تفسير سورة غافر

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة غافر من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة غافر
سورة المؤمن مكية، عددها خمس وثمانون آية كوفي

﴿ حـمۤ ﴾ [آية: ١] ﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ يقول قضى تنزيل الكتاب من الله ﴿ ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى ملكه ﴿ ٱلْعَلِيمِ ﴾ [آية: ٢] بخلقه ﴿ غَافِرِ ٱلذَّنبِ ﴾ يعنى من الشرك ﴿ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ﴾ لمن لم يوحده ﴿ ذِي ٱلطَّوْلِ ﴾ يعنى ذى الغنى عمن لا يوحده، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ٣] يعنى مصير العباد إليه فى الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم. قوله: ﴿ مَا يُجَادِلُ ﴾ يعنى يمارى ﴿ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعنى الحارث بن قيس السهمى ﴿ فَلاَ يَغْرُرْكَ ﴾ يا محمد ﴿ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾ [آية: ٤] يعنى كفار مكة يقول: لا يغررك ما هم فيه من الخير والسعة من الرزق، فإنه متاع قليل ممتعون به إلى أجالهم فى الدنيا. ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا، فلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل أهل مكة ﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ الخالية رسلهم ﴿ وَ ﴾ كذبت ﴿ وَٱلأَحْزَابُ ﴾ يعنى الأمم الخالية رسلهم ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ يعنى من بعد قوم نوح ﴿ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ﴾ يعنى ليقتلوه ﴿ وَجَادَلُوا ﴾ يعنى وخاصموا رسلهم ﴿ بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ ﴾ يعنى ليبلطوا به الحق الذى جاءت به الرسل وجدالهم أنهم قالوا لرسلهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وما نحن إلا بشر مثلكم، ألا أرسل ألله ملائكة، فهذا جدالهم كما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم ﴿ فَأَخَذْتُهُمْ ﴾ بالعذاب ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [آية: ٥٠] يعنى عقابى أليس وجده حقاً.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ يعنى وهكذا عذبتهم، وكذلك ﴿ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ يقول: وجبت كلمة العذاب من ربك ﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٦] حين قال لإبليس:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ص: ٨٥].
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ ﴾ فيها إضمار، وهم أول من خلق الله تعالى من الملائكة وذلك أن الله تبارك وتعالى قال فى سورة " حم عسق "﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾[الشورى: ٥] فاختص فى " حم " المؤمن، من الملائكة حملة العرش ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ يقول: ومن حول العرش من الملائكة، واختص استغفار الملائكة بالمؤمنين من أهل الأرض، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ يقول: يذكرون الله بأمره ﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ ويصدقون بالله عز وجل بأنه واحد لا شريك له ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ حين قالوا: ﴿ فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ [غافر: ٧].
وقالت الملائكة: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ ﴾ يعنى ملأت كل شىء من الحيوان فى السماوات والأرض ﴿ رَّحْمَةً ﴾ يعنى نعمة يتقبلون فيها ﴿ وَعِلْماً ﴾ يقول: علم من فيهما من الخلق، وقالوا: ﴿ فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ من الشرك ﴿ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ ﴾ يعنى دينك ﴿ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٧].
﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ ﴾ على ألسنة الرسل ﴿ وَ ﴾ أدخل معهم الجنة ﴿ وَمَن صَـلَحَ ﴾ يعنى من وحد الله من الذين آمنوا ﴿ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ من الشرك ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٨].
ثم قال: ﴿ وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ يعنى الشرك ﴿ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ فى الدنيا ﴿ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ﴾ يومئد فى الآخرة ﴿ وَذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من الثواب ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٩].
قوله ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ١٠] وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار فى الآخرة ودخلوها مقتوا أنفسهم، فقالت لهم الملائكة، وهم خزنة جهنم يومئذ: لمقت الله إياكم فى الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان، يعنى التوحيد فكفرتم أكبر من مقتكم أنفسكم.
