ﰡ
يا أيها الذين آمنوا لا تعجَلوا بأي أمر قبل ان يقضيَ الله ورسوله لكم فيه، فلا تقترحوا على الله ورسوله أي شيء قبل ان يقول الله ورسوله فيه، واتقوا الله وراقِبوه خَشيةَ ان تقولوا ما لم يأذن لكم الله ورسوله به. ان الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون.
في هذه الآية الكريمة وما يليها تأديبٌ للصحابة وتعليم وتهذيب، فقد طلَب الله اليهم ان ينقادوا لأوامر الله ونواهيه، ولا يعجَلوا بقولٍ أو فعل قبل الرسول الكريم.
ثم أدّبهم في الآية الثانية في الحديث والخطاب مع رسول الله، وأ، يوقّروه، فلا يرفعوا أصواتَهم فوق صوت النبي إذا تكلم، بل يخفَضوها ولا يتكلّموا معه كما يتكلم بعضهم مع بعض. وأن يتأدبوا في مجاطبته فلا تقولوا: يا محمد، بل قولوا: يا نبيّ الله، او يا رسول الله، وبكل إجلال وتعظيم، حتى لا تبطُل أعمالكم وانتم لا تشعرون.
ثم نوه الله تعالى بتقواهم، وغضّهم أصواتَهم عند رسول الله ﷺ في تعبير لطيف فقال:
﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
هنا يرغّبهم الله ويتلطف بهم بعد ذلك التحذير المخيف، ويقول: ان الذين يخفضون اصواتهم ف يمجلس رسول الله، إجلالاً له، اولئك قد طهّر الله قلوبهم ونقّاها وأخلصَها للتقوى، فلهم مغفرةٌ لذنوبهم، واجر عظيم لتأدّبهم وغضّ اصواتهم وتقواهم.
﴿إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
كان الأعراب (وهم قريبو عهد بالجاهلية) اكثرهم جُفَاة يأتون الى المدينة فيجتمعون عند حجُرات ازواج رسول الله، وينادونه بأصواتهم المزعجة: يا محمد، اخرج الينا. وكان هذا في العام التاسع من الهجرة وهو عام «الوفود» لدخول الناس في دين الله افواجا. فكان ذلك يؤذي النبيَّ الكريم ﷺ.
فأدّبهم الله بهذا القرآن الكريم، ووصفهم بأن أكثرهم لا يعقِلون، ثم بين لهم ان النداء بهذا الجفاء منافٍ للأدب والتوقيرِ اللائق بشخص النبي الكريم، وعلّمهم أن الأفضلَ لهم ان يصبروا وينتظروا حتى يخرجَ إليهم، ثم أتبع ذلك قوله تعالى: ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
هذه السورة كما مرّ في المقدمة من أواخر السور نزولا، وفيها على قِصَرها قواعدُ وتعاليم للمؤمنين، وترسيخٌ لايمانهم، وتأديبٌ لهم ليتهيأوا لقيادة العالم.
وقد أُدخلت هذه الحجرات في عهدِ الوليدِ بن عبد الملك بأمرِه في مسجد رسول الله ﷺ فبكى الناس لذلك.
قراءات:
قرأ يعقوب: لا تقدموا بفتح التاء والدال، والباقون: لا تُقْجموا بضم التاء وكسر الدال المشدَّدة.
تقرر هذه الآية الكريمة مبدأً عظيماً للمؤمنين: كيف يتلقَّون الأنباء وكيف يتصرفون بها، وأن عليهم ان يتثبَّتوا من مصدرها. وقد خُصَّ الفاسقُ لأنه مظنّةُ الكذب، اما اذا كان مصدر الخبر من المأمون في دينه وخلقه فإنه يؤخذ بأخباره، ولا يجوز ان يُشك فيه، والا تعطّلت المصالح، وتزعزعت الثقة بين المؤمنين، وتعطل سير الحياة وتنظيمها في الجماعة. والاسلام يدعُ الحياة تسير في مجراها الطبيعي، ويضع الضماناتِ والحواجز فقط لصيانتها لا لتعطيلها. وقد روي في سبب نزول هذه الآيات روايات قَبِلها كثير من المفسرين وضعّفها بعضهم، ومنهم الرازي. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا، من التثبت والتريث في الأمور، وقرأ الباقون: فتبينوا، من التبين والتريث، والفعلان قريبان من بعض.
بعد ان حذّرهم الله تعالى من التعجّل في الأمور، ووضّح كيف يتلقون الأخبار ويتصرفون بها، يّن لهم هنا أمراً عظيماً جدا، ونعمة كبيرةً ورحمة لهم، تعيش بينهم ليدركوا قيمتها وينعموا بوجودها فقال: ﴿واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله﴾ فاقدُروه حقَّ قدره، واصدُقوه، فإنه لو يطيعكم في كثير من الامور، لوقعتم في المشقة والهلاك.
﴿ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان﴾.
وفي هذا توجيه من الله تعالى إلى نعمة الايمان الذي هداهم اليه، وكشف لهم عن جماله، وجعلهم يكرهون الكفرَ والفسوق والعصيان.. وكلّ هذا من رحمته الواسعة. ثم بين ان من يتصف بهذه الصفات الحسنة ويتجنب الصفاتِ السيئة لهو من اهل الرشاد السالكين الطريقَ السوي.
﴿فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
وكل هذا العطاء الذي منحه لكم ربّكم انما لكم تفضُّل منه عليكم وإنعام كبير من لدنه.
في هاتين الآيتين تشريعٌ عملي عظيم لصيانة المجتمع الاسلامي، وحمايته من الخصام والتفكك والتمزق. فبعدّ ان حذّر الله تعالى من النبأ الصادر عن الفاسق، وحثّ على التوثق من مصادر الأخبار، وعدم العَجلةِ والاندفاع وراء الحَمِيّة والحماسة الطائشة قال: إن حصل أن اقتتلتْ طائفتان من المؤمنين فإن على المؤمنين ان يقوموا بالاصلاح بينهما. فان تعدت احدى الطائفتين على الاخرى ولم تقبل الصلح، فعليهم ان يقاتلوا تلك التي تتعدى حتى ترجع الى حكم الله. فان قبلت الصلح ورجعت الى حكم الله، فأصلِحوا ايها المؤمنون بينهما بالعدل والانصاف حتى لا يتجدد القتال مرة اخرى.
ثم امرنا الله تعالى بالعدل في كل الأمور فقال:
﴿وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾
واعدِلوا ايها المؤمنون بين الناس جميعا في كل الأمور، ان الله يحب العادلين في جميع اعمالهم.
انما المؤمنون بالله ورسوله إخوةٌ جَمَعَ الايمانُ بين قلوبهم ووحّدهم. وفي الحديث الصحيح: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسْلمه، ولا يَعيبُه، ولا يخذُله» فأصلحوا بين اخويكم رعايةً لأخوة الايمان، ﴿واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه حتى يرحمكم، لتكونوا إخوة على الحب والسلام والتعاون والوحدة في مجتمعكم، وبذلك تكونون أقوياء أعزاء تحت راية الاسلام.
قراءات:
قرأ يعقوب: فاصلحوا بين اخوتكم، بالجمع. والباقون: بين أخَويكم بالتثنية.
فان قاتلَ جماعة المؤمنين الفئةَ التي لم تقبل الصلح، فإنه لا يجوز ان يُجهز على جريح، ولا يقتل اسير، ولا يجوز ان يُتعقّب من هرب وترك المعركة، ولا تؤخذ اموال البغاة غنيمة، لأن الغرضَ من قتالهم ردُّهم الى صفّ المؤمنين، وضمُّهم إلى لواء الأخوّة الاسلامية.
يريد الله تعالى ان يكون المجتمع الاسلامي مجتمعاً فاضلا، فأدّبنا بهذا الأدب الرفيع، فلكل انسان كرامتُه، وهي من كرامة الجميع، فإذا حصل ضرر لأي فرد فانه ضرر للناس كلهم. لذلك ينهى الله تعالى ان يسخَرَ رجالٌ من رجال آخرين لعلّهم خير منهم عند الله، او نساء من نساءٍ لعلّهن خير منهن عند الله.
﴿وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ﴾
لا يعب بعضُكم بعضا بقول او إشارة على وجه الخفية، فانكم أيها المؤمنون كالجسدِ الواحد ان اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وهذا حديث صحيح رواه مسلم.
﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب﴾
ولا يدعو بعضكم بعضاً بالألقاب المستكرَهة، ولا تدعوا احدا بما لا يحبّ من الألقاب القبيحة.
اما الألقاب اللطيفة التي تدل على معانٍ حسنة فلا مانع من استعمالها كما قيل لأبي بكر عتيق، ولعمر بن الخطاب: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين الخ..
﴿بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان﴾
بئس الاسم ان تُسمَّوا فاسقين بعد ان تكونوا مؤمنين. ومن لم يتبْ ويرجع عما نهى الله عنه فأولئك هم الظالمون الذين ظلموا أنفسَهم وغيرهم بعصيانهم أوامر الله.
في هذه الآية الكريمة أدبٌ رفيع للمؤمنين حتى يعيشوا في مجتمع فاضل، تكون فيه حرياتُهم مكفولة، وحقوقهم محفوظة، فلا يؤخذون بالظن، ولا يحاكَمون بريبة، فالانسان بريء حتى يثبت عليه الجرم.
روى الطبراني عن حارثة بن النعمان ان النبي ﷺ قال: «اذا ظننتَ فلا تحقّق» وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ انه قال: «لا تظننّ بكلمة خرجتْ من أخيك إلا خيرا، وانتَ تجدُ لها في الخير محملا».
يا ايها الذين آمنوا: ابتعِدوا عن كثير من ظنّ السوء بالناس، إن بعض الظن إثمٌ يستوجب العقوبة. وهذا تهذيبٌ رفيع لنا يرفع من مستوى مجتمعنا، ويديم الوئامَ والمودة بيننا، ويزيد توثيقَ رباط المجتمع الاسلامي الفاضل قُوةً ومنعة.
﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ﴾
وهذا أمر ثانٍ من أوامر الله العليا يُبعدنا فيه عن الاعمال الدنيئة، لتطهير قلوبنا ونظافة اخلاقنا، حتى يكفُلَ حرياتِ الناس وحرماتِهم وكرامتهم، التي لا يجوز ان تُنتهَك ولا تمسّ بحال من الاحوال. فما دام الانسان في بيته قد ستر نفسه عن الناس فلا يجوز لنا ان نتتبّع عوراتِه، ولا البحث عن سرائره، لأن الاسلام يريد ان يعيش الناس آمنين على أنفسهم مطمئنين في بيوتهم، ولنا الظواهُر، ولا يجوز لنا أن ن تعقب بواطن الناس وما أخفوه.
قال عبد الرحمن بن عوف: حرستُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالمدينة، إذ تبين لنا سراجٌ في بيتٍ بابه مغلقٌ على قوم لهم اصوات مرتفعة ولَغَط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن يشربون، فما ترى؟ قلت: أرى أنّا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ﴾ وقد تجسّسنا. فانصرفَ عمر وتركهم.
وفي الحجيث الصحيح: «من ستر عورةً فكأنما استحيا موْؤدة من قبرِها» رواه ابو داود والنسائي.
وفي الحديث ايضا عن سفيان الثوري عن معاوية بن ابي سفيان: قال سمعت النبي ﷺ يقول: «انك إن اتبعت عوراتِ الناس أفسدتَهم أو كِدتَ تفسدهم» رواه ابو داود.
﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾
ولا يذكرْ بعضكم بعضا بما يكره في غيبته ولو بإشارة او نحو ذلك، لما في ذلك من اذى للناس. والمراد بما يكره: ما يكرهه في دينه او دنياه او خلُقه او خلْقه او ماله او ولده او زوجته وفي كل ما يؤذيه.
قال الحسن البصري: الغيبة ثلاثة اوجهٍ كلّها في كتاب الله: الغيبة، والافك والبهتان.
ولبشاعة الغيبة، وكراهتها يعبّر عنها الله تعالى بهذا التعبير العجيب للتنفير منها والبعد عن إيذاء الناس فيقول:
﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾
تصوروا هذا التمثيلَ الفظيع الذي تتأذى منه النفوس. وقد وردتْ أحاديثُ كثيرة عن النبي ﷺ تنفر المسلمين من الغيبة، ليرفع الله من نفوسهم ويطهرها، ويبني مجتمعا طاهرا مثاليا.
واستثنى العلماء من تحريم الغيبة، الملحدَ في الدين، والحاكمَ الجائر، والفاسقَ المجاهِر بالفسق، وتجريحَ الشاهد عند القاضي، والمتظلّمَ في أمر هام، وراوي حديث الرسول الكريم، ﴿لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: ١٤٨].
ثم بعد ذلك يأتي تعبير لطيف ﴿واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ بابُه دائماً مفتوح للتوبة، وهو مع كل ما يأتيه الناس من مخالفات ومعاصي رحيم يقبل التوبة فلا تقنطوا من رحمة الله.
قراءات:
قرأ يعقوب: ميتا بتشديد الياء. والباقون: ميتا باسكان الياء.
بعد ان أدّب الله تعالى المؤمنين بالآداب الرفيعة بيّن هنا ان الناسَ جميعاً من أبٍ واحد وأمٍ واحدة، فكيف يسخَر الأخ من اخيه او يغتابه او يظلمه!؟ وبين للناس ان القرآن يدعو الى أمةٍ انسانية واحدة، وعالمٍ واحدٍ يسوده العدل والمحبة، واعلن هنا حقوقَ الانسان بصرف النظرِ عن لونه وجنسه، فالناس إخوة في النسَب، كرامتُهم محفوظة، والانسان مخلوق الله المختار، وهو خليفته في الارض.
يا أيها الناس: إنّا خلقناكم متساوين من اصلٍ واحد هو آدم وحواء، وجعلناكم جموعا عظيمة، شعوباً وقبائل متعددة، لتتعارفوا وتتعاونوا على ما فيه خيرُكم وصلاحكم، إن أكرَمَكُم عند الله وأرفعَكم منزلة في الدنيا والآخرة هو اتقاكم له وأنفعكم لخلْقِه، ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ بكم وباعمالكم وبباطن احوالكم، فاجعلوا التقوى زادَكم لمعادِكم.
ثم بعد ان بيّن الله لنا أن الناس جميعاً إخوة لأمٍ وأبٍ وحثّنا على التقوى والعمل الصالح، بين هنا ان الإيمان وحده لا يكفي، والايمانُ هو التصديق بالقلب، وان الاسلام هو التصديقُ والطاعة الظاهرة بأداء الواجبات واجتناب النواهي. وكان في زمن الرسول الكريم أناسٌ من الاعراب في إيمانهم ضَعف، وقلوبهم مشغولة تريد المغانم وعرض الدنيا. فقال الله تعالى:
﴿قَالَتِ الأعراب آمَنَّا.....﴾
قالت الأعراب بألسنتهم: آمنا، فقل لهم يا محمد: إنكم لم تؤمنوا، لأن قلوبكم لم تصدّق ما نطقتم به، ولكن قولوا أسلمنا وانقدنا ظاهراً لرسالتك، لأن الإيمان لم يدخل في قلوبكم بعد. وإن تطيعوا اللهَ ورسوله صادقين لا يَنقصُكم الله من ثواب اعمالكم شيئا.
ثم يؤكد الله رحمته ولطفه بعباده فيقول: ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سَتّارٌ للهفوات غفارٌ للزلات، فسارِعوا الى التوبة.
ثم بين الله تعالى حقيقة الايمان بقوله:
﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أولئك هُمُ الصادقون﴾.
المؤمنون حقاً هم الذين صدّقوا ولا تشوبهم الريبة في عقائدهم، ويبذلون النفسَ والنفيس لإحقاقِ الحق وإزهاق الباطل، أولئك هم الصادقون.
قل لهم يا محمد: اتخبرون الله بأن يصدقكم، واللهُ وحده يعلم ما في قلوبكم، ويعلم كلَّ ما في السموات والأرض، ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ﴾
يعدون إسلامَهم ومتابعتهم لك منةً يطلبون منك أجرَها.
ثم اكد الله تعالى الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصَرِه بأعمال المخلوقات، وختم بذلك هذه السورة الكريمة فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
فهو يعلم الايمان الصادق، والكاذب، ويميز بين الاعمال التي يطلبون بها الدنيا، والأعمال التي يقصدون بها وجه الله.
قراءات:
قرأ اهل البصرة: لا يألتكم بالهمزة، والباقون: لا يَلتكم بلا همزة، وهما لغتان: ألت يألت، ولات يليت. واللغتان في القرآن الكريم. ففي سورة الطور ﴿وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١].