سورة المؤمن مكية، عددها خمس وثمانون آية كوفي
ﰡ
قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ ﴾ فيها إضمار، وهم أول من خلق الله تعالى من الملائكة وذلك أن الله تبارك وتعالى قال فى سورة " حم عسق "﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾[الشورى: ٥] فاختص فى " حم " المؤمن، من الملائكة حملة العرش ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ يقول: ومن حول العرش من الملائكة، واختص استغفار الملائكة بالمؤمنين من أهل الأرض، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ يقول: يذكرون الله بأمره ﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ ويصدقون بالله عز وجل بأنه واحد لا شريك له ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ حين قالوا: ﴿ فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ [غافر: ٧].
وقالت الملائكة: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ ﴾ يعنى ملأت كل شىء من الحيوان فى السماوات والأرض ﴿ رَّحْمَةً ﴾ يعنى نعمة يتقبلون فيها ﴿ وَعِلْماً ﴾ يقول: علم من فيهما من الخلق، وقالوا: ﴿ فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ من الشرك ﴿ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ ﴾ يعنى دينك ﴿ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٧].
﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ ﴾ على ألسنة الرسل ﴿ وَ ﴾ أدخل معهم الجنة ﴿ وَمَن صَـلَحَ ﴾ يعنى من وحد الله من الذين آمنوا ﴿ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ من الشرك ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٨].
ثم قال: ﴿ وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ يعنى الشرك ﴿ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ فى الدنيا ﴿ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ﴾ يومئد فى الآخرة ﴿ وَذَلِكَ ﴾ الذى ذكر من الثواب ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٩].
قوله ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ١٠] وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار فى الآخرة ودخلوها مقتوا أنفسهم، فقالت لهم الملائكة، وهم خزنة جهنم يومئذ: لمقت الله إياكم فى الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان، يعنى التوحيد فكفرتم أكبر من مقتكم أنفسكم.
استعاذ موسى ﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ﴾ يعنى متعظم عن الإيمان يعنى التوحيد ﴿ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ ﴾ [آية: ٢٧] يعنى فرعون لا يصدق بيوم يدان بين العباد ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ يعنى قبطى مثل فرعون ﴿ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾ مائة سنة حتى سمع قول فرعون فى قتل موسى، عليه السلام. فقال المؤمن: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ يعنى اليد والعصا ﴿ وَإِن يَكُ ﴾ موسى ﴿ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً ﴾ فى قوله وكذبتموه ﴿ يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ ﴾ من العذاب ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ إلى دينه ﴿ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [آية: ٢٨] يعنى مشرك مفتن.
ثم أخبر المؤمن عن ذلك اليوم، فقال: ﴿ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ﴾ يعنى بعد الحساب إلى النار ذاهبين، كقوله:﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾[الصافات: ٩٠] يعنى ذاهبين إلى عيدهم ﴿ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ يعنى من مانع يمنعكم من الله عز وجل ﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾ عن الهدى ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [آية: ٣٣] يعنى من أحد يهديه إلى دين الله والله عز وجل.
﴿ وَكَـذَلِكَ ﴾ يقول: وهكذا ﴿ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ ﴾ أن يطلع إلى إله موسى، قال: ﴿ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ يقول: وصد فرعون الناس حين قال لهم: ما أريكم إلا ما أرى فصدهم عن الهدى ﴿ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ ﴾ [آية: ٣٧] يقول: وما قول فرعون إنه يطلع إلى إله موسى إلا خسار.
فردت عليهم الخزنة فـ ﴿ قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ ﴾ يعنى رسل منكم ﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى بالبيان ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ قد جاءتنا الرسل ﴿ قَالُواْ ﴾ قالت لهم الخزنة: ﴿ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ [آية: ٥٠].
﴿ هُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ٥٤] يعنى تفكراً لأهل اللب، والعقل. قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ وذلك أن الله تبارك وتعالى وعد النبى صلى الله عليه وسلم متى يكون هذا الذى تعدنا؟ يقولون ذلك استهزاء وتكذيباً بأنه غير كائن، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ فى العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار، فهذا العذاب ﴿ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ ﴾ [آية: ٥٥] يعنى وصل بأمر ربك بالغداة، يعنى صلاة الغداة، وصلاة العصر. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ وذلك أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا يبعث فى أخر الزمان، وله سلطان يعنون الدجال، ماء البحر إلى ركبته، والسحاب فوق رأسه، فقال.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى يمارون فى آيات الله، لأن الدجال آية من آيات الله عز وجل ﴿ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ﴾ يعنى بغير حجة أتتهم من الله، إضمار بأن الدجال كما يقولون، يقول الله عز وجل: ﴿ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ﴾ يقول: ما فى قلوبهم إلا عظمة ﴿ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ ﴾ إلى ذلك الكبر لقولهم: إن الدجال يملك الأرض ﴿ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ﴾ يا محمد من فتنة الدجال ﴿ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لقولهم يعنى اليهود ﴿ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [آية: ٥٦] به. ثم قال: ﴿ لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى بالناس فى هذا الموضع الدجال وحده يقول: خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، يقول: هما أعظم خلقاً من خلق الدجال ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يعنى اليهود.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ﴾ يعنى كائنة لا شك فيها ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٩] يعنى كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث.﴿ وَقَالَ رَبُّكُـمْ ﴾ لأهل اليمن: ﴿ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، ثم ذكر كفار مكة، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ يعنى عن التوحيد ﴿ سَيَدْخُلُونَ ﴾ فى الآخرة ﴿ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [آية: ٦٠] يعنى صاغرين. ثم ذكر النعم، فقال تعالى: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً ﴾ لابتغاء الرزق، فهذا فضله، فذلك قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٦١] ربهم فى نعمه فيوحدونه.
