ﰡ
﴿ المص ﴾ هذه الأحرف التي في أوائل السور قيل إنها من الأسرار المحجوبة، وقيل هي أسماء لله تعالى، وقيل هي أقسام من الله تعالى، وقيل هي إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام، وذهب الأكثرون إلى أنها أسماء للسور.
تفسير المعاني :
المص.
﴿ حرج ﴾ أي ضيق. يقال حرج المكان أو الصدر يحرج حرجا ضاق. ﴿ لتنذر به ﴾ الإنذار الإخبار مع تخويف من العاقبة. ﴿ وذكرى ﴾ أي وتذكير
تفسير المعاني :
هذا كتاب أوحى إليك فلا يكن في صدرك شك في أنه من عند الله لتنذر به الناس وتذكر المؤمنين.
﴿ أولياء ﴾ أي أعوان ونصراء جمع ولي.
تفسير المعاني :
اتبعوا أيها الناس ما أنزل إليكم من ربكم، ولا تتبعوا من دونه نصراء، إنكم قليلا ما تتذكرون.
﴿ بياتا ﴾ مصدر وقع موقع الحال معناه بائتين. ﴿ قائلون ﴾ أي نائمون في وسط النهار. يقال : قال يقيل قيلة وقيلولة، أي نام وسط النهار. والقائلة الظهيرة والنوم في الظهيرة.
تفسير المعاني :
وكم من قرية أهلكناها بما كسبت فجاء أهلها عذابنا وهم بائتون أوقائلون.
فما كان دعواهم، أي ادعاؤهم، حين جاءهم بأسنا إلا أن اعترفوا بأنهم كانوا ظالمين.
﴿ الذين أرسل إليهم ﴾هم المرسل إليهم أي الأمم. و﴿ المرسلين ﴾ هم الرسل.
تفسير المعاني :
وماذا يجديهم اعترافهم هذا يظلمهم وقد انتهوا إلى الآخرة وخرجوا من الدنيا لم يكسبوا في حياتهم خيرا. فهل يكون مثواهم غير جهنم مثوى الكافرين، فلنسألن الأمم التي أرسلنا إليها الرسل يوم القيامة عن سبب كفرهم، وفي هذا السؤال تقريع لهم، ولنسألن المرسلين أنفسهم عما أجابهم به هؤلاء الكفرة لما بلغوهم من رسالات ربهم.
﴿ فلنقصن ﴾ أي فلنحكين. يقال قص الخبر يقصه قصا، حكاه.
تفسير المعاني :
وماذا يجديهم اعترافهم هذا يظلمهم وقد انتهوا إلى الآخرة وخرجوا من الدنيا لم يكسبوا في حياتهم خيرا. فهل يكون مثواهم غير جهنم مثوى الكافرين، فلنسألن الأمم التي أرسلنا إليها الرسل يوم القيامة عن سبب كفرهم، وفي هذا السؤال تقريع لهم، ولنسألن المرسلين أنفسهم عما أجابهم به هؤلاء الكفرة لما بلغوهم من رسالات ربهم.
﴿ والوزن يومئذ الحق ﴾ أي والوزن الحق، أي الصحيح، يكون يومئذ.
تفسير المعاني :
يومئذ توزن أعمالهم بالعدل، فمن رجحت حسناته على سيئاته فأولئك هم الفائزون.
ومن خفت موازينه " هي جمع موزون أو ميزان " فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا يظلمون آياتنا فيكذبونها بدل أن يصدقوها.
﴿ ولقد مكناكم في الأرض ﴾ أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها.
تفسير المعاني :
ولقد جعلناكم تتمكنون من الأرض، وجعلنا لكم فيها معايش، أي أسبابا، تعيشون بها فقليل شكركم عليها.
﴿ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ﴾ خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه.
تفسير المعاني :
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم أبيكم فسجدوا إلا إبليس.
قال الله له : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ؟ قال : يا رب أنا أفضل منه خلقتني من نار، وهي عنصر لطيف، وخلقته من طين.
﴿ فاهبط ﴾ أي فانزل فعله هبط يهبط هبوطا. ﴿ من الصاغرين ﴾ أي من الأذلاء المحقرين وهو جمع صاغر.
تفسير المعاني :
قال : فانزل من الجنة، ما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من المذلولين.
قال : يا رب فأمهلني ولا تعاقبني على ما أفعل إلى يوم يبعثون.
