تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ
قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : الْكَهْف وَمَرْيَم وَطَه وَالْأَنْبِيَاء مِنْ الْعِتَاق الْأُوَل، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي يُرِيد مِنْ قَدِيم مَا كُسِبَ وَحُفِظَ مِنْ الْقُرْآن كَالْمَالِ التِّلَاد.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْنِي جِدَارًا فَمَرَّ بِهِ آخَر فِي يَوْم نُزُول هَذِهِ السُّورَة، فَقَالَ الَّذِي كَانَ يَبْنِي الْجِدَار : مَاذَا نَزَلَ الْيَوْم مِنْ الْقُرْآن ؟ فَقَالَ الْآخَر : نَزَلَ " اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ " فَنَفَّضَ يَده مِنْ الْبُنْيَان، وَقَالَ : وَاَللَّه لَا بَنَيْت أَبَدًا وَقَدْ اِقْتَرَبَ الْحِسَاب
" اِقْتَرَبَ " أَيْ قَرُبَ الْوَقْت الَّذِي يُحَاسَبُونَ فِيهِ عَلَى أَعْمَالهمْ.
" لِلنَّاسِ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا الْمُشْرِكُونَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ " إِلَى قَوْله :" أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ".
وَقِيلَ : النَّاس عُمُوم وَإِنْ كَانَ الْمُشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت كُفَّار قُرَيْش ; يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَعْد مِنْ الْآيَات ; وَمَنْ عَلِمَ اِقْتِرَاب السَّاعَة قَصُرَ أَمَله، وَطَابَتْ نَفْسه بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يَرْكَن إِلَى الدُّنْيَا، فَكَأَنَّ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ إِذَا ذَهَبَ، وَكُلّ آتٍ قَرِيب، وَالْمَوْت لَا مَحَالَة آتٍ ; وَمَوْت كُلّ إِنْسَان قِيَام سَاعَته ; وَالْقِيَامَة أَيْضًا قَرِيبَة بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْ الزَّمَان، فَمَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا أَقَلّ مِمَّا مَضَى.
وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَى " اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ " أَيْ عَذَابهمْ يَعْنِي أَهْل مَكَّة ; لِأَنَّهُمْ اِسْتَبْطَئُوا مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ الْعَذَاب تَكْذِيبًا، وَكَانَ قَتْلهمْ يَوْم بَدْر.
النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز فِي الْكَلَام اِقْتَرَبَ حِسَابهمْ لِلنَّاسِ ; لِئَلَّا يَتَقَدَّم مُضْمَر عَلَى مُظْهَر لَا يَجُوز أَنْ يَنْوِي بِهِ التَّأْخِير.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : الْكَهْف وَمَرْيَم وَطَه وَالْأَنْبِيَاء مِنْ الْعِتَاق الْأُوَل، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي يُرِيد مِنْ قَدِيم مَا كُسِبَ وَحُفِظَ مِنْ الْقُرْآن كَالْمَالِ التِّلَاد.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْنِي جِدَارًا فَمَرَّ بِهِ آخَر فِي يَوْم نُزُول هَذِهِ السُّورَة، فَقَالَ الَّذِي كَانَ يَبْنِي الْجِدَار : مَاذَا نَزَلَ الْيَوْم مِنْ الْقُرْآن ؟ فَقَالَ الْآخَر : نَزَلَ " اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ " فَنَفَّضَ يَده مِنْ الْبُنْيَان، وَقَالَ : وَاَللَّه لَا بَنَيْت أَبَدًا وَقَدْ اِقْتَرَبَ الْحِسَاب
" اِقْتَرَبَ " أَيْ قَرُبَ الْوَقْت الَّذِي يُحَاسَبُونَ فِيهِ عَلَى أَعْمَالهمْ.
" لِلنَّاسِ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا الْمُشْرِكُونَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ " إِلَى قَوْله :" أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ".
وَقِيلَ : النَّاس عُمُوم وَإِنْ كَانَ الْمُشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت كُفَّار قُرَيْش ; يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَعْد مِنْ الْآيَات ; وَمَنْ عَلِمَ اِقْتِرَاب السَّاعَة قَصُرَ أَمَله، وَطَابَتْ نَفْسه بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يَرْكَن إِلَى الدُّنْيَا، فَكَأَنَّ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ إِذَا ذَهَبَ، وَكُلّ آتٍ قَرِيب، وَالْمَوْت لَا مَحَالَة آتٍ ; وَمَوْت كُلّ إِنْسَان قِيَام سَاعَته ; وَالْقِيَامَة أَيْضًا قَرِيبَة بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْ الزَّمَان، فَمَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا أَقَلّ مِمَّا مَضَى.
وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَى " اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابهمْ " أَيْ عَذَابهمْ يَعْنِي أَهْل مَكَّة ; لِأَنَّهُمْ اِسْتَبْطَئُوا مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ الْعَذَاب تَكْذِيبًا، وَكَانَ قَتْلهمْ يَوْم بَدْر.
النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز فِي الْكَلَام اِقْتَرَبَ حِسَابهمْ لِلنَّاسِ ; لِئَلَّا يَتَقَدَّم مُضْمَر عَلَى مُظْهَر لَا يَجُوز أَنْ يَنْوِي بِهِ التَّأْخِير.
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَيَجُوز النَّصْب فِي غَيْر الْقُرْآن عَلَى الْحَال.
وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا :" وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ " يَعْنِي بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَة.
الثَّانِي : عَنْ التَّأَهُّب لِلْحِسَابِ وَعَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى " إِذْ " وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ وَاو الْحَال ; كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى :" يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ].
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَيَجُوز النَّصْب فِي غَيْر الْقُرْآن عَلَى الْحَال.
وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا :" وَهُمْ فِي غَفْلَة مُعْرِضُونَ " يَعْنِي بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَة.
الثَّانِي : عَنْ التَّأَهُّب لِلْحِسَابِ وَعَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى " إِذْ " وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ وَاو الْحَال ; كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى :" يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ].
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
قَوْله تَعَالَى :" مُحْدَث " نَعْت لِ " ذِكْر ".
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء " مُحْدَثًا " بِمَعْنَى مَا يَأْتِيهِمْ مُحْدَثًا ; نُصِبَ عَلَى الْحَال.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَيْضًا رَفْع " مُحْدَث " عَلَى النَّعْت لِلذِّكْرِ ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " مِنْ " رَفَعْت ذِكْرًا ; أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث ; يُرِيد فِي النُّزُول وَتِلَاوَة جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنْزِل سُورَة بَعْد سُورَة، وَآيَة بَعْد آيَة، كَمَا كَانَ يُنَزِّلهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي وَقْت بَعْد وَقْت ; لَا أَنَّ الْقُرْآن مَخْلُوق.
وَقِيلَ : الذِّكْر مَا يُذَكِّرهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظهُمْ بِهِ.
وَقَالَ :" مِنْ رَبّهمْ " لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِق إِلَّا بِالْوَحْيِ، فَوَعْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْذِيره ذِكْر، وَهُوَ مُحْدَث ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر " [ الْغَاشِيَة : ٢١ ].
وَيُقَال : فُلَان فِي مَجْلِس الذِّكْر.
وَقِيلَ : الذِّكْر الرَّسُول نَفْسه ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل بِدَلِيلِ مَا فِي سِيَاق الْآيَة " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ] وَلَوْ أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن لَقَالَ : هَلْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون.
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ " [ الْقَلَم :
٥١ - ٥٢ ] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ :" قَدْ أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا " [ الطَّلَاق :
١٠ - ١١ ].
" إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ " يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ الْقُرْآن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أُمَّته.
" وَهُمْ يَلْعَبُونَ " الْوَاو وَاو الْحَال يَدُلّ عَلَيْهِ " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " وَمَعْنَى " يَلْعَبُونَ " أَيْ يَلْهُونَ.
وَقِيلَ : يَشْتَغِلُونَ ; فَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى اللَّهْو اِحْتَمَلَ مَا يَلْهُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِلَذَّاتِهِمْ.
الثَّانِي : بِسَمَاعِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى الشُّغْل اِحْتَمَلَ مَا يَتَشَاغَلُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِالدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَعِب ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو " [ مُحَمَّد : ٣٦ ].
الثَّانِي : يَتَشَاغَلُونَ بِالْقَدْحِ فِيهِ، وَالِاعْتِرَاض عَلَيْهِ.
قَالَ الْحَسَن : كُلَّمَا جُدِّدَ لَهُمْ الذِّكْر اِسْتَمَرُّوا عَلَى الْجَهْل.
وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن مُسْتَهْزِئِينَ.
قَوْله تَعَالَى :" مُحْدَث " نَعْت لِ " ذِكْر ".
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء " مُحْدَثًا " بِمَعْنَى مَا يَأْتِيهِمْ مُحْدَثًا ; نُصِبَ عَلَى الْحَال.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَيْضًا رَفْع " مُحْدَث " عَلَى النَّعْت لِلذِّكْرِ ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " مِنْ " رَفَعْت ذِكْرًا ; أَيْ مَا يَأْتِيهِمْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث ; يُرِيد فِي النُّزُول وَتِلَاوَة جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنْزِل سُورَة بَعْد سُورَة، وَآيَة بَعْد آيَة، كَمَا كَانَ يُنَزِّلهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي وَقْت بَعْد وَقْت ; لَا أَنَّ الْقُرْآن مَخْلُوق.
وَقِيلَ : الذِّكْر مَا يُذَكِّرهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظهُمْ بِهِ.
وَقَالَ :" مِنْ رَبّهمْ " لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِق إِلَّا بِالْوَحْيِ، فَوَعْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْذِيره ذِكْر، وَهُوَ مُحْدَث ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر " [ الْغَاشِيَة : ٢١ ].
وَيُقَال : فُلَان فِي مَجْلِس الذِّكْر.
وَقِيلَ : الذِّكْر الرَّسُول نَفْسه ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل بِدَلِيلِ مَا فِي سِيَاق الْآيَة " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ] وَلَوْ أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن لَقَالَ : هَلْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ ; وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون.
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ " [ الْقَلَم :
٥١ - ٥٢ ] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ :" قَدْ أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا " [ الطَّلَاق :
١٠ - ١١ ].
" إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ " يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ الْقُرْآن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أُمَّته.
" وَهُمْ يَلْعَبُونَ " الْوَاو وَاو الْحَال يَدُلّ عَلَيْهِ " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " وَمَعْنَى " يَلْعَبُونَ " أَيْ يَلْهُونَ.
وَقِيلَ : يَشْتَغِلُونَ ; فَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى اللَّهْو اِحْتَمَلَ مَا يَلْهُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِلَذَّاتِهِمْ.
الثَّانِي : بِسَمَاعِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَإِنْ حُمِلَ تَأْوِيله عَلَى الشُّغْل اِحْتَمَلَ مَا يَتَشَاغَلُونَ بِهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِالدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَعِب ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو " [ مُحَمَّد : ٣٦ ].
الثَّانِي : يَتَشَاغَلُونَ بِالْقَدْحِ فِيهِ، وَالِاعْتِرَاض عَلَيْهِ.
قَالَ الْحَسَن : كُلَّمَا جُدِّدَ لَهُمْ الذِّكْر اِسْتَمَرُّوا عَلَى الْجَهْل.
وَقِيلَ : يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن مُسْتَهْزِئِينَ.
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
أَيْ سَاهِيَة قُلُوبهمْ، مُعْرِضَة عَنْ ذِكْر اللَّه، مُتَشَاغِلَة عَنْ التَّأَمُّل وَالْتَفَهُّم ; مِنْ قَوْل الْعَرَب : لَهِيت عَنْ ذِكْر الشَّيْء إِذَا تَرَكْته وَسَلَوْت عَنْهُ أَلْهَى لُهِيًّا وَلِهْيَانًا.
وَ " لَاهِيَة " نَعْت تَقَدَّمَ الِاسْم، وَمِنْ حَقّ النَّعْت أَنْ يَتْبَع الْمَنْعُوت فِي جَمِيع الْإِعْرَاب، فَإِذَا تَقَدَّمَ النَّعْت الِاسْم اِنْتَصَبَ كَقَوْلِهِ :" خَاشِعَة أَبْصَارهمْ " [ الْقَلَم : ٤٣ ] وَ " وَدَانِيَة عَلَيْهِمْ ظِلَالهَا " [ الْإِنْسَان : ١٤ ] وَ " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " قَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ : طَلَل مُوحِش.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى قُلُوبهمْ لَاهِيَة.
وَأَجَازَ غَيْرهمَا الرَّفْع عَلَى أَنْ يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر وَعَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى ; إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ لَاهِيَة قُلُوبهمْ.
أَيْ سَاهِيَة قُلُوبهمْ، مُعْرِضَة عَنْ ذِكْر اللَّه، مُتَشَاغِلَة عَنْ التَّأَمُّل وَالْتَفَهُّم ; مِنْ قَوْل الْعَرَب : لَهِيت عَنْ ذِكْر الشَّيْء إِذَا تَرَكْته وَسَلَوْت عَنْهُ أَلْهَى لُهِيًّا وَلِهْيَانًا.