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ ﴾ فى الأرحام يعنى خلقكم ﴿ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ ﴾ ولم يخلقكم على خلقة الدواب والطير ﴿ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾ يعنى من غير رزق الدواب والطير، ثم دل على نفسه، فقال: ﴿ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ ﴾ الذى خلق الأرض والسماء وأحسن الخلق ورزق الطيبات ﴿ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٤].
﴿ هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ ثم أمره بتوحيده، فقال تعالى: ﴿ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾ يعنى موحدين ﴿ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾ يعنى له التوحيد ﴿ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٦٥].
﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث، فأخبرهم الله عن بدء خلقهم ليعتبروا فى البعث، فقال تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ يعنى آدم، عليه السلام.
﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ يعنى ذريته ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ يعنى مثل الدم ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ﴾ يعنى ثمانى عشرة سنة، فهو فى الأشد ما بين الثمانى عشرة إلى الأربعين سنة ﴿ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً ﴾ يعنى لكى تكونوا شيوخاً ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ﴾ أن يكون شيخاً ﴿ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى ﴾ يعنى الشيخ والشباب جميعاً ﴿ وَلَعَلَّـكُمْ ﴾ يعنى ولكى ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٧] يقول: لكى تعقلوا آثار ربكم فى خلقكم بأنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم. ثم قال: ﴿ هُوَ ﴾ الله ﴿ ٱلَّذِي يُحْيِـي ﴾ الموتى ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ الأحياء ﴿ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً ﴾ كان فى علمه يعنى البعث ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ ﴾ [آية: ٦٨] مرة واحدة لا يثنى قوله.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى آيات الله القرآن أنه ليس من الله عز وجل ﴿ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ ﴾ [آية: ٦٩] يقول: من أين يعدلون عنه إلى غيره يعنى كفار مكة.
﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعنى هكذا ﴿ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٧٤].
﴿ ذَلِكُمْ ﴾ السلاسل والأغلال والسحب ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى تبطرون من الخيلاء والكبرياء ﴿ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى تعصون فى الأرض.﴿ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ﴾ السبع ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا تموتون ﴿ فَبِئْسَ مَثْوَى ﴾ يعنى فبئس مأوى ﴿ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [آية: ٧٦] عن الإيمان.﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ ولذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر كفار مكة أن العذاب نازل بهم، فكذبوه، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: ﴿ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقُّ ﴾ فى العذاب أنه نازل بهم ببدر.
﴿ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ ﴾ فى حياتك ﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾ من العذاب فى الدنيا القتل ببدر، وسائر العذاب بعد الموت نازل بهم، ثم قال: ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ يا محمد قبل عذابهم فى الدنيا ﴿ فَإِلَيْنَا ﴾ فى الآخرة ﴿ يُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٧٧] يعنى يردون فنجزيهم بأعمالهم.
﴿ قُضِيَ ﴾ العذاب ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى لم يظلموا حين عفوا ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ﴾ يعنى عند ذلك ﴿ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى المكذبين بالعذاب فى الدنيا بأنه غير كائن. ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال سبحانه: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ ﴾ يعنى الإبل والبقر ﴿ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٧٩] يعنى الغنم.﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ﴾ فى ظهورها، وألبانها، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها.
﴿ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ﴾ يعنى فى قلوبكم ﴿ وَعَلَيْهَا ﴾ يعنى الإبل والبقر ﴿ وَعَلَى ٱلْفُلْكِ ﴾ يعنى السفن ﴿ تُحْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٠].
ثم قال: ﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾ لهذا الذى ذكر من الفلك والأنعام من أياته، فاعرفوا توحيده بصنعة، وإن لم تروه، ثم قال: ﴿ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ [آية: ٨١] أنه ليس من الله عز وجل.
﴿ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ ﴾ من أهل مكة عدداً ﴿ وَأَشَدَّ قُوَّةً ﴾ يعنى بطشاً.
﴿ وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعنى أعمالاً وملكاً فى الأرض، فكان عاقبتهم العذاب ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٨٢] فى الدنيا حين نزل بهم العذاب، يقول: ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة.﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنى بخير العذاب أنه نازل بهم ﴿ فَرِحُواْ ﴾ فى الدنيا يعنى رضوا ﴿ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ فقالوا: لن نعذب ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ يعنى وجب العذاب لهم بـ ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ ﴾ بالعذاب ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٨٣] أنه غير كائن. يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ يعنى عذابنا فى الدنيا ﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ لا شريك له ﴿ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٨٤].
يقول الله عز وجل: ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ يعنى عذابنا فى الدنيا، يقول: لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا ﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ﴾ بالعذاب فى الذين خلوا من قبل يعنى فى الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس، فإنه رفع عنه العذاب ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ﴾ يقول: غبن عند ذلك ﴿ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨٥] بتوحيد الله عز وجل، فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم الخالية، فلا تكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم. قال مقاتل: فرعون أول من طبخ الآجر، وبنى به، وقال: قتل جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وزيد بنحارثة، بمؤتة قتلهم غسان، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بنى جذيمة سبعين رجلاً. قال مقاتل: عاد، وثمود ابنا عم، وموسى، وقارون ابنا عم، وإلياس، واليسع ابنا عم، ويحيى، وعيسى ابنا خالة. قال مقاتل: أم عبدالمطلب سلمى بنت زيد بن عدى، من بنى عدى بن النجار، وأم النبى صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، من بنى عبد مناف بن زهرة.