا.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح).
قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) أي في شك مما جاءكم به.
وأخرجه أيضاً، بإسناده الجيد عن أبي العالية بلفظ: في شك. ثم قال: وكذلك فسره الحسن وقتادة والربيع بن أنس.
121
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (فأتوأ بسورة من مثله) مثل القرآن.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة (فأتوا بسورة من مثله) يعني: من مثل هذا القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب.
(وإسناده صحيح).
قوله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وادعوا شهداءكم من دون الله) من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين.
(واللفظ للطبري وإسناده حسن).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (وادعوا شهداءكم) ناس يشهدون.
قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) أي لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه.
وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.
((فتح الباري - فضائل القرآن، ب كيف نزل الوحي رقم ٤٩٨١)، (وصحيح مسلم رقم ٢٣٩ - الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) واللفظ لمسلم. وذكره ابن كثير ثم قال: وإنما كان الذي أوتيته وحيا أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية لأنها ليست معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم. (التفسير ١/١١٤)).
قوله تعالى (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة)
قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو معاوية، عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله (وقودها الناس والحجارة) قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين.
(ورجاله ثقات والإسناد صحيح وأبو كريب هو محمد بن العلاء، وأبو معاوية: محمد بن حازم وكلاهما ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق مسعر به. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي (المستدرك ٢/٢٦١). وتعقبه الشيخ مقبل الوادعي بقوله: والأثر على شرط مسلم فإن عبد الرحمن بن سابط ليس من رجال البخاري كما في تهذيب التهذيب والكاشف والخلاصة (انظر هامش تفسير ابن كثير ١/١١٥). وقد بين الله سبحانه في سورة الأنبياء أن الكفار وأصنامهم من هؤلاء الناس والحجارة فقال (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) الآية ٩٨).
قوله تعالى (أعدت للكافرين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (أعدت للكافرين) أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.
وقد وردت عدة أحاديث تدل على أن النار موجودة الآن ومنها ما يلي:
أخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها".
((صحيح البخاري رقم ٣٢٦٥ - بدء الخلق، ب صفة النار وأنها مخلوقة)، (وصحيح مسلم
رقم ٢٨٤٣ - الجنة وصفة نعيمها، ب في شدة حر نار جهنم)، وذكره السيوطي في (الدر المنثور ١/٩٠، ٩١)).
123
وأخرج الشيخان في صحيحيهما بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لايدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتليء، حتى يضع رجله فتقول قط قط قط، فهناك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشيء لها خلقا".
((صحيح البخاري رقم ٤٨٥٠ - التفسير سورة ق، ب وتقول هل من مزيد)، (وصحيح مسلم رقم ٢٨٤٦ - الجنة وصفة نعيمهما، ب النار يدخلها الجبارون). وذكره ابن كثير مختصرا (التفسير ١/١١٦)).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جنهم.
((صحيح البخاري ٢/١٥ رقم ٥٣٣ - المواقيت، ب الإبراد بالظهر في شدة الحر)، (وصحيح مسلم رقم ٦١٥ - المساجد، ب استحباب الإبراد، بالظهر)، واللفظ للبخاري. وقد أخرجه أيضاً من حديث ابن عمر وذكره ابن كثير مختصرا (التفسير ١/١١٦)).
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إذ سمع وجبة. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تدرون ما هذا؟ " قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا. فهو يهوي في النار إلى الآن، حتى انتهى إلى قعرها".
(الصحيح رقم ٢٨٤٤ - الجنة وصفة نعيمها، ب في شدة حر نار جهنم). وذكره ابن كثير (التفسير ١/١١٦).
قوله تعالى (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله ابن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح) وله شاهد يأتي في تفسير سورة الكوثر.
124
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا أنواع هذه الأنهار ولكنه بين ذلك في قوله (فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) سورة محمد: ١٥.
وقد عقد البخاري في صحيحه باباً في صفة الجنة والنار فساق أحاديث كثيرة في صفة الجنة وكذا مسلم في صحيحه وورد أيضاً كتاب بعنوان الجنة ونعيمها فمن أراد الاستزادة فليرجع إليهما.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سيحان وجيحان، والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة".
((الصحيح رقم ٢٨٣٩ - كتاب الجنة ونعيمها، ب ما في الدنيا من أنهار الجنة). وذكره السيوطي في (الدر المنثور ١/٩٤)).
وقال الإمام أحمد: ثنا عفان ثنا سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه الرؤيا الحسنة وربما قال رأى أحد منكم رؤيا فإذا رأى الرؤيا الرجل الذي لا يعرفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل عنه فإن كان ليس به بأس كان أعجب لرؤياه إليه فجاءت إليه امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني دخلت الجنة فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة فلان بن فلان وفلان بن فلان حتى عدت اثني عشر رجلا فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم دما فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيدح فغمسوا فيه فخرجوا منه وجوههم مثل القمر ليلة البدر ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وأتوا بصحفة فأكلوا منها فما يقلبونها لشق إلا أكلوا فاكهة ما أرادوا وجاء البشر من تلك السرية فقال كان من أمرنا كذا وكذا وأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا الذين عدت المرأة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علي بالمرأة قصي على هذا روياك فقصت فقال هو كما قالت.
((المسند ٣/٢٥٧). وأخرجه النسائي في السنن الكبرى من طريق أبي هشام المخزومي عن سليمان بن المغيرة به (تحفة الأشراف ١/١٣٨). ورجاله ثقات وثابت هو البناني وقد تكلم فيه من جهة الاختلاط إلا أن أبا بكر البرديجي قال: ثابت عن أنس صحيح من حديث شعبة والحمادين وسليمان بن المغيرة فهم ثقات (تهذيب التهذيب ٢/٤)، فالإسناد صحيح. وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى عبد بن حميد في مسنده وأبي يعلى والبيهقي في (الدلائل) والمقدسي في (صفة الجنة) وصححه (١/٩٤-٩٥)).
125
قوله تعالى (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يعني (كلما رزقوا منها من ثمرة) قال: كلما أوتوا منه بشيء ثم أوتوا بآخر قالوا هذا الذي أوتينا من قبل.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح المتقدم عن مجاهد (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) يقولون: ما أشبهه به.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي في الدنيا.
وأخرج الطبري عن ابن بشار قال: حدثنا ابن مهدي قال: حدثنا سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة قال: نخل الجنة نضيد أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى.
((رجاله ثقات وإسناده صحيح وابن بشار هو محمد، وابن مهدي هو عبد الرحمن، وسفيان هو الثوري، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود معروف برواية عمرو بن مرة عنه. (انظر تهذيب التهذيب ٨/١٠٢)).
قوله تعالى (وأتوا به متشابها)
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء.
((ورجاله ثقات وإسناده صحيح. أخرجه سفيان الثوري عن الأعمش به وقال الشيخ مقبل سنده صحيح على شرط الشيخين إشارة إلى طريق الثوري (انظر تفسير ابن كثير ١/١١٩ مع الهامش).
وأخرجه الطبري من طريق محمد عبيد عن الأعمش به، ومن طريق مؤمل وابن بشار عن سفيان به).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأتوا به متشابها) يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم. ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو ما حكينا عن أبي العالية.
126
قوله تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة)
وقد بين سبحانه وتعالى نوعا من طهارة الأزواج في سورة الرحمن عند قوله (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) آية: ٥٦.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا صفات تلك الأزواج ولكنه بين صفاتهن الجميلة في آيات أخر كقوله (وعندهم قاصرات الطرف عين) الصافات: ٤٨. وقوله (كأنهن الياقوت والمرجان) الرحمن: ٥٨. وقوله (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) الواقعة: ٢٢. وقوله (وكواعب أتراباً) النبأ: ٣٣. إلى غير ذلك من الآيات المبينة لجميل صفاتهن.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أزواج مطهرة) يقول: مطهرة من القذر والأذى.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (ولهم فيها أزواج مطهرة) قال: مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أول زمر تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون. آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك. ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن. لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا".
((صحيح البخاري رقم ٣٢٤٥ - بدء الخلق، ب ما جاء في صفة الجنة)، (وصحيح مسلم رقم ٢٨٣٤ وما بعده - كتاب الجنة وصفة نعيمها، ب أول زمرة تدخل الجنة)، واللفظ للبخاري. وذكره السيوطي في الدر المنثور (١/٩٨)).
127
قوله تعالى (وهم فيها خالدون)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: (وهم فيها خالدون) أي خالدا أبدا يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له.
وانظر رواية البخاري من حديث أبي سعيد في سورة مريم آية (٣٩).
قوله تعالى (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) فإذا جاءت آجالهم، وانقطعت مدتهم صاروا كالبعوضة، تحيا ما جاعت وتموت إذا رويت. فكذلك هؤلاء الذين ضرب لهم هذا المثل إذا امتلئوا من الدنيا رياً أخذهم الله فأهلكهم.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال: لما ذكر الله تبارك وتعالى العنكبوت والذباب قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها).
(ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة. والإسناد إلى قتادة حسن، وكون هذا السبب روي من طرق أخرى فإن هذه الطرق المرسلة يقوي بعضها بعضا).
قوله تعالى (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (مثلا ما بعوضة) يعني الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها ويضل بها الفاسقين يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به ويعرفه الفاسقون فيكفرون به.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) يعني: هذا المثل.
128
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة، قوله (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه الحق من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً) فهم أهل النفاق.
قوله تعالى (وما يضل به إلا الفاسقين)
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) فسقوا فأضلهم الله على فسقهم.
قوله تعالى (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى قوله (أولئك هم الخاسرون) قال هي ست خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه)، فإياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه وأوعد فيه، وقدم فيه في آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة، وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق. فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فلْيفِ به لله.
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطي ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال: سألت أبي فقلت قوله (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) إلى آخر الآية. فقال هم الحرورية.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح. قال ابن كثير: وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا بالخوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام (التفسير ١/١٢٤)).
قوله تعالى (ويقطعون ما أمر به أن يوصل)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي أمر به أن يوصل وقد أشار إلى أن منه الأرحام بقوله (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) سورة محمد: ٢٢.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن الصباح ثنا يزيد بن هارون، ويحي بن عباد، وشبابة بن سوار. قالوا: ثنا شعبة عن عمرو بن قرة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: الحرورية الذين قال الله: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل). والسياق: ليزيد.
(وإسناده صحيح وانظر قول الحافظ ابن كثير آنفا).
قوله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)
أخرج سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) قال: هي مثل الآية التي في أول المؤمن (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين).
((التفسير ص ٤٣). ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به. وأبو إسحاق هو: السبيعي، وأبو الأحوص هو: عوف بن مالك).
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) الآية قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله وخلقهم ثم أماتهم الموتة التي لابد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما حياتان وموتتان.
قوله تعالى (ثم إليه ترجعون)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (ثم إليه ترجعون) قال: ترجعون إليه بعد الحياة.
قوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات)
وتفصيل هذه الآية في قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) سورة فصلت: ٩-١٢، وانظر تفسير ابن كثير.
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي فقال: "خلق الله، عز وجل، التربة يوم السبت. وخلق فيها الجبال يوم الأحد. وخلق الشجر يوم الاثنين. وخلق المكروه يوم الثلاثاء. وخلق النور يوم الأربعاء. وبث فيها الدواب يوم الخميس. وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة. في آخر الخلق. في آخر ساعة من ساعات الجمعة. فيما بين العصر إلى الليل".
((الصحيح رقم ٢٧٨٩ - صفات المنافقين، ب ابتداء الخلق وخلق آدم). وقد تكلم بعض الأئمة النقاد في متن هذا الحديث وأجاب عنهم آخرون وقد سرد د. أحمد بن عبد الله الزهراني أقوال العلماء النقاد ثم عقبها بالإجابات ومنها أن هذا الحديث غير مخالف للقرآن الكريم، فأجاد وأفاد (تفسير ابن أبي حاتم - سورة البقرة ١/٢٦٨)).
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) نعم والله سخر لكم ما في الأرض.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، ثم استوى إلى السماء). قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك حين يقول (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات). قال: بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين، بعضهن تحت بعض.
(ورجاله ثقات إلا الحسن بن يحيى صدوق فالإسناد حسن).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم استوى إلى السماء) يقول: ارتفع.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات)، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله (والأرض بعد ذلك دحاها).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (فسواهن سبع سموات) قال: بعضهن فوق بعض بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام.
قوله تعالى (وهو بكل شيء عليم)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: العالم الذي قد كمل في علمه.
قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)
أخرج مسلم بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خلقت الملائكة من نور. وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم"
((الصحيح رقم ٢٩٩٦ - الزهد، ب في أحاديث متفرقة)).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن قال: قال الله للملائكة: (إني جاعل في الأرض خليفة) قال لهم إني فاعل.
(ورجاله ثقات إلا الحسن ومبارك فصدوقان ومبارك مدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالسماع وقد صرح فالإسناد حسن. وأخرجه الطبري من طريق جرير بن حازم ومبارك وأبي بكر الهذلي كلهم عن الحسن وقتادة بلفظه).
قال محمد بن سعد. أخبرنا هوذة بن خليفة، أخبرنا عوف عن قسامة بن زهير قال سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك".
((الطبقات الكبرى ١/٢٦). وأخرجه أحمد (المسند ٤/٤٠٠)، والترمذي (السنن رقم ٢٩٥٥ - التفسير - سورة البقرة) عن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر عن عوف به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود من طريق يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد (السنن رقم ٤٦٩٣ - السنة، ب في القدر)، وأخرجه الحاكم من طريق معمر كلهم عن عوف به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦١، ٢٦٢)، وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم ١٦٣٠)، وأحمد شاكر في (تفسير الطبري رقم ٦٤٥). وذكره السيوطي ونسبه إليهم وإلى غيرهم (الدر المنثور ١/١١٨)).
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
133
((صحيح البخاري رقم ٣٣٢٦ - الأنبياء، ب خلق آدم)، (وصحيح مسلم رقم ٢٨٤٠ - الجنة وصفة نعيمها، ب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير). واللفظ للبخاري. وذكره السيوطي ونسبه إليهما وإلى غيرهما (الدر المنثور ١/١١٨)).
قال مسلم: حدثنا حسن بن علي الحلواني. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع. حدثنا معاوية (يعني ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد الله ابن فروخ، أنه سمع عائشة تقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل. فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى. فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار".
قال أبو توبة: وربما قال (يمسي).
((الصحيح رقم ١٠٠٧ - الزكاة، ب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف)).
قوله تعالى (قالوا أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء)
قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد قال الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما قال الله (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يعنون الجن بني الجان فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور قال فقال الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها كما فعل أولئك الجن بنو الجان قال فقال الله (إني أعلم ما لا تعلمون).
(وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/٢٦١). وقد يكون هذا الخبر من أهل الكتاب ولكنه من الأخبار التي لا تخالف نصا من الكتاب والسنة).
134
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (أتجعل فيها من يفسد فيها) قال كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء فذلك حين قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي ذر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده. سبحان الله وبحمده.
((الصحيح رقم ٢٧٣١ - الذكر والدعاء، ب فضل سبحان الله وبحمده)، وأخرجه البغوي في تفسيره من طريق مسلم به).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونحن نسبح بحمدك) قال: التسبيح، التسبيح.
وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نسبح لك ونقدس لك) قال: نعظمك.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ونقدس لك) قال: نعظمك ونكبرك.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة في قوله (ونقدس لك) قال: التقديس: الصلاة.
قوله تعالى (قال إني أعلم ما لا تعلمون)
قال الطبري: وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد -وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل- قالا جميعا: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
(وإسناده صحيح. وأخرجه اللالكائي من طريق علي بن بذيمة عن مجاهد بلفظه. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص ٥٤٦)).
135
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) قال: علم من إبليس المعصية.
وأخرجه الطبري أيضاً من طرق أخرى عن مجاهد بنحوه.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: (إني أعلم ما لا تعلمون) فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة.
أخرج البخاري ومسلم بإسناديهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
((صحيح البخاري رقم ٥٥٥ - مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة العصر)، (وصحيح مسلم رقم ٢١٠ - المساجد ومواضع الصلاة، ب فضل صلاتي الصبح والعصر) واللفظ للبخاري. وذكره ابن كثير ثم قال: فقولهم أتيناهم وهم يصلون من تفسير قوله لهم (إني أعلم ما لا تعلمون). (التفسير ١/١٣٠)).
قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها)
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي وخلاد بن يحيى قالا: أخبرنا مسعر بن أبي حصين قال: قال لي سعيد بن جبير أتدري لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض.
((الطبقات الكبرى ١/٢٦)، ورجاله ثقات إلا خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي صدوق وقد تابعه محمد ابن عبد الله الأسدي. وأبو حصين هو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي. فالإسناد صحيح).
وأخرجه الطبري عن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: خلق آدم من أديم الأرض، فسمى آدم.
136
(ورجاله ثقات إلا أحمد بن إسحاق وهو الأهوازي: صدوق. وأبو حصين: هو عثمان بن عاصم المتقدم في رواية ابن سعد فالإسناد حسن. وانظر إلى قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) وقد ورد في الحديث المتفق عليه أن الله تعالى علمه أسماء كل شيء).
فأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا... " الحديث.
((الصحيح رقم ٤٤٧٦ - التفسير - سورة البقرة، ب قول الله (وعلم آدم الأسماء كلها)).
(وصحيح مسلم رقم ٣٢٢ - الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها). واللفظ للبخاري).
قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك ابن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، قال سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم. قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون.
((الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) ١٤/٦٩ ح ٦١٩٠)، وذكره ابن كثير بسنده ومتنه ثم قال: وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. ا. هـ (قصص الأنبياء ١/٦٠). وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ح ٧٥٤٥) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع به. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد ٨/٢١٠) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي توبة وأطول وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٢)، وصححه أيضاً محقق الإحسان).
قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها)، قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء. ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
137
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بإسناديهما الحسن عن قتادة (ثم عرضهم) قال علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة.
قوله تعالى (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (بأسماء هؤلاء) قال: بأسماء هذه التي حدثت بها آدم.
قوله تعالى (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا)
تقدم حديث مسلم ورواية الطبري وابن أبي حاتم عند قوله تعالى (ونحن نسبح بحمدك).
قوله تعالى (إنك أنت العليم الحكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قوله (الحكيم) قال: حكيم في أمره.
قوله تعالى (قال يا آدم أنبئهم بأسماءهم فلما أنبأهم بأسماءهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه.
قوله تعالى (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) قال: أسروا بينهم فقالوا: يخلق الله ما يشاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) فكان الذي كتموا قولهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم.
138
قوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق
آدم أو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة الحجر وص بأنه قال لهم ذلك قبل خلق
آدم. فقال في الحجر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وقال في
سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) قال للملائكة الذين كانوا في الأرض.
قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر)
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن معمر عن قتادة قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) الكهف: ٥٠. كان من قبيل من الملائكة يقال لهم: الجن.
وهذا التفسير مستنبط من قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه).
وأخرج الطبري عن محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس.
(وذكره ابن كثير وصحح إسناده (التفسير ١/١٤٠)).
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) الأعراف: ١٢. وقوله (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) الحجر: ٣٣.
139
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته.
ومعنى: استكبر أي تكبر فالسين للمبالغة.
((انظر تفسير القاسمي ٢/١٠١)).
وقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنى الكبر وخطره. فأخرج مسلم بإسناده عن ابن مسعود عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر الكبر بطر الحق وغمط الناس".
((الصحيح رقم ١٤٧ - الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه)).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (أبى واستكبر وكان من الكافرين) حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني. فكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم.
قوله تعالى (وكان من الكافرين)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (وكان من الكافرين) يعني: من العاصين.
وأخرج البغوي عند آخر هذه الآية بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أنا جرير ووكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فأطاع فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
((التفسير ١/٦٣) وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم في (صحيحه من حديث أبي هريرة - كتاب الإيمان، ب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم ١٣٣)).
140
قوله تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
(ورجاله ثقات على شرط الشيخين وإسناده صحيح. وأبو الضحى هو مسلم بن صبيح الهمداني).
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تبارك وتعالى (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) قال: خلق الله آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجنة فجعله في جنات الفردوس.
وله شاهد من الصحيح كما سيأتي عند قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه).
وقوله تعالى (أنت وزوجك) يوحي أن حواء قد خلقت. وقد أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن خلقها فأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء".
((فتح الباري رقم ٣٣٣١ - أحاديث الأنبياء، ب خلق آدم وذريته)، (وصحيح مسلم رقم ٦٠ - الرضاع، ب الوصية بالنساء). واللفظ للبخاري. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم. (فتح الباري ٦/٣٦٨)).
قوله تعالى (وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة... )
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قوله (رغدا) قال: لا حساب عليهم.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) ثم إن البلاء الذي كتب على الخلق، كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله، أن الله جل ثناؤه أحل له ما في الجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء، غير شجرة واحدة نهي عنها، وقدم إليه فيها، فما زال البلاء حتى وقع بالذي نهي عنه.
انظر الآية رقم (٥٨) من السورة نفسها.
قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا خالد بن خداش المهلبي ثنا حماد بن زيد عن الزبير بن خريت، عن عكرمة قال: إنما سمي الشيطان لأنه تشيطن.
(ورجاله ثقات إلا خالد بن خداش صدوق فالإسناد حسن).
وقد فصل الله تعالى كيف أزلهما الشيطان كما في سورة طه آية (١١٦-١٢٣) قال تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى).
قوله تعالى (فأخرجهما مما كانا فيه)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها".
((الصحيح رقم ٨٥٤ - الجمعة، ب فضل يوم الجمعة)، وذكره ابن كثير في التفسير (١/١٤٨).
وانظر الآيات السابقة من سورة طه).
قوله تعالى (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو)
أخرج آدم بن أبي إياس بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني: إبليس وآدم.
قوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله (ولكم في الأرض مستقر) هو قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا) البقرة: ٢٢.
قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات) هو قوله (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
((التفسير ص ٣٥)، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بإسناده عن سعيد عن قتادة عن الحسن بلفظه. وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن).
قوله تعالى (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)
قال المروزي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن المستورد بن أحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: صلبت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة، فكان إذا مر بآبة رحمة سأل، وإذ مر بآية عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح.
((تعظيم قدر الصلاة ١/٣٢٧ رقم ٣١٥). ورجاله ثقات على شرط مسلم وإسناده صحيح. وقد روى أبو داود وأحمد والترمذي في الشمائل والطبراني في المعجم الكبير ومسند الشاميين والبيهقي في السنن الكبرى وشعب الإِيمان من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: قمت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ. وحسنه محقق شعب الإيمان انظر (شعب الإيمان ٥/٥٧ مع الحاشية)، وانظر (مسند أحمد ٢/٢٤)، (وسنن النسائي الدعاء في السجود ٢/٢٢٣)، والسنن (الكبرى ٢/٣١٠) (والمعجم الكبير ١٨/٦١ رقم ١١٣)، (وتحفة الأشراف ٨/٢١٣ رقم ١٠٩١٢)).
قوله تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا)
انظر الآية السابقة رواية آدم بن أبي إياس عن مجاهد.
قال عبد الرزاق قال: نا معمر، وأخبرني عوف أيضاً عن قسامة عن أبي موسى أن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
((التفسير ص ٣٥)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وقسامة: هو ابن زهير المازني معروف بالرواية عن أبي موسى الأشعري وبرواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي عنه. (انظر تهذيب الكمال ل ١١٢٩)).
قوله تعالى (فإما يأتينكم مني هدى)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإما يأتينكم مني هدى) قال: الهدى: الأنبياء والرسل والبيان.
قوله تعالى (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
وبه عن أبي العالية في قوله (فمن تبع هداي) يعني: البيان.
قوله تعالى (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
أخرج مسلم بإسناده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة. فجيء بهم ضبائر ضبائر. فبثوا على أنهار الجنة. ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل". فقال رجل من القوم: كأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كان بالبادية.
(الصحيح رقم ١٨٥ - الإيمان، ب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار)، وذكره ابن كثير (التفسير ١/١٥٠). قوله: ضبائر ضبائر: أي جماعات في تفرقة (شرح مسلم للنووي ٣/٣٨).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (والذين كفروا) قال: المشركون من قريش.
وقد ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا مر بآية عذاب تعوذ، كما في آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
قال عبد بن حميد في التفسير: حدثنا أبو نعيم ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب هو إسرائيل.
((انظر تغليق التعليق ٤/٩)، وحسنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٦/٣٧٣)).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طريق بكير بن شهاب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن اليهود قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها...
وهذا جزء من حديث تقدم تخريجه عند الآية (١٩) من هذه السورة عند تفسير: الرعد. وروى الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس أن إسرائيل كقولك: عبد الله.
((انظر تفسير ابن كثير ١/١٥١). ورجاله ثقات وعنعنة الأعمش لا تضر لأن المعنى معروف في
اللغة السريانية. (انظر تفسير القرطبي ١/٣٣١)).
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يا أهل الكتاب للأحبار من اليهود (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه.
وقد بين الله تعالى بعض النعم التي أنعم بها علي بني إسرائيل ومنها: قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى) البقرة: ٥٧.
وقوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب... ) البقرة: ٤٩.
وقوله (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) القصص: ٥. وقوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) البقرة: ٤٧. وقد فضلهم على أهل زمانهم كما سيأتي عند تفسير هذه الآية. وقوله (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون... ) البقرة: ٥٠. وقوله (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا... ) البقرة ٦٠.
145
قوله تعالى (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما عهده وما عهدهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار) المائدة: ١٢. فعهدهم هو المذكور في قوله (لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا) وعهده هو المذكور في قوله (لأكفرن عنكم سيئاتكم) الآية. وأشار إلى عهدهم أيضاً بقوله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولاتكتمونه) آل عمران: ١٨٧. إلى غير ذلك من الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (أوفوا بعهدي) الذي أخذت في أعناقكم للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءكم. (أوف بعهدكم) أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه فوضع عنكم ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم.
قوله تعالى (وإياي فارهبون)
وبه عن ابن عباس (فارهبون) أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وإياي فارهبون) فاخشون. ثم قال: وكذا روي عن السدي والربيع بن أنس وقتادة.
قوله تعالى (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: في قوله (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم يقول: لأنهم يجدون محمدا مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
146
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم) يقول: إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوارة والإنجيل.
قوله تعالى (ولا تكونوا أول كافر به)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق بإسناده الحسن عن ابن عباس (ولا تكونوا أول كافر به) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم.
وأخرج بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تكونوا أول كافر به) يقول: لا تكونوا أول من كفر بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا)
قال الإمام أحمد: ثنا يونس وسريج بن النعمان قالا ثنا فليح عن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة". قال سريج في حديثه يعني ريحها.
((المسند رقم ٢٣٣٨)، وأخرجه ابن ماجة (المقدمة - ب الانتفاع بالعلم والعمل به) من طريق يونس وسريج به. وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير ٥/٢٧٢)).
قوله (وإياي فاتقون)
راجع الآثار الواردة في ذكر المتقين عند قوله تعالى (هدى للمتقين).
قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولا تلبسوا الحق بالباطل) يقول: ولا تخلطوا الحق بالباطل وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل) الحق الذي لبسوه بالباطل: هو إيمانهم ببعض ما في التوراة. والباطل الذي لبسوا به الحق:
كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له. كصفات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرها مما كتموه
وجحدوه وهذا يبينه قوله تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) الآية البقرة: ٨٥. والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة في قول الله (ولا تلبسوا الحق بالباطل) قال: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. ثم قال: وروي عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس نحو ما ذكرنا عن أبي العالية وروي عن الحسن نحو قول قتادة.
قوله تعالى (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) قال: يكتم أهل الكتاب محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يجدونه عندهم في التوراة والإنجيل.
قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله (وأقيموا الصلاة) قال: فريضة واجبة لا تنفع الأعمال إلا بها وبالزكاة. (ورجال الإسناد ثقات إلا عصاما ومباركا فصدوقان، ومبارك كثير التدليس ولكن روايته عن الحسن يحتج بها. (انظر تهذيب التهذيب ١٠/٢٩)، فالإسناد حسن. وقال أيضاً: حدثنا علي بن الحسين، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ثنا الوليد ثنا عبد الرحمن بن نمر قال: سألت الزهري عن قول الله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) قال الزهري: إقامتها أن تصلي الصلوات الخمس لوقتها. قال المحقق حسن الإسناد... وأصله في الصحيحين مرفوعا: أي الأعمال أحب إلى الله قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصلاة على وقتها... " الحديث
قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أسامة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت أمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
((صحيح البخاري رقم ٢٩٨٩ - بدء الخلق، ب صفة النار)، (وصحيح مسلم رقم ٢٩٨٩ - الزهد، ب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله). واللفظ للبخاري وقد اقتصرت على ذكر الشاهد. وأخرجه البغوي في (التفسير ١/٦٨) بإسناده عن البخاري به).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة، (وتنسون أنفسكم) أي تتركون أنفسكم.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون فعيرهم الله.
((التفسير ص ٣٥)، وإسناده صحيح).
قال الحافظ الذهبي: حديث أبي صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن سليم بن عامر أن أبا أمامة حدثه قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد صلاة الصبح فقال: "إني رأيت رؤيا هي حق فاعقلوها، أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلا وعرا فقال لي ارقه. قلت لا أستطيع. فقال إني سأسهله لك، فجعلت كلما رفعت قدمي وضعتها على درجة حتى استوينا على سواء الجبل، فانطلقنا فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء يقولون ما لا يفعلون -فذكر خبراً طويلاً يقول فيه- ثم رفعت رأسي فإذ ثلاثة نفر تحت العرش. قلت ما هؤلاء؟ قال: أبوك إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك".
(إسناده جيد، رواه أبو إسماعيل الترمذي عن كاتب الليث، وهو ملي بمعرفته إن شاء الله (العلو ص ٨٢)).
149
قوله تعالى (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) أي تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي فتنقضون ميثاقي وتجحدون بما تعلمون من كتابي.
قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة). الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها. وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة.
فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها: النهي عما لا يليق وذلك في قوله (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) ولذا كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
قال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل بن عمر وخلف بن الوليد قالا ثنا يحيى بن زكريا يعني ابن زائدة عن عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدولي قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة قال حذيفة كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا حزبه أمر صلى.
((المسند ٥/٣٨٨)، وأخرجه أبو داود (السنن رقم ١٣١٩ - الصلاة، ب وقت قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل)، والطبري في (التفسير رقم ٨٥٠) من طريق يحيى بن زكريا به. وقد صححه أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري، وحسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير ٤/٢١٥)).
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا كهمس بن الحسن عن الحجاج بن الفرافصة، قال أبو عبد الرحمن -هو عبد الله بن يزيد-: وأنا قد رأيته في طريق فسلم علي وأنا صبي، رفعه إلى ابن عباس، أو أسنده إلى ابن عباس، قال: وحدثنا همام بن يحيى أبو عبد الله صاحب البصري، أسنده إلى ابن عباس، وحدثني عبد الله بن لهيعة ونافع بن يزيد المصريان عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس، ولا أحفظ حديث بعضهم من بعض،
150
أنه قال: كنت رديف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بها؟ فقلت: بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.
((المسند رقم ٢٨٠٤)، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٤/٢٣٣ ح ٢٦٦٩)، أخرجه الترمذي (السنن رقم ٢٥١٦ - صفة القيامة، ب ٥٩) من طريق عبد الله بن لهيعه والليث بن سعد عن قيس به نحوه مختصرا ثم قال: هذا حديث حسن. وصححه الشيخ الألباني (صحيح سنن الترمذي ٢/٣٠٩ رقم ٢٠٤٣). وحسنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالة بشرح هذا الحديث اسمها: "نور الاقتباس في مشكاة وصية - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس رضي الله عنهما ص٢٣، ٢٤". وفي كتابه جامع العلوم والحكم (ص ١٧٤)).
وقال الطبري: حدثنا محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا ابن عليه، قال: حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر، فاسترجع. ثم تنحى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين).
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو عيينة هو عبد الرحمن بن جوشن. وأخرجه المروزي (تعظيم قدر الصلاة ١/٢٢٢ رقم ٢٠١)، والحاكم (المستدرك ٢/٢٦٩-٢٧٠) من طريق هشيم عن خالد بن صفوان عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه به، وصححه الحاكم وأقره الذهبي).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية يقول: َاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ على مرضات الله. واعلموا أنها من طاعة الله.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الاستعانة بالصبر انظر مثلا (جامع الأصول ٦/٤٢٩-٤٤١).
151
وأخرج المروزي والحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق أنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاضت نفسه فيها فخرجت امرأته: أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة.
((تعظيم قدر الصلاة ١/٢٢٣، ٢٢٤ رقم ٢٠٥)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٩). وأخرجه عبد الرزاق في التفسير بنحوه (التفسير ص ٥٠، ٥١)).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة قال: حدثونا يعني: ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (واستعينوا بالصبر) قال: الصبر: الصيام.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح).
قوله تعالى (وإنها لكبيرة)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (وإنها لكبيرة) قال: الصلاة.
(ورجاله ثقات إلا ورقاء صدوق والإسناد حسن).
وانظر الروايات الواردة عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة... ) آية: ١٥٣ من هذه السورة.
قوله تعالى (إلا على الخاشعين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إلا على الخاشعين) يعني: المصدقين بما أنزل الله تعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إلا على الخاشعين) قال يعني: الخائفين.
وأخرج عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (إلا على الخاشعين) على المؤمنين حقا.
((انظر تغليق التعليق ٤/١٧١، ١٧٢)، وإسناده حسن).
152
قوله تعالى (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)
قال الطبري: حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو علم.
(وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا سند صحيح. (التفسير ١/١٦٢)).
ولو لم يقل مجاهد كل ظن لكان أحسن لأن بعض الآيات تخالف ما ذهب إليه مثل قوله تعالى (وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) الجاثية: ٢٤. وقوله (لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) البقرة ٧٨. وقوله (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) النساء: ١٥٧. وقوله (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) الأنعام: ١١٦. وغيرها من الآيات في باب (ظن) فلو جعلها على سبيل التغليب لكان أحسن والله أعلم.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) قال: الظن هاهنا اليقين.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى (وبالآخرة هم يوقنون).
قوله تعالى (وأنهم إليه راجعون).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي العالية في قوله (وأنهم إليه راجعون) قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة.
قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وأني فضلتكم على العالمين) قال: فضلوا على عالم ذلك الزمان.
((التفسير ص ٣٥)، وإسناده صحيح).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال عند هذه الآية: على من هم بين ظهرانيه.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية (وأني فضلتكم على العالمين) قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما.
(وذكره ابن كثير ثم قال: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل ابن أبي خالد نحو ذلك ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)).
والدليل من السنة ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنتم تتمون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله".
((أخرجه أحمد (المسند ٥/٣)، والترمذي وحسنه (السنن - التفسير - سورة آل عمران رقم ٣٠٠١)، وابن ماجه (السنن - الزهد - باب صفة أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رقم ٤٢٨٧)، والطبري، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/٨٤) وكلهم من طريق بهز به. وقال ابن كثير: وهو حديث مشهور (التفسير٢/٧٨ ط الشعب)).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته".
((فتح الباري رقم ٣٦٤٩ - فضائل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، (وصحيح مسلم رقم ٢١٢ - فضائل الصحابة، ب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)).
قوله تعالى (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئاً)
فسر الطبري هذه الآية بقوله: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ولا تغني عنها غنى.
ثم استدل بما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي قالا، حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض -قال أبو كريب في حديثه: أو مال، أو جاه- فاستحله قبل أن يؤخذ منه، وليس ثم دينار ولا درهم،
فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم".
(وأخرجه أيضاً من طريق مالك عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه، ومن طريق مالك أخرجه البخاري. (فتح الباري - الرقاق، ب القصاص يوم القيامة ٦٥٣٤)).
وقال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) لقمان: ٣٣.
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذه الآية: فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً.
وقال الطبري أيضاً: حدثني موسى بن سهل الرملي، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يقتسمون الحسنات والسيئات. وأشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده يمينا وشمالا".
((وصحح إسناده الأستاذ أحمد شاكر والصواب أن إسناده حسن لأن الدراوردي صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ. قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، ونعيم بن حماد صدوق يخطيء كثيرا وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال: باقي حديثه مستقيم، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث من أخطائه (الكامل ص ٢٤٨٢-٢٤٨٥). وباقي رجاله ثقات والحديث السابق شاهد له وعلى هذا فالإسناد حسن).
قوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ مها عدل ولا هم ينصرون)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.
(وإسناده صحيح).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا يؤخذ منها عدل) يعني فداء.
(ثم قال: وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك).
155
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقاً يوم القيامة. ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السموات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء: ٢٨. وقد قال (ولا يرضى لعباده الكفر) الزمر: ٧. وقال تعالى عنهم مقررا له (فما لنا من شافعين) الشعراء: ١٠٠. وقال (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر: ٤٨.
إلى غير ذلك من الآيات. وقال في الشفاعة بدون إذنه (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة: ٢٥٥. وقال (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم: ٢٦. وقال (يؤمئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) طه: ١٠٩. إلى غير ذلك من الآيات وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا. كما صرح بذلك قوله (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) يونس: ١٨.
