اسم عزيز من عرفه سمت همته، وإذا سمت همته سقطت عن الدارين طلبته.
اسم من عرفه زال كربه وطاب قلبه ؛ دينه ربه وجنته حبه.
اسم عزيز من وسمه بعبوديته حرره من رق شهواته، وأعتقه من أسر مطالبه ؛ فلا له لمحبوب طلب، ولا يستفزه لمحذور هرب.
ﰡ
الطاء إشارة إلى قلبه - عليه السلام - من غير الله، والهاء إشارة إلى اهتداء قلبه إلى الله.
وقيل طَأْ بِسرِّك بساط القربة فأنتَ لا تهتدي إلى غيرنا.
ويقال طوينا عن سرِّك ذِكْرَ غيرنا، وهديناك إلينا.
ويقال طوبى لمن اهتدى بك. ويقال طاب عيشُ مَنْ اهتدى بك.
ويقال إنه لما قال له :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٨٨ ] وقف بِفَرْدِ قدم تباعدا وتنزهاً عن أن يقرب من الدنيا استمتاعاً بها بوجهٍ فقيل له : طأ الأرض بقدميك. . . لِمَ كل هذا التعب الذي تتحمله ؟ فزاد في تعبده، ووقف، حتى تقدمت قدماه وقال :" أفلا أكون عبداً شكوراً " أي لما أهلني من التوفيق حتى أعبده.
قال تعالى :﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٧ ] وعرش القلوب : قال تعالى :﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالبَحْرِ ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] أمَّا عرش السماء فالرحمن عليه استوى، وعرشُ القلوبِ الرحمنُ عليه استولى. عرشُ السماءِ قِبْلَهُ دعاءِ الخَلْق، وعرشُ القلبِ مَحَلٌّ نَظَرِ الحق. . . . . فشتَّان بين عرشٍ وعرش !
ويقال الذي هو أخفى من السر لا يفسده الشيطان، ولا يكتبه المَلَكَانِ، ويستأثِرُ بِعلْمه الجبَّارُ، ولا تقف عليه الأغيار.
﴿ لَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى ﴾ أي صفاته، على انقسامها إلى صفة ذات وصفة معنى.
ويقال ﴿ لَهُ الأسْمَآءُ الحُسْنَى ﴾ تعريفٌ للخَلْق بأنَّ استحقاق العلو والتقدُّس عن النقائص له على وصف التفرُّد به.
ويقال استولى على موسى عند رؤيته النار الانزعاجُ، فلم يتمالك حتى خرج. ففي القصة أنه لما أتاها وَجَدَ شجرةً تشتعل من أولها إلى آخرها، فجمع موسى - عليه السلام - حشائشَ ليأخذ من تلك النار، فعرف أن هذه النار لا تسمح نفْسُها بأَنْ تُعْطِي إلى أحدٍ شعلة :
وقَلَن لنا نحن الأَهِلَّةُ إنما | نضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نُقْرِي |
ويقال كان موسى عليه السلام في مزاولة قَبسٍ من النار فكان يحتال كيف يأخذ منها شيئاً، فبينما هو في حالته إذ سمع النداءَ من الحقِّ.
ويقال إنما عرف موسى - عليه السلام - أنه كلامُ الله بتعريفٍ خصَّه الحق - سبحانه - به من حيث الإلهام دون نوع من الاستدلال.
ويقال ألقِ عصاك يا موسى، واخلع نعليك، وأَقِمْ عندنا هذه الليلةَ ولا تَبْرَحْ ويقال الإشارة في الأمر بخلع النعلين تفريغ القلب من حديث الدارَيْن، والتجرد للحقِّ بنعت الانفراد.
ويقال :﴿ اخلع نعليك ﴾ : تَبَرَّأْ عن نَوْعَيْ أفعالك، وامْحُ عن الشهود جنْسَيْ أحوالِك من قربٍ وبُعْدٍ، ووَصْلٍ وفَصْلٍ، وارتياح واجتياح، وفناء وبقاء. . . . وكُنْ بوصفنا ؛ فإٍنما أنت بحقنا.
أَثْبَتَه في أحواله حتى كان كالمجرد عن جملته، المُصْطَلَم عن شواهده.
قوله :﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوىً ﴾ : أي إنك بالوادي المقدس عن الأعلال ؛ وساحاتُ الصمدية تَجِلُّ عن كل شيْن، وإيمانٍ وزَيْن ؛ عن زَيْنٍ بإحسان وشَيْنٍ بعصيان ؛ لأنَّ للربوبية سَطَعَاتِ عِزِّ تقهر كل شيء.
ويقال بعدما اخترتُك فأنت لي وبي، وأنت محو في فنائك عنك.
ويقال :﴿ لآَ إِلَهَ إلاَّ أَنَا ﴾ : الأغيار في وجودي فَقْدٌ، والرسومُ والأطلالُ عند ثبوتِ حقي محوٌ.
قوله :﴿ فَاعْبُدْنِى ﴾ : أي تَذَلَّلْ لِحُكْمي، وأنفِذْ أمري، واخضعْ لجبروتِ سلطاني.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى ﴾.
إقامتُها من غير ملاحظة مُجْرِيها ومُنْشِيها يُورِث الإعجاب. وإذا أقام العبدُ صلاتَه على نعت الشهود والتحقق بأن مجريها غيره كانت الصلاة بهذا فتحاً لباب المواصلة. والوقوف على محل النجوى، والتحقق بخصائص القرب والزلفة.
ويقال إنما قال ذلك لأنه صَحِبَتْهُ هيبةُ المقام عند فَجْأَةِ سماعِ الخطاب، فَلِيُسَكِّنَ بعضَ ما به من بَوَادِهِ الإجلال. . . رَدَّهُ إلى سماعِ حديث العصَا، وأراه ما فيها من الآيات.
