تفسير سورة غافر

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة غافر من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة المؤمن مكية وآيها خمس أو ثمان وثمانون آية

﴿حم﴾ بتفخيمِ الألفِ وتسكينِ الميم وقرئ بإِمالةِ الألفِ وبإخراجِها بينَ بينَ وبفتحِ الميمِ لالتقاءِ الساكنينِ أو نصبِها بإضمارِ اقرأْ وَنَحوِهِ ومنعُ الصرفِ للتعريف وكونِها على زنةِ قابيلَ وهابيلَ وبقيةُ الكلامِ فيهِ وفي قولِه تعالى
﴿تَنزِيلُ الكتاب﴾ كالذي سَلَفَ في آلم السجدةِ وقولُه تعالى ﴿مِنَ الله العزيز العليم﴾ كما في مَطْلعِ سُورةِ الزُّمَرِ في الوجوه كُلِّها ووجْهُ التعرضِ لنعتَي العزةِ والعلم ما ذُكرَ هناك
﴿غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِى الطول﴾ إِمَّا صفاتٌ أُخَرُ لتحقيق ما فيها منَ الترغيبِ والترهيبِ والحثِّ على ما هو المقصودُ والإضافةُ فيها حقيقيةٌ على أنَّه لمْ يُرَدْ بها زمانٌ مخصوصٌ وأريدَ بشديدِ العقابِ مشدِّدُه أو الشديدُ عقابُهُ بحذف اللامِ للازدواجِ وأمنِ الالتباسِ أوْ إبدالٍ وجعلُهُ وحْدَه بدلاً كما فعَلُه الزجَّاجُ مشوشٌ للنظمِ وتوسيطُ الواو بينَ الأوليَّنِ لإفادةِ الجمعِ بينَ محوِ الذنوبِ وقبول التوبةِ أو تغايرِ الوصفينِ إذْ رُبَّما يتوهمُ الاتحادُ أو تغايرُ موقعِ الفعلينِ لأنَّ الغفرَ هو السترُ معَ بقاءِ الذنبِ وذلكَ لمن لَمْ يتُبْ فإنَّ التائبَ منَ الذنبِ كمنْ لا ذنبَ لَهُ والتوبُ مصدرٌ كالتوبةِ وقيل هُوَ جَمعُها والطَّولُ الفضلُ بترك العقابِ المستَحقِ وفي توحيد صفةِ العذابِ مغمورةً بصفاتِ الرحمة دليل سبقها
265
غافر ٤ ٦ ورجحا بها ﴿لا إله إلا هو﴾ فيجبُ الإقبالُ الكُلِّي عَلى طاعتِهِ في أوامرِهِ ونواهيهِ ﴿إِلَيْهِ المصير﴾ فحسبُ لا إلى غيرِهِ لا استقلالاً ولا اشتراكاً فيجزى كلاًّ من المطيعِ والعاصِي
266
﴿ما يجادل في آيات الله﴾ أي بالطعنِ فيَها واستعمالِ المقدماتِ الباطلةِ لإدحاضِ الحقِّ كقولِه تَعَالى وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق ﴿إِلاَّ الذين كَفَرُواْ﴾ بَها وأمَّا الذينَ آمنُوا فلا يخطرُ ببالهم شائبةُ شبهةٍ منها فضلاً عن الطعنِ فيها وأما الجدالُ فيها لحلِّ مشكلاتها وكشفِ معضلاتها واستنباطِ حقائقِها الكلية وتوضيحٍ مناهجِ الحقِّ في مضايقِ الأفهامِ ومزالقِ الأقدامِ وإبطالِ شبهِ أهلِ الزيغِ والضلالِ فمنْ أعظمِ الطاعاتِ ولذلكَ قال ﷺ إنَّ جدالاً في القرآنِ كفرٌ بالتنكيرِ للفرقِ بينَ جدالٍ وجدالٍ والفاءُ فِي قولِهِ تَعَالَى ﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى البلاد﴾ لترتيبِ النَّهي أوْ وجوبِ الانتهاءِ على ما قبلَها من التسجيلِ عليهمْ بالكُفرِ الذي لا شئ أمقت منْهُ عندَ الله تعالىَ وَلاَ أجلبُ لخُسرانِ الدُّنيا وَالآخرةِ فإنَّ منْ تحقق ذلك لا يكاد يَغترُّ بمَا لهُم من حظوظ الدنيا وزخارفها فإنَّهم مأخوذونَ عَمَّا قليلٍ أخْذَ مِن قَبْلِهِم منَ الأممِ حسبَما ينطِق بِه قولُه تَعَالَى
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والاحزاب مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي الذينَ تحزبُوا على الرسلِ وناصبوهم بعدَ قومِ نوحٍ مثلُ عادٍ وثمودَ وأضرابِهم ﴿وَهَمَّتْ كلَّ أمةٍ﴾ مِنْ تلكَ الأممِ العاتيةِ ﴿بِرَسُولِهِمْ﴾ وقرئ برسولِها ﴿لِيَأْخُذُوهُ﴾ ليتمكنُوا منْهُ فيصيبوا بهِ مَا أرادُوا منِ تعذيبٍ أو قتلٍ منَ الأخذِ بمَعْنى الأَسْرِ ﴿وجادلوا بالباطل﴾ الذي لاَ أصلَ وَلاَ حقيقةَ لهُ أصلاً ﴿لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ الذي لا محيد عنه كما فعل هؤلاء ﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ بسببِ ذلك أخذَ عَزيزٍ مُقتدرٍ ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ الذي عاقبتُهمْ بهِ فإنَّ آثارَ دمارِهم عبرةٌ للناظرينَ ولآخذنَّ هؤلاءِ أيْضاً لاتحادِهم فِي الطريقةِ واشتراكِهم في الجريرة كما ينبئ عنْهُ قولُه تعالَى
﴿وكذلك حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ﴾ أَيْ كَما وجبَ وثبتَ حكمُه تَعَالى وقضاؤُهُ بالتعذيبِ عَلى أولئكَ الأممِ المكذبةِ المُتحزبةِ عَلى رُسلِهم المجادلةِ بالباطلِ لإدحاضِ الحقِّ بهِ وجبَ أَيْضاً ﴿عَلَى الذين كَفَرُواْ﴾ أيْ كفرُوا بكَ وتحزبُوا عليكَ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ كما ينبئ عنْهُ إضافةُ اسمِ الربِّ إلى ضميره ﷺ فإنَّ ذلكَ للإشعارِ بأنَّ وجوبَ كلمةِ العذابِ عليهمْ مِنْ أحكامِ تربيتِهِ التي من جملتها نصرته ﷺ وتعذيبُ أعدائِهِ وذلكَ إنَّما يتحققُ بكونِ الموصولِ عبارةً عن كفارِ قومِهِ لاَ عنِ الأممِ المهلكةِ وَقولُه تعالَى ﴿أَنَّهُمْ أصحاب النار﴾ فِي حَيِّزِ النصبِ بحذفِ لام التعليلِ أيْ لأنهُمْ مستحقَّو أشدِّ العُقوباتِ وأفظعِها التي هيَ عذابُ النارِ وَملازمُوهَا أبداً لكونهمْ كُفَّاراً معاندينَ متحزبينَ عَلى الرسولِ ﷺ كدأبِ مِن قَبْلِهِم منَ الأممِ المهلكةِ فهُم لسائرِ فنونِ العقوباتِ أشدُّ استحقاقاً وأحقُّ استيجاباً وقيلَ هو في محلِ الرفعِ على أنَّه بدل من كلمة ربك والمعنى مثل ذلك
266
غافر ٧ الوجوب وجب على الكفرةِ المهلكةِ كونُهم من أصحابِ النارِ أي كما وجبَ إهلاكُهم في الدُّنيا بعذابِ الاستئصال كذلك وجب تعذيبهم بعذابِ النَّارِ في الآخرةِ وَمحلُّ الكافِ عَلى التقديرينِ النصب على أنه نعت لمصدرٍ محذوفٍ
267
﴿الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ﴾ وَهُم أعلى طبقاتِ الملائكةِ عليهم السلامُ وأولُهم وجُوداً وحملهم إيَّاهُ وحفيفُهم حولَهُ مجازٌ عن حفظِهم وتدبيرِهم له وكنايةٌ عن زُلفاهُم منْ ذِي العرشِ جَلَّ جَلالُه ومكانتِهم عِنْدُه ومحل الموصول الرفع عل الابتداءِ خبرُه ﴿يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ ربهم﴾ والجملة استئنافٌ مَسوقٌ لتسليةِ رسولِ الله ﷺ ببيانِ أنَّ أشرافَ الملائكةِ عليهمُ السلامُ مثابروِنَ عَلَى ولايةِ مَنْ معهُ منَ المُؤمنينَ ونُصْرتِهم واستدعاءِ مَا يُسعِدُهم في الدارينِ أيْ ينزهونهُ تعالى عن كُلِّ ما لا يليقُ بشأنه الجليلِ ملتبسينَ بحمدِهِ عَلى نعمائِه التي لاَ تتناهَى ﴿ويؤمنون به﴾ إيمانا حقيقا بحالِهم والتصريحُ بهِ مع الغنِىَ عن ذِكْرِهِ رَأْساً لإظهارِ فضيلةِ الإيمانِ وإبرازِ شرفِ أهلِه والإشعارِ بعلةِ دُعَائهم للمؤمنينَ حسبما ينطِق بهِ قولُه تَعالى ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ للذين آمنوا﴾ فَإِنَّ المشاركةَ في الإيمانِ أقْوَى المناسباتِ وأتمُّها وأدعى الدَّواعِي إِلى النصحِ والشفقةِ وفي نظمِ استغفارهم لهم في سلكِ وظائِفهم المفروضةِ عليهم منْ تسبيحهم وتحميدِهم وإيمانهم إيذانٌ بكمالِ اعتنائِهم بهِ وإِشعارٌ بوقوعِهِ عندَ الله تعالى فِي مَوقعِ القَبولِ رُوي أنَّ حملةَ العرشِ أرجلُهم في الأَرْضِ السفلى ورءوسهم قدْ خرقتِ العرشَ وهم خشوعٌ لا يرفعونَ طَرفهم وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لا تتفكروا في عِظَمِ ربكم ولكنْ تفكروا فيمَا خلقَ الله من الملائكةِ فإنَّ خلقاً من الملائكةِ يقالُ لهُ إسرافيلُ زاويةٌ منْ زَوَايا العرشِ عَلى كاهلِهِ وقدماهُ في الأرضِ السُّفْلى وَقَدُ مرقَ رأسُهُ منْ سبعِ سمواتٍ وإنَّه ليتضاءلُ منْ عظمةِ الله حتَّى يصيرَ كأنُه الوصعُ وَفِي الحديثِ إِنَّ الله أمرَ جميعَ الملائكةِ أَنْ يغدُوا ويروحُوا بالسلامِ عَلى حملةِ العرشِ تفضيلاً لهم عَلى سائِرهم وقيل خلقَ الله تعالى العرشَ من جوهرةٍ خضراءَ وبينَ القائمتينِ من قوائمِهِ خفقان الطيرِ المسرع ثمانين ألف عامٍ وقيل حولَ العرشِ سبعونَ ألفَ صفٍ منَ الملائكةِ يطوفونَ به مهللينَ مكبرينَ ومن ورائهم سبعونَ ألفَ صفٍ قيامٌ قد وضعُوا أيديَهُم عَلى عواتقِهم رافعينَ أصواتَهُم بالتهليلِ والتكبيرِ ومنْ ورائِهم مائةُ ألفِ صفٍ قدْ وضعُوا أيمانَهُم عَلى الشمائلِ ما منهمْ أحدٌ إلا وهو يسبحُ بما لا يسبحُ بهِ الآخرُ ﴿رَبَّنَا﴾ عَلى إرادةِ القولِ أيْ يقولونَ ربَّنا عَلى أنَّه إمّا بيانٌ لاستغفارِهم أوْ حالٌ ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾ أيْ وَسِعتْ رحمتُكَ وعلمُكَ فأزيلَ عنْ أصلِه للإغراقِ في وصفهِ تعالَى بالرحمةِ والعلمِ والمبالغةِ في عمومهمَا وتقديمُ الرحمةِ لأنَّها المقصودةُ بالذات ههنا والفاء في قوله تعالى ﴿فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سبيلك﴾ أي للذين علمت منهم التوبةَ واتباعَ سبيلِ الحقِّ لترتيبِ الدعاءِ عَلَى ما قبلها مِنْ سعةِ الرحمةِ والعلمِ ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم﴾ وَاحفظْهُم عنْهُ وهُوَ تصريحٌ بعدَ إِشعارٍ للتأكيدِ