وقال الألوسي عند قوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة) إن النفي مخصص بما قبل الإذن لقوله تعالى (لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن) طه: ١٠٩.
(روح المعاني ١/٢٥٢).
قوله تعالى (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب)
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه.
((صحيح البخاري رقم ٢٠٠٤ - الصيام، ب صيام يوم عاشوراء)، (وصحيح مسلم رقم ١٢٨ - الصيام، باب أي يوم يصام عاشوراء). واللفظ للبخاري. وذكره ابن كثير في (التفسير ١/١٦٧).
156
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يسومونكم سوء العذاب) بينه بقوله بعده (يذبحون أبناءكم... ) الآية.
وقال الطبري: حدثنا به العباس بن الوليد الآملي، وتميم المنتصر الواسطي قالا، حدثنا يزيد بن هرون قال، أخبرنا الأسبغ بن زيد (الجهني) قال، حدثنا القاسم ابن أبي أيوب قال، حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله -أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا، وائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا منهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، وأن الصغار يذبحون، قال: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم! فاقتلوا عاما كل مولود ذكر، فتقل أبناؤهم، ودعوا عاما. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، حتى إذا كان القابل حملت بموسى.
(ورجاله ثقات إلا الأصبغ صدوق يغرب والخبر ليس من غرائبه لأنه روي من طرق أخرى (انظر مثلا تفسير الطبري رقم ٨٩٢). وغالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب ولكن لا ضير لأن هذا الخبر من قبيل المسكوت عنه فلا نصدقه ولا نكذبه ونسوقه لا اعتقادا بسلامته من التحريف وإنما للتوسع في باب الأخبار والاستشهاد والاعتبار، وأن صح إلى ابن عباس (انظر تفسير القاسمي ١/٤٤، ٤٥)).
قوله تعالى (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (بلاء من ربكم عظيم) قال: نعمة. ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي نحو ذلك.
قوله تعالى (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)
قال الطبري: حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون. قال: فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمئة ألف. فلما عاينهم فرعون قال (إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون) الشعراء: ٥٤-٥٦.
فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه! قال: عسى ربكم أن
يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبات البحر له أفكل -يعني: له رعدة- لا يدري من أي جوانبه يضربه قال: فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه. قال: فضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقا، كل طريق كالطود العظيم، فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه. فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: مالنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتى نراهم. قال سفيان، قال عمار الدهني: قال موسى: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا. وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر. قال موسى بعصاه على
158
الحيطان هكذا، فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض. قال سفيان: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس: فساروا حتى خرجوا من البحر. فلما جاز آخر قوم موسى، هجم فرعون على البحر هو وأصحابه........ وقيل لموسى: اترك البحر رهوا -قال: طرقا على حاله- قال: ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون، وجاز آخر قوم موسى، أطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقوا.
(ورجاله ثقات والإسناد صحيح، وأبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري، والخبر غالبا ما يكون من أخبار أهل الكتاب وهو شبيه بما تقدم في الآية السابقة ولكن له شواهد من القرآن ذكر بعضها الشيخ الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآية فقال: لم يبين هنا كيفية فرق البحر بهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) الشعراء: ٦٣، وقوله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) الآية، طه ٧٧).
قوله تعالى (وأغرقنا آل فرعون)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا كيفية إغراقهم ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين) الشعراء: ٦٠-٦٤. وقوله (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) طه: ٧٨. وقوله (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) الدخان: ٢٤. وقوله (رهوا) أي ساكنا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه، إلى غير ذلك من الآيات.
159
قوله تعالى (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة)
بين الله تعالى مكان الواعدة في سورة طه آية (٨٠) فقال (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن... ). والطور سيأتي ذكره عند الآية (٦٣) من هذه السورة إن شاء الله.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة؟ ولكنه بين في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولا ثلاثين، ثم أتمها بعشر. وذلك في قوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة).
صفة موسى عليه السلام
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب، رجل كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس، وأنا أشبه ولد إبراهيم - رضي الله عنه - به. ثم أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقال: اشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك".
((الصحيح رقم ٣٣٩٤ - الأنبياء - باب قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى... ).
- ضَرب: بفتح الضاد وسكون الراء: نحيف.
- شنوءة: حي من اليمين ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ولقب شنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله. (فتح الباري ٦/٤٢٩).
- الديماس: الحمَّام، وقيل الكن، وفي حديت المسيح: كأنه خرج من ديماس يعنى في نضرته وكثرة ماء وجهه (انظر لسان العرب ٦/٨٨)).
160
قوله تعالى (لم اتخذتم العجل من بعده)
بين الله تعالى من أي شيء هذا العجل وصفته وصرح بذكر السامري الذي صنع العجل في قوله (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) الأعراف ١٤٨. وقوله (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار) طه ٨٧-٨٨.
((أضواء البيان ١/١٤٠)).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحجاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (العجل) حسيل البقرة -ولد البقرة-.
(وإسناده حسن).
قوله تعالى (وأنتم ظالمون)
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن مجاهد قوله: الظالمين. قال: أصحاب العجل.
قوله تعالى (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) يعني: من بعد ما اتخذوا العجل.
قوله تعالى (لعلكم تشكرون)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا ابن أبي عمر العدني ثنا سفيان، عن مسعر، عن عون بن عبد الله في قوله (لعلكم) قال: إن لعل من الله واحب.
(رجاله ثقات وإسناده صحيح).
قوله تعالى (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) قال: فرق فيه بين الحق والباطل.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) قال: الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل.
161
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
أخرج الطبري عن عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) قال: أمر موسى قومه -عن أمر ربه عز وجل- أن يقتلوا أنفسهم، قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة.
(أبو سعيد هو عبد الكريم بن مالك الجزري. ورجاله ثقات وإسناده صحيح والخبر عن أهل الكتاب وهو من قبيل المسكوت عنه).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (باتخاذكم العجل) قال: كان موسى أمر قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليهم.
قوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فتوبوا إلى بارئكم) أي إلى خالقكم.
قوله تعالى (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم... ) الآية
قال الطبري: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة في قوله (فاقتلوا أنفسكم) قال: قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا، حتى قيل لهم: كفوا! قال قتادة: كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي.
(وإسناده حسن).
قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)
قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي قال كتب إلي أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن أبي الحويرث عن ابن عباس أنه قال في قول الله (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) أي علانية. أي حتى نرى الله.
(وفي إسناده أبو الحويرث وهو عبد الرحمن بن معاوية الرزقي، صدوق سيء الحفظ، ولكن المتن لا يحتمل الخطأ لأن له شواهد من اللغة وأهل التفسير كما سيأتي، وباقي رجاله ما بين ثقة وصدوق فالإسناد حسن).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة في قول الله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) أي عيانا. ثم قال: وكذا فسره الربيع بن أنس: عيانا.
قوله تعالى (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون)
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم) قال: أخذتهم الصاعقة أي ماتوا ثم بعتهم الله تعالى. -ليكملوا بقية آجالهم-.
((التفسير ص ٣٧) وإسناده صحيح. والتتمة من رواية الطبري رقم ٩٦٠، وابن أبي حاتم رقم ٥٤٧).
قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام)
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (وظللنا عليكم الغمام) قال: هو بمنزلة السحاب.
قوله تعالى (وأنزلنا عليكم المن)
أخرج الشيخان بسنديهما عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين".
((صحيح البخاري رقم ٤٤٧٨ - التفسير - سورة البقرة، ب قوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام))، (وصحيح مسلم رقم ١٥٧-١٦٢ - الأشربة، ب فضل الكمأة ومداواة العين)).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا.
وأخرج الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (المن) قال: صمغة.
((تغليق التعليق ٤/١٧٣)، وإسناده حسن).
قوله تعالى (والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم... ) الآية
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) قال: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج والسلوى طير كانت تحشرها عليهم ريح الجنوب.
((التفسير ص ٣٧)، وإسناده صحيح).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: السلوى: طائر.
قوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية)
ومعنى ادخلوا هنا أي اسكنوا كما جاء في قوله تعالى (قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيت شئتم رغدا... ) الأعراف: ١١٦.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ادخلوا هذه القرية) قال: بيت القدس.
((التفسير ص ٢٧)، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال: وروي عن الربيع بن أنس والسدي نحو ذلك).
قوله تعالى (فكلوا منها حيث شئتم رغداً)
أخرج ابن أبي حاتم عن حجاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (رغدا) قال: لا حساب عليهم.
(وإسناده حسن).
قوله تعالى (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم)
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (ادخلوا الباب سجدا) قال: باب الحطة من باب إيلياء من بيت المقدس.
وأخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قيل لبني إسرائيل (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا، وقالوا حطة حبة في شعرة".
((الصحيح رقم ٤٤٧٩ - التفسير - سورة البقرة - ب (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً... )). وأخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة من طريق آخر بلفظ: وقالوا: حبة في شعرة)، (الصحيح رقم ٤٦٤١ - التفسير - سورة الأعراف - ب (وقولوا حطة)).
وقال الطبري عن محمد بن بشار قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (ادخلوا الباب سجدا) قال: ركعا من باب صغير.
(وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٢)).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة: أي احطط عنا خطايانا، فدخلوا على غير الجهة التي أمرو بها، دخلوا متزحفين على أوراكهم وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا: حبة في شعيرة.
انظر الآية رقم (٧١) من السورة نفسها.
((التفسير ص ٣٧)، وإسناده صحيح).
وأخرج الطبري عن أبي كريب قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله (حطة) مغفرة.
(وأخرجه الحاكم من طريق أبي حذيفة عن سفيان به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٢)).
قوله تعالى (وسنزيد المحسنين)
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية رحمة سأل.
((انظر آخر تفسير آية ٣٧ من هذه السورة)).
قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم)
أخرج الحاكم: عن أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ادخلوا الباب سجدا قال بابا ضيقا قال ركعا، وقوله حطة قال: مغفرة. فقالوا: حنطة ودخلوا على أستاههم فذلك قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم).
(وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٢). وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن آدم عن سفيان به ثم قال: وروى عن عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والحسن والربيع ويحيى بن رافع نحو ذلك).
قوله تعالى (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها لا تخرجوا فرارا منه". قال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرارا منه.
((صحيح البخاري رقم ٣٤٧٣ - الأنبياء)، (وصحيح مسلم - السلام، ب الطاعون والطيرة رقم ٢٢١٨ وما بعده). واللفظ للبخاري وسقناه مختصرا).
قوله تعالى (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)
قال الطبري: حدثني عبد الكريم قال، أخبرنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ذلك في التيه.
ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها.
(وأبو سعيد: هو عبد الكريم بن مالك الجزري. ورجاله ثقات والإسناد صحيح وقد أخرج الطبري بأسانيد صحيحة عن قتادة ومجاهد بنحوه).
قوله تعالى (قد علم كل أناس مشربهم)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (قد علم كل أناس مشربهم) قال: كانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين.
((التفسير ص ٣٧)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يقول: لا تسعوا في الأرض فسادا.
وأخرج أيضاً بإسناده الصحيح عن شيبان عن قتادة (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها)
قال عبد الرزاق نا معمر عن قتادة في قوله (لن نصبر على طعام واحد) قال: ملوا طعامهم، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه مثل ذلك، فقالوا: (ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها).
((التفسير ص ٣٧)، وإسناده صحيح).
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وفومها) يقول: الحنطة والخبز.
وأخرج نافع بن أبي نعيم القاري في "تفسيره" قال: سمعت الأعرج يقول: سمعت عبد الله بن عباس يقول في قول الله عز وجل (فومها) قال: الحنطة ثم قال ابن عباس أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح حيث يقول:
قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم
((تفسير القرآن ليحيى بن يمان، وتفسير لنافع بن أبي نعيم رقم ٣٧).
الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة وابن عباس وتلا عليه نافع بن أبي نعيم وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الحجة المقري ت ١١٧ هـ (سير أعلام النبلاء ٥/٦٩، ٧٠). أحيحه بن الجلاح: بن الحريشي الأوسي شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم (الأعلام ١/٢٧٧))
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (وفومها) قال الخبز.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن: الفوم: الخبز.
((التفسير ص ٣٧)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة: (أتستبدلون الذي هو أدنى -الذي هو شر- (بالذي هو خير).
قوله تعالى (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم)
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (اهبطوا مصرا) أي مصرا من الأمصار فإن لكم ما سألتم.
قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله (ضربت عليهم الذلة) قالا: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
((التفسير ص ٣٨)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (والمسكنة)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية: في قوله (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) قال: المسكنة: الفاقة.
ثم قال: وروي عن السدي والربيع نحو ذلك.
قوله تعالى (وباءوا بغضب من الله)
أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" عن معمر عن قتادة في قوله (فباءوا) قال: فانقلبوا. وهذا التفسير يعود لقوله تعالى (فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين).
((انظر تغليق التعليق ٤/١٧٢)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق)
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين".
((المسند رقم ٣٨٦٨)، وصححه أحمد شاكر، وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والبزار ونسبه إلى أحمد والبزار ونص أن رجالهما ثقات (مجمع الزوائد ٥/٢٣٦). ولكن عاصما هذا هو ابن بهدلة صدوق له أوهام فالإسناد حسن وحسنه أيضاً الشيخ مقبل الوادعي. (انظر حاشية تفسير ابن كثير ١/١٨٦)).
168
قوله تعالى (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس.
قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) إلى قوله (ولاهم يحزنون). فأنزل الله تعالى بعد هذا (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) سورة آل عمران: ٨٥.
ثم قال الطبري: وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا -من اليهود والنصارى والصابئين- على عمله، في الآخرة الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قال: إنما سموا نصارى لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (والصابئين) قال: بين المجوس واليهود لا دين لهم.
وقال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن قال: حدثني زياد: أن الصابئين يصلون إلى القبلة، ويصلون الخمس. قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية. قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح. (وزياد: هو زياد بن أبيه، واسم أبيه: عبيد، ادعاه معاوية أنه أخوه والتحق به فعرف بزياد بن أبي سفيان ونسبه ابن الأثير إلى أمه سمية أدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يره ولاه معاوية العراق. ت ٥٣ هـ. انظر تاريخ خليفة ص ٢١٩، والإستيعاب ١/٥٦٧، أسد الغابة ٢/١١٩، تهذيب تاريخ ابن عساكر ٥/٤٠٩، الوافي بالوفيات ١٥/١٠)).
169
قوله تعالى (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (من آمن بالله) يعني من وحد الله. (واليوم الآخر) من آمن باليوم الآخر يقول آمن بما أنزل الله.
قوله تعالى (فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه ثنا هشام بن خالد ثنا شعيب بن إسحاق ثنا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: أجر كبير لحسناتهم وهي الجنة.
(ورجاله ثقات إلا هشام بن خالد وهو ابن الأزرق الدمشقي صدوق. فالإسناد حسن).
قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (ميثاقكم) يقول: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره.
قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور) أوضحه بقوله (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة).
قوله تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة)
لم يبين هنا هذا الذي آتاهم ما هو، ولكنه بين في موضع آخر أنه الكتاب الفارق بين الحق والباطل.
وذلك في قوله (وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) قال: الطور: الجبل، اقتلعه الله فرفعه فوقهم، فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة)، والقوة: الجد، وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة.
((التفسير ص ٣٨)، وإسناده صحيح).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (خذوا ما آتيناكم بقوة) أي بطاعة.
وقال عبد بن حميد: ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله (بقوة) يعمل بما فيه.
((انظر تغليق التعليق ٤/١٧٣)، وإسناده حسن).
قوله تعالى (واذكروا ما فيه لعلكم تتقون)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قوله (واذكروا ما فيه) يقول: أقرّوا ما في التوراة واعملوا به.
قوله تعالى (ثم توليتم من بعد ذلك)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة في قوله (من بعد ذلك) قال: من بعد ما أتاهم.
قوله تعالى (فلولا فضل الله عليكم ورحمته)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ورحمته) قال: القرآن. ثم قال وروي عن قتادة والربيع بن أنس ومجاهد والحسن والضحاك وهلال بن يساف نحو ذلك.
وكأنهم استنبطوا هذا التفسير من قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء: ٨٢.
قوله تعالى (لكنتم من الخاسرين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لكنتم من الخاسرين) قال: خسروا الدنيا والآخرة.
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية رحمة سأل. انظر آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
قوله تعالى (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)
قال الشيخ الشنقيطي: عند هذه الآية: أجمل قصتهم هنا وفصلها في سورة الأعراف في قوله (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) الأعراف: ١٦٣-١٦٥.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) قال: نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت، فكانت تشرع إليهم يوم السبت بلوا بذلك فاصطادوها فجعلهم الله قردة خاسئين.
((التفسير ص ٣٨)، وإسناده صحيح).
وأخرج مسلم بسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً: إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك.
((الصحيح رقم ٢٦٦٣ - القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها). وهذا الشاهد في الحديث حيث ورد أطول من هذا اللفظ).
أخرج عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة في قوله (خاسئين) قال: صاغرين.
((التفسير ص ٣٨)، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظه عن محمد بن بشار قال: حدثا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وإسناده صحيح).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظ: أذلة صاغرين.
قوله تعالى (فجعلناها نكالا لما بين يديها)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فجعلناها نكالا لما بين يديها) أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (لما بين يديها) ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به.
قوله تعالى (وما خلفها)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (وما خلفها) التي قد أهلكوا بها يعني: خطاياهم.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وما خلفها) أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس.
قوله تعالى (وموعظة للمتقين)
قال الإمام عبيد الله بن بطة: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل".
((إبطال الحيل ص ٤٦، ٤٧). ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد جيد، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح (التفسير ١/١٩٣)).
وأخرج عبد الرزاق: عند تفسير هذه الآية عن معمر عن قتادة في قوله (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة)، قال: لما بين يديها من ذنوبهم، وما خلفها من الحيتان، وموعظة للمتقين من بعدهم.
((التفسير ص ٣٨)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي)
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا يزيد بن هارون أبنا هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان رجل في بني
بني إسرائيل عقيم لا يولد له، وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه فقتله، ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا، وركب بعضهم إلى بعض فقال ذو الرأي والنهى على ما يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا له: فقال (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فقالوا: أتتخذونا هزوا؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين). قال: فلو لم يعترضوا البقرة، لأجزت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها. فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا. فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه بعضها فقام فقالوا من قتلك؟ فقال هذا. لابن أخيه. ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيء ولم يورث قاتل بعد.
((وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن يزيد بن هارون به، وأخرجه آدم بن أبي إياس في تفسيره عن أبي جعفر الرازي عن هشام بن حسان به (انظر تفسير ابن كثير ١/١٩٤)، وأخرجه عبد الرزاق (التفسير ص ٣٨). والطبري) من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحوه. والإِسناد صحيح إلى عبيدة، وقد صححه الحافظ ابن حجر عند ذكر قصة البقرة (فتح الباري ٦/٤٤٠)، وما رواه من الإسرائيليات، إلا أن لبعضه شاهد من القرآن الكريم في قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة ٧٢-٧٣).
قوله تعالى (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك)
أخرج عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة: الفارض: الهرمة. يقول ليست بالهرمة ولا البكر (عوان بين ذلك).
((التفسير ص ٣٩)، وإسناده صحيح).
قوله تعالى (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها كسر الناظرين)
أخرج عبد الرزاق: عن معمر قال قتادة: هي الصافي لونها.
((التفسير ص ٣٩)، وإسناده صحيح).
أخرج الطبري بإسناده الحسن عن سعيد عن قتادة (تسر الناظرين) أي: تعجب الناظرين.
قوله تعالى (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون)
أخرج الطبري عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: لو أخذ بنو إسرائيل بقرة لأجزأت عنهم ولولا قولهم (وإنا إن شاء الله لمهتدون) لما وجدوها.
(ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن).
قال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم.
وذكره ابن كثير ثم قال: إسناده صحيح وقد رواه غير واحد عن ابن عباس وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد.
(التفسير ١/١٩٨).
قوله تعالى (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها)
أخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة قوله (لا ذلول) قال: يعني: صعبة يقول لم يذلها العمل.
وأخرج بإسناده الجيد عن أبي العالية (تثير الأرض) قال: يعني ليست بذلول تثير الأرض.
وأخرج بإسناده الجيد أيضاً عن أبي العالية (ولا تسقي الحرث) يقول: لا تعمل في الحرث.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (مسلمة) لا عيب فيها.
((التفسير ص ٣٩)، وإسناده صحيح).
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (مسلمة) يقول: مسلمة من الشية و (لا شية فيها) لا بياض فيها ولا سواد.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (لا شية فيها) : لا بياض فيها.
(وإسناده صحيح).
قوله تعالى (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة (قالوا الآن جئت بالحق) قال: قالوا: الآن بينت لنا.
قوله تعالى (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فادارأتم فيها) قال: اختلفتم فيها.
قوله تعالى (والله مخرج ما كنتم تكتمون)
وبه عن مجاهد في قول الله (والله مخرج ما كنتم تكتمون) قال: تغيبون.
قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)
تقدم تفسيره في رواية عبيدة عند قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة... ) الآية.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: وأشار في هذه الآية إلى أن إحياء قتيل بني إسرائيل دليل على بعث الناس بعد الموت، لأن من أحيا نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس. وقد صرح بهذا في قوله (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة).
قوله تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك) قال: قست قلوبهم من بعد ما أراهم الله الآية، فهي كالحجارة أو أشد
قسوة، ثم عذر الحجارة، فقال (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله).
((التفسير ص ٤٠)، وإسناده صحيح).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك) يعني به: بني إسرائيل.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا سبب قسوة قلوبهم، ولكنه أشار إلى ذلك في مواضع أخر كقوله (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) وقوله (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) الآية.
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل، فهو من خشية الله عز وجل. نزل بذلك القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق (وما الله بغافل عما تعملون).
وإسناد الخشوع إلى الحجارة من باب الحقيقة لا من باب المجاز -كما قيل- وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على ذلك فعن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه".
(أخرجه الشيخان (صحيح مسلم رقم ١٣٦٥ - الحج، ب فضل المدينة)).
وقال أيضاً: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني أعرفه الآن".
(أخرجه مسلم (الصحيح رقم ٢٢٧٧ - الفضائل، ب فضل نسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة)).
قوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: ثم قال لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم).
وأخرج الطبري بإسناد حسن عن قتادة (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) قال: هم اليهود.
قوله تعالى (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله) وليس قوله سمعوا التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: فالذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحرفوه عن مواضعه.
وأخرج بسنده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة (ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) قال: هم اليهود وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه بعد ما سمعوه ووعوه.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله ابن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك،
178
فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرجما. قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة.
(الصحيح رقم ٣٦٣٥- المناقب، قول الله تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناؤهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)).
قوله تعالى (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم عند ربكم أفلا تعقلون)
وأخرج ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أي أن صاحبكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكنه خاصة إليكم. وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا... ).
(انظر تفسير ابن كثير ١/٢٠٧).
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الجيد عن أبي العالية في قول الله (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) في كتابكم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به) قال: كانوا يقولون: إنه سيكون نبي فجاء بعضهم لبعض فقالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحتجوا به عليكم.
(التفسير ص٤٠).
قوله تعالى (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون) يعني: ما أسروا من كفرهم بمحمد وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
وأخرج الطبري بإسناده الحسن عن قتادة (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون)، من كفرهم وتكذيبهم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خلا بعضهم إلى بعض، (وما يعلنون) إذا لقوا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: آمنا. ليرضوهم بذلك.
179
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وما يعلنون) حين قالوا للمؤمنين آمنا.
قوله تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: يقول الله (ومنهم أميون) يعنى اليهود.
والمراد بالأميين الذين لا يكتبون ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنا أمة أمية لا نكتب
ولا نحسب".
أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر (صحيح البخاري رقم ١٩١٣- الصوم، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا نكتب ولا نحسب)، (وصحيح مسلم رقم ١٥- الصيام، ب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا يعلمون الكتاب) يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: بلفظ: لا يدرون ما فيه.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: اختلف العلماء في المراد بالأماني هنا على قولين:
أحدهما: أن المراد بالأمنية القراءة، أي: لا يعلمون من الكتاب إلا قراءة
ألفاظ دون إدراك معانيها. وهذا القول لا يتناسب مع قوله (ومنهم أميون) لأن الأمي لا يقرأ.
الثاني: أن الاستثناء منقطع، والمعنى لا يعلمون الكتاب، لكن يتمنون أماني باطلة، ويدل لهذا القول: قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم). وقوله (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب).
ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وأبي العالية:
فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) قال: أمثال البهائم، لا يعلمون شيئاً، قال: إلا أماني. قال: يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم.
(التفسير ص٤٠).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) يقول: إلا أحاديث.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) إلا كذباً.
(التفسير ص ٨١).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إلا أماني) يتمنون على الله ما ليس لهم.
قوله تعالى (وإن هم إلا يظنون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن هم إلا يظنون) إلا يكذبون.
وأخرج بسنده الحسن عن قتادة (وإن هم إلا يظنون) قال: يظنون بغير الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية يعني قوله (وإن هم إلا يظنون) يظنون الظنون بغير الحق.
قوله تعالى (فويل)
أخرج ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال: الويل: واد في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره.
(الزهد رقم ٣٢٣ باب صفة النار برواية نعيم بن حماد)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وابن عجلان اسمه: محمد، وابن المبارك: هو عبد الله.
وأخرجه الطبري عن محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي. قال، حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض يقول: الويل: ما يسيل من صديد في أصل جهنم.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو عياض هو عمرو بن الأسود العنسي.
قوله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل حدثني أبي حدثني أبي الضحاك بن مخلد، أنبا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) قال: هم أحبار اليهود.
ورجاله ثقات سوى شبيب بن بشر صدوق يخطيء وتقدم الكلام عن هذا الطريق في المقدمة والمتن لا يحتمل
الخطأ بل السياق يشهد له لأن أغلب الذين يكتبون من أهل الكتاب من أولئك الأحبار. فالإسناد حسن.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدث، تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا، لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
(الصحيح رقم ٧٣٦٣- الاعتصام، ب قول النبي - ﷺ - لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله) قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتبا ليتأكلوا بها الناس، ثم قالوا هذه من عند الله وما هي من عند الله.
(التفسير ص ٤٠)، وإسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل حدثني أبي عمرو بن الضحاك حدثني أبي الضحاك بن مخلد أنبا شبيب عن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله
ليشتروا به ثمنا قليلا) أحبار يهود وجدوا صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محمد مكتوباً في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعرة حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه حسداً وبغياً. فأتاهم نفر من قريش من أهل مكة فقالوا: أتجدون في التوراة نبياً أمياً؟ فقالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر. فأنكرت قريش. وقالوا ليس هذا منا.
وإسناده حسن تقدم، وله شواهد يأتي ذكرها منها قول أبي العالية الآتي.
182
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه.
قوله تعالى (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)
أخرج مسلم بسنده عن جرير مرفوعاً: "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل
بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء".
(الصحيح رقم ١٥- العلم، ب من سن سنة حسنة أو سيئة).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك غرضا من غرض الدنيا قال الله عز وجل (فويل لهم مما كتبت أيديهم).
وبه عن أبي العالية (وويل لهم مما يكسبون) يعني من الخطة.
وأخرج سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) قال: نزلت في المشركين وأهل الكتاب.
(انظر تفسير ابن كثير (١/٢١٠)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ٍ شاة فيها سم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود، فجمعوا له، فقال: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟ فقالوا: نعم. قال لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أبوكم؟ قالوا: فلان. فقال: كذبتم، بل أبوكم فلان. قالوا: صدقت. قال: فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: من
183
أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فيها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا. ثم قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشاة سما؟ قالوا: نعم.
قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك.
(الصحيح ٣١٦٩- الجزية والموادعة- باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدنية ويهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) قال: أياما معدودة بما أصبنا في العجل.
(التفسير ص ٤٠، ٤١).
قوله تعالى (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون)
أخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (قل أتخذتم عند الله عهدا) أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان النحوي عن قتادة (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) قال: قال القوم الكذب والباطل وقالوا على الله مالا يعلمون.
قوله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) أي من عمل. بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره. بما له من حسنة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر في قوله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: السيئة: الشرك، والخطيئة: الكبائر.
(التفسير ٤١)، وإسناده صحيح.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد (بلى من كسب سيئة) شركا. (وأحاطت به خطيئته) قال: ما أوجب الله فيه النار.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: الكبيرة الموجبة.
وقال الطبري: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) قال: كل ذنب محيط، فهو ما وعد الله عليه النار.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا خالد بن مخلد. حدثني سعيد بن مسلم بن بانك، قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله - ﷺ -: "يا عائشة! إياك ومحقرات الأعمال. فإن لها من الله طالباً".
(السنن- الزهد رقم ٤٢٤٣- باب ذكر الذنوب) قال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد بسنده عن سهل بن سعد بنحوه (المسند ٥/٣٣١). وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (فتح الباري ١١/٣٢٩)، وذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢١٣).
قوله تعالى (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أي خالدا أبداً.
ثم قال وروي عن السدي نحو ذلك.
قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) أي من آمن بما كفرتم وعمل ما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن
الثواب بالخير والشر مقيم على أهله لا انقطاع له.
قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله)
وبه عن ابن عباس: ثم قال يؤنبهم (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل -أي ميثاقكم- لا تعبدون إلا الله).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله) قال أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره وبالوالدين إحساناً إلى آخر الآية.
قوله تعالى (وبالوالدين إحساناً)
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله… الحديث.
(صحيح البخاري رقم ٥٢٧- مواقيت الصلاة، ب فضل الصلاة لوقتها)، (وصحيح مسلم رقم ٨٥- الإيمان، ب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال)، ذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢١٤).
قوله تعالى (واليتامى)
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، ثنا يحيى بن محمد المديني، ثنا عبد الله ابن خالد بن سعيد بن أبي مريم، عن سعيد بن عبد الرحمن (بن يزيد) بن رقيش، أنه سمع شيوخا من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد، قال: قال علي بن أبي طالب: حفظت عن رسول الله - ﷺ -: "لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل".
(السنن- الوصايا ٣/١١٥ رقم ٢٨٧٣، ب متى ينقطع اليتم). وصححه الألباني بالشواهد والمتابعات بعد أن خرجه تخريجاً وافياً (صحيح الجامع الصغير ٦/٦١٣ وإرواء الغليل ٥/٧٩-٨٣) وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا جرير بن حازم عن قيس ابن سعد عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى، لمن هو؟ وعن اليتيم، متى ينقضي يتمه؟ وعن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة؟ وعن قتل أطفال المشركين؟ فقال ابن عباس: لولا أن أرده عن شيء يقع فيه ما أجبته، وكتب إليه: إنك كتبت إلي تسأل عن سهم ذي القربى لمن
هو، وإنا كنا نراها لقرابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأبى ذلك علينا قومنا، وعن اليتيم متى ينقضي يتمه، قال: إذا احتلم وأونس منه خير، وعن المرأة والعبد يشهدان الغنيمة، فلا شيء لهما، ولكنهما يحذيان ويعطيان، وعن قتل أطفال المشركين، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقتلهم، وأنت فلا تقتلهم، إلا أن تعلم منهم
ما علم الخضر من الغلام حين قتله!.
(وصححه أحمد شاكر (المسند رقم ٢٦٨٥)، والألباني وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم (إرواء الغليل ٥/٨٢).
قوله تعالى (والمساكين)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي، أو لا يسأل الناس إلحافاً".
(صحيح البخاري ١٤٧٦- الزكاة، ب قوله تعالى (لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً))، (وصحيح مسلم رقم ١٠٣٩- الزكاة، ب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له). واللفظ للبخاري.
قوله تعالى (وقولوا للناس حسناً)
أخرج مسلم بسنده عن أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
(الصحيح ٢٦٢٦- البر والصلاة، ب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء).
187
وذكره ابن كثير في التفسير، وقال قبل أن ساق هذا الحديث: فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح ويقول للناس حسنا كما قال الله وهو كل خلق حسن رضيه الله.
(التفسير ١/٢١٤).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ثنا أحمد بن عبد الرحمن -يعني- الدشتكي حدثني أبي عن أبيه عن الأشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: في قوله (وقولوا للناس حسنا) قال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ورجاله ما بين ثقة وصدوق إلا جعفر وهو ابن أبي المغيرة وثقه جماعة وقال ابن مندة: ليس بالقوى من سعيد بن جبير وقد ساق ابن مندة رواية عنه ثم قال: لم يتابع عليه ولكن الذهبي أجاب عن ذلك.
(انظر ميزان الاعتدال ١/٤١٧ والثقات لابن حبان ٦/١٣٤ والثقات لابن شاهين ص ٥٥). هذا وقد اعتمد ابن كثير هذا التفسير كما تقدم آنفًا.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (وقولوا للناس حسنا) يقول: قولوا للناس معروفا.
قوله تعالى (وآتوا الزكاة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص.
قوله تعالى (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) أي تركتم ذلك كله.
وأخرج بسنده الصحيح عن قتادة قوله (معرضون) قال: عن كتاب الله عز وجل.
قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (لا تسفكون دماءكم) يقول: لا يقتل بعضكم بعضا.
188
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم)، أي: لا يقتل بعضكم بعضا، (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم)، ونفسك يا ابن آدم أهل ملتك.
ويؤيد هذا القول ما رواه الشيخان بسنديهما عن النعمان بن بشير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
(صحيح البخاري رقم ٦٠١١- الأدب، ب رحمة الناس والبهائم)، (وصحيح مسلم رقم ٢٥٨٦- البر والصلة، ب تراحم المؤمنين). واللفظ لمسلم. وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة (انظر تفسير ابن كثير ١/٢١٦).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) يقول: لا يخرج بعضكم بعضا من الديار وكان في بني إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم، وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم.
قوله تعالى (ثم أقررتم وأنتم تشهدون)
وبه عن أبي العالية (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) يقول: أقررتم بهذا الميثاق وأنتم شهود.
وأخرج بسنده الحسن المتقدم عن ابن عباس في قوله (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) إن هذا حق من ميثاقي عليكم.
قوله تعالى (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)
روى محمد بن إسحاق بن يسار سبب نزول هذه الآية فقال: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) والآية قال: أنبأهم الله ذلك من
فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فداء أسراهم فكانوا فريقين طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج، والنضير. وقريظة وهم حلفاء الأوس فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم ومالهم والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا ناراً ولا بعثا ولا قيامة ولا كتابا ولا حلالا وحراما فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة وأخذا به بعضهم من بعض يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ويفتدي النضر وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى ذكره حيث أنبأهم بذلك (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض الدنيا؟ ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج فيما بلغني نزلت هذه القصة.
ذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢١٦). وإسناده حسن تقدم وقد أخرجه ابن أبي حاتم مقطعا في عدة مواضع من طريق محمد بن يحيى عن أبي غسان عن سلمة عن محمد بن إسحاق به.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد إلى أبي العالية قال: وقد أخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم أن يفادوهم فأخرجوهم عن ديارهم ثم فادوهم فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض آمنوا بالفدية ففدوا وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا.
وأخرج بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم) قال: والله إن فداءهم لإيمان وإن إخراجهم لكفر.
190
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن يأتوكم أسارى تفدوهم) يقول: إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك؟.
قوله تعالى (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا... ) أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) إلى قوله (ولا هم ينصرون) فأنبهم بذلك من فعلهم وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم وافترض عليهم فداء أسراهم.
قوله تعالى (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)
قال ابن حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عفان ثنا حماد عن عطاء ابن السائب عن عبد الله بن حبيب السلمي قال: كان يكون أول الآية عاما، وأخرها خاصا وقرأ هذه الآية (يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون).
ورجاله ثقات إلا الحسن وعطاء بن السائب فصدوقان وعطاء اختلط ولكن رواية حماد عنه قبل الاختلاط نص على ذلك الحافظان ابن عبد البر (التمهيد ١/١٠٩)، وابن حجر العسقلاني (فتح الباري ٣/٦٤٢).
فالإسناد حسن.
قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) قال: استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة.
قوله تعالى (فلا يخفف عنهم العذاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فلا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) قال: هو كقوله (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) المرسلات: ٣٥.
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية عذاب تعوذ كما نقدم في آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
191
قوله تعالى (وآتينا عيسى ابن مريم البينات)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما هذه البينات ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) آل عمران ٤٩. إلى غير ذلك من الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات) أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم، وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله.
صفة عيسى ابن مريم عليه السلام
تقدم ذكرها عند قوله تعالى (وإذ واعدنا موسى) آية (٥١) أنه مربوع الخلق في الحمرة والبياض سبطًا.
قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس)
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ثنا أبي، ثنا أبي ثنا شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله (أيدنا) يقول: قوينا.
ورجاله ثقات إلا أحمد وشبيب فصدوقان وشبيب يخطئ ولكن المتن لا يحتمل الخطأ بل تؤيده اللغة.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس) هو جبريل على الأصح ويدل لذلك قوله تعالى (نزل به الروح الأمين) والشعراء: ١٩٣ الآية، وقوله (فأرسلنا إليها روحنا) الآية مريم: ١٧.
192
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان الواسطى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل ثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله: روح القدس: جبريل. ثم قال: وروى عن محمد بن كعب القرظي قتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك.
ويؤيد هذا القول ما تقدم وما رواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "يا حسان أجب عن رسول الله - ﷺ -، اللهم أيده بروح القدس". قال: أبو هريرة: نعم.