ويقال لو تركه على ما كان عليه من غَلَبَاتِ الهيبة لعلَّه كان لا يعي ولا يطيق ذلك. . . . فقال له : وما تلك بيمينك يا موسى ؟
فإنَّك بنعت التوحيد، واقفٌ على بساط التفريد، ومتى يصحُّ ذلك، ومتى يَسْلَمُ لك أن يكون لَكَ معتمدٌ تتوكأ عليه، ومستند عليه تستعين، وبه تنتفع ؟
ثم قال :﴿ وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى ﴾ : أَوَّلُ قَدَمٍ في الطريق تَرْكُ كلِّ سَبَبٍ، والتَّنَقِّي عن كل طَلَبٍ ؛ فكيف كان يَسْلَمُ له أن يقول : أَفْعَلُ بها، وأمتنع، ولي فيها مآرب أخرى.
ويقال ما ازداد موسى - عليه السلام - تفصيلاً في انتفاعه بعصاه إلا كان أقوى وأَوْلَى بأن يؤمن بإلقائها، والتنقي عن الانتفاع بها على موجب التفرُّد لله.
ويقال التوحيد التجريد، وعلامةُ صحته سقوط الإضافات بأْسْرِها ؛ فَلا جَرَمَ لما ذكر موسى - عليه السلام - ذلك أُمِرَ بإلقائها فجعلها اللَّهُ حَيَّةً تسعى، وولَّى موسى هارباً ولم يُعَقِّب. وقيل له يا موسى هذه صفة العلاقة ؛ إذا كوشِفَ صاحبُها بِِسِرِّها يهرب منها.
ويقال لمَّا باسطه الحقُّ بسماع كلامه أخذته أريحية سماع الخطاب، فأجاب عما يُسْأَل وعمَّا لم يُسْأَل فقال :﴿ وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى ﴾ : وذَكَرَ وجوها من الانتفاع ؛ منها أنه قال تؤنسني في حال وحدتي، وتضيءُ لي الليلَ إذا أظلم، وتحملني إذ عَييتُ في الطريق فأركبُها، وأَهُشُّ به على غنمي، وتدفع عني عَدَوِّي. وأعظم مأربٍ لي فيها أَنَّكَ قُلْتَ :﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ؟ ﴾ وأيةُ نعمةٍ أو مأربٍ أو منفعةٍ تكون أعظمَ مِنْ أَنْ تقولَ لي : وما تلك ؟ ويقال قال الحقُّ - بعد ما عدَّد موسى وجوَه الآياتِ وصنوفَ انتفاعِه بها - ولَكَ يا موسى فيها أشياءٌ أخرى أنت غافلٌ عنها وهي انقلابُها حيةً، وفي ذلك لك معجزةٌ وبرهانُ صِدْقٍ.
ويقال جميعُ ما عَدَّدَ من المنافع في العصا كان من قِبَلِ الله. . . . فكيف له أن ينسبها ويضيفها إلى نفسه، ولهذا قالوا :
يا جنَّة الخُلْدِ، والهدايا إذا | تُهدَى إليك فما مِنْكِ يُهْدَى |
ثم قال المقصود بذلك أن تكون لك آيةً ومعجزةً لا بلاءً وفتنةً.
وإنما قال : أَدْخِلْ يَدَكَ في جيبِك ولم يقل كُمِّك لأنه لم يكن لِمَا عليه من اللِّباس كُمَّان.
ويقال لمَّا أَمَرَه بالذهاب إلى فرعونَ سأل اللَّهَ أُهْبَةَ النَّقْلِ وما به يتمُّ تبليغ ما حمل من الرسالة، ومن ذلك قوله :﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾
ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو :﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. . . . ﴾ وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى ﴾ : حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك
ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو :﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.... ﴾ وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى ﴾ : حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك
ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو :﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.... ﴾ وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى ﴾ : حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك
ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصاً بحاله.
ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصاً بحاله.
ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصاً بحاله.
وأثبتنا في قلب امرأة فرعون شفقتك، وألقينا عليكَ المحبةَ حتى أحبّكَ عدوُّك، وربَّاكَ حتى قَتَلَ بِسَبَبِكَ ما لا يُحْصَى من الولدان، والذي بَدَأَكَ بهذه المِنَنِ هو الذي آتاك سُوْلَكَ، وحقَّقَ لك مأموَلَكَ.
وأثبتنا في قلب امرأة فرعون شفقتك، وألقينا عليكَ المحبةَ حتى أحبّكَ عدوُّك، وربَّاكَ حتى قَتَلَ بِسَبَبِكَ ما لا يُحْصَى من الولدان، والذي بَدَأَكَ بهذه المِنَنِ هو الذي آتاك سُوْلَكَ، وحقَّقَ لك مأموَلَكَ.
يقال كان فرعون يُسَمَّى والدَ موسى وأباه - ولم يكن. وكان يقال لأُمِّ موسى ظئر موسى - ولم تكن ؛ فَمِنْ حيثُ الدعوى بالأبوة لم يكن لها تحقيق، ومن حيث كان المعنى والحقيقة لم يكن عند ذلك خبر ولا عند الآخر من ذلك معرفة. . . هكذا الحديث والقصة.
ولقد جاء في القصة أنّ موسى لمَّا وَضِعَ في حِجْر فرعون لَطَمَ وجهه فقال : إنَّ هذا من أولاد الأعداء فيجب أَنْ يُقْتَلَ، فقالت امرأتُه : إنه صبيٌّ لا تمييزَ له، ويشهد لهذا أنه لا يُمَيِّزُ بين النار وبين غيرها من الجواهر والأشياء، وأرادت أن يصدِّق زوجُها قالتَها، فاستحضرت شيئاً من النار وشيئاً من الجواهر، فأراد موسى عليه السلام أن يمدَّ يَدَه إلى الجواهر فأخذ جبريلُ عليه السلام بيده وصَرَفَها إلى النار فأخَذَ جَمْرةً بيده، وقرَّبها مِنْ فيه فاحترقَ لِسانُه - ويقال إنَّ العقدةَ التي كانت على لسانه كانت من ذلك الاحتراق - فعند ذلك قالت امرأةُ فرعون : ها قد تبينَّ أن هذا لا تمييزَ له، فقد أخذ الجمرة إلى فيه. وتخلَّص موسى بهذا مما حصل منه من لَطْمِ فرعون.