267
غافر
268
٨ - ١٠ ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ﴾ عطفٌ عَلى قِهِمْ وتوسيطُ النداءِ بينَهما للمبالغة في الجؤارِ ﴿جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ﴾ أيْ وعَدَتهم إياها وقرئ جَنَّةَ عَدْنٍ ﴿وَمَنْ صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ﴾ أيْ صلاحاً مصحَّحاً لدخولِ الجنةِ في الجملةِ وإنْ كانَ دونَ صلاحِ أصولِهم وهُوَ عطفٌ على الضميرِ الأولِ أيْ وأدخلها معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتصاعف ابتهاجُهم أوْ عَلى الثانِي لكنْ لا بناءً عَلى الوعدِ العام للكلِّ كما قيلَ إذْ لا يقي حينئذ للعطف وجه بل بناء على الوعد الخاصِّ بهمْ بقولِه تعالَى أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ بأنْ يكونُوا أعلى درجةً منْ ذريتِهم قالَ سعيدُ بنُ جُبيرٍ يدخلُ المؤمنُ الجنةَ فيقولُ أينَ أبي أينَ ولدي أينَ زَوْجي فيقالُ إِنَّهم لمْ يعملُوا مثلَ عملكَ فيقولُ إني كنتُ أعملُ لي ولهُم فيقالُ أَدخلوهم الجنةَ وسبقُ الوعدِ بالإدخالِ والإلحاقِ لاَ يستدعي حصولَ الموعودِ بلا توسطِ شفاعةٍ واستغفارٍ وعليهِ مَبْنى قولِ منْ قالَ فائدةُ الاستغفارِ زيادةُ الكرامةِ والثوابِ والأولُ هو الأَولى لأنَّ الدعاءَ بالإدخالِ فيه صريحٌ وفي الثاني ضمنى وقرئ صَلُح بالضَّمِ وذرّيتِهمُ بالإفرادِ ﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز﴾ أي الغالبُ الذَّي لاَ يمتنعُ عليه مَقْدورٌ ﴿الحكيم﴾ أي الذي لا يفعلُ إلا ما تقتضيهِ الحكمةُ الباهرةُ من الأمور التي من جُمْلتها إنجازُ الوعدِ فالجملةُ تعليلٌ لما قَبْلها
﴿وَقِهِمُ السيئات﴾ أي العقوباتِ لأَنَّ جزاءَ السيئةِ سيئةٌ مثلُهَا أو جزاءَ السيئاتِ عَلَى حذْفِ المُضافِ وَهُوَ تعميمٌ بعدَ تخصيصٍ أوْ مخصوصٌ بالأتْباعِ أو المعاصي في الدُّنيا فمعنى قولِه تعالَى ﴿وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ ومن تقه المعاصي في الدنيا فقد رحمته فِي الآخرةِ كأنَّهم طلَبوا لهُمْ السببَ بعدَ مَا سألُوا المُسبَّبَ ﴿وَذَلِكَ﴾ إشارةٌ إلى الرحمةِ المفهومةِ من رَحْمتَه أوْ إليَها وإِلى الوقايةِ وَمَا فيه من معنى البُعد لما مر مرارا من الإشعارِ ببُعْدِ درجةِ المُشارِ إليهِ ﴿هُوَ الفوز العظيم﴾ الذِي لاَ مطمعَ وَرَاءَهُ لطامعٍ
﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ﴾ شروعٌ في بيانِ أحوالِ الكفرة بعد دخول النَّارَ بعدَ ما بينَ فيما سبقَ أنهُمْ أصحابُ النارِ ﴿يُنَادَوْنَ﴾ أيْ مِنْ مكانٍ بعيدٍ وهُمْ في النارِ وقَدْ مقتُوا أنفسَهُم الأمَّارةَ بالسُّوءِ التي وقعُوا فيمَا وقعُوا باتباعِ هَوَاهَا أوْ مقَتَ بعضُهم بعضاً من الأحبابِ كقولِه تَعَالَى يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أيْ أبغضوهَا أشدَّ البغضِ وَأنكروهَا أبلغَ الإنكارِ وَأظهرُوا ذلكَ على رءوس الأشهادِ فيقالُ لهم عندَ ذلكَ ﴿لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أيْ لمقتُ الله أنفسَكُم الأمَّارةَ بالسوءِ أوُ مقتُه إِيَّاكم في الدُّنيا ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ منْ جهةِ الأنبياءِ ﴿إِلَى الإيمان﴾ فتأبَوْنَ قَبولَهُ ﴿فَتَكْفُرُونَ﴾ اتّباعاً لأنفسكمْ الأمَّارةِ ومسارعةً إِلى هَوَاها أوِ اقتداءً بِأَخِلاَّئِكُم المضلينَ واستحباباً لآرائِهم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمارة أوْ مِنْ مقتِ بعضِكم بعضا
268
غافر ١١ ١٢ اليوم فإذا ظرفٌ للمقتِ الأولِ وإنْ توسطَ بينَهما الخبرُ لما فِي الظروفِ من الاتساعِ وقيل لمصدرٍ آخرَ مقدرٍ أيْ مقتُه إيَّاكم إذْ تدعونَ وقيلَ مفعولٌ لأذكرُوا والأولُ هو الوجْه وقيلَ كلا المقتينِ في الآخرةِ وإذْ تدعَونَ تعليلٌ لَما بينَ الظرفِ والسببِ منْ علاقةِ اللزومِ والمعنى لمقتُ الله إِيَّاكم الآنَ أكبرُ منْ مقتكم أنفسَكم لمَّا كنتمُ تُدعَونَ إِلى الإيمانِ فتكفرونَ وتخصيصُ هَذَا الوجهِ بصورةِ كونِ المرادِ بأنفسِهم أضرابَهُم مما لاَ دَاعيَ إليهِ
269
﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين﴾ صفتانِ لمصدرَيْ الفعلينِ المذكورينِ أيْ إماتتينِ وإحياءتينِ أوْ موتتينِ وحياتينِ عَلى أنَّهما مصدرانِ لهما أيضا بحذف الزوائد ولفعلين يدلُّ عليهما المذكوران فإنَّ الإماتة والإحياء ينبثان عن الموتِ والحياةِ حَتْماً كأنَّه قيلَ أمتنَا فمُتنَا موتتينِ اثنتينِ وأحييتَنا فحِييَنا حياتينِ اثنتينِ على طريقةِ قولِ مَنْ قالَ... وعضّةُ دهرٍ يا ابنَ مروانَ لم تَدَع... مِنَ المالِ إلا مُسْحَتٌ أو مُجلّفُ...
أيْ لَم تدعَ فلمْ يبْقَ إلا مسحتٌ الخ قيل أرادوا بالامانة الأُولى خلْقَهُم أمواتاً وبالثانيةِ إماتتَهُم عندَ انقضاءِ آجالِهم على أنَّ الإماتةَ جعلُ الشئ عادمَ الحياةِ أعمُّ منْ أنْ يكونَ بإنشائِه كذلكَ كما في قولِهم سُبحان مَنْ صغر البعوضَ وكبَّر الفيلَ أو بجعلهِ كذلكَ بعدَ الحياةِ وبالإحياءينِ الإحياءَ الأولَ وإحياءَ البعثِ وقيل أرادُوا بالإماتةِ الأُولى ما بعدَ حياةِ الدُّنيا وبالثانيةِ ما بعدَ حياةِ القبرِ وبالإحياءينِ ما في القبرِ وما عند البعت وهو الأنسبُ بحالِهم وأما حديثُ لزومِ الزيادةِ على النصِّ ضرورةَ تحققِ حياةِ الدُّنيا فمدفوعٌ لكنْ لا بما قيلَ من عدم اعتدادهم بها لزوالها وانقضائهاوانقطاع آثارِها وأحكامِها بل بأنَّ مقصودَهُم إحداثُ الاعترافِ بما كانوا ينكرونه في الدنيا كما ينطِقُ به قولُهم ﴿فاعترفنا بِذُنُوبِنَا﴾ والتزامُ العملِ بموجب ذلك الاعترافِ ليتوسلُوا بذلكَ إلى ما علقوا به أطماعَهم الفارغةَ من الرجْعِ إلى الدُّنيا كما قد صرَّحوا بهِ حيثُ قالوا فارجعنا نَعْمَلْ صالحا إِنَّا مُوقِنُونَ وَهُو الذي أرادُوه بقولِهم ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ﴾ معَ نوعِ استبعادٍ لهُ واستشعارِ يأسٍ منْهُ لاَ أنَّهم قالوه بطريقِ القنوطِ البحتِ كما قيلِ ولا ريبَ في أنَّ الذي كانَ يُنكرونَهُ ويُفرِّعون عليهِ فنونَ الكفرِ والمعاصِي ليسَ إلا الإحياءَ بعدَ الموتِ وأمَّا الإحياءُ الأولُ فلم يكونُوا يُنكرونَه لينظِمُوه في سلكِ ما اعترفُوا بهِ وزعمُوا أنَّ الاعترافَ يُجديهُم نفعاً وإنما ذكرُوا الموتَةَ الأُولى معَ كونِهم معترفينَ بَها في الدُّنيا لتوقف حياةِ القبرِ عليهَا وكَذا حالُ الموتةِ في القبرِ فإنَّ مقصدَهُم الأصليَّ هوَ الاعترافُ بالإحياءينِ وإنَّما ذكرُوا الإماتتينِ لترتيبهِما عليهِما ذكراً حسبَ ترتيبهما عليهِما وجُوداً وتنكيرُ سبيلٍ للإبهامِ أيْ منْ سبيلٍ مَا كيفَما كانَ وقولُه تعاَلى
﴿ذلكم﴾ الخ جوابٌ لَهُم باستحالةِ حصولِ مَا يرجُونه ببيانِ ما يوجبُها مِن أعمالِهم السيئةِ أيْ ذلكم الذي أنتمُ فيهِ منَ العذابِ مُطلقاٍ لا مقيداً بالخلودِ كَما قيلَ ﴿بِأَنَّهُ﴾ أيْ بسببِ أنَّ الشأنَ ﴿إِذَا دُعِىَ الله﴾ فِي الدُّنيا أيْ عُبدَ ﴿وَحْدَهُ﴾ أيْ مُنْفَرِداً ﴿كَفَرْتُمْ﴾ أيْ بتوحيدِهِ ﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ﴾
269