﴿ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ ﴾ يعنى كانوا نطفاً فخلقهم فهذه موتة وحياة، وأماتهم عند آجالهم، ثم بعثهم فى الآخرة، فهذه موتة وحياة أخرى، فهاتان موتتان وحياتان ﴿ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ﴾ بأن البعث حق ﴿ فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [آية: ١١] قالوا: فهل لنا كرة إلى الدنيا مثلها فى " حم عسق ". قوله: ﴿ ذَلِكُم ﴾ المقت فى التقديم إنما كان ﴿ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ ﴾ يعنى إذا ذكر الله ﴿ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ ﴾ به يعنى بالتوحيد ﴿ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ ﴾ يعنى وإن يعدل به تصدقوا، ثم قال: ﴿ فَٱلْحُكْمُ ﴾ يعنى القضاء ﴿ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ﴾ يعنى الرفيع فوق خلقه ﴿ ٱلْكَبِيرِ ﴾ [آية: ١٢] يعنى العظيم فلا شىء أعظم منه. قوله تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى السماوات والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والرياح، والسحاب، والليل، والنهار، والفلك فى البحر، والنبت، والثمار عاماً بعام ﴿ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً ﴾ يعنى المطر ﴿ وَمَا يَتَذَكَّرُ ﴾ فى هذا الصنع فيوحد الرب تعالى ﴿ إِلاَّ مَن يُنِيبُ ﴾ [آية: ١٣] إلا من يرجع. ثم أمر المؤمنين بتوحيده، فقال عز وجل: ﴿ فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾ يعنى موحدين ﴿ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾ يعنى التوحيد ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ١٤] من أهل مكة، ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال عز وجل: ﴿ رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ﴾ يقول: أنا فوق السماوات لأنها ارتفعت من الأرض سبع سماوات ﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ﴾ يعنى هو عليه، يعنى على العرش ﴿ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ ﴾ يقول: ينزل الوحى من السماء بإذنه ﴿ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ من الأنبياء ﴿ لِيُنذِرَ ﴾ النبيون بما فى القرآن من الوعيد ﴿ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ ﴾ [آية: ١٥] يعنى يوم يلتقي الخالق والخلائق.
ثم ذكر ذلك اليوم، فقال: ﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ من قبورهم على ظهر الأرض مثم الأديم الممدود ﴿ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾ يقول: لا يستتر عن الله عز وجل منهم أحد، فيقول الرب تبارك وتعالى: ﴿ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ﴾ يعنى يوم القيامة حين قبض السموات والأرض فى يده اليمنى فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: ﴿ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ﴾ لا شريك له ﴿ ٱلْقَهَّارِ ﴾ [آية١٦] لخلقه حين أحياهم.﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾ فى الآخرة ﴿ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ بر وفاجر ﴿ بِمَا كَـسَبَتْ ﴾ من خير أو شر ﴿ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ١٧] يفرغ الله تعالى من حسابهم فى مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، قوله تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم أنذر أهل مكة ﴿ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ ﴾ يعنى اقتراب الساعة ﴿ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ ﴾ وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار فى الآخرة شخصت أبصارهم إليها فلا يطرفون وأخذتهم رعدة شديدة من الخوف فشهقوا شهقة فزالت قلوبهم من أماكنها فنشبت فى حلوقهم فلا تخرج من أفواهم ولا ترج إلى أماكنها أبداً، فذلك قوله تعالى: ﴿ إِذِ ٱلْقُلُوبُ ﴾ يعنى عند ﴿ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ ﴾ ﴿ كَاظِمِينَ ﴾ يعنى مكروبين ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ ﴾ يعنى المشركين ﴿ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ يعنى قريب ينفعهم ﴿ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [آية: ١٨] فيهم.﴿ يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ ﴾ يعنى الغمزة فيما لا يحل بعينه النظرة فى المعصية ﴿ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ ﴾ [آية: ١٩] يعنى وما تسر القلوب من الشر ﴿ وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى يحكم بالعدل ﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ ﴾ يعنى لا يحكمون ﴿ بِشَيْءٍ ﴾ يعنى والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشىء، يعنى آلهة كفار مكة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [آية: ٢٠].