ويقال إنهم شاهدوا ولم يشعروا أنه لم يحترق مِنْ أَخْذِ الجمرة وهو صبيٌ رضيع، ثم احترق لسانه، فعلم الكلُّ أن هذا الأمر ليس بالقياس. فإنه سبحانه فعَّال لما يريد.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّى ﴾.
أي أحببتك. ويقال في لفظ الناس : فلانٌ ألقى محبته على فلان أي أَحَبَّه. ويقال :﴿ ألقيت عليك محبة مني ﴾ : أي طَرَحْتُ في قلوب الناس محبةً لك، فالحقُّ إذا أحبَّ عبداً فكلُّ مَنْ شاهده أحبَّه. ويقال لملاحةٍ في عينيه ؛ فكان لا يراه أحدٌ إلا أَحَبَّه.
ويقال :﴿ ألقيت عليك محبةً مني ﴾ : أي أثْبَتُّ في قلبك محبتي ؛ فإن محبةَ العبدِ لله لا تكون إلا بإثباتِ الحق - سبحانه - ذلك في قلبه، وفي معناه أنشدوا :
إنَّ المحبةَ أَمْرُها عَجَبٌ | تُلْقَى عليكَ وما لها سَبَبُ. |
أي بمرأىً مني، ويقال لا أُمَكِّن غيري بأَنْ يستَبْعِدَكَ عني.
ويقال أحفظك من كل غَيْرٍ، ومن كلِّ حديثٍ سوى حديثنا. ويقال ما وَكَلْنَا حِفْظَكَ إلى أحدٍ.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ ﴾.
أجرى اللَّهُ عليه ما هو في صورةِ كبيرةٍ من قَتْلِ النَّْفسِ بغير حق، ثم بيَّن اللَّهُ أنه لا يضره ذلك، فليست العِبْرَةُ فعل العبد في قلَّته وكثرته إنما العِبرةُ بعناية الحقِّ بشأنِ أحدٍ أو عداوته.
ويقال قد لا يموت كثيرٌ من الخلْقِ بفنون من العذابِ، وكم من أناس لا يموتون وقد ضُرِبُوا ألوفاً من السياط ! وصاحبُ موسى عليه السلام ومقتولُه مات بوكزةٍ ! إيش الذي أوجب وفاته لولا أنه أراد به فتنةً لموسى ؟ وفي بعض الكتب أنه - سبحانه - أقام موسى كذا وكذا مقاماً، وأسمعه كلامه كل مرة بإسماع آخر، وفي كل مرة كان يقول له :﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً ﴾.
﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ ﴾ : أريناكَ عينَ الجمع حتى زال عنك ما داخَلَكَ من الغمِّ بصفة مقتضى التفرقة، فلمَّا أريناك سِرَّ جريانِ التقديرِ نَجَّيْنَاكَ من الغم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾.
استخلصناكَ لنا حتى لا تكون لغيرنا. ويقال جَنَّسْنَا عليك البلاَءَ ونَوَّعْنَاه حتى جَرَّدْنَاكَ عن كل اختيارٍ وإرادة، ثم حينئذٍ رَقَّيْنَاكَ إلى ما استوجَبْتَه من العِلم الذي أَهَّلْنَاكَ له.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾.
وكنتَ عند الناسِ أنك أجيرٌ لشعيب، ولم يظهر لهم ما أودعنا فيك، وكان يكفي - عندهم - أن تكون خَتنَاً لشعيب.
﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾.
أي عَدَدْنا أيامَ كونك في مدين شعيب، وكان أهل حضرتنا من الملائكة الذين عرفوا شرَفَكَ ومحبَّتَكَ منتظرين لك ؛ فجئتَ على قَدَرٍ.
ويقال إنَّ الأَجَل إذا جاء للأشياء فلا تأخيرَ فيه ولا تقديم، وأنشدوا في قريب من هذا المعنى :
بينما خاطرُ المنى بالتلاقي | سابحٌ في فؤاده وفؤادي |
جمع اللَّهُ بيننا فالتقينا | هكذا بغتةً بلا ميعادِ |
ويقال أفردْتُ سِرَّك لي، وجعلْتُ إقبالَكَ عليَّ دون غيري، وحُلْتُ بينك وبين كل أحدٍ ممن هو دوني.
ويقال :﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفسِى ﴾ : قَطَعَهُ بهذا عن كلِّ أحدٍ، ثم قال له :﴿ اذهب إلى وعون ﴾.
﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى ﴾ [ القصص : ١٣ ]، ﴿ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسَاً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [ القصص : ٣٣ ]. . إلى غير ذلك من الوجوه، فلم ينفعه ذلك، وقال الله :﴿ إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [ طه : ٤٦ ]، فاستقل موسى عليه السلام بذلك، وقال : الآن لا أُبالي بعد ما أنت معي.
﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى ﴾ [ القصص : ١٣ ]، ﴿ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسَاً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [ القصص : ٣٣ ].. إلى غير ذلك من الوجوه، فلم ينفعه ذلك، وقال الله :﴿ إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [ طه : ٤٦ ]، فاستقل موسى عليه السلام بذلك، وقال : الآن لا أُبالي بعد ما أنت معي.
ثم إذا ظهر من الخَصمِ التمرُّدُ والإباء فحينئذٍ يُقابَلُ بالغلظة والحتف.