أيْ بالإشراكِ به وتسارعوا فيه وفي إيرادِ إذَا وصيغةِ الماضِي في الشرطيةِ الأُولى وإنْ وصيغةِ المضارعِ في الثانية مالا يَخفْى من الدلالةِ على كمالِ سوءِ حالِهم وحيثُ كان حالُكم كذلكَ ﴿فالحكم للَّهِ﴾ الذي لاَ يحكُم إلا بالحقِّ ولاَ يقضِي إلا بما تقتضيه الحكمةُ ﴿العلى الكبير﴾ الذي ليسَ كمثلِه شيءٌ في ذاتِه ولا في صفاتِه ولا في أفعالِه يفعلُ مَا يشاءُ ويحكُم ما يريدُ لا معقِّبَ لحكمهِ وقد حكمَ بأنَّه لا مغفرةَ للمشركِ ولا نهايةَ لعقوبتِه كَما لا نهايةَ لشناعتِه فلا سبيل لكُم إلى الخروجِ أَبداً
270
﴿هو الذي يريكم آياته﴾ الدالة على شئونه العظيمةِ الموجبةِ لتفرده بالألوهيةِ لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبِهَا فتوحِّدوه تعالَى وتخُصُّوه بالعبادةِ ﴿وَيُنَزّلُ﴾ بالتشديدِ وقُرىءَ بالتخفيفِ منَ الإنزالِ ﴿لَكُم مّنَ السماء رِزْقاً﴾ أيْ سببَ رزقٍ وهو المطرُ وإفرادُه بالذكرِ مع كونِه من جملةِ الآياتِ الدالةَ عَلى كمالِ قدرتِه تعالى لنفرده بعنوانِ كونِه من آثارِ رحمتِه وجلائلِ نعمتِه الموجبةِ للشكرِ وصيغةُ المضارعِ في الفعلين الدلالة على تجددِ الإراءةِ والتنزيلِ واستمرارِهِما وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعول لما مر غيرَ مرةٍ ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ بتلكَ الآياتِ الباهرةِ ولا يَعملُ بمقتضَاهَا ﴿إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾ إلى الله تَعَالى ويتفكرُ فيما أودَعهُ في تضاعيفِ مصنوعاتِهِ من شواهدِ قدرتِه الكاملةِ ونعمتِه الشاملةِ الموجبةِ لتخصيصِ العبادةِ بهِ تَعالَى ومن ليسَ كذلكَ فهُو بمعزلٍ منَ التذكرِ والاتعاظِ
﴿فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أيْ إِذا كانَ الأمر كما ذكر من اختصاصِ التذكرِ بمنْ ينيبُ فاعبدُوه أيُّها المؤمنونَ مخلصينَ له دينَكُم بموجبَ إنابتِكم إليهِ تعالَى وإيمانِكم به ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكافرون﴾ ذلكَ وغاظَهُم إخلاصُكم
﴿رَفِيعُ الدرجات﴾ نحوُ بديعِ السمواتِ عَلى أنه صفةٌ مشبّهةٌ أضيفتْ إلى فاعِلها بعدَ النقلِ إلى فعُل بالضمِّ كما هُوَ المشهورُ وتفسيرُه بالرافعِ ليكونَ منْ إضافِه اسمِ الفاعلِ إلى المفعولِ بعيدٌ في الاستعمالِ أيْ رفيعُ درجاتِ ملائكتِه أي معارجِهم ومصاعدِهم إلى العرشِ ﴿ذُو العرش﴾ أيْ مالكُه وهُمَا خبرانِ آخرانِ لقولِه تعالى هوَ أخبرَ عنْهُ بهما إيذاناً بعلوِّ شأنِه تَعَالى وعظمِ سُلطانِه الموجبَيْنِ لتخصيصِ العبادةِ بهِ وإخلاصِ الدينِ لهُ إمَّا بطريقِ الاستشهادِ بهمَا عليهَما فإنَّ ارتفاعَ معارجَ ملائكتِه إلى العرشِ وكونَ العرشِ العظيمِ المحيطِ بأكنافِ العالمِ العلويِّ والسفليِّ تحتَ ملكوتِه وقبضةِ قدرتِه مما يقضِي بكونِ علوِّ شأنِه وعظمِ سلطانه في لا غايةَ وراءها وإما بجعلَهما عبارةً عنهما بطريقِ المجازِ المتفرعِ على الكنايةِ كالاستواءِ على العرشِ وتمهيداً لما يعقُبهما من قولِه تعالى ﴿يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ فإنَّه خبرٌ آخرُ لمَا ذكرَ منبىءٌ عن إنزالِ الرزقِ الرُّوحانِيِّ الذي هُو الوحيُ بعدَ بيانِ إنزالِ الرزقِ الجُسمانيِّ الذي هُو المطرُ أي ينزلُ الوحيَ الجاريَ من القلوبِ منزلةَ الروحِ منَ الأجسادِ وقوله
270
غافر ١٦ ١٧ تعالَى مِنْ أَمْرِهِ بيانٌ للروحِ الذي أريدَ بهِ الوحيُ فإنَّه أمرٌ بالخيرِ أو حال منه أي حالَ كونِه ناشئاً ومبتدأً منْ أمرِهِ أو صفةٌ له على رأي من يجوِّز حذفَ الموصول مع بعضِ صلتِه أي الروحَ الكائنَ منْ أمرهِ أو متعلق بباقي ومِنْ للسببيةِ كالباءِ مثلُ ما في قوله تعالى مّمَّا خطيئاتهم أي يُلقِي الوحيَ بسببِ أمرهِ ﴿على مَن يَشَاء مِنْ عباده﴾ وهوَ الذي اصطفاهُ لرسالتِه وتبليغِ أحكامِه إليهمْ ﴿لّيُنذِرَ﴾ أي الله تعالَى أو الملقى عليه أو الروح وقرىء لتنذر على أن الفاعل هو الرسول ﷺ أو الرُّوحُ لأنَّها قد تؤنث ﴿يَوْمَ التلاق﴾ إما ظرفٌ للمفعولِ الثانِي أي لينذر الناس العذاب يوم التلاقِ وهو يومُ القيامةِ لأنَّه يتلاقَى فيهِ الأرواحُ والأجسامُ وأهلُ السمواتِ والأرضِ أو هو المفعول الثاني اتساعاً أوْ أصالةً فإنَّه منْ شدةِ هولِه وفظاعتِه حقيقٌ بالإنذارِ أصالةً وقُرىَء ليُنْذرَ عَلَى البناءِ للمفعولِ ورفعِ اليومِ
271
﴿يَوْمَ هُم بارزون﴾ بدلٌ منُ يومِ التلاقِ أيْ خارجونَ من قبورِهم أو ظاهرونَ لا يستُرهُم شيءٌ من جبلِ أو أَكَمةٍ أوْ بناءٍ لكونِ الأرضِ يومئذٍ قاعاً صفصفاً ولاَ عليهمُ ثيابٌ إنما هُم عراةٌ مكشوفونَ كما جاءَ فِي الحديثِ يحشرونَ عُراةً حُفاه غُرْلا وقيلَ ظاهرةٌ نفوسُهم لا تحجبُهم غواشِي الأبدانِ أوْ أعمالُهم وسرائرُهم ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء﴾ استئنافٌ لبيانِ بروزِهم وتقريرٌ له وإزاحةٌ لما كان يتوهمُّه المتوهمونَ في الدُّنيا من الاستنار توهماً باطلاً أو خبرٌ ثانٍ وقيلَ حالٌ منْ ضميرِ بارزونَ أيْ لا يخفى عليه شيءٌ مَا منْ أعيانِهم واعمالهم واحوالهم الجلية والخفيةِ السابقةِ واللاحقةِ ﴿لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الواحد القهار﴾ حكايةٌ لمَا يقعُ حينئذٍ منَ السؤال والجوابِ بتقديرِ قولٍ معطوفٌ على ما قبله من الجملة المنفيةِ المستأنفةَ أو مستأنفٌ يقعُ جوابا عنْ سؤالٍ نشأَ منْ حكايةِ بروزِهم وظهورِ أحوالِهم كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ حينئذٍ فقيلَ يقالُ الخ أيْ يُنادِي مناد لمن الملك اليوم فيجيبُهُ أهلُ المحشرِ لله الواحدِ القهارِ وقيلَ المجيبُ هُوَ السائلُ بعينِه لما رُوي أنَّه يجمعُ الله الخلائقَ يومَ القيامةِ في صعيدٍ واحدٍ في أرضٍ بيضاءَ كأنَّها سبيكةُ فضةٍ لم يعصَ الله فيَها قطُّ فأولُ ما يتكلُم بهِ أنْ ينادِيَ منادٍ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الواحدِ القهارِ وقيلَ حكايةً لما ينطِق بهِ لسانُ الحالِ من تقطعِ أسبابِ للتصرفات المجازيةِ واختصاصِ جميعِ الأفاعيلِ بقبضةِ القدرةِ الإلهيةِ
﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ إلخ إمَّا منْ تتمةِ الجوابِ لبيانِ حكمِ اختصاصِ المُلك بهِ تعالَى ونتيجتِه التي هيَ الحكُم السويُّ والقضاءُ الحقُّ أوْ حكايةً لِمَا سيقولُه تعالى يومئذٍ عقيبَ السؤالِ والجوابِ أيْ تُجزى كُلُّ نَفْسٍ منَ النفوسِ البرة الفاجرة بِمَا كَسَبَتْ منْ خَيرٍ أوْ شرَ ﴿لاَ ظُلْمَ اليوم﴾ بنقصِ ثوابٍ أوْ زيادةِ عذابٍ ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أيْ سريعٌ حسابُه تماماً إذْ لا يشغلُه تعالَى شأنٌ عنْ شأنٍ فيحاسبُ الخلائقَ قاطبةً في أقربِ زمانٍ كما نُقلَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنه تعالَى إذَا أخذَ في حسابِهم لم يقِلْ أهلُ الجنةِ إلاَّ فيهَا ولا أهلُ النارِ إلا فيهَا فيكون تغليلا لقولِه تعالَى اليومَ تُجزى الخ فإنَّ كونَ ذلكَ اليومِ بعينِه يومَ التلاقِي ويوم البروز ربما يوهم استبعادَ وقوعِ الكُلِّ
271
غافر ١٨ ٢١ فيهِ أو سريعٌ مَجيئاً فيكونُ تعليلاً للإنذارِ
272
﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة﴾ أي القيامةِ سميتْ بَها لأُزوفِهَا وهُو القربُ غيرَ أنَّ فيهِ إشعاراً بضيقِ الوقتِ وقيلَ الخطةُ الآزفةُ وهي مشارفةُ أهلِ النارِ دخولَها وقيل وقتَ حضورِ الموتِ كَما في قولِه تعالى فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وقولِه كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقى وقولُه تعالَى ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر﴾ بدلٌ منْ يومَ الآزفةِ فإنَّها ترتفعُ من أماكِنها فتلتصقُ بحلوقِهم فلا تعودُ فيتروّحوا ولاتخرج فيستريحوا بالموتِ ﴿كاظمين﴾ عَلى الغَمِّ حالٌ منْ أصحابِ القلوبِ عَلى المَعْنى إِذِ الأصلُ قلوُبُهم أوْ مِنْ ضميرِهَا في الظرفِ وجمعُ السلامة باعتبار أنَّ الكظَم منْ أحوالِ العُقلاءِ كقولِه تعالَى فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين أوْ منْ مفعولِ أنذرْهم عَلى أنَّها حالٌ مقدرةٌ أيْ أنذرهُم مقدراً كظمَهُم أوْ مشارفينَ الكظمَ ﴿مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ﴾ أَيْ قريبٍ مشفقٍ ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ أيْ لاَ شفيعَ مُشفَّعٌ على مَعْنى نفِي الشفاعةِ والطاعةِ معاً على طريقةِ قوله على لا حب لا يهتدى بمناره والضمائرُ إنْ عادتْ إلى الكُفارِ وهو الظاهرُ فوضعُ الظالمينَ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهم بالظلمِ وتعليلِ الحكمِ بهِ
