ﰡ
قوله: (أي ثبت) بيان للفعل المقدر، والمعنى ثبت صبرهم وانتظارهم، وهذا قول المبرد والزجاج والكوفيين، ورجح بأن فيه إبقاء له على الاختصاص بالفعل. قوله: ﴿ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ أي لكان الصبر خيراً لهم من الاستعجال، لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول، الموجبين للثناء والثواب، قال العارفون: الأدب عند الأكابر، يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلى، وسعادة الدنيا والآخرة. قوله: (ونزل في الوليد بن عقبة) بن أبي معيط، أخو عثمان بن عفان لأمه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد الوقعة معهم، والياً يجبي الزكاة، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه ونكرمه، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله، فبدا له الرجوع، فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك، لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم رسول الله، وبعث خالد بن الوليد في عسكره خفية، وأمره أن يخفي عليهم قدومه وقال: انظر، فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم، فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك، فافعل فيهم ما تفعل في الكفار، ففعل ذلك خالد، ووافاهم عند الغروب، فسمع منهم أذان صلاة المغرب والعشاء، ووجدهم مجتهدين في امتثال أمر الله، فأخذ منهم صدقات أموالهم، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير، ولا يليق إطلاق لفظ الفاسق عليه، فإن المراد به الكافر، قال تعالى:﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾[الكهف: ٥٠]﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾[السجدة: ٢٠] إلى غير ذلك. وأجيب: بأن الذي وقع من الوليد توهم وظن، فترتب عليه الخطأـ وإنما سماه الله فسقاً، تنفيراً عن هذا الفعل، وزجراً عليه، ويؤخذ من الآية حرمة النميمة، وتعظيم كيفية ردها على صاحبها. قوله: (مصدقاً) بتخفيف الصاد، أي يأخذ الصدقات. قوله: (لترة) بكسر التاء وفتح الراء، أي عداوة.
قوله: (أي فاغتابه في حياته) الخ، في هذا التمثيل إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه ودمه، لأن الإنسان يتألم قلبه من قرض عرضه، كما يتألم جسمه من قطع لحمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الإنسان، لم يحسن منه قرض عرضه، بالأولى. قوله: (قابل توبة التائبين) يشير به إلى أن المبالغة في تواب، للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، لأنه ما من ذنب إلا ويعفو الله عنه بالتوبة إذا استوفيت شروطها. واعلم أن تعالى ختم الآيتين بذكر التوبة فقال﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾[الحجرات: ١١] وقال هنا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله:﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ﴾[الحجرات: ١١] ذكر النفي الذي هو قريب من النهي، وفي الثانية كان الابتداء بالأمر في قوله: ﴿ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ ﴾ ذكر الإثبات الذي هو قريب من الأمر تأمل.
قوله: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ﴾ أتى بثم إشارة إلى أن نفي الريب لم يكن وقت حصول الإيمان، بل هو حاصل فيما يستقبل فكأنه قال: ثم داموا على ذلك. قوله: ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ أي طاعته. قوله: (فجاهدهم يظهر صدق إيمانهم) أي أن الجهاد في سبيل الله، دل على أنهم صادقون في الإيمان وليسوا منافقين، وهو جواب عن سؤال وهو أن العمل ليس من الإيمان، فكيف ذكر أنه منه في هذه الآية؟ وإيضاح الجواب عنه: أن المراد من الآية الإيمان الكامل. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ ﴾ فيه تعريض بكذب الأعراب في ادعائهم الإيمان، فلما نزلت هاتان الآيتان، أتت الأعراب رسول الله يحلفون أنهم مؤمنون صادقون، وعلم الله منهم غير ذلك، فأنزل الله ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ ﴾ الخ. قوله: (مضعف علم بمعنى شعر) أي وهو بهذا المعنى متعد لواحد فقط، وبواسطة التضعيف يتعدى لاثنين، أولهما بنفسه، والثاني بحرف الجر. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ الخ، الجملة حالية. قوله: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ أي يعطون إسلامهم منه عليك. قوله: (من غير قتال) أي لك ولأصحابك. قوله: (ويقدر) أي الخافض الذي هو الباء. والحاصل أنه مقدر في ثلاثة مواضع: الأول منها قوله: ﴿ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾.
الثاني قوله: ﴿ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ ﴾.
الثالث قوله: ﴿ أَنْ هَداكُمْ ﴾ فموضعان فيهما ﴿ أَنْ ﴾ وموضع خال عنها. قوله: ﴿ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ أي على حسب زعمكم، كأنه قال: إن إيمانكم على فرض حصوله منه من الله عليكم. قوله: ﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي فلا يخفى عليه شيء فيهما. قوله: بالياء) أي نظراً لقوله: ﴿ يَمُنُّونَ ﴾ وما بعده، وقوله: (والتاء) أي نظراً لقوله: ﴿ لاَّ تَمُنُّواْ ﴾ وهما قراءتان سبعيتان.