ويقال علَّمهما خطابَ الأكابرِ ذوي الحشمة ؛ ففرعونُ - وإن كان كافراً - إلا أنه كان سلطانَ وقتهِ، والمتسلِّطَ على عبادِ الله.
ويقال إذا كان الأمرُ في مخاطبة الأعداء بالرِّفق والملاينة. . . فكيف مع المؤمن في السؤال ؟
ويقال في هذا إشارة إلى سهولة سؤال المَلَكَين في القبر للمؤمن.
ويقال إذا كان رِفْقُه بِمَنْ جَحَدَه فكيف رِفْقُه بِمَنْ وَحَدَه ؟
ويقال إذا كان رَفْقُه بالكفَّارِ فكيف رفقُه بالأبرار ؟
ويقال إذا كان رفقه بمن قال : أنا. . . فكيف رفقه بمن قال : أنت ؟
ويقال إنه أَحْسَنَ تربيةَ موسى عليه السلام ؛ فأراده أن يرفق به اليومَ في الدنيا على جهة المكافأة.
وقيل تفسير هذا ما قال في آية أخرى :﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ﴾ [ النازعات : ١٨ ].
وقوله :﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ : أي كُونَا على رجاء أن يُؤْمِنَ. ولم يخبرهما أنه لا يؤمن لئلا تتداخَلَهُما فَتْرَةٌ في تبليغ الرسالة عِلْماً منه بأنه لا يؤمن ولا يقبل.
ثم إنَّه سبحانه سَكَّنَ ما بهما من الخوف بوعد النصرة لهما.
ويقال لم يخافا على نَفْسَيْهِما شفقةً عليهما، ولكن قالا : إننا نخاف أن تحل بنا مكيدةٌ من جهته، فلا يحصل فيما تأمرنا به قيامٌ بأمرك، فكان ذلك الخوفُ لأجل حقِّ الله لا لأَجْلِ حظوظ أنفسهما.
ويقال لم يخافا من فرعون، ولكن خافا من تسليط الله إياه عليهما، ولكنهما تأّدّبا في الخطاب.
ويقال سَكَّنَ فيهما الخوف بقوله :﴿ إنني مَعَكُمَا ﴾، فَقَويا على الذهاب إليه ؛ إذ مِنْ شَرْط التكليف التمكين.
قوله جلّ ذكره :﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ ﴾.
من شَرْطِ التكليفِ التمكينُ بالبيِّنة والآيةِ للرسولِ حتي يَتَّضِحَ ما يَدُلُّ على صِدْقِه فيما يدعو إليه من النبوة. ثم إن تلك الآية وتلك البيِّنة ما نفعتهم، وإنا تأكدتْ بهما عليهم الحُجَّةُ ؛ فإِذا عَمِيَ بَصَرُ القلبِ فأَنَّى تنفع بصيرةُ الحجة ؟ وفي معناه قالوا :
وفي نَظَرِ الصادي إلى الماء حَسْرَةٌ | إذا كان ممنوعاً سبيل المواردِ |
إنما يَتّبع الهُدَى مَنْ كَحَّلَ قلبَه بنور العرفان، فأما من كانت على قلبِه غشاوة الجهل. . . فمتى يستمع إلى الهُدَى ؟
وأما مُعَجَّلُ العقوبةِ فأنواع، وعلى حسب مقام المرءِ تَتَوَجَّهُ عليه المُطَالَبَاتُ، والزيادةُ في العقوبةِ تَدُلُّ على زيادةِ استحقاقِ الرّتْبَةِ ؛ كالحرِّ والعَبْدِ في الحَدِّ. وقسوةُ القلب نوعُ عقوبة، وما يتداخل الطاعة نوعُ عقوبة، وخسرانُ نصيبٍ في المالِ والأَنْفُس نوعُ عقوبة. . . إلى غير ذلك.
كذلك صفةُ مَنْ وَسَمه الحقُّ بالإبعاد، لم يكن له عرفان، ولا بما يقال إيمان، ولا يتأسَّفُ على ما يفوته، ولا تصديق له بحقيقة ما هو بصدده.
استقبلني وسيفُه مسلول | وقال لي واحدنا معذول. |
هما في دعواهما كاذبان يَقْصِدان إلى إخراجِكم من بَلَدِكم، والتشويشِ عليكم في مُعْتَقَدِكم.
قوله :﴿ فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ. . . ﴾ عَلِمُوا أَنَّ البَلاَءَ في الدنيا يَنْقَضي - وإنْ تمادى، وينتهي وإن تناهى.
والأرزاقُ مختلفةٌ ؛ فلأقوام حظوظُ النفوس ولآخرين حقوقُ القلوب، ولأقوام شهودُ الأسرار ؛ فرزق النفوس التوفيق، ورزق القلوب التصديق، ورزق الأرواح التحقيق.
قوله :﴿ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ : بمجاوزة الحلالِ إلى الحرام.
ويقال :﴿ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ : بالزيادة على الكفاف وما لا بُدَّ منه مما زاد على سدِّ الرمق.
ويقال :﴿ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ : بالأكل على الغفلة والنسيان.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَيَحِلَّ عَلْيْكُمْ غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى ﴾.
فيحل عليكم غضبي بالخذلان لمتابعة الزَّلَّة بعد الزَّلَّة.
ويقال فيحل عليكم غضي لِفَقْدِكم التأسُّفَ على ما فاتكم.
ويقال بالرضا بما أنتم فيه من نقصان الحال.
إني - على جَفَواتها - فبِرَبِّها | وبكل مُتَّصِلٍ بها متوسِّلُ |
وأُحِبُّها وأُحِبَّ منزلَها الذي | نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزلِ |
وقوله هنا :﴿ وَءَامَنَ ﴾ : أي آمن في المآلِ كما هو مؤمِنٌ في الحال.