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين﴾ النظرةَ الخائنةَ كالنظرةِ الثانيةِ إلى غيرِ المَحْرمِ واستراقِ النظرِ إليهِ أو خيانةَ الأعينِ على أنها مصدرٌ كالعافيةِ ﴿وَمَا تُخْفِى الصدور﴾ من الضمائرِ والأسرارِ والجملةُ خبرٌ آخرُ مثلُ يُلقي الروحَ للدِّلالةِ على أنَّه ما مِنْ خفيَ إلا وهُو متعلقُ العلمِ والجزاءِ
﴿والله يَقْضِى بالحق﴾ لأنَّه المالكُ الحاكُم على الإطلاقِ فلا يقضِي بشيءٍ إلا وهُو حقٌّ وعدلٌ ﴿والذين يَدْعُونَ﴾ يعبدونَهم ﴿مِن دُونِهِ﴾ تعالَى ﴿لاَ يَقْضُونَ بِشَىْء﴾ تهكمٌ بهم لأنَّ الجمادَ لا يُقالُ في حقِّه يقضي اولا يَقْضِي وقُرىء تَدْعُون عَلى الخطابِ التفاتاً أو على إضمارِ قُلْ ﴿إِنَّ الله هُوَ السميع البصير﴾ تقريرٌ لعلمِه تعالَى بخائنةِ الأعينِ وقضائِه بالحقِّ ووعيدٌ لهمُ على ما يقولون ويفعلون وتعريضٌ بحالِ ما يدْعونَ من دونِه
﴿أولم يَسِيرُواْ فِى الارض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي مآلُ حالِ مِن قَبْلِهِم من الأُممِ المكذبةِ لرُسلِهم كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم ﴿كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ قدرةً وتمكناً من التصرفاتِ وإنَّما جيءَ بضميرِ الفصلِ معَ أنَّ حقَّه التوسطُ بينَ معرفتين لمضاهاة افعل من للمعرفةِ في امتناعِ دخولِ اللامِ عليهِ وقُرِىءَ أشدَّ منكم بالكاف ﴿وآثارا فِى الأرض﴾ مثلُ القلاعِ الحصينة والمدائن المنينة وقيلَ المَعْنى وأكثرَ آثاراً كقولِه متقلداً سيفاً ورُمحاً ﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ أخذاً وبيلاً ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مّنَ الله مِن وَاقٍ﴾
272
أي منْ واقٍ يقيهم عذابَ الله
273
﴿ذلك﴾ أي ما ذكر من الأخذِ ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسببِ أنَّهم ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ أي بالمعجزاتِ أو بالأحكامِ الظاهرةِ ﴿فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ﴾ متمكنٌ مما يريد غابة التمكنِ ﴿شَدِيدُ العقاب﴾ لا يُؤبَهُ عندَ عقابِه بعقابٍ
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ وهي معجزاتُه ﴿وسلطان مُّبِينٍ﴾ أي وحجَّةٍ قاهرةٍ وهيَ إما عينُ الآياتِ والعطفُ لتغايرِ العنوانينِ وإما بعضُ مشاهيرِها كالعَصا أفردتْ بالذكرِ مع اندراجِها تحتَ الآياتِ لأن فيها إفرادَ جبريلَ وميكالَ به مع دخولهما في الملائكةِ عليهم السَّلامُ
﴿إلى فِرْعَوْنَ وهامان وَقَارُونَ فَقَالُواْ ساحر كَذَّابٌ﴾ أي فيما أظهرَهُ من المعجزاتِ وفيمَا ادَّعاهُ من رسالةِ ربِّ العالمينَ
﴿فَلَمَّا جَاءهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا﴾ وهو ما ظهرَ على يدِه من المعجزاتِ القاهرةِ ﴿قَالُواْ اقتلوا أَبْنَاء الذين آمنوا مَعَهُ واستحيوا نِسَاءهُمْ﴾ كما قالَ فرعونُ سنقتلُ أبناءَهُم ونستحي نساءَهُم أي أعيدُوا عليهم ما كنتُم تفعلونَهُ أولاً وكانَ فرعونُ قد كفَّ عن قتلِ الوِلْدانِ فلما بعث ﷺ وأحسَّ بأنَّه قد وقعَ ما وقعَ أعادَهُ عليهم غيظاً وَحنَقاً وزعماً منْهُ أنَّه يصدُّهم بذلكَ عن مظاهرتِه ظَّناً منهُم أنَّه المولودُ الذي حكَم المنجّمونَ والكهنةُ بذهابِ ملكِهم على يدِه ﴿وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِى ضلال﴾ أي في ضَياعٍ وبُطلانٍ لا يُغني عنهُم شيئاً وينفذ عليهم لا محالةَ القدرُ المقدورُ والقضاءُ المحتومُ واللامُ إمَّا للعهدِ والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهم بالكفرِ والإشعارِ بعلةِ الحكمِ أو للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أولياً والجملةُ اعتراضٌ جيءَ به في تضاعيفِ ما حكي عنهم من الأباطيلِ للمسارعةِ إلى بيانِ بطلانِ ما أظهروه من الإبراقِ والإرعادِ واضمِحْلالِه بالمرةِ
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى﴾ كانَ مَلؤُه إذَا هَمَّ بقتلِه عليه الصَّلاةُ والسلام وكفوه بقولِهم ليسَ هَذا بالذي تخافُه فإنَّه أقلُّ من ذلك وأضعفُ وما هُو إلا بعضُ السحرةِ وبقولِهم إذا قتلتَهُ أدخلتَ على النَّاسِ شُبهةً واعتقدُوا أنَّكَ عجَزتَ عن معارضتِه بالحجَّةِ وعَدلتَ إلى المقارعةِ بالسيفِ والظاهرُ من دهاءِ اللعينِ ونَكارتِه أنَّه كانَ قد استيقنَ أنَّه نبيٌّ وأنَّ ما جاءَ بهِ آياتٌ باهرةٌ وما هُو بسحرٍ ولكنْ كانَ يخافُ إنْ همَّ بقتلِه أنْ يُعاجلَ بالهلاكِ وكانَ قولُه هذا تمويهاً على قومِه وإيهاماً أنَّهم هم الكافُّونَ له عن قتله
273
غافر ٢٧ ٢٨ ولولاهُم لقتلَه وما كانَ الذي يكفُّه إلا ما في نفسِه من الفزعِ الهائل وقولُه ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ تجلدٌ منه وإظهارٌ لعدمِ المُبالاةِ بدعائِه ولكنَّه أخوفُ ما يخافُه ﴿إِنّى أَخَافُ﴾ إنْ لم أقتْلهُ ﴿أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ﴾ أنْ يغيرَ ما أنتم عليه من الدين الذي هو عبارة عن عبادتِه وعبادةِ الأصنامِ لتقربَهم إليه ﴿أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأرض الفساد﴾ ما يُفسدُ دُنياكُم من التحاربِ والتهارجِ إنْ لم يقدرُ على تبديلِ دينِكم بالكلِّيةِ وقُرِىءَ بالواوِ الجامعةِ وقُرىءَ بفتحِ الياءِ والهاءِ ورفع الفساد وقرىء بظهر بتشديدِ الظَّاءِ والهاءِ من تظَاهرَ أي تتابعَ وتعاونَ
274
﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ أي لقومِه حينَ سمعَ بمَا تقوَّلَهُ اللعينُ من حديثِ قتلِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب﴾ صدَّرَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كلامَهُ بإنَّ تأكيداً له وإظهاراً لمزيدِ الاعتناءِ بمضمونِه وفرطِ الرغبةِ فيهِ وخصَّ اسمَ الربِّ المنبىءِ عنِ الحفظِ والتربيةِ لأنَّهما الذي يستدعيِه وأضافَهُ إليهِ وإليهم حثَّاً لهم على موافقتِه في العياذِ بهِ تعالى والتوكلَ عليه فإنَّ في تظاهرِ النفوسِ تأثيراً قوياً في استجلابِ الإجابةِ ولم يسمِّ فرعونَ بل ذكرَهُ بوصفٍ يعمُّه وغيرَهُ منَ الجبابرةِ لتعميمِ الاستعاذةِ والإشعارِ بعلةِ القساوةِ والجرأةِ على الله تعالَى وقُرىء عدت بالإدغامِ
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ آل فِرْعَوْنَ﴾ قيلَ كانَ قبطياً ابْنَ عمَ لفرعونَ آمنَ بموسى سِرَّاً وقيلَ كانَ إسرائيلياً أو غَريباً مُوحداً ﴿يَكْتُمُ إيمانه﴾ أيْ مِنْ فرعونَ وملئِه ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً﴾ أتقصِدونَ قتلَهُ ﴿أَن يَقُولَ﴾ لأنْ يقولَ أو كراهةَ أنْ يقولَ ﴿رَبّىَ الله﴾ أيْ وحدَهُ من غيرِ رويةٍ وتأملٍ في أمرِه ﴿وَقَدْ جَاءكُمْ بالبينات﴾ والحالُ أنَّه قد جاءكُم بالمعجزاتِ الظاهرةِ التي شاهدتمُوها وعهدتمُوها ﴿مّن رَّبّكُمْ﴾ أضافَهُ إليهم بعدَ ذكرِ البيناتِ احتجاجاً عليهم واستنزالاً لَهمُ عن رُتبةِ المكابرةِ ثم أخذَهُم بالاحتجاجِ من بابِ الاحتياطِ فقالَ ﴿وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ لا يتخطَّاهُ وبالُ كذبِه فيُحتاجَ في دفعه إلى قتلِه ﴿وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ﴾ أيْ إنْ لَم يُصبكم كلُّه فلاَ أقلَّ من اصابة بعضه لاسيما إنْ تعرضتُم له بسوءٍ وهَذا كلامٌ صادرٌ عن غايةِ الإنصافِ وعدمِ التعصبِ ولذلكَ قدَّمَ من شِقَّيْ الترديدِ كونَهُ كاذباً أو يُصبْكُم ما يعدُكُم من عذابِ الدُّنيا وهو بعضُ ما يعدُهم كأنَّه خوَّفُهم بما أظهرُ احتمالاً عندَهُم وتفسيرُ البعضِ بالكُلِّ مستدَلاً بقولِ لَبيدٍ... ترَّاكُ أمكنةٍ إذَا لَمْ أَرْضَها... أو يرتبطْ بعضَ النفوسِ حِمامُها...