(صحيح البخاري رقم ٤٥٣- الصلاة، ب الشعر في المسجد)، (وصحيح مسلم رقم ٢٤٨٥ - فضائل الصحابة، ب فضائل حسان بن ثابت). واللفظ للبخاري.
قوله تعالى (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم فريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: ومارد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله قال (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون.
قال البخاري: وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي - ﷺ - يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم".
(الصحيح ٤٤٢٨- المغازى، ب مرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووفاته). وصله الحافظ ابن حجر بسنده عن أبي بكر بن أبي داود ثنا أحمد بن صالح ثنا عنبسة ثنا يونس به. (تغليق التعليق ٤/١٦٢). وأخرجه الحاكم من طريق أحمد بن صالح عن عنبسة به. وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/٥٨). وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه وحسن إسناده الهيثمي (مجمع الزوائد ٩/٣٥) وقد تتبع الحافظ ابن حجر أغلب طرقه فقال: وهذا وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد. وقال البزار: تفرد به عنبسة عن يونس، أي بوصله، وإلا فقد رواه موسى بن عقبة
193
في المغازي عن الزهري لكنه أرسله، وله شاهدان مرسلان أيضاً أخرجهما إبراهيم الحربي في (غريب الحديث)، له أحدهما من طريق يزيد بن رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر، وللحاكم موصول من حديث أم مبشر قالت قلت يا رسول الله ما تتهم بنفسك؟ فإني لا أتهم يا بنى إلا الطعام الذي أكل بخيبر وكان ابنها بشر ابن البراء بن معرور مات، فقال: وأنا لا أتهم غيرها. وهذا أوان انقطاع أبهري، وروى ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سمت له بخيبر، فقال في آخر ذلك: وعاش بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه. وجعل يقول: "ما زلت، أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري" عرق في الظهر وتوفى شهيداً. ا. هـ.
(فتح الباري ٨/١٣١، وانظر تغليق التعليق ٤/١٦٢، ١٦٣).
قوله تعالى (وقالوا قلوبنا غلف)
أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان ثنا أسباط بن محمد عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما سمي القلب لتقلبه.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قالوا (قلوبنا غلف) قال في غطاء.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قلوبنا غلف) لا تفقه.
وأخرجه الطبري بلفظه بسنده الحسن عن قتادة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو الأودي ثنا أبو أسامة عن النضر بن عربي عن عكرمة (قلوبنا غلف) قال: عليها طابع.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة معروف برواية عمرو الأودي عنه.
(انظر تهذيب الكمال ٧/٢٢١).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (قلوبنا غلف) قال: هو كقوله (قلوبنا في أكنة) فصلت: ٥.
(التفسير ص ٤١)، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون) أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فقليلا ما يؤمنون) قال: لا يؤمن منهم إلا قليل.
(التفسير ص ٤١).
194
قوله تعالى (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن المنادي فيما كتب إلي ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان النحوي عن قتادة قوله (ولما جاءهم كتاب من عند الله) قال: هو الفرقان الذي أنزله الله على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورجاله ثقات إلا محمداً صدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا)
قال محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن أبي محمد أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد - ﷺ - ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل الله في ذلك من قولهم (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) الآية.
(انظر تفسير ابن كثير ١/٢٢٢). وإسناده حسن تقدم وأخرجه الطبري من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق. وكذا ابن أبي حاتم من طريق يونس به.
وأخرج عبد بن حميد عن شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يستفتحون) قال: يستنصرون.
(انظر تغليق التعليق ٤/١٧٢-١٧٤ وإسناده حسن).
قال الإمام أحمد: ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل
195
عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أصحاب بدر قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان ترى هذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به لود، أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه وأن ينجوا من تلك النار غدا. قالوا له ويحك وما آية ذلك قال نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا ومتى تراه قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال أن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى وليس به.
(المسند ٣/٤٦٧)، أخرجه أبو نعيم الأصبهاني (دلائل النبوة ١/٨٤)، والبيهقي (دلائل النبوة ٢/٧٨، ٧٩)، والحاكم (المستدرك ٣/٤١٧)، من طريق محمد بن إسحاق به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وذكره الهيثمي ونسبه إلى أحمد والطبراني ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع (مجمع الزوائد ٨/٢٣٠). وذكره السيوطي ونسبه إليهم وزاد ابن قانع (الدر ١/٢١٧).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا كانت اليهود تستفتح بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على كفار العرب من قبل، وقالوا: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم! فلما بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأوا أنه بعث من غيرهم، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به).
أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مختصراً. (التفسير ص ٤١)، وهو مرسل ويتقوى بالمرسل الثابت التالي:
196
فقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كانت اليهود تستنصر بمحمد - ﷺ - على مشركي العرب: يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ونقتلهم. فلما بعث الله محمداً، ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسد للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله. فقال الله (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به). فلعنة الله على الكافرين.
قوله تعالى (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس يقول الله (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) أي أن الله جعله في غيرهم.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية (أن يكفروا بما أنزل الله) قال: اليهود كفروا بما أنزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وبه عن أبي العالية (بما أنزل الله) قال: هم اليهود قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا) يعني: حسدا.
وأخرجه الطبري بلفظه بسنده الحسن عن قتادة.
قوله تعالى (فباءوا بغضب على غضب)
أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن أبي بكير، عن عكرمة في قوله (فباءوا بغضب على غضب) قال: كفرهم بعيسى وكفرهم بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(التفسير ص ٤١). أبو بكير: في الأصل أبو بكر والتصويب من رواية الطبري وأيضاً، فإن أبا بكير اسمه مرزوق التيمي الكوفي معروف الرواية عن عكرمة وبرواية الثوري عنه. ورجال الإسناد ثقات إلا أبا بكر فقد ذكره ابن حبان في الثقات كما صرح الحافظ ابن حجر (انظر تهذيب التهذيب ١٠/٨٧)، إلا أن هذه الرواية قد ثبتت من طرق أخرى كما سيأتي فالإسناد حسن على الأقل.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بنحوه. وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظ: غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وبعيسى، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
197
قوله تعالى (وللكافرين عذاب مهين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (عذاب مهين) يعني بالمهين: الهوان.
وانظر ما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار".
(المسند ٢/١٧٩)، وأخرجه الترمذي (السنن- صفة القيامة رقم ٢٤٩٢)، من طريق عبد الله ابن المبارك عن محمد بن عجلان به. ثم قال: حديث حسن صحيح. وحسنه الشيخ الألباني (صحيح الجامع ٦/٣٢٧)، وذكر ابن كثير رواية الإمام أحمد (التفسير ١/٢٢٣).
قوله تعالى (ويكفرون بما وراءه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ويكفرون بما وراءه) أي بما بعده يعني: ما بعد التوراة.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ بما بعده.
قوله تعالى (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل) الآية
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس ثم أنبأهم (برفع) الطور عليهم واتخاذ العجل إلها دون ربهم.
قوله: برفع في الأصل: رفع. والتصويب من (سيرة ابن هشام ٢/١٩٠).
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما هذه البينات وبينها في مواضع أخر كقوله (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) وقوله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء) الآية وقوله (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (وأشربوا في قلوبهم العجل) قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.
(التفسير ص ٤١)، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)
الخطاب لليهود فحينما زعموا أنهم أولياء لله رد عليهم سبحانه وتعالى بقوله (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين)
الجمعة: ٦-٧.
وقال عبد الرزاق: قال معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة في قوله (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) قال: قال ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ ذلك رسول الله، فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً". قال: وقال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
(التفسير ص ٤١، ٤٢)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح. وذكره ابن كثير في التفسير مختصرا وصحح إسناده (١/٢٢٢). وأخرج البخاري الشطر المرفوع (الصحيح ح ٤٩٥٨- التفسير).
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ثنا علي بن محمد الطنافس ثنا عثام قال سمعت الأعمش قال: لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.
وذكره ابن كثير في التفسير (١/٢٢٦) وصحح إسناده.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس سيقول الله لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله تعالى لليهود إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت. فلم يفعلوا حيث قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه فقال الله لهم ذلك.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس، وذلك أنهم قالوا (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) سورة البقرة: ١١١، وقالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه) سورة المائدة: ١٨. فقيل لهم (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون.
قوله تعالى (ولن تمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: يقول الله لنبيه (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات.
وقال أيضاً حدثنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا الحسين بن محمد المروذي ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قوله (والله عليم) قال: عالم.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقد ذكر سبحانه وتعالى شبه هذه الآية في سورة الجمعة آية (٧). ثم أكد بأنهم يفرون من الموت فقال (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) الجمعة: ٨.
قوله تعالى (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) قال: اليهود.
وأخرجه الحاكم من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/٢٦٣)، وأخرجه الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد.
قوله تعالى (ومن الذين أشركوا يود أحدهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (يود أحدهم) يعني: المجوس.
قوله تعالى (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) قال: حببت إليهم الخطيئة طول العمر.
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس (وما هو بمزحزحه من العذاب) أي ماهو بمنجيه وذلك أن المشرك لايرجو بعثا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وماهو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) يقول: وإن عمر فماذاك بمغنيه من العذاب ولا منجيه منه.
قوله تعالى (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك، بإذن الله)
أخرج البخاري بسنده عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال إني سائلك عن ثلاث لايعلمهن إلا نبي فما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال جبريل: قال نعم، قال ذاك عدو
اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك... ) الحديث.
(الصحيح رقم ٤٤٨٠- التفسير- سورة البقرة، ب قوله من كان عدوا لجبريل). قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري ٨/١٦٦) في هذا الحديث: تلا عليه الآية مذكراً له سبب نزولها والله أعلم.
وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه: إن قال: الله على ما نقول وكيل. قالوا: فأخبرنا من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة. فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر فهي التي نتابعك إن أخبرتنا قال: جبريل. قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة. فأنزل الله عز وجل (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك) إلى آخر الآية.
راجع مواضع تخريجه والحكم على إسناده في الآيه (١٩) عند قوله تعالى (فيه ظلمات ورعد وبرق). واللفظ لابن أبي حاتم وقد ساقه مقتصرا على الشاهد والحديث طويل.
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى جبريل له ستمائة جناح.
(صحيح البخاري رقم ٤٨٥٧- التفسير- سورة والنجم، ب فأوحى إلى عبده ما أوحى)، (وصحيح مسلم رقم ١٧٤- الإيمان، ب في ذكر سدرة المنتهى). واللفظ للبخاري.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس: قال إنما قوله جبريل كقوله عبد الله وعبد الرحمن.
ورجاله ثقات إلا الحسن صدوق فالإسناد حسن. وأخرجه من طريق سفيان عن الأعمش به.
وإسناده صحيح.
202
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإنه نزله على قلبك) يقول نزل الكتاب على قلبك جبريل بإذن الله عز وجل.
قوله تعالى (مصدقا لما بين يديه)
وبه عن أبي العالية (مصدقا لما بين يديه) يعني: من التوراة والإنجيل.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه.
قوله تعالى (وهدى وبشرى للمؤمنين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (هدى وبشرى للمؤمنين) جعل الله هذا القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين لأن المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأن إليه وصدق بموعود الله الذي وعد فيه وكان على يقين من ذلك.
قوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال)
أخرج البخاري عن عكرمة تعليقا بصيغة الجزم فقال: وقال عكرمة: جبر، وميك، وسراف: عبد. إيل: الله.
(الصحيح- التفسير- سورة البقرة- باب قوله (من كان عدوا لجبريل))، ووصله الطبري، والحربي في غريب الحديث (انظر تغليق التعليق ٤/١٧٥)، بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عكرمة وعن ابن عباس.
قوله تعالى (فإن الله عدو للكافرين)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب... الحديث.
(الصحيح- الرقاق، ب التواضع ١١/٣٤٠، ٣٤١ رقم ٦٥٠٢).
قوله تعالى (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون)
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا يونس ابن بكير ثنا ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس: قال: قال ابن صوريا
203
لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون).
وأخرجه الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكر به.
قوله تعالى (الفاسقون)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبيه عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن ابن جريج عن مجاهد (الفاسقون) قال: العاصون.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالي (أو كما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال مالك بن الضيف حين بعث رسول الله - ﷺ - وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقا فأنزل الله عز وجل (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم).
وأخرجه أيضاً الطبري من طريق أبي كريب عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة (نبذه فريق منهم) يقول: نقضه فريق منهم.
قوله تعالى (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب) يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب (كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) : أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله... ) الآية. ذكر يهود.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم (الأعظم) وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا (بين*) كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبوه حتى أنزل على محمد (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا).
(*) في الأصل بلفظ من والتصويب من الدر المنثور ١/٩٥. وأخرجه النسائي (التفسير رقم ١٤)
عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة به. ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق ربما وهم وهذه
الرواية ليست من أوهامه لأنها قد وردت من طريق آخر بلفظ مشابه كما سيأتي فالإسناد حسن. هذا
وقد صحح الحافظ ابن حجر رواية الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير (انظر فتح الباري ١٠/٢٢٤).
وقال الواحدي: أخبرنا محمد بن عبد العزيز القنطري، أخبرنا أبو الفضل الحدادي، أخبرنا أبو يزيد الخالدي، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: بينما نحن عند ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوب الناس. فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قال شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي
لا كنز له مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه فقالوا: هذا سحر.
فتناسخته الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان).
(أسباب النزول ص ٢٩)، وأخرجه الحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم به، وصححه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٥).
وهاتان الروايتان من أخبار أهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبريء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات.
واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظاها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) الحجر: ١٦-١٨.
وقد حذرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تصديق الكهنة والسحرة والاستعانة بهم في أي حال من الأحوال، فأخرج أبو داود (السنن رقم ٣٩٠٤- الطب، ب في الكاهن)، والترمذي، (السنن رقم ١٣٥- الطهارة، ب في كراهية إتيان الحائض)، وابن ماجة (السنن رقم ٦٣٩- الطهارة، ب النهي عن إتيان الحائض)، وأحمد (المسند رقم ٩٢٧٩، ١٠١٧٠)، والدارمي (السنن ٩٥٣٢). كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد - ﷺ -". واللفظ للترمذي. وقد تكلم في سماع أبي تميمة من أبي هريرة ولكن أخرجه الإمام أحمد (المسند رقم ٩٥٣٢) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - ﷺ -". وقد حسن السيوطي الرواية الأولى (فيض القدير شرح الجامع الصغير ٦/٢٣)، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي ١/٤٤ وإرواء الغليل ٧/٦٨-٧٠)، وصحح أحمد شاكر الرواية الثانية في تحقيقه لمسند أحمد.
قوله تعالى (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما أنزل على الملكين) قال: التفريق بين المرء وزوجه.
ويستنتج من هذا التفسير أن ما في قوله (وما أنزل) موصولة وهو قول الجمهور بما نقله الحافظ ابن حجر (انظر فتح الباري ١٠/٤).
206
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (وما أنزل على الملكين) قال: لم ينزل عليهما السحر. يقول: علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لاتعلما أحدا حتى تقولا (إنما نحن فتنة فلا تكفر).
التفسير ص ٤٢. وإسناده صحيح.
قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن إبليس يضع عرشه على الماء. ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال فيدنيه منه ويقول: نعم أنت".
(الصحيح رقم ٢٨١٣- صفات المنافقين). وذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢٥٢).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وتفريقهما أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه.
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: ياعائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال
207
أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد ابن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في شط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ناس من أصحابه. فجاء فقال: ياعائشة، كان ماءها نقاعة الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافانى الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت".
تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام. وقال الليث وابن عيينة عن هشام: (في مشط ومشاطة) ويقال: المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاطة من مشاطة الكتان.
(الصحيح ١٠/٢٢١ رقم ٥٧٦٣- الطب، ب السحر وقول الله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر... ) الآية.
قوله تعالى (وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت الحسن يقول: في قوله (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي: لايضر هذا السحر إلا من دخل فيه.
ورجاله ثقات إلا الحسن بن الصباح صدوق، فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) بقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم: أن الساحر لاخلاق له عند الله يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وماله في الآخرة من خلاق)
ليس له في الآخرة جنة عند الله.
(التفسير ص٤٣)، وإسناده صحيح. وأخرجه الطبري بلفظ: حجة.
وأخرج عن الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال: قال الحسن (ماله في الآخرة من خلاق) قال: ليس له دين.
وإسناده حسن.
208
قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لمثوبة من عند الله) قال: ثواب من عند الله.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية بلفظه ثم قال: وروي عن الحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا)
قال محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (راعنا) أي: ارعنا سمعك.
(تفسير ابن كثير ١/٢٦٢)، وإسناده حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ثنا أبو معاوية عن عبد الملك عن عطاء (لا تقولوا راعنا) قال: كانت لغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها قال (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا).
ورجاله ثقات، إلا عبد الملك وهو: ابن أبي سليمان ميسرة العزرمي: صدوق له أوهام ولكنه توبع حيث أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق عن عطاء بنحوه. فالأسناد حسن وأخرج الطبري بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) قال: كانوا يقولون: راعنا سمعك! فكان اليهود يأتون فيقولون مثل ذلك مستهزئين، فقال الله (لاتقولوا راعنا وقولوا انظرنا).
قال القاسمي: وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة النساء آية (٤٦) (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً باُلسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا).
(محاسن التأويل ٢/٢١٦، وانظر تفسير ابن كثير ١/٢٦١).
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لاتقولوا راعنا) لا تقولوا خلافاً.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النصر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
(المسند رقم ٥١١٥)، وصححه أحمد شاكر. والشاهد فيه قوله: "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
لأن الله تعالى نهى عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا. (انظر تفسير ابن كثير ١/٢٦١)، وأخرجه أبو داود (السنن رقم ٤٠٣١- اللباس- باب في لبس الشهرة) من طريق أبي النضر به مقتصرا على الشاهد، وحسنه عبد القادر الأرناؤط (انظر هامش جامع الأصول ١٠/٦٥٧). ونقل الشيخ مقبل الوادعي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: سنده جيد (انظر هامش تفسير ابن كثير ١/٢٦١).
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقولوا انظرنا) فهمنا بين لنا يا محمد.
قوله تعالى (وللكافرين عذاب أليم)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة (وللكافرين عذاب أليم)
أى: موجع.
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية عذاب تعوذ كما تقدم في آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
قوله تعالى (والله يختص برحمته من يشاء)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (يختص برحمته من يشاء) قال: النبوة. ثم قال وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك.
قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما ننسخ من آية) يقول: ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها.
وقال الطبري: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عوف، عن الحسن أنه قال في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) قال: إن نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرىء قرآنا، ثم نسيه فلم يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرأونه.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى الحسن فهو مرسل وله شواهد تأتي بعد الرواية التالية.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها)
قال: كان الله تعالى ذكره ينسي نبيه ما شاء وينسخ ما شاء.
(التفسير ص ٤٤)، وإسناده صحيح إلى قتادة وهو مرسل وله شواهد.
قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب وهرون بن عبد الله. قالا: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج. قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن
يكون إليه مثله. ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب. والله يتوب على من تاب".
(صحيح مسلم رقم ١٠٤٩-١٠٥٠- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا).
وأخرج مسلم بسنده عن أبي الأسود، عن أبيه. قال: بعث أبو موسى
الأشعري إلى قراء أهل البصرة. فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن.
فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم. فاتلوه. ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم. كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة. كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة. فأنسيتها. غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقر سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات. فأنسيتها. غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم.
فتسألون عنها يوم القيامة.
(صحيح مسلم رقم ١٠٤٩-١٠٥٠- الزكاة، ب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا).
211
وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود مرفوعا قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت ذكروني... ".
(الصحيح رقم ٤٠١- الصلاة، ب التوجه نحو القبة حيث كان).
وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي سعيد الخدرى مرفوعا وفيه: "فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها".
(صحيح البخاري رقم ٢٠٢٧- الاعتكاف، ب الاعتكاف في العشر الأواخر)، (وصحيح
مسلم رقم ١١٦٧- الصيام، ب فضل ليلة القدر) واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم للفظ: رأيت.
ويقصد ليلة القدر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد العسقلانى ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عمير في قول الله (ما ننسخ من آية أو ننسها)
يقول أو نتركها نرفعها من عندكم فنأت بمثلها، أو بخير منها ومثلها.
ورجاله ثقات، إلا عصام العسقلاني وورقاء فصدوقان. فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) كان ينسخ الآية بالآية بعدها، ويقرأ نبي الله - ﷺ - الآية أو أكثر من ذلك، ثم تنسى وترفع.
وما تقدم على قراءة ننسها. أما على قراءة ننسأها فقد أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن عطاء وابن أبي نجيح ومجاهد وعبيد بن عمير وعطية قوله (ننسأها) نؤخرها وبلفظ نرجئها.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال الله تعالى (ماننسخ من آية أو ننسأها).
(الصحيح ٨/١٦٧ رقم ٤٨٨١- التفسير- سورة البقرة، ب قوله (ما ننسخ من آية أو ننسأها)).
قوله تعالى (نأت بخير منها أو مثلها)
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم.
212
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وأما قوله (نأت بخير منها أو مثلها) يقول آية فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي.
(التفسير ص ٤٤)، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا هذا الذي سأل موسى من قبل من هو؟ ولكنه بينه في موضع آخر. وذلك في قوله (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد ايتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك عن قولهم (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته".
(صحيح البخاري ١٣/٢٦٤ رقم ٧٢٨٩- الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال)، (وصحيح مسلم- الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله). واللفظ للبخارى. وذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢٦٧).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "ذرونى ما تركتكم.
فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".
(صحيح البخاري ١٣/٢٤٨ رقم ٧٢٨٨- الإعتصام ب الإقتداء بسنن رسول الله - ﷺ -)، (وصحيح مسلم- الحج ٢/٩٧٥ رقم ١٣٣٧، ب فرض الحج مرة في العمر). واللفظ لمسلم وهو مختصر من حديث فرض الحج. وذكره ابن كثير في (التفسير ١/٢٦٨).
213
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)، أن يريهم الله جهرة. فسألت قريش محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل الله لهم الصفا ذهبا، قال: نعم! وهو لكم كمائدة بنى إسرائيل إن كفرتم! فأبوا ورجعوا.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)، وكان موسى يسأل، فقيل له (أرنا الله جهرة).
قوله تعالى (ومن تبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل)
تقدم الكلام عن الإيمان في قوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب... ) الآية (٣) من هذه السورة.
وأضيف هنا حديث شعب الإيمان وحديث تذوق طعم الإيمان فقد أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".
(صحيح البخاري رقم ٩- الإيمان، ب أمور الإيمان)، وصحيح مسلم- رقم ٥٧- الإيمان، ب بيان عدد شعب الإيمان). واللفظ لمسلم ولفظ البخاري مختصر.
قوله: شعبة بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء (فتح الباري ١/٥٢).
وأخرج مسلم بسنده عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً".
(الصحيح رقم ٥٦- الإيمان، ب الدليل على أن من رضي بالله ربا... ).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أنس مرفوعاً: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
(صحيح البخاري رقم ١٦- الإيمان، ب حلاوة الإيمان)، وصحيح مسلم رقم ٦٧- الإيمان، ب بيان خصال من اتصف لهن وجد حلاوة الإيمان). واللفظ للبخاري.
214
هذا والأحاديث كثيرة جداً في خصال الإيمان وشعبه وصنف فيها المؤلفات وأشملها كتاب شعب الإيمان للحليمي، وشعب الإيمان للبيهقي، وأحاديثه كلها مسندة واختصره القزويني وهو جزء لطيف ومحقق ومخرج، وكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية. ومن الكتب المسندة في الإيمان: كتاب الإمام أحمد وابن أبي شيبة، والقاسم بن سلام، وابن مندة.
قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: فكان حيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً إذ خصهم الله برسوله. وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله (ود كثير من أهل الكتاب) قال: هو كعب بن الأشرف.
(التفسير ص ٤٤)، وإسناده صحيح.
قوله تعالى (من بعد ما تبين لهم الحق)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين أن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكفروا به حسدا وبغيا إذ كان من غيرهم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من بعد ما تبين لهم الحق) من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله - ﷺ - والإسلام دين الله.
قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة في قوله (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) نسخ ذلك كله بقوله (فاقتلوا
215
المشركين حيث وجدتموهم) التوبة: ٥، وقوله (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله (وهم صاغرون) التوبة: ٢٩، فنسخ هذا.
واللفظ لابن أبي حاتم. وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة بنحوه (التفسير ص ٤٤).
وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية.
أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركب على حمار، على قطيفة فدكية، وأردف أسامة ابن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله ابن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال لاتغبروا علينا، فسلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً، فلا تؤذينا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال سعد بن عبادة يا رسول الله، اعف عنه، واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك لقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلما أبي الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه يعفون عن المشركين، وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى
216
كثيراً) الآية، وقال الله (ود كثر من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم) إلى آخر الآية، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتأول العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم فلما غزا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً، فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان، هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الإسلام فأسلموا.
(الصحيح رقم ٤٥٦٦- التفسير- آل عمران، ب (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً)).
قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (تجدوه عند الله) فيقول تجدوا ثوابه عند الله.
قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)
وبه عن أبي العالية قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا يهودي. وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا نصراني. ثم قال وروي عن مجاهد والربيع والسدي نحو ذلك.
قوله تعالى (تلك أمانيهم)
وبه عن أبي العالية (تلك) يقول أمانى تمنوها على الله بغير حق.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تلك أمانيهم) أماني يتمنونها على الله كاذبة.
قوله تعالى (قل هاتوا برهانكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قل هاتوا برهانكم) أي: حجتكم. ثم قال: وروي عن مجاهد والسدي والربيع نحو ذلك.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هاتوا برهانكم) هاتوا بينتكم.
قوله تعالى (إن كنتم صادقين)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون.
217
قوله تعالى (بلى من أسلم وجهه)
وبه عن أبي العالية (بلى من أسلم وجهه) يقول الله: من أخلص لله.
قوله تعالى (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) قال: بلى! قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، وقالت النصارى (ليست اليهود على شيء) ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: حدثنا عصام ابن رواد ثنا آدم عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء. وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) قال: هولاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وهم يتلون الكتاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (وهم يتلون الكتاب) قال أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أن تكفر اليهود بعيسى وعندهم في التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يدي صاحبه.
قوله تعالى (كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال الذين لايعلمون مثل قولهم)
قال: قالت النصارى مثل قول اليهود قبلهم.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية.
قوله تعالى (فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) الحج: ١٧، وكما قال تعالى (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) سبأ: ٢٦.
(التفسير ١/٢٧٤).
قوله تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها... ) الآية
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) قال: هو بختنصر وأصحابه خربوا بيت المقدس، وأعانته على ذلك النصارى، قال الله (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) وهم النصارى لا يدخلون المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا (لهم في الدنيا خزي) قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
(التفسير ص ٤٤)، وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: قال بعض العلماء: نزلت في صد المشركين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البيت الحرام في عمرة الحديبية عام ست. وعلى هذا القول: فالخراب معنوي، وهو خراب المساجد بمنع العبادة فيها. وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) الآية
219
وقال بعض العلماء: الخراب المذكور هو الخراب الحسي. والآية نزلت فيمن خرب بيت المقدس وهو بختنصر أو غيره وهذا القول يبينه ويشهد له قوله جل وعلا (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
ويؤيد القول الأول قوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة آتى الزكاة ويخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة: ١٨، ١٧. وقوله تعالى (ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لايعلمون) الأنفال: ٣٤.
قوله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)
القول الأول: أن الآية منسوخة: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: وأما ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تبارك وتعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: فصلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تبارك وتعالى إلى البيت العتيق وقال (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه).
(الناسخ والمنسوخ رقم ٢١ ص ١٤٦). وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الحسن بن محمد بن الصباح عن حجاح بن محمد به. وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٢٦٧، ٢٦٨) من طريق ابن جريج به وصححه ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، وعثمان هو ابن عطاء. ضعيف ولايضر إذ هو مقرون بابن جريج.
وعطاء هو: الخراساني حيث صرح ابن الجوزي بذلك فأخرجه من طريق أحمد بن حنبل عن حجاج بن محمد قال: أنبأ ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس بلفظه (نواسخ القرآن ص ١٤٤) ولعل الحاكم والذهبي صححاه على أن المقصود بعطاء: ابن أبي رباح ويؤيد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر فقال عند عرضه لطرق ابن عباس في التفسير: ومن طريق ابن جريح عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء والخرساني، وهو لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعا إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح (العجاب في بيان الأسباب ص د-٩).
وعلى هذا تبقى المسألة محتملة فإن كان عطاء بن أبي رباح فالإسناد صحيح، وإن كان الخراساني الإسناد ضعيف ويقويه رواية علي بن أبي طلحة التالية.
220
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة. وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله تبارك وتعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) إلى قوله (فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة: ١٤٤، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب) وقال (أينما تولوا فثم وجه الله) سورة البقرة: ١٤٢.
وأخرج الإمام أحمد (انظر نواسخ القرآن ص ١٤٥)، والطبري بأسانيد حسنة عن قتادة بنحوه.
القول الثانى: أنها محكمة وتفسيرها في صلاة السفر تطوعاً.
أخرج مسلم بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه قال: وفيه نزلت (فأينما تولوا فثم وجه الله).
(الصحيح رقم ٣٣- الصلاة، ب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت).
القول الثالث: أنها محكمة وتفسيرها استقبال الكعبة.
قال الطبري: أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي سنان، عن الضحاك، والنضر بن عربي، عن مجاهد في قول الله عز وجل (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال: قبلة الله، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها.
ورجاله ثقات إلا أبا سنان وهو سعيد بن سنان الرجمي معروف برواية وكيع عنه. (انظر تهذيب التهذيب ٤/٤٥) وهو صدوق له أوهام وباقي رجاله ثقات وأخرجه الطبري عن ابن جريج عن مجاهد، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق إبراهيم بن أبي بكر عن مجاهد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان الكلابي عن نضر بن العربي عن عكرمة عن ابن عباس (فأينما تولوا فثم وجه الله) قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال الله تعالى (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياى فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً.
(الصحيح رقم ٤٤٨٢ -التفسير- سورة البقرة، ب (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه)).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم".
(صحيح البخاري رقم ٧٣٧٨- التوحيد، ب قول الله تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين))، (وصحيح مسلم -صفات المنافقين، ب لا أحد أصبر على أذى من الله). وذكر ابن كثير هذين الحديثين في تفسيره (١/٢٨٢).
وقال الشنقيطي عند هذه الآية: هذا الولد المزعوم -على زاعمه لعائن الله- قد جاء مفصلا في آيات أخر كقوله (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) وقوله (ويجعلون لله البنات) الآية.
قوله تعالى (كل له قانتون)
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كل له قانتون) قال: مطيعون. قال: طاعة الكافر في سجود ظله.
وكأنه استنبط هذا القول من قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد: ١٥، ومن قوله تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) النحل: ٤٨.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظ: مطيعون.
قوله تعالى (بديع السموات والأرض)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: يعني قوله (بديع السموات والأرض) ابتدع خلقها ولم يشركه في خلقها أحد.
قوله تعالى (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)
والقضاء فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا ومثال القول قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) الإسراء: ٢٣، (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبير) الإسراء: ٤، ومن الفعل قوله (فقضاهن سبع سماوات في يومين) فصلت: ١٢.
(انظر المفردات للراغب ص ٤٠٦).
وقال ابن كثير عند هذه الآية: يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه وأنه إذا قدر أمرا فإنما يقول له كن فيكون كن أي مرة واحدة فيكون أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) وقال تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) وقال تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).
(التفسير ١/٢٨٣).
وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه إذا مر بآية تنزيه سبح كما تقدم في آخر تفسير آية (٣٧) من هذه السورة.
قوله تعالى (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية)
ورد فيها ثلاثة أقوال وهي:
القول الأول: أنهم يهود.
أخرج ابن إسحاق بسنده الحسن عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك من قوله (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية).
(انظر تفسير ابن كثير ١/٢٨٣، ٢٨٤). وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق به.
القول الثاني: أنهم كفار الرب.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: هو قول كفار العرب.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بلفظه.
223
القول الثالث: أنهم النصارى.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وقال الذين لايعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) قال: النصارى تقوله.
واختار الطبري القول الثالث لأن السياق فيهم.
وتعقبه ابن كثير فقال: وفي ذلك نظر وحكى القرطبي (لولا يكلمنا الله) أي يخاطبنا بنبوتك يا محمد -قلت- وهو ظاهر السياق والله أعلم. وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية هذا قول كفار العرب (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) قال: هم اليهود والنصارى ويؤيد هذا القول وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب قوله تعالى (وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) الآية وقوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) إلى قوله (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولاً)، وقوله تعالى (وقال الذين لايرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) الآية وقوله تعالى (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لاحاجة لهم به.
قوله تعالى (لولا يكلمنا الله)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن قتادة في قوله (لولا يكلمنا الله) قال: فهلا يكلمنا الله!.
قوله تعالى (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية يقول الله (كذلك قال الذين من قبلهم) يعني: اليهود والنصارى أو غيرهم.
ثم قال: وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك.
وما روى عن قتادة أخرجه الطبري بسنده الحسن بلفظ: اليهود النصارى وغيرهم.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظ: هم اليهود.
224
قوله تعالى (قد بينا الآيات لقوم يوقنون)
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الطهراني فيما كتب إلي أنبا عبد الرزاق أنبا معمر عن قتادة يعني قوله (آيات لقوم يوقنون) قال: معتبرا لمن اعتبر.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)
أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي
ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولاغليظ ولاسخاب بالأسواق ولايدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا عميا وقلوبا غلفا.
(الصحيح رقم ٤٨٣٨- التفسير سورة الفتح، ب (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش قالوا: مالك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تبا لك، ألهذا جمعتنا، فأنزل الله (تبت يدا أبي لهب).
(صحيح البخاري رقم ٤٨٠١- التفسير- سورة سبأ ب (إن هو إلا نذير لكم))،
(وصحيح مسلم رقم ٣٥٥- الإيمان، ب قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)).
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية.
قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)
يبينه قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) سورة البقرة: ١٤٥.
قوله تعالى (قل إن هدى الله هو الهدى)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (قل إن هدى الله هو الهدى) قال: خصومة علمها الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم يخاصمون لها أهل الضلالة.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن معاوية - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لايزال من أمتي أمة قائمة لأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
(صحيح البخاري ٦/٦٣٢ رقم ٣٦٤١- المناقب)، (وصحيح مسلم رقم ١٠٣٧- الإمارة، ب قوله تعالى: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين"). واللفظ للبخاري. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة مرسلاً. وذكره ابن كثير في التفسير (١/٢٨٦).
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن معمر عن قتادة في قوله (الذين آتيناهم الكتاب) قال: اليهود والنصارى.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة قوله (الذين آتيناهم الكتاب) هؤلاء أصحاب نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمنوا بكتاب الله وصدقوا به.
وأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق شيبان عن قتادة. واختار الطبري القول الأول.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى أبنا ابن أبي زائدة أنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله (يتلونه حق تلاوته) قال: يتبعونه حق اتباعه. ثم قرأ إذا تلاها يقول: اتبعها.
وروي عن عكرمة، وعطاء، ومجاهد، وأبي رزين، وإبراهيم ذلك. ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى ابن عباس.
وأخرج المروزى عن إسحاق بن إبراهيم، أنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد مثله.
(تعظيم قدر الصلاة ١/٣٩٦ رقم ٣٨٤). ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قوله تعالى (ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لايسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصرانى، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".
(الصحيح- الإيمان، رقم ١٥٣، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
قوله تعالى (يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين. واتقوا يوما لاتجزي نفس عن نفس شيئا ولايقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولاهم ينصرون)
تقدم تفسير هاتين الآيتين عند الآية رقم (٤٧ و٤٨).
قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات)
اختلف المفسرون في المراد بالكلمات.
القول الأول: هي خصال عشر من سنن الإسلام.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) قال ابتلاه الله بالطهارة.
(التفسير ص ٤٦) ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق ابن طاوس به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٦٦)، وابن طاوس هو عبد الله. وأخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبد الرزاق به ثم قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نحو ذلك.
القول الثانى: ما أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما! قال: نعم. قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس. قال: نعم. قال: وأمنا. قال: نعم. قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: نعم.
قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم قال: وتجعل هذا البلد آمنا.
قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم. قال: نعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلي بالآيات التي بعدها.
(المصنف ١١/٥٢١ رقم ١١٨٧٦- الفضائل، ب ما ذكر مما أعطى الله إبراهيم). ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
القول الثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بفراقهم، ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ماوقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها، وماله وما ابتلى به من ذبح ولده، حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من أمر الله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم قال: أسلمت لرب العالمين. على ما كان من خلاف الناس وفراقهم.
القول الرابع: ما أخرجه الطبري عن يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال: قلت للحسن: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قال: ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه، وابتلاه بالقمر، فرضي عنه، وابتلاه بالشمس، فرضي عنه، وابتلاه بالنار، فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء هو: محمد بن سيف الحداني. وأخرجه إسناده الحسن عن قتادة عن الحسن بنحوه وزاد ابتلاه بذبح ابنه.