ويقال آمن بأنه ليست نجاته بتوبته وبإيمانه وطاعته، إنما نجاتُه برحمته.
ويقال ﴿ وَإنِّى لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ ﴾ : مِنَ الزَّلَّة ﴿ وَءَامَنَ ﴾ : فلم يَرَ أعماله من نَفْسه، وآمن بأن جميع الحوادثِ من الحقِّ - سبحانه - ﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ : فلم يُخِلْ بالفرائض ثم اهتدى للسُّنَّةِ والجماعة.
ويقال ﴿ ثُمَّ ﴾ : للتراخي ؛ أي آمن في الحال " ثم " اهتدى في المآل.
ويقال مَنْ سَمِعَ منه ﴿ وَإِنّىِ ﴾ لا يقول بعد ذلك :" إِنِّي ".
ويقال من شَغَلِه سماعُ قوله :﴿ وإِنِّى ﴾ اسْتُهْلِكَ في استيلاءِ ما غَلَبَ عليه من ضياء القربة، فإذا جاءت ﴿ لَغَفَّارٌ ﴾ صار فيه بعين المحو، ولم يتعلق بذنوب أصحابه وأقاربه وكل من يعتني بشأنه.
ويقال ﴿ إني لغفار ﴾ كثير المغفرة لمن تاب مرةً ؛ فيغفر له أنواعاً من ذنوبه التي لم يَتُبْ منه سِرَّها وجَهْرِها، صغيرها وكبيرِها، وما يتذكر منها وما لا يتذكر. ولا ينبغي أَنْ يقولَ : عملت " عملاً صالحاً " : بل يلاحظُ عَمَلَه بعينِ الاستصغارِ، وحالته بغير الاستقرار.
وقوله :﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ : أي اهتدى إلينا بنا.
ويقال قومٌ يُعاتَبون لتأخرهم وآخرون لتقدمهم. . . فشتان ما هما !
قوله :﴿ هُمْ أُوْلآءِ عَلَى أَثَرِى ﴾ أي ما خَلَّفْتُهم لتضييعي أيامي، ولكني عَجِلْتُ إليك لترضى. يا موسى إنَّ رضائي في أن تكون مَعهم وأَلاَّ تَسْبِقَهم، فكونُكَ مع الضعفاءِ الذين استصحبتَهم - في معاني حصول رضائي - أبلغَ مِنْ تَقَدُّمِكَ عليهم.
ويقال طَلَبَ موسى - عليه السلام - رِضَاءَ الحق، وقدَّر الحقُّ - سبحانه - فتنةَ قَوْمِه فقال :﴿ إنا قد فتنا قومك من بعدك ﴾، ثم الحُكْمُ لله، ولم يكن بُدٌّ لموسى عليه السلام من الرضاء بقضاء الله - فلا اعتراضَ على الله - ومِنَ العلم بِحقِّ اللَّهِ في أنْ يفعلَ ما يشاء، وأنشدوا :
أُريد وَصَالَه ويريد هجري | فأتركُ ما أُريد لما يُريد |
بدعائه إياهم إلى عبادة العجل، وهو نوع من التعزير، وحصل ما حصل، وظهر ما ظهر من (. . . ).
ورجع موسى إلى قومه بوصف الغضب والأسف، وخاطبهم ببيان العتاب :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَم يَعِدْكُمْ رَبُّكُم وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِن رَّبِّكُمْ فَأخْلَفْتُمُ موْعِدِى ﴾.
ظنوا بنبيِّهم ظنَّ السَّوْءِ في خلفه الوعد، فَلَحِقَهُمْ شؤمُ ذلك حتى زاغوا عن العهد، وأشركوا في العقد. . . وكذلك يكون الأمر إذا لم يفِ المرء بعقده، فإنه ينخرط في هذا السِّلْكِ.
ويقال إن موسى - عليه السلام - خرج من بين أمته أربعين يوماً فرَضِيَ قومهُ بعبادة العجل، ونبيُّنا - عليه السلام - خرج من بين أمته وأتت سنون كثيرة ولو ذَكَرَ واحدٌ عند مَنْ أخلص مِنْ أمته في التوحيدِ حديثاً في التشبيه لعدوا ذلك منه كبيرةً ليس له منها مَخْلَصٌ.
كذلك فإنهم استحفظوا كتابهم فبدَّلوه تبديلاً، بينما ضَمَنَ الحقُّ - سبحانه - إعزازَ هذا الكتاب بقوله :﴿ إِنًّا نَحْنُ نَزًّلْنَا الذِّكْرَ وأِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر : ٩ ].
وقال :﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [ الفتح : ٢٨ ].
فاستلطفه في الخطاب واستعطفه بقوله :﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾
أنت أمَرْتَنِي أَلاَّ أُفارِقَهم. وقد يُقال إن هارون لو قال لموسى : في الوقتِ الذي احتَجْتَ أنْ تَمْضِيَ إلى فرعون قلتَ :﴿ وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً ﴾ [ القصص : ٣٤ ]، وقلت :﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِى ﴾ [ القصص : ٣٤ ]، وقلت حين مضيتَ إلى سماع كلام الحق :
﴿ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى. . . ﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] فما اكتفيت بأَنْ لم تستصحبني. وخَلَّفْتَنِي ! وقد عَلِمْتَ أَني بريءُ الساحةِ مما فعلوا فأخذتَ بلحيتي وبرأسي. . . ألم ترضَ بما أنا فيه حتى تزيدني حَرْياً على حَرْي ؟ !. . . . لو قال ذلك لكان مَوْضِعَه، ولكنْ لِحلْمِه، ولِعِلْمِه - بأنَّ ذلك كُلَّه حُكْمُ ربِّهم - فقد قابَلَ كلَّ شيءٍ بالرضا.