مردودٌ لمَا أنَّ مرادَهُ بالبعضِ نَفْسُه ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ احتجاجٌ آخرُ ذُو وجهينِ أحدُهما أنَّه لوْ كانَ مُسرفاً كذاباً لما هداهُ الله تعالَى إلى البيناتِ ولمَا أيَّدهُ بتلكَ المعجزاتِ وثانيهما إنْ كان كذلك خذلَه الله وأهلكَهُ فَلا حاجةَ لكُم إلى قتلِه ولعلَّه أراهُم المعنى الثَّانِي وهُو عاكفٌ على المَعْنى الأول لتلينَ شكيمتُهم وقد عَرَّضَ به لفرعونَ بأنه
274
غافر ٢٩ ٣٣ مسرفٌ كذَّابٌ لا يهديِه الله سبيلَ الصوابِ ومنهاجَ النجاة
275
﴿يا قوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين﴾ غالبينَ عالينَ عَلى بني إسرائيلَ ﴿فِى الأرض﴾ أي أرضِ مصرَ لا يُقاومكُم أحدٌ في هذا الوقتِ ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله﴾ من أخذِه وعذابِه ﴿إِن جَاءنَا﴾ أي فَلاَ تُفسدُوا أمرَكُم ولا تتعرضُوا لبأس الله بقتله فإن جاءَنا لم يمنعنا منه أحدٌ وإنَّما نسبَ ما يسرُّهم من المُلكِ والظهورِ في الأرضِ إليهم خَاصَّة ونظمَ نفسَهُ في سلكِهم فيما يسوؤُهم من مجىء بأسِ الله تعالى تطييباً لقلوبهم وايذانا بأنه مناصح لهم ساعٍ في تحصيلِ ما يُجديهم ودفعِ ما يُرديهم سعيَهُ في حقِّ نفسه ليتأثروا بنصحِه ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ بعد ما سَمِع نُصحَهُ ﴿مَا أُرِيكُمْ﴾ أيْ ما أُشيرُ عليكُم ﴿إِلاَّ مَا أرى﴾ وأستصوبُهُ مِنْ قتلِه ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ﴾ بهذَا الرَّأي ﴿إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد﴾ أي الصوابِ اولا أُعلِّمُكم إلاَّ ما أعلمُ ولا أُسرُّ عنكُم خلافَ ما أُظهرُهُ ولقدْ كذبَ حيثُ كانَ مستشعراً للخوفِ الشديدِ ولكنَّه كان يتجلدُ ولولاهُ لما استشارَ أحداً أبداً وقُرِىءَ بتشديدِ الشِّينِ للمبالغةِ من رشُد كعلاّم أو من رشَد كعبّاد لامن أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصورٌ على السماع أو للنسبة إلى الرُّشْد كعوّاج وبتَّات غيرَ منظور فيه إلى فَعْل
﴿وقال الذي آمن﴾ مخاطبا لقومه ﴿يا قوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ في تكذيبه والتعرض له بالسوءِ ﴿مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب﴾ مثلَ أيامِ الأممِ الماضيةِ يعني وقائِعَهُم وجمعُ الأحزابِ مع التفسيرِ أغنى عَن جمعِ اليومِ
﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ أيْ مثلَ جزاءِ ما كانوا عليهِ من الكفرِ وإيذاءِ الرُّسلِ ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ كقومِ لوطٍ ﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ﴾ فَلا يُعاقبُهم بغيرِ ذنبٍ ولا يُخلّي الظالَم منُهم بغيرِ انتقامِ وهُو أبلغُ من قولِه تعالى وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ لما أنَّ المنفيّ فيهِ إرادةُ ظلمٍ مَا ينتفي الظلم بطريق الاولوية
﴿ويا قوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد﴾ خوَّفهم بالعذابِ الأُخروي بعدَ تخويفِهم بالعذابِ الدنيويِّ ويومُ التنادِ يومُ القيامةِ لأنَّه يُنادِي فيهِ بعضُهم للاستغاثةِ أو يتصايحونَ بالويلِ والثبورِ أو يتنادَى أصحابُ الجنةِ وأصحابُ النارِ حسبَما حُكِيَ في سورةِ الأعرافِ وقُرِىءَ بتشديدِ الدَّالِ وهُو أنْ ينِدَّ بعضُهم من بعضٍ كقولِه تعالى يَوْمَ يَفِرُّ المرء من أخيه وعنِ الضحَّاكِ إذا سمعُوا زفير النار هَرَباً فلا يأتونَ قُطراً من الأقطارِ إلاَّ وجدُوا ملائكةً صفوفاً فبينَا هُم بموج بعضهم في بعضِ إذْ سمعُوا مُنادياً أقِبلوا إلى الحسابِ
﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ بدلٌ من يومَ التنادِ أي منصرفينَ عن الموقفِ إلى النارِ أو فارينَ منها حسبما نقل آنفا
275
غافر ٣٤ ٣٧ ﴿مَا لَكُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ يعصمُكم من عذابِه والجملةُ حالٌ أُخْرَى من ضميرِ تُولُّون ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ يهديه إلى طريقِ النجاةِ
276
﴿وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ﴾ هو يوسفُ بنِ يعقوبَ عليهما السَّلامُ على أنَّ فرعونَهُ فرعونُ موسى أو على نسبةِ أحوالِ الآباءِ إلى الأولادِ وقيلَ سِبْطُه يوسفُ بنُ إبراهيمَ بنِ يوسفَ الصدِّيقِ ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبلِ موُسى ﴿بالبينات﴾ بالمعجزاتِ الواضحةِ ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مّمَّا جَاءكُمْ بِهِ﴾ من الدينِ ﴿حتى إِذَا هَلَكَ﴾ بالموتِ ﴿قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً﴾ ضمَّاً إلى تكذيبِ رسالتِه تكذيبَ رسالةِ مَنْ بعدَهُ أو جزماً بأنْ لا يُبعثَ بعدَهُ رسولٌ معَ الشكِّ في رسالتِه وقُرِىءَ ألنْ يبعثَ الله على أنَّ بعضَهُم يقررُ بعضاً بنفي البعثِ ﴿كذلك﴾ مثل ذلكَ الإضلالِ الفظيعِ ﴿يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ﴾ في عصيانِه ﴿مُّرْتَابٌ﴾ في دينِه شاكٌّ فيما تشهدُ به البيناتُ لغلبةِ الوهمِ والانهماكِ في التقليدِ
﴿الذين يجادلون في آيات الله﴾ بدلٌ من الموصولِ الأولِ أو بيانٌ له أو صفةٌ باعتبارٍ معناهُ كأنَّه قيلَ كلُّ مسرفٍ مرتابٍ أو المسرفينَ المرتابينَ ﴿بغير سلطان﴾ متعلق يجادلون أي بغيرِ حُجَّةٍ صالحةٍ للتمسكِ بها في الجُملةِ ﴿آتاهم﴾ صفةُ سلطانِ ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين آمنوا﴾ فيه ضربٌ من التعجبِ والاستعظامِ وفي كبُر ضميرٌ يعودُ إلى مَنْ وتذكيرُه باعتبارِ اللفظِ وقيلَ إلى الجدالِ المستفادِ من يُجادلونَ ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلك الطبع الفظيع ﴿يطبع الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ﴾ فيصدرُ عنه أمثالُ ما ذكر من الإسراف والارتيابِ والمجادلةِ بالباطلِ وقُرِىءَ بتنوينِ قلبِ ووصفُه بالتكبرِ والتجبر لانه منعهما
﴿وقال فرعون يا هامان ابن لِى صَرْحاً﴾ أي بناءً مكشُوفاً عالياً من صرح الشيء اذ ظهرَ ﴿لَّعَلّى أَبْلُغُ الأسباب﴾ أي الطرق
﴿أسباب السماوات﴾ بيانٌ لها وفي إبهامِها ثمَّ إيضاحِها تفخيمٌ لشأنِها وتشويقٌ للسامعِ إلى معرفتِها ﴿فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى﴾ بالنصبِ على جوابِ الترجِّي وقرىء بالرفع عطفا على أبلغُ ولعلَّه أرادَ أنْ يبنيَ له رَصَداً في موضعٍ عالٍ ليرصُدَ منْهُ أحوالَ الكواكبِ التي هي أسبابٌ سماويةٌ تدلُّ على إرسالِ الله تعالَى إيَّاهُ أو أنْ يَرَى فسادَ قوله عليه الصلاة والسلام بأنَّ إخبارَهُ من إلِه السماءِ يتوقفُ على اطِّلاعِه عليهِ ووصولِه إليهِ وذلكَ لا يتأتَّى إلا بالصُّعودِ إلى السماءِ وهُو ممَّا
276
غافر ٣٨ ٤٢ لا يقْوَى عليهِ الإنسانُ وما ذاكَ إلا لجهلِه بالله سبحانَهُ وكيفيِة استنبائِه ﴿وَإِنّى لاَظُنُّهُ كاذبا﴾ فيَما يدعيه من الرسالة أيْ ومثلَ ذلكَ التزيينِ البليغِ المُفْرطِ ﴿زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ﴾ فانهمكَ فيهِ انهماكاً لا يرْعَوِي عنه بحال ﴿وَصُدَّ عَنِ السبيل﴾ أي سبيلِ الرشادِ والفاعلُ في الحقيقةِ هُو الله تعالَى ويؤيدُه قراءة زبن بالفتح وبالتوسط لشيطان وقُرِىءُ وصَدَّ على أنَّ فرعونَ صدَّ الناسَ عنِ الهُدى بأمثالِ هذهِ التمويهاتِ والشبهاتِ ويُؤيدُه قولُه تعالى ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ﴾ أي خسَارٍ وهلاكِ أو على أنَّه من صَدَّ صُدوداً أي أعرضَ وقُرِىءَ بكسرِ الصَّادِ على نقلِ حركةِ الدَّالِ إليهِ وقُرِىءَ وصَدٌّ على أنَّه عطفٌ على سوءُ عملِه وقُرِىءَ وصَدُّوا أيْ هُو وقومُهُ
277
﴿وقال الذي آمن﴾ أي مؤمنُ آلِ فرعونَ وقيلَ مُوسَى عليهِ السَّلامُ ﴿يا قوم اتبعون﴾ فيما دَللْتكُم عليهِ ﴿أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد﴾ أيْ سبيلاً يصلُ سالكُه إلى المقصودِ وفيه تعريضٌ بأنَّ ما يسلُكُه فرعونُ وقومُه سبيل الغي والضلال
﴿يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع﴾ أي تمتعٌ يسيرٌ لسرعةِ زوالِها أجملَ لَهمُ أولاً ثمَّ فسرَ فافتتحَ بذمِّ الدُّنيا وتصغيرِ شأنِها لأنَّ الإخلادَ إليها رأسُ كلِّ شرَ ومنه تتشعبُ فنونُ ما يُؤدِّي إلى سخطِ الله تعالَى ثمَّ ثنَّى بتعظيمِ الآخرةِ فقالَ ﴿وَإِنَّ الأخرة هِىَ دَارُ القرار﴾ لخلودِها ودوامِ ما فيها
﴿مِنْ عَمَلٍ﴾ في الدُّنيا ﴿سَيّئَةً فَلاَ يجزى﴾ في الآخرةِ ﴿إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ عدلاً من الله سبحانَهُ وفيه دليلٌ على أنَّ الجناياتِ تُغْرمُ بأمثالِها ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ﴾ الذينَ عملِوا ذلَك ﴿يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أيْ بغيرِ تقديرٍ وموازنةٍ بالعملِ بَلْ أضعافاً مُضاعفةً فضلاً من الله عزَّ وجلَّ ورحمةً وجعلُ العملِ عمدةً والإيمانِ حالاً للإيذانِ بأنَّه لا عبرةَ بالعملِ بدونِه وأنَّ ثوابَهُ اعلى من ذلك
﴿ويا قوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار﴾ كرر نداءهم ايفاظا لهم عن سنة الغفلة واعتناء بالمنادى له ومبالغة في توبيخهم على ما يقالون به نصحَهُ ومدارُ التعجبِ الذي يلوح الاستفهامُ دعوتُهم إيَّاهُ إلى النارِ ودعوته إياهم إلى النجاة كأنه قيل أخبروني كيف هذه الحال أدعوكم إلى الخير وتدعونني إلى الشرِّ وقد جعلَه بعضهم من قبيل مالي اراك حزيناً وقولُه تعالَى
﴿تَدْعُونَنِى لاَكْفُرَ بالله﴾ بدلٌ أو بيانٌ فيه تعليلٌ والدعاءُ كالهدايةِ في التعديةِ بإلى واللامِ ﴿وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ علم﴾ بشركتِه له تعالى في المعبوديةِ وقيل بربوبيتِه ﴿عِلْمٍ﴾ والمرادُ نفيُ المعلومِ والإشعارُ بأنَّ الألوهيةَ لا بُدَّ لها من بُرهانٍ موجبٍ
277
غافر ٤٣ ٤٦ العلم بَها ﴿وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار﴾ الجامعِ لجميعِ صفاتِ الألوهيةِ من كمالِ القُدرةِ والغَلبةِ وما يتوقفُ عليهِ من العلمِ والإرادةِ والتمكنِ من المجازاةِ والقدرةِ على التعذيبِ والغفرانِ
278