وَ " لَاهِيَة " نَعْت تَقَدَّمَ الِاسْم، وَمِنْ حَقّ النَّعْت أَنْ يَتْبَع الْمَنْعُوت فِي جَمِيع الْإِعْرَاب، فَإِذَا تَقَدَّمَ النَّعْت الِاسْم اِنْتَصَبَ كَقَوْلِهِ :" خَاشِعَة أَبْصَارهمْ " [ الْقَلَم : ٤٣ ] وَ " وَدَانِيَة عَلَيْهِمْ ظِلَالهَا " [ الْإِنْسَان : ١٤ ] وَ " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " قَالَ الشَّاعِر :
لِعَزَّةَ مُوحِشًا طَلَل | يَلُوح كَأَنَّهُ خَلَل |
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء " لَاهِيَة قُلُوبهمْ " بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى قُلُوبهمْ لَاهِيَة.
وَأَجَازَ غَيْرهمَا الرَّفْع عَلَى أَنْ يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر وَعَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى ; إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ لَاهِيَة قُلُوبهمْ.
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيْ تَنَاجَوْا فِيمَا بَيْنهمْ بِالتَّكْذِيبِ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ فَقَالَ :" الَّذِينَ ظَلَمُوا " أَيْ الَّذِي أَشْرَكُوا ; فَ " الَّذِينَ ظَلَمُوا " بَدَل مِنْ الْوَاو فِي " أَسَرُّوا " وَهُوَ عَائِد عَلَى النَّاس الْمُتَقَدِّم ذِكْرهمْ ; وَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا الْقَوْل عَلَى " النَّجْوَى ".
قَالَ الْمُبَرِّد وَهُوَ كَقَوْلِك : إِنَّ الَّذِينَ فِي الدَّار اِنْطَلَقُوا بَنُو عَبْد اللَّه فَبَنُو بَدَل مِنْ الْوَاو فِي اِنْطَلَقُوا.
وَقِيلَ : هُوَ رُفِعَ عَلَى الذَّمّ، أَيْ هُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَقِيلَ : عَلَى حَذْف الْقَوْل ; التَّقْدِير : يَقُول الَّذِينَ ظَلَمُوا وَحُذِفَ الْقَوْل ; مِثْل " وَالْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب سَلَام عَلَيْكُمْ " [ الرَّعْد :
٢٣ - ٢٤ ].
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل النَّحَّاس ; قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا الْجَوَاب أَنَّ بَعْده " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ].
وَقَوْل رَابِع : يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى أَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون خَفْضًا بِمَعْنَى اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ ظَلَمُوا حِسَابهمْ ; وَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا الْوَجْه عَلَى " النَّجْوَى " وَيُوقَف عَلَى الْوَجْه الْمُتَقَدِّمَة الثَّلَاثَة قَبْله ; فَهَذِهِ خَمْسَة أَقْوَال.
وَأَجَازَ الْأَخْفَش الرَّفْع عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث ; وَهُوَ حَسَن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ " [ الْمَائِدَة : ٧١ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; مَجَازه : وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَسَرُّوا النَّجْوَى أَبُو عُبَيْدَة :" أَسَرُّوا " هُنَا مِنْ الْأَضْدَاد ; فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا أَخْفَوْا كَلَامهمْ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا أَظْهَرُوهُ وَأَعْلَنُوهُ.
أَيْ تَنَاجَوْا فِيمَا بَيْنهمْ بِالتَّكْذِيبِ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ فَقَالَ :" الَّذِينَ ظَلَمُوا " أَيْ الَّذِي أَشْرَكُوا ; فَ " الَّذِينَ ظَلَمُوا " بَدَل مِنْ الْوَاو فِي " أَسَرُّوا " وَهُوَ عَائِد عَلَى النَّاس الْمُتَقَدِّم ذِكْرهمْ ; وَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا الْقَوْل عَلَى " النَّجْوَى ".
قَالَ الْمُبَرِّد وَهُوَ كَقَوْلِك : إِنَّ الَّذِينَ فِي الدَّار اِنْطَلَقُوا بَنُو عَبْد اللَّه فَبَنُو بَدَل مِنْ الْوَاو فِي اِنْطَلَقُوا.
وَقِيلَ : هُوَ رُفِعَ عَلَى الذَّمّ، أَيْ هُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَقِيلَ : عَلَى حَذْف الْقَوْل ; التَّقْدِير : يَقُول الَّذِينَ ظَلَمُوا وَحُذِفَ الْقَوْل ; مِثْل " وَالْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب سَلَام عَلَيْكُمْ " [ الرَّعْد :
٢٣ - ٢٤ ].
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل النَّحَّاس ; قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا الْجَوَاب أَنَّ بَعْده " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ].
وَقَوْل رَابِع : يَكُون مَنْصُوبًا بِمَعْنَى أَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون خَفْضًا بِمَعْنَى اِقْتَرَبَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ ظَلَمُوا حِسَابهمْ ; وَلَا يُوقَف عَلَى هَذَا الْوَجْه عَلَى " النَّجْوَى " وَيُوقَف عَلَى الْوَجْه الْمُتَقَدِّمَة الثَّلَاثَة قَبْله ; فَهَذِهِ خَمْسَة أَقْوَال.
وَأَجَازَ الْأَخْفَش الرَّفْع عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيث ; وَهُوَ حَسَن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ " [ الْمَائِدَة : ٧١ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
بَلْ نَالَ النِّضَال دُون الْمَسَاعِي | فَاهْتَدَيْنَ النِّبَال لِلْأَغْرَاضِ |
وَلَكِنْ دِيَافِيّ أَبُوهُ وَأُمّه | بِحَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيط أَقَارِبه |
هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
أَيْ تَنَاجَوْا بَيْنهمْ وَقَالُوا : هَلْ هَذَا الذِّكْر الَّذِي هُوَ الرَّسُول، أَوْ هَلْ هَذَا الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ، لَا يَتَمَيَّز عَنْكُمْ بِشَيْءٍ، يَأْكُل الطَّعَام، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق كَمَا تَفْعَلُونَ.
وَمَا عَلِمُوا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُرْسِل إِلَيْهِمْ إِلَّا بَشَرًا لِيَتَفَهَّمُوا وَيُعَلِّمهُمْ.
أَيْ تَنَاجَوْا بَيْنهمْ وَقَالُوا : هَلْ هَذَا الذِّكْر الَّذِي هُوَ الرَّسُول، أَوْ هَلْ هَذَا الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ، لَا يَتَمَيَّز عَنْكُمْ بِشَيْءٍ، يَأْكُل الطَّعَام، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق كَمَا تَفْعَلُونَ.
وَمَا عَلِمُوا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُرْسِل إِلَيْهِمْ إِلَّا بَشَرًا لِيَتَفَهَّمُوا وَيُعَلِّمهُمْ.
أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ
أَيْ إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِحْر، فَكَيْفَ تَجِيئُونَ إِلَيْهِ وَتَتَّبِعُونَهُ ؟ فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا تَنَاجَوْا بِهِ.
وَ " السِّحْر " فِي اللُّغَة كُلّ مُمَوَّه لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا صِحَّة.
أَيْ إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِحْر، فَكَيْفَ تَجِيئُونَ إِلَيْهِ وَتَتَّبِعُونَهُ ؟ فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا تَنَاجَوْا بِهِ.
وَ " السِّحْر " فِي اللُّغَة كُلّ مُمَوَّه لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا صِحَّة.
وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
أَنَّهُ إِنْسَان مِثْلكُمْ مِثْل :" وَأَنْتُمْ تَعْقِلُونَ " لِأَنَّ الْعَقْل الْبَصَر بِالْأَشْيَاءِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَفَتَقْبَلُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَفَتَعْدِلُونَ إِلَى الْبَاطِل وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الْحَقّ ; وَمَعْنَى الْكَلَام التَّوْبِيخ.
أَنَّهُ إِنْسَان مِثْلكُمْ مِثْل :" وَأَنْتُمْ تَعْقِلُونَ " لِأَنَّ الْعَقْل الْبَصَر بِالْأَشْيَاءِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَفَتَقْبَلُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى ; أَفَتَعْدِلُونَ إِلَى الْبَاطِل وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ الْحَقّ ; وَمَعْنَى الْكَلَام التَّوْبِيخ.
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا يُقَال فِي السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَفِي مَصَاحِف أَهْل الْكُوفَة " قَالَ رَبِّي " أَيْ قَالَ مُحَمَّد رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل ; أَيْ هُوَ عَالِم بِمَا تَنَاجَيْتُمْ بِهِ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْقِرَاءَة الْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَسَرُّوا هَذَا الْقَوْل فَأَظْهَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُول لَهُمْ هَذَا ; قَالَ النَّحَّاس : وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَتَيْنِ، وَفِيهِمَا مِنْ الْفَائِدَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ وَأَنَّهُ قَالَ كَمَا أُمِرَ.
أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا يُقَال فِي السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَفِي مَصَاحِف أَهْل الْكُوفَة " قَالَ رَبِّي " أَيْ قَالَ مُحَمَّد رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل ; أَيْ هُوَ عَالِم بِمَا تَنَاجَيْتُمْ بِهِ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْقِرَاءَة الْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَسَرُّوا هَذَا الْقَوْل فَأَظْهَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُول لَهُمْ هَذَا ; قَالَ النَّحَّاس : وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَتَيْنِ، وَفِيهِمَا مِنْ الْفَائِدَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ وَأَنَّهُ قَالَ كَمَا أُمِرَ.
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ
قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قَالُوا الَّذِي يَأْتِي بِهِ أَضْغَاث أَحْلَام.
وَقَالَ غَيْره : أَيْ قَالُوا هُوَ أَخْلَاط كَالْأَحْلَامِ الْمُخْتَلِطَة ; أَيْ أَهَاوِيل رَآهَا فِي الْمَنَام ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
كَضِغْثِ حُلْم غَرَّ مِنْهُ حَالِمه
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّهَا الرُّؤْيَا الْكَاذِبَة ; وَفِيهِ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَالَ الْيَزِيدِيّ : الْأَضْغَاث مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيل.
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " يُوسُف ".
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَمْر لَيْسَ كَمَا قَالُوا اِنْتَقَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا :
قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قَالُوا الَّذِي يَأْتِي بِهِ أَضْغَاث أَحْلَام.
وَقَالَ غَيْره : أَيْ قَالُوا هُوَ أَخْلَاط كَالْأَحْلَامِ الْمُخْتَلِطَة ; أَيْ أَهَاوِيل رَآهَا فِي الْمَنَام ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
كَضِغْثِ حُلْم غَرَّ مِنْهُ حَالِمه
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : إِنَّهَا الرُّؤْيَا الْكَاذِبَة ; وَفِيهِ قَوْل الشَّاعِر :
أَحَادِيث طَسْم أَوْ سَرَاب بِفَدْفَدٍ | تَرَقْرَقَ لِلسَّارِي وَأَضْغَاث حَالِم |
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " يُوسُف ".
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَمْر لَيْسَ كَمَا قَالُوا اِنْتَقَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا :
بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ
ثُمَّ اِنْتَقَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا :" بَلْ هُوَ شَاعِر " أَيْ هُمْ مُتَحَيِّرُونَ لَا يَسْتَقِرُّونَ عَلَى شَيْء قَالُوا مَرَّة سِحْر، وَمَرَّة أَضْغَاث أَحْلَام، وَمَرَّة اِفْتَرَاهُ، وَمَرَّة شَاعِر.
وَقِيلَ : أَيْ قَالَ فَرِيق إِنَّهُ سَاحِر، وَفَرِيق إِنَّهُ أَضْغَاث أَحْلَام ; وَفَرِيق إِنَّهُ اِفْتَرَاهُ، وَفَرِيق إِنَّهُ شَاعِر.
وَالِافْتِرَاء الِاخْتِلَاق ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
ثُمَّ اِنْتَقَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا :" بَلْ هُوَ شَاعِر " أَيْ هُمْ مُتَحَيِّرُونَ لَا يَسْتَقِرُّونَ عَلَى شَيْء قَالُوا مَرَّة سِحْر، وَمَرَّة أَضْغَاث أَحْلَام، وَمَرَّة اِفْتَرَاهُ، وَمَرَّة شَاعِر.
وَقِيلَ : أَيْ قَالَ فَرِيق إِنَّهُ سَاحِر، وَفَرِيق إِنَّهُ أَضْغَاث أَحْلَام ; وَفَرِيق إِنَّهُ اِفْتَرَاهُ، وَفَرِيق إِنَّهُ شَاعِر.
وَالِافْتِرَاء الِاخْتِلَاق ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ
أَيْ كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى بِالْعَصَا وَغَيْرهَا مِنْ الْآيَات وَمِثْل نَاقَة صَالِح.
وَكَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ الْقُرْآن لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا رُؤْيَا وَلَكِنْ قَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِي بِآيَةٍ نَقْتَرِحهَا ; وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاقْتِرَاح بَعْدَمَا رَأَوْا آيَة وَاحِدَة.
وَأَيْضًا إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِآيَةٍ هِيَ مِنْ جِنْس مَا هُمْ أَعْلَم النَّاس بِهِ، وَلَا مَجَال لِلشُّبْهَةِ فِيهَا فَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِآيَةٍ غَيْرهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَكَمَة وَالْأَبْرَص لَقَالُوا : هَذَا مِنْ بَاب الطِّبّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَتنَا، وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالهمْ تَعَنُّتًا إِذْ كَانَ اللَّه أَعْطَاهُمْ مِنْ الْآيَات مَا فِيهِ كِفَايَة.
وَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ لَأَعْطَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ " [ الْأَنْفَال : ٢٣ ].
أَيْ كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى بِالْعَصَا وَغَيْرهَا مِنْ الْآيَات وَمِثْل نَاقَة صَالِح.
وَكَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ الْقُرْآن لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا رُؤْيَا وَلَكِنْ قَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِي بِآيَةٍ نَقْتَرِحهَا ; وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاقْتِرَاح بَعْدَمَا رَأَوْا آيَة وَاحِدَة.
وَأَيْضًا إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِآيَةٍ هِيَ مِنْ جِنْس مَا هُمْ أَعْلَم النَّاس بِهِ، وَلَا مَجَال لِلشُّبْهَةِ فِيهَا فَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِآيَةٍ غَيْرهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَكَمَة وَالْأَبْرَص لَقَالُوا : هَذَا مِنْ بَاب الطِّبّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَتنَا، وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالهمْ تَعَنُّتًا إِذْ كَانَ اللَّه أَعْطَاهُمْ مِنْ الْآيَات مَا فِيهِ كِفَايَة.
وَبَيَّنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ لَأَعْطَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَوْ عَلِمَ اللَّه فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ " [ الْأَنْفَال : ٢٣ ].
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد قَوْم صَالِح وَقَوْم فِرْعَوْن.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد قَوْم صَالِح وَقَوْم فِرْعَوْن.
أَهْلَكْنَاهَا
يُرِيد كَانَ فِي عِلْمنَا هَلَاكهَا.
يُرِيد كَانَ فِي عِلْمنَا هَلَاكهَا.
أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
يُرِيد يُصَدِّقُونَ ; أَيْ فَمَا آمَنُوا بِالْآيَاتِ فَاسْتُؤْصِلُوا فَلَوْ رَأَى هَؤُلَاءِ مَا اِقْتَرَحُوا لَمَا آمَنُوا ; لِمَا سَبَقَ مِنْ الْقَضَاء بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْضًا ; وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عِقَابهمْ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ فِي أَصْلَابهمْ مَنْ يُؤْمِن.
وَ " مِنْ " زَائِدَة فِي قَوْله :" مِنْ قَرْيَة " كَقَوْلِهِ :" فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حَاجِزِينَ " [ الْحَاقَّة : ٤٧ ].
يُرِيد يُصَدِّقُونَ ; أَيْ فَمَا آمَنُوا بِالْآيَاتِ فَاسْتُؤْصِلُوا فَلَوْ رَأَى هَؤُلَاءِ مَا اِقْتَرَحُوا لَمَا آمَنُوا ; لِمَا سَبَقَ مِنْ الْقَضَاء بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْضًا ; وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عِقَابهمْ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ فِي أَصْلَابهمْ مَنْ يُؤْمِن.
وَ " مِنْ " زَائِدَة فِي قَوْله :" مِنْ قَرْيَة " كَقَوْلِهِ :" فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حَاجِزِينَ " [ الْحَاقَّة : ٤٧ ].
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
هَذَا رَدّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ :" هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ] وَتَأْنِيس لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَمْ يُرْسِل قَبْلك إِلَّا رِجَالًا.
هَذَا رَدّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ :" هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣ ] وَتَأْنِيس لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَمْ يُرْسِل قَبْلك إِلَّا رِجَالًا.
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
يُرِيد أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ سُفْيَان.
وَسَمَّاهُمْ أَهْل الذِّكْر ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ خَبَر الْأَنْبِيَاء مِمَّا لَمْ تَعْرِفهُ الْعَرَب.
وَكَانَ كُفَّار قُرَيْش يُرَاجِعُونَ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن ; أَيْ فَاسْأَلُوا الْمُؤْمِنِينَ الْعَالِمِينَ مِنْ أَهْل الْقُرْآن ; قَالَ جَابِر الْجُعْفِيّ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَحْنُ أَهْل الذِّكْر.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الرُّسُل كَانُوا مِنْ الْبَشَر ; فَالْمَعْنَى لَا تَبْدَءُوا بِالْإِنْكَارِ وَبِقَوْلِكُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون الرَّسُول مِنْ الْمَلَائِكَة، بَلْ نَاظِرُوا الْمُؤْمِنِينَ لِيُبَيِّنُوا لَكُمْ جَوَاز أَنْ يَكُون الرَّسُول مِنْ الْبَشَر.
وَالْمَلَك لَا يُسَمَّى رَجُلًا ; لِأَنَّ الرَّجُل يَقَع عَلَى مَا لَهُ ضِدّ مِنْ لَفْظه ; تَقُول رَجُل وَامْرَأَة، وَرَجُل وَصَبِيّ فَقَوْله :" إِلَّا رِجَالًا " مِنْ بَنِي آدَم.
وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " نُوحِي إِلَيْهِمْ ".
مَسْأَلَة : لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَامَّة عَلَيْهَا تَقْلِيد عُلَمَائِهَا، وَأَنَّهُمْ الْمُرَاد بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " و أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَقْلِيد غَيْره مِمَّنْ يَثِق بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ ; فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْم لَهُ وَلَا بَصَر بِمَعْنَى مَا يَدِين بِهِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَقْلِيد عَالِمه، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَامَّة لَا يَجُوز لَهَا الْفُتْيَا ; لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوز التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم.
يُرِيد أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ سُفْيَان.
وَسَمَّاهُمْ أَهْل الذِّكْر ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ خَبَر الْأَنْبِيَاء مِمَّا لَمْ تَعْرِفهُ الْعَرَب.
وَكَانَ كُفَّار قُرَيْش يُرَاجِعُونَ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآن ; أَيْ فَاسْأَلُوا الْمُؤْمِنِينَ الْعَالِمِينَ مِنْ أَهْل الْقُرْآن ; قَالَ جَابِر الْجُعْفِيّ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَحْنُ أَهْل الذِّكْر.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الرُّسُل كَانُوا مِنْ الْبَشَر ; فَالْمَعْنَى لَا تَبْدَءُوا بِالْإِنْكَارِ وَبِقَوْلِكُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون الرَّسُول مِنْ الْمَلَائِكَة، بَلْ نَاظِرُوا الْمُؤْمِنِينَ لِيُبَيِّنُوا لَكُمْ جَوَاز أَنْ يَكُون الرَّسُول مِنْ الْبَشَر.
وَالْمَلَك لَا يُسَمَّى رَجُلًا ; لِأَنَّ الرَّجُل يَقَع عَلَى مَا لَهُ ضِدّ مِنْ لَفْظه ; تَقُول رَجُل وَامْرَأَة، وَرَجُل وَصَبِيّ فَقَوْله :" إِلَّا رِجَالًا " مِنْ بَنِي آدَم.
وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " نُوحِي إِلَيْهِمْ ".
مَسْأَلَة : لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَامَّة عَلَيْهَا تَقْلِيد عُلَمَائِهَا، وَأَنَّهُمْ الْمُرَاد بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " و أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَقْلِيد غَيْره مِمَّنْ يَثِق بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ ; فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْم لَهُ وَلَا بَصَر بِمَعْنَى مَا يَدِين بِهِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَقْلِيد عَالِمه، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَامَّة لَا يَجُوز لَهَا الْفُتْيَا ; لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوز التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم.
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ
الضَّمِير فِي " جَعَلْنَاهُمْ " لِلْأَنْبِيَاءِ ; أَيْ لَمْ نَجْعَل الرُّسُل قَبْلك خَارِجِينَ عَنْ طِبَاع الْبَشَر لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى طَعَام وَشَرَاب
الضَّمِير فِي " جَعَلْنَاهُمْ " لِلْأَنْبِيَاءِ ; أَيْ لَمْ نَجْعَل الرُّسُل قَبْلك خَارِجِينَ عَنْ طِبَاع الْبَشَر لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى طَعَام وَشَرَاب
وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ
يُرِيد لَا يَمُوتُونَ وَهَذَا جَوَاب لِقَوْلِهِمْ :" مَا هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٣٣ ] وَقَوْلهمْ :" مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام " [ الْفُرْقَان : ٧ ].
وَ " جَسَدًا " اِسْم جِنْس ; وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا، وَقِيلَ : لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا ; لِأَنَّهُ أَرَادَ وَمَا جَعَلْنَا كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ جَسَدًا.
وَالْجَسَد الْبَدَن ; تَقُول مِنْهُ : تَجَسَّدَ كَمَا تَقُول مِنْ الْجِسْم تَجَسَّمَ.
وَالْجَسَد أَيْضًا الزَّعْفَرَان أَوْ نَحْوه الصَّبْغ، وَهُوَ الدَّم أَيْضًا ; قَالَهُ النَّابِغَة :
وَمَا هُرِيقَ عَلَى الْأَنْصَاب مِنْ جَسَد
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَالْجَسَد هُوَ الْمُتَجَسِّد الَّذِي فِيهِ الرُّوح يَأْكُل وَيَشْرَب ; فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْل يَكُون مَا لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب جِسْمًا وَقَالَ مُجَاهِد : الْجَسَد مَا لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب ; فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْل يَكُون مَا يَأْكُل وَيَشْرَب نَفْسًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
يُرِيد لَا يَمُوتُونَ وَهَذَا جَوَاب لِقَوْلِهِمْ :" مَا هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٣٣ ] وَقَوْلهمْ :" مَا لِهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام " [ الْفُرْقَان : ٧ ].
وَ " جَسَدًا " اِسْم جِنْس ; وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا، وَقِيلَ : لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا ; لِأَنَّهُ أَرَادَ وَمَا جَعَلْنَا كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ جَسَدًا.
وَالْجَسَد الْبَدَن ; تَقُول مِنْهُ : تَجَسَّدَ كَمَا تَقُول مِنْ الْجِسْم تَجَسَّمَ.
وَالْجَسَد أَيْضًا الزَّعْفَرَان أَوْ نَحْوه الصَّبْغ، وَهُوَ الدَّم أَيْضًا ; قَالَهُ النَّابِغَة :
وَمَا هُرِيقَ عَلَى الْأَنْصَاب مِنْ جَسَد
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَالْجَسَد هُوَ الْمُتَجَسِّد الَّذِي فِيهِ الرُّوح يَأْكُل وَيَشْرَب ; فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْل يَكُون مَا لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب جِسْمًا وَقَالَ مُجَاهِد : الْجَسَد مَا لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب ; فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْل يَكُون مَا يَأْكُل وَيَشْرَب نَفْسًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ
يَعْنِي الْأَنْبِيَاء ; أَيْ بِإِنْجَائِهِمْ وَنَصْرهمْ وَإِهْلَاك مُكَذِّبِيهِمْ.
يَعْنِي الْأَنْبِيَاء ; أَيْ بِإِنْجَائِهِمْ وَنَصْرهمْ وَإِهْلَاك مُكَذِّبِيهِمْ.
فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ
أَيْ الَّذِينَ صَدَّقُوا الْأَنْبِيَاء.
أَيْ الَّذِينَ صَدَّقُوا الْأَنْبِيَاء.
وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ
أَيْ الْمُشْرِكِينَ.
أَيْ الْمُشْرِكِينَ.
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا
يَعْنِي الْقُرْآن.
يَعْنِي الْقُرْآن.
فِيهِ ذِكْرُكُمْ
رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب لِأَنَّهَا نَعْت لِكِتَابٍ ; وَالْمُرَاد بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَف ; أَيْ فِيهِ شَرَفكُمْ، مِثْل " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : ٤٤ ].
ثُمَّ نَبَّهَهُمْ بِالِاسْتِفْهَامِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّوْقِيف فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب لِأَنَّهَا نَعْت لِكِتَابٍ ; وَالْمُرَاد بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَف ; أَيْ فِيهِ شَرَفكُمْ، مِثْل " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : ٤٤ ].
ثُمَّ نَبَّهَهُمْ بِالِاسْتِفْهَامِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّوْقِيف فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
أَفَلَا تَعْقِلُونَ
وَقِيلَ : فِيهِ ذِكْركُمْ أَيْ ذِكْر أَمْر دِينكُمْ ; وَأَحْكَام شَرْعكُمْ، وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب، أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؟ ! وَقَالَ مُجَاهِد :" فِيهِ ذِكْركُمْ " أَيْ حَدِيثكُمْ.
وَقِيلَ : مَكَارِم أَخْلَاقكُمْ، وَمَحَاسِن أَعْمَالكُمْ.
وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْعَمَل بِمَا فِيهِ حَيَاتكُمْ.
قُلْت : وَهَذِهِ الْأَقْوَال بِمَعْنًى وَالْأَوَّل يَعُمّهَا ; إِذْ هِيَ شَرَف كُلّهَا، وَالْكِتَاب شَرَف لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَام ; لِأَنَّهُ مُعْجِزَته، وَهُوَ شَرَف لَنَا إِنْ عَمِلْنَا بِمَا فِيهِ، دَلِيله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( الْقُرْآن حُجَّة لَك أَوْ عَلَيْك ).
وَقِيلَ : فِيهِ ذِكْركُمْ أَيْ ذِكْر أَمْر دِينكُمْ ; وَأَحْكَام شَرْعكُمْ، وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب، أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؟ ! وَقَالَ مُجَاهِد :" فِيهِ ذِكْركُمْ " أَيْ حَدِيثكُمْ.
وَقِيلَ : مَكَارِم أَخْلَاقكُمْ، وَمَحَاسِن أَعْمَالكُمْ.
وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْعَمَل بِمَا فِيهِ حَيَاتكُمْ.
قُلْت : وَهَذِهِ الْأَقْوَال بِمَعْنًى وَالْأَوَّل يَعُمّهَا ; إِذْ هِيَ شَرَف كُلّهَا، وَالْكِتَاب شَرَف لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَام ; لِأَنَّهُ مُعْجِزَته، وَهُوَ شَرَف لَنَا إِنْ عَمِلْنَا بِمَا فِيهِ، دَلِيله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( الْقُرْآن حُجَّة لَك أَوْ عَلَيْك ).
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً
" وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَة " يُرِيد مَدَائِن كَانَتْ بِالْيَمَنِ.
وَقَالَ أَهْل التَّفْسِير وَالْأَخْبَار : إِنَّهُ أَرَادَ أَهْل حَضُور وَكَانَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اِسْمه شُعَيْب بْن ذِي مَهْدَم، وَقَبْر شُعَيْب هَذَا بِالْيَمَنِ بِجَبَلٍ يُقَال لَهُ ضَنَن كَثِير الثَّلْج، وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ صَاحِب مَدْيَن ; لِأَنَّ قِصَّة حَضُور قَبْل مُدَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَبَعْد مِئِين مِنْ السِّنِينَ مِنْ مُدَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا نَبِيّهمْ وَقَتَلَ أَصْحَاب الرَّسّ فِي ذَلِكَ التَّارِيخ نَبِيًّا لَهُمْ اِسْمه حَنْظَلَة بْن صَفْوَان، وَكَانَتْ حَضُور بِأَرْضِ الْحِجَاز مِنْ نَاحِيَة الشَّام، فَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَرْمِيَا أَنْ اِيتِ بُخْتَنَصَّرَ فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْته عَلَى أَرْض الْعَرَب، وَأَنِّي مُنْتَقِم بِك مِنْهُمْ، وَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَرْمِيَا أَنْ اِحْمِلْ مَعْد بْن عَدْنَان عَلَى الْبُرَاق إِلَى أَرْض الْعِرَاق ; كَيْ لَا تُصِيبهُ النِّقْمَة وَالْبَلَاء مَعَهُمْ، فَإِنِّي مُسْتَخْرِج مِنْ صُلْبه نَبِيًّا فِي آخِر الزَّمَان اِسْمه مُحَمَّد، فَحَمَلَ مَعْدًا وَهُوَ اِبْن اِثْنَتَا عَشْرَة سَنَة، فَكَانَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَنْ كَبِرَ وَتَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِسْمهَا مُعَانَة ; ثُمَّ إِنَّ بُخْتَنَصَّرَ نَهَضَ بِالْجُيُوشِ، وَكَمَنَ لِلْعَرَبِ فِي مَكَان - وَهُوَ أَوَّل مَنْ اِتَّخَذَ الْمَكَامِن فِيمَا ذَكَرُوا - ثُمَّ شَنَّ الْغَارَات عَلَى حَضُور فَقَتَلَ وَسَبَى وَخَرَّبَ الْعَامِر، وَلَمْ يَتْرُك بِحَضُورٍ أَثَرًا، ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى السَّوَاد.
وَ " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " قَصَمْنَا ".
وَالْقَصْم الْكَسْر ; يُقَال : قَصَمْت ظَهْر فُلَان وَانْقَصَمَتْ سِنّه إِذَا اِنْكَسَرَتْ وَالْمَعْنِيّ بِهِ هَاهُنَا الْإِهْلَاك.
وَأَمَّا الْفَصْم ( بِالْفَاءِ ) فَهُوَ الصَّدْع فِي الشَّيْء مِنْ غَيْر بَيْنُونَة ; قَالَ الشَّاعِر :
وَمِنْهُ الْحَدِيث ( فَيَفْصِم عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينه لَيَتَفَصَّد عَرَقًا ).
وَقَوْله :" كَانَتْ ظَالِمَة " أَيْ كَافِرَة ; يَعْنِي أَهْلهَا.
وَالظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه، وَهُمْ وَضَعُوا الْكُفْر مَوْضِع الْإِيمَان.
" وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَة " يُرِيد مَدَائِن كَانَتْ بِالْيَمَنِ.
وَقَالَ أَهْل التَّفْسِير وَالْأَخْبَار : إِنَّهُ أَرَادَ أَهْل حَضُور وَكَانَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اِسْمه شُعَيْب بْن ذِي مَهْدَم، وَقَبْر شُعَيْب هَذَا بِالْيَمَنِ بِجَبَلٍ يُقَال لَهُ ضَنَن كَثِير الثَّلْج، وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ صَاحِب مَدْيَن ; لِأَنَّ قِصَّة حَضُور قَبْل مُدَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَبَعْد مِئِين مِنْ السِّنِينَ مِنْ مُدَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنَّهُمْ قَتَلُوا نَبِيّهمْ وَقَتَلَ أَصْحَاب الرَّسّ فِي ذَلِكَ التَّارِيخ نَبِيًّا لَهُمْ اِسْمه حَنْظَلَة بْن صَفْوَان، وَكَانَتْ حَضُور بِأَرْضِ الْحِجَاز مِنْ نَاحِيَة الشَّام، فَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَرْمِيَا أَنْ اِيتِ بُخْتَنَصَّرَ فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْته عَلَى أَرْض الْعَرَب، وَأَنِّي مُنْتَقِم بِك مِنْهُمْ، وَأَوْحَى اللَّه إِلَى أَرْمِيَا أَنْ اِحْمِلْ مَعْد بْن عَدْنَان عَلَى الْبُرَاق إِلَى أَرْض الْعِرَاق ; كَيْ لَا تُصِيبهُ النِّقْمَة وَالْبَلَاء مَعَهُمْ، فَإِنِّي مُسْتَخْرِج مِنْ صُلْبه نَبِيًّا فِي آخِر الزَّمَان اِسْمه مُحَمَّد، فَحَمَلَ مَعْدًا وَهُوَ اِبْن اِثْنَتَا عَشْرَة سَنَة، فَكَانَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَنْ كَبِرَ وَتَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِسْمهَا مُعَانَة ; ثُمَّ إِنَّ بُخْتَنَصَّرَ نَهَضَ بِالْجُيُوشِ، وَكَمَنَ لِلْعَرَبِ فِي مَكَان - وَهُوَ أَوَّل مَنْ اِتَّخَذَ الْمَكَامِن فِيمَا ذَكَرُوا - ثُمَّ شَنَّ الْغَارَات عَلَى حَضُور فَقَتَلَ وَسَبَى وَخَرَّبَ الْعَامِر، وَلَمْ يَتْرُك بِحَضُورٍ أَثَرًا، ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى السَّوَاد.
وَ " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " قَصَمْنَا ".
وَالْقَصْم الْكَسْر ; يُقَال : قَصَمْت ظَهْر فُلَان وَانْقَصَمَتْ سِنّه إِذَا اِنْكَسَرَتْ وَالْمَعْنِيّ بِهِ هَاهُنَا الْإِهْلَاك.
وَأَمَّا الْفَصْم ( بِالْفَاءِ ) فَهُوَ الصَّدْع فِي الشَّيْء مِنْ غَيْر بَيْنُونَة ; قَالَ الشَّاعِر :
كَأَنَّهُ دُمْلُج مِنْ فِضَّة نَبَه | فِي مَلْعَب مِنْ عَذَارَى الْحَيّ مَفْصُوم |
وَقَوْله :" كَانَتْ ظَالِمَة " أَيْ كَافِرَة ; يَعْنِي أَهْلهَا.
وَالظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه، وَهُمْ وَضَعُوا الْكُفْر مَوْضِع الْإِيمَان.
وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ
أَيْ أَوْجَدْنَا وَأَحْدَثْنَا بَعْد إِهْلَاكهمْ
أَيْ أَوْجَدْنَا وَأَحْدَثْنَا بَعْد إِهْلَاكهمْ
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا
أَيْ رَأَوْا عَذَابنَا ; يُقَال : أَحْسَسْت مِنْهُ ضَعْفًا.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" أَحَسُّوا " خَافُوا وَتَوَقَّعُوا.
أَيْ رَأَوْا عَذَابنَا ; يُقَال : أَحْسَسْت مِنْهُ ضَعْفًا.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" أَحَسُّوا " خَافُوا وَتَوَقَّعُوا.
إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ
أَيْ يَهْرُبُونَ وَيَفِرُّونَ.
وَالرَّكْض الْعَدْو بِشِدَّةِ الْوَطْء.
وَالرَّكْض تَحْرِيك الرِّجْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُرْكُضْ بِرِجْلِك " [ ص : ٤٢ ] وَرَكَضْت الْفَرَس بِرِجْلِي اِسْتَحْثَثْته لِيَعْدُوَ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ رَكَضَ الْفَرَس إِذَا عَدَا وَلَيْسَ بِالْأَصْلِ، وَالصَّوَاب رُكِضَ الْفَرَس عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله فَهُوَ مَرْكُوض.
أَيْ يَهْرُبُونَ وَيَفِرُّونَ.
وَالرَّكْض الْعَدْو بِشِدَّةِ الْوَطْء.
وَالرَّكْض تَحْرِيك الرِّجْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُرْكُضْ بِرِجْلِك " [ ص : ٤٢ ] وَرَكَضْت الْفَرَس بِرِجْلِي اِسْتَحْثَثْته لِيَعْدُوَ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ رَكَضَ الْفَرَس إِذَا عَدَا وَلَيْسَ بِالْأَصْلِ، وَالصَّوَاب رُكِضَ الْفَرَس عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله فَهُوَ مَرْكُوض.
لَا تَرْكُضُوا
أَيْ لَا تَفِرُّوا.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة نَادَتْهُمْ لَمَّا اِنْهَزَمُوا اِسْتِهْزَاء بِهِمْ وَقَالَتْ :" لَا تَرْكُضُوا "
أَيْ لَا تَفِرُّوا.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة نَادَتْهُمْ لَمَّا اِنْهَزَمُوا اِسْتِهْزَاء بِهِمْ وَقَالَتْ :" لَا تَرْكُضُوا "
وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ
أَيْ إِلَى نِعَمكُمْ الَّتِي كَانَتْ سَبَب بَطَركُمْ، وَالْمُتْرَف الْمُتَنَعِّم ; يُقَال : أُتْرِفَ عَلَى فُلَان أَيْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشه.
وَإِنَّمَا أَتْرَفَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ :" وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٣٣ ].
أَيْ إِلَى نِعَمكُمْ الَّتِي كَانَتْ سَبَب بَطَركُمْ، وَالْمُتْرَف الْمُتَنَعِّم ; يُقَال : أُتْرِفَ عَلَى فُلَان أَيْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشه.
وَإِنَّمَا أَتْرَفَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ :" وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٣٣ ].
لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ
أَيْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ شَيْئًا مِنْ دُنْيَاكُمْ ; اِسْتِهْزَاء بِهِمْ ; قَالَهُ قَتَادَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ " عَمَّا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْعُقُوبَة فَتُخْبِرُونَ بِهِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ " أَيْ تُؤْمِنُوا كَمَا كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ ذَلِكَ قَبْل نُزُول الْبَأْس بِكُمْ ; قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ اِسْتِهْزَاء وَتَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا.
أَيْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ شَيْئًا مِنْ دُنْيَاكُمْ ; اِسْتِهْزَاء بِهِمْ ; قَالَهُ قَتَادَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ " عَمَّا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْعُقُوبَة فَتُخْبِرُونَ بِهِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ " أَيْ تُؤْمِنُوا كَمَا كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ ذَلِكَ قَبْل نُزُول الْبَأْس بِكُمْ ; قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ اِسْتِهْزَاء وَتَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا.
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
لَمَّا قَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة :" لَا تَرْكُضُوا " وَنَادَتْ يَا لِثَارَاتِ الْأَنْبِيَاء ! وَلَمْ يَرَوْا شَخْصًا يُكَلِّمهُمْ عَرَفُوا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ بِقَتْلِهِمْ النَّبِيّ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ، فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا " يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " فَاعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا حِين لَا يَنْفَع الِاعْتِرَاف.
لَمَّا قَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة :" لَا تَرْكُضُوا " وَنَادَتْ يَا لِثَارَاتِ الْأَنْبِيَاء ! وَلَمْ يَرَوْا شَخْصًا يُكَلِّمهُمْ عَرَفُوا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ بِقَتْلِهِمْ النَّبِيّ الَّذِي بُعِثَ فِيهِمْ، فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا " يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " فَاعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ ظَلَمُوا حِين لَا يَنْفَع الِاعْتِرَاف.
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ
" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ " أَيْ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ :" يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ".
" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ " أَيْ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ :" يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ".
حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا
أَيْ بِالسُّيُوفِ كَمَا يُحْصَد الزَّرْع بِالْمِنْجَلِ ; قَالَهُ مُجَاهِد.
وَقَالَ الْحَسَن : أَيْ بِالْعَذَابِ.
أَيْ بِالسُّيُوفِ كَمَا يُحْصَد الزَّرْع بِالْمِنْجَلِ ; قَالَهُ مُجَاهِد.
وَقَالَ الْحَسَن : أَيْ بِالْعَذَابِ.
خَامِدِينَ
أَيْ مَيِّتِينَ.
وَالْخُمُود الْهُمُود كَخُمُودِ النَّار إِذَا طُفِئَتْ فَشَبَّهَ خُمُود الْحَيَاة بِخُمُودِ النَّار، كَمَا يُقَال لِمَنْ مَاتَ قَدْ طَفِئَ تَشْبِيهًا بِانْطِفَاءِ النَّار.
أَيْ مَيِّتِينَ.
وَالْخُمُود الْهُمُود كَخُمُودِ النَّار إِذَا طُفِئَتْ فَشَبَّهَ خُمُود الْحَيَاة بِخُمُودِ النَّار، كَمَا يُقَال لِمَنْ مَاتَ قَدْ طَفِئَ تَشْبِيهًا بِانْطِفَاءِ النَّار.
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
أَيْ عَبَثًا وَبَاطِلًا ; بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ لَهَا خَالِقًا قَادِرًا يَجِب امْتِثَال أَمْره، وَأَنَّهُ يُجَازِي الْمُسِيء وَالْمُحْسِن ; أَيْ مَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض لِيَظْلِم بَعْض النَّاس بَعْضًا، وَيَكْفُر بَعْضهمْ، وَيُخَالِف بَعْضهمْ مَا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُوا وَلَا يُجَازُوا، وَلَا يُؤْمَرُوا فِي الدُّنْيَا بِحَسَنٍ وَلَا يَنْهَوْا عَنْ قَبِيح.
وَهَذَا اللَّعِب الْمَنْفِيّ عَنْ الْحَكِيم ضِدّه الْحِكْمَة.
أَيْ عَبَثًا وَبَاطِلًا ; بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ لَهَا خَالِقًا قَادِرًا يَجِب امْتِثَال أَمْره، وَأَنَّهُ يُجَازِي الْمُسِيء وَالْمُحْسِن ; أَيْ مَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض لِيَظْلِم بَعْض النَّاس بَعْضًا، وَيَكْفُر بَعْضهمْ، وَيُخَالِف بَعْضهمْ مَا أُمِرَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُوا وَلَا يُجَازُوا، وَلَا يُؤْمَرُوا فِي الدُّنْيَا بِحَسَنٍ وَلَا يَنْهَوْا عَنْ قَبِيح.
وَهَذَا اللَّعِب الْمَنْفِيّ عَنْ الْحَكِيم ضِدّه الْحِكْمَة.
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا
لَمَّا اِعْتَقَدَ قَوْم أَنَّ لَهُ وَلَدًا قَالَ :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " وَاللَّهْو الْمَرْأَة بِلُغَةِ الْيَمَن ; قَالَهُ قَتَادَة.
وَقَالَ عُقْبَة بْن أَبِي جَسْرَة - وَجَاءَ طَاوُس وَعَطَاء وَمُجَاهِد يَسْأَلُونَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " - فَقَالَ : اللَّهْو الزَّوْجَة ; وَقَالَهُ الْحَسَن.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اللَّهْو الْوَلَد ; وَقَالَهُ الْحَسَن أَيْضًا.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَدْ يُكَنَّى بِاللَّهْوِ عَنْ الْجِمَاع.
قُلْت : وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس :
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْجِمَاع لَهْوًا لِأَنَّهُ مُلْهِي لِلْقَلْبِ، كَمَا قَالَ زُهِير بْن أبِي سُلْمَى :
وَفِيهِنَّ مَلْهَى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَر
الْجَوْهَرِيّ : قَوْله تَعَالَى :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " قَالُوا اِمْرَأَة، وَيُقَال : وَلَدًا.
لَمَّا اِعْتَقَدَ قَوْم أَنَّ لَهُ وَلَدًا قَالَ :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " وَاللَّهْو الْمَرْأَة بِلُغَةِ الْيَمَن ; قَالَهُ قَتَادَة.
وَقَالَ عُقْبَة بْن أَبِي جَسْرَة - وَجَاءَ طَاوُس وَعَطَاء وَمُجَاهِد يَسْأَلُونَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " - فَقَالَ : اللَّهْو الزَّوْجَة ; وَقَالَهُ الْحَسَن.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : اللَّهْو الْوَلَد ; وَقَالَهُ الْحَسَن أَيْضًا.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَقَدْ يُكَنَّى بِاللَّهْوِ عَنْ الْجِمَاع.
قُلْت : وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس :
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَة الْيَوْم أَنَّنِي | كَبِرْت وَأَلَّا يُحْسِن اللَّهْو أَمْثَالِي |
وَفِيهِنَّ مَلْهَى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَر
الْجَوْهَرِيّ : قَوْله تَعَالَى :" لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا " قَالُوا اِمْرَأَة، وَيُقَال : وَلَدًا.
لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا
أَيْ مِنْ عِنْدنَا لَا مِنْ عِنْدكُمْ.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : مِنْ أَهْل السَّمَاء لَا مِنْ أَهْل الْأَرْض.
قِيلَ : أَرَادَ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَصْنَام بَنَات اللَّه ; أَيْ كَيْفَ يَكُون مَنْحُوتكُمْ وَلَدًا لَنَا.
وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : الْآيَة رَدّ عَلَى النَّصَارَى.
أَيْ مِنْ عِنْدنَا لَا مِنْ عِنْدكُمْ.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : مِنْ أَهْل السَّمَاء لَا مِنْ أَهْل الْأَرْض.
قِيلَ : أَرَادَ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَصْنَام بَنَات اللَّه ; أَيْ كَيْفَ يَكُون مَنْحُوتكُمْ وَلَدًا لَنَا.
وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : الْآيَة رَدّ عَلَى النَّصَارَى.
إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ
قَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل وَابْن جُرَيْج وَالْحَسَن : الْمَعْنَى مَا كُنَّا فَاعِلِينَ ; مِثْل " إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير " [ فَاطِر : ٢٣ ] أَيْ مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِير.
وَ " إِنْ " بِمَعْنَى الْجَحْد وَتَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله :" لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ".
وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْط ; أَيْ إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَسْنَا بِفَاعِلِينَ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُون لَنَا وَلَد ; إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَخْلُق جَنَّة وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا.
وَقِيلَ : لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ وَلَدًا عَلَى طَرِيق التَّبَنِّي لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ عِنْدنَا مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَمَالَ إِلَى هَذَا قَوْم ; لِأَنَّ الْإِرَادَة قَدْ تَتَعَلَّق بِالتَّبَنِّي فَأَمَّا اِتِّخَاذ الْوَلَد فَهُوَ مُحَال، وَالْإِرَادَة لَا تَتَعَلَّق بِالْمُسْتَحِيلِ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ.
قَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل وَابْن جُرَيْج وَالْحَسَن : الْمَعْنَى مَا كُنَّا فَاعِلِينَ ; مِثْل " إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير " [ فَاطِر : ٢٣ ] أَيْ مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِير.
وَ " إِنْ " بِمَعْنَى الْجَحْد وَتَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله :" لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ".
وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْط ; أَيْ إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَسْنَا بِفَاعِلِينَ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُون لَنَا وَلَد ; إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَخْلُق جَنَّة وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا.
وَقِيلَ : لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ وَلَدًا عَلَى طَرِيق التَّبَنِّي لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ عِنْدنَا مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَمَالَ إِلَى هَذَا قَوْم ; لِأَنَّ الْإِرَادَة قَدْ تَتَعَلَّق بِالتَّبَنِّي فَأَمَّا اِتِّخَاذ الْوَلَد فَهُوَ مُحَال، وَالْإِرَادَة لَا تَتَعَلَّق بِالْمُسْتَحِيلِ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ.
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ
الْقَذْف الرَّمْي ; أَيْ نَرْمِي بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل.
الْقَذْف الرَّمْي ; أَيْ نَرْمِي بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل.
فَيَدْمَغُهُ
أَيْ يَقْهَرهُ وَيُهْلِكهُ.
وَأَصْل الدَّمْغ شَجُّ الرَّأْس حَتَّى يَبْلُغ الدِّمَاغ، وَمِنْهُ الدَّامِغَة.
وَالْحَقّ هُنَا الْقُرْآن، وَالْبَاطِل الشَّيْطَان فِي قَوْل مُجَاهِد ; قَالَ : وَكُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ الْبَاطِل فَهُوَ الشَّيْطَان.
وَقِيلَ : الْبَاطِل كَذِبهمْ وَوَصْفهمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ صِفَاته مِنْ الْوَلَد وَغَيْره.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْحَقِّ الْحُجَّة، وَبِالْبَاطِلِ شُبَههمْ.
وَقِيلَ : الْحَقّ الْمَوَاعِظ، وَالْبَاطِل الْمَعَاصِي ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَالْقُرْآن يَتَضَمَّن الْحُجَّة وَالْمَوْعِظَة.
أَيْ يَقْهَرهُ وَيُهْلِكهُ.
وَأَصْل الدَّمْغ شَجُّ الرَّأْس حَتَّى يَبْلُغ الدِّمَاغ، وَمِنْهُ الدَّامِغَة.
وَالْحَقّ هُنَا الْقُرْآن، وَالْبَاطِل الشَّيْطَان فِي قَوْل مُجَاهِد ; قَالَ : وَكُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ الْبَاطِل فَهُوَ الشَّيْطَان.
وَقِيلَ : الْبَاطِل كَذِبهمْ وَوَصْفهمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ صِفَاته مِنْ الْوَلَد وَغَيْره.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْحَقِّ الْحُجَّة، وَبِالْبَاطِلِ شُبَههمْ.
وَقِيلَ : الْحَقّ الْمَوَاعِظ، وَالْبَاطِل الْمَعَاصِي ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَالْقُرْآن يَتَضَمَّن الْحُجَّة وَالْمَوْعِظَة.
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ
أَيْ هَالِك وَتَالِف ; قَالَهُ قَتَادَة.
أَيْ هَالِك وَتَالِف ; قَالَهُ قَتَادَة.
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
أَيْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة بِسَبَبِ وَصْفكُمْ اللَّه بِمَا لَا يَجُوز وَصْفه.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" مِمَّا تَصِفُونَ " أَيْ مِمَّا تَكْذِبُونَ ; عَنْ قَتَادَة وَمُجَاهِد ; نَظِيره " سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ " [ الْأَنْعَام : ١٣٩ ] أَيْ بِكَذِبِهِمْ.
وَقِيلَ : مِمَّا تَصِفُونَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمُحَال وَهُوَ اِتِّخَاذه سُبْحَانه الْوَلَد.
أَيْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة بِسَبَبِ وَصْفكُمْ اللَّه بِمَا لَا يَجُوز وَصْفه.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" مِمَّا تَصِفُونَ " أَيْ مِمَّا تَكْذِبُونَ ; عَنْ قَتَادَة وَمُجَاهِد ; نَظِيره " سَيَجْزِيهِمْ وَصْفهمْ " [ الْأَنْعَام : ١٣٩ ] أَيْ بِكَذِبِهِمْ.
وَقِيلَ : مِمَّا تَصِفُونَ اللَّه بِهِ مِنْ الْمُحَال وَهُوَ اِتِّخَاذه سُبْحَانه الْوَلَد.
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَيْ مُلْكًا وَخَلْقًا فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يُشْرَك بِهِ مَا هُوَ عَبْده وَخَلْقه.
أَيْ مُلْكًا وَخَلْقًا فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يُشْرَك بِهِ مَا هُوَ عَبْده وَخَلْقه.
وَمَنْ عِنْدَهُ
يَعْنِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ بَنَات اللَّه.
يَعْنِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ بَنَات اللَّه.
لَا يَسْتَكْبِرُونَ
أَيْ لَا يَأْنَفُونَ
أَيْ لَا يَأْنَفُونَ
عَنْ عِبَادَتِهِ
وَالتَّذَلُّل لَهُ.
وَالتَّذَلُّل لَهُ.
وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ
أَيْ يَعْيَوْنَ ; قَالَهُ قَتَادَة.
مَأْخُوذ مِنْ الْحَسِير وَهُوَ الْبَعِير الْمُنْقَطِع بِالْإِعْيَاءِ وَالتَّعَب، [ يُقَال ] : حَسِرَ الْبَعِير يَحْسِر حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْله، وَحَسِرْته أَنَا حَسْرًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَأَحْسَرْته أَيْضًا فَهُوَ حَسِير.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : لَا يَمَلُّونَ.
اِبْن عَبَّاس : لَا يَسْتَنْكِفُونَ.
وَقَالَ أَبُو زَيْد : لَا يَكِلُّونَ.
وَقِيلَ : لَا يَفْشَلُونَ ; ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ; وَالْمَعْنَى وَاحِد.
أَيْ يَعْيَوْنَ ; قَالَهُ قَتَادَة.
مَأْخُوذ مِنْ الْحَسِير وَهُوَ الْبَعِير الْمُنْقَطِع بِالْإِعْيَاءِ وَالتَّعَب، [ يُقَال ] : حَسِرَ الْبَعِير يَحْسِر حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْله، وَحَسِرْته أَنَا حَسْرًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَأَحْسَرْته أَيْضًا فَهُوَ حَسِير.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : لَا يَمَلُّونَ.
اِبْن عَبَّاس : لَا يَسْتَنْكِفُونَ.