وقال الطبري: ما حاصله أنه يحتمل أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ويحتمل أن يكون بعض ذلك ولايجوز الجزم بشيء منها إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إجماع من الحجة ولم يصح شيء من ذلك.
قوله تعالى (فأتمهن)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فأتمهن) أي: عمل بهن.
وقال الطبري: حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا دواد، عن عكرمة، عن ابن عباس (فأتمهن)، أي فأداهن.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى وداود: هو ابن أبي هند. وعبد الأعلى هذا معروف روايته عن داود بن أبي هند. (انظر تهذيب التهذيب ٦/٩٦).
228
قوله تعالى (قال إني جاعلك للناس إماما ومن ذريتي)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إني جاعلك للناس إماما) فجعله الله إماما يؤتم ويقتدى به.
ثم قال: وروي عن الحسن وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وقتادة والربيع ابن أنس نحو ذلك.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس (ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) يخبره أي أنه كان في ذريته ظالم لاينال عهده ولاينبغي له أن يوليه شيئا من أمره، وإن كانوا من ذرية خليله، ومحسن ستنفذ فيه دعوته ويبلغ فيه ما أراب من مسألته.
وأخرج بسنده الجيد عن أبي العالية قال إبراهيم: يا رب (ومن ذريتي) يقول اجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به. يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق.
قوله تعالى (قال لاينال عهدى الظالمين)
اختلف المفسرون في تفسير العهد.
القول الأول: الأمان.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (لاينال عهدي الظالمين) قال لاينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا قد ناله الظالم وأمن به، وأكل وأبصر وعاش.
(التفسير ص ٤٦)، وإسناده صحيح.
القول الثانى: دين الله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله (لاينال عهدي الظالمين) فعهد الله الذي عهد إلى عباده دينه قال: لاينال ديني الظالمين.
القول الثالث: الإمامة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قال لاينال عهدي الظالمين) قال: لا يكون إماما ظالما.
229
القول الرابع: أنه لاعهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا إسحاق الأزرق ثنا سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس في قوله (لاينال عهدى الظالمين) قال: ليس لظالم عليك عهد في معصية الله أن نطيعه.
وروي عن مجاهد، وعطاء، ومقاتل بن حيان نحو ذلك.
ورجاله ثقات إلا الحسن فصدوق وهارون لا بأس به. فالإسناد حسن.
واختار الطبري أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لاينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره.
ويؤيد هذا الإختيار قول الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: يفهم من هذه الآية أن الله علم أن من ذرية ابراهيم ظالمين. وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالما غير ظالم. كقوله (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) الصافات: ١١٣، وقوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه) الزخرف: ٢٨.
قوله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثابة للناس) قال: يثوبون إليه.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: لايقضون منه وطرا.
(التفسير ص ٤٦)، وإسناده صحيح.
قال عبد الرزاق نا الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبير في قوله (مثابة للناس) قال: يحجون ثم يحجون لايقضون منه وطراً.
ورجاله ثقات إلا أبا الهذيل وهو غالب بن الهذيل الأودى صدوق رمي بالرفض والأثر ليس له علاقة بالرافضة. فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة بلفظ: مجمعا.
وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن غالب عن سعيد بن جبير بلفظ يحجون ثم يعودون.
(المصنف ٤/١١٢).
230
قوله تعالى (وأمنا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) يقول أمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لايسبون.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأمنا) قال: تحريمه، لايخاف فيه من دخله.
قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
اختلف المفسرون في المراد بالمقام على أقوال:
القول الأول: هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة.
أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله: لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى، وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب...
(الصحيح رقم ٤٤٨٣- التفسير- سورة البقرة، قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)).
وأخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في الحديث الطويل والشاهد فيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت.
(الصحيح رقم ١٢١٨- الحج، ب حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين...
(الصحيح ٣/٤٨٤ رقم ١٦٢٣- الحج، ب صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبوعه ركعتين).
القول الثانى: الحج كله أي الحرم وعرفات.
قال عبد الرزاق: نا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله (مقام إبراهيم) قال: الحج كله مقام إبراهيم.
231
وأخرجه الطبري من طريق ابن جريج به. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حجاج من ابن جريج به وأطول وفيه قال ابن جريج سألت عطاء. وعطاء هذا ابن أبي رباح فالإسناد صحيح، وقد نبه على هذه الفائدة -عدم تصريح ابن جريج باسم والد عطاء- الحافظ ابن حجر فقال: ومن طريق ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران، وما عدا ذلك يكون عطاء هو: الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس، فيكون منقطعا. إلا إن صرح ابن جريج بأنه عطاء ابن أبي رباح. (العجاب في بيان الأسباب ص د-٩).
القول الثالث: عرفة والمزدلفة والجمار.
قال الطبري: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: لأني قد جعلته إماما، فمقامه: عرفة والمزدلفة والجمار.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن نجيح عن مجاهد بنحوه (التفسير ص ٤٦). والصحيح القول الأول لما ثبت في الصحيح وقد رجحه الطبري (التفسير ٣/٣٦)، وابن كثير (التفسير ١/٢٩٨)، والبغوي (التفسير ١/١١٣).

فصل: وثيقة تاريخية ثابتة عن مقام إبراهيم


قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو ثابت، حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها أن المقام كان زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزمان أبي بكر - رضي الله عنه - ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم.
(التفسير ١/٢٩٩).
ويقصد بما تقدم الآثار التالية عن الإمام أنس بن مالك وقتادة ومجاهد.
فقال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن أنس ابن مالك حدثهم، قال رأيت المقام فيه أصابعه عليه السلام، وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم.
(انظر المصدر السابق). وإسناده صحيح إلى أنس.
232
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها. ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.
وأخرج عبد الرزاق مصنفه عن ابن جريج حدثني عطاء وغيره من أصحابنا قال: أول من نقله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
وذكره ابن كثير، والحافظ ابن حجر وصحح إسناده (فتح الباري ٨/١٦٩).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنى قال: قال سفيان: كان المقام في سقع البيت على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -- وبعد قوله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه. وقال سفيان: لا أدرى كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. قال سفيان: لا أدري أكان لاصقا بها أم لا.
وسفيان هذا هو ابن عيينة، كما صرح ابن كثير حيث نقل رواية ابن أبي حاتم كاملة (التفسير ١/٢٩٩، ٣٠٠).
قوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
قال ابن أبي حاتم: حدثني سهل بن بحر العسكرى بالري ثنا جعفر بن حميد أنا ابن المبارك عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (واتخذوا من مقام إبراهم مصلى) قال: مدعى.
ورجاله ثقات، إلا العسكري صدوق فالإسناد حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: أمروا أن يصلوا عنده.
قوله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين)
قال الطبري. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيرى قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير (أن طهرا بيتي للطائفين) قال: من الأوثان والريب.
وأخرجه أيضاً من طريق ابن جريج عن عطاء به. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب (العجاب في بيان الأسباب). ورجاله ثقات إلا أحمد صدوق فالإسناد حسن.
233
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة (والطائفين) قال: الطائفون: من يعتنقه.
ورجاله ثقات إلا يحيى بن خلف: صدوق فالإسناد حسن.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (أن طهرا بيتي للطائفين)
قال: من الشرك وعبادة الأوثان.
(التفسير ص ٤٦).
قوله تعالى (والعاكفين)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال: قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير: ما أرأني إلا مكلم الأمير أن يمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون؟. قال: لا تفعل فإن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح وذكره ابن كثير ثم قال: وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان
ينام في مسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عزب. (التفسير ١/٣٠١).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاكفين) قال: العاكفون أهله.
قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا)
أخرج الشيخان بسنديهما عن عمرو بن سعيد مرفوعاً إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولايعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فقولوا إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالماس وليببغ الشاهد الغائب...
(صحيح البخاري رقم ١٠٤- العلم، ب ليبلغ الشاهد الغائب)، (وصحيح مسلم رقم ١٣٥٤- الحج، ب تحريم مكة وصيدها).
وأخرج مسلم بسنده عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها" -يريد المدينة-.
(صحيح مسلم رقم ١٣٦١- الحج، ب فضل المدينة)
234
قوله تعالى (وارزق أهله من الثمرات)
دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء لأنه كان بواد غير ذي زرع وقد حكى الله تعالى عنه أنه قال (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم... ) الآية. سورة إبراهيم: ٣٧. وقد استجاب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم فصار يجبى إليه ثمرات كل شيء كما قال تعالى (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء) سورة القصص: ٥٧.
قوله تعالى (من آمن منهم بالله واليوم الآخر)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (من آمن منهم بالله واليوم الآخر) يعني من وحّد الله وآمن باليوم الآخر.
قوله تعالى (ومن كفر فأمتعه قليلا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - (ومن كفر) إن هذا من قول الرب قال: ومن كفر فأمتعه قليلا.
قال ابن كثير: عند هذه الآية وهذا كقوله تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم).
والآية في سورة النحل ١١٦، ١١٧.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة قال: قال الله (ومن كفر) -أيضاً- فإني أرزقه من الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن.
قال ابن أبي نجيح: سمعت هذا من عكرمة، ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره.
ورجاله ثقات إلا عصام بن رواد صدوق فالإسناد حسن.
قوله تعالى (ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح قوله (ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) قال: ثم مصير الكافر إلى النار.
قال ابن أبي نجيح سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره.
وإسناده حسن.
235
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
(صحيح البخاري رقم ٤٦٨٦- التفسير- سورة هود، ب قوله (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة))، (وصحيح مسلم ٢٥٨٣- البر والصلة، ب تحريم الظلم).
قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)
قال عبد الرزاق: نا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) قال: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك.
(التفسير ص ٤٧)، وأيوب هو السختياني. وأخرجه الطبري عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق به. وذكر الحافظ ابن حجر رواية الطبري وصحح إسنادها (فتح البارى ٨/١٧٠).
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: ذكر في هذه الآية رفع إبراهيم وإسماعيل لقواعد البيت. وبين في سورة الحج أنه أراه موضعه بقوله (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي: عينا له محله وعرفناه به.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم قال لإسماعيل: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا -وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني. حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم).
(الصحيح ٦/٣٩٦-٣٩٨ رقم ٣٦٦٤- الأنبياء، ب يزفون: النسلان في المشي).
وهذا طرف من آخر الحديث الطويل الذي ذكر فيه قصة إسماعيل وأمه في البيت الحرام.
236
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ألم تري أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال: لولا حدثان قومك بالكفر فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك استلام الركنين الذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.
(صحيح البخاري رقم ٤٤٨٤- التفسير- سورة البقرة، ب قوله تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من
البيت وإسماعيل... ))، وصحيح مسلم- الحج رقم ١٣٣٣، ب نقض الكعبة وبنائها). واللفظ للبخاري.
وأخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "ألم تري قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت".
(صحيح البخاري ٣/٤٣٩ رقم ١٥٨٣- الحج، ب فضل مكة وبنيانها)، (وصحيح مسلم- الباب السابق رقم ٤٠٠). وذكر ابن كثير هذه الروايات التي في الصحيحين (التفسير ١/٣١٣، ٣١٤).
وقد قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بما أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنقض حجارة الكعبة ثم بناها من جديد وأدخل الحجر وجعل لها بابا للدخول وآخر للخروج وزاد في طول الكعبة. وقد أخرج مسلم بسنده عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير. حتى قدم الناس الموسم. يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام. فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس! أشيروا علي في الكعبة. أنقضها ثم أبني بناءها.
أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها. أرى أن تصلح ما وهي منها. وتدع بيتا أسلم الناس عليه. وأحجارا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يجده. فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا. ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماه الناس أن ينزل، بأول الناس يصعد فيه، أمر من السماء. حتى صعده رجل فألقى منه حجارة.
237
فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوه. فنقضوه حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة. فستر عليها الستور. حتى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق. ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر.
حتى أبدى أساً نظر الناس إليه. فبنى عليه البناء. وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا. فلما زاد فيه استقصره. فزاد في طوله عشر أذرع. وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه. فلما قتل ابن الزبير. الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يضره بذلك. ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء. أما ما زاد في طوله فأقره. وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه.
وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه.
(الصحيح رقم ٤٠٢- الحج، ب نقض الكعبة بنائها).
قوله تعالى (ربنا واجعلنا مسلمين لك)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال إبراهيم: تجعلنا مسلمين لك؟ قال الله: نعم.
وإسناده حسن. وكأنه يعني أن الله تعالى استجاب له. وكذا الأثر الذي يليه.
قوله تعالى (ومن ذريتا أمة مسلمة لك)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده المتقدم آنفا عن عكرمة قال: قال إبراهيم (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) فقال الله: نعم.
وهو كما قال فقد استجاب الله تعالى فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب) العنكبوت: ٢٧.
238
وقوله تعالى (وأرنا مناسكنا)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء (وأرنا مناسكنا) أخرجها لنا، علمناها.
ورجاله ثقات، إلا الحسن صدوق الإسناد حسن. وحجاج هو ابن محمد. وعطاء هو ابن أبي رباح.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بلفظ: أرنا منسكنا وحجنا.
وأخرج الثوري عن ابن جريج عن عطاء بلفظ: مذابحنا.
وإسنادهما صحيح. وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظه.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: قوله (وأرنا مناسكنا) فأراهما مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل الله الدين - أو: دينه.
وقال أيضاً: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال ابن المسيب، قال علي بن أبي طالب: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: فعلت أي رب، فأرنا مناسكنا -أبرزها لنا، علمناها- فبعث الله جبريل، فحج به.
وإسناده صحيح.
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل (قلت لابن عباس) يزعم قومك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طاف على بعير بالبيت وأن ذلك سنة، قال صدقوا وكذبوا، قلت ما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا طاف على بعير وليس بسنة، إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لايصرف الناس عنه ولايدفع فطاف على بعير كي يسمع كلامه ولاتناله أيديهم (قلت) يزعمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا (قلت) ماصدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا قد رمل وكذبوا ليست بسنة، إن قريشاً قالت دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوا رسول
239
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن يجيء في العام المقبل فيقيم بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه والمشركون من قبل قعيقعان قال لأصحابه ارملوا وليس بسنة (قلت) يزعم قومك أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سعى بين الصفا والمروة وأن ذلك سنة، قال: صدقوا إن إبراهيم - ﷺ - لما رأى المناسك عرض له شيطان عند المسعى فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل عليه السلام حتى أتى به منى فقال مناخ الناس هذا، ثم انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم انتهى إلى الجمرة القصوى فعرض له شيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به جمعا فقال هذا المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة فقال هذه عرفة، قال ابن عباس: أتدري لم سميت عرفة؟ قال لا، قال لأن جبريل قال له عرفت، قال ابن عباس: أتدري كيف كانت التلبية؟ قال: إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج أمرت الجبال فخفضت رؤسها ورفعت له القرى فأذن في الناس بالحج.
(منحة المعبود ١/٢٠٧ رقم ٩٩٢)، وأخرجه أحمد (المسند رقم ٧٠٧) من طريق حماد بن سلمة به.
وصححه محققه أحمد شاكر، وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي داود له. وذكره الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ٣/٣٥٩). وقال في موضع آخر رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عاصم وهو ثقة (مجمع الزوائد ٨/٢٠٠، ٢٠١). وهو كما قال فقد وثقه يحيى بن معين (انظر تهذيب التهذيب ١٢/١٤٣). وذكره ابن كثير مختصرا وسكت عنه (التفسير ١/٣٢٠).
ولمعظم هذا الحديث شواهد في (صحيح مسلم) سردها محققو مسند أحمد (٤/٤٣٧ ح ٢٧٠٧ ط الموسوعة الحديثية بإشراف معالي أ. ك. عبد الله التركي.
قوله تعالى (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما. قال الله: نعم. قال إبراهيم: وتتوب علينا؟ قال الله: نعم.
وإسناده حسن.
240
قوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية والتي قبلها: لم يبين هنا من هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل. ولم يبين هنا أيضاً: هذا الرسول المسئول بعثه فيهم من هو؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أن تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك في قوله (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) لأن الأميين العرب بالإجماع والرسول المذكور نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجماعا. ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحده.
وقال ابن كثير عند هذه الآية: والمراد بذلك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد بعث فيهم كما قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا).
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني ثور ابن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى وبصرى من أرض الشام.
قال الحاكم خالد بن معدان من خيار التابعين صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة فإذا أسند حديث إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٦٠٠)، وذكره ابن كثير من طريق محمد بن إسحاق به وقال: وهذا إسناد جيد قوي (البداية والنهاية ٢/٢٧٥). وفي التفسير قال: وهذا إسناد جيد وروي له شواهد من وجوه أخر (٤/٣٦٠ ط المعرفة). ساق الشواهد وهي أحاديث يقوي بعضها بعضاً. وصححه الألباني (السلسلة الصحيحة ح ١٥٤٥).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم) يعني: أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان.
241
قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك) قال: ففعل الله ذلك، فبعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد.
قوله تعالى (والحكمة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة والحكمة أي: السنة.
قوله تعالى (إنك أنت العزيز الحكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (العزيز) يقول عزيز في نقمته إذا انتقم، (الحكيم) قال: حكيم في أمره.
قوله تعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) قال: رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم وابتدعوا اليهودية والنصرانية وليست من الله وتركوا دين إبراهيم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما ملة إبراهيم وبينها بقوله (قل إنني هدانى ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) فصرح في هذه الآية بأنها دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكذا في قوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) الآية.
قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) يقول: ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم.
242
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: أشار إلى أنه دين الإسلام هنا بقوله (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وصرح بذلك في قوله (إن الدين عند الله الإسلام) وقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
قوله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (أم كنتم شهداء) يعني: أهل الكتاب.
قوله تعالى (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)
أخرج البخاري تعليقاً عن أبي بكر وابن عباس وابن الزبير: أن الجد أب.
(الصحيح ٥/٢١٤- الفرائض، ب ميراث الجد مع الأب والأخوة). قال ابن حجر في (تغليق التعليق) : أما قول أبي بكر أن الجد أب فأسنده المؤلف -أي البخاري- في فضل أبي بكر وكذا قول ابن الزبير (وانظر فتح الباري ٧/١٧ رقم ٣٦٥٨) وأما قول ابن عباس فقد ذكر من أخرجه كالبيهقي وسعيد بن منصور (تغليق التعليق ٥/٢١٥)، وسنن سعيد بن منصور رقم (٤٠-٥٢)، والسنن الكبرى (٦/٢٤٦). وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية مستشهدا لمن استدل بهذه الآية في جعل الجد أبا وحجب به الإخوة (التفسير ١/٣٢٣، ٣٢٤).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فسمى عمه أباه.
قوله تعالى (ونحن له مسلمون)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "الأنبياء إخوة لعلات" أمهاتهم شتى ودينهم واحد".
(صحيح البخاري رقم ٣٤٤٣- الأنبياء، ب قول الله (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت))، (وصحيح مسلم رقم ٢٣٦٥- الفضائل، ب فضائل عيسى). وذكره ابن كثير مستدلا على أن الإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم (التفسير ١/٣٢٤).
قوله: إخوة لعلات: وفي رواية أولاد علات كما في الصحيحين وقال النووي عندها قال العلماء: أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى وأما الأخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان. قال جمهور العلماء: معنى الحديث: أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفه فإنهم متفقون أصول التوحيد وأما في فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف (صحيح مسلم بشرح النووي ١٥/١١٩، ١٢٠). وقال ابن حجر: العلات الضرائر (الفتح ٦/٨٤٩).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مسلمين) يقول: موحدين.
قوله: مسلمين كذا في الأصل وكأنه قد فسره عند لفظ: مسلمين. في موضع آخر ثم به هنا باللفظ نفسه.
قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "... ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
(الصحيح رقم ٢٦٩٩- الذكر، ب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا القاسم بن هزان الخولاني ثنا الزهري ثنا سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عباس قوله عز وجل (ماكسبت) من العمل.
ورجاله ثقات إلا القاسم قال عنه أبو حاتم: شيخ محله الصدق. والمتن له شاهد من اللغة فالإسناد حسن أما الوليد بن مسلم هو القرشي الدمشقي ثقة لكنه يدلس (الجرح والتعديل ٧/١٢٣)، (انظر تهذيب التهذيب ١١/١٥١-١٥٥) وقد صرح، لسماع فلا ضير.
قال الطبري وأصل الكسب العمل. وانظر الآية (١٤١) من هذه السورة.
قوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا... ) الآية
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مالهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً) (انظر تفسير ابن كثير ١/٣٢٤)، وإسناده حسن.
قوله تعالى (قل بل ملة إبراهيم حنيفا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (حنيفا) يقول: حاجا.
وقال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن (الحنيفية) قال: حج البيت.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا قبيصة وعيسى بن جعفر قالا ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (حنيفا) قال متبعا.
وإسناده صحيح. وتفسير الآية يستوعب القولين السابقين.
قوله تعالى (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب... )
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل إلينا... ) الآية.
(الصحيح رقم ٤٤٨٥- التفسير- سورة البقرة، ب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)).
ومن فضل هذه الآية ما أخرجه مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) البقرة. الآية ١٣٦. الآية التي في البقرة. وفي الآخرة منهما: (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون).
(الصحيح رقم ٧٢٧- صلاة المسافرين، ب استحباب ركعتي سنة الفجر).
وأخرج الطبري بسنده عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم ولايفرقوا بين أحد منهم.
قوله تعالى (والأسباط)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (الأسباط) هم: يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ولد كل رجل منهم أمة فسموا الأسباط.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.
قال الشيخ الشنقيطي: عند قوله تعالى (وما أنزل إلى إبراهيم) : لم ييين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم، ولكنه بيّن في سورة الأعلى أنه صحف وأن من جملة ما في تلك الصحف (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وذلك في قوله (إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى).
قوله تعالى (وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: لم يبين هنا ما أوتيه موسى وعيسى، ولكنه بينه في مواضع أخر. فذكر أن ما أوتيه موسى هو التوراة المعبر عنها بالصحف في قوله (صحف إبراهيم وموسى) وذلك كقوله (ثم آتينا موسى الكتاب) وهو التوراة بالإجماع. وذكر أن ما أوتيه عيسى هو الإنجيل كما في قوله (وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن شيبان عن قتادة قال: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله.
قوله تعالى (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
وأخرج بسنده الصحيح عن سعيد عن قتادة قوله (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) قال: أمر الله المؤمنين أن لا يفرقوا بين أحد منهم.
قوله تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) ونحو هذا، قال: أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى، وأنه لايقبل عملا إلا به، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه.
قوله تعالى (فإنما هم في شقاق)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (في شقاق) يعني في فراق.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة.
قوله تعالى (فسيكفيكهم الله)
وقد أنجز الله وعده وهزم الأحزاب وحده فكفى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومكنه من أعدائه فقتل قريظة وسباهم وأجلى بني النضير.
(انظر صحيح البخاري -المغازي- ب مرجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم وباب حديث بني النضير ومخرجه إليهم).
قوله تعالى (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (صبغة الله) قال: دين الله.
(التفسير ص ٤٨)، وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله (صبغة الله) قال: دين الله، (ومن أحسن من الله صبغة) ومن أحسن من الله دينا.
وإسناده جيد.
وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد في قول الله (صبغة الله) قال: فطرة الله التي فطر الناس عليها.
قوله تعالى (قل أتحاجوننا في الله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قل أتحاجوننا في الله) أتجادلوننا؟.
قوله تعالى (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيلِ وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى) أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله، واتخذوا اليهودية والنصرانية، وكتموا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم يعلمون أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
انظر الآية رقم (١٣٦) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: هم اليهود والنصارى كتموا الإسلام، وهم يعلمون أنه دين الله، وكتموا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يعلمون أنه رسول الله، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل أنه ليس يهوديا.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما، إنهم كانوا يهود أو نصارى. فيقول الله: لاتكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الشهادة: النبي مكتوبا عندهم هو الذين كتموا.
قوله تعالى (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم... ) الآية
تقدمت هذه الآية برقم (١٣٤) فلينظر تفسيرها هناك.
وأخرج ابن أبي حاتم عند هذه الآية بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتدي. وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله تعالى (تلك أمة قد خلت) يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط.
قوله تعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب... ) الآية
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: اليهود.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم) قال: اليهود تقوله، حين ترك بيت المقدس.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح تقدم، وصححه أيضاً الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٨/١٧١).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والبيهقي بالإسناد الحسن عن ابن إسحاق عن ابن عباس قال: لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة - أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ونافع بن أبي نافع -هكذا قال ابن حميد، وقال أبو كريب: ورافع بن أبي رافع- والحجاج بن عمرو -حليف كعب بن الأشرف- والربيع بن الربيع بن (أبي) الحقيق، وكنانة بن أبي الحقيق، فقالوا: يا محمد، ماولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه. فأنزل الله فيهم (سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) إلى قوله (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه).
(واللفظ للطبري تفسير الطبري رقم ٢١٤٩ وتفسير سورة البقرة - الجزء الثاني رقم (٨) لابن أبي حاتم ودلائل النبوة ٢/٥٧٥). قال الحافظ ابن حجر: وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (فتح الباري ١/٩٧).
وسيأتي حديث متفق عليه له علاقة بالآية عند قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم)
قوله تعالى (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قول الله (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يقول: يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتنة.
وقد تقدم في سورة الفاتحة أن الصراط المستقيم: الإسلام كما ثبت في القرآن وعن النبي.
قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب، فيقول هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم، فيقولون ما أتانا من نذير، فيقول من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيدا، فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) والوسط العدل.
(الصحيح رقم ٤٤٨٧- تفسير سورة البقرة، ب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)).
وقال عبد الرزاق الصنعاني: نا معمر عن قتادة قال في قوله (أمة وسطا) قال: عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا، أن قد بلغ ما أرسل به.
وإسناده صحيح. وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "... والوسط: العدل"
(الصحيح ح ٤٤٨٧).
أخرج البخاري بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال وجبت. فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض.
(الصحيح رقم ١٣٦٧- الجنائز، ب ثناء الناس على الميت).
وأخرج بإسناده أيضاً عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة -وقد وقع بها مرض- فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرت بهم جنازة فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرا، فقال
250
وجبت. فقال أبو الأسود: فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد.
(الصحيح رقم ١٣٦٨- الجنائز- ب ثناء الناس على الميت).
وقال ابن أبي حاتم حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية (لتكونوا شهداء على الناس) يقول: لتكونوا شهداء على الأمم التي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذبوهم.
(تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم ٢٠، ٢٨).
وبه عن أبي العالية عن أبي بن كعب (لتكونوا شهداء على الناس) فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعبي، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا وهي في قراءة أبي بن كعب (وتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة).
وإسنادهما جيد. (تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم ٢٠، ٢٨).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويكون الرسول عليكم شهيدا)
لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا والآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر: أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
(أضواء البيان ١/٤٩).
قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم) الآية. ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا بل هو تعالى
251
عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون. وقد بين أنه لايستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فقوله (والله عليم بذات الصدور) بعد قوله (ليبتلي) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن العليم بذات الصدر وغني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه.
ومعنى (إلا لنعلم) أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لايخفى.
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن ابن عمر رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء جاء فقال أنزل الله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة.
واللفظ للبخاري. (الصحيح رقم ٤٤٨٨- تفسير سورة البقرة، ب (وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه... ). ومسلم (الصحيح رقم ٥٢٦- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) قال: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق... عن ابن عباس: أي ابتلاء واختبارا.
ثم قال وروي عن الحسن وعطاء وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قال الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يعني: تحويلها على أهل الشك والريب.
واللفظ لابن أبي حاتم
252
وأخرج الطبري: بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس.
وقال عبد الرزاق: نا معمر عن قتادة في قوله تعالى (لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله.
وإسناده صحيح
وأخرجه الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يقول: إلا على الخاشعين يعني: المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن محمد بن إسحاق... عن ابن عباس (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)، أي الذين ثبت الله.
قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم... ) الآية
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال أشهد بالله لقد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله (وماكان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
واللفظ للبخاري (الصحيح ٨/١٤١ رقم ٤٤٨٦- تفسير سورة البقرة، ب (سيقول السفهاء من الناس…))، ومسلم (الصحيح رقم ٥٢٥- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة).
253
والمراد بالإيمان هنا الصلاة وقد أخرج الطبري عن إسماعيل بن موسى قال أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول الله عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال: صلاتكم نحو بيت المقدس.
وأخرجه من طريق أبي أحمد الزبيري عن شريك به نحوه. وفي إسناده شريك وهو ابن عبد الله النخعي: صدوق يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ت ١٧٧هـ. وأخرجه أحمد (انظر مسائل الخلال ل ١١٢ب). وابن أبي حاتم من طريق شريك به. ورواية ابن أبي حاتم مقرونا مع حديج إلا أن حديج وهو ابن معاوية صدوق يخطئ وبما أن الحديث المتفق عليه السابق شاهد لحديث البراء، فالإسناد حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق... عن ابن عباس (وما كان الله ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي: ليعطينكم أجرهما جميعا.
قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)
تقدم الكلام عن بيان الرحيم في سورة الفاتحة.
قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء... ) الآية
أخرج البخاري بسنده عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري.
(الصحيح ٨/١٧٣ رقم ٤٤٨٩- تفسير سورة البقرة، ب (قد نرى تقلب وجهك في السماء... ).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وكان (أكثر) أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) سورة البقرة الآية: ١٤٤- فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن
قبلتهم التي كانوا عليها). فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب).
واللفظ للطبري. وأخرجه النحاس من طريق بكر بن سهل (الناسخ والمنسوخ ١/٥٨-٥٩)، والبيهقي (السنن الكبرى ٢/١٢-١٣) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي كلاهما عن عبد الله بن صالح به.
254
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عمر، قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه الليلة. وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام. فاستداروا إلى الكعبة.
(صحيح البخاري رقم ٤٤٨٨- التفسير، ب (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول))، (وصحيح مسلم رقم ٥٢٦- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (قد نرى تقلب وجهك في السماء) يقول: قد نرى نظرك إلى السماء.
قوله تعالى (لنولينك قبلة ترضاها)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فلنولينك قبلة ترضاها) وذلك أن الكعبة كانت أحب القبلتين إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقلب وجهه في السماء، وكان يهوي الكعبة، فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها.
وأخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة وابن عباس بنحوه.
وقال الشيخ الشنقيطي قوله تعالى (فلنولينك قبلة ترضاها) بينه قوله بعده (فول وجهك شطر المسجد الحرام).
قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام)
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو سفيان يعني المعمري، عن معمر، عن قتادة، قوله (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: توجه.
(ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وأبو سفيان العمري هو: محمد بن حميد معروف بالرواية عن معمر بن راشد وبرواية أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج عنه (انظر تهذيب الكمال ل ١١٩١).
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (شطر المسجد الحرام) نحوه. وكذا أخرجه بسنده الصحيح عن مجاهد. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (التفسير ص ٥٠). وإسناده صحيح.
وقال الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: سمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم
255
تؤمروا بدخوله. قال: قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكني سمعته يقول: أخبرني، أسامة بن زيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين، وقال: هذه القبلة.
(ورجاله ثقات إلا يحيى بن سعيد بن أبان الأموي صدوق فالإسناد حسن. وعطاء هو ابن أبي رباح كما قرر الحافظ ابن حجر في مقدمة (العجاب في بيان الأسباب).
وقال الطبري: حدثنا، أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عميرة بن زياد الكندي، عن علي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: شطره: قبله.
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الفضل بن دكين عن إسرائيل به، ثم قال وروي عن البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة نحو ذلك. وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٢٦٩)، والبيهقي (السنن الكبرى ٢/٣)، من طريق سفيان الثورى عن أبي إسحاق السبيعي به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير وقال: هذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد ابن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم (التفسير ١/٣٣٥)، وانظر تفسير ابن أبي حاتم (٢ رقم ٦١-٦٥).
قوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي: تلقاءه.
قوله تعالى (وإن الذين أُوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم)
انظر الآية (١٤٦) بعد التالية.
قوله تعالى (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم تابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين)
هذه الآية مبينة ومؤكدة لقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى)
الآية (١٢٠) من هذه السورة.
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) يقول: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة.
256
انطر تفسير آية (٧٥) من السورة نفسها وهو حديث البخاري عن ابن عمر رجم اليهود اللذين زنيا.
قوله تعالى (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن فريقا منهم) قال: من أهل الكتاب.
وأخرج بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) فكتموا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ولكل وجهة هو موليها) قال: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم الله أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي القبلة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس، وصلاتهم إلى الكعبة.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ولكل وجهة) قال: لكل صاحب ملة. (وجهة) قبلة (هو موليها) قال: هو مستقبلها.
قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (فاستبقوا الخيرات) يقول: سارعوا في الخيرات. (يأت بكم الله جميعا) يعني: يوم القيامة.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاستبقوا الخيرات) يقول: لا تغلبن على قبلتكم.
قوله تعالى (ومن حيث خرجت فول وجوهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم)
انظر الآية السابقة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لئلا يكون للناس عليكم
حجة يعني به أهل الكتاب حين قالوا صرف محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الكعبة، وقالوا اشتاق
الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجتهم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) قال: هم مشركوا العرب.
قالوا -حين صرفت القبلة إلى الكعبة-: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. قال الله تعالى (فلا تخشوا الناس واخشوني).
ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن أبي العالية قوله (إلا الذين ظلموا منهم) يعني: مشركي قريش، يقول أنهم سيحتجون عليكم بذاك.
وأخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا الذين ظلموا منهم) قوم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال مجاهد: حجتهم، قولهم: قد راجعت قبلتنا.
قوله تعالى (ولأتم عليكم نعمتي ولعلكم تهتدون)
لقد أنجز الله وعده وأتم شرائع الدين كما قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) المائدة: ٣.
قوله تعالى (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم)
وأخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم) كما فعلت بكم فاذكروني.
وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، ثنا محمد بن خلف العسقلاني، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر حدثني الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يعني: محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ا. هـ. وإسناده جيد، تقدم نحوه في المقدمة.
قوله تعالى (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يقول الله تعالى:
أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تَقرب إلي شِبراً تقربتُ إليه ذراعاً؛ وإن تقرب إليَّ ذِراعاً تقْربتُ إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلة".
(الصحيح- التوحيد، ب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ح ٧٤٠٥، وأخرجه مسلم في (صحيحه ٤/٢٠٦١ ح ٢٦٧٥- الذكر، ب الحث على ذكر الله تعالى).
وأخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدرى وأبي هريرة أنهما شهدا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
(الصحيح رقم ٢٧٠٠- الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار).
وقال الإمام أحمد: ثنا روح ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس ثنا أبو رجاء العطاردي قال خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده فقال إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أنعم الله عز وجل عليه بنعمة فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال روح ببغداد: يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
(المسند ٤/٤٣٨). ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأبو رجاء العطاردي هو عمران بن ملحان.
وذكره ابن كثير عند قوله تعالى (واشكروا لي ولا تكفرون) (التفسير ١/٣٤١).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره، ويعذب من كفره يعني قوله (فاذكروني أذكركم).
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال: قال أبو عثمان النهدي: إني لأعلم حين يذكرني ربي، قالوا: وكيف ذاك؟
قال: إن الله يقول (فاذكروني أذكركم) فإذا ذكرت الله ذكرني.
(المصنف ١٣/٥٤٧). ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وثابت هو ابن أسلم البناني معروف بالرواية عن أبي عثمان النهدي وبرواية حماد بن سلمة عنه. (انظر تهذيب الكمال ٤/٣٤٤). وأبو عثمان النهدى هو عبد الرحمن بن مل من كبار التابعين.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة)
وانظر الروايات الواردة تحت قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) الآية (٤٥) من هذه السورة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول، في قوله (واستعينوا بالصبر والصلاة) قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف
غشية ظنوا أن نفسه فيها فخرجت امرأته أم كلثوم أبي المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين من الصبر والصلاة، قال: فلما أفاق قال: أغشى علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم إنه أتاني ملكان في غشيتي هذه، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، قال: فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر، فقال: أين تريدان؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به بنيه ما شاء الله قال: فعاش شهرا ثم مات.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرزاق به بنحوه وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/٢٦٩).
وأخرج مسلم بسنده عن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عجبا لأمر
المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر.
فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له".
(الصحيح رقم ٢٩٩٩- كتاب الزهد والرقائق، بيان المؤمن أمره كله خير).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان المروزي، أبنا ابن المبارك، أبنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: الصبر: اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر.
(في إسناده ابن لهيعة وهو عبد الله بن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه، وعطاء بن دينار لم يسمع من سعيد بن جبير. أما بالنسبة لابن لهيعة فقد روى عنه ابن المبارك وهو أحد العبادلة، ورواية العبادلة عنه صحيحة قبل الإحتراق، وأما بالنسبة لعطاء بن دينار فإنه يروي تفسير سعيد بن جبير وجادة لأنه وجد هذا التفسير في ديوان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهو الذي أمر سعيد بن جبير أن يفسر القرآن (الجرح والتعديل ٦/٣٣٢). والوجادة احتج بها المحدثون. وباقي رجاله ثقات إلا عبدة صدوق فالإسناد حسن والله أعلم
قوله تعالى (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما جاء في صحيح مسلم أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تهوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحد من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلي الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى -لما يرون من ثواب الشهادة- فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون.
(التفسير ١/٣٤٢)، وانظر (صحيح مسلم- ك الأمارة - ب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم ١٨٨٧).
قال الطبري حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الشهداء على بارق، نهر باب الجنة، في قبة خضراء -وقال عبدة في روضة خضراء- يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً.
وذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ولكن عند ربهم يرزقون) ثم قال: وهو إسناد جيد. وهو كما قال، وعنعنة ابن إسحاق محمولة على الاتصال لأنه صرح بالسماع فيما أخرجه الحاكم عن طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري به، وصححه وسكت عنه الذهبي (المستدرك ٢/٧٤) وأخرجه الإمام أحمد عن طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به (المسند رقم ٢٣٩٠)، وقال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد ٥/٢٩٨)، وصححه السيوطي في الجامع الصغير مع فيض القدير (٤/١٨٠ ح ٤٩٥٦)، وحسنه الألبانى (صحيح الجامع الصغير ٣/٢٣٥، ٢٣٦)، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند
قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)
قال ابن كثير: أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده: أي يختبرهم ويمتحنهم كما قال تعالى (ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) سورة محمد: ٣١، فتارة بالسراء وتارة بالضراء من خوف وجوع كما قال تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) سورة النحل، ١١٢، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، ولهذا قال لباس الجوع والخوف وقال ههنا (بشيء من الخوف والجوع) أي بقليل من ذلك.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا، قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال (وبشر الصابرين) ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا).
وقال أحمد: حدثنا عبد الوهاب في تفسير سعيد، عن قتادة قال: لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب على بطنه الحجر ليقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها.
(الزهد ص ٣١-٣٢)، وإسناده حسن.
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة وهشام وحماد بن سلمة كلهم عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل حتى يبتلي الرجل على قدر دينه فان كان صلب الدين اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب ذلك أو قدر ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.
262
(المسند ص ٢٩-٣٠ رقم ٢١٥). ورجاله ثقات إلا عاصم بن أبي النجود صدوق له أوهام وإسناده حسن، وأخرجه ابن سعد (الطبقات الكبرى ٢/٢٠٩)، وابن أبي شيبة (المصنف ٣/٢٣٣)، وأحمد (المسند رقم ١٤٨١ والزهد ص ٥٣)، وابن منيع وابن أبي عمرو والنسائي في الكبرى (انظر المقاصد الحسنة ص ٦٠)، والدورقي (مسند سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ص ٨٧ رقم ٤١)، وعبد بن حميد (المنتخب ١/١٨٠ رقم ١٤٦)، والدارمي (السنن- الرقاق، ب أشد الناس ابتلاء ٢٠/٣٢٠).
والترمذي (السنن - الزهد، ب ما جاء في الصبر على البلاء رقم ٢٣٩٨)، وابن ماجة (السنن- الفتن، ب الصبر على البلاء رقم ٤٠٣٣)، وأبو يعلى (المسند ٢/١٤٣ رقم ١٤٢)، والبزار (البحر الزخار ٣/٢٥٣ رقم ١١٥٤)، وابن حبان (موارد الظمآن رقم ٥٩٩)، والدارقطني (العلل ٤/٣١٥-٣١٨ رقم ٥٩٠)، والطحاوي (مشكل الآثار ٣/٦١- ٦٢)، وبحشل (تاريخ واسط ٢٥٣)، والحاكم (المستدرك ١/٤١)، والبيهقي (السنن الكبرى ٣/٣٧٢)، والبغوي (شرح السنة ٥/٢٤٤)، وأبو نعيم الأصفهاني (حلية الأولياء ١/٣٦٨)، والخطيب البغدادي (تاريخ بغداد ٣/٣٧٨) كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود به. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نعلم رواه عن سعد بهذا اللفظ إلا مصعب وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة منهم حماد والعلاء بن المسيب وهاشم صاحب الدستوائي وغيرهم. ا. هـ. ولكن أخرجه الطحاوي أيضاً من طريق سماك عن مصعب به (مشكل الآثار ٣/٦٢).
وقال الدارقطني: ورواه القاسم بن مالك والمحاربي عن العلاء بن المسيب عن ابن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد... ورواه أيضاً سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن سعد حدث به عن شريك والمحفوظ حديث عاصم عن مصعب (العلل ٤/٣١٦-٣١٨). وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجة ٢/٣٧١ رقم ٣٢٤٩)، وأخرجه ابن حبان من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد بنحوه (موارد الظمآن رقم ٦٩٨)، ولكن المسيب لن يسمع من سعد (انظر تهذيب التهذيب ١٠/١٥٣). وله شواهد منها ما أخرجه ابن ماجة (السنن رقم ٤٠٢٤)، والحاكم (المستدرك ٤/٣٠٧)، والبيهقي (السنن الكبرى ٣/٣٧٢) عن أبي سعيد الخدري بنحوه. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال البوصيري. هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات... (مصباح الزجاجة ٣/٢٤٨).
قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) قال: أخبر الله سبحانه وتعالى أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة،
263
كتب الله له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى.
وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته وأحسن عقابه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه.
كما ثبت في فضل الاسترجاع ما أخرجه مسلم بسنده عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر أبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت أرسل إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقالت: إن لي بنتاً وأنا غيور فقال أما ابنتها فندعوا الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة.
(الصحيح- ك الجنائز، ب ما يقال عند المصيبة رقم ٩١٨).
وانظر استرجاع ابن عباس في تفسير سورة البقرة آية (٤٥).
قوله تعالى (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة) يقول: فالصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا.
وقوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
أخرج الشيخان عن عروة بن الزبير أنه قال (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما. فقالت عائشة: لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لايطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما
جاء الإسلام سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فأنزل الله (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما).
(صحيح البخاري - التفسير، سورة البقرة، ب (إن الصفا والمروة) رقم ٤٤٩٥)، (وصحيح مسلم - ك الحج، ب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن رقم ١٢٧٧).
قال الإمام أحمد: ثنا شريح قال: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجزئ قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعى يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي.
(المسند ٦/٤٢١-٤٢٢). وأخرجه أيضاً من طريق موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة (المسند ٦/٤٣٧)، وفي الطريق الأول عبد الله بن المؤمل، وفي الطريق الثاني موسى بن عبيدة وكلاهما ضعيف وله شاهد في الصحيح، وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى بين الصفا والمروة وأمر أصحابه بذلك. (انظر صحيح البخاري- ك الحج، ب ما يلبس المحرم من الثياب- والأردية والإزر رقم ١٥٤٥)، (وصحيح مسلم- ك الحج، ب بيان وجوه الإحرام... رقم ١٤٣) فالإسناد حسن لغيره وصححه الألباني. (صحيح الجامع الصغير ١/٣٢٧). وذكره ابن كثير بطريقيه ثم قال: وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه، وقيل إنه بواجب وليس بركن، وقيل بل مستحب... والقول الأول أرجح لأنه عليه السلام طاف بينهما وقال: لتأخذوا عنى مناسككم، فكل ما فعله في حجته تلك واجب لابد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل (التفسير ١/٣٤٧).
وأخرج مسلم من حديث جابر الطويل وفيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فرغ من طوافه بالبيت رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلي الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله "أبدأ بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا.
(الصحيح - ك الحج، ب حجة النبي رقم ١٢١٨).
انظر الآية رقم (٢٣٣) من السورة نفسها عند قوله تعالى (فلا جناح عليهما).
قوله تعالى (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم) قال: من تطوع خيرٌ له، تطوع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانت من السنن.
قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً أبداً (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى... إلي... الرحيم).
(الصحيح- ك الحرث والمزارعة- في الغوص ح ٢٣٥٠)، أخرجه مسلم في (صحيحه- ك فضائل الصحابة- ب من فضائل أبي هريرة ح ٢٤٩٢).
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما اللاعنون ولكنه أشار إلى ذلك في قوله (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويلعنهم اللاعون) قال: اللاعنون: البهائم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويلعنهم اللاعنون) : من ملائكة الله ومن المؤمنين.
قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتاده في قوله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله فلم يكتموه ولم يجحدوا به، أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم.
قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار... ) يعني بالناس أجمعين: المؤمنين.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة به.
قوله تعالى (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (خالدين فيها... ) يعني: في النار، في اللعنة لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
وبه في قوله (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) قال: هو كقوله (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (المرسلات ٣٥، ٣٦).
قوله تعالى (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المُسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)
قال الترمذي: حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن أبي زياد القداح، كذا قال عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم).
(جامع الترمذي (٥/٥١٧ ح ٣٤٧٨- ك الدعوات، ب ٦٥) وأخرجه أبو داود في سننه (٢/٨٠ ح ١٤٩٦) وابن ماجه (٢/١٢٦٧ ح ٣٨٥٥) وأحمد في المسند (٦/٤٦١) والدارمي في السنن (٢/٤٥٠) وابن أبي حاتم (التفسير - آل عمران/١ ح ٤) من طرق، عن عبيد الله بن زياد به. قال الترمذي حسن صحيح. وقال السيوطي: صحيح (الجامع الصغير مع فيض القدير ١/٥١٠ ح ١٠٣٢). وحسنه الألباني (صحيح الجامع رقم ٩٩١)، وكذا حسنه الدكتور حكمت بشير في تحقيقه لابن حاتم. والحديث وإن تكلم فيه البعض لأجل شهر بن حوشب وعبيد الله بن أبي زياد، فإن له شاهداً من حديث أبي أمامة مرفوعاً: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة، وآل عمران، وطه". وأخرجه ابن ماجة (رقم ٣٨٥٦) والحاكم في المستدرك (١/٥٠٦)، وعزاه الألباني لجماعة آخرين، منهم: أبو عبد الله القرشي في (الفوائد) وزاد: قال القاسم أبو عبد الرحمن: فالتمست في البقرة فإذا هو في آية الكرسي (لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي آل عمران فاتحتها (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) ثم قال الألباني: وهذا إسناد حسن. (الصحيحة ٢/٣٨٣ ح ٧٤٦). قال البوصيري: عن إسناد ابن ماجه: فيه غيلان، لم أر لأحد فيه كلاماً لا بجرح ولا توثيق، وباقي رجال الإسناد ثقات. قلت: وغيلان هو ابن أنس، قال عنه ابن حجر: مقبول وقد تابعه عبد الله بن العلاء بن زبر عند أبي الله القرشي الماضي سياقه وغيره، فيكون حديث أبي أمامة هذا حسناً إن شاء الله، وهو شاهد قوي يعضد حديث أسماء بنت يزيد المتقدم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم ووكيع وأحمد (كما في ابن كثير) بسند حسن عن أبي الضحى في قول الله (وإلهكم إله واحد) قال: لما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا: إن محمداً يقول: إلهكم إله واحد، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله تعالى (... إن في خلق السموات والأرض... لآيات لقوم يعقلون).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عطاء بن أبي رباح نحوه.
وأبو الضحى: مسلم بن صبيح تابعي وعطاء تابعي والمرسلان يقوي أحدهما الآخر ولهما حكم الرفع.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن في خلق السموات والأرض) الآية.
لم يبين هنا وجه كونهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر. كقوله: (أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) وقوله: (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. ولقد زينا السماء الدنيا. بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين. وأعتدنا لهم عذاب السعير) وقوله في الأرض: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور).
قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار) لم يبين هنا وجه كون اختلافهما آية، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون؟ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون؟ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي مالك -غزوان الغفاري- (الفلك) قال: السفينة.
أخرج الطيالسي (المسند رقم ١٠٨٩) وأحمد (المسند ٤/١١، ١٢) والطبراني (المعجم الكبير ١٩/٢٠٨ رقم ٢٠٨) كلهم من طريق وكيع بن عدس عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله كيف يحيى الله الموتى؟ قال: أما مررت بوادي ممحل ثم مررت به خضراً؟ قال: بلى. قال: فكذلك النشور أو قال: كذلك يحيى الله الموتى.
وهذا لفظ الطيالسي وفي سنده وكيع بن عدس مقبول ولكن قد توبع في رواية ابن أبي حاتم فأخرجه من طريق سليمان بن موسى عن أبي رزين، والإسناد حسن. وأخرجه الحاكم من الطريق نفسه وصحيحه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/٥٦٠).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وتصريف الرياح والسحاب المسخر) قال: قادر والله ربنا على ذلك، إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) لم يبين هنا كيفية تسخيره، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون)
وقوله (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله).
قوله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)
أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال. قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك.
تقدم تخريجه عند الآية (٢٢).
وانظر الآية رقم (٢٢) من السورة نفسها.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله عز وجل (يحبونهم كحب الله) يقول: يحبون تلك الأوثان كحب الله. أي كحب الذين آمنوا ربهم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وعن مجاهد بسند صحيح نحوه.
قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) يقول: لو قد عاينوا العذاب.
وأخرج أيضاً بسنده الحسن عن قتادة قوله (العذاب) أي: عقوبة الآخرة.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) الآية. المراد بالذين ظلموا: الكفار وقد بين ذلك بقوله في آخر الآية (وما هم بخارجين من النار) ويدل لذلك قوله تعالى عن لقمان مقرراً له (يا بنَيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقوله جل وعلا: (والكافرون هم الظالمون) وقوله: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين).
قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا)
قال: تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة إذ رأت العذاب.
وأخرج أيضاً بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا) قال: هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشر والشرك (من الذين اتبعوا) وهم الأتباع والضعفاء.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا) الآية.. أشار هنا ألي تخاصم أهل النار. وقد بين منه غير ما ذكر هنا في مواضع أخر كقوله (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم أبي بعض
القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً.
وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب)
قال: المودة.
وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٧٢).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) قال: هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا.
قوله تعالى (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: فقالت الأتباع: لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا.
وبه عن أبي العالية.. يقول الله (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) يقول: أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم يوم القيامة.
وأخرج الطبري والحاكم عن ابن مسعود في قصة ذكرها فقال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلي بيت في الجنة وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، قال: فيرى أهل النار الذين في الجنة، فيقال لهم: لو عملتم! فتأخذهم الحسرة قال: فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم.
وهذا لفظ الطبري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/٤٩٦-٤٩٨) وأحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري.
قوله تعالى (يا أيها الناس كلوا مما الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)
أخرج مسلم (الصحيح - كتاب الجنة باب ١٦ رقم ٢٨٦٥) عن عياض بن حمار المجاشعي في الحديث القدسي: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم...
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (خطوات الشيطان) يقول: عمله.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: خطيئته.
وعن قتادة بسند حسن قال: خطاياه.
وقد بين في الآية التالية أنواعاً من خطوات الشيطان فقال: (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
قال الشخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) لم يبين هنا هذا الذي يقولونه عليه بغير علم، ولكنه فصله في مواضع أخر فذكر أن ذلك الذي يقولونه بغير علم هو: أن الله حرم البحائر والسوائب ونحوها، وأن له أولاداً، وأن له شركاء، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. فصرح بأنه لم يحرم ذلك بقوله: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) وقوله: (وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله) الآية. وقوله: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً) الآية وقوله: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) إلي غير ذلك من الآيات. ونزه نفسه عن الشركاء المزعومة بقوله: (سبحانه وتعالى عما يشركون) ونحوها من الآيات، ونزه نفسه عن الأولاد
المزعومة بقوله: (قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه) الآية. ونحوها من الآيات فظهر من هذه الآيات تفصيل ما أجمل في اسم الموصول الذي هو (ما)، من قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
قوله تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك من قولهما (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (بل نتبع ما ألفينا) : أي ما وجدنا.
قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للكافر، يقول: مثل هذا الكافر كمثل هذه البهيمة التي لا تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها، فكذلك الكافر يقال له ولا ينتفع. بما يقال له.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (صم بكم عمي) يقول: صم عن الحق فلا يسمعونه، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه، عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (صم بكم عمي) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه.
وانظر الآية رقم (١٧) من السورة نفسها.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله)
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر. أشعث، أغبر. يمد يديه إلي السماء. يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟.
(الصحيح- الزكاة- باب ١٩ ح ١٠١٥).
وأخرج البخاري تعليقاً (الصحيح- الأطعمة، باب ٥٦ ج ٩ ص ٥٨٢) عن أبي هريرة مرفوعاً: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر".
وقد وصله الحافظ ابن حجر من طرق كثيرة وفيها من المتابعات والشواهد التي تدل على ثبوته.
(تغليق التعليق ٤/٤٩١-٤٩٣).
قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله)
قال ابن كثير: وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) وحديث العنبر في الصحيح. وفي المسند والموطأ والسنن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته". اهـ.
وصححه الترمذي (السنن- الطهارة ١/١٠٠، ١٠١) وصححه البخاري فيما سأله الترمذي عنه (علل الترمذي ١/١٣٦) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/١٤٠) وقال البيهقي حديث صحيح (المعرفة ١/١٥٢) وقال البغوي: صحيح متفق على صحته (شرح السنة ٢/٥٥) وصححه ابن الملقن ونقل تصحيح ابن الأثير، وقال ابن كثير: إسناده جيد (التفسير ٦/١٢٦). والألباني (صحيح سنن ابن ماجة ١/٦٧) وفي السنة تخصيص آخر وهو ما أخرجه أحمد (المسند رقم ٥٧٢٣) وابن ماجة (السنن- الصيد- باب صيد الجراد والحيتان).
عن ابن عمر مرفوعاً: أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال.
وقد روي موقوفاً وهو أصح وله حكم الرفع.
وصححه الألباني، (سلسلة الأحاديث الصحيحة ١١١٨).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) قال: ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية: ما ذكر عليه غير اسم الله.
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله؛ أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول، عام الفتح، وهو بمكة: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام".
فقيل: يا رسول الله. أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا. هو حرام". ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عند ذلك: "قاتل الله اليهود. إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها. أجملوه ثم باعوه. فأكلوا ثمنه".
(الصحيح (٣/١٢٠٧ ح ١٥٨١- ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر والميتة..).
الحديث فيه زيادة تشريع، حيث لم يقتصر التحريم على تناول عين تلك المحرمات، بل حرم بيعها أيضاً. كل ذلك إبعاد للأمة من التلبس بتلك القازورات بأي وجه من الوجوه إلا ما استثني من دباغ جلود الميتة.
قال الترمذي: حديثا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم قال: ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة.
275
حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، حدثنا أبو النضر، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار نحوه.
(السنن (٤/٧٤ح١٤٨٠- ك الأطعمة، ب ما قطع من الحي فهو ميت) وأخرجه أحمد من طريق عبد الصمد وحماد بن خالد عن عبد الرحمن. قال الترمذي: حديث حسن غريب... والعمل على هذا عند أهل العلم. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/٢٣٩) وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٥/٤٦١)، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير ٥/١٥٠-١٥١). وانظر تفصيل الكلام على طرق هذا الحديث في (البدر المنير ٢/١٨٠-١٩٢).
قوله تعالى (... فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب اضطراره، ولم يبين المراد بالباغي والعادي، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن سبب الاضطرار المذكور المخمصة، وهي الجوع وهو قوله (فمن اضطر في مخمصة) وأشار أبي أن المراد بالباغي والعادي المتجانف للإثم، وذلك في قوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم) والمتجانف المائل، ومنه قول الأعشى:
تجانف عن حجراليمامة ناقتي... وما قصدت من أهلها لسوائكا
فيفهم من الآية أن الباغى والعادي كلاهما متجانف لإثم، وهذا غاية ما يفهم منها.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن اضطر) يعني: إلى شيء مما حرم (غير باغ ولا عاد) يقول: من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى.
أخرج آدم بن أبي، إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (غير باغ ولا عاد) يقول: غير قاطع سبيل، ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية الله عز وجل.
قوله تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب... ) قال: هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والإسلام وشأن محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونعته. اهـ. والعبرة بعموم اللفظ.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة نحوه.
276
وبه عن أبي العالية قوله: (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم.
قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)
وبه عن أبي العالية في قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) : اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة.
وبه عن أبي العالية في قوله (فما أصبرهم على النار) قال: ما أصبرهم وأجرأهم على عمل أهل النار.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار.
انظر الآية رقم (١٦) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) يقول: هم اليهود والنصارى. في عداوة بعيدة.
انظر الآية رقم (١٣٧) من السورة نفسها.
قوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: كانت اليهود تقبل قبل المغرب، وكانت النصارى تقبل قبل المشرق، فقال الله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقة العمل.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة نحوه.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله.
انظر سورة لقمان آية (٣٤).
قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هل هذا المصدر مضاف إلي فاعله فيكون الضمير عائدا إلى المال ولكنه ذكر في موضع آخر لم يدل على أن المصدر مضاف إلى فاعله وأن المعنى على حبه أي حب مؤتي المال لذلك المال وهو قوله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ولا يخفى أن بين القولين تلازما في المعنى.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن مسعود (وآتى المال على حبه) أي: يؤتيه وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخشى الفقر.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٧٢).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى".
(صحيح البخاري- الزكاة، ب ١١ رقم ١٤١٩)، (وصحيح مسلم- الزكاة، ب ٣١ رقم ١٠٣٢) وقوله تعالى (ذوي القربى)
قال ابن خزيمة: حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن حميد ابن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة -، قال سفيان: وكانت قد صلّت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلتين- قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
(صحيح ابن خزيمة (٤/٧٨ ح ٢٣٨٦- ك الزكاة، ب فضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) وأخرجه الحاكم في (المستدرك ١/٤٠٦) من طريق معمر وابن عيينة عن الزهري به.
وقال الحاكم: هدا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي في (المجمع ٣/١١٦) للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح. ونقل في حاشية (المطالب العالية (١/٢٥٧) قول البوصيري: رواه الطبراني بسند صحيح. وقال الألباني: صحيح (الإرواء ٣/٤٠٤)، وقال محقق صحيح ابن خزيمة: إسناده صحيح.
278
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون قال أنا هشام عن حفصة عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة".
(المسند ٤/١٨)، وأخرجه الحميدي (المسند ص ٣٦٢ و٣٦٣)، والترمذي (السنن - الزكاة رقم ٦٥٨)، وابن ماجة (السنن - الزكاة رقم ١٤٩٤)، والحاكم (المستدرك ١/٤٠٧) كلهم عن سلمان بن عامر، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن كثير في التفسير، والألباني في صحيح سنن الترمذي، وابن ماجة). وله شاهد في الصحيح من حديث زينب امرأة عبد الله (صحيح البخاري -الزكاة - في الزكاة على الزوج والأيتام ح ١٤٦٦).
وقوله تعالى (واليتامى)
تقدم حديث: "لا يتم بعد احتلام" عند الآية (٨٣).
وقوله تعالى (والمساكين)
تقدم بيانه عند الآية (٨٣) أيضاً وهو حديث: "ليس المسكين الذي ترده
اللقمة... ".
وقوله تعالى (وابن السبيل)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين.
وقوله تعالى (وفي الرقاب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان في قول الله: (وفي الرقاب) قال: هم المكاتبون.
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله ابن سعيد (وهو ابن أبي هند). حدثني إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله، بكل إرب منها، إرباً منه من النار".
(الصحيح (٢/١١٤٧ ح ١٥٠٩- ك العتق).
الحديث يبين عظم فضل تحرير الرقاب.
279
وقوله تعالى (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) فمن أعطى عهد الله ثم نقضه، انتقم منه، ومن أعلى ذمة رسول الله ثم غدر بها فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصمه يوم القيامة.
قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".
(الصحيح ١/٨٩ ح ٣٣، ٣٤- ك الإيمان، ب علامة المنافق) وأخرجه مسلم في صحيحه (١/٧٨ح٨٥، ٥٩)
الحديث يدل على أن الوفاء بالعهد من علامات الإيمان.
وقوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس)
أخرج عبد الرزاق والطبري وابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد، وحين البأس قال: حين القتال.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا مالمراد بالبأس؟ ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البأس القتال، وهو قوله (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا) كما هو ظاهر من سياق الكلام.
قوله تعالى (أولئك الذين صدقوا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (أولئك الذين صدقوا) يقول: تكلموا بكلام الإيمان وحققوا بالعمل.
280
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان في بنى إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله عز وجل لهذه الأمة: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) فالعفو أن يقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) بالمعروف ويؤدى بإحسان (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) وكتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) قتل بعد قبول الدية.
وأخرج البخاري (الصحيح -العلم، باب ٣٩ رقم ١١١) ومسلم (الصحيح- الحج، باب فضل المدينة رقم ١٣٧٠) عن علي رضى الله عنه مرفوعاً: لا يقتل مسلم بكافر.
وقد نص الإمام إسماعيل القاضي الجهضمي في كتابه (أحكام القرآن) على الجمع بين هذه الآية وقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فقال: الجمع بين الآيتين أولى فتحمل النفس على المكافئة.
(انظر الصحيح ١٢/١٩٨).
قوله تعالى (والأنثى بالأنثى)
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والأنثى بالأنثى) وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن كانوا يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى: (النفس بالنفس والعين بالعين) فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد سواء رجالهم ونساءهم، في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد، في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم.
281
وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال: فرماها يهودي بحجر. قال: فجيء بها إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبها رَمق.
فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلان قتلك"؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها قال: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها فقال لها في الثالثة: فلان قتلك؟ فخفضت رأسها.
فدعا به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقتله بين الحجرين.
(الصحيح- ك الديات، ب إذا كل بحجر أو بعصا.. ح ٦٨٧٧)، قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف)
وأخرج البخاري عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فأبوا فعرضوا الأرش، فأبوا فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس.
كتاب الله القصاص". فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".
(الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم ٤٥٠٠).
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (فاتباع بالمعروف) قال: يتبع الطالب بالمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بالإحسان.
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن عفي له من أخيه شيء)
قال: إذا قتل الرجل عمداً، ثم أخذت منه الدية فقد عفى له عن القتل.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن عفي له من أخيه شيء) وهو العفو عن الدم وأخذ الدية. ثم قال (فمن اعتدى) يقول: بعد أخذه الدية (فله عذاب أليم).
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى (فمن اعتدى بعد ذلك) قال: هو القتل بعد أخذ الدية. يقول: من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل، لا تقبل منه الدية.
282
قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي الجوزاء قال (القصاص) القرآن.
ويشهد له ما تقدم في الصحيح عن أنس: كتاب الله: القصاص.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح بسنده قتادة في قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) قال: جعل الله في القصاص حياة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية نحوه.
قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إن ترك خيراً) يعني: مالاً.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين) : فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم، إلا وصية إن كانت للأقربين، فأنزل الله بعد هذا (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) فبين الله سبحانه ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.
أخرج البخاري (الصحيح- الوصايا- ب ٢ رقم ٢٧٤٢) ومسلم (الصحيح-الوصية- ب الوصية بثلث رقم ١٦٢٨) عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال: "يرحم الله ابن عفراء". قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث والثلث كثير.
وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: إن الله أعطى كل ذي حق حقه لا وصية لوارث.
(أخرجه أحمد (المسند٤/١٨٧) والترمذي وقال: حسن صحيح (السنن- الوصايا- ب ما جاء لا وصية لوارث رقم ٢١٢١) وذكره الحافظ ابن حجر له شواهد كثيرة ونقل عن الشافعي أنه متواتر (فتح الباري ٥/٣٧٢). وصححه الألباني وقال: إنه متواتر، نقلاً من السيوطى (الإرواء ح ١٦٥٥).
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
(الصحيح -الوصايا- باب ٦ رقم ٢٧٤٧).
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن بديل، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر (الهوزني عبد الله بن لحي)، عن المقدام، قال: قال رسول الله - ﷺ -: "من ترك كلا فإلىّ. وربما قال: إلى الله وإلى رسوله. ومن ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له: أعقلُ له، وأرثه، والخال وارث من لا وارث له: يعقل عنه، ويرثه".
(السنن ٣/١٢٣) - ك الفرائض، ب في ميراث ذوي الأرحام ح ٢٨٩٩)، وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف ٨/٥١٠) وابن ماجه (٢/٩١٤ ح ٢٧٣٨) وأحمد في مسنده (٤/١٣١، ١٣٣) والطبراني في الكبير (٢٠/٢٦٥ ح ٦٢٦)، والحاكم في المستدرك (٤/٣٤٤) من طرق عن بديل بن ميسرة به. قال أبو زرعة الرازي: حديث حسن (علل ابن أبي حاتم ٢/٥٠ ح ١٦٣٦) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه العلامة ابن القيم رحمه الله، ورد على من تكلم فيه في بحث له نافع (تهذيب السنن ٤/١٧٠-١٧١) وحسنه الألباني (صحيح الجامع ٦١٤٧). هذا مع تصحيح ابن حبان له، حيث أخرجه في صحيحه (الإحسان ٧/٦١١ ح ٦٠٠٣).
قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) وقد وقع أجر الميت على الله وبرئ من إثمه.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه) قال: من بدل الوصية بعد ما سمعها فإن إثم ما بدل عليه.
قوله تعالى (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن خاف من موص جنفاً) يعني: إثماً، يقول: إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه) قال: هذا حين يُحضر الرجل وهو يموت فإذا أسرف أمروه بالعدل، وإذا قصر قالوا: افعل كذا، اعط فلاناً كذا.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: يرد من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً". فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً".
(الصحيح (٤/١٠٢ ح ١٨٩١) - كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان..) وأخرجه مسلم (١/٤٠-٤١ ح ١١) - ك الإيمان، ب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإيمان).
أخرج البخاري عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة رقم ٥٤٠٤).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) : أهل الكتاب.
قوله تعالى (أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)
أخرج البخاري (الصحيح- الصوم، باب ٣٤ ح ١٩٤٤) ومسلم (الصحيح- الصيام، باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر ح ٨٨) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس.
قال أبو عبد الله البخاري: والكديد ماء بين عسفان وقديد.
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر".
(الصحيح- الصوم، باب ٣٣ ح ١٩٤٣).
أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو معاوية، عن عاصم، عن مورق، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كنا مع الني - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر".
(الصحيح (٣/٧٨٨ ح ١١١٩- ك الصيام، ب أجر المفطر في السفر إذا تولى لعمل).
وانظر الأحاديث الآتية عند الآية (١٨٥) من السورة نفسها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن شاء تابع وإن شاء فرق لأن الله يقول: (فعدة من أيام أخر).
286
أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصوم.
أخرج البخاري عن ابن عمر قرأ (فدية طعام مساكين) قال: هي منسوخة.
(الصحيح- الصوم- ب ٣٩ ح ١٩٤٩).
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
(الصحيح- التفسير، ب ٢٦ ح ٤٥٠٧).
وثبت عن ابن عباس أنه يرى عدم النسخ ففد أخرج البخاري بسنده عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكيناً.
(الصحيح- التفسير- سورة البقرة، ب ٣٥ ح ٤٥٠٥).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يتصدق بكل يوم نصف صاع.
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (فمن تطوع يراً) فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له وأن تصوموا خير لكم.
قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن... )
أخرج البخاري عن ابن عمر يقول: قال النبي - ﷺ -: "الشهر هكذا وهكذا، وخنس الإبهام في الثالثة".
(الصحيح- الصوم، ب ١١ ح ١٩٠٨).
287
أخرج البخاري عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا". يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
(الصحيح- الصوم، ب ١٣ ح ١٩١٣).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) لم يبين هنا هل أنزل في الليل أو النهار؟ ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه أنزل في ليلة القدر من رمضان وذلك في قوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)...
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقوله (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقد أنزل الله قرآناً في شوال وذي القعدة وغيره. قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.
وقوله تعالى (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين".
(صحيح البخاري- الصوم، ب ٥ ح ١٨٩٩)، (وصحيح مسلم- الصيام، ب فضل شهر رمضان ح ٧٥٨). وهذا الحديث بيان بعض أفراد الآية.
قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
أخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له".
(صحيح البخاري- الصوم، ب ١١ ح ١٩٠٦)، (وصحيح مسلم- الصيام ح ٧٦٠).
وقوله تعالى (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر)
انظر الآية السابقة رقم (١٨٤).
288
قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر -جعفر بن إياس اليشكري- عن عبد الله بن شقيق، عن رجاء بن أبي رجاء، عن محجن، قال أخذ محجن بيدي حتى انتهينا إلى مسجد البصرة... فذكر الحديث أبي أن قال: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي حتى انتهينا إلى سدة المسجد، فإذا رجل يركع ويسجد ويركع ويسجد فقال لي: "من هذا"؟ فقلت: هذا فلان، فجعلت أطريه وأقول: هذا هذا، فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تسمعه فتهلكه". ثم انطلق بي حتى بلغ باب حجره، ثم أرسل يدي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير دينكم أيسره". قالها ثلاثاً.
(المسند ص ١٨٣ ح ١٢٩٥-١٢٩٦) وأخرجه أحمد في المسند (٥/٣٢)، والبخارى في الأدب المفرد (١/٤٣٣ ح ٣٤١)، والطبراني في المعجم الكبير (٢٠/٢٩٦ ح ٧٠٤)، والمزي في تهذيبه (٩/١٦٠) -من طريق الطبراني- أربعتهم من طريق أبي عوانة. وأخرجه أحمد في المسند (٤/٣٣٨)، والطبراني في الكبير (ح ٧٠٥)، كلاهما من طريق شعبة، كلاهما -شعبة وأبو عوانة- عن أبي بشر به نحوه. قال الحافظ العراقى: إسناد جيد (تخريج الإحياء ١/٤٠). وقال الهيثمى: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا رجاء، وقد وثقه ابن حبان. (مجمع الزوائد ٣/٣٠٨) قلت: ووثقه أيضاً العجلي (تاريخ الثقات ص ١٦٠ رقم ٤٤٠). ورمز السيوطي للحديث بالحسن (الجامع الصغير مع فيض القدير ٢/٢٣٦)، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح ١٧٦٩).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال: اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر.
أخرج البخاري عن أنس مرفوعاً: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".
(الصحيح- العلم- باب ١١ ح ٦٩) وأخرجه مسلم في صحيحه (٣/١٣٥٩ ح ١٧٣٤).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن زيد بن أسلم في قوله (ولتكبروا الله على ما هداكم) قال: التكبير يوم الفطر.
289
قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع... )
انظر تفسير آية ١٥٢.
وأخرج البخاري (الصحيح- الجهاد- باب ١٣١ ح ٢٩٩٢) ومسلم (الصحيح- الذكر- باب ١٣ ح ٢٧٠٤، بسنديهما عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا، ارتفعت أصواتنا فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده".
واللفظ للبخاري. أخرج البخاري (الصحيح- الدعوات، باب ٢٢ ح ٦٣٤٠) ومسلم (الصحيح في الذكر والدعاء، باب ٢٥ ح ٢٧٣٥) بسنديهما عن أبي هريرة مرفوعاً: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي".
وفي صحيح مسلم عنه بلفظ: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ".
(الصحيح ٣/٣٥-٣٦ ح ١١٤٥- ك التهجد، ب الدعاء والصلاة من آخر الليل). وأخرجه مسلم (١/٥٢١- ك صلاة المسافرين، ب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل).
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن. أخبرنا محمد بن يوسف عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقل رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر".
(جامع الترمذي (٥/٥٦٦ ح ٣٥٧٣- ك الدعوات، ب في انتظار الفرج وغير ذلك) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقال الحافظ ابن حجر: صحيح (فتح الباري ١١/٩٦).
290
وقال الألباني- حسن صحيح (صحيح الترمذي ح ٢٨٢٧) وقال مرة: إسناده حسن. (صحيح الأدب المفرد ص ٢٦٤/حاشية). وللحديث شاهد من رواية أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه -، أخرجه أحمد في (المسند ٣/١٨)، والبخاري في الأدب المفرد (رقم ٧١٠ ب ما يدخر للداعي من الأجر والثواب)، وأبو يعلى في مسنده (٢/٢٩٦ ح ١٠١٩)، والطبراني في الدعاء (٢/٨٠١-٨٠٢ ح ٣٥-٣٧).
والحاكم في المستدرك (١/٤٩٣)، من طرق، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد به نحوه، وفيه زيادة خصلة ثالثة وهي: وإما أن يدخر له في الآجرة. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد... ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي: لأحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني، ثم قال: ورجال أحمد وأبي يعلي وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة (مجمع الزوائد ١٠/١٤٨- ١٤٩). وقال الحافظ ابن عبد البر: محفوظ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث أبي سعيد الخدري (تجريد التمهيد ص٥٣، والتمهيد ٥/٣٤٣). وقال الألباني. صحيح (صحيح الأدب المفرد رقم ٥٤٧/٧١٠).
وقال في حاشية الكتاب المذكور: إسناد حديث أبي سعيد صحيح، وصححه الحاكم والذهبي، وأقره الحافظ. يعني: ابن حجر في (الفتح) في الموضع المذكور عاليه.
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار. حدثنا أبي عاصم. حدثنا الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".
حدثنا علي بن حجر. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائى عن يحيى ابن أبي كثير بهذا الإسناد نحوه: وزاد فيه: "مستجابات لا شك فيهن".