﴿لاَ جَرَمَ﴾ لا ردَّ لما دعَوهُ إليهِ وجرمَ فعلٌ ماضٍ بمعَنْى حَقَّ وفاعله قوله تعالى ﴿أنما تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدنيا وَلاَ فِى الأخرة﴾ أيْ حق ووجب عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أصلاً أو عدم دعوة مستجابة دعوةٍ لهَا وقيلَ جرمَ بمعنى كسبَ وفاعلُه مستكنٌّ فيهِ أي كسبَ ذلكَ الدعاءُ إليهِ بطلانَ دعوتِه بمعنى ما حصلَ من ذلكَ إلا ظهورُ بطلانِ دعوتِه وقيل جرمَ فعلٌ من الجَرْمِ وهو القطعُ كما أن بُدّاً من لا بد فُعْلٌ من التبديد أي التفريق والمعنى لا قطع لبطلان ألوهية الأصنام أي لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقا ويؤيده قولهم لاجرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء وفُعْلٌ وفَعَلٌ أخوان كرُشْد ورَشَد ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله﴾ أي بالموتِ عطفٌ على أنَّ ما تدعونِني داخلٌ في حُكمِه وكَذا قولُه تعالَى ﴿وَأَنَّ المسرفين﴾ أي في الضلالِ والطغيانِ كالإشراكِ وسفكِ الدِّماءِ ﴿هُمْ أصحاب النار﴾ أيْ مُلازمُوهَا
﴿فستذكرون﴾ وقرىء فستذكرون أي فسيذكِّرُ بعضُكم بعضاً عند معاينةِ العذابِ ﴿مَا أقول لكم﴾ من النصائح ﴿وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله﴾ قالَه لما أنَّهم كانُوا توعَّدُوه ﴿إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد﴾ فيحرُسُ مَنْ يلوذُ به من المكارِه
﴿فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ﴾ شدائدَ مكرِهم وما همّوا به من إلحاقِ أنواعِ العذابِ بمن خالفَهم قيل نجامع مُوسى عليهِ السَّلامُ ﴿وَحَاقَ بآل فِرْعَوْنَ﴾ أي بفرعونَ وقومِه وعدمُ التصريحِ بهِ للاستغناءِ بذكرِهم عنْ ذكرِه ضرورةَ أنَّه أولى منُهم بذلكَ وقيل بطَلَبةِ المؤمنِ منْ قومِه لما أنَّه فرَّ إلى جبلٍ فاتبعَهُ طائفةٌ ليأخذوه فوجدوه يصلي والوحوش صفوفٌ حولَهُ فرجعُوا رُعْباً فقتلَهُم ﴿سُوء العذاب﴾ الغرقُ والقتلُ والنَّارُ
﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ جملةٌ مستأنفةٌ مَسوقةٌ لبيانِ كيفيةِ سوءِ العذابِ أو النَّارُ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ كأنَّ قَائِلاً قالَ ما سوءُ العذابِ فقيلَ هُو النَّارُ ويُعرضونَ استئنافٌ للبيانِ أو بدلٌ من سوءِ العذابِ ويُعرضون حالٌ منَها أو من الآلِ ولا يشترطُ في الحَيْقِ أنْ يكونَ الحائقُ ذلكَ السوءَ بعينِه حَتَّى يردَ أنَّ آلَ فرعونَ لم يهمُّوا بتعذيبِه بالنَّارِ ليكونَ ابتلاؤهم بها من قبيلِ رجوعِ ما هَمُّوا بهِ عليهم بلْ يكِفي في ذلكَ أنْ يكونَ مما يطلقُ عليهِ اسمُ السوءِ وقُرِئتْ منصوبةً على الاختصاصِ أو بإضمار فعلٍ يفسرُه يُعرَضونَ مثلُ يُصْلَون فإنَّ عرضَهُم على النَّارِ بإحراقِهم بَها منْ قولِهم عُرضَ الأُسَارى على السيفِ إذا قُتِلُوا بهِ وذلكَ لأرواحِهم
278
غافر ٤٧ ٥٠ كما رَوَىَ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه إن أرواحَهم في أجوافٍ طيرٍ سُودٍ تُعرضُ على النَّارِ بُكرةً وعشياً إلى يومِ القيامةِ وذكرُ الوقتينِ إمَّا للتخصيصِ وإمَّا فيما بينهُمَا فالله تعالَى أعلمُ بحالِهم واما للتأييد هذا ما دامتِ الدُّنيا ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة﴾ يقالُ للملائكة ﴿أدخلوا آلَ فرعونَ أشدَّ العذابِ﴾ أي عذابَ جهنَم فإنَّه أشدُّ ممَّا كانُوا فيه أو أشدّ عذابِ جهنَم فإنَّ عذابَها ألوانٌ بعضُها أشدُّ من بعضٍ وقُرىءَ ادخُلُوا من الدخولِ أي يُقالُ لهم ادخُلُوا يا آلَ فرعونَ أشدَّ العذابِ
279
﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النار﴾ أي واذكُر لقومِكَ وقتَ تخاصُمِهم فيَها ﴿فَيَقُولُ الضعفاء﴾ منهم ﴿لِلَّذِينَ استكبروا﴾ وهُم رؤساؤُهم ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تبعا﴾ اتباعا كحدم في جمعِ خَادِمٍ أو ذَوِي تبعٍ أي أتْباعٍ على إضمار المضافِ أو تَبَعاً على الوصفِ بالمصدرِ مبالغةً ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مّنَ النار﴾ بالدفعِ أو بالحملِ ونصيباً منصوبٌ بمضمرٍ يدلُّ عليه مغنونَ أي دافعونَ عنَّا نصيباً الخ أو بمغنونَ على تضمينِه مَعْنى الحملِ أي مغنونَ عنَّا حاملينَ نصيباً الخ أو نصبٌ على المصدريةِ كشيئاً في قولِه تعالَى لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا فإنَّه في موقعِ غَناءٍ فكذلكَ نصيباً
﴿قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا﴾ أي نحنُ وانتم فكيف نغني عنكُم ولو قَدرنا لأغنيَنا عن أنفسِنا وقُرِىءَ كُلاًّ على التأكيدِ لاسمِ إنَّ بمعنى كلنا وتنويه عوضٌ عن المضافِ إليهِ ولا مساغَ لجعلِه حالاً من المستكن في الظرف فإنَّه لا يعملُ في الحالِ المتقدمةِ كما يعملُ في الظرفِ المتقدمِ فإنَّك تقولُ كلَّ يومٍ لكَ ثوبٌ ولاَ تقولُ جديداً لك ثوبٌ ﴿إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد﴾ وقضى قضاء متقنا لامرد لهُ ولا معقّبَ لحُكمهِ
﴿وَقَالَ الذين فِى النار﴾ من الضعفاءِ والمستكبرينَ جميعاً لمَّا ضاقتْ حيلُهم وعيّتُ بهم عِللُهم ﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾ أي للقُوَّامِ بتعذيبِ أهلِ النَّارِ ووضعُ جهنمَ موضعَ الضميرِ للتهويلِ والتفظيعِ أو لبيانِ محلِّهم فيَها بأنْ تكونَ جهنمُ أبعدَ دركاتِ النار وفيها اعني الكفرةِ وأطغاهُم أو لكونِ الملائكةِ الموكلينَ بعذابِ أهلِها أقدرَ على الشفاعةِ لمزيدِ قُربهم منَ الله تعالى ﴿ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفّفْ عَنَّا يَوْماً﴾ أي مقدارَ يومٍ أو في يومٍ ما منَ الأيامِ على أنه ظرفٌ لا معيارُ شيئاً ﴿مّنَ العذاب﴾ واقتصارهُم في الاستدعاءِ على ما ذُكرَ من تخفيفِ قدرٍ يسيرٍ من العذابِ في مقدارِ قصيرٍ من الزمانِ دونَ رفعِه رأساً أو تخفيفِ قدرٍ كثيرٍ منْهُ في زمانٍ مديدٍ لأنَّ ذلكَ عندهُم مما ليسَ في حيزِ الإمكانِ ولا يكادُ يدخلُ تحتَ أَمانيِّهم
﴿قالوا﴾ أي الخزنة ﴿أولم تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات﴾
279
أيْ ألم تُنبهوا على هَذا ولم تكُ تأتيكُم رسلُكم في الدُّنيا على الاستمرارِ بالحججِ الواضحةِ الدالةِ على سُوءِ مغبةٍ ما كنتُم عليهِ من الكُفرِ والمَعَاصِي كَما في قولِه تعالى أَلَمْ يأْتِكُم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا أرادُوا بذلكَ إلزامَهُم وتوبيخَهُم على إضاعةِ أوقاتِ الدُّعاءِ وتعطيلِ أسبابِ الإجابةِ ﴿قَالُواْ بلى﴾ أي أتَونا بها فكذَّبناهُم كما نطقَ به قولُه تعالَى بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَىْء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ والفاء في قوله تعالى ﴿قَالُواْ فادعوا﴾ فصحيةٌ كما في قول من قال فَقَدْ جِئْنَا خُراسانا أيْ إذا كان الأمرُ كذلك فادعُوا أنتُم فإنَّ الدعاءَ لمن يفعلُ ذلكَ مما يستحيلُ صدورُه عنَّا وتعليلُ امتناعِهم عنِ الدعاءِ بعدمِ الإذنِ فيه معَ عرائِه عن بيانِ أنَّ سبَبهُ من قبلِهم كَما تُفصحُ عنه الفاءُ رُبَّما يُوهُم أنَّ الإذنَ في حيزِ الإمكانِ وأنَّهم لو أُذنَ لهم فيهِ لفعلُوا ولم يريدُوا بأمرِهم بالدعاءِ إطماعَهُم في الإجابةِ بل إقناطَهم منَها وإظهارَ خيبتهم حسبما صرحوا في قولِهم ﴿وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِى ضلال﴾ أي ضياعٍ وبُطلانٍ وقولُه تعالَى
280
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمنوا﴾ إلخ كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ من جهته تعالى لبيان ان ما صاب الكفرةَ من العذابِ المحِكيِّ من فروعِ حكمٍ كليَ تقتضيِه الحكمةُ وهو أنَّ شأنَنا المستمرَّ أنَّا ننصرُ رسلنَا وأتباعَهُم ﴿فِى الحياة الدنيا﴾ بالحجَّةِ والظفرِ والانتقامِ لهم من الكفرةِ بالاستئصالِ والقتلِ والسَّبي وغيرِ ذلكَ من العقوباتِ ولا يقدحُ في ذلكَ ما قدْ يتفقُ لهم من صورةِ الغلبةِ امتحاناً إذِ العبرةُ إنَّما هيَ بالعواقبِ وغالبِ الأمر ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الاشهاد﴾ أي يومَ القيامةِ عبرَ عنْهُ بذلكَ للإشعارِ بكيفيةِ النُصرةِ وأنَّها تكونُ عندَ جميعِ الأولينَ والآخِرينَ بشهادةِ الأشهادِ للرسلِ بالتبليغِ وعلى الكفرةِ بالتكذيبِ
﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ﴾ بدلٌ من الأولِ وعدمُ نفعِ المعذرةِ لأنَّها باطلةٌ وقُرِىءَ لا تنفعُ بالتاءِ ﴿وَلَهُمُ اللعنة﴾ أيْ البُعدُ عن الرحمةِ ﴿وَلَهُمْ سُوء الدار﴾ أي جهنُم
﴿ولقد آتينا مُوسَى الهدى﴾ ما يُهتدَى بهِ من المعجزاتِ والصحفِ والشرائع ﴿وأورثنا بني إسرائيل الكتاب﴾ وتركنَا عليهم من بعدِه التوراةَ
﴿هُدًى وذكرى﴾ هدايةً وتذكرةً أو هادياً ومذكراً ﴿لاّوْلِى الألباب﴾ لذوِي العقولِ السليمةِ العاملينَ بما في تضاعيفِه
﴿فاصبر﴾ على ما نالكَ من أذيةِ المشركينَ ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ أيْ وعدَه الذي ينطقُ بهِ قولُه تعالَى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون أو وعدَهُ الخاصَّ بكَ أو جميعَ مواعيدِه التي من جُمْلتِها ذلكَ ﴿حَقّ﴾ لا يحتملُ الإخلافَ أصلاً واستشهدْ بحالِ مُوسى وفرعون
280
غافر ٥٦ ٥٨ ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾ تداركاً لما فرَطَ منكَ من تركِ الأَولى في بعضِ الأحايينِ فإنَّه تعالَى كافيكَ في نُصرةِ دينكَ وإظهارِه على الدِّينِ كُلِّه ﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ بالعشى والإبكار﴾ أيْ ودُمْ على التسبيحِ ملتبساً بحمدِه تعالَى وقيلَ صَلِّ لهذينِ الوقتينِ إذْ كانَ الواجبُ بمكةَ ركعتينِ بُكرةً وركعتينِ عشياً وقيلَ صلِّ شُكراً لرِّبكَ بالعشيِّ والإبكارَ وقيلَ هُمَا صلاةُ العصرِ وصلاةُ الفجرِ
281