قال : من الممهلين. ﴿ المنظرين ﴾ أي الممهلين. يقال أنظره ينظره إنظارا، أمهله.
تفسير المعاني :
﴿ أنظرني ﴾ أي أمهلني، يقال أنظره إنظارا أي أمهله.
﴿ أغويتني ﴾ أي أضللتني. ثلاثيه غوى يغوي غيا. وغوي يغوي غواية، ضل وانهمك في الجهل. ﴿ لأقعدن لهم ﴾ أي لأترصدن لهم.
تفسير المعاني :
قال إبليس : فبسبب ما أضللتني يا رب لأقعدن لهم مترصدا على طريقك المستقيم.
لأتينهم من جميع جهاتهم بالتسويل والإضلال فلا تجد أكثرهم مطيعين.
﴿ مذءوما ﴾ أي مذموما. يقال ذأمه يذأمه ذأما، أي ذمه وحقره وطرده وعابه. ﴿ مدحورا ﴾ أي مطرودا. يقال دحره يدحره دحرا طرده. ﴿ لمن تبعك منهم ﴾ اللام موطئة للقسم، وجوابه لأملأن جهنم منكم.
تفسير المعاني :
قال : اخرج منها مذموما مطرودا لأملأن جهنم منك وممن تبعك أجمعين..
ثم أمر الله آدم بأن يسكن الجنة هو وزوجه، وأن يأكلا من شجرها إلا شجرة منها، قيل هي شجرة الحنطة.
﴿ ما وري ﴾ أي ما خفي يقال ورى تورية ووارى مواراة أخفى. وتورى عنه وتوارى اختفى عنه. ﴿ سوآتهما ﴾ السوءة مالا يصح كشفه من جسم الانسان. ﴿ إلا أن تكونا ﴾ أي كراهة أن تكونا.
تفسير المعاني :
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ستر عنهما من عوراتهما، وكانا لا يريانها قائلا لهما : إن الله ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين أو تكونا من الذين لا يموتون.
﴿ وقاسمهما ﴾ أي أقسم لهما، وجاء على وزن المفاعلة للمبالغة.
تفسير المعاني :
وأقسم لهما أنه لهم من الناصحين.
﴿ فدلاهما بغرور ﴾ أي فأنزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما. من دلي الشيء وأدلاه، أي أنزله ممن أعلى إلى سفل. ﴿ وطفقا ﴾ أي وشرعا وأخذا، يقال طفق يطفق وطفق يطفق طفقا أي ابتدأ وأخذ وهو مختص بالإثبات فلا يقال ما طفق. ﴿ يخصفان ﴾ أي يرقعان ويلزقان.
تفسير المعاني :
فأنزلهما للأكل منها بما خدعهما به من القسم فبدت لهما عوراتهما وأخذا يلزقان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان عدو مبين ؟
قال آدم وحواء : يا ربنا إننا ظلمنا أنفسنا بانخداعنا لإبليس فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
﴿ مستقر ﴾ أي استقرار أو محل استقرار.. ﴿ ومتاع ﴾ أي وتمتع.
تفسير المعاني :
قال : انزلوا من الجنة متعادين متشاكسين. لكم في الأرض محل استقرار وتمتع إلى أن تنقضي آجالكم.
فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون للبعث والحساب.
﴿ أنزلنا عليكم لباسا ﴾ خلقنا لكم لباس على حد قوله : وأنزلنا الحديد، بمعنى خلقنا. ﴿ يواري ﴾ أي يخفي. ﴿ سوآتكم ﴾ السوءة ما يجب على الإنسان ستره من جسمه. ﴿ وريشا ﴾ أي لباسا تتجملون به. وأصل الريش المال والجمال، ومنه تريش الرجل أي تمول. والرياش جمع ريش. ﴿ يذكرون ﴾ أي يتذكرون.
تفسير المعاني :
يا بني آدم قد خلقنا لكم لباسا يواري عوراتكم ولباسا تتجملون به، لكن لباس التقوى أفضل من هذه الألبسة المادية. ذلك، أي خلق اللباس، من آيات الله لعلهم يتذكرون أي يتعظون فيتورعون عن القبائح.
﴿ وقبيله ﴾ أي وجنوده. وأصل القبيل الجماعة سواء كانوا من أصل أو من أصول شتى. ﴿ أولياء ﴾ أي ناصرين ومتولين، جمع ولي.