ثم كان هلاكُه. . . لئلا يأْمَنَ أحدٌ خفي مَكْرِ التقدير، ولا يركنَ إلى ما في الصورة من رِفْقٍ فَلَعَلَّه - في الحقيقة - يكون مكراً، ولقد أنشدوا :
فأَمِنتُه فأَتَاحَ لي من مَأْمَنِي | مَكْراً، كذا مَنْ يَأْمَنُ الأحبابا |
قوله جلّ ذكره :﴿ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَ لَنَنَسِفَنَّهُ فى اليَمِ نَسْفاً ﴾.
كلُّ ما تَعَلَّقَ به القلبُ من دون الله يَنْسِفُه الحقُّ - سبحانه بمحبه ولهذا يُلْقي الأصنامَ غداً في النار مع الكفار، وليس له جُرْمٌ، ولا عليهم تكليف، ولا لها عِلْمٌ ولا خبر. . . وإنما هي جماداتٌ.
وللآخرين قيامةٌ مُعَجَّلةٌ ؛ فيها محاسبة وعليهم فيها مطالبة، وهوان حاضر وعذاب حاصل، فكما تَرِدُ على ظواهرِ قوم في الآخرة عقوباتٌ، تَرِدُ على سرائر آخرين عقوباتٌ في الحياة الحاضرة، والمعاملةُ مع كلِّ أحدٍ تخالف المعاملةَ مع صاحبه.
ويقال شفاعة الرسول عليه السلام غداً للمطيعين بزيادة الدرجة، وللعاصين بغفران الزَّلَّة، كذلك شفاعة الشيوخ - اليوم- للمريدين على قسمين : للذين هم أصحاب السلوك فبزيادة التحقيق والتوفيق، وللذين هم أصحاب التَّخَبُّطِ والغِرَّة فبالتجاوز عنهم، وعلى هذا يُحْمَلُ قولُ قائلهم :
إِذَا مَرِضْتُم أَتْيْناكُم نعودُكُم | وتُذْنِبُون فنأتيكم ونعتَذِرُ ! |
ويقال العمل الصالح ما لم يستعجل عليه صاحبُه أجراً.
قوله :﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ : أي في المآل كما هو مؤمن في الحال.
ويقال هو مؤمنٌ مصدِّق لربِّه أنه لا يعطي المؤمنَ لأَجْلِ إيمانه شيئاً، ولكن بفضله، وإيمانُه أمارةٌ لذلك لا موجِبٌ له.
و ﴿ المَلِكُ ﴾ : مبالغةً من المالك، وحقيقة الملك القدرة على الإيجاد، والانفراد بذلك.
و ﴿ الحَقُّ ﴾ : في وصفه - سبحانه - بمعنى الموجود، ومنه قوله عليه السلام :" العين حق " أي موجود.
ويكون الحق بمعنى ذي الحقِّ، ويكون بمعنى مُحِقِّ الحق. . . كل ذلك صحيح.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِالقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلماً ﴾.
كان يتعجل بالتلقف من جبريل مخافَة النسيان، فأَمَرَه بالتثبت في التلقين، وأَمَّنَه من طوارِق النسيان، وعرَّفه أن الذي يحفظ عليه ذلك هو الله.
والآية تشير إلى طَرَفٍ من الاحتياط في القضاء بالظواهر قبل عرضها على الأصول، ثم إنْ لم يوجد ما يُوجَبُ بالتحقيق أجراه على مقتضى العموم بحقِّ اللفظ، بخلاف قول أهل التوقف.
فالآية تشير إلى التثبت في الأمور وضرورة التمكث واللبث قصداً للاحتياط.
قوله :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً ﴾ : فإذا كان أَعْلَمُ البَشَرِ، وسيِّدُ العرب والعجم، ومَنْ شهد له الحقُّ بخصائص العلم حين قال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ﴾ [ النساء : ١١٣ ] يقال له :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً ﴾ - عُلِمَ أَنَّ ما يخصُّ به الحقُّ أولياءَه من لطائف العلوم لا حَصْرَ له.
ويقال أحاله على نفسه في استزادة العلم. وموسى عليه السلام أحاله على الخضر حتى قال له :﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ﴾ [ الكهف : ٦٦ ] فشتان بين عبدٍ أحيل على عبدٍ في ذلك ثم قيل له :﴿ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيِعَ مَعِىَ صَبْراً ﴾ [ الكهف : ٧٢ ] ثم كل ذلك التلطف قال له في آخر الأمر :﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ. . . ﴾ [ الكهف : ٧٨ ] وبين عبدٍ أَمَرَه عند استزادة العلم بأن يطلبه من قِبَلِ ربه فقال : قُلْ يا محمد :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً ﴾.
ويقال لما قال عليه السلام :" أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له " قال له :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً ﴾ لِيُعْلَمَ أَنَّ أشرف خِصالِ العبدِ الوقوفُ في محلِّ الافتقار، والاتصاف بنعت الدعاء دون الوقوف في مَعْرِضِ الدعوى.
ويقال :﴿ لم نَجد له عزماً ﴾ : على الإصرار على المخالفة.
ويقال لم نجد عزماً في القصد على الخلاف، وإن كان. . فذلك بمقتضى النسيان، قال تعالى :﴿ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ على خلاف الأمر، وإنْ كان منه اتباعُ لبعض مطالبات الأمر.
ويقال شرح قصة آدم - عليه السلام - لأولاده على حجة التسكين لقلوبهم حتى لا يقنطوا من رحمة الله ؛ فإن آدم عليه السلام وقع عليه هذا الرقم، واستقبلته هذه الخطيئة، وقوله تعالى :﴿ فَنَسِىَ ﴾ من النسيان، ولم يكن في وقته النسيان مرفوعاً عن الناس.
ويقال عاتبه بقوله :﴿ فَنَسِىَ ﴾ ثم أظهر عُذْرَه فقال :﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾.