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا فيوحدوا الرب تبارك وتعالى فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ من الأمم الخالية عاد، وثمود، وقوم لوط ﴿ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ ﴾ يعنى من كفار مكة ﴿ قُوَّةً ﴾ يعنى بطشا ﴿ وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى أعمالا وملكوا فى الأرض ﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ فعذبهم ﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ ﴾ [آية: ٢١] بقى العذاب عنهم. يقول: ﴿ ذَلِكَ ﴾ العذاب إنما نزل بهم ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى بالبيان ﴿ فَكَفَرُواْ ﴾ بالتوحيد ﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ بالعذاب ﴿ إِنَّهُ قَوِيٌّ ﴾ فى أمره ﴿ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [آية: ٢٢] إذا عاقب يعنى عقوبة الأمم الخالية. قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا ﴾ يعنى اليد والعصا ﴿ وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٢٣] يعنى وحجة بينة ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ ﴾ فلما رأوا اليد والعصا قالوا ليستا من الله بل موسى ساحر، فى اليد حين أخرجها بيضاء، والعصا حين صارت حية ﴿ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ ﴾ [آية: ٢٤] حين زعم أنه رسول رب العالمين.
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ موسى ﴿ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا ﴾ يعنى اليد والعصا آمنت به بنو إسرائيل فـ ﴿ قَالُواْ ﴾ أى قال فرعون وحده لقومه للملأ يعنى الأشراف: ﴿ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾ يعنى مع موسى ﴿ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ ﴾ يقول: اقتلوا أبناهم ودعوا البنات، فلما هموا بذلك حبسهم الله عنهم حين اقطعهم البحر، يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ [آية: ٢٥] يعنى خسار يقول: ﴿ وَمَا كَـيْدُ ﴾ فرعون الذى أراد ببنى إسرائيل من قتل الأبناء واستحياء النساء ﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ يعنى خسار.﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لقومه القبط ﴿ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ ﴾ يقول: خلوا عنى أقتل ﴿ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾ فليمنعه ربه من القتل ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ ﴾ يعنى عبادتكم إياى ﴿ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أرض مصر ﴿ ٱلْفَسَادَ ﴾ [آية: ٢٦] يعنى بالفساد أن يقتل أبناءكم ويستحيى نساءكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم، فلما قال فرعون لقومه: ﴿ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ ﴾.
استعاذ موسى ﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ﴾ يعنى متعظم عن الإيمان يعنى التوحيد ﴿ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٢٧] يعنى فرعون لا يصدق بيوم يدان بين العباد ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ يعنى قبطى مثل فرعون ﴿ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾ مائة سنة حتى سمع قول فرعون فى قتل موسى، عليه السلام. فقال المؤمن: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ يعنى اليد والعصا ﴿ وَإِن يَكُ ﴾ موسى ﴿ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً ﴾ فى قوله وكذبتموه ﴿ يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ ﴾ من العذاب ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ إلى دينه ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [آية: ٢٨] يعنى مشرك مفتن.
وقال المؤمن: ﴿ يٰقَومِ ﴾ لأنه قبطى مثلهم ﴿ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى أرض مصر على أهلها ﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ ﴾ يقول: فمن يمنعنا من عذاب الله عز وجل ﴿ إِن جَآءَنَا ﴾ لما سمع فرعون قول المؤمن ﴿ قَالَ ﴾ عدو الله ﴿ فِرْعَوْنُ ﴾ عند ذلك لقومه: ﴿ مَآ أُرِيكُمْ ﴾ من الهدى ﴿ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ ﴾ لنفسى ﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ﴾ [آية: ٢٩] يقول: وما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى، بل يدلهم على سبيل الغى.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ ﴾ يعنى صدق بتوحيد الله عز وجل ﴿ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ فى تكذيب موسى ﴿ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ ﴾ [آية: ٣٠] يعنى مثل أيام عذاب الأمم الخالية الذين كانوا رسلهم ﴿ مِثْلَ دَأْبِ ﴾ يعنى مثل أشباه ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ﴾ [آية: ٣١] فيعذب على غير ذنب. ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة، فقال: ﴿ وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ ﴾ [آية: ٣٢] يعنى يوم ينادى أهل الجنة أهل النار﴿ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً ﴾[الأعراف: ٤٤] وينادى أصحاب النار أصحاب الجنة:﴿ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ﴾[الأعراف: ٥٠].
ثم أخبر المؤمن عن ذلك اليوم، فقال: ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾ يعنى بعد الحساب إلى النار ذاهبين، كقوله:﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾[الصافات: ٩٠] يعنى ذاهبين إلى عيدهم ﴿ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ يعنى من مانع يمنعكم من الله عز وجل ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [آية: ٣٣] يعنى من أحد يهديه إلى دين الله والله عز وجل.
ثم وعظهم ليتفكروا، فقال: ﴿ وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ ولم يكن رآه المؤمن قط، و ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ موسى ﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى ببينات تعبير رؤيا الملك البقرات السبع بالسنين.﴿ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ ﴾ يعنى مما أخبركم من تصديق الرؤيا ﴿ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ ﴾ عنى مات ﴿ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ يُضِلُّ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى إضمار ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ ﴾ يعنى من هو مشرك ﴿ مُّرْتَابٌ ﴾ [آية: ٣٤] يعنى شاك فى الله عز وجل، لا يوحد الله تعالى. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ ﴾ يعنى بغير حجة ﴿ أَتَاهُمْ ﴾ من الله ﴿ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ نزلت فى المستهزئين من قريش يقول: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ يَطْبَعُ ٱللَّهُ ﴾ يعنى يختم الله عز وجل بالكفر ﴿ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [آية: ٣٥] يعنى قتال يعني فرعون تكبر عن عبادة الله عز وجل، يعنى التوحيد كقوله:﴿ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً ﴾[القصص: ١٩]، يعنى قتالاً.﴿ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً ﴾ يعنى قصراً مشيداً من آجر ﴿ لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ ﴾ [آية: ٣٦] ﴿ أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ يعنى أبواب السموات السبع يعنى باب كل سماء إلى السابعة ﴿ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ ﴾ ثم قال فرعون لهامان: ﴿ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ ﴾ يعنى إنى لأحسب موسى ﴿ كَاذِباً ﴾ فيما يقول: إن فى السماء إلهاً.
﴿ وَكَـذَلِكَ ﴾ يقول: وهكذا ﴿ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ ﴾ أن يطلع إلى إله موسى، قال: ﴿ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ يقول: وصد فرعون الناس حين قال لهم: ما أريكم إلا ما أرى فصدهم عن الهدى ﴿ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ ﴾ [آية: ٣٧] يقول: وما قول فرعون إنه يطلع إلى إله موسى إلا خسار.
نصح المؤمن لقومه: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ ﴾ [آية: ٣٨] يعنى طريق الهدى ﴿ يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ ﴾ قليل ﴿ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ ﴾ [آية: ٣٩] يقول: تمتعون فى الدنيا قليلاً، ثم استقرت الدار الآخرة بأهل الجنة وأهل النار، يعنى بالقرار لا زوال عنها. ثم أخبر بمستقر الفريقين جميعاً، فقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً ﴾ يعنى الشرك ﴿ فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ فجزاء الشرك النار وهما عظيمان كقوله:﴿ جَزَآءً وِفَاقاً ﴾[النبأ: ٢٦] ﴿ وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آية: ٤٠] يقول: بلا تبعة فى الجنة فيما يعطون فيها من الخير. ثم قال: ﴿ وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ ﴾ من النار إضمار يعنى التوحيد ﴿ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٤١] يعنى الشرك ﴿ تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ بأنه له شريكاً ﴿ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ﴾ فى نقمته من أهل الشرك ﴿ ٱلْغَفَّارِ ﴾ [آية: ٤٢] لذنوب أهل التوحيد. ثم زهدهم فى عبادة الآلهة، فقال: ﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ يعنى حقاً ﴿ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ ﴾ من عبادة الآلهة ﴿ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ﴾ مستجابة إضمار تنفعكم يقول: ليس بشىء ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ يعنى مرجعنا بعد الموت إلى الله فى الآخرة ﴿ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ يعنى المشركين ﴿ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٤٣] يومئذ فردوا عليه نصيحته.
قال المؤمن: ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ ﴾ إذا نزل بكم العذاب ﴿ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ ﴾ من النصيحة فأوعدوه، فقال: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ ﴾ [آية: ٤٤] واسمه حزبيل بن برحيال، فهرب المؤمن إلى الجبال فطلبه رجلان، فمل يقدرا. فذلك قوله: ﴿ فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ ﴾ يعنى ما أرادوا به من الشر ﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ ﴾ [آية: ٤٥] يقول: ووجب بآل القبط، وكان فرعون قبطياً، شدة العذاب، يعنى الغرق. قوله تعالى: ﴿ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾ وذلك أن أرواح آل فرعون، وروح كل كافر تعرض على منازلها كل يوم مرتين ﴿ غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ ما دامت الدنيا، ثم أخبر بمستقرهم فى الآخرة، فقال: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ ﴾ يعنى القيامة يقال: ﴿ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ ﴾ [آية: ٤٦] يعنى أشد عذاب المشركين. ثم أخبر عن خصومتهم فى النار، فقال: ﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ ﴾ يعنى يتخاصمون ﴿ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ ﴾ وهم الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ ﴾ عن الإيمان، وهم القادة ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ﴾ فى دينكم ﴿ فَهَلْ أَنتُم ﴾ يا معشر القادة ﴿ مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ ﴾ [آية: ٤٧] باتباعنا إياكم.﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ ﴾ وهم القادة للضعفاء: ﴿ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ ﴾ نحن وأنتم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ ﴾ يعنى قضى ﴿ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ ﴾ [آية: ٤٨] قد أنزلنا منازلنا فى النار وأنزلكم منازلكم فيها.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ ﴾ فلما ذاق أهل النار شدة العذاب، قالوا: ﴿ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ ﴾ يعنى سلوا لنا ربكم ﴿ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً ﴾ من أيام الدنيا إضمار ﴿ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ﴾ [آية: ٤٩].
فردت عليهم الخزنة فـ ﴿ قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ ﴾ يعنى رسل منكم ﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى بالبيان ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ قد جاءتنا الرسل ﴿ قَالُواْ ﴾ قالت لهم الخزنة: ﴿ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ [آية: ٥٠].
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ يعنى بالنصر فى الدنيا الحجة التى معهم مإلى العباد ﴿ وَ ﴾ نصرهم فى الآخرة ﴿ وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ ﴾ [آية: ٥١] يعنى الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ، ويشهدون على الكفار بتكذيبهم، والنصر للذين آمنوا: أن الله تبارك وتعالى أجاهم مع الرسل من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ يعنى المشركين ﴿ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ ﴾ يعنى العذاب ﴿ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٥٢] الضلالة نار جهنم.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ﴾ يعنى أعطيناه ﴿ ٱلْهُدَىٰ ﴾ يعنى التوراة هدى من الضلالة ﴿ وَأَوْرَثْنَا ﴾ من بعد موسى ﴿ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ ﴾ [آية: ٥٣].
﴿ هُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٥٤] يعنى تفكراً لأهل اللب، والعقل. قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ وذلك أن الله تبارك وتعالى وعد النبى صلى الله عليه وسلم متى يكون هذا الذى تعدنا؟ يقولون ذلك استهزاء وتكذيباً بأنه غير كائن، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ فى العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، فهذا العذاب ﴿ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ ﴾ [آية: ٥٥] يعنى وصل بأمر ربك بالغداة، يعنى صلاة الغداة، وصلاة العصر. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ وذلك أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا يبعث فى أخر الزمان، وله سلطان يعنون الدجال، ماء البحر إلى ركبته، والسحاب فوق رأسه، فقال.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى يمارون فى آيات الله، لأن الدجال آية من آيات الله عز وجل ﴿ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ يعنى بغير حجة أتتهم من الله، إضمار بأن الدجال كما يقولون، يقول الله عز وجل: ﴿ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ﴾ يقول: ما فى قلوبهم إلا عظمة ﴿ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ ﴾ إلى ذلك الكبر لقولهم: إن الدجال يملك الأرض ﴿ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ﴾ يا محمد من فتنة الدجال ﴿ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لقولهم يعنى اليهود ﴿ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [آية: ٥٦] به. ثم قال: ﴿ لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى بالناس فى هذا الموضع الدجال وحده يقول: خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، يقول: هما أعظم خلقاً من خلق الدجال ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يعنى اليهود.
ثم ضرب مثل المؤمن، ومثل الكافر، فقال تعالى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ﴾ فى الفضل ﴿ ٱلأَعْـمَىٰ ﴾ يعنى الكافر ﴿ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ يعنى المؤمن ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ ﴾ يعنى وما يستوى فى الفضل المؤمن المحسن، ولا الكافر المسىء ﴿ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٥٨].
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ﴾ يعنى كائنة لا شك فيها ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٩] يعنى كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث.﴿ وَقَالَ رَبُّكُـمْ ﴾ لأهل اليمن: ﴿ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، ثم ذكر كفار مكة، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ يعنى عن التوحيد ﴿ سَيَدْخُلُونَ ﴾ فى الآخرة ﴿ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [آية: ٦٠] يعنى صاغرين. ثم ذكر النعم، فقال تعالى: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً ﴾ لابتغاء الرزق، فهذا فضله، فذلك قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٦١] ربهم فى نعمه فيوحدونه.
ثم دلهم على نفسه تعالى بصنعة ليوحد، فقال: ﴿ ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ ﴾ الذى جعل الليل والنهار وهو ﴿ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ ﴾ ثم وحد نفسه، فقال: ﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ [آية: ٦٢] يقول: من أين تكذبون بأنه ليس بواحد لا شريك له؟.﴿ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ﴾ يعنى هكذا يكذب بالتوحيد ﴿ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى آيات القرآن ﴿ يَجْحَدُونَ ﴾ [آية: ٦٣].
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ ﴾ فى الأرحام يعنى خلقكم ﴿ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ ﴾ ولم يخلقكم على خلقة الدواب والطير ﴿ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾ يعنى من غير رزق الدواب والطير، ثم دل على نفسه، فقال: ﴿ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ ﴾ الذى خلق الأرض والسماء وأحسن الخلق ورزق الطيبات ﴿ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٤].
﴿ هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ ثم أمره بتوحيده، فقال تعالى: ﴿ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾ يعنى موحدين ﴿ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾ يعنى له التوحيد ﴿ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٥].
﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ وذلك أن كفار مكة من قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على هذا الذى أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك عبدالله، وجدك عبدالمطلب، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة، فتأخذ به، فما يحملك على ذلك إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا، فأمروه بترك عبادة الله تعالى، فأنزل الله ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكفار مكة: ﴿ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ ﴾ يعنى تعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة ﴿ لَمَّا جَآءَنِيَ ﴾ يعنى حين جاءنى ﴿ ٱلْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ ﴾ يعنى أخلص التوحيد ﴿ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٦].
﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، فأخبرهم الله عن بدء خلقهم ليعتبروا فى البعث، فقال تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ يعنى آدم، عليه السلام.
﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ يعنى ذريته ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ يعنى مثل الدم ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ﴾ يعنى ثمانى عشرة سنة، فهو فى الأشد ما بين الثمانى عشرة إلى الأربعين سنة ﴿ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً ﴾ يعنى لكى تكونوا شيوخاً ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ﴾ أن يكون شيخاً ﴿ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى ﴾ يعنى الشيخ والشباب جميعاً ﴿ وَلَعَلَّـكُمْ ﴾ يعنى ولكى ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٧] يقول: لكى تعقلوا آثار ربكم فى خلقكم بأنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم. ثم قال: ﴿ هُوَ ﴾ الله ﴿ ٱلَّذِي يُحْيِـي ﴾ الموتى ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ الأحياء ﴿ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾ كان فى علمه يعنى البعث ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ﴾ [آية: ٦٨] مرة واحدة لا يثنى قوله.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى آيات الله القرآن أنه ليس من الله عز وجل ﴿ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ ﴾ [آية: ٦٩] يقول: من أين يعدلون عنه إلى غيره يعنى كفار مكة.
أخبر عنهم، فقال تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ ﴾ يعنى بالقرآن ﴿ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم أرسل بالتوحيد، فأوعدهم فى الآخرة. فقال: ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٧٠] هذا وعيد. ثم أخبر عن الوعيد، فقال: ﴿ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ ﴾ [آية: ٧١] على الوجوه.﴿ فِي ٱلْحَمِيمِ ﴾ يعنى حر النار ﴿ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ ﴾ [آية: ٧٢] يعنى يوقدون، فصاروا وقودها.﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ ﴾ قبل دخول النار، يعنى تقول لهم الخزنة: ﴿ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٧٣] يعنى تعبدون.﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ فهل يمنعونكم من النار يعنى الآلهة، و ﴿ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا ﴾ ضلت عنها الآلهة ﴿ بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً ﴾ يعنى لم نكن نعبد من قبل فى الدينا شيئاً إن الذى كنا نعبد كان باطلاً لم يكن شيئاً.
﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧٤].
﴿ ذَلِكُمْ ﴾ السلاسل والأغلال والسحب ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى تبطرون من الخيلاء والكبرياء ﴿ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى تعصون فى الأرض.﴿ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾ السبع ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا تموتون ﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ﴾ يعنى فبئس مأوى ﴿ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [آية: ٧٦] عن الإيمان.﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ ولذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم، فكذبوه، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقُّ ﴾ فى العذاب أنه نازل بهم ببدر.
﴿ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ ﴾ فى حياتك ﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾ من العذاب فى الدنيا القتل ببدر، وسائر العذاب بعد الموت نازل بهم، ثم قال: ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ يا محمد قبل عذابهم فى الدنيا ﴿ فَإِلَيْنَا ﴾ فى الآخرة ﴿ يُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٧٧] يعنى يردون فنجزيهم بأعمالهم.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ ﴾ يا محمد ﴿ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾ ذكرهم ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ﴾ وذلك أن كفار مكة سألوا النبى صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ ﴾ يعنى وما ينبغى لرسول ﴿ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ﴾ إلى قومه ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى إلا بأمر الله ﴿ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾ بالعذاب يعنى القتل ببدر فيها تقديم.
﴿ قُضِيَ ﴾ العذاب ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى لم يظلموا حين عفوا ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ﴾ يعنى عند ذلك ﴿ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى المكذبين بالعذاب فى الدنيا بأنه غير كائن. ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال سبحانه: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ ﴾ يعنى الإبل والبقر ﴿ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٧٩] يعنى الغنم.﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾ فى ظهورها، وألبانها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها.
﴿ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ﴾ يعنى فى قلوبكم ﴿ وَعَلَيْهَا ﴾ يعنى الإبل والبقر ﴿ وَعَلَى ٱلْفُلْكِ ﴾ يعنى السفن ﴿ تُحْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٠].
ثم قال: ﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ لهذا الذى ذكر من الفلك والأنعام من أياته، فاعرفوا توحيده بصنعة، وإن لم تروه، ثم قال: ﴿ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ [آية: ٨١] أنه ليس من الله عز وجل.
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا، فيوحدوه، فقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعنى قبل أهل مكة من الأمم الخالية يعنى عاداً، وثمود، وقوم لوط.
﴿ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ ﴾ من أهل مكة عدداً ﴿ وَأَشَدَّ قُوَّةً ﴾ يعنى بطشاً.
﴿ وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى أعمالاً وملكاً فى الأرض، فكان عاقبتهم العذاب ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٨٢] فى الدنيا حين نزل بهم العذاب، يقول: ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى بخير العذاب أنه نازل بهم ﴿ فَرِحُواْ ﴾ فى الدنيا يعنى رضوا ﴿ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ فقالوا: لن نعذب ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ يعنى وجب العذاب لهم بـ ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ ﴾ بالعذاب ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٨٣] أنه غير كائن. يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ يعنى عذابنا فى الدنيا ﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ لا شريك له ﴿ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٨٤].
يقول الله عز وجل: ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ يعنى عذابنا فى الدنيا، يقول: لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا ﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ﴾ بالعذاب فى الذين خلوا من قبل يعنى فى الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس، فإنه رفع عنه العذاب ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ﴾ يقول: غبن عند ذلك ﴿ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨٥] بتوحيد الله عز وجل، فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم الخالية، فلا تكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم. قال مقاتل: فرعون أول من طبخ الآجر، وبنى به، وقال: قتل جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وزيد بنحارثة، بمؤتة قتلهم غسان، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بنى جذيمة سبعين رجلاً. قال مقاتل: عاد، وثمود ابنا عم، وموسى، وقارون ابنا عم، وإلياس، واليسع ابنا عم، ويحيى، وعيسى ابنا خالة. قال مقاتل: أم عبدالمطلب سلمى بنت زيد بن عدى، من بنى عدى بن النجار، وأم النبى صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، من بنى عبد مناف بن زهرة.
Icon