﴿إِنَّ الذين يجادلون فِى آيات الله﴾ ويجحدونَ بها ﴿بِغَيْرِ سلطان أتاهم﴾ في ذلكَ من جهتِه تعالَى وتقييدُ المجادلةِ بذلكَ مع استحالةِ إتيانِه للإيذانِ بأنَّ التكلَم في أمِر الدِّينِ لا بُدِّ من استنادِه إلى سلطان مبينٍ البتةَ وهذا عامٌ لكلِّ مجادلٍ مُبطلٍ وإنْ نزلَ في مُشركِي مكَة وقوله تعالى ﴿إن فى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ﴾ خبرٌ لإنَّ أيْ ما فِي قلوبِهم إلا تكبرٌ عن الحقِّ وتعظّمٌ عن التفكرِ والتعلمِ أو إلاَّ إرادةُ الرياسةِ والتقدمِ على الإطلاقِ أو إلا إرادةُ أنْ تكونَ النبوةُ لهم دونَك حسداً وبغياً حسبَما قالُوا لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرآنُ على رَجُلٍ مّنَ القريتين عظيم وقالو لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سبقونَا إليهِ ولذلكَ يُجادلون فيها لا أنَّ فيها موقع جدال ما وان لهمُ شيئاً يتوهم أنْ يَصلُحَ مداراً لمُجادلتِهم في الجُملةِ وقولُه تعالى ﴿مَّا هُم ببالغيه﴾ صفةٌ لكِبرٌ قال مجاهدٌ ما هُم ببالغي مقتضَى ذلكَ الكِبرِ وهُو ما أرادُوه من الرياسةِ أو النبوةِ وقيلَ المجادلونَ هم اليهودُ وكانُوا يقولونَ لستَ صاحبنَا المذكورَ في التوراةِ بلْ هُو المسيحُ بنُ داودَ يريدونَ الدجَّالَ يخرُج في آخرِ الزمانِ ويبلغُ سلطانُه البَرَّ والبحرَ وتسيرُ معه الأنهارُ وهُو آيةٌ من آياتِ الله تعالى فيرجعُ إلينا المُلكُ فسمَّى الله تعالَى تمنَّيَهم ذلكَ كبْراً ونَفَى أنْ يبلُغوا مُتمنَّاهُم ﴿فاستعذ بالله﴾ أي فالتجىءْ إليهِ من كيدِ مَنْ يحسدُكَ ويبغِي عليكَ وفيهِ رمزٌ إلى أنَّه من هَمَزاتِ الشياطينِ ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع البصير﴾ لأقوالِكم وأفعالِكم وقولُه تعالى
﴿لخلق السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس﴾ تحقيقٌ للحقِّ وتبيينٌ لأشهرِ ما يُجادلونَ فيهِ من أمرِ البعثِ على منهاج قوله تعالى أَوَ لَيْسَ الذى خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ لقصُورِهم في النظرِ والتأملِ لفرطِ غفلتِهم واتباعِهم لأهوائِهم
﴿وما يستوى الاعمى والبصير﴾ أي الغافلُ والمستبصرُ ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات وَلاَ المسيء﴾ أي والمحسن والسيء فلا بد أن تكون لهم حالٌ أُخرى يظهرُ فيها ما بينَ الفريقينِ من التفاوتِ وهيَ فيما بعدَ البعثِ وزيادةُ لا في المسيءِ لتأكيدِ النفي لطولِ الكلامِ بالصلةِ ولأنَّ المقصودَ نفي مساواتِه للمحسنِ فيَما له من الفضلِ والكرامةِ والعاطفُ الثاني عطفُ الموصولِ بما عُطفَ عليهِ على الأعمى والبصيرُ لتغايرِ الوصفينِ في المقصودِ أو الدلالةِ بالصراحةِ والتمثيلِ ﴿قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ على الخطابِ بطريق الالتفات
281
غافر ٥٩ ٦٤ أي تذكراً قليلاً تتذكرون وقُرِىءَ على الغَيبةِ والضميرُ للناسِ أو الكفَّارِ
282
﴿إِنَّ الساعة لاَتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾ أي في مجيئِها لوضوحِ شواهدِها وإجماعِ الرسلِ على الوعدِ بوقوعِها ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لا يُصدقونَ بها لقصورِ أنظارِهم على ظواهرِ ما يُحسُّون به
﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى﴾ أي اعبدونِي ﴿أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أي انبكم لقولِه تعالى ﴿إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين﴾ أيْ صاغرينَ أذلاّء وإنْ فُسِّرِ الدعاءُ بالسؤالِ كانَ الأمرُ الصارفُ عنه منزّلاً منزلةَ الاستكبارِ عن العبادةِ للمبالغةِ أو المرادُ بالعبادةِ الدعاءُ فإنَّه من أفضلِ أبوابِها وقُرِىءَ سيُدخلُونَ على صيغةِ المبنيِّ للمفعولِ من الإدخالِ
﴿الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الليلَ لتسكنوا فيه﴾ بأن خلقه بارداً مُظلماً ليُؤدِّيَ إلى ضعف الحركات وهُدءِ الحواسِّ لتستريحُوا فيهِ وتقدم الجار والمجرور على المفعول قد مر سره مرارا ﴿والنهار مُبْصِراً﴾ أي مُبصَراً فيهِ أو بهِ ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ﴾ عظيمٍ لا يُوازيِه ولا يدانيِه فضلٌ ﴿عَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ لجهلِهم بالمُنعمِ وإغفالِهم مواضعَ النعمِ وتكريرُ النَّاسِ لتخصيصِ الكفرانِ بهم
﴿ذلكم﴾ المتفردُ بالأفعالِ المقتضيةِ للألوهيةِ والربوبيةِ ﴿الله رَبُّكُمْ خالق كُلّ شَىْء لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أخبارٌ مترادفةٌ تخصصُ اللاحقةُ منها السابقةَ وتُقررها وقُرِىءَ خالقَ بالنصبِ على الاختصاصِ فيكونُ لا إله إلا هو استئناف بما هُو كالنتيجة للأوصاف المذكورةِ ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ فكيفَ ومن أيِّ وجهٍ تُصرفونَ عن عبادتِه خاصَّةً إلى عبادةِ غيرِه
﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بآيات الله يَجْحَدُونَ﴾ أي مثلَ ذلكَ الإفكِ العجيبِ الذي لا وجَه لهُ ولا مصححَ أصلاً يؤفكُ كلُّ من جحدَ بآياتِه تعالَى أيَّ آية كانتْ لا إفكاً آخرَ له وجهٌ ومصحِّحٌ في الجملة
﴿الله الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً والسماء بِنَاء﴾ بيانٌ لفضلِه تعالى المتعلقِ بالمكانِ بعد بيانِ فضلِه المتعلقِ بالزمانِ وقولُه تعالَى ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ بيانٌ لفضلِه المتعلقِ بأنفسِهم والفاءُ في فأحسن تفسيرية
282
غافر ٦٥ ٦٨ فإنَّ الإحسانَ عينُ التصويرِ أي صوَّركُم أحسنَ تصويرٍ حيث خلقكم منتصب القامةِ باديَ البَشَرةِ متناسبَ الاعضاء والتخططات متهيئاً لمزاولةِ الصنائعِ واكتسابِ الكمالاتِ ﴿وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات﴾ أي اللذائذِ ﴿ذلكم﴾ الذي بغت بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلة ﴿الله ربكم﴾ خبر ان لذلكُم ﴿فَتَبَارَكَ الله﴾ أي تعالَى بذاتِه ﴿رَبّ العالمين﴾ أي مالكُهم ومربيِهم والكلُّ تحتَ ملكوتِه مفتقرٌ إليه في ذاتِه ووجودِه وسائرِ أحوالِه جميعاً بحيثُ لو انقطعَ فيضُه عَنه آناً لانعدمَ بالكليةِ
283
﴿هُوَ الحى﴾ المتفردُ بالحياةِ الذاتية الحقيقية ﴿لا إله إلا هو﴾ إذْ لاَ موجودَ يدانيهِ في ذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ﴿فادعوه﴾ فاعبدُوه خاصَّةً لاختصاصِ ما يُوجبه به تعالَى ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي الطاعةَ من الشركِ الجليِّ والخفيِّ ﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ أيْ قائلينَ ذلكَ عن ابن عباس رضي الله عنُهمَا مَنْ قالَ لاَ إله إلا الله فليقُلْ علَى أثرِها الحُمد للَّهِ رَبّ العالمينَ
﴿قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى﴾ من الحججِ والآياتِ أو من الآياتِ لكونِها مؤيدةً لأدلةِ العقلِ منبهةً عليها فإنَّ الآياتِ التنزيليةَ مفسراتٌ للآياتِ التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفُسية ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين﴾ أيْ بأنْ أنقادَ لهُ وأخلصَ له دِيني
﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ﴾ أيْ في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مراراً ﴿ثُمَّ مِن نطفة﴾ أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي منيَ ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي أطفالاً والإفراد لإرادة الجنسِ أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ﴾ علةٌ ليخرجَكم معطوفةٌ على علةٍ أخرى له مناسبة لها كأنه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلاً لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى ﴿ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً﴾ ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا وقُرِىءَ شيخاً كقولِه تعالَى طِفْلاً ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ﴾ أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضاً ﴿وَلِتَبْلُغُواْ﴾ متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا ﴿أَجَلاً مُّسَمًّى﴾ هُو وقتُ الموتِ أو يومَ القيامةِ بفعل ذلكَ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر
﴿هو الذي يحيي﴾ الأمواتَ ﴿وَيُمِيتُ﴾ الأحياءَ أو الذي يفعل الاحياء والامانة ﴿فَإِذَا قضى أَمْرًا﴾ أي أرادَ أمراً من الأمورِ ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلاً وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قدرته في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ
283
غافر ٦٩ ٧٣ ترتبِ المكوناتِ على تكوينِه من غير أن يكون هناكَ أمرٌ ومأمورٌ والفاءُ الأُولَى للدِلالةِ على أنَّ ما بعدَها من نتائج ما قبلها من اختصاصِ الاحياء والامانة به سبحانَه
284
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون في آيات الله أنى يُصْرَفُونَ﴾ تعجيبٌ من أحوالِهم الشنيعةِ وآرائِهم الركيكةِ وتمهيدٌ لما يعقُبه من بيانِ تكذيبِهم بكلِّ القُرآنِ وبسائرِ الكتبِ والشرائعِ وترتيبُ الوعيدِ على ذلكَ كما أن ما سبقَ من قولِه تعالى إِن الذين يجادلون في آيات الله الخ بيان لابتناء جدالِهم على مَبْنى فاسدٍ لا يكادُ يدخُل تحتَ الوجودِ هُو الأمنيَّةُ الفارغةُ فلا تكريَر فيهِ أي انظُرْ إلى هؤلاءِ المكابرينَ المُجادلينَ في آياتِه تعالَى الواضحةِ الموجبةِ للإيمانِ بها الزاجرةِ عن الجدالِ فيها كيفَ يُصرفونَ عنها معَ تعاضدِ الدَّواعِي إلى الإقبالِ عليها وانتفاءِ الصوارفِ عنها بالكُلِّيةِ وقولُه تعالَى
﴿الذين كَذَّبُواْ بالكتاب﴾ أيْ بكُلِّ القُرآنِ أو بجنسِ الكُتبِ السماويةِ فإنَّ تكذيبَهُ تكذيبٌ لهَا في محلِّ الجرِّ على أنَّه بدلٌ من الموصولِ الأولِ أو في حيزِ النصبِ أو الرفعِ على الذمِّ وإنما وُصلَ الموصولُ الثَّانِي بالتكذيبِ دُونَ المُجادلةِ لأنَّ المعتادَ وقوعَ المُجادلةِ في بعض الموادِ لا في الكُلِّ وصيغة الماضي الدلالة على التحقق كما أن صيغةِ المضارعِ في الصلةِ الأُولى للدلالةِ على تجددِ المجادلةِ وتكررِها ﴿وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾ من سائرِ الكتبِ أو مطلقِ الوَحي والشرائعِ ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ كُنْهَ ما فعلُوا من الجدالِ والتكذيبِ عند مشاهدتِهم لعقوباتِه
﴿إِذِ الأغلال فِى أعناقهم﴾ ظرفٌ ليعلمونَ إِذ المَعْنى على الاستقبالِ ولفظُ الماضِي لتيقته ﴿والسلاسل﴾ عطفٌ على الأغلالِ والجارُّ في نيةِ التأخيرِ وقيل مبتدأ حُذف خبرُه لدلالةِ خبر الأول عليه وقيل قوله تعالى ﴿يُسْحَبُونَ﴾ بحذفِ العائدِ أي يُسحبونَ بَها وهُو على الأولَينِ حال من المستكن في الظرفِ وقيل استئنافٌ وقعَ جوابا عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالهم كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ حالُهم بعدَ ذلكَ فقيلَ يُسحبونَ