ويقال تنعَّمَ آدمُ في الجنة ولم يعرف قدر ذلك إلى حين استولى في الدنيا عليه الجوعُ والعطشُ، والبلاء من كل (. . . ).
وكان آدم عليه السلام إذا تجدَّد له نوعٌ من البلاء أخذ في البكاء، وجبريل عليه السلام - يأتي ويقول : ربُّك يُقْرِئِكُ السلامَ ويقول : لِمَ تبكي ؟ فكان يُذَكِّر جبريلَ عليه السلام وهو يقول : أهذا الذي قُلْتَ :﴿ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلآَ تَضْحَى ﴾. . . ! وغير هذا من وجوه الضمان والأمن ؟ !
ويقال : لو عَمَّى على إبليس تلك الشجرة حتى لم يعرفها بعينها، ولو لم يكن (. . . ) حتى دلَّه على تلك الشجرة إيش الذي كان يمنعه منه إلا أَنَّ الحُكمَ منه بذلك سَبَقَ، والإرادةَ به تعلَّقت ؟
ويقال إن الشيطان ظهر لآدم عليه السلام بعد ذلك فقال له : يا شقيُّ، فعلتَ وصنعتَ. . !
فقال إبليس لآدم : إنْ كنتُ شيطانَك فَمَنْ كان شيطاني ؟
ويقال سُمِّي الشيطان شيطاناً لبعده عن طاعة الله، فكلُّ بعيدٍ عن طاعة الله يُبْعِدُ الناسَ عن طاعة الله فهو شيطان، ولذلك يقال : شياطين الإِنْسِ، وشياطين الإِنْسِ شرٌّ من شياطين الجن.
ويقال لما طمع آدم في البقاء خالداً وَجَدَ الشيطان سبيلاً إليه بوسوسَتِه.
والناسُ تكلموا في الشجرة : ما كانت ؟ والصحيحُ أَنْ يقالَ إنها كانت شجرة المحنة.
ويقال لو لم تُخْلَقْ في الجنة تلك الشجرة لَمَا كان في الجنة نقصانٌ في رتبتها.
ويقال لولا أنه أراد لآدم ما كان لطالت تلك الشجرة حتى ما كانت لِِتَصلَ إليها يَدُه، ولكنه - كما في القصة - كانت لا تصل إلى أوراقها يده - بعد ما أكل منها - حينما أراد أَنْ يأخذَ منها لِيَسْتُرَ عورتَه.
ويقال لَمَّا تجرَّدَا عن لِباس التقوى تناثر عنهما لباسهما الظاهر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ ﴾.
أولُ الحِرَفِ والصناعات - على مقتضى هذا - الخياطةُ، وخياطةُ الرّقاع بعضها على بعض للفقراء ميراثٌ من أبينا آدم - عليه السلام.
ويقال كان آدمُ - عليه السلام - قد أصبح وعليه من حُلَلِ الجنة وفنونِ اللِّباس ما اللَّهُ به أعلمُ، ثم لم يُمس حتى كان يخصف على نفسه من ورق الجنة، وهكذا كان في الابتداء ما هو موروثٌ في أولاده من هناء بعده بلاء.
قوله تعالى :﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنِ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] عند ذلك وقعت عليهما الخَجْلَةُ لمَّا وَرَدَ عليهما خطاب الحقِّ :﴿ أَلَمْ أَنْهَكُمَا. . . . عن ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] ولهذا قيل : كفى للمُقَصِّر الحياء يوم اللقاء.
قوله تعالى :﴿ قَالاََ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا. . . ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] لم يتكلما بلسان الحجة فقالا :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ]، ولم يقولا : بظلمنا صرنا من الخاسرين، بل قالا :﴿ وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] ليُعْلَم أَنَّ المدارَ على حُكْم الربِّ لا على جُرْمِ الخَلْق.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾.
لَمَّا وَقَعَتْ عليه سِمَةُ العصيان - وهو أَوَّلُ البشرِ - كان في ذكر هذا تنفيسٌ لأولاده ؛ أن تجري عليهم زَلَّةٌ وهم بوصف الغيبة في حين الفترة.
ويقال كانت تلك الأكلةُ شيئاً واحداً، ولكن قصتها يحفظها ويرددها الصبيانُ إلى يوم القيامة.
وعصى آدم ربَّه ليُعْلَم أن عِظَمَ الذنوبِ لمخالفةِ الآمِرِ وعِظَمِ قَدْرِه. . . لا لكثرة المخالفة في نفسها.
ويقال مَنْ أعرض عن الانخراط في قضايا الوفاق انثالت عليه فنون الخذلان، ومن أعرض عن استدامة ذكره - سبحانه - بالقلب توالت عليه من تفرقة القلب ما يسلب عنه كلَّ رَوْحٍ.
ومَنْ أعرض عن الاستئناس بذكره انفتحت عليه وساوسُ الشيطان وهواجسُ النَّفس بما يوجِب له وحشةَ الضمير، وانسداد أبواب الراحة والبسط.
ويقال مَنْ أعرض عن ذِكْرِ الله في الخلوةِ قَيَّضَ اللَّهُ له في الظاهر من القرينِ السوءِ ما توجِبُ رؤيتُه له قَبْضَ القلوبِ واستيلاَءَ الوحشة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى ﴾.
في الخبر :" مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ اللَّهِ بها " فَمَنْ كان في الدنيا أعمى القلب يُحْشَرُ على حالته، ومَنْ يَعِشْ على جهلٍ يحشر على جهلٍ، ولذا يقولون :﴿ مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ] إلى أَنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً.
وكما يَتْرُِكُون - اليومَ - التَدبُّرَ في آياتِه يُتْرَكُون غداً في العقوبة من غير رحمةٍ على ضعفِ حالاتهم.