(السنن ٥/٥٠٢ ح ٣٤٤٨- ك الدعوات، ب ٤٨) وأخرجه الطيالسي في مسنده (رقم ٢٥١٧) وأبو داود في سننه (٢/١٨٧ ح ١٥٣٦) وابن ماجه في سننه (٢/١٢٧٠ ح ٣٨٦٢)، والبخارى في الأدب المفرد (١/١٠٣ ح ٣٢- ب دعوة الوالدين) وأحمد في المسند (٢/٢٥٨) وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٤/١٦٧ ح ٢٦٨٨) كلهم من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى به مثله. واختلف في تعيين (أبي جعفر) راويه عن أبي هريرة، وقد نقل الشيخ الألباني الخلاف في ذلك، وخلص إلى أنه: إما مجهول أو منقطع أو مرسل، إلا أن الحديث حسن لغيره، وذلك لوجود شاهد له من حديث عقبة بن عامر عند أحمد وغيره (انظر: السلسلة الصحيحة ٢/١٤٧-١٤٩ح ٥٩٦). والحديث قال عنه الترمذي: حسن. وحسنه كذلك الحافظ ابن حجر -فيما نقله الشيخ الألباني عنه في المصدر السابق- وحسنه الشيخ الألباني -كما مضى- (صحيح الأدب المفرد ٢٤/٣٢، صحيح الجامع ح ٣٠٣١) وصححه الشيخ أحمد شاكر (حاشية المسند رقم ٧٥٠١).
291
قوله تعالى (... لعلهم يرشدون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (لعلهم يرشدون) يعني يهتدون.
قوله تعالى (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنهم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم)
أخرج البخاري بسنده عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: "أعندك طعام؟ " قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه الآية (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود).
(الصحيح- الصوم- باب ١٥- ح ١٩١٥).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (الرفث) : الجماع.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) قال: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن.
وصحيحه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٧٥).
أخرج البخاري بسنده عن البراء - رضي الله عنه -: "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم).
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب ٢٧ ح ٤٥٠٨).
292
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في قوله تعالى ذكره: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حُرِّم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله: (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن) يعني: انكحوهن، (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر).
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر. قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر. أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن (وهو ابن معمر بن حزم الأنصاري أبو طوالة) أن أبا يونس مولى عائشة أخبره عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رجلاً جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله! تدركني الصلاة وأنا جنب. أفأصوم؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم" فقال: لست مثلنا. يا رسول الله! قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: "والله! إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم. بما أتقى".
(الصحيح ٢/٧٨١ ح١١١٠- ك الصيام، ب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب).
فيه بيان جواز الجماع ليلة الصيام حتى يتبين الصبح كالأكل والشرب.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المباشرة: هو الجماع ولكن الله يكني.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ومجاهد (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الولد.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (وابتغوا ما كتب الله لكم) قال: الرخصة التي كتبت لكم.
293
قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر... )
قال البخاري: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "تسحروا، فإن في السحور بركة"
(الصحيح ٤/١٣٩ ح ١٩٢٣- كتاب الصيام، باب بركة السحور من غير إيجاب) وأخرجه مسلم (٢/٧٧٠ ح ١٠٩٥).
أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد قال: أنزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ولم ينزل (من الفجر) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعده (من الفجر) فعلموا أنما يعني: الليل من النهار.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة، ب ٢٨ ح ٤٥١١).
قال الترمذي: حدثنا هناد. حدثنا ملازم بن عمرو. حدثني عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق. حدثني أبي طلق بن علي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر".
(جامع الترمذي ٣/٧٦ ح ٧٠٥- ك الصوم، ب ما جاء في بيان الفجر)، وأخرجه أبو داود (٢/٣٠٤ ح ٢٣٤٨) وأحمد في مسنده (٤/٢٣) والطبراني في الكبير (٨/٤٠٣-٤٠٤ ح ٨٢٥٧) وابن خزيمة في صحيحه (٣/٢١١ ح ١٩٣٠)، والدارقطى في سننه (٢/١٦٦ ح ٧) كلهم من طريق عبد الله بن النعمان به. وعند الدارقطني والطبراني قصة وقعت بين عبد الله بن النعمان وقيس بن طلق، وهو عند أحمد مختصر بلفظ: "ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر". قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وغمزه الدارقطني بقيس بن طلق، وتوقف ابن خزيمة في صحته لعدم معرفته عبد الله بن النعمان بعدالة ولا جرح. وقد رد الشيخ الألبانى ذلك فقال عن قيس بن طلق: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، ووهاه أبو حاتم، وقال الحافظ: صدوق. قال: فمثله حسن الحديث إن
294
شاء الله تعالى إن لم يخالف. ثم رأيت الذهبي ذكر عن ابن القطان أنه قال: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً. فالحمد لله على توقيفه (الصحيحه ٥/٥٠-٥١)، وأما عبد الله بن النعمان، فقال: وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقد روى عنه ثقتان... فحاله قريب من حال شيخه قيس بن طلق، ولكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به، أخرجه الطحاوي (١/٣٢٥). وجملة القول: أن الحديث حسن. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب مرفوعاً نحوه... (الصحيحة ٥/٥١). وقال لي حاشية ابن خزيمة: إسناده حسن.
أخرج البخاري (الصحيح -الصوم- باب ١٦ ح ١٩١٦) ومسلم (الصحيح -الصيام- ح ١٠٩٠) عن عبدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار".
أخرج الطبري وأحمد (المسند ٥/٤٠٥) بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه".
وقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلي الليل)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوصال في الصوم".
(الصحيح -الصوم- باب ٤٩ ح ١٩٦٥).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
(الصحيح ٤/١٩٨ ح ١٩٥٧- ك الصيام، ب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره)، وأخرجه مسلم (٢/٧٧١ ح ١٠٩٨).
أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
(الصحيح -الصوم، ب ٤٣ ح ١٩٥٤).
295
قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)
قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: "وإن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا الحاجة إذا كان معتكفاً".
(الصحيح ٤/٢٧٣ ح ٢٠٢٩- ك الصيام، ب لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان). وأخرجه مسلم (١/٢٤٤ ح ٢٩٧).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) في رمضان أو في غير رمضان فحرم الله أن ينكح النساء ليلاً ونهاراً حتى يقضي اعتكافه.
قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (تلك حدود الله) يعني: طاعة الله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد (لعلهم يتقون) قال: يطيعون.
قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وتدلوا بها إلى الحكام) قال: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم آكل حراماً.
أخرج البخاري عن أم سلمة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنكم تخَتصمون إليَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها".
(الصحيح- الشهادات، ب من أقام البينة ح ٢٦٨٠) ومسلم (الصحيح -الأقضية، ب الحكم بالظاهر ح ١٧١٣)
296
وذكره ابن كثير ثم قال: فدلت هذه الآية وهذا الحديث أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً هو حرام ولا يحرم حلالاً هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره.
قال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم".
(المسند ٥/٤٢٥). وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ٧/٥٨٧ ح ٥٩٤٦)، والبيهقي في سننه (٦/١٠٠)، كلاهما من طريق سليمان بن بلال، عن سهيل به. وقد وقع في إسناد البيهقي: عبد الرحمن بن سعد (بدل) عبد الرحمن بن سعيد، وقال البيهقي: هو ابن سعد بن مالك، وسعد بن مالك هو أبو سعيد الخدري، ورواه أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان، فقال: عبد الرحمن بن سعيد... يعنى: كما في رواية أحمد وابن حبان.
وقد رجح الشيخ الألباني رواية (عبد الرحمن بن سعيد) وأنه: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع أبو محمد المدني (إرواء الغليل ٥/٢٨٠). ولعل الصواب عبد الرحمن بن سعد، وهو ابن أبي سعيد الخدري كما ذهب البيهقي، وذلك أن عبد الرحمن بن سعيد هو المعروف بالرواية عن أبي حميد، ولم أقف على من ذكر عبد الرحمن بن سعيد في الرواة عن أبي حميد. وقد وقع اختلاف آخر في إسناد هذا الحديث، وبين البيهقي في السنن (٦/٩٧) ذلك الخلاف، ثم روى، إسناده عن علي بن المديني -إمام العلل- أنه قال: الحديث عندي حديث سهيل -يعنى المتقدم عاليه عند أحمد وابن حبان- (السنن ٦/١٠٠)، وكذا نقله عن ابن المديني: ابن حجر رحمه الله (التلخيص الحبير ٣/٤٦). وقال عنه الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٤/١٧١). وهذا من الأدلة أيضاً على ترجيح القول بـ (عبد الرحمن بن سعيد) ؛ لأن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ليس من رواة الصحيح وقال عنه الشيخ الألباني: صحيح (الإرواء ٥/٢٧٩). وله شواهد عدة تنظر في (الإرواء) و (التلخيص الحبير ٣/٤٦)، غير أن حديث أبي حميد أصح ما في الباب، كما في (التلخيص)، لابن حجر. علماً أن لفظ حديث أبي حميد عند ابن حبان والبيهقي: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه.....".
قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج... )
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) يقول: جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدة نسائهم ومحل دينهم.
وأخرجه الطبري بنحوه بسند حسن عن قتادة. فيتقوى المرسل.
وبه إلى أبي العالية (قل هي مواقيت للناس والحج) يقول: مواقيت لحجهم ومناسكهم.
انظر حديث البخاري ومسلم عن ابن عمر المتقدم عند الآية (١٨٥) من السورة نفسها، وهو حديث "لا تصوموا حتى تروا الهلال... ".
قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها)
أخرج البخاري بسنده عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها).
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب ٢٩ ح ٤٥١٢). وأخرجه مسلم بسنده عن البراء بلفظ: "كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها... ).
(الصحيح- التفسير ح ٣٠٢٦).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولكن البر من اتقى) يصرح هنا بالمراد بمن اتقى، ولكنه بينه بقوله: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).
قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا... )
قال البخاري: حدثنا عثمان قال أخبرنا جرير عن عصفور عن أبي وائل عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضباً ويقاتل حمية. فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع رأسه إلا أنه كان قائماً- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل".
(الصحيح ١/٢٢٢ ح ١٢٣- ك العلم، ب سأل وهو قائم عالماً جالساً). وأخرجه مسلم (٣/١٥١٢ ح ١٩٠٤).
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبى أسامة: حدثكم عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل النساء والصبيان".
(الصحيح ٦/١٤٨ ح ٣٠١٥- ك الجهاد، ب قتل النساء في الحرب). وأخرجه مسلم (الصحيح ٣/١٣٦٤ ح ١٧٤٤- ك الجهاد، ب تحريم قتل النساء والصبيان).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) لأصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمروا بقتال الكفار.
أخرج مسلم عن بريدة مرفوعاً: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً".
(الصحيح -الجهاد- باب ٢ ح ١٧٣١).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولا تعتدوا) يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم.
قوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل... )
بين الله تعالى أن هذا الأمر في الحرب حيث قال في سورة الأنفال: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) آية: ٥٧.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (والفتنة أشد من القتل) يقول: الشرك أشد من القتل.
وصح عن قتادة كما في تفسير عبد الرزاق.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من القتل.
قوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) قال: نسخها قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن مجاهد (فإن قاتلوكم) في الحرم (فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين)، لا تقاتل أحداً فيه، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه".
(الصحيح ٤/٥٩ ح ١٨٤٦- ك جزاء الصيد، ب دخول الحرم ومكة بغير إحرام).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) يعني: الحرم. (حتى يقاتلوكم فيه) يقول: إن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم (كذلك جزاء الكافرين).
قوله تعالى (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن مجاهد (فإن انتهوا) : فإن تابوا (فإن الله غفور رحيم).
قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) يقول: شرك.
قال البخاري: وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بُكير عبد الله حدثه عن نافع "أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: با أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي، بُني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن. ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله)، (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) قال: فعلنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه: إما قتلوه، وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
(الصحيح ٨/١٨٣-١٨٤ ح ٤٥١٤- ك التفسير- سورة البقرة- نفس التبويب).
قوله تعالى (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قوله (فلا عدوان إلا على الظالمين) يعني على من أبى أن يقول: لا إله إلا الله.
وصح عن قتادة ومجاهد كما في الطبري ويؤكد ما ذكره هؤلاء رواية الإمام مسلم، عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله".
(الصحيح- الإيمان- باب ٨ ح ٣٢).
قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص... )
أخرج أحمد (المسند ٣/٣٤٥) عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغْزَوْا، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ.
(وصحح إسناده ابن كثير في التفسير والحافظ ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٦٦).
وأخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ومقسم والضحاك وعطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) قال: فخرت قريش بردِّها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية محرماً في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القعدة فقضى عمرته، وأقصه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية. واللفظ لمجاهد.
قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل وليس لهم سلطان يقهر المشركين. وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يجازى منهم أن يجازى بمثل ما أتي إليه، أو يصبر أو يعفو فهو أمثل. فلما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية.
قال ابن كثير: وقوله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أمر بالعدل حتى في المشركين كما قال (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به).
قوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)
أخرج البخاري بسنده عن حذيفة (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال: نزلت في النفقة.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب ٣١ ح ٤٥١٦).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم، وأبو داود (المسند ص ٥٩٩) والترمذي (السنن- تفسير سورة البقرة ح ٢٩٧٢) والنسائي في تفسيره والحاكم (المستدرك ٢/٢٧٥) وصححه ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح ٢٣٧٣).
واللفظ للطبري عن أسلم أبي عمران التجيي قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، قال: وصففنا صفاً عظيماً من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلاً، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها، فأمرنا بالغزو.
فما زال أبو أيوب غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله.
وسيأتي مزيد من الأحاديث في فضل الإنفاق في سبيل الله عند الآيات التي ذكرت فضل الإنفاق في سبيل الله في هذه السورة.
وفي قوله (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فيه حث على الإحسان وهو لمصلحة المحسن كما قال تعالى (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم).
قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وأتموا الحج والعمرة لله) يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، فليس له أن يحل حتى يتمها، تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حلّ من إحرامه كله، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حلّ.
انظر حديث مسلم تحت الآية (١٢٥) من سورة البقرة، وهر حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه:
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "قدمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبطحاء وهو منيخٌ فقال: أحججت؟ قلت نعم. قال: مما أهللت؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل. فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قيس ففلت رأسي، ثم أهللت بالحج، فكنت أفت به حتى كان في خلافة عمر فقال: إن أخذنا بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام، وإن أخذنا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه لم يحل حتى يبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه".
(الصحيح ٣/٧٢٠ ح ١٧٩٥- ك العمرة، ب متى يحل المعتمر).
قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله)
ساق البخاري عند ذكره لهذه الآية قول عطاء: الإحصار من كل شيء يحبسه.
وذكر وصله الحافظ ابن حجر وقال: وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم. فقال كثير منهم: الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك حتى أفتى ابن مسعود رجلاً لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه.
وقال النخعي والكوفيون: الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو (فتح الباري ٣/٤). والحديث أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من كسر أو عرج فقد حل".
(أخرجه أبو داود (السنن- الحج ح ١٨٨٢) والترمذي (السنن- الحج ح ٩٤٠) وابن ماجه (السنن- المناسك ح ٣٠٧٧) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه). وصححه الحاكم ووفقه الذهبي (المستدرك ١/٤٧٠).
304
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الحصر) الحبس كله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن عباس أنه قال: (الحصر) حصر العدو.
(صححه الحافظ ابن حجر فتح الباري ٤/٣).
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قد أحصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر قابلاً.
(الصحيح- المحصر- باب ١ ح ١٨٠٩).
أخرج البخاري بسنده عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ضباعة بنت الزبير فقال لها: "لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني".
(الصحيح- النكاح- باب ١٥ ح ٥٠٨٩).
أخرج الطبري بأسانيد ثابتة عن ابن عمر (فما استيسر من الهدي) قال: الإبل والبقر.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، وإنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت. فقال: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هديه، وحلق رأسه. وأشهدُ كم أني قد أوجبت العمرة إن شاء الله، أنطلق، فإن خلِّىَ بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا معه. فأهل بالعمرة من ذي الحليفة، ثم سار ساعة، ثم قال: إنما شأنهما واحد، أشهدُ كم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي. فلم يحل منهما حتى دخل يوم النحر وأهدى، وكان يقول: لا يحل حتى يطوف طوافاً واحداً يوم يدخل مكة.
(الصحيح٤/٤ ح ١٨٠٧ - ك الحج، ب إذا أحصر المعتمر).
305
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك. وحدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهما زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حَلوا بعمرة ولم تَحلل أنت من عمرتك؟
قال: "إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر".
(صحيح البخاري ٣/٤٩٣ ح ١٥٦٦- ك الحج، ب التمتع والقرآن والإفراد)، وأخرجه مسلم (٢/٩٠٢ ح ١٢٢٩- ك الحج، ب القارن لا يتحلل إلا وقت تحلل المفرد).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) يقول: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه. فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة، فلا قضاء عليه. ثم قال: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله)، فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه؟ فقال: "لا حرج لا حرج".
(الصحيح- الحج- باب الذبح قبل الحلق ح ١٧٢١).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن علقمة (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) فإن عجل فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك.
قال إبراهيم: فذكرته لسعيد بن جبير. فقال: هذا قول ابن عباس وعقد بيده ثلاثين.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (حتى يبلغ الهدي محله) ومحله مكة فإذا بلغ الهدي مكة حل من إحرامه وحلق رأسه، وعليه الحج من قابل وذلك عن عطاء بن أبي رباح.
306
قوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)
أخرج البخاري (الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب ٣٢ ح ٤٥١٧) ومسلم (الصحيح -الحج- باب ١٠ ح ٨١) عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف عليه ورأسه يتهافت قملاً فقال: أيؤذيك هوامك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق رأسك. قال: ففي نزلت هذه الآية (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صم ثلاثة أيام أو تصدق بعذق بين ستة مساكين أو انسك ما تيسر". واللفظ لمسلم.
وفي رواية لمسلم بلفظ: "احلق رأسك ثم اذبح شاة نُسكاً".
(الصحيح- الحج ح ٨٤).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن كان منكم مريضاً) يعني بالمرض: أن يكون برأسه أذى أو قرح.
أخرج الطبري بأسانيد عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح أنهما قالا: ما كان في القرآن أو كذا، أو كذا فصاحبه بالخيار أي ذلك شاء فعل.
(وصححه الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (٥/٢٠٦).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: النسك بمكة أو بمنى.
قوله تعالى (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي من لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال "تمتع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
307
مكة قال الناس: "من كان منكم أهدى فانه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله... " الحديث.
(الصحيح ٣ /٦٣٠ ح ١٦٩١- ك الحج، ب من ساق البدن معه)، وأخرجه مسلم (٢/٩٠١ ح ١٢٢٧- ك الحج، ب وجوب الدم على المتمتع... ).
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة، حدثنا أبو جمرة قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم. قال: وكأن ناساً كرهوها، فنمت فرأيت في المنام كأن إنساناً ينادي: حج مبرور، ومتعة متقبلة. فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فحدثته، فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال: وقال آدم ووهب بن جرير وغندر عن شعبة (عمرة متقبلة، وحج مبرور).
(الصحيح ٣/٥٣٤ ح ١٦٨٨- ك الحج، ب (فمن تمتع العمرة إلى الحج... ).
وقال البخاري: وقال أبو كامل فضيل بن حسين البصري، حدثنا أبو معشر، حدثنا عثمان بن غياث، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن متعة الحج فقال: "أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي"، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب، وقال: "من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله". ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال الله تعالى (فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) إلى أمصاركم، الشاة تجزى، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنّه نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
308
وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم".
(الصحيح ٣/٤٣٣ ح ١٥٧٢- ك الحج، ب قول الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض، وكانوا يسمون المحرم صفر ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر، حلّت العمرة لمن اعتمر. قال فقدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رابعة مهلين بالحج وأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعلوها عمرة، قالوا: يا رسول الله أي الحلّ؟ قال: "الحل كله".
(الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- باب أيام الجاهلية ح ٢٨٣٢).
وقد ساق الحافظ ابن حجر، هذا الحديث في أسباب نزول هذه الآية في (العجاب في بيان الأسباب).
أخرج البخاري بسنده عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينزل قرآن يُحرمه ولم ينه عنها حتى مات.
(الصحيح - تفسير سورة البقرة، ب ٣٣ ح ٤٥١٨)، وأخرجه مسلم في صحيحه (٢/٩٠٠ ح ١٧٢).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن علقمة (فإذا أمنتم) : فإذا برأتم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن عروة في قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) قال يقول: إذا أمنت حين تحصر من كسرك من وجعك فعليك أن تأتى البيت فتكون متعة لك أبي قابل، ولا حل لك حتى تأتي البيت.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج.
309
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) من يوم الفطر إلى يوم عرفة فعليه ما استيسر من الهدي.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فمن لم يجد) يعني الهدي إذا كان متمتعاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن سعيد بن جبير أنه قال في المتمتع: إذا لم يجد الهدي صام يوماً قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) آخرهن يوم عرفة من ذي الحجة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن عكرمة قال: صيام ثلاثة أيام يعني أيام العشر من حين يحرم آخرها يوم عرفة.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير إن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة ح ٤٥٢١).
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر مرفوعاً: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
(الصحيح- الحج- باب ١٠٤ ح ١٦٩١).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وسبعة إذا رجعتم) قال: هي رخصة إن شاء صامها في الطريق وإن شاء صامها بعد ما يرجع إلى أهله.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) يقول: المتعة لأهل الأمصار ولأهل الآفاق وليس على أهل مكة.
310
قوله تعالى (الحج أشهر معلومات... )
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال:... وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم.
(الصحيح- الحج، ب ٣٧ ح ١٥٧٢).
أخرج الطبري والحاكم عن ابن عمر قال: (الحج أشهر معلومات) قال: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٧٦) وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح ٣/٤٢٠).
قوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عمر (فمن فرض فيهن الحج) قال: من أهلّ بالحج.
أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
(صحيح البخاري- الحج، ب ٤ ح ١٥٢١)، (وصحيح مسلم- الحج ح ١٣٥٠).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (فلا رفث) التعريض بذكر الجماع.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس (الرفث) الجماع.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الرفث) إتيان النساء والتكلم بذلك.
أخرج البخاري (الصحيح- الإيمان ح ٤٨) ومسلم (الصحيح- الإيمان ح ٦٤) عن عبد الله ابن مسعود مرفوعاً: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الفسوق) إتيان معاصي الله في الحرم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال (الفسوق) المعاصي.
311
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر (الجدال في الحج) السباب والمراء والخصومات.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (الجدال) أن تماري صاحبك حتى تغضبه.
وقوله تعالى (وما تفعلوا من خير يعلمه الله)
يبينه قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) سورة الزلزلة آية (٧).
قوله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى... )
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
(الصحيح- الحج، ب ٦ ح ١٥٢٣).
قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم)
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) في مواسم الحج.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة، ب ٣٤ ح ٤٥١٩).
أخرج أحمد: عن أبي أمامة التيمى قال: قلت لابن عمر: إلا قوم نكرَى فهل لنا حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعرَّف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ فقلنا بلى، قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) إلى آخر الآية، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتم حجاج".
(المسند ح ٦٤٣٤)، وأخرجه أبو داود (السنن- المناسك، ب الكرى ح ١٧٣٣)، والطبري وابن أبي حاتم وعبد الرزاق والحاكم في (المستدرك ١/٤٤٩) وصححه ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: وهو قوي جيد (التفسير ١/٣٤٩). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند).
312
قوله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين)
انظر الآية رقم (٢٣٣) من السورة نفسها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن المعرور بن سويد قال رأيت ابن عمر حين دفع من عرفة كأني أنظر إليه، رجل أصلع على بعير له يوضع وهو يقول: إنا وجدنا الإفاضة الإيضاع.
والإيضاع: أن يعد الرجل بعيره ويحمله على العدو الحثيث.
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري
عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحج عرفات، الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاث (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج.
قال ابن أبي عمر: قال سفيان بن عيينة، وهذا أجود حديث رواه الثوري.
(جامع الترمذي ٥/٢١٤ ح ٢٩٧٥) وأخرجه أبو داود (٢/٤٨٥ ح ١٩٤٩) والنسائي (٥/٢٥٦) وابن ماجة (رقم ٣٠١٥) والحاكم في المستدرك (٢/٢٧٨)، من طرق عن بكير بن عطاء به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم. حديث صحيح ولم يخرجاه وصحح إسناده الحافظ ابن كثير (التفسير ١/٣٥٠). وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم ٢٤٤١).
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع. ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر، يعني الشعبي، عن عروة بن مضرس الطائي؛ أنه حج، على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلم يدرك الناس إلا وهم يجمع.
قال، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: يا رسول الله!. إني أنضيت راحلتي.
وأتعبت نفسي. والله! إن تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟
فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من شهد معنا الصلاة، وأفاض من عرفات، ليلاً أو نهاراً فقد قضى تفثه وتم حجه".
313
(السنن ٢/١٠٠٤ ح ٣٠١٦- ك المناسك، ب من أتي عرفة في الفجر…)، وأخرجه أبو داود (٢/٤٨٦ ح ١٩٥٠)، والنسائي (٥/٢٦٣)، والترمذي (٣/٢٢٩ ح ٨٩١)، وأحمد في المسند (٤/٢٦١) من طرق، عن الشعبي به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم ٢٤٤٢)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عمرو بن ميمون قال: سألت عبد الله ابن عمرو عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت يدي رواحلنا بالمزدلفة قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عمر: (المشعر الحرام) : المزدلفة كلها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد قوله (لمن الضالين) قال: لمن الجاهلين.
قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله... )
قال الشيخ الشنقيطي: عند قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) لم يبين هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة (حيث)، التي هي كلمة تدل على المكان كما تدل (حين) على الزمان، ولكنه يبين ذلك بقوله (فإذا أفضتم من عرفات).
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحُمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس).
(الصحيح- تفسير سورة البقرة ح ٤٥٢٠)، وأخرجه مسلم في صحيحه (٢/٨٩٣-٨٩٤ ح ١٢١٩).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه بأنه قال: "سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص".
314
قال هشام والنص فوق العنق. قال أبو عبد الله: فجوة: متسع، والجمع فجوات وفجاء، وكذلك ركوة وركاء. مناص: ليس حين فرار.
العنقُ. سير مسبطِر للإبل والدابة (القاموس المحيط باب: ع ن ق). (الصحيح ٣/٥١٨ ح ١٦٦٦ كَ الحج، ب السير إذا دفع عن عرفة).
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير إن لم يتيسر له فعليه ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعاً الذي يبيتون به ثم ليذكر الله كثيراً، وأكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا، ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون، وقال الله تعالى: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) حتى ترموا الجمرة.
(الصحيح ح ٤٥٢١- ك التفسير، سورة البقرة، ب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس).
قوله تعالى (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم... ) قال: إهراقه الدماء.
وبه عن مجاهد (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم)
قال: تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك.
أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يقفون في المواسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم فأنزل الله تعالى على نبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) يعني: ذكر آبائهم في الجاهلية أو أشد ذكراً.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عطاء بن أبي رباح (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) قال: هو الصبي أول ما يلهج من الكلام يا أبه، يا أمه.
قوله تعالى (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق)
أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً فأنزل الله فيهم (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا) يعني: نصراً ورزقاً. ولا يسأل لآخرته شيئاً.
قوله تعالى (ومنهم من يقول ربنا آتنا الدنيا حسنة والآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
أخرج البخاري بسنده عن أنس: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
(الصحيح- تفسير سورة البقرة- باب ٣٦ ح ٤٥٢٢).
قال مسلم: حدثنا أبو الخطاب، زياد بن يحيى الحساني. حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت، عن أنس؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟. "قال: نعم. كنت أقول: اللهم! ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبحان الله! لا تطيقه -أو لا تستطيعه- أفلا قلت: اللهم! آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" قال، فدعا الله له. فشفاه.
(الصحيح ٤/٢٠٦٨-٢٠٦٩ ح ٢٦٨٨- ك الذكر والدعاء.. ، ب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) قال: هذا عبد نوى الآخرة لها شخص ولها أنفق ولها عمل وكانت الآخرة هي سدمه وطلبته ونيته.
قوله تعالى (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب)
أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم والحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: إني آجرت نفسي من قوم على أن أخدمهم ويحجوا بي فقال ابن عباس: هذا من الذين قال الله (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٤٨١).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد (سريع الحساب) إحصاء سريع الإحصاء.
قوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (واذكروا الله في أيام معدودات) يعني أيام التشريق.
أخرج مسلم بسنده عن نبيشة الهذلي مرفوعاً: أيام التشريق أيام أكل وشرب.
(الصحيح -الصيام- ٢٣ ح ١١٤).
قوله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى... )
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فمن تعجل في يومين) بعد يوم النحر (فلا إثم عليه) يقول: من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه (ومن تأخر فلا إثم عليه) في تأخره فلا حرج عليه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عطاء بن أبي رباح في التعجل في يومين: أي في النهار يخرج قال: إذا زالت الشمس إلى الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لمن اتقى) معاصي الله عز وجل.
قوله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله، أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس: لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة، فقال رجال من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في بيوتهم، ولا أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين، وما أصاب أولئك النفر من الشهادة والخير من الله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي: ما يظهر بلسانه من الإسلام (ويشهد الله على ما في قلبه) أي: من النفاق (وهو ألد الخصام) أي: ذو جدال إذا كلمك وراجعك (وإذا تولى) أي: خرج من عندك (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) أي: لا يحب عمله ولا يرضاه (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد. ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك -يعني هذه السرية-.
أخرج الشيخان عن عائشة مرفوعاً: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
(صحيح البخاري- تفسير سورة البقرة، ب ٣٧ ح ٤٥٢٣) (وصحيح مسلم- العلم، ب الألد الخصم ح ٢٦٦٨).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (ألد الخصام) : ظالم لا يستقيم.
318
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وهو ألد الخصام) : شديد القسوة في معصيته لله جدل بالباطل.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (وإذا تولى) أي خرج من عندك.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (ويهلك الحرث) : الزرع.
(والنسل) قال: نسل كل دابة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن النضر بن عربي عن مجاهد قيل له: يا أبا الحجاج: وكيف هلاك الحرث والنسل؟ قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس بذلك القطر من السماء، فيهلك بحبس القطر الحرث والنسل.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (والله لا يحب الفساد) أي لا يحب عمله ولا يرضى به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت علياً في هذه الآية (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) إلى (والله رؤوف بالعباد) قال علي: اقتتلا ورب الكعبة.
وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بلفظ: اقتتل اقتتل هذان.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد في قول الله (ولبئس المهاد) قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة، فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى هذا بيديه إلى التهلكة، فكتب فيه أبي عمر - رضي الله عنه -، فكتب عمر: ليس كما قالوا هو من الذين قال الله فيهم (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله).
وهذا لفظ ابن أبي حاتم.
319
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني: السرية.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) قال: هم المهاجرون والأنصار.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان) الآية.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (ادخلوا في السلم) قال: ادخلوا في الإسلام جميعاً.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة (في السلم) يعني الموادعة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ادخلوا في السلم كافة) قال: ادخلوا في الإسلام جميعاً (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) يقول: خطاياه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس في قوله (خطوات الشيطان) يقول: عمله.
وينظر تفسير آية (١٦٨) عند قوله تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان).
قوله تعالى (إن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) يعني بالبينات: ما أنزل الله من الحلال والحرام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم، حكيم في أمره.
قوله تعالى (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة)
قال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان، ثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن
مسروق، عن عبد الله بن مسعود (ح) وحدثنا محمد بن النضر الأزدي وعبد الله ابن أحمد بن حنبل والحضرمي، قالوا: ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، ثنا محمد بن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن مسروق بن الأجدع، ثنا عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل الله -عز وجل- في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثم ينادي مناد: أيها الناس ألم ترضوا من ربكم... " فذكر الحديث بطوله في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل، وإعطاء المؤمنين نورهم كل على قدر عمله، وصفة الجنة ونعيمها ودخول المؤمنين إليها... إلخ.
(المعجم الكبير ٩/٤١٦ ح ٩٧٦٣). وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في (السنة ٢/٥٢٠ ح ١٢٠٣)، والحاكم في المستدرك (٢/٣٧٦-٣٧٧)، وابن مردويه في تفسير -كما في تفسير ابن كثير (١/٢٤٨-٢٤٩) من طرق عن المنهال بن عمرو به نحوه. قال ابن منده- وقد أخرجه في كتاب الإيمان. إسناد صحيح (حاشية العلل للدارقطني ٥/٢٤٤) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ووافقه الذهبي.
وقال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق، أحدها صحيح. (الترغيب ٤/٣٩١). وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طرق، رجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني، وهو ثقة. (مجمع الزوائد ١٠/٣٤٣). وحسن إسناده الحافظ الذهبي، قال الألباني عقبه: هو كما قال أو أعلى. ثم نقل عن الذهبي قوله في الأربعين: حديث صحيح. (مختصر العلو ص ١١٠-١١١ ح ٦٩). هذا وقد ذكر الحافظ الدارقطني خلافاً على المنهال بن عمرو في رفع هذا الحديث ووقفه، ثم صحح الحديث من الطريقين الذين رواهما الطبراني، فقال: والصحيح حديث أبي خالد الدالاني وزيد بن أبي أنيسة، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد الله مرفوعاً (علل الدارقطني ٥/٢٤٣-٢٤٤، سؤال رقم ٨٥٤).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام والله تبارك وتعالى يجيء فيما يشاء. وهي في بعض القراءة (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام) وهي كقوله (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا)) الفرقان آية ٢٥.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) وذلك يوم القيامة.
قوله تعالى (سل بني إسرائيل كم آتياهم من آية بينة... ) الآية
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر، وهم اليهود.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة) قال: آتاهم الله آيات بينات: عصى موسى ويده وأقطعهم البحر وأغرق عدوهم وهم ينظرون وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى.
وقوله تعالى (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب)
وبه عن أبي العالية قوله (ومن يبدل نعمة الله) يقول: من يكفر بنعمة الله من بعد ما جاءته. وبنحوه أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد.
قوله تعالى (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا)
بين الله عز وجل المزين لهم في عدة مواطن كما في قوله تعالى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) (النحل آية ٤). وقوله تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء) (فاطر آية ٨). وقوله تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم) (فصلت ٢٥).
قوله تعالى (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن قتادة (والذين اتقوا فوقهم) قال: فوقهم في الجنة.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) لم يبين هنا فوقية هؤلاء المؤمنين على هؤلاء الكفرة، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الآرائك ينظرون) وقوله (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).
قوله تعالى (والله يرزق من يشاء بغير حساب)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن سعيد بن جبير (بغير حساب) قال: لا يحاسب الرب.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ميمون بن مهران (بغير حساب) قال: غدقاً.
قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله (كان الناس أمة واحدة) قال: كانوا على الإسلام كلهم.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد (كان الناس أمة واحدة) قال يعني بالناس: آدم.
أخرج الطبري والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا.
(وصححه الحاكم ووافقه الذهبي المستدرك ٢/٥٤٦). وصحح إسناده ابن كثير في التفسير (١/٢٥٠).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبي بن كعب في قول الله تعالى (كان الناس أمة واحدة) قال: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله يومئذ على الإسلام وأقروا له بالعبودية، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم ثم اختلفوا من بعد آدم (وأنزل معهم الكتاب بالحق) قال: أنزل الكتاب عند الاختلاف.
قوله تعالى (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أُبيَّ قوله (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم من بعد ما جاءتهم البينات.
وبه عن أُبيَّ في قوله (بغيا بينهم) يقول: بغياً على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها، أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس، فبغى بعضهم على بعض فضرب بعضهم رقاب بعض.
وقوله تعالى (فهدى الله الذين آمنوا لا اختلفوا فيه من الحق بإذنه)
اخرج البخاري (الصحيح- الجمعة- باب فرض الجمعة ح ٨٧٦) ومسلم (الصحيح - الجمعة ح ٨٥٥) وأحمد (المسند ٢/٢٧٤) عن أبي هريرة مرفوعاً: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولاً الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا الكتاب من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهذا اليوم الذي هدانا الله له والناس لنا فيه تبع غداً لليهود وبعد غد للنصارى". واللفظ لأحمد.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي بن كعب (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه) يقول: فهداهم الله عند الاختلاف، أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف. أقاموا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف، واعتزلوا الاختلاف، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة. كانوا شهداء على قوم نوح، وقوم هود وقوم صالح، وقوم شعيب، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم.
قوله تعالى (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قول الله تعالى (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يقول: يهديهم للخروج من الشبهات والضلالات والفتن.
قوله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)
ينظر آية (١٧٧) من هذه السورة في قوله تعالى (والصابرين في البأساء والضراء).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأخبر أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال: (مستهم البأساء والضراء).
أخرج البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذِبوا) خفيفة، ذهب بها هناك وتلا (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك فقال: قالت عائشة: معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم. فكانت تقرؤها (وظنوا أنهم قد كذبوا) مثقلة.
(الصحيح- تفسير سورة البقرة ح ٢٥٢٤ و٢٥٢٥)
وفي تفسير سورة يوسف عند قوله تعالى (حتى إذا استيأس الرسل) قال عروة: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من، قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك.
(الصحيح- تفسير سورة يوسف ح٤٦٩٥).
أخرج البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال:
325
"قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
(الصحيح- الإكراه، ب ١ ح ٦٩٤٣).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء) قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي وأصحابه يومئذ بلاء وحصر فكانوا كما قال الله عز وجل (وبلغت القلوب الحناجر).
قوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل... )
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ. بمن تعول".
(الصحيح- النفقات، ب ٢ ح ٥٣٥٦).