وَقَالَ أَبُو زَيْد : لَا يَكِلُّونَ.
وَقِيلَ : لَا يَفْشَلُونَ ; ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ; وَالْمَعْنَى وَاحِد.
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
أَيْ يُصَلُّونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّه وَيُنَزِّهُونَهُ دَائِمًا.
أَيْ يُصَلُّونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّه وَيُنَزِّهُونَهُ دَائِمًا.
لَا يَفْتُرُونَ
أَيْ لَا يَضْعُفُونَ وَلَا يَسْأَمُونَ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَس.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْحَرْث سَأَلْت كَعْبًا فَقُلْت : أَمَا لَهُمْ شُغْل عَنْ التَّسْبِيح ؟ أَمَا يَشْغَلهُمْ عَنْهُ شَيْء ؟ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت : مِنْ بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب ; فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَالَ : يَا ابْن أَخِي هَلْ يَشْغَلك شَيْء عَنْ النَّفَس ؟ ! إِنَّ التَّسْبِيح لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ النَّفَس.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ بَنِي آدَم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ وَالْحَمْد لِلَّهِ.
أَيْ لَا يَضْعُفُونَ وَلَا يَسْأَمُونَ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَس.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْحَرْث سَأَلْت كَعْبًا فَقُلْت : أَمَا لَهُمْ شُغْل عَنْ التَّسْبِيح ؟ أَمَا يَشْغَلهُمْ عَنْهُ شَيْء ؟ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت : مِنْ بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب ; فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَالَ : يَا ابْن أَخِي هَلْ يَشْغَلك شَيْء عَنْ النَّفَس ؟ ! إِنَّ التَّسْبِيح لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ النَّفَس.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ بَنِي آدَم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ وَالْحَمْد لِلَّهِ.
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ
قَالَ الْمُفَضَّل : مَقْصُود هَذَا الِاسْتِفْهَام الْجَحْد، أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا آلِهَة تَقْدِر عَلَى الْإِحْيَاء.
وَقِيلَ :" أَمْ " بِمَعْنَى " هَلْ " أَيْ هَلْ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَة مِنْ الْأَرْض يُحْيُونَ الْمَوْتَى.
وَلَا تَكُون " أَمْ " هُنَا بِمَعْنَى بَلْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِب لَهُمْ إِنْشَاء الْمَوْتَى إِلَّا أَنْ تَقْدِر " أَمْ " مَعَ الِاسْتِفْهَام فَتَكُون " أَمْ " الْمُنْقَطِعَة فَيَصِحّ الْمَعْنَى ; قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَقِيلَ :" أَمْ " عَطْف عَلَى الْمَعْنَى أَيْ أَفَخَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض لَعِبًا، أَوْ هَذَا الَّذِي أَضَافُوهُ إِلَيْنَا مِنْ عِنْدنَا فَيَكُون لَهُمْ مَوْضِع شُبْهَة ؟ أَوْ هَلْ مَا اِتَّخَذُوهُ مِنْ الْآلِهَة فِي الْأَرْض يُحْيِي الْمَوْتَى فَيَكُون مَوْضِع شُبْهَة ؟.
وَقِيلَ :" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠ ] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْمُعَاتَبَةِ، وَعَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ تَكُون " أَمْ " مُتَّصِلَة.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " يُنْشِرُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين مِنْ أَنْشَرَ اللَّه الْمَيِّت فَنُشِرَ أَيْ أَحْيَاهُ فَحَيِيَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن بِفَتْحِ الْيَاء ; أَيْ يَحْيَوْنَ وَلَا يَمُوتُونَ.
قَالَ الْمُفَضَّل : مَقْصُود هَذَا الِاسْتِفْهَام الْجَحْد، أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا آلِهَة تَقْدِر عَلَى الْإِحْيَاء.
وَقِيلَ :" أَمْ " بِمَعْنَى " هَلْ " أَيْ هَلْ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَة مِنْ الْأَرْض يُحْيُونَ الْمَوْتَى.
وَلَا تَكُون " أَمْ " هُنَا بِمَعْنَى بَلْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِب لَهُمْ إِنْشَاء الْمَوْتَى إِلَّا أَنْ تَقْدِر " أَمْ " مَعَ الِاسْتِفْهَام فَتَكُون " أَمْ " الْمُنْقَطِعَة فَيَصِحّ الْمَعْنَى ; قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَقِيلَ :" أَمْ " عَطْف عَلَى الْمَعْنَى أَيْ أَفَخَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض لَعِبًا، أَوْ هَذَا الَّذِي أَضَافُوهُ إِلَيْنَا مِنْ عِنْدنَا فَيَكُون لَهُمْ مَوْضِع شُبْهَة ؟ أَوْ هَلْ مَا اِتَّخَذُوهُ مِنْ الْآلِهَة فِي الْأَرْض يُحْيِي الْمَوْتَى فَيَكُون مَوْضِع شُبْهَة ؟.
وَقِيلَ :" لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠ ] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْمُعَاتَبَةِ، وَعَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ تَكُون " أَمْ " مُتَّصِلَة.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " يُنْشِرُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين مِنْ أَنْشَرَ اللَّه الْمَيِّت فَنُشِرَ أَيْ أَحْيَاهُ فَحَيِيَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن بِفَتْحِ الْيَاء ; أَيْ يَحْيَوْنَ وَلَا يَمُوتُونَ.
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا
أَيْ لَوْ كَانَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ آلِهَة غَيْر اللَّه مَعْبُودُونَ لَفَسَدَتَا.
قَالَ الْكِسَائِيّ وَسِيبَوَيْهِ :" إِلَّا " بِمَعْنَى غَيْر فَلَمَّا جُعِلَتْ إِلَّا فِي مَوْضِع غَيْر أُعْرِبَ الِاسْم الَّذِي بَعْدهَا بِإِعْرَابِ غَيْر، كَمَا قَالَ :
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : لَوْ كَانَ مَعَنَا رَجُل إِلَّا زَيْد لَهَلَكْنَا.
وَقَالَ الْفَرَّاء :" إِلَّا " هُنَا فِي مَوْضِع سِوَى، وَالْمَعْنَى : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة سِوَى اللَّه لَفَسَدَ أَهْلهَا.
وَقَالَ غَيْره : أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِمَا إِلَهَانِ لَفَسَدَ التَّدْبِير ; لِأَنَّ أَحَدهمَا إِنْ أَرَادَ شَيْئًا وَالْآخَر ضِدّه كَانَ أَحَدهمَا عَاجِزًا.
وَقِيلَ : مَعْنَى " لَفَسَدَتَا " أَيْ خَرِبَتَا وَهَلَكَ مَنْ فِيهِمَا بِوُقُوعِ التَّنَازُع بِالِاخْتِلَافِ الْوَاقِع بَيْن الشُّرَكَاء.
أَيْ لَوْ كَانَ فِي السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ آلِهَة غَيْر اللَّه مَعْبُودُونَ لَفَسَدَتَا.
قَالَ الْكِسَائِيّ وَسِيبَوَيْهِ :" إِلَّا " بِمَعْنَى غَيْر فَلَمَّا جُعِلَتْ إِلَّا فِي مَوْضِع غَيْر أُعْرِبَ الِاسْم الَّذِي بَعْدهَا بِإِعْرَابِ غَيْر، كَمَا قَالَ :
وَكُلّ أَخ مُفَارِقه أَخُوهُ | لَعَمْرُ أَبِيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ |
وَقَالَ الْفَرَّاء :" إِلَّا " هُنَا فِي مَوْضِع سِوَى، وَالْمَعْنَى : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَة سِوَى اللَّه لَفَسَدَ أَهْلهَا.
وَقَالَ غَيْره : أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِمَا إِلَهَانِ لَفَسَدَ التَّدْبِير ; لِأَنَّ أَحَدهمَا إِنْ أَرَادَ شَيْئًا وَالْآخَر ضِدّه كَانَ أَحَدهمَا عَاجِزًا.
وَقِيلَ : مَعْنَى " لَفَسَدَتَا " أَيْ خَرِبَتَا وَهَلَكَ مَنْ فِيهِمَا بِوُقُوعِ التَّنَازُع بِالِاخْتِلَافِ الْوَاقِع بَيْن الشُّرَكَاء.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
نَزَّهَ نَفْسه وَأَمَرَ الْعِبَاد أَنْ يُنَزِّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك أَوْ وَلَد.
نَزَّهَ نَفْسه وَأَمَرَ الْعِبَاد أَنْ يُنَزِّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ شَرِيك أَوْ وَلَد.
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
قَاصِمَة لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرهمْ.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمَعْنَى لَا يَسْأَل الْخَلْق عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقه وَهُوَ يُسْأَل الْخَلْق عَنْ عَمَلهمْ ; لِأَنَّهُمْ عَبِيد.
بَيْن بِهَذَا أَنَّ مَنْ يُسْأَل غَدًا عَنْ أَعْمَاله كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَة لَا يَصْلُح لِلْإِلَهِيَّةِ.
وَقِيلَ : لَا يُؤَاخَذ عَلَى أَفْعَاله وَهُمْ يُؤَاخَذُونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : أَيُحِبُّ رَبّنَا أَنْ يُعْصَى ؟ قَالَ : أَفَيُعْصَى رَبّنَا قَهْرًا ؟ قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ مَنَعَنِي.
الْهُدَى وَمَنَحَنِي الرَّدَى أَأَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ ؟ قَالَ : إِنْ مَنَعَك حَقّك فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ مَنَعَك فَضْله فَهُوَ فَضْله يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء.
ثُمَّ تَلَا الْآيَة :" لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ ".
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا بَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّك رَبّ عَظِيم، لَوْ شِئْت أَنْ تُطَاع لَأُطِعْت، وَلَوْ شِئْت أَلَّا تُعْصَى مَا عُصِيت، وَأَنْتَ تُحِبّ أَنْ تُطَاع وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ تُعْصَى فَكَيْفَ هَذَا يَا رَبّ ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنِّي لَا أُسْأَل عَمَّا أَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
قَاصِمَة لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرهمْ.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمَعْنَى لَا يَسْأَل الْخَلْق عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقه وَهُوَ يُسْأَل الْخَلْق عَنْ عَمَلهمْ ; لِأَنَّهُمْ عَبِيد.
بَيْن بِهَذَا أَنَّ مَنْ يُسْأَل غَدًا عَنْ أَعْمَاله كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَة لَا يَصْلُح لِلْإِلَهِيَّةِ.
وَقِيلَ : لَا يُؤَاخَذ عَلَى أَفْعَاله وَهُمْ يُؤَاخَذُونَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ : أَيُحِبُّ رَبّنَا أَنْ يُعْصَى ؟ قَالَ : أَفَيُعْصَى رَبّنَا قَهْرًا ؟ قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ مَنَعَنِي.
الْهُدَى وَمَنَحَنِي الرَّدَى أَأَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ ؟ قَالَ : إِنْ مَنَعَك حَقّك فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ مَنَعَك فَضْله فَهُوَ فَضْله يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء.
ثُمَّ تَلَا الْآيَة :" لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ ".
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا بَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَكَلَّمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّك رَبّ عَظِيم، لَوْ شِئْت أَنْ تُطَاع لَأُطِعْت، وَلَوْ شِئْت أَلَّا تُعْصَى مَا عُصِيت، وَأَنْتَ تُحِبّ أَنْ تُطَاع وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ تُعْصَى فَكَيْفَ هَذَا يَا رَبّ ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنِّي لَا أُسْأَل عَمَّا أَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ
أَعَادَ التَّعَجُّب فِي اِتِّخَاذ الْآلِهَة مِنْ دُون اللَّه مُبَالَغَة فِي التَّوْبِيخ، أَيْ صِفَتهمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْشَاء وَالْإِحْيَاء، فَتَكُون " أَمْ " بِمَعْنَى هَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلْيَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ : الْأَوَّل اِحْتِجَاج.
مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُول ; لِأَنَّهُ قَالَ :" هُمْ يُنْشِرُونَ " وَيُحْيُونَ الْمَوْتَى ; هَيْهَاتَ ! وَالثَّانِي اِحْتِجَاج بِالْمَنْقُولِ، أَيْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة، فَفِي أَيّ كِتَاب نَزَلَ هَذَا ؟ فِي الْقُرْآن، أَمْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء ؟
أَعَادَ التَّعَجُّب فِي اِتِّخَاذ الْآلِهَة مِنْ دُون اللَّه مُبَالَغَة فِي التَّوْبِيخ، أَيْ صِفَتهمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْشَاء وَالْإِحْيَاء، فَتَكُون " أَمْ " بِمَعْنَى هَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلْيَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ : الْأَوَّل اِحْتِجَاج.
مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُول ; لِأَنَّهُ قَالَ :" هُمْ يُنْشِرُونَ " وَيُحْيُونَ الْمَوْتَى ; هَيْهَاتَ ! وَالثَّانِي اِحْتِجَاج بِالْمَنْقُولِ، أَيْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة، فَفِي أَيّ كِتَاب نَزَلَ هَذَا ؟ فِي الْقُرْآن، أَمْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء ؟
هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ
بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد فِي الْقُرْآن
بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد فِي الْقُرْآن
وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي
فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكُتُب ; فَانْظُرُوا هَلْ فِي كِتَاب مِنْ هَذِهِ الْكُتُب أَنَّ اللَّه أَمَرَ بِاِتِّخَاذِ آلِهَة سِوَاهُ ؟ فَالشَّرَائِع لَمْ تَخْتَلِف فِيمَا يَتَعَلَّق بِالتَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَتْ فِي الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَقَالَ قَتَادَة : الْإِشَارَة إِلَى الْقُرْآن ; الْمَعْنَى :" هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِي " بِمَا يَلْزَمهُمْ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام " وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " مِنْ الْأُمَم مِمَّنْ نَجَا بِالْإِيمَانِ وَهَلَكَ بِالشِّرْكِ.
وَقِيلَ :" ذِكْر مَنْ مَعِي " بِمَا لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَى الْإِيمَان وَالْعِقَاب عَلَى الْكُفْر " وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة فِيمَا يُفْعَل بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُفْعَل بِهِمْ فِي الْآخِرَة.
وَقِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الْوَعِيد وَالتَّهْدِيد، أَيْ اِفْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَعَنْ قَرِيب يَنْكَشِف الْغِطَاء.
وَحَكَى أَبُو حَاتِم : أَنَّ يَحْيَى بْن يَعْمَر وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف قَرَآ " هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِي وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " بِالتَّنْوِينِ وَكَسْر الْمِيم، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا وَجْه لِهَذَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة : الْمَعْنَى ; هَذَا ذِكْر مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَمِمَّا هُوَ مَعِي وَذِكْر مَنْ قَبْلِي.
وَقِيلَ : ذِكْر كَائِن مَنْ قَبْلِي، أَيْ جِئْت بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلِي.
فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكُتُب ; فَانْظُرُوا هَلْ فِي كِتَاب مِنْ هَذِهِ الْكُتُب أَنَّ اللَّه أَمَرَ بِاِتِّخَاذِ آلِهَة سِوَاهُ ؟ فَالشَّرَائِع لَمْ تَخْتَلِف فِيمَا يَتَعَلَّق بِالتَّوْحِيدِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَتْ فِي الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَقَالَ قَتَادَة : الْإِشَارَة إِلَى الْقُرْآن ; الْمَعْنَى :" هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِي " بِمَا يَلْزَمهُمْ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام " وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " مِنْ الْأُمَم مِمَّنْ نَجَا بِالْإِيمَانِ وَهَلَكَ بِالشِّرْكِ.
وَقِيلَ :" ذِكْر مَنْ مَعِي " بِمَا لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَى الْإِيمَان وَالْعِقَاب عَلَى الْكُفْر " وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة فِيمَا يُفْعَل بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُفْعَل بِهِمْ فِي الْآخِرَة.
وَقِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الْوَعِيد وَالتَّهْدِيد، أَيْ اِفْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَعَنْ قَرِيب يَنْكَشِف الْغِطَاء.
وَحَكَى أَبُو حَاتِم : أَنَّ يَحْيَى بْن يَعْمَر وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف قَرَآ " هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِي وَذِكْر مَنْ قَبْلِي " بِالتَّنْوِينِ وَكَسْر الْمِيم، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا وَجْه لِهَذَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة : الْمَعْنَى ; هَذَا ذِكْر مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَمِمَّا هُوَ مَعِي وَذِكْر مَنْ قَبْلِي.
وَقِيلَ : ذِكْر كَائِن مَنْ قَبْلِي، أَيْ جِئْت بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلِي.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَالْحَسَن " الْحَقّ " بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى هُوَ الْحَقّ وَهَذَا هُوَ الْحَقّ.
وَعَلَى هَذَا يُوقَف عَلَى " لَا يَعْلَمُونَ " وَلَا يُوقَف عَلَيْهِ عَلَى قِرَاءَة النَّصْب.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَالْحَسَن " الْحَقّ " بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى هُوَ الْحَقّ وَهَذَا هُوَ الْحَقّ.
وَعَلَى هَذَا يُوقَف عَلَى " لَا يَعْلَمُونَ " وَلَا يُوقَف عَلَيْهِ عَلَى قِرَاءَة النَّصْب.
فَهُمْ مُعْرِضُونَ
أَيْ عَنْ الْحَقّ وَهُوَ الْقُرْآن، فَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَّة التَّوْحِيد.
أَيْ عَنْ الْحَقّ وَهُوَ الْقُرْآن، فَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَّة التَّوْحِيد.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ
وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " نُوحِي إِلَيْهِ " بِالنُّونِ ; لِقَوْلِهِ :" أَرْسَلْنَا ".
وَقَرَأَ حَفْص وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " نُوحِي إِلَيْهِ " بِالنُّونِ ; لِقَوْلِهِ :" أَرْسَلْنَا ".
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
أَيْ قُلْنَا لِلْجَمِيعِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; فَأَدِلَّة الْعَقْل شَاهِدَة أَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَالنَّقْل عَنْ جَمِيع الْأَنْبِيَاء مَوْجُود، وَالدَّلِيل إِمَّا مَعْقُول وَإِمَّا مَنْقُول.
وَقَالَ قَتَادَة : لَمْ يُرْسَل نَبِيّ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، وَالشَّرَائِع مُخْتَلِفَة فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن، وَكُلّ ذَلِكَ عَلَى الْإِخْلَاص وَالتَّوْحِيد.
أَيْ قُلْنَا لِلْجَمِيعِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ; فَأَدِلَّة الْعَقْل شَاهِدَة أَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَالنَّقْل عَنْ جَمِيع الْأَنْبِيَاء مَوْجُود، وَالدَّلِيل إِمَّا مَعْقُول وَإِمَّا مَنْقُول.
وَقَالَ قَتَادَة : لَمْ يُرْسَل نَبِيّ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، وَالشَّرَائِع مُخْتَلِفَة فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن، وَكُلّ ذَلِكَ عَلَى الْإِخْلَاص وَالتَّوْحِيد.
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ
نَزَلَتْ فِي خُزَاعَة حَيْثُ قَالُوا : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ طَمَعًا فِي شَفَاعَتهمْ لَهُمْ.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ قَالَتْ الْيَهُود - قَالَ مَعْمَر فِي رِوَايَته - أَوْ طَوَائِف مِنْ النَّاس : خَاتَنَ إِلَى الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة مِنْ الْجِنّ، فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" سُبْحَانه " تَنْزِيهًا لَهُ.
نَزَلَتْ فِي خُزَاعَة حَيْثُ قَالُوا : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ طَمَعًا فِي شَفَاعَتهمْ لَهُمْ.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ قَالَتْ الْيَهُود - قَالَ مَعْمَر فِي رِوَايَته - أَوْ طَوَائِف مِنْ النَّاس : خَاتَنَ إِلَى الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة مِنْ الْجِنّ، فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" سُبْحَانه " تَنْزِيهًا لَهُ.
بَلْ عِبَادٌ
أَيْ بَلْ هُمْ عِبَاد
أَيْ بَلْ هُمْ عِبَاد
مُكْرَمُونَ
أَيْ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار.
وَيَجُوز النَّصْب عِنْد الزَّجَّاج عَلَى مَعْنَى بَلْ اِتَّخَذَ عِبَادًا مُكْرَمِينَ.
وَأَجَازَهُ الْفَرَّاء عَلَى أَنْ يَرُدّهُ عَلَى وَلَد، أَيْ بَلْ لَمْ نَتَّخِذهُمْ وَلَدًا، بَلْ اِتَّخَذْنَاهُمْ عِبَادًا مُكْرَمِينَ.
وَالْوَلَد هَاهُنَا لِلْجَمْعِ، وَقَدْ يَكُون الْوَاحِد وَالْجَمْع وَلَدًا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون لَفْظ الْوَلَد لِلْجِنْسِ، كَمَا يُقَال لِفُلَانٍ مَال.
أَيْ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار.
وَيَجُوز النَّصْب عِنْد الزَّجَّاج عَلَى مَعْنَى بَلْ اِتَّخَذَ عِبَادًا مُكْرَمِينَ.
وَأَجَازَهُ الْفَرَّاء عَلَى أَنْ يَرُدّهُ عَلَى وَلَد، أَيْ بَلْ لَمْ نَتَّخِذهُمْ وَلَدًا، بَلْ اِتَّخَذْنَاهُمْ عِبَادًا مُكْرَمِينَ.
وَالْوَلَد هَاهُنَا لِلْجَمْعِ، وَقَدْ يَكُون الْوَاحِد وَالْجَمْع وَلَدًا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون لَفْظ الْوَلَد لِلْجِنْسِ، كَمَا يُقَال لِفُلَانٍ مَال.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
أَيْ لَا يَقُولُونَ حَتَّى يَقُول، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرهُمْ.
أَيْ لَا يَقُولُونَ حَتَّى يَقُول، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرهُمْ.
وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
أَيْ بِطَاعَتِهِ وَأَوَامِره.
" يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ " أَيْ يَعْلَم مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْهُ أَيْضًا :" مَا بَيْن أَيْدِيهمْ " الْآخِرَة " وَمَا خَلْفهمْ " الدُّنْيَا ; ذَكَرَ الْأَوَّل الثَّعْلَبِيّ، وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيّ.
أَيْ بِطَاعَتِهِ وَأَوَامِره.
" يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ " أَيْ يَعْلَم مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْهُ أَيْضًا :" مَا بَيْن أَيْدِيهمْ " الْآخِرَة " وَمَا خَلْفهمْ " الدُّنْيَا ; ذَكَرَ الْأَوَّل الثَّعْلَبِيّ، وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيّ.
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ أَهْل شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.
وَقَالَ مُجَاهِد : هُمْ كُلّ مَنْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَالْمَلَائِكَة يَشْفَعُونَ غَدًا فِي الْآخِرَة كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره، وَفِي الدُّنْيَا أَيْضًا ; فَإِنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِمَنْ فِي الْأَرْض، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيل عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ أَهْل شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه.
وَقَالَ مُجَاهِد : هُمْ كُلّ مَنْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَالْمَلَائِكَة يَشْفَعُونَ غَدًا فِي الْآخِرَة كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره، وَفِي الدُّنْيَا أَيْضًا ; فَإِنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِمَنْ فِي الْأَرْض، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيل عَلَى مَا يَأْتِي.
وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
يَعْنِي الْمَلَائِكَة
يَعْنِي الْمَلَائِكَة
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ
يَعْنِي مِنْ خَوْفه
يَعْنِي مِنْ خَوْفه
مُشْفِقُونَ
أَيْ خَائِفُونَ لَا يَأْمَنُونَ مَكْره.
أَيْ خَائِفُونَ لَا يَأْمَنُونَ مَكْره.
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ
قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة إِبْلِيس حَيْثُ اِدَّعَى الشِّرْكَة، وَدَعَا إِلَى عِبَادَة نَفْسه وَكَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة، وَلَمْ يَقُلْ أَحَد مِنْ الْمَلَائِكَة إِنِّي إِلَه غَيْره.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى جَمِيع الْمَلَائِكَة،
قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة إِبْلِيس حَيْثُ اِدَّعَى الشِّرْكَة، وَدَعَا إِلَى عِبَادَة نَفْسه وَكَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة، وَلَمْ يَقُلْ أَحَد مِنْ الْمَلَائِكَة إِنِّي إِلَه غَيْره.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى جَمِيع الْمَلَائِكَة،
فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ
" فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم " أَيْ فَذَلِكَ الْقَائِل وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ أُكْرِمُوا بِالْعِصْمَةِ فَهُمْ مُتَعَبِّدُونَ، وَلَيْسُوا مُضْطَرِّينَ إِلَى الْعِبَادَة كَمَا ظَنَّهُ بَعْض الْجُهَّال.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ اِبْن عَبَّاس بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل أَهْل السَّمَاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
" فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم " أَيْ فَذَلِكَ الْقَائِل وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ أُكْرِمُوا بِالْعِصْمَةِ فَهُمْ مُتَعَبِّدُونَ، وَلَيْسُوا مُضْطَرِّينَ إِلَى الْعِبَادَة كَمَا ظَنَّهُ بَعْض الْجُهَّال.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ اِبْن عَبَّاس بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل أَهْل السَّمَاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ " أَيْ كَمَا جَزَيْنَا هَذَا بِالنَّارِ فَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الْوَاضِعِينَ الْأُلُوهِيَّة وَالْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهمَا.
نَجْزِي الظَّالِمِينَ " أَيْ كَمَا جَزَيْنَا هَذَا بِالنَّارِ فَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الْوَاضِعِينَ الْأُلُوهِيَّة وَالْعِبَادَة فِي غَيْر مَوْضِعهمَا.
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا
قِرَاءَة الْعَامَّة " أَوَ لَمْ " بِالْوَاوِ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَشِبْل بْن عَبَّاد " أَلَمْ تَرَ " بِغَيْرِ وَاو وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف مَكَّة.
" أَوَ لَمْ يَرَ " بِمَعْنَى يَعْلَم.
" الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا " قَالَ الْأَخْفَش :" كَانَتَا " لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، كَمَا تَقُول الْعَرَب : هُمَا لِقَاحَانِ أَسْوَدَانِ، وَكَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ اللَّه يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا " [ فَاطِر : ٤١ ] قَالَ أَبُو إِسْحَاق :" كَانَتَا " لِأَنَّهُ يُعَبَّر عَنْ السَّمَوَات بِلَفْظِ الْوَاحِد بِسَمَاءٍ ; وَلِأَنَّ السَّمَوَات كَانَتْ سَمَاء وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ الْأَرَضُونَ.
وَقَالَ :" رَتْقًا " وَلَمْ يَقُلْ رَتْقَيْنِ ; لِأَنَّهُ مَصْدَر ; وَالْمَعْنَى كَانَتَا ذَوَاتَيْ رَتْق.
وَقَرَأَ الْحَسَن " رَتَقًا " بِفَتْحِ التَّاء.
قَالَ عِيسَى بْن عُمَر : هُوَ صَوَاب وَهِيَ لُغَة.
وَالرَّتْق السَّدّ ضِدّ الْفَتْق، وَقَدْ رَتَقْت الْفَتْق أَرْتُقهُ فَارْتَتَقَ أَيْ اِلْتَأَمَ، وَمِنْهُ الرَّتْقَاء لِلْمُنْضَمَّةِ الْفَرْج.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَعَطَاء وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ شَيْئًا وَاحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّه بَيْنهمَا بِالْهَوَاءِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ كَعْب : خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض بَعْضهَا عَلَى بَعْض ثُمَّ خَلَقَ رِيحًا بِوَسَطِهَا فَفَتَحَهَا بِهَا، وَجَعَلَ السَّمَوَات سَبْعًا وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا.
وَقَوْل ثَانٍ قَالَهُ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَأَبُو صَالِح : كَانَتْ السَّمَوَات مُؤْتَلِفَة طَبَقَة وَاحِدَة فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَوَات، وَكَذَلِكَ الْأَرَضِينَ كَانَتْ مُرْتَتِقَة طَبَقَة وَاحِدَة فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعًا.
وَحَكَاهُ الْقُتَبِيّ فِي عُيُون الْأَخْبَار لَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا " قَالَ : كَانَتْ السَّمَاء مَخْلُوقَة وَحْدهَا وَالْأَرْض مَخْلُوقَة وَحْدهَا، فَفَتَقَ مِنْ هَذِهِ سَبْع سَمَوَات، وَمِنْ هَذِهِ سَبْع أَرَضِينَ ; خَلَقَ الْأَرْض الْعُلْيَا فَجَعَلَ سُكَّانهَا الْجِنّ وَالْإِنْس، وَشَقَّ فِيهَا الْأَنْهَار وَأَنْبَتَ فِيهَا الْأَثْمَار، وَجَعَلَ فِيهَا الْبِحَار وَسَمَّاهَا رِعَاء، مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام ; ثُمَّ خَلَقَ الثَّانِيَة مِثْلهَا فِي الْعَرْض وَالْغِلَظ وَجَعَلَ فِيهَا أَقْوَامًا، أَفْوَاههمْ كَأَفْوَاهِ الْكِلَاب وَأَيْدِيهمْ أَيْدِي النَّاس ; وَآذَانهمْ آذَان الْبَقَر وَشُعُورهمْ شُعُور الْغَنَم، فَإِذَا كَانَ عِنْد اِقْتِرَاب السَّاعَة أَلْقَتْهُمْ الْأَرْض إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَاسْم تِلْكَ الْأَرْض الدَّكْمَاء، ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْض الثَّالِثَة غِلَظهَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَمِنْهَا هَوَاء إِلَى الْأَرْض.
الرَّابِعَة خَلَقَ فِيهَا ظُلْمَة وَعَقَارِب لِأَهْلِ النَّار مِثْل الْبِغَال السُّود، وَلَهَا أَذْنَاب مِثْل أَذْنَاب الْخَيْل الطِّوَال، يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا فَتُسَلَّط عَلَى بَنِي آدَم.
قِرَاءَة الْعَامَّة " أَوَ لَمْ " بِالْوَاوِ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَشِبْل بْن عَبَّاد " أَلَمْ تَرَ " بِغَيْرِ وَاو وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف مَكَّة.
" أَوَ لَمْ يَرَ " بِمَعْنَى يَعْلَم.
" الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا " قَالَ الْأَخْفَش :" كَانَتَا " لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، كَمَا تَقُول الْعَرَب : هُمَا لِقَاحَانِ أَسْوَدَانِ، وَكَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ اللَّه يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا " [ فَاطِر : ٤١ ] قَالَ أَبُو إِسْحَاق :" كَانَتَا " لِأَنَّهُ يُعَبَّر عَنْ السَّمَوَات بِلَفْظِ الْوَاحِد بِسَمَاءٍ ; وَلِأَنَّ السَّمَوَات كَانَتْ سَمَاء وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ الْأَرَضُونَ.
وَقَالَ :" رَتْقًا " وَلَمْ يَقُلْ رَتْقَيْنِ ; لِأَنَّهُ مَصْدَر ; وَالْمَعْنَى كَانَتَا ذَوَاتَيْ رَتْق.
وَقَرَأَ الْحَسَن " رَتَقًا " بِفَتْحِ التَّاء.
قَالَ عِيسَى بْن عُمَر : هُوَ صَوَاب وَهِيَ لُغَة.
وَالرَّتْق السَّدّ ضِدّ الْفَتْق، وَقَدْ رَتَقْت الْفَتْق أَرْتُقهُ فَارْتَتَقَ أَيْ اِلْتَأَمَ، وَمِنْهُ الرَّتْقَاء لِلْمُنْضَمَّةِ الْفَرْج.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَعَطَاء وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ شَيْئًا وَاحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّه بَيْنهمَا بِالْهَوَاءِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ كَعْب : خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض بَعْضهَا عَلَى بَعْض ثُمَّ خَلَقَ رِيحًا بِوَسَطِهَا فَفَتَحَهَا بِهَا، وَجَعَلَ السَّمَوَات سَبْعًا وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا.
وَقَوْل ثَانٍ قَالَهُ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَأَبُو صَالِح : كَانَتْ السَّمَوَات مُؤْتَلِفَة طَبَقَة وَاحِدَة فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَوَات، وَكَذَلِكَ الْأَرَضِينَ كَانَتْ مُرْتَتِقَة طَبَقَة وَاحِدَة فَفَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعًا.
وَحَكَاهُ الْقُتَبِيّ فِي عُيُون الْأَخْبَار لَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا " قَالَ : كَانَتْ السَّمَاء مَخْلُوقَة وَحْدهَا وَالْأَرْض مَخْلُوقَة وَحْدهَا، فَفَتَقَ مِنْ هَذِهِ سَبْع سَمَوَات، وَمِنْ هَذِهِ سَبْع أَرَضِينَ ; خَلَقَ الْأَرْض الْعُلْيَا فَجَعَلَ سُكَّانهَا الْجِنّ وَالْإِنْس، وَشَقَّ فِيهَا الْأَنْهَار وَأَنْبَتَ فِيهَا الْأَثْمَار، وَجَعَلَ فِيهَا الْبِحَار وَسَمَّاهَا رِعَاء، مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام ; ثُمَّ خَلَقَ الثَّانِيَة مِثْلهَا فِي الْعَرْض وَالْغِلَظ وَجَعَلَ فِيهَا أَقْوَامًا، أَفْوَاههمْ كَأَفْوَاهِ الْكِلَاب وَأَيْدِيهمْ أَيْدِي النَّاس ; وَآذَانهمْ آذَان الْبَقَر وَشُعُورهمْ شُعُور الْغَنَم، فَإِذَا كَانَ عِنْد اِقْتِرَاب السَّاعَة أَلْقَتْهُمْ الْأَرْض إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَاسْم تِلْكَ الْأَرْض الدَّكْمَاء، ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْض الثَّالِثَة غِلَظهَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَمِنْهَا هَوَاء إِلَى الْأَرْض.
الرَّابِعَة خَلَقَ فِيهَا ظُلْمَة وَعَقَارِب لِأَهْلِ النَّار مِثْل الْبِغَال السُّود، وَلَهَا أَذْنَاب مِثْل أَذْنَاب الْخَيْل الطِّوَال، يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا فَتُسَلَّط عَلَى بَنِي آدَم.
ثُمَّ خَلَقَ اللَّه الْخَامِسَة [ مِثْلهَا ] فِي الْغِلَظ وَالطُّول وَالْعَرْض فِيهَا سَلَاسِل وَأَغْلَال وَقُيُود لِأَهْلِ النَّار.
ثُمَّ خَلَقَ اللَّه الْأَرْض السَّادِسَة وَاسْمهَا مَاد، فِيهَا حِجَارَة سُود بُهْم، وَمِنْهَا خُلِقَتْ تُرْبَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، تُبْعَث تِلْكَ الْحِجَارَة يَوْم الْقِيَامَة وَكُلّ حَجَر مِنْهَا كَالطَّوْدِ الْعَظِيم، وَهِيَ مِنْ كِبْرِيت تُعَلَّق فِي أَعْنَاق الْكُفَّار فَتَشْتَعِل حَتَّى تُحْرِق وُجُوههمْ وَأَيْدِيهمْ، فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة " [ الْبَقَرَة : ٢٤ ] ثُمَّ خَلَقَ اللَّه الْأَرْض السَّابِعَة وَاسْمهَا عَرَبِيَّة وَفِيهَا جَهَنَّم، فِيهَا بَابَانِ اِسْم الْوَاحِد سِجِّين وَالْآخَر الْغَلْق، فَأَمَّا سِجِّين فَهُوَ مَفْتُوح وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي كِتَاب الْكُفَّار، وَعَلَيْهِ يُعْرَض أَصْحَاب الْمَائِدَة وَقَوْم فِرْعَوْن، وَأَمَّا الْغَلْق فَهُوَ مُغْلَق لَا يُفْتَح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " أَنَّهَا سَبْع أَرَضِينَ بَيْن كُلّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَسَيَأْتِي لَهُ فِي آخِر " الطَّلَاق " زِيَادَة بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَوْل ثَالِث قَالَهُ عِكْرِمَة وَعَطِيَّة وَابْن زَيْد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : إِنَّ السَّمَوَات كَانَتْ رَتْقًا لَا تُمْطِر، وَالْأَرْض كَانَتْ رَتْقًا لَا تُنْبِت، فَفَتَقَ السَّمَاء بِالْمَطَرِ، وَالْأَرْض بِالنَّبَاتِ ; نَظِيره قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع.
وَالْأَرْض ذَات الصَّدْع " [ الطَّارِق :
١١ - ١٢ ].
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الطَّبَرِيّ ; لِأَنَّ بَعْده :" وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ".
قُلْت : وَبِهِ يَقَع الِاعْتِبَار مُشَاهَدَة وَمُعَايَنَة ; وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي غَيْر مَا آيَة ; لِيَدُلّ عَلَى كَمَال قُدْرَته، وَعَلَى الْبَعْث وَالْجَزَاء.
وَقِيلَ :
ثُمَّ خَلَقَ اللَّه الْأَرْض السَّادِسَة وَاسْمهَا مَاد، فِيهَا حِجَارَة سُود بُهْم، وَمِنْهَا خُلِقَتْ تُرْبَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، تُبْعَث تِلْكَ الْحِجَارَة يَوْم الْقِيَامَة وَكُلّ حَجَر مِنْهَا كَالطَّوْدِ الْعَظِيم، وَهِيَ مِنْ كِبْرِيت تُعَلَّق فِي أَعْنَاق الْكُفَّار فَتَشْتَعِل حَتَّى تُحْرِق وُجُوههمْ وَأَيْدِيهمْ، فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة " [ الْبَقَرَة : ٢٤ ] ثُمَّ خَلَقَ اللَّه الْأَرْض السَّابِعَة وَاسْمهَا عَرَبِيَّة وَفِيهَا جَهَنَّم، فِيهَا بَابَانِ اِسْم الْوَاحِد سِجِّين وَالْآخَر الْغَلْق، فَأَمَّا سِجِّين فَهُوَ مَفْتُوح وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي كِتَاب الْكُفَّار، وَعَلَيْهِ يُعْرَض أَصْحَاب الْمَائِدَة وَقَوْم فِرْعَوْن، وَأَمَّا الْغَلْق فَهُوَ مُغْلَق لَا يُفْتَح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " أَنَّهَا سَبْع أَرَضِينَ بَيْن كُلّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام، وَسَيَأْتِي لَهُ فِي آخِر " الطَّلَاق " زِيَادَة بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَوْل ثَالِث قَالَهُ عِكْرِمَة وَعَطِيَّة وَابْن زَيْد وَابْن عَبَّاس أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ : إِنَّ السَّمَوَات كَانَتْ رَتْقًا لَا تُمْطِر، وَالْأَرْض كَانَتْ رَتْقًا لَا تُنْبِت، فَفَتَقَ السَّمَاء بِالْمَطَرِ، وَالْأَرْض بِالنَّبَاتِ ; نَظِيره قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع.
وَالْأَرْض ذَات الصَّدْع " [ الطَّارِق :
١١ - ١٢ ].
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الطَّبَرِيّ ; لِأَنَّ بَعْده :" وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء كُلّ شَيْء حَيّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ".
قُلْت : وَبِهِ يَقَع الِاعْتِبَار مُشَاهَدَة وَمُعَايَنَة ; وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي غَيْر مَا آيَة ; لِيَدُلّ عَلَى كَمَال قُدْرَته، وَعَلَى الْبَعْث وَالْجَزَاء.
وَقِيلَ :