ويقال مَنْ أعرض عن الانخراط في قضايا الوفاق انثالت عليه فنون الخذلان، ومن أعرض عن استدامة ذكره - سبحانه - بالقلب توالت عليه من تفرقة القلب ما يسلب عنه كلَّ رَوْحٍ.
ومَنْ أعرض عن الاستئناس بذكره انفتحت عليه وساوسُ الشيطان وهواجسُ النَّفس بما يوجِب له وحشةَ الضمير، وانسداد أبواب الراحة والبسط.
ويقال مَنْ أعرض عن ذِكْرِ الله في الخلوةِ قَيَّضَ اللَّهُ له في الظاهر من القرينِ السوءِ ما توجِبُ رؤيتُه له قَبْضَ القلوبِ واستيلاَءَ الوحشة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى ﴾.
في الخبر :" مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ اللَّهِ بها " فَمَنْ كان في الدنيا أعمى القلب يُحْشَرُ على حالته، ومَنْ يَعِشْ على جهلٍ يحشر على جهلٍ، ولذا يقولون :﴿ مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ] إلى أَنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً.
وكما يَتْرُِكُون - اليومَ - التَدبُّرَ في آياتِه يُتْرَكُون غداً في العقوبة من غير رحمةٍ على ضعفِ حالاتهم.
ويقال مَنْ أعرض عن الانخراط في قضايا الوفاق انثالت عليه فنون الخذلان، ومن أعرض عن استدامة ذكره - سبحانه - بالقلب توالت عليه من تفرقة القلب ما يسلب عنه كلَّ رَوْحٍ.
ومَنْ أعرض عن الاستئناس بذكره انفتحت عليه وساوسُ الشيطان وهواجسُ النَّفس بما يوجِب له وحشةَ الضمير، وانسداد أبواب الراحة والبسط.
ويقال مَنْ أعرض عن ذِكْرِ الله في الخلوةِ قَيَّضَ اللَّهُ له في الظاهر من القرينِ السوءِ ما توجِبُ رؤيتُه له قَبْضَ القلوبِ واستيلاَءَ الوحشة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى ﴾.
في الخبر :" مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ اللَّهِ بها " فَمَنْ كان في الدنيا أعمى القلب يُحْشَرُ على حالته، ومَنْ يَعِشْ على جهلٍ يحشر على جهلٍ، ولذا يقولون :﴿ مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ] إلى أَنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً.
وكما يَتْرُِكُون - اليومَ - التَدبُّرَ في آياتِه يُتْرَكُون غداً في العقوبة من غير رحمةٍ على ضعفِ حالاتهم.
وإذا كانت الكلمةُ بالسعادة لقوم والشقاوة لقوم قد سبقت، والعلمُ بالمحفوظ بجميع ما هو كائن قد جرى - فالسعيُ والجهدُ، والانكماش والجدُّ. . متى تنفع ؟ لكنه من القسمة أيضاً ما ظهر.
﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾ : أي في صدر النهار ؛ ليُبُارِكَ لكَ في نهارِك، ويَنْعَمَ صباحُك.
﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ أي عند نقصان النهار ؛ ليطيبَ لَيْلُكَ، وينعم رَواحُك.
﴿ وَمِنْ ءَانَاءِ الَّليْلِ ﴾ أي في ساعات الليل ؛ فإن كمال الصفوة في ذكر الله حال الخلوة.
﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾ أي اسْتَدِمْ ذِكْرَِ اللَّهِ في جميع أحوالك.
فعيني إذا اسْتَحْسَنتْ غَيرَكم | أَمَرْتُ الدموعَ بتأديبها |
﴿ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا. . . ﴾ الفتنة ما يُشْغَل به عن الحقِّ، ويستولي حُبُّه على القلب، ويُجَسِّر وجودُه على العصيان، ويحمل الاستمتاع به على البَطَر والأشَر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَرِزْقُ رَبِِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.
القليلُ من الحلال - وفيه رضاءُ الرحمن- خيرٌ من الكثير من الحرام والحطام. . ومعه سُخْطُه. ويقال قليلٌ يُشْهِدُكَ ربَّكَ خيرٌ مِنْ كثير يُنْسِيكَ ربَّك.
وأَمرَ الرسولَ - عليه السلام - بأن يأمرَ أهلَه بالصلاةِ، وأَنْ يَصْطَبِرَ عليها وللاصطبار مزية على الصبر ؛ وهو أَلاَّ يَجِدَ صاحبهُ الألمَ بل يكون محمولاً مُرَوَّحاً.
قوله جلّ ذكره :﴿ لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً ﴾.
أي لا نكلفك برزق أحدٍ، فإنَّ الرازقَ اللَّهُ - سبحانه - دون تأثير الخَلْق، فنحن نرزقك ونرزق الجميع.
قوله جلّ ذكره :﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوىَ ﴾.
هما شيئان : وجود الأرزاق وشهود الرزاق ؛ فوجود الأرزاق يوجب قوة النفوس، وشهود الرزاق يوجب قوة القلوب.
ويقال استقلال العامة بوجود الأرزاق، واستقلال الخواص بشهود الرزَّاق.
ويقال نَفي عن وقته الفَرْقَ بين أوصاف الرزق حين قال :﴿ نََّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ ؛ فإنَّ مَنْ شَهِدَ وتحقق بقوله :﴿ نََّحْنُ ﴾ سقط عنه التمييز بين رزقٍ ورزقٍ.
ويقال خففَّفَ على الفقراءِ مقاساةَ قِلَّةِ الرزقِ وتأخُّرِه عن وقتٍ إلى وقتٍ بقوله :﴿ نََّحْنُ ﴾.
قوله :﴿ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ : أي العاقبة بالحسنى لأهل التقوى.
ويقال المراد بالتقوى المُتّقِي، فقد يسمَّى الموصوف بما هو المصدر.
وكذا إذا الملولُ قطيعةً | مَلَّ الوِصال وقال كان وكانا |