﴿فِى الحميم﴾ وقُرِىءَ والسلاسلَ يَسحبون بالنَّصبِ وَفتحِ الياءِ عَلَى تقديمِ المفعولِ وعطفِ الفعليةِ على الاسميةِ والسَّلاسلِ بالجرِّ حملاً على المَعْنى لأنَّ قولَه تعالى الأغلال فِى أعناقهم في مَعْنى أعناقُهم في الأغلالِ أو إضماراً للباءِ ويدلُّ عليه القراءةُ بهِ ﴿ثُمَّ فِى النار يُسْجَرُونَ﴾ أي يُحرقونَ مِنْ سجرَ التنورَ إذا ملأَهُ بالوقودِ ومنُه السَّجيرُ للصديقِ كأنَّه سُجِّر بالحبِّ أي مُلىءَ والمرادُ بيانُ أنَّهم يُعذبونَ بأنواعِ العذابِ ويُنقلونَ من بابِ إلى بابٍ
﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تشركون﴾
284
غافر
285
٧٤ - ٧٨ ﴿مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي يقالُ لَهمُ ويقولونَ وصيغةُ المَاضِي للدلالةِ على التحقق ومَعْنى ضلُّوا عنَّا غابُوا عنَّا وذلكَ قبلَ أنْ يقرن بهم آلهتهم اوضاعوا عنَّا فلم نجدْ ما كُنَّا نتوقعُ منُهم ﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً﴾ أي بَلْ تبينَ لنَا أنَّا لم نكُنْ نعبدُ شيئاً بعبادتِهم لما ظهرَ لنا اليومَ أنَّهم لم يكونُوا شيئاً يعتدُّ بهِ كقولِك حسبتُه شيئا فلم يكُنْ ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلكَ الضلالِ الفظيعِ ﴿يضل الله الكافرين﴾ حيت لا يهتدونَ إلى شيءٍ ينفُعهم في الآخرةِ أو كما ضلَّ عنُهم آلهتُهم يُضلّهم عن آلهتِهم حتَّى لو تطالبُوا لم يتصادفُوا
﴿ذلكم﴾ الإضلالُ ﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرض﴾ أي تبطَرون وتتكبرون ﴿بِغَيْرِ الحق﴾ وهُو الشركُ والطغيانُ ﴿وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تتوسعونَ في البطر والأشَر والالتفاتُ للمبالغة في التوبيخِ
﴿ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ﴾ أي أبوابَها السبعةَ المقسومةَ لكُم ﴿خالدين فِيهَا﴾ مقدراً خلودُكم فيها ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ أي عن الحقِّ جهنمُ والتعبيرُ عن مدخلِهم بالمَثْوى لكونِ دخولِهم بطريقِ الخلودِ
﴿فاصبر﴾ إلى أنْ يُلاقُوا ما أعد لهم من العذابِ ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ بتعذيبِهم ﴿حَقّ﴾ كائنٌ لا محالَة ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ أي فإنْ نُرِكَ ومَا مزيدةٌ لتأكيدِ الشرطيةِ ولذلكَ لحقتِ النونُ الفعلَ ولا تلحقُه مع إنْ وحدَها ﴿بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ﴾ وهو القتلُ والأسرُ ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبلَ ذلكَ ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ يومَ القيامةِ فنجازِيهم بأعمالِهم وهُو جوابُ نتوفينكَ وجوابُ نرينك محذوفٌ مثلُ فذاكَ ويجوزُ ان يكون جوابا لها بَمعْنى إنْ نُعذبهم في حياتِك أو لم نُعذبْهم فإنَّا نعذبهم في الآخرةِ أشدَّ العذابِ وأفظَعه كما ينبىءُ عنْهُ الاقتصارُ على ذكِر الرجوعِ في هذا المعرضِ
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ إذْ قيلَ عددُ الأنبياءِ عليهم السَّلام مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً والمذكورُ قصصُهم أفرادٌ معدودةٌ وقيلَ أربعةُ آلافً من بني اسرائيل واربعة آلالف من سائرٍ النَّاسِ ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ﴾ أي وما صحَّ وما استقامَ لرسولٍ منهم ﴿أن يأتي بآية إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ فإنَّ المعجزاتِ على تشعب فنونِها عطايَا من الله تعالَى قسمها بينُهم حسبَما اقتضتْهُ مشيئته المبنية على الحكم البالغةِ كسائرِ القَسْمِ ليسَ لهم اختار في إيثارِ بعضِها والاستبدادِ بإتيان المقترح منها
285
غافر ٧٩ ٨٢ ﴿فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله﴾ بالعذابِ في الدُّنيا والآخرةِ ﴿قُضِىَ بالحق﴾ بإنجاءِ المُحقِّ وإثابتِه وإهلاكِ المُبطلِ وتعذيبِه ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ﴾ أي وقتَ مجيءِ أمرِ الله اسمُ مكانٍ استعيرَ للزمانِ ﴿المبطلون﴾ أي المتمسكونَ بالباطلِ على الإطلاقِ فيدخلُ فيهم المعاندونَ المقترحونَ دخولاً أولياً
286
﴿الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأنعام﴾ قيلَ هيَ الإبلُ خَاصَّةً أي خلقَها لأجلِكُم ومصلحتِكم وقولُه تعالى ﴿لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ تفصيلٌ لما دلَّ عليهِ اللامُ إجمالاً ومِنْ لابتداءِ الغايةِ ومعناهَا ابتداءٌ الركوبِ والأكلِ منَها أي تعلقهُما بَها وقيل للتبعيضِ أي لتركبُوا بعضَها وتأكلُوا بعضَها لا على أَنَّ كلاَّ من الركوبِ والأكلِ مختصٌّ ببعضٍ معينٍ منها بحيثُ لا يجوزُ تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بل على أن كلَّ بعضٍ منَها صالحٌ لكلَ منهما وتغييرُ النظمِ الكريمِ في الجُملةِ الثانيةِ لمُراعاةِ الفواصلِ معَ الإشعارِ بأصالِة الركوبِ
﴿وَلَكُمْ فيِهَا منافع﴾ أُخرُ غيرُ الركوبِ والأكلِ كألبانِها وأوبارِها وجلودِها ﴿وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ﴾ بحملِ أثقالِكم من بلدٍ إلى بلدٍ ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ﴾ لعلَّ المرادَ به حملُ النساءِ والولدانِ عليها بالهودجِ وهو السرُّ في فصلِه عن الركوبِ والجمعُ بينها وبين الفلك في الحملِ لِمَا بينَهمَا من المناسبةِ التامَّةِ حتى سُميتْ سفائنَ البرِّ وقيلَ هي الأزواجُ الثمانيةُ فمعنى الركوبِ والأكلِ منها تعلقُهمَا بالكلِّ لكن لا على أن كلا منهما يجوز تعلقه بكل منها ولا على أن كلا منهما مختصٌّ ببعضٍ معينٍ منها بحيثُ لا يجوزُ تعلقُه بما تعلقَ به الآخرُ بل على أنَّ بعضَها يتعلق به الاكل فقط كالغنم وبعضها يتعلقُ به كلاهُما كالإبلِ والبقرِ والمنافعُ تعمُّ الكلَّ وبلوغُ الحاجةِ عليها يعمُّ البقر
﴿ويريكم آياته﴾ دلائلَه الدالةَ على كمالِ قدرتِه ووفورِ رحمتِه ﴿فَأَىَّ آيات الله﴾ أي فأيَّ آيةٍ من تلكَ الآياتِ الباهرةِ ﴿تُنكِرُونَ﴾ فإنَّ كلاً منها منَ الظهورِ بحيثُ لا يكادُ يجترىءُ على إنكارِها من له عقلٌ في الجملةِ وهو ناصبٌ لأيَّ وإضافةُ الآياتِ إلى الاسمِ الجليلِ لتربيةِ المهابةِ وتهويلِ إنكارِها وتذكير أيْ هُو الشائعُ المستفيضُ والتأنيثُ قليلٌ لأنَّ التفرقةَ بين المذكِر والمؤنثِ في الأسماءِ غيرُ الصفاتِ نحوُ حمارٌ وحمارةٌ غريبٌ وهيَ في أيَ أغربُ لإبهامِه
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ﴾ أي أقعدُوا فلم يَسِيرُواْ ﴿فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِم﴾ من الأمم المهلكة وقوله تعالى ﴿كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ الخ استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ مبادِي أحوالِهم وعواقِبها ﴿وآثارا فِى الأرض﴾ باقيةً بعدَهُم من الأبنيةِ والقصورِ والمصانعِ وقيل هي آثارُ أقدامِهم في الأرضِ لعظمِ أجرامِهم ﴿فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾
286
مَا الأُولى نافيةٌ أو استفهاميةٌ منصوبةٌ بأَغْنَى والثانيةُ موصولةٌ أو مصدريةٌ مرفوعةٌ أي لم يغن عنهم أو أيَّ شيءٍ أغنَى عنهُم مكسوبُهم أو كسبُهم
287
﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ بالمعجزاتِ أو بالآياتِ الواضحةِ ﴿فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم﴾ أي أظهرُوا الفرحَ بذلك وهو مالهم من العقائدِ الزائغةِ والشُّبهِ الداحضة وتسميتُها علماً للتهكمِ بهم أو علُم الطبائعِ والتنجيمِ والصنائعِ ونحوِ ذلك أو هو علمُ الأنبياءِ الذي أظهرَهُ رسلُهم على أنَّ مَعْنى فرحِهم بهِ ضحِكُهم منْهُ واستهزاؤُهم بهِ ويؤيدُه قولُه تعالى ﴿وَحَاقَ بِهِم مَا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون﴾ وقيلَ الفرحَ أيضاً للرسلِ فإنَّهم لمَّا شاهدُوا تماديَ جهلِهم وسوءَ عاقبتِهم فِرحُوا بمَا أُوتوا منَ العلمِ المُؤدِّي إلى حُسنِ العاقبةِ وشكرُوا الله عليهِ وحاقَ بالكافرينَ جزاءُ جهلِهم واستهزائِهم
﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ شدةَ عذابِنا ومنْهُ قولُه تعالى بعذاب بئيس ﴿قالوا آمنا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ يعنونَ الأصنامَ
﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ أي عندَ رؤيةِ عذابِنا لامتناعِ قَبولِه حينئذٍ ولذلكَ قيلَ فلم يك بمعنى لَم يصحَّ ولم يستقمْ والفاء الاولى بيان عاقبةِ كثرتِهم وشدةِ قوتِهم وما كانُوا يكسبونَ بذلكَ زعما منهم ان يُغنِي عنُهم فلم يترتبْ عليهِ إلا عدمُ الإغناءِ فبهذا الاعتبارِ جرى مَجرى النتيجةِ وإنْ كانَ عكسَ الغرضِ ونقيضَ المطلوبِ كَما في قولك وعظتُه فلم يتعظْ والثانيةُ تفسيرٌ وتفصيلٌ لما أُبهمَ وأُجملَ من عدمِ الإغناءِ وقد كثُر في الكلامِ مثلُ هذه الفاء ومبناها على التفسيرَ بعدَ الإبهامِ والتفصيلِ بعد الإجمالِ والثالثةُ لمجردِ التعقيبِ وجعلِ ما بعدَها تابعاً لما قبلَها واقعاً عقيبه لأنَّ مضمونَ قولِه تعالَى فلمَّا جاءتْهُم الخ هُو أنَّهم كفُروا فصارَ مجموعُ الكلامِ بمنزلةِ أنْ يقالَ فكفرُوا ثمَّ لما رَأَوا بأسَنا آمنُوا والرابعةُ للعطفِ على آمنُوا كأنَّه قيلَ فآمنُوا فلم ينفعْهُم لأنَّ النافعَ هُو الإيمانُ الاختياريُّ ﴿سُنَّةَ الله التى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ﴾ أي سَنَّ الله تعالَى ذلكَ سُنَّةً ماضيةً في العباد وهو من المصادر المؤكدةِ ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون﴾ أي وقتَ رؤيتِهم البأسَ على أنه اسم مكان قد استُعيرَ للزمانِ كما سلفَ آنِفاً عن رسولِ الله صلى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ المؤمنِ لم يبقَ روحُ نبيَ ولا صدِّيقٍ ولا شهيدٍ ولا مؤمنٍ إلا صلَّى عليه واستغفر له
287
سورة

فصلت آية (١ ٥)


} ٥
سورة فصلت مكية وآياتها أربع وخمسون آية
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيم﴾
2
Icon