وأخرج أحمد (المسند ٢/٤٧١)، وأبو داود (السنن- الزكاة، ب في صلة الرحم ٢/٣٢٠)، والنسائي (الزكاة، ب الصدقة عن ظهر غنى ٢/٦٢)، وابن حبان (موارد الظمآن ح ٨٢٨)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٤١٥) عن أبي هريرة عن رسول الله - ﷺ - أنه قال يوماً لأصحابه: "تصدقوا". فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار. قال: "أنفقه على نفسك" قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على زوجتك". قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على ولدك". قال: إن عندي آخر. قال: "أنفقه على خادمك". قال: إن عندي آخر قال: "أنت أبصر".
وينظر تفسير آية (٨٣ و١٧٧) من هذه السورة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يسألونك ماذا ينفقون) قال: سألوه فأفتاهم في ذلك فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما.
326
قوله تعالى (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)
ينظر تفسير آية (١٩٧) من هذه السورة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (فإن الله به عليم) قال: محفوظ ذلك عند الله عالم به شاكر له وإنه لا شيء أشكر من الله ولا أجزأ بخير من الله.
قوله تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم... ) الآية
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس مرفوعاً: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا".
(صحيح البخاري- الجهاد، ب فضل الجهاد ح ٢٧٨٣)، (وصحيح مسلم- الإمارة، ب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد ح ١٣٥٣).
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة نفاق".
(الصحيح- الإمارة، ب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو)، والبخاري في (الصحيح - الجهاد، ب الغدوة والروحة في سبيل الله ح ٢٧٩٢) ومسلم (الصحيح- الإمارة، ب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله ح ١٨٨١) عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها".
أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن قتادة في قوله (وهو كره لكم) قال: شديد عليكم.
قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يصف هذا الخير هنا بالكثرة وقد وصفه في قوله (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
قوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به... )
أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن جندب بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث رهطاً وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب ينطلق بكى صبابة أبي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجلس. فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش
وكتب له كتاباً وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، فقال: "لا تكرهن أحداً على السير معك من أصحابك". فلما قرأ الكتاب، استرجع، وقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله. فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه. ولم يدروا أن ذلك اليوم من رحب أو من جمادى؟ فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) الآية.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى ٩/١١)، وحسنه الحافظ ابن حجر (العجاب في بيان الأسباب ق ٨٧ ب) وصححه السيوطي في الدر المنثور.
قوله تعالى (والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقسم مولى ابن عباس قوله (والمسجد الحرام) يقول: وصد عن المسجد الحرام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (وإخراج أهله منه) قال: إخراج محمد وأصحابه من مكة أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده المتقدم عن جندب بن عبد الله قوله (والفتنة أكبر من القتل) قال: في الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإخراج أهله منه أكبر عند الله) من ذلك ثم عيَّر المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال (والفتنة أكبر من القتل) أي: الشرك بالله أكبر من القتل.
قوله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) لم يبين هنا هل استطاعوا ذلك أولا؟ ولكنه بين في موضع
328
آخر أنهم لم يستطيعوا، وأنهم حصل لهم اليأس من رد المؤمنين عن دينهم، وهو قوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) الآية.. وبين في مواضع أخر أنه مظهر دين الإسلام على كل دين كقوله في براءة، والصف، والفتح (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عروة بن الزبير (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) يعني: كفار قريش.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن كعب قوله (ومن يرتدد منكم عن دينه) قال: من يرتد عن الحق.
قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن جندب بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رهطاً وبعث عليهم عبد الله بن جحش فقال بعض المشركين: إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم أجر، فأنزل الله عز وجل: (إن الذين آمنوا... ) الآية كلها.
قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما).
أخرج أحمد بسنده عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية في سورة البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أقام الصلاة
329
نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال عمر: انتهينا انتهينا.
(المسند ح ٣٧٨)، وأبو داود (السنن، الأشربة ح ٣٦٧٠)، والترمذي (السنن- التفسير ح ٣٠٤٩)، والحاكم (المستدرك ٢/٢٧٨)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند ونقل ابن كثير تصحيحه عن علي بن المديني، وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - على منبر النبي - ﷺ - يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل".
(الصحيح- تفسير سورة المائدة- باب ١٠ ح ٤٦١٩).
قال مسلم: حدثنا أبو الربيع العتكي وأبو كامل قالا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل مسكر خمر. وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة".
(الصحيح ٣/١٥٨٧ ح ٢٠٠٣- ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قال: الميسر هو القمار.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (قل فيهما إثم كبير) يعني ما ينقص من الدين عند شربها (ومنافع) يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا، (وإثمهما أكبر من نفعهما) يقول ما يذهب من الدين والإثم فيه، أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل فيهما إثم كبير) لم يبين هنا ما هذا الإثم الكبير؟ ولكنه بين في آية أخرى أنه إيقاع العداوة والبغضاء بينهم والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهي قوله (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).
330
قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو... ) الآية
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: العفو ما فضل عن أهلك.
وينظر تفسير آية (٢١٥) من هذه السورة.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال: كان هذا قبل أن تفرض الصدقة.
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح.
أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر. قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر. فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ألك مال غيره؟ " فقال: لا.
فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم.
فجاء بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدفعها إليه. ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فلأهلك. فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك. فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك.
(الصحيح ٢/٦٩٢-٦٩٣ ح ٩٩٧- ك الزكاة، باب الإبتداء في النفقة بالنفس....) وهذا على القول بأن العفو معناه: ما فضل عن مال المسلم.
قوله تعالى (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) قال: يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها.
وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) قال: يقول: لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
331
قوله تعالى (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح... ) الآية
(أخرج أحمد (المسند ح ٣٠٠٢)، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما والنسائي (السنن- الوصايا، باب ما للوصي من مال اليتيم ٥/٢٧٦) والحاكم (المستدرك ٢/٢٧٨) عن ابن عباس قال: لما نزلت (ولا تقربوا هال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) قال: فخالطوهم.
وهذا لفظ أحمد. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح سنن النسائي ح ٣٤٣٠) وحسنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
قوله تعالى (ولو شاء الله لأعنتكم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (ولو شاء الله لأعنتكم) يقول: لو شاء الله لأخرجكم فضيق عليكم ولكنه وسع ويسر فقال (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) سورة النساء آية (٦).
قوله تعالى (ولا تَنْكِحوا المشركات حتى يؤمن)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر عمومه شمول الكتابيات، ولكنه بين في آية أخرى أن الكتابيات لسن داخلات في هذا التحريم، وهي قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فإن قيل الكتابيات لا يدخلن في اسم المشركات بدليل قوله (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) وقوله (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) والعطف يقتضي المغايرة، فالجواب أن أهل الكتاب داخلون في اسم المشركين كما صرح به تعالى في قوله (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين) المائدة آية (٥).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة.
قوله تعالى (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم... ) الآية
أخرج البخاري (الصحيح- النكاح، ب الأكفاء في الدين ح ٥٠٩٠) ومسلم (الصحيح - الرضاع، ب استحباب نكاح ذات الدين ح ١٤٦٦) عن أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح النساء لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".
قوله تعالى (ولا تُنْكحوا المشركين حتى يؤمنوا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الزهري وقتادة في قوله (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) قال: لا يحل لك أن تنْكح يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك.
قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض حتى يطهرن)
أخرج مسلم بسنده عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا. فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى ظننا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فأرسل في آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما.
(الصحيح- الحيض، ب جواز غسل الحائض رأس زوجها ح ٣٠٢)
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) قال: قذر.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله (فاعتزلوا النساء في المحيض) يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن.
أخرج أحمد (المسند ٢١٢١) والدارمي (السنن- الطهارة، ب من قال عليه الكفارة ١/٢٥٥) والبيهقي (السنن الكبرى ١/٣١٧ (والترمذي) السنن، ب الطهارة ح ١٣٧) والنسائي (عشرة النساء ح ٢٢١، ٢٢٢) وأبو يعلى (المسند ح ٢٤٣٢) والطبراني (المعجم الكبير ح ١٢١٣٥) والبغوي (شرح السنة ح ٣١٥) والحاكم (المستدرك ١/١٧١، ١٧٢) كلهم عن ابن عباس قال: "أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يأتي امرأته وهي حائض أن يتصدق بدينار أو نصف دينار".
(وصححه أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي حيث أخرجه من خمسين طريقاً. وصححه الحاكم ووفقه الذهبي. وصححه ابن القطان وابن الملقن. والألباني انظر (مرويات الدارمي التفسير ص ٨٢-٩٨).
قوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن إبراهيم بن المهاجر؛ قال سمعت صفية تحدث عن عائشة؛ أن أسماء سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن غسل المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر. فتحسن الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً.
حتى تبلغ شؤن رأسها. ثم تصب عليها الماء. ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها"
فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: "سبحان الله تطهرين بها" فقالت عائشة (كأنها تخفي ذلك) تتبعين أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: "تأخذ ماء فتطهر، فتحسن الطهور. أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه. حتى تبلغ شؤن رأسها. ثم تفيض عليها الماء". فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
334
(الصحيح ١/٢٦١- ك الحيض، ب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم).
انظر أحاديث أبو هريرة وابن عباس وجابر وغيرهم الآتية عند الآية (١٠٨) من سورة التوبة، في ثناء الله عز وجل على الأنصار في طهورهم.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة "حيث" ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين.
إحداهما: هي قوله هنا (فأتوا حرثكم) لأن قوله (فأتوا) أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله (حرثكم) يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى، لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد، كما هو ضروري.
الثانية: قوله تعالى (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) لأن المراد بما كتب الله لكم الولد على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس يعني قوله (فإذا تطهرن) يقول: إذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء.
أخرج البخاري (الصحيح -الحيض، ب ٥ ح ٣٠٣) ومسلم (الصحيح- الحيض، ب ٣ ح ٢٩٤) عن ميمونة قالت: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض".
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى (فأتوهن من حيث أمركم الله) يقول: طئوهن غير حيّض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن مسروق الأجدع قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: كل شيء إلا الجماع.
أخرج الطبري وان أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس (فأتوهن من حيث أمركم الله) قال: من حيث جاء الدم، من ثم أمرت أن تأتي.
335
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (فأتوهن من حيث أمركم الله) يقول: في الفرج لا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن الشعبي قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ثم قرأ (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
أخرج مسلم (الصحيح- التوبة، ب في الحض على التوبة ح ٢ ص ٢١٠٢) عن أبي هريرة مرفوعاً: "لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها".
قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم... ) الآية
أخرج البخاري (الصحيح- تفسير سورة البقرة ح ٤٥٢٨) ومسلم (الصحيح- النكاح، ب جواز جماعه امرأته في قبلها ١١٧، ١١٨) عن جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم).
(أخرج أحمد (المسند ح ٢٧٠٣)، والترمذي (السنن- تفسير سورة البقرة ح ٢٩٨٠)، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله هلكت. قال: "وما الذي أهلكك"؟ قال: حولت رحلي البارحة. قال: فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة.
(وحسنه الترمذي والألباني في صحيح سنن الترمذي وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٨/١٩١). وذكره الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ٦/٣١٩).
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عبد الرحمن بن مهدى. حدثنا سفيان عن ابن خثيم عن ابن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني صِماماً واحداً.
336
(جامع الترمذي ٥/٢١٥-٢١٦ ح ٢٩٧٩- ك التفسير، ومن سورة البقرة). وأخرجه أحمد في مسنده (٦/٣١٨-٣١٩)، وأبو يعلى في المسند (١٢/٤٠٧ ح ٦٩٧٢)، والطبري في (تفسيره ٢/٣٦٩)، من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي به. وأخرجه أحمد (٦/٣١٨)، والدارمي في (سننه ١/٢٠٤-٢٠٥ ح ١١٢٤)، والبيهقي في سننه (٧/١٩٥) وفيه عندهم قصة. قال الترمذي: هذا حديث حسن... وصححه الألباني على شرط مسلم (آداب الزفاف ص ١٠٣) وللحديث شاهد من رواية ابن عباس - رضي الله عنه -، أخرجه أبو داود في سننه (٢/٦١٨-٦٢٠ ح ٢١٦٤) وفيه تفسير الآية بقوله: أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك: موضع الولد. (وانظر مرويات الدارمي في التفسير ص ١٠١-١٠٢ ح ١٥٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني بالحرث: الفرج، يقول: تأتيه كيف شئتت مستقبله ومستدبره، وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره وهو قوله (فأتوهن من حيث أمركم الله).
قوله تعالى (وقدموا لأنفسكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن عكرمة (وقدموا لأنفسكم) قال: الولد.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (وقدموا لأنفسكم) يقول: طاعة ربكم وأحسنوا عبادته.
قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.
أخرج البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعاً: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير".
(الصحيح- الأيمان والنذور، ب ١ ح ١٦٢٢).
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي خير وليكفر عن يمينه".
(الصحيح- الأيمان، ب ٣ ح ١٣).
قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) وقال (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا قدر هذه الأضعاف الكثيرة، ولكنه بين في موضع آخر أنها تبلغ سبعمائة ضعف وتزيد عن ذلك. وذلك في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ).
انظر سورة الرعد آية (٢٦)، وانظر سورة الإسراء آية (٣٠).
قوله تعالى (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) سلطانه.
قوله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فيه سكينة: رحمة.
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (فيه سكينة من ربكم) أي: وقار (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) قال: فالبقية عصا موسى والرضراض من الألواح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (تحمله الملائكة) قال: تحمله حتى تضعه في بيت طالوت.
قوله تعالى (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (إن الله مبتليكم بنهر) قال: إن الله يبتلى خلقه بما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه.
قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم)
أخرج البخاري بسنده عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: قالت: أنزلت في قوله: لا والله، وبلى والله.
(الصحيح ١١/٥٤٧ ح ٦٦٦٣- الأيمان والنذور، ب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)).
أخرج مالك بسنده عن عائشة أنها كانت تقول: لغو اليمين قول الإنسان: لا والله بلى والله.
(الموطأ- الأيمان والنذور، ب اللغو في اليمين ٢/٤٧٧) وأخرجه أحمد في (العلل ومعرفة الرجال ص ٢٤٥)، وأبو داود (السنن -الأيمان والنذور، ب لغو اليمين ح ٣٢٥٤)، والطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وهذا لفظ مالك. (وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح ٢٧٨).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) قال: أن تحلف على الشيء وأنت تعلمه.
قوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر... ) الآية
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن سعيد بن المسيب في قوله (للذين يؤلون) : يحلفون.
أخرج البخاري عن أنس بن مالك يقول: آلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نسائه وكانت انفكت رجله فأقام لا مشربة له تسعاً وعشرين ثم نزل فقالوا: يا رسول الله آليت شهراً فقال: الشهر تسع وعشرون.
(الصحيح- الطلاق، ب قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة، أشهر) إلى قوله (سميع عليم) (ح ٥٢٨٩)، وأخرج نحوه مسلم عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب (الصحيح- الطلاق- ب ٥ ح ٣٢-٣٤).
أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن عائشة قالت: كان إيلاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقسم بالله لا أقربكن شهراً".
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمر الله عز وجل.
وبسند آخر عن ابن عمر: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق.
قال البخاري: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي - ﷺ -.
(الصحيح- الطلاق- باب ٢١) وقد وصل الحافظ ابن حجر هذه المعلقات في (تغليق التعليق ٤/٤٦٦-٤٦٨) وصحح بعضها في (فتح الباري ٩/٤٢٨ و٤٢٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قوله تعالى (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس الفيء: الجماع.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن الحسن (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) قال: لا كفارة عليه.
قوله تعالى (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم... ) الآية
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن ابن مسعود قال في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة بائنة، وتعتد ثلاثة قروء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن علي بن أبي طالب قال: يُوقَف المولى عند انقضاء الأربعة الأشهر حتى يفيء أو يطلق.
وأخرجه بنحوه بسند صحيح عن ابن عمر.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها أجبره السلطان: إما أن يفيء فيراجع وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه.
قال ابن كثير: وقوله (وإن عزموا الطلاق) فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة أشهر كقول الجمهور من المتأخرين، وذهب آخرون إلى أنه يقع بمضي أربعة أشهر تطليقة وهو مروي بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت.
قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ظاهر هذه الآية شمولها لجميع المطلقات، ولكنه بين في آيات أخر خروج بعض المطلقات من هذا العموم، كالحوامل المنصوص على أن عدتهن وضع الحمل، في قوله (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن). وكالمطلقات قبل الدخول المنصوص على أنهن لا عدة عليهن أصلا، بقوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهنّ وسرحوهنّ سراحاً جميلاً).
أما اللواتى لا يحضن، لكبر أو صغر فقد بين أن عدتهن ثلاثة أشهر في قوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن).
(أخرج مالك (الموطأ- الطلاق، ب ما جاء في الأقراء ٢/٥٧٦)، والشافعي (ترتيب المسند ٢/٦٠)، والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عائشة قالت: الأقراء: الأطهار. وأخرجه الطبري بأسانيد ثابتة عن زيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وغيرهم من التابعين. أخرج أحمد (المسند ٦/٤٢٠، ٤٦٣، ٤٦٤) وأبو داود (السنن- الطهارة، ب في المرأة تستحاض ح ٢٨٠) والنسائي (السنن- الطهارة، ذكر الأقراء ١/١٢١) عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله: "إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مرّ قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء أبي القرء".
ثم قال: هذا الدليل على أن الأقراء حيض.
(وصححه الألباني (صحيح سنن النسائي ح ٢٠٥).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قال: حيض.
وأخرج الطبري بسند صحيح عن علي بن أبي طالب بنحوه.
وبأسانيده عن ابن مسعود وعمر بن الخطاب أيضاً.
قوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهن الله تعالى عن ذلك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد في قول الله تعالى ذكره (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قال: لا يحل للمطلقة أن تقول: إني حائض. وليست بحائض، ولا تقول: إني حبلى. وليست بحبلى. ولا تقول: لست بحبلى، وهي حبلى.
قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن أزواج كل المطلقات أحق بردهن لا فرق في ذلك بين رجعية وغيرها. ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البائن لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها).
وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت
بانقضاء العدة لا رجعة له عليها، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن
341
في ذلك لأن الإشارة بقوله (ذلك) راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بثلاثة قروء. واشترط هنا في كون بعولة الرجعيات أحق بردهن إرادتهم الإصلاح بتلك الرجعة، في قوله (إن أرادوا إصلاحا) ولم يتعرض لمفهوم هذا لا بنية الإصلاح بل يقصد الإضرار بها؛ لتخالعه أو نحو ذلك، أن رجعتها حرام عليه، كما هو مدلول النهي في قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن عباس قوله (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً) يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) : في عدتهن.
وبنحوه أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة.
قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء، ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)... وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين، بقوله: (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)... وأشار بقوله: (وبما أنفقوا من أموالهم) إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله أن يكون قائما على الضعيف الناقص خلقة.
342
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وللرجال عليهن درجة)
قال: فضل ما فضله الله به عليها الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكل ما فضل به عليها.
قوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) الآية
أخرج مالك (الموطأ- الطلاق- باب جامع الطلاق ٢/٥٨٨) والترمذي (السنن- الطلاق واللعان ٣/٤٨٨) والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عروة بن الزبير: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال: لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبداً فأنزل الله تبارك وتعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق. واللفظ لمالك.
وأخرجه الترمذي والحاكم وصححه (المستدرك ٢/٢٧٩، ٢٨٠) والبيهقي (السنن الكبرى ٧/٣٣٣) وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الطبري كلهم عن عروة عن عائشة وتكلم في سنده بسبب يعلى بن شبيب ولكنه روي من طرق مرسلة تقويه.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) قال: يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى، إن أحب أن يفعل، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان -مثنى قرء- ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها.
343
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة".
(السنن ٢/٢٦٨ ح ٢٢٢٦- ك الطلاق، ب في الخلع). وأخرجه ابن ماجه (٢/٦٦٢- ك الطلاق، ب كراهية الخلع للمرأة رقم ٢٠٥٥) وابن الجارود في (المنتقى رقم ٧٤٨)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٩/٤٩٠ ح ٤١٨٤) والحاكم في (المستدرك ٢/٢٠٠) وغيرهم من طرق عن أيوب به. وأخرجه الترمذي (٣/٤٨٤- ك الطلاق، ب ما جاء في المختلعات رقم ١١٨٧) ووقع في إسناده: عن أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان. المبهم في إسناد الترمذي هو أبو أسماء الرحبي كما تقدم.
قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
قال الألباني: إنما هو على شرط مسلم وحده. (الإرواء ٧/١٠٠) وحسَّنه السيوطي (فيض القدير مع الجامع الصغير ٣/١٣٨ ح ٢٩٤٤). وصححه الألباني (الإرواء ٧/١٠٠).
قوله تعالى (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله)
قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية: صرح في هذه الآية الكريمة بأن الزوج لا يحل له الرجوع في شيء مما أعطى زوجته، إلا على سبيل الخلع، إذا خافا ألا يقيما حدود الله، فيما بينها، فلا جناح عليهما إذن في الخلع. أي: لا جناح عليها هي في الدفع، ولا عليه هو في الأخذ.
وصرح في موضع آخر بالنهي عن الرجوع في شيء مما أعطى الأزواج زوجاتهم، ولو كان المعطى قنطاراً وبين أن أخذه بهتان وإثم بين، وبين أن السبب المانع من أخذ شيء منه هو أنه أفضى إليها بالجماع. وذلك في قوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) وبين في موضع آخر أن محل النهى عن ذلك إذا لم يكن عن طيب النفس من المرأة، وذلك في قوله: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) وأشار إلى ذلك بقوله: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة).
344
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به.
قوله تعالى (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليها فيما افتدت به)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) هو تركها إقامة حدود الله استخفافاً بحق زوجها وسوء خلقها فتقول له: والله لا أبر لك قسماً، ولا أطأ لك مضجعاً، ولا أطيع لك أمراً، فإذا فعلت ذلك، فقد حل له منها الفدية ولا يأخذ أكثر مما أعطاها شيئاً ويخلي سبيلها إن كانت الإساءة من قبلها.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقبل الحديقة وطلقها تطليقة".
(الصحيح- الطلاق، ب الخلع وقول الله تعالى (لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) ح ٥٢٧٣).
انظر الآية رقم (٢٣٣) من السورة نفسها.
قوله تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
انظر سورة البقرة آية (١٨٧).
قوله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) يقول: إن طلقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: جعل الله الطلاق ثلاثاً، فإذا طلقها واحدة فهو أحق بها ما لم تنقض العدة، وعدتها ثلاث حيض. فإن انقضت العدة قبل أن يكون راجعها، فقد بانت منه بواحدة، وصارت أحق بنفسها، وصار خاطباً من الخطاب. فكان الرجل إذا أراد طلاق أهله نظر
345
حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة في قبل عدتها عند شاهدي عدل. فإن بدا له مراجعتها راجعها ما كانت في عدتها، وإن تركها حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه بواحدة. وإن بدا له طلاقها بعد الواحدة وهي في عدتها نظر حيضتها، حتى إذا طهرت طلقها تطليقة أخرى في قُبْل عدتها. فإن بدا له مراجعتها راجعها، فكانت عنده على واحدة. وإن بدا له طلاقها طلقها الثالثة عند طهرها، فهذه الثالثة التي قال الله تعالى ذكره: لا تحل له حتى تنكح زوجاً.
أخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له أنه لا يأتيها، وإنه ليس معه إلا مثل هدبة. فقال: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك".
(صحيح البخاري- الطلاق، في ٣٧ ح ٥٣١٧)، (وصحيح مسلم- النكاح، ب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره ح ١٤٣٣).
أي حتى يحصل الجماع معه. وقد نقل ابن حجر عن ابن المنذر قال: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول.
(فتح الباري ٩/٤٦٧) وينظر تفسير الآية السابقة.
قوله تعالى (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) يقول: إذا تزوجت بعد الأول فدخل الآخر بها، فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلق الآخر أو مات عنها فقد حلت له.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن ظنا أن يقيما حدود الله) : إن ظنا أن نكاحهما على غير دُلسة.
والتدليس: إخفاء العيب. (النهاية لابن الأثير ٢/١٣٠).
وانظر الآية رقم (٢٣٣) من السورة نفسها.
قوله تعالى (وإذا طلقكم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فبلغن أجلهن) انقضاء عدتهن بالفعل، ولكنه بين في موضع آخر أنه لا رجعة إلا في زمن العدة خاصة، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)، لأن الإشارة في قوله (ذلك راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه بثلاثة قروء في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن) الآية. فاتضح من تلك الآية أن معنى (فبلغن أجلهن) أي: قاربن انقضاء العدة، وأشرفن على بلوغ أجلها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) يعني ثلاثة قروء، يعني ثلاث حيض (فأمسكوهن بمعروف) يقول: فأمسكوهن من قبل أن تغتسل من حيضتها الثالثة بطاعة الله (أو سرحوهن بمعروف) بطاعة الله إذا اغتسلت من حيضتها الثالثة.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف. ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) قال: كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها يضارها فنهاهم الله عن ذلك.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) الآية
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهى عن إمساك المرأة مضارة لها، لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها، لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه، ابتغاء السلامة من ضرره. وصرح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه وذلك في قوله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة).
347
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا تمسكوهن ضراراً) قال: هو الرجل يطلق امرأته فإذا بقي من عدتها يسير راجعها يضارها بذلك ويطول عليها فنهاهم الله تعالى عن ذلك فأمرهم أن يمسكوهن بمعروف أو يسرحوهن بمعروف.
وفي قوله تعالى (ولا تتخذوا آيات الله هزواً)
أخرج أبو داود (السنن- الطلاق، ب الطلاق على الهزل ٢/٢٥٩) والترمذي (السنن- الطلاق، ب في الجد والهزل في الطلاق ٣/٣٨١) وابن ماجة (السنن - الطلاق، ب من طلق أو نكح أو رجع لاعباً ح ٢٠٣٩) عن أبي هريرة مرفوعاً به: "ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة".
وحسنه الترمذي، وكذا حسنه ابن حجر (التلخيص الحبير ٣/٢١٠)، والسيوطي في (الجامع الصغير ٣/٣٠٠ ح ٣٤٥١)، والألباني في (صحيح الجامع ح ٣٠٢٧)، وصحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/١٩٧).
قوله تعالى (واذكروا نعمت الله عليكم)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (نعمة الله) يقول: عافية الله.
أخرج مسلم (الصحيح- الزهد- ح ٩ ص ٢٢٥٥) عن أبي هريرة مرفوعاً: "انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله".
قوله تعالى (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة) يعني بالحكمة: الحلال والحرام وما سن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يعظكم به واتقوا الله) في أمره ونهيه.
348
قوله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف... ) الآية
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر قوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فبلغن أجلهن) انقضاء عدتهن بالفعل، ولكنه بين في موضع آخر أنه لا رجعة إلا في زمن العدة خاصة، وذلك في قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) لأن الإشارة في قوله تعالى (ذلك) راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه بثلاثة قروء في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن) الآية. فاتضح من تلك الآية أن معنى فبلغن أجلهن.
أي: قاربن انقضاء العدة، وأشرفن على بلوغ أجلها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها.
(أخرج البخاري (الصحيح- التفسير- سورة البقرة، ب (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) ح ٤٥٢٩) عن الحسن: أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك. فنهى الله سبحانه أن يمنعوها.
قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب. ثنا عبد الله بن المبارك، عن حجاج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن عكرمة، عن ابن عباس.
قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نكاح إلا بولي".
وفي حديث عائشة: "والسلطان ولي من لا ولي له".
349
(السنن- النكاح، ب لا نكاح إلا بولي ١٨٨٠) حديث ابن عباس أخرجه أحمد والبيهقي من طريق حجاج به. وله طريق آخر من سعيد بن جبير عند الطبراني في المعجم الكبير (انظر: الإرواء ٦/٢٣٨، المسند ١/٢٥٠، سنن البيهقي ٧/١٠٩، ١١٠)، وأخرجه من طريق سعيد بن جبير الطبراني في الأوسط (١/٣١٨ ح ٥٢٥). قال الهيثمي عنه: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٤/١٨٦) وحديث عائشة أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي من طريق حجاج به، وله طرق أخرى عنها (انظر: الإرواء ٦/٢٤٧، المسند ٦/٢٦٠) قال الألباني. صحيح. (صحيح ابن ماجه ١/٣١٧).
ذكره ابن كثير (١/٤١٥).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان قوله (إذا تراضوا بينهم بالمعروف) يعني بمهر وبينة ونكاح مؤتنف.
قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضآرّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة، عن الأشعث عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها رجل، فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال: "انظرن ما إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة".
(الصحيح- النكاح، ب من قال لا رضاع بعد حولين ٩/١٤٦ ح ٥١٠٢)، وأخرجه مسلم في (صحيحه ٢/١٠٧٨ ح ١٤٥٥).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فجعل الله سبحانه الرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ثم قال (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
وبه قوله تعالى (فلا جناح عليهما) قال فلا حرج عليهما.
350
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال: حولين كاملين: سنتين.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مجاهد قال: (لا تضآرّ والدة بولدها) لا تأبى أن ترضعه ليشق ذلك على أبيه، ولا يضار الوالد بولده، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) قال: نهى الله تعالى عن الضرار وقدم فيه، فنهى الله أن يضار الوالد فينتزع الولد من أمه، إذا كانت راضية بما كان مسترضعا به غيرها ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارا.
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب أخبرنا هشام، عن أبيه، عن زينب ابنة أبي سلمة، عن أم سلمة: قلت يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما همَ بنيَّ. قال: "نعم لك أجر ما أنفقت عليهم".
(صحيح البخاري - النفقات، ب وعلى الوارث مثل ذلك ٩/٥١٤ ح ٥٣٦٩).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وعلى الوارث مثل ذلك)، على وارث الولد.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: الولي من كان.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: وعلى وارث الولد ما كان على الوالد من أجر الرضاع، إذا كان الولد لا مال له.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن الرجل إذا أراد أن يطلب لولده مرضعة غير أمه لا جناح عليه في ذلك، إذا سلم الأجرة المعينة في العقد،
351
ولم يبين هنا الوجه الموجب لذلك ولكنه بينه في سورة الطلاق بقوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) والمراد بتعاسرهم: امتناع الرجل من دفع ما تطلبه المرأة، وامتناع المرأة من قبول الإرضاع بما يبذله الرجل ويرضى به.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) خيفة الضيعة على الصبي (فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف) قال: حساب ما أرضع به الصبي.
قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل متوفي عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، ولكنه بين في موضع آخر أن محل ذلك ما لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا كانت عدتها وضع حملها، وذلك في قوله (وأُلات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ويزيده إيضاحاً ما ثبت في الحديث المتفق عليه من إذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسبيعة الأسلمية في الزواج بوضع حملها بعد وفاة زوجها بأيام، وكون عدة الحامل المتوفى عنها بوضع حملها هو الحق، كما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلافا لمن قال: تعتد بأقصى الأجلين. ا. هـ.
روى مالك: عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة. فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا. حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة. فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت: فقال رسول الله - ﷺ -: "نعم" قالت: فانصرفت. حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو أمر بي فنوديت له فقال: "كيف قلت"؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".
352
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً. قالت: فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلي فسألني عن ذلك؟ فأخبرته. فاتبعه وقضى به.
(الموطأ ٢/٥٩١، ك الطلاق، ب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها... )، وأخرجه أبو داود (٢/٢٩١ ك الطلاق، ب المتوفى عنها زوجها تنتقل، ح ٢٣٠٠)، والترمذي (ك الطلاق، ب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها ح ١٢٠٤) كلاهما من طريق مالك به، وأخرجه أحمد في المسند (٦/٤٢٠) من طريق بشر بن المفصل عن سعد بن إسحاق به. وأخرجه ابن ماجه (رقم ٢٠٣١- كتاب الطلاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها) من طريق سليمان بن حيان، والحاكم في (المستدرك ٢/٢٠٨) من طريق يحيى بن سعيد كلهم عن سعد بن إسحاق بن كعب به. أما ما وقع عند مالك باسم (سعيد بن إسحاق فقد قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى -أي راوي الموطأ- تابعه بعضهم وأكثر الرواة يقولون فيه: سعد بن إسحاق وهو الأشهر (التمهيد ٢١/٢٧). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم. وقال ابن عبد البر: حديث مشهور معروف. (التمهيد ٢١/٣١). وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ونقل عن الذهلي قوله: حديث صحيح محفوظ. ووافق الذهبي الحاكم على تصحيحه. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ح ٢٠١٦).
قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا أيوب بن موسى قال: أخبرني حميد بن نافع، عن زينب ابنة أبي سلمة قالت: لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً".
(الصحيح - الجنائز، ب إحداد المرأة على غير زوجها ٣/١٤٦ ح ١٢٨٠) وأخرجه مسلم في (صحيحه ٢/١١٢٥ ح ١٤٨٦).
قال مسلم: وحدثنا حسن بن الربيع، حدثنا ابن إدريس عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية، أن رسول الله قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث. إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً. ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب. ولا تكتحل ولا تمس طيباً. إلا إذا طهرت، نبذة من قسط أو أظفار".
(صحيح مسلم ٢/١٢٧ ح ١٤١ ولعده - الطلاق، ب وجوب الإحداد).
353
وقال: حدثنا محمد بن المثنى العنزي. حدثنا عبد الوهاب. قال: سمعت يحيى ابن سعيد. أخبرني سليمان بن يسار؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة. وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال.
فقال ابن عباس: عدتها آخر الأجلين. وقال أبو سلمة: قد حلت. فجعلا يتنازعان ذلك. قال: فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (يعني أبا سلمة) فبعثوا كريباً (مولى ابن عباس) إلى أم سلمة يسألها عن ذلك؟ فجاءهم فأخبرهم؛ أن أم سلمة قالت: إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. وإنها ذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأمرها أن تتزوج.
(الصحيح- الطلاق، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل ٢/١١٢٢ ح ١٤٨٥)، وأخرجه البخاري في (صحيحه ٨/٦٢٣ ح ٤٩٠٩).
قال البخاري: حدثنا حبان. حدثنا عبد الله. أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث، فقال عبد الرحمن: ولكن عمه كان لا يقول ذلك، فقلت: إني لجريء إن كذبت على رجل في جانب الكوفة. ورفع صوته. قال: ثم خرجت فلقيت مالك ابن عامر -أو مالك بن عوف- قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى.
(البخاري ٨/١٩٣ ح ٤٥٣٢، كتاب التفسير - سورة البقرة الآية ٢٣٤).
قال البخاري: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين استفتته. فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله ابن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة
354
-وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدراً- فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
تابعه أصبغ عن ابن وهب عن يونس وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب وسألناه فقال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن البكير -وكان أبوه شهد بدراً- أخبره.
(البخاري ٧/٣٦٠ ح ٣٩٩١- ك المغازي، وأخرجه موصولاً ٩/٤٦٩ ح ٥٣١٩)، وأخرجه مسلم في صحيحه (٢/١١٢٢ ك الطلاق، ب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل رقم ١٤٨٤).
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد. قالا: حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع؛ أنه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن أم سلمة وأم حبيبة. تذكران أن امرأة أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فذكرت له أن بنتاً لها توفي عنها زوجها. فاشتكت عينها فهي تريد أن تكحلها فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد كانت إحداكن ترمى بالبعرة عند رأس الحول. وإنما هي أربعة أشهر وعشر".
(مسلم ٢/١١٢٦ ح ١٤٨٦ إلى ١٤٨٨- ك الطلاق، ب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا، فعدتها أن تضع ما في بطنها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)، قال: الحلال الطيب.
355
قوله تعالى (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)
انظر الآية رقم (٢٣٣) من السورة نفسها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعرض لها في عدتها، يقول لها: "إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك، ونحو هذا عن الكلام، فلا حرج".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أو أكننتم في أنفسكم)، قال: الإكنان: ذكر خطبتها في نفسه، لا يبديه لها. هذا كله حل معروف.
قوله تعالى (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تقل لها: إني عاشق، وعاهديني ألا تتزوجي غيري... ونحو هذا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (ولكن لا تواعدوهن سراً) قال: هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تنكح غيره، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف، ونهى عن الفاحشة والخضع عن القول.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (ولا تواعدوهن سراً) قال: هو الفاحشة.
قوله تعالى (إلا أن تقولوا قولا معروفا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو قوله: إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك.
قوله تعالى (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (حتى يبلغ الكتاب أجله) قال: حتى تنقضي العدة.
قوله تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المس: النكاح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)، قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الفريضة: الصداق.
قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا الرجل يتزوج المرأة، ولم يسم لها صداقا ثم يطلقها من قبل أن ينكحها، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يمتعها على قدر عسره ويسره، فإن كان موسراً متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسراً متعها بثلاثة أثواب ونحو ذلك.
قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فهذا في الرجل يتزوج المرأة وقد سمى لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يمسها (والمس الجماع) فلها نصف صداقها ليس لها أكثر من ذلك.
قوله تعالى (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هي المرأة الثيب أو البكر يزوجها غير أبيها، فجعل الله العفو إليهن، إن شئن عفون فتركن، وإن شئن أخذن نصف الصداق.
قوله تعالى (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وهو أبو الجارية البكر، جعل الله سبحانه العفو إليه، ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره.
قوله تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال إتمام الزوج الصداق، وترك المرأة الشطر.
قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال: حدثنا شعبة قال: الوليد بن العيزار أخبرني قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذا الدار -وأشار أبي دار عبد الله- قال: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين".
قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني.
(الصحيح - مواقيت الصلاة، فضل الصلاة لوقتها ٢/٩ ح ٥٢٧)، وأخرجه مسلم في (صحيحه ١/٨٩ ح ٨٥).
قال مسلم: حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد. ح قال وحدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري. قالا: حدثنا حماد عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر؛ قال: قال لي رسول الله: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ " قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل. فإنها لك نافلة". ولم يذكر خلف: عن وقتها.
(صحيح مسلم ١/٤٤٨ ح ٦٤٨ - كتاب المساجد - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها).
قال الدارمي: أخبرنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد -هو ابن أبي أيوب- قال: حدثني كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة من النار يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف"
(السنن ٢/٣٠١-٣٠٢ - كتاب الرقاق - باب في المحافظة على الصلاة) وأخرجه أحمد في المسند (٢/١٦٩) وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٤/٣٢٩ رقم ١٤٦٧) من طرق عن عبد الله بن يزيد به.
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد بإسناد جيد... وذكره الهيثمي في (المجمع ١/١٩٢) وعزاه لأحمد والطبراني ثم قال: ورجال أحمد ثقات. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح.
قال البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا روح حدثنا هشام عن محمد، عن عبيدة، عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال يوم الخندق: "ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".
(الصحيح - المغاري، ب غزوة الخندق ٧/٤٠٥ ح ٤١١١، ومسلم في (صحيحه ١/٤٣٧ ح ٦٢٨).
وقال: حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله ما صليتها". فنزلنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطحان، فتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
(الصحيح - المغازي، ب غزوة الخندق ٧/٤٠٥ ح ٤١١٢).
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا يحيى بن آدم. حدثنا الفضيل بن مرزوق، عن شقيق بن عقبة، عن البراء بن عازب؛ قال: نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر). فقرأناها ما شاء الله.
ثم نسخها الله. فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى). فقال
359
رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر. فقال البراء: قد أخبرنك كيف نزلت وكيف نسخها الله. والله أعلم.
(الصحيح- ك المساجد ومواضع الصلاة، ب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ١/٤٣٨ ح ٦٣١).
وقال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي. قال: قرأت على مالك، عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة؟ أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً. وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فلما بلغتها آذنتها. فأملت عليَّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين).
قالت عائشة: سمعتها من رسول الله - ﷺ -.
(مسلم ١/٤٣٧-٤٣٨ ح ٦٢٩ - ك المساجد ومواضع الصلاة- ب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
(البخاري ٢/٣٧ - كتاب مواقيت الصلاة- باب إثم من فاتته العصر، ح ٥٥٢) وأخرجه مسلم (١/٤٣٥ - كتاب المساجد، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، ح٢٠٠).
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم؛ قال: كنا نتكلم في الصلاة. يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة. حتى نزلت: (وقوموا لله قانتين). فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.
(مسلم ١/٣٨٣ ح ٥٣٩ - ك المساجد ومواضع الصلاة - ب تحريم الكلام في الصلاة)، وأخرجه البخاري (٨/١٩٨ ح ٤٥٣٤- ك التفسير، ب (وقوموا لله قانتين)).
360
قال مسلم: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، وأبو بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حجاج الصواف، عن يحيى ابن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ عطس رجل من القوم.
فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إليَّ. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني.
لكنِّي سكتُّ. فلما صلَّى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعلماً منه. فوالله! ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"...
(مسلم ١/٣٨١-٣٨٢ ح ٥٣٧- كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (قانتين) : مطيعين.
وينظر آية رقم (١١٦) من السورة نفسها عند قوله تعالى (كل له قانتون).
قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك، عن نافع أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلى بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين. فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها".
361
قال مالك: قال نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح ٨/١٩٩ ح ٤٥٥٣ - ك التفسير، ب سورة البقرة).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً)، أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القتال على الخيل فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا، أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)
أخرج البخاري: بسنده عن ابن الزبير: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً -إلى قوله- غير إخراج) قد نسختها الأخرى فلم تكتبها؟ قال: تدعها يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه.
(الصحيح ح ٤٥٣٦ - التفسير - سورة البقرة، ب (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً)).
أخرج أبو داود بسنده عن ابن عباس قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية إلى الحول غير إخراج) فنسخ ذلك بآية الميراث، بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها؛ أربعة أشهر وعشراً.
(وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود - الطلاق، ب نسخ متاع المتوفي عنها ح ٢٠١٢).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال: فكان الرجل إذا مات وترك امرأته، اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله، ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال في ميراثها (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن) النساء ٢١. فبين الله ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة.
قوله تعالى (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حقاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)
قال ابن كثير: وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة، سواء كانت مفوضة، أو مفروضاً لها أو مطلقة، قبل المسيس أو مدخولاً بها، وهو قول عن الشافعي، رحمه الله. وإليه ذهب سعيد بن جبير.
وغيره من السلف، واختاره ابن جرير. ومن لم يوجبها مطلقاً يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين).
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)
وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان، عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو الأسدي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) قال كانوا أربعة آلاف، خرجوا فراراً من الطاعون، قالوا: نأتي أرضاً ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم: (موتوا) فماتوا، فمر عليهم نبي من الأنبياء، فدعا ربهم أن يحييهم، فأحياهم، فذلك قوله عز وجل (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) الآية.
ذكره ابن كثير، وسنده حسن.
قوله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
قال ابن كثير: وقوله (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
أي: كما أن الحذر لا يغني من القدر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً، ولا يباعده، بل الأجل المحتوم والرزق المقسوم مقدر مقنن، لا يزاد فيه ولا ينص منه، كما قال تعالى (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلون يغترفون غرفة، فيجزئهم ذلك.
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمنوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد. حدثنا زهير. حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء - رضي الله عنه - يقول: حدثني أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ممن شهد بدراً أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر: بضعة عشر وثلاثمائة. قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.
(الصحيح- ك المغازي، ب عدة أصحاب بدر ٧/٢٩٠ ح ٣٩٥٧).
قوله تعالى (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئا مما علمه، وقد بين في مواضع أخر أن مما علمه صنعة الدروع كقوله (وعلمناه صنعة لبوس لكم ليحصنكم من بأسكم) الآية وقوله (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدّر في السرد).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) يقول: ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم ببعض (لفسدت الأرض)، بهلاك أهلها.
وقد بين الله تعالى فساد الأرض بقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثير).
كوله تعالى (وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: يفهم من تأكيده هنا بإن واللام أن الكفار ينكرون رسالته كما تقرر في فن المعاني، وقد صرح بهذا المفهوم في قوله تعالى (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً) الآية.
قوله تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا)
وقال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا هذا الذي كلمه الله منهم وقد بين أن منهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بقوله (وكلم الله موسى تكليما) وقوله (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) قال: يقول: منهم من كلم الله، ورفع بعضهم على بعض درجات. يقول: كلم الله موسى، وأرسل محمداً إلى الناس كافة.
وقال أيضاً: وقوله تعالى (ورفع بعضهم درجات) أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) أو قوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) الآية. وقوله (إني رسول الله إليكم جميعاً) وقوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وأشار في مواضع أخر إلى أن منهم إبراهيم كقوله (واتخذ الله إبراهيم خليلا) وقوله (إني جاعلك للناس إماما) إلى غير ذلك من الآيات، وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله (ورفعناه مكانا علياً) وأشار هنا إلى أن منهم عيسى بقوله (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) الآية.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس) قال: هو جبريل عليه السلام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات)، يقول: من بعد موسى وعيسى.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
انظر حديث أبي هريرة عند البخاري تحت الآية رقم (١٧٧) من سورة البقرة.
وهو حديث: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة)، قد علم الله أن ناسا يتحابون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض. فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين.
قوله تعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (القيوم)، قال: القائم على كل شيء.
وفي قوله تعالى (من ذا الذي يشفع إلا بإذنه) انظر سورة الإسراء آية (٧٩) في بيان المقام المحمود، وفيه حديث البخاري عن أنس وفيه: "فانطلق حتى استأذن على ربي فيؤذن... ثم أشفع... ".
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: السنة: النعاس، والنوم هو النوم. (ولا يؤوده حفظهما) : لا يثقل عليه (وهو العلي العظيم) : الذي قد كمل في عظمته.
وانظر سورة البقرة آية (٣١) حديث الشيخين عن أنس بن مالك.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخمس كلمات. فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور. (وفي رواية أبي بكر: النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
(صحيح مسلم ١/١٦١-١٦٢ ح ١٧٩).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، ثنا أبو أحمد الزبيري عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن الكرسي موضع القدمين.
(أخرجه وكيع في تفسيره كما صرح ابن كثير في التفسير من طريق سفيان به وأطول وأخرجه الحاكم من طريق سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٨٢) وذكره الهيثمي ونسبه إلى الطبراني وقال رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٣٢٦).
قال الضياء المقدسي: وأخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد أيضاً -بأصبهان- أن محمود بن إسماعيل أخبرهم -قراءة عليه وهو حاضر- أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر بن الخطاب (- رضي الله عنه -) قال: أتت امرأة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظّم الرب ثم قال: "إن كرسيه وسع السماوات والأرض وإنه يقعد عليه ما يفضل منه مقدار أربع أصابع" ثم قال بأصابعه فجمعها "وإن له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله". وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق.
(المختارة ح ١٥٣ وقال محققه: إسناده حسن).
قوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل: "أسلم". قال: إني أجدني كارهاً. قال: "وإن كنت كارهاً".
(المسند ٣/١٨١) وإسناده ثلاثي صحيح، كما قال ابن كثير (التفسير ١/٤٦٠).
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، قال: ثنا أشعث بن عبد الله -يعني السجستاني- ح وثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، وهذا لفظه، ح وثنا الحسن بن علي، قال: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل (لا إكراه في الدين قد تبرأ الرشد من الغي) قال أبو داود: المقلات: التي لا يعيش لها ولد.
(السنن ٣/٥٨ - كتاب الجهاد - باب في الأسير يكره على الإسلام) وأخرجه ابن حبان (الإحسان ١/٣٥٢، ح ١٤٠) من طريق إبراهيم بن إسماعيل عن حسن بن علي به. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود ٢٣٣٣). والمرأة المقلاة: التي لا يعيش لها ولد.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله (لا إكراه في الدين) قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف، قال: ولا يكره اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي إذا أعطوا الجزية.
انظر الآية رقم (١٨٦) من السورة نفسها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: الطاغوت الشيطان.
قوله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. حدثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن قيس بن عباد قال: كنت جالساً في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز
369
فيهما، ثم خرج وتبعته فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك لم ذاك.
رأيت رؤيا على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة -ذكر من سعتها وخضرتها- وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقبت حتى كنت في أعلاها، فأخذت في العروة، فقيل له استمسك. فاستيقظت وإنها لفي يدي. فقصصتها على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت". وذلك الرجل عبد الله بن سلام.
(البخاري ٧/١٦١ ح ٣٨١٣ - كتاب المناقب، ب مناقب عبد الله بن سلام)، وأخرجه مسلم أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (بالعروة الوثقى)، قال: الإيمان.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (لا انفصام لها) قال: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قوله تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمنوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) يقول: من الضلالة إلى الهدى (والذين كفروا أوليائهم الطاغوت)، الشيطان: (يخرجونهم من النور إلى الظلمات)، يقول: من الهدى إلى الضلالة.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ)
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ)، قال: هو نمروذ بن كنعان.
370
قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (لم يتسنه) : لم يتغير.
قوله تعالى (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كيف نخرجها.
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
قال البخاري: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وسعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). ا. هـ. وعلى هذا فإن إبراهيم لم يشك وإنما أراد التأكد والاطمئنان.
(البخاري ٨/٤٩ ح ٤٥٣٧ - كتاب التفسير - سورة البقرة - باب وإذ قال إبراهيم).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولكن ليطمئن قلبي)، يقول: لأزداد يقيناً.
قوله تعالى (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قطعهن.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) قال: فمزقهن، قال: أمر أن يخلط الدماء بالدماء والريش بالريش، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءاً.
قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش. ح وحدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير، عن الأعمش. ح وحدثنا أبو سعيد الأشج (واللفظ له) حدثنا وكيع. حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل عمل ابن آدم يضاعف.
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف".
(مسلم ٢/٨٠٧ ح ١٦٤ - الصيام، ب فضل الصيام).
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري. قال: جاء رجل بناقة مخطومة. فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لك بها، يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".
(الصحيح ٣/١٥٠٥ ح ١٨٩٢ - كتاب الإمارة - باب فضل الصدقة في سبيل الله).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب (واللفظ لأبى كريب) قالوا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن مزاحم بن زفر، عن مجاهد، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دينار أنفقته في سبيل الله. ودينار أنفقنه في رقبة. ودينار تصدقت به على مسكين. ودينار أنفقته على أهلك.
أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
(الصحيح ٢/٦٩٢ ح ٩٩٥ - كتاب الزكاة - باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم).
قوله تعالى (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الغني: الذي كمل غناه. والحليم: الذي كمل في حلمه.
وانظر الآية التالية مع حديث أحمد عن عبد الله بن عمرو.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة، وحجاج قال: حدثني شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن نبيط بن شريط -قال غندر: نبيط بن سميط، قال ححاج: نبيط بن شريط- عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر".
(المسند رقم ٦٨٨٢) وأخرجه أيضاً من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابان به. وأخرجه من طرق أخرى كذلك ذكرها المحقق (المسند رقم ٦٥٣٧، ٦٨٩٢) وصححه المحقق بعد أن جمع طرقه وشواهده وخرجه تخريجاً وافياً كافياً نافعاً فلا داعي لتكراره) انظر هامش رقم ٦٥٣٧). وقال محققو المسند صحيح لغيره (١١/٤٧٣ ح ٦٨٨٢).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) فقرأ حتى بلغ (على شيء مما كسبوا)، فهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول: لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ، كما ترك هذا المطر الصفاة الحجر ليس عليه شيء، أنقى ما كان عليه.
قال الشيخ الشنقيطي: بين أن المراد بالذي الذين بقوله (لا يقدرون على شيء مما كسبوا).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: صفوان: يعني الحجر.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: ليس عليه شيء.
قوله تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أنفسهم كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وتثبيتا من أنفسهم)، قال: ثقة من أنفسهم.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (كمثل جنة بربوة) قال: الربوة المكان الظاهر المستوى.
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله (فطل) قال: الطل: الندا.
قوله تعالى (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)
قال البخاري بسنده عن عبيد بن عمير قال: قال عمر - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في ترون هذه الآية نزلت (أيود أحدكم أن تكون له جنة) ؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر
نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
(الصحيح ح ٤٥٣٨ - تفسير سورة البقرة، باب قوله (أيود أحدكم أن تكون له جنة)).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب)، كمثل المفرط في طاعة الله حتى يموت. قال، يقول: أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار، (له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت)، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئاً، وولده صغار لا يغنون عنها شيئاً. وكذلك المفرط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (أيود أحدكم أن تكون له جنة) إلى قوله (فاحترقت) يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سنه وضعف عن الكسب (وله ذرية ضعفاء) لا ينفعونه. قال: وكان الحسن يقول (فاحترقت) فذهبت أحوج ما كان إليها فذلك قوله: أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه؟.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.
أخرج الطبري بسند صحيح قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري قال، قال مجاهد: (لعلكم تتفكرون)، قال: تطيعون.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ... )
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، ثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن الأشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، عن ابن عباس قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون، فأنزل الله على نبيه (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) الآية إلى آخرها.
(التفسير ح رقم ٣١٧٢). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه، والضياء المقدسي أيضاً (الدر المنثور ١/٣٤٥). وهل الأثر إسناده حسن، وقد تكلم ابن منده وحده في جعفر بن أبي المغيرة، لكن وثقه الإمام أحمد، وابن شاهين، وقال الذهبي: كان صدوقاً. (انظر: ثقات ابن شاهين رقم ١٦٧، تهذيب التهذيب ٢/١٠٨، الميزان ١/٤١٧). وبقية رجال الإسناد. ما بين ثقة إمام، وصدوق، فيكون الإسناد حسناً كما تقدم تقريره. ويشهد له ما سيأتي عن البراء بن عازب.
قوله تعالى (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)
قال الحاكم: أخبرنا محمد بن أحمد بن إسحاق الصفار العدل. ثنا أحمد بن محمد بن نصر. ثنا عمرو بن طلحة القناد. ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل (ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال: نزلت في الأنصار كانت الأنصار تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء البسر فيعلقونه على حد رأس اسطوانتين في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيأكل منه فقراء المهاجرين فيعمد أحدهم فيدخل قنو الحشف يظن أنه في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن
فعل ذلك (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)
يقول: لو أهدي لكم لم تقبلوه إلا على استحياء من صاحبه عطاء أنه بعث إليكم بما لم يكن له فيه حاجة واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم حميد.
(هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٢٨٥).
376
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عمارة بن عمير، عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفأكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه".
(السنن ٣/٢٨٨ - كتاب البيوع - باب في الرجل يأكل من مال ولده، ح ٣٥٢٨) وأخرجه الترمذي (كتاب الأحكام، ب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده ح ١٣٥٨)، والنسائي (٧/٢٤١ - كتاب البيوع، ب الحث على الكسب) كلاهط من طريق عمارة بن عمير به. وأخرجه ابن ماجه (كتاب التجارات، ب الحث على الكسب ح ٢١٣٧) من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة به.
قال الترمذي: حديث حسن صحح. وصححه الألباني (صحيح الجامع ٢/٤٩).
قال النسائي: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب قال: حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه قال: حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال: هو الجعرور ولون حُبَيْق فنهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تؤخذ في الصدقة الرذالة.
(السنن ٥/٤٣ - كتاب الزكاة - باب قوله عز وجل (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وأخرجه ابن خزيمة (٤/٣٩ - كتاب الزكاة - باب الزجر عن إخراج الحبوب والتمور الرديئة ح ٢٣١٢) من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب به. وأخرجه الحاكم من طريق الزهري به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٨٤) قال الألباني: إسناده حسن صحيح. والجُعرور: نوع رديء من العمر (المصباح المنير ١/١٠٢). والحُبيق: لون من الدْقل رديء (مختار الصحاح ٢٠٥).
انظر حديث أبي هريرة المتقدم عند تفسير الآية (١٧٢) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولا تيمموا)، لا تعمدوا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)، قال: كانوا يتصدقون -يعني من النخل- بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه.
377
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) يقول: لستم بآخدي هذا الرديء بسعر هدا الطيب، إلا أن يغمض لكم فيه.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه، قال فذلك قوله (إلا أن تغمضوا فيه) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ وهو قوله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران: ٩٢.
قوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) يقول مغفرة لفحشائكم وفضلاً لفقركم.
قوله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)
أخرج الشيخان بسنديهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
(صحيح البخاري- العلم، ب الاغتباط في العلم والحكمة ١/١٦٥ ح ٧٣)، (وصحيح مسلم ١/٥٥٨ ح ٨١٦ - ك صلاة المسافرين، ب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه)..
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابيه، ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله.
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (يؤتي الحكمة من يشاء)، قال: يؤتي الإصابة من يشاء.
378
قوله تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم. حدثنا مالك، عن طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصه فلا يعصيه".
(الصحيح ١١/٥٨١ ح ٦٦٩٦ - ك الأيمان والنذور، ب النذر في طاعة).
قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد القطان قال: أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرني عبيد الله بن زحر، أن أبا سعيد أخبره، أن عبد الله بن مالك أخبره، أن عقبة بن عامر أخبره، أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: "مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام".
(السنن ٣/٢٣٣- ك الأيمان والنذر، ب من رأى عليه كفارة إذا كاد في معصية) وأخرجه
الترمذي (كتاب الأيمان والنذور رقم ١٥٤٤) عن سفيان، والنسائي (٧/٢٠ - ك الأيمان والنذور -
ب إذا حلفت المرأة لتمشي) من طريق عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، وأحمد في مسنده (٤/١٤٣) عن
هيثم، كلهم عن يحيى بن سعيد به. قال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم،
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح ٢٨٢١).
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب وعلي بن حجر السعدي -واللفظ لزهير- قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الملهب، عن عمران بن حصين... فذكر حديثاً طويلاً فيه قصة المرأة التي نذرت أن تذبح ناقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن نجاها الله عليها، وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها: "سبحان الله -بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد".
(الصحيح ٣/١٢٦٢-١٢٦٣ ح ١٦٤١ - ك النذر، ب لا وفاء لنذر في معصية الله... ).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه)، ويحصيه.
قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ... )
قال الإمام أحمد: ثنا علي بن إسحاق، أنا عبد الله بن مبارك، أنا حرملة بن عمران أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس -أو قال: يحكم بين الناس-" قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا.
(المسند ٤/١٤٧) وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير ٤/١٧٠) وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٤/٩٤ ح ٢٤٣١)، وابن حبان (الإحسان ٥/١٣١-١٣٢ ح ٣٢٩٩)، والحاكم في المستدرك (١/٤١٦) من طرق عن ابن مبارك به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي إلى أحمد والطبراني وأبي يعلى وقال: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد ٣/١١٠). وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٥/١٢ ح ٦٢٨٢).
قال أحمد: حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: "ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة".
(المسند ح ٤٢٦٥) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٣/١٠٥) وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير ٥/٨٣).
أخرج الشيخان بسنديهما عن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "تصدقوا، فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها".
(البخاري ٣/٣٣٠ ح ١٤١١ - كتاب الزكاة، ب الصدقة قبل الرد)، (مسلم - كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة ح ١٠١١) من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة به.
قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل
380
قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
(صحح البخاري - الأذان، باب من جلس في المسجد ٢/١٤٣)، (وصحيح مسلم ٢/٥١٧ ح ١٠٣١ - الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة: علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفا وكذلك جميع الفرائض والنوافل.
قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)
قال النسائي: أنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، نا الفريابي، نا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
(التفسير ١/٢٨٢ ح ٧٢). وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (رقم ٣٢٤٢)، والطبراني في الكبير (١٢/٥٤ ح ١٢٤٥٣)، والحاكم في المستدرك (٢/٢٨٥، ٤/١٩١)، والبيهقي في سننه (٤/١٩١) -من طريق الحاكم في الموضع الأول-، كلهم من طرق عن سفيان، عن الأعمش. وهذا الإسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح، من سفيان إلى آخره، وما دون سفيان: فالفريابي في إسناد النسائي هو محمد بن يوسف. ثقة فاضل، وشيخ النسائي: ثقة. ولهذا قال الحاكم -عقب إخراجه في الموضع الأول-: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورمز له الذهبي في التلخيص برمز البخاري ومسلم. وقد سقط من إسناد الحاكم الأول (الأعمش) وتابعه في ذلك البيهقي، لكنه أتى به تاماً -كرواية الجماعة- في الموضع الثاني. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد ٦/٣٢٤) في رواية البزار: ورجاله ثقات. وقال ابن حجر (مختصر زوائد البزار ٢/٧٥ ح ١٤٥٠) : صحيح.
381
قوله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا... )
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا سبب فقرهم، ولكنه بين في سورة الحشر أن سبب فقرهم هو إخراج الكفار لهم من ديارهم وأموالهم بقوله (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) الآية.
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا المغيرة (يعني الحزامي) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس. فترده اللقمة واللقمتان. والتمرة والتمرتان". قالوا: فما المسكين؟ يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! قال: "الذي لا يجد غنى يغنيه. ولا يُفطن له، فيُتصدق عليه. ولا يسأل الناس شيئاً".
(الصحيح - الزكاة، ب المسكين الذي لا يجد غنى ٢/٢١٩ ح ١٠٣) وأخرجه البخاري في (الصحيح - التفسير، ب لا يسألون الناس إلحافاً) ٨/٢٠٢ ح ٤٥٣٩).
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف" فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية قال هشام: خير من أربعين درهماً، فرجعت فلم أسأله شيئاً، زاد هشام في حديثه: وكانت الأوقية على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين درهماً.
(السنن ٢/١١٦-١١٧ ك الزكاة، ب من يعطي من الصدقة وحد الغنى) وأخرجه النسائي ٥/٩٨ (ك الزكاة، ب من الملحف) من طريق قتيبة عن ابن أبي الرجال به. وأخرجه ابن خزيمة (٤/١٠٠- ك الزكاة، ب ذكر الغني تكون المسألة معه إلحافاًَ ح ٢٤٤٧) من طريق عبد الله بن يوسف عن ابن أبي الرجال به. قال الألباني: إسناده صحيح كما بينته في الصحيحة رقم (١٧١٩). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (ح ٢٤٤٨)، وابن حبان كما في (الإحسان ٥/١٦٥ ح ٣٣٨١).
382
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله)، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أمروا بالصدقة عليهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدو فلا يستطيعون تجارة.
انظر الآية رقم (١٩٦) من السورة نفسها عند قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (تعرفهم بسيماهم)، قال: من التخشع.
قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
أخرج البخاري بسنده عن حمزة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم من رؤيا"؟ … ثم ذكر حديث الإسراء وفيه قول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فانطلقنا فأتينا على نهر -حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم- وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فليقمه حجراً...
وفي آخر الحديث قول جبريل عليه السلام: "وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه حمل الربا".
(البخاري ١٢/٤٥٧ ح ٧٤٧ - كتاب التعبير - باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح).
أخرج آدم بسنده الصحيح عن مجاهد قال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)، يوم القيامة، لما أكل الربا في الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (الذين يأكلون الربا لا يقومون) الآية، وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة، بعثوا وبهم خبل من الشيطان.
383
قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
قال الشيخ الشنقيطي: واعلم أن الله صرح بتحريم الربا بقوله (وحرم الربا)
وصرح بأن المتعامل بالربا محارب الله بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).
وصرح بأن آكل الربا لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس بقوله (إن الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
أخرج مسلم بسنده عن أبي قلابة، قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار. فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا، أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس فقلت له: حَدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم. غزونا غزاة وعلى الناس معاوية. فغنمنا غنائم كثيرة. فكان، فيما غنمنا، آنية من فضة. فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك. فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء. عيناً بعين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فرد الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحاديث. قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه. فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة. ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كره معاوية (أو قال: وإن رغم) ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء. قال حماد: هذا أو نحوه.
(مسلم ٣/١٢١٠ ح ١٥٨٧ - كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق).
384
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا ليث. ح وحدثنا محمد بن رمح.
أخبرنا الليث، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان؛ أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله (وهو عند عمر بن الخطاب) : أرنا ذهبك. ثم ائتنا، إذا جاء خادمنا، نعطك ورقك. فقال عمر بن الخطاب: كلا، والله! لتعطينه ورقه. أو لتردن إليه ذهبه. فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الورق بالذهب رباً إلا هاء وهاء. والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء. والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء. والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء".
(مسلم ٣/١٢٠٩ ح ١٥٨٦ - كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق).
أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم في المسجد، ثم حرم التجارة في الخمر.
صحيح البخاري ٤/٣١٣ و٨/٥١ ك التفسير سورة البقرة)، (وصحيح مسلم ٣/١٢٠٦ ح١٥٨٠).
أخرج مسلم: عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز".
(مسلم ٣/١٢٠٨ ح ١٥٨٤ - كتاب المساقاة - ب الصرف وبيع الذهب بالورق).
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد. حدثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى عبداً حجاماً، فسألته، فقال: "نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور".
(صحيح البخاري ٤/٣١٤).
385
قوله تعالى (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا... )
قال ابن ماجة: حدثنا العباس بن جعفر. ثنا عمرو بن عون. ثنا يحيى بن أبي زائد، عن إسرائيل، عن دكين بن الربيع بن عميلة، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة".
(السنن - التجارات، ب التغليظ في الربا - ٢٢٧٩. قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة ٢/٢٤)، رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي مسعود أيضاً (المسند ١/٣٩٥، ٤٢٤). والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٣٧) (وحسنه ابن حجر (الفتح ٤/٣١٥). وقال الألباني: صحيح. (صحيح ابن ماجه ٢/٢٨).
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة كما قال تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) وقال تعالى (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم) وقال (وما أوتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله) الآية.
قوله تعالى (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) الآية.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أنه تعالى يربي الصدقات وبين في موضع آخره أن هذا الإرباء مضاعفة الأجر، وأنه يشترط في ذلك إخلاص النية لوجه الله تعالى وهو قوله تعالى (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).
أخرج البخاري: بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل".
(الصحيح ٣/٢٧٨ ح ١٤١٠ - ك الزكاة، ب الصدقة من كسب طيب لقوله تعالى (ويربي
الصدقات... )). الفلو: المهر بعد الفطام.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج أنبأنا شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لعن الله آكل الربا، وموكله وشاهديه، وكاتبه"، قال: وقال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل".
(المسند رقم ٣٨٠٩، وصححه المحقق. وذكره الهيثمي في المجمع (٤/١١٨) وقال: إسناده جيد.
وصححه الألباني (صحيح الجامع ٥/١٨). وأخرجه مسلم مقتصراً على الشق الأول (الصحيح ٣/١٢١٨ ح ١٥٩٧ - ك المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.
قوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)
قال الترمذي: حدثنا الحسن بن علي الخلال. حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص. حدثنا أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "أي يوم أحرم أي يوم أحرم أي يوم أحرم"؟ قال: فقال الناس يوم الحج الأكبر يا رسول الله، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده؛ ألا إن المسلم أخو المسلم، فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله، ألا وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع،
وأول دم وضع من دماء الجاهلية دم الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بن ليث فقتلته هذيل. ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً؛ ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أنا تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".
(السنن ٥/٢٧٣-٢٧٤ ح ٣٠٨٧ - ك التفسير، ب سورة التوبة)، وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه أبو داود في سننه (٣/٢٤٤ - ك البيوع، ب في وضع الربا ٣٣٣٤، وأخرجه ابن ماجه في سننه (٢/١٠١٥ - ك المناسك، ب خطبة يوم النحر ٣٠٥٥)، كلاهما من حديث أبي الأحوص عن شبيب به. وصححه ابن عبد البر (الاستيعاب ٢/٥١٦ حاشية الإصابة). وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة، وأبي داود ح ٢٨٥٢).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تَظلِمون: فتربون. وتُظلَمون: فتنقصون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم)، والمال الذي لهم على ظهور الرجال، جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا.
قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
أخرج البخاري بسنده أن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر. قال: فتجاوزوا عنه".
(الصحيح ٤/٣٠٧ ح ٢٠٧٧ - البيوع، ب من أنظر موسراً).
قال الحاكم: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني وأبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي قالا ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان بن عبد الوارث بن سعيد، ثنا محمد بن جحادة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من أنظر معسراً فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله بكل يوم مثله صدقة".
(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك ٢/٢٩). وأخرجه الإمام أحمد من طريق محمد بن جحادة به. (المسند ٥/٣٦٠) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٤/١٣٥). وصححه السيوطي (الجامع الصغير ٦/٩٠ ح ٨٥٣٩)، وصححه الألباني في (الصحيحة ح ٨٦).
أخرج مسلم بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت مرفوعاً: "من أنظر معسراً، أو وضع عنه، أظله الله في ظله".
(الصحيح ٤/٢٣٠١-٢٣٠٢- ك الزهد والرقائق، ب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) يعني المطلوب.
قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ…)
ساق الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آية الربا.
(الصحيح ح ٤٥٤٤ - تفسير سورة البقرة، ب (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)، وعلق الحاكم ابن حجر بقوله: وأخرج هذا الحديث بهذا اللفظ، ولعله أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس فإنه جاء عنه ذلك من هذا الوجه، وجاء عنه من وجه آخر: آخر آية نزلت على النبي (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ... ) أخرجه الطبري من طرق عنه، وكذا أخرجه من طرق جماعة من التابعين وزاد عن ابن جريح قال: يقولون إنه مكث بعدها تسع ليال. ونحوه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وروى عن غيره أقل من ذلك وأكثر فقيل إحدى وعشرين، وقيل سبعاً، وطريق الجمع بين هذين القولين أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن. (الفتح ٨/٢٠٥).
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)
قال ابن كثير: فقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها وقد نبه على هذا في آخر الآية حيث قال (ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا).
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن كتابة الدين واجبة؛ لأن الأمر من الله يدل على الوجوب - ولكنه أشار إلى أنه أمر إرشاد لا إيجاب بقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) ؛ لأن الرهن لا يجب إجماعا وهو بدل من الكتابة عند تعذرها في الآية فلو كانت الكتابة واجبة لكان بدلها واجبا. وصرح بعدم الوجوب بقوله (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ).
قوله تعالى (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) اتقى الله كاتب في كتابه، فلا يدعن منه حقاً، ولا يزيدن فيه باطلاً.
قوله تعالى (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ) قال: واجب على الكاتب أن يكتب.
قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ
390
إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) علم الله أن ستكون حقوق، فأخذ من بعضهم لبعض الثقة، فخذوا بثقة الله، فإنه أطوع لربكم وأدرك لأموالكم.
ولعمري إن كان تقياً لا يزيده الكتاب إلا خيراً، وإن كان فاجراً فبالحرى أن يؤدي إذا علم أن عليه شهود.
أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها".
(الصحيح ٥/٢٦٩ ح ٢٦٥٨ - الشهادات، ب شهادة النساء قوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)).
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير. قالا: حدثنا زيد (وهو ابن حباب). حدثني سيف بن سليمان. أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بيمين وشاهد".
(الصحيح ٣/١٣٣٧ ح ١٧١٢ - ك الأقضية، ب القضاء باليمين والشاهد).
قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبد الله بن موسى، أبنا ابن جريح، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في شهادة الصبيان قال: قال الله عز وجل (ممن ترضون من الشهداء) قال: ليس الصبيان ممن يرضى.
(المستدرك ٤/٩٩) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
قال مسلم: وحدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن ابن أبي عمرة الأنصاري، عن زيد بن خالد الجهني؛ أن النبي - ﷺ - قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء! الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها".
(الصحيح ٣/١٣٤٤ ح ١٧١٩ - كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود).
391
قوله تعالى (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني من احتيج إليه من المسلمين شهد على شهادة إن كانت عنده، ولا يحل له أن يأبى إذا ما دعى.
قوله تعالى (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني، إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت! فيضاره بذلك، وهو مكتف بغيره، فنهاه الله عن ذلك وقال (وإن تفعلوا فإنه فسوق).
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) قال: لا يضار كاتب، فيكتب ما لم يمل عليه، ولا شهيد، يقول: فيشهد بما لم يشهد عليه.
قوله تعالى (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الفسوق: المعصية.
قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ)
أخرج الشيخان بسنديهما عن عائشة رضي الله عها قالت: "اشترى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاماً من يهودي بنسيئة، ورهنه درعاً له من حديد".
(صحيح البخاري ٥/١٤٢ ح ٢٥٠٩ - ك الرهن، ب من رهن درعه). (وصحيح مسلم ٣/١٢٢٦ ح ١٦٠٣ - ك المساقاة، ب الرهن وجوازه في السفر).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً) يقول: مداداً -يقرؤها كذلك- يقول: فإن لم تجدوا مداداً، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة (فرهن مقبوضة)، لا يكون الرهن إلا في السفر.
392
قوله تعالى (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) المائدة: ٧٢. وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).
قوله تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فإنها لم تنسخ، ولكن الله إذا جمع الخلاق يوم القيامة، يقول الله عز وجل إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي. فأما المؤمنين فيغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله (يحاسبكم به الله) يقول: يخبركم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه في أنفسهم من التكذيب وهو قوله (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) وهو قوله (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) البقرة ٢٢٥. أي من الشك والنفاق.
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، قال: لما نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) قال: فاشتد
ذلك على أصحاب رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم بركوا على الركب.
فقالوا أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق. الصلاة والصيام والجهاد والصدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (قال: نعم) (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (قال: نعم).
(صحيح مسلم ١/١١٥-١١٦ - ك الإيمان، ب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق).
أخرج البخاري بسنده عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قال أحسبه ابن عمر- (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) قال: نسختها الآية التي بعدها.
(الصحيح ح ٤٥٤٦ - ك التفسير - ب (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه)، وب (وإن تبدوا ما في أنفسكم) ح ٤٥).
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة يرفعه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست -أو حدَّثت- به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم".
(صحيح البخاري ١١/٥٤٩ ح ٦٦٦٤ - ك الأيمان والنذور، ب إذا حنث ناسياً في الأيمان)، (وصحيح مسلم - ك الأيمان، ب تجاوز الله عن حديث النفس رقم ٢٠١).
394
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "من هذه"؟ قلت: فلانة، لا تنام الليل -تذكر من صلاتها- فقال: "مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا".
(الصحيح ٣/٣٦ ح ١١٥١- ك التشهد، ب ما يكره من التشديد به في العبادة).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وقال (فاتقوا الله ما استطعتم).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت) أي: من خير (وعليها ما اكتسبت) أي: من شر - أو قال من سوء.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إصراً: عهداً.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: (لا تحمل علينا إصراً) قال: لا تحمل علينا عهداً وميثاقاً (كما حملته على الذين من قبلنا) يقول: كما غلظ على الذين من قبلنا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قال: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) تشديد يشدد به، كما شدد على ما كان قبلكم.
395
Icon