تفسير المعاني :
يا بني آدم لا يخدعنكم الشيطان كما خدع أبويكم فأخرجهما من الجنة، يخلع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به ليريهما عوراتهما، إنه يراكم هو وجنوده من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين متولين أمور الذين لا يؤمنون.
﴿ فاحشة ﴾ أي فعلة فاحشة أي شديدة القبح. يقال فحش يفحش فحشا كان قبيحا سيئ الخلق. ﴿ بالفحشاء ﴾ أي بما يشتد قبحه من الذنوب كالفاحشة.
تفسير المعاني :
وإذا فعلوا فعلة قبيحة ونبهوا إلى قبحها، قالوا : إنا وجدنا آباءنا يفعلونها والله أمرنا بها. فقل لهم يا محمد : إن الله لا يأمر بالأفعال القبيحة، أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟
﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل. يقال قسط يقسط قسطا أي عدل. ﴿ وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ﴾ أي وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين في أي مسجد ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم.
تفسير المعاني :
وقل لهم : أمر ربي بالعدل وجهوا ووجوهكم مستقيمين في كل مسجد، ولا تؤخروا الصلاة حتى تصلوا إلى مساجدكم، واعبدوه مخلصين له الطاعة. كما أنشاكم أول مرة من العدم تعودون أحياء بعد موتكم للحساب والثواب.
﴿ حق عليهم الضلالة ﴾ أي أوجب عليهم الضلالة. يقال حق الأمر أوجبه وأثبته. ﴿ أولياء ﴾ أي نصراء وموالى.
تفسير المعاني :
فريقا منكم هداهم للإيمان وفريقا أوجب عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين موالي لهم من دون الله وهم يحسبون أنهم مهتدون.
يا بني آدم البسوا أجمل ثيابكم عند حضوركم أي مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.
نزل قوله تعالى :﴿ كلوا واشربوا ﴾ الآية : لما روى أن بني عامر في حجهم كانوا لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما، يعظمون بذلك حجهم، فأراد المسلمون أن يقلدوهم فنزلت هذه الآية تنهاهم.
ثم قال لهم : قل يا محمد : من حرم زينة الله التي أخرج لعباده من النبات والحيوان كالقطن والصوف والطيبات من المآكل والمشارب ؟ قل : هي للمؤمنين حلال ويشركهم فيها الكافرون في الدنيا وهي خالصة لهم يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد.
﴿ الفواحش ﴾جمع فاحشة وهي الأمور البالغة حد القبح. ﴿ بطن ﴾ أي خفي. يقال بطن الشيء يبطن بطنا وبطونا أي خفي. ﴿ والبغي ﴾ الظلم. يقال بغي يبغي بغيا أي ظلم. ﴿ سلطانا ﴾ أي حجة.
تفسير المعاني :
قل يا محمد : إنما حرم ربي جميع الأفعال القبيحة ما ظهر منها وما خفي، وحرم الإثم أي ما يوجب الإثم. وقيل الإثم هنا يراد به شرب الخمر. وحرم الظلم بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به حجة ناهضة، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون أنه حق.
﴿ أجل ﴾ أي ميعاد.
تفسير المعاني :
لكل أمة أجل كالأفراد متى جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
﴿ إما يأتينكم ﴾ ما زائدة والتقدير إن يأتينكم. ﴿ يقصون ﴾ أي يخبرون. يقال قص الخبر يقصه قصا وقصصا رواه.
تفسير المعاني :
يا بنى آدم إن يأتينكم رسل منكم يذكرون لكم آياتي فاتبعوهم، فإن من اتقى الله وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عن الانقياد لها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
﴿ ضلوا عنا ﴾ أي تاهوا عنا.
تفسير المعاني :
فمن أظلم ممن اختلق على الله الكذب، أو كذب بآياته، أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، أي مما كتب لهم فيه من الأرزاق والآجال، حتى إذا جاءتهم رسلنا من الملائكة يتوفونهم، أي يتوفون أرواحهم، قالوا لهم : أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله ؟ قالوا : غابوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.
نقول : أعلن الإسلام في هذه الآيات أنه يحرم الأفعال القبيحة ما ظهر منها وما بطن، وهذه من أبلغ الكلمات الجامعة، فإنها جمعت كل ما يصح أن يدخل في دائرة الإثم مهما صغر قدره وحقر أمره.
﴿ قال ادخلوا في أمم ﴾ أي قال لهم الله أو قال لهم أحد الملائكة. ﴿ قد خلت ﴾ أي قد مضت. يقال خلا يخلو خلوا أي مضى، ومنه السنون الخالية أي الماضية. ﴿ اداركوا ﴾ أي تداركوا وتلاحقوا بان أدرك بعضهم بعضا ولحقوهم من خلفهم. ﴿ أخراهم ﴾أي أخراهم دخولا أو أخراهم منزلة وهم أتباع المضلين. ﴿ لأولاهم ﴾ أي لأجل أولاهم، لأن الخطاب مع الله لامعهم. ﴿ عذابا ضعفا ﴾ أي مضاعفا، لأنهم ضلوا وأضلوا. ﴿ قال لكل ضعف ﴾ للقادة لأنهم ضلوا وأضلوا، وللأتباع لأنهم كفروا وقلدوا.
تفسير المعاني :
قال الله للكافرين : ادخلوا في النار في جملة أمم قد مضت من قبلكم كلما دخلتها أمة لعنت أختها التي ضلت بالاقتداء بها، حتى إذا تلاحقوا فيها جميعا قالت أخراهم تخاطب الله عن أولاهم : ربنا هؤلاء أضلونا فضاعف لهم العذاب، فأجابهم : لكل منكم ضعف. للزعماء لأنهم ضلوا وأضلوا، ولكم لأنكم كفرتم وقلدتم.
وقالت أولاهم لأخراهم : لا فضل لكم علينا فنحن متساوون في الضلال واستحقاق العذاب.
﴿ واستكبروا عنها ﴾ أي عن الإيمان بها. ﴿ يلج ﴾ أي يدخل. ﴿ سم الخياط ﴾ أي ثقب الإبرة. السم الثقب، والخياط الإبرة. يقال خاط الثوب يخيطه خيطا.
تفسير المعاني :
إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عن الإيمان بها لا تفتح أبواب السماء لدعائهم وأعمالهم، ولا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل في ثقب الإبرة، وبمثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين.
﴿ مهاد ﴾ أي فراش وهو مفرد جمعه أمهدة ومهد ﴿ غواش ﴾ أي أغطية جمع غاشية.
تفسير المعاني :
لهم من النار فراش ومن فوقهم أغطية، وبمثل هذا الجزاء نجزي الظالمين.
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات على قدر طاقتهم لأننا لا نكلف نفسا إلا وسعها فندخلهم الجنة فيقيمون فيها خالدين.
﴿ غل ﴾ الغل الغش والحقد ﴿ أورثتموها ﴾ أي أورثكم الله إياها.
تفسير المعاني :
وأخرجنا ما في صدورهم من حقد وهم في الجنة تجري من تحتها الأنهار، وقالوا : الحمد لله الذي أرشدنا لما جزاؤه هذا الذي نحن فيه وما كنا لنهتدي إليه لولا إرشاده لنا، لقد جاءت رسله بالحق فاهتدينا بهداهم. وناداهم الملائكة هذه هي الجنة التي أورثكم الله جزاء لكم على ما كنتم تعملون.
﴿ فأذن مؤذن ﴾أي أعلم معلم من الملائكة أي نادى مناد.
تفسير المعاني :
وسأل أصحاب الجنة أصحاب النار إنا وجدنا ما وعدنا ربنا من النعيم حقا، فهل وجدتم ما أوعدكم ربكم من العذاب حقا ؟ فأعلم معلم بينهم أن لعنة الله على الظالمين.
﴿ يصدون ﴾ أي يمنعون. يقال صده يصده ويصده صدا منعه. ﴿ ويبغونها عوجا ﴾ أي ويطلبون لها زيغا وميلا.
تفسير المعاني :
الذين يمنعون الناس عن سلوك سبيل الله ويريدونه أن تكون معوجة وهم بالآخرة كافرون.
﴿ وعلى الأعراف ﴾ أي أعراف الحجاب أ ي أعاليه، جمع عرف مستعار من عرف الفرس. وقيل العرف ما ارتفع من الشيء. ﴿ رجال ﴾ أي طائفة من الموجودين قصروا في العمل فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم. ﴿ يعرفون كلا بسيماهم ﴾ أي يعرفون كلا من أصحاب الجنة والنار بسيماهم أي بعلامتهم، والسيما مشتقة من وسم الشيء يسمه وسما أي وضع عليه علامة.
تفسير المعاني :
وبين أهل الجنة وأهل النار حاجز عليه رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم فحبسوا هنالك حتى يحكم الله في أمرهم لم يدخلوا الجنة وهم طامعون فيها، يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل الجنة بعلامات فيهم، يحبون الأولين.
وإذا رأوا الآخرين قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين.
﴿ تلقاء أصحاب النار ﴾ أي أهل جهنم.
تفسير المعاني :
ونادى أصحاب الأعراف رجالا. يعرفونهم بعلاماتهم من زعماء الكفرة فقالوا لهم : لم تنفعكم كثرة عددكم ولا وفرة أموالكم ولا استكباركم عن قبول الحق.
﴿ أصحاب الأعراف ﴾ الأعراف جمع عرف وهو ما ارتفع من الشيء. المراد به هنا أعالي الحجاب الذي يفصل أهل الجنة عن أهل النار. وأصحاب الأعراف قوم تتساوى حسناتهم وسيئاتهم فيوقفون بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم. ﴿ بسيماهم ﴾السيما الهيئة، من وسمه يسمه وسما، أي وضع عليه علامة.
تفسير المعاني :
أهؤلاء " وأشاروا على قوم مستضعفين كان الكافرون يقسمون أن الله لا يدخلهم الجنة " أهؤلاء الذين حلفتم أن الله لا يتفضل عليهم برحمته ؟ ادخلوا الجنة أيها المستضعفون لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
﴿ أفيضوا ﴾ أي صبوا.
تفسير المعاني :
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة قائلين : صبوا علينا قليلا من الماء أو النعم التي غمركم الله فيها. فأجابوهم قائلين : إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا يتلهون به لعبا، وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وبما كانوا بآياتنا يكذبون.
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة قائلين : صبوا علينا قليلا من الماء أو النعم التي غمركم الله فيها. فأجابوهم قائلين : إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا يتلهون به لعبا، وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وبما كانوا بآياتنا يكذبون.
﴿ فصلناه ﴾ أي بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ المفصلة.
تفسير المعاني :
ولقد أتيناهم بكتاب فصلنا معانيه من الأحكام والعقائد والمواعظ عالمين بوجود تفصيلها هدى ورحمة لقوم يؤمنون.
﴿ تأويله ﴾ أي ما يؤول إليه أمره من ظهور صدق ما وعد وأوعد به. ﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ أي وبطل عنهم ما كانوا يفترونه من وجود شركاء لله، أو ما كانوا يفترونه من الأضاليل وينسبونه إلى الله.
تفسير المعاني :
يشير الله تعالى إلى يوم القيامة حيث يظهر تأويل القرآن بظهور الحوادث التي أشار إليها.
﴿ في ستة أيام ﴾ أي في ستة أوقات وأدوار لأنه لم يكن قد خلق اليوم قبل خلقها. ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ أي ثم جلس على سرير الملك. وبما أن الله ليس بجسم ولا عرض فلا يجوز أن يؤخذ هذا الكلام على ظاهره بل يجب تأويله. وقد سلك علماء السنة هذا المسلك فقالوا : إن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف أي أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الاستقرار والتمكن. وقالوا : العرش هو الجسم المحيط بسائر الأجسام. ﴿ يغشى الليل النهار ﴾ أي يغطيه به. ﴿ يطلبه حثيثا ﴾ شبه الليل في تعقبه للنهار بالطالب الحثيث، أي السريع في السير، من حثه يحثه حثا أي حرضه ونشطه. ﴿ تبارك الله ﴾ البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء. وقوله تعالى :﴿ تبارك الله رب العالمين ﴾، تنبيه على اختصاصه بالخيرات.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الله أنه خلق السماوات والأرض في ستة أدوار من أدوار التكوين، ثم استولى على ملكوت كل شيء يعطي النهار بالليل يطلب الثاني الأول مسرعا كأنه غريمه، وترى الشمس والقمر مسخرات بأمره ؛ لأن له كل شيء والتصرف المطلق فيه.
﴿ تضرعا ﴾ أي بتضرع وتذلل.
تفسير المعاني :
ادعوا ربكم متذللين مستخذين، ولا تعتدوا في الدعاء فتطلبوا ما لا يناسبكم.
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وادعوه خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه إن رحمة الله قريب من المحسنين.
﴿ بشرا ﴾ جمع بشير مخففة من بشراء. ﴿ أقلت ﴾ أي حملت. ﴿ سحابا ثقالا ﴾ أي سحبا مثقلة بالماء. والسحاب جمع سحابة، وثقال جمع ثقيل. ﴿ سقناه ﴾ أي سقنا السحاب وكان مقتضى اللغة أن يقال سقناها لأن سحاب جمع سحابة ولكنه أفرد الضمير باعتبار اللفظ. ﴿ تذكرون ﴾ أي تتذكرون فتعلمون أنه من قدر على ذلك قدر على هذا.
تفسير المعاني :
وهو الله الذي يبعث الرياح بشرا بين يدي رحمته، أي أمام رحمته، حتى إذا حملت سحبا مثقلة بالمياه دفعناها لبلد ميت لإحيائه، فأنزلنا به الماء، فأخرجنا به من كل الثمرات الأرضية. وكما نحيي البلد الميت يبعث القوة النامية فيه، نحيي الموتى لعلكم تتذكرون فتدركون أن من قدر على ذلك قدر على هذا.
﴿ نكدا ﴾ أي قليلا عديم النفع. ﴿ نصرف ﴾ نردد ونكرر.
تفسير المعاني :
والأرض الكريمة التربة يخرج نباته بإذن ربها والتي خبثت لا يخرج نباتها إلا قليلا، كذلك نكرر الآيات لعلكم تشكرون نعمة الله عليكم.
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال لهم : يا قوم اعبدوا الله وحده مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم بسبب شرككم عذاب يزم عظيم.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف يملئون العيون مهابة.
تفسير المعاني :
فقال له الأشراف من قومه كبرا وعتوا : إنا لنراك في ضلال مبين.
فقال لهم : يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين.
أبلغكم رسائل ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون.
﴿ على رجل ﴾ أي على لسان رجل. ﴿ لينذركم ﴾ الإنذار إخبار مع تخويف من العاقبة، بخلاف التبشير فإنه إخبار بحصول شيء سار.
تفسير المعاني :
أو عجبتم يا قوم أن جاءكم كتاب من ربكم فيه ذكر لكم على لسان رجل منكم لينذركم ولتتقوا الله ؟ فلا تقعوا في العناد واللجاج لعلكم ترحمون.
﴿ الفلك ﴾ السفينة، يذكر ويؤنث. ﴿ عمين ﴾ أي عمى، جمع عم بمعنى أعمى.
تفسير المعاني :
فكذبوا نوحا وكذبوا الذين كانوا معه، وعددهم أربعون رجلا وأربعون امرأة، وقيل بل كانوا تسعة، بنيه سام وحام ويافث وستة آخرين، فأنجيناه في السفينة وأغرقنا الذين كذبوه إنهم كانوا عمى البصائر.
﴿ وإلى عاد ﴾ أي وأرسلنا إلى عاد.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى بني عاد هودا، وهو أخوهم أي واحد منهم.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العيون بمهابتهم. ﴿ سفاهة ﴾ أي خفة عقل. يقال سفه يسفه سفاهة أي كان ذا سفه، والسفه خفة العقل. أما سفه يسفه سفاهة فمعناه جهل.
تفسير المعاني :
فجبهه أشراف قومه مستعزين بجاههم، وقالوا له : إنا لنراك خفيف العقل وإنا لنظنك من المفترين.
فأجابهم : لست خفيف العقل ولكني رسول رب العالمين.
أرسلت لأبلغكم رسائله وأنا لكم أخلص الناصحين.
﴿ على رجل ﴾ أي على لسان رجل. ﴿ لينذركم ﴾ الإنذار هو الإخبار مع تخويف من العاقبة ﴿ بسطة ﴾ أي فضيلة. والبسطة في العلم التوسع فيه، وفي الجسم الطول والكمال. ﴿ آلاء الله ﴾ الآلاء النعم مفردها إلى وألي وألى وإلي.
تفسير المعاني :
أتعجبون من أن تأتيكم رسالة وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم لينذركم بها ؟ فاذكروا إذ جعلكم خلفاء لقوم نوح، ورثتم مساكنهم وملكهم، وفضلكم نعليهم في قوة الجسم فتذكروا نعم الله لعلكم تفلحون.
﴿ ونذر ﴾ أي ونترك. هذا الفعل لا يستعمل إلا في الأمر والمضارع.
تفسير المعاني :
فردوا عليه قائلين : أجئنا لنعبد الله وحده ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام ؟ فهات ما تعدنا به من العذاب إن كنت من الصادقين.
﴿ رجس ﴾ العقاب والعمل المؤدي إلى العذاب. ﴿ من سلطان ﴾ من حجة أو دليل.
تفسير المعاني :
أجابهم هود : قد وجب عليكم من ربكم عقاب وغضب، أتجادلونني إذا كنتم عقلاء في أشياء سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي في الواقع أوهام ما أنزل الله بها من حجة بينة ؟ فانتظروا وعد الله ووعيده إني معكم من المنتظرين.
﴿ وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا ﴾ أي استأصلناهم على بكرة أبيهم. الدابر معناه الأصل، وقطع الدابر كناية عن الاستئصال.
تفسير المعاني :
فأنجيناه والذين معه برحمة منا واستأصلنا الذين كذبوا بآياتنا ولم يكونوا مؤمنين.
﴿ ثمود ﴾ اسم قبيلة من بلاد العرب، سموا باسم جدهم ثمود بن نعاد بن إرم بن سام بن نوح. ﴿ بينة ﴾ أي معجزة ظاهرة الدلالة. ﴿ فذروها ﴾ أي فاتركوها وهذا الفعل لا يستعمل إلا في الأمر والمضارع.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا فدعاهم إلى الدين الحق، وقال لهم : آيتي هذه الناقة فاتركوها تأكل في الأرض كما تشاء ولا تمسوها فيأخذكم عذاب أليم.
﴿ وبوأكم في الأرض ﴾ أي أنزلكم وأسكنكم فيها. ﴿ سهولها ﴾أراضيها المنبسطة جمع سهل. ﴿ ولا تعثوا ﴾ أي ولا تفسدوا. يقال عثى كرمى وسعى ورضي عثيا وعثيا وعثيانا، وعثا يعثو عثوا، أفسد.
تفسير المعاني :
وتذكروا إذ جعلكم الله خلفاء من بعد عاد وأسكنكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون بيوتا، فاذكروا نعم الله عليكم ولا تكونوا في الأرض من المفسدين.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف يملئون العين مهابة.
تفسير المعاني :
قال علية الرجال من قوم صالح للذين استضعفوا منهم : أتعرفون أن صالحا مرسل من ربه ؟ قالوا : نعم وإنا بما أرسل به مؤمنون.
فقال الذين استكبروا : ونحن بالذي آمنتم به كافرون.
﴿ فعقروا الناقة ﴾ أي فذبحوها. يقال عقرها يعقرها ذبحها. ﴿ وعتوا ﴾ أي استكبروا وجاوزوا الحد. يقال عتا يعتو عتوا وعتيا استكبر وتعدى.
تفسير المعاني :
وأمسكوا الناقلة التي أمرهم الله ألا يمسوها بسوء فذبحوها متجاوزين حدود أوامره، وقالوا : يا صالح ائتنا بما توعدنا من العذاب إن كنت من المرسلين.
﴿ الرجفة ﴾ أي الزلزلة. يقال رجفت الأرض وترجف رجفا ورجفانا، تحركت بشدة، ورجفه يرجفه حركه. ﴿ جاثمين ﴾ متبلدين بالأرض، وهنا معناها خامدين هامدي الحس. فعله جثم يجثم جثوما.
تفسير المعاني :
فأخذتهم الزلزلة فأصبحوا في دارهم خامدين هامدين.
﴿ فتولى عنهم ﴾ أي فأعرض عنهم.
تفسير المعاني :
فأعرض عنهم وقال : يا قوم قد بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكنكم لا تحبون الناصحين.
﴿ ولوطا ﴾ أي وأرسلنا لوطا. ﴿ الفاحشة ﴾ الفعلة القبيحة. يقال فحش يفحش فحشا أتى بعمل قبيح. والفاحشة هنا المراد بها إتيان الذكور.
تفسير المعاني :
وأرسلنا لوطا فقال لقومه : أتأتون الفاحشة التي لم يسبقكم في إتيانها أحد من العالمين ؟
إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم أسرفتم في الغي وتعرضتم لسخط الله.
وما كان جواب قوم لوط إلا قولهم أخرجوا لوطا ومن آمنوا معه من بلدتكم إنهم أناس يتطهرون على إتيان الفواحش.
﴿ الغابرين ﴾ أي الباقين. الغابر يطلق على الباقي والماضي وهو ضد. يقال غبر يغبر غبورا مكث وذهب، وهو من الأفعال التي لها معنيان متضادان.
تفسير المعاني :
فأنجينا لوطا وأهله إلا امرأته كانت من الذين بقوا فهلكت مع الهالكين.
وكان هلاكهم بأن أمطرنا عليهم مطرا من حجارة فانظر كيف كانت نهاية المجرمين.
﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا ﴾ أي وأرسلنا إلى أولاد مدين بن إبراهيم شعيب بن ميكيل بن يشخر بن مدين. ﴿ قد جاءتكم بينة ﴾ البينة الدليل، ويريد بها هنا المعجزة التي كانت له. ﴿ فأوفوا الكيل والميزان ﴾ أي أوفوا الكيل ووزن الميزان، ويصح أن يكون الميزان مصدرا بمعنى الوزن كالميعاد بمعنى الوعد.
﴿ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ﴾ أي ولا تنقصوهم حقوقهم. يقال بخسه حقه يبخسه بخسا أي نقصه.
تفسير المعاني :
وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا فنصح لهم وأمرهم بتوفية الكيل والميزان وعدم أكل حقوق الناس إلخ.
﴿ صراط ﴾ طريق جمعه صرط وأصله سراط. ﴿ توعدون ﴾ أي تتهددون. ﴿ وتصدون ﴾ أي تمنعون. يقال صده يصده ويصده صدا وصدودا منعه. ﴿ وتبغونها عوجا ﴾ أي وتطلبون لسبيل الله عوجا.
تفسير المعاني :
ونهاهم عن القعود بكل طريق يهددون من يتصل به ويصدونه عن سبيل الله ويطلبون لها العوج. واذكروا إذ كنتم قليلين فزادكم عددا ومددا. وانظروا كيف كانت نهاية الأمم التي كذبت قبلكم، فاعتبروا بأحوالهم إذا لم تريدوا أن تنتهوا إلى مثل نهايتهم.
وإن كانت جماعة منكم آمنت بالذي أرسلت به وجماعة كفرت، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العين مهابة.
﴿ ملتنا ﴾ أي ديننا.
تفسير المعاني :
قال أشراف قومه الذين استكبروا عن قبول الحق : والله لنخرجنك يا شعيب والذين اتبعوك من قريتنا أو لتعودن في ديننا. قال : أتعيدوننا ونحن لدينكم كارهون ؟
﴿ افترينا ﴾ أي اختلقنا ﴿ وسع ربنا كل شيء علما ﴾ أي أحاط علمه بكل شيء مما كان ومما يكون منا ومنكم. ﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ﴾ أي احكم ؛ لأن فتح يفتح بمعنى حكم. والفتاح القاضي.
تفسير المعاني :
إننا نكون قد كذبنا على الله إن عدنا إلى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها، وما يصح لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء ربنا، أحاط ربنا بكل شيء علما، عليه توكلنا، يا ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وقال أشراف قومه الكفار : لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذن لخاسرون.
﴿ الرجفة ﴾ الزلزلة. يقال رجف يرجف رجفا ورجفانا أي اضطرب. ﴿ جاثمين ﴾ أي باركين على الركب ميتين. يقال جثم يجثم جثوما برك على ركبتيه.
تفسير المعاني :
فأخذتهم الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم، أي مدينتهم، باركين على ركبهم ميتين.
﴿ كأن لم يغنوا فيها ﴾ أي كأن لم يسكنوا فيها. يقال غني بالمكان يغني غنا ومغنى أي أقام به وسكنه.
تفسير المعاني :
فصار الذين كذبوا شعيبا كأن لم يسكنوا تلك القرية إذ زالوا وزالت آثارهم. " لا يستبعد أن تجتاح الزلازل طائفة من الناس بعد أن رأى الناس آثار زلزلة اليابان منذ سنين ". الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين.
﴿ فتولى عنهم ﴾ أي فأعرض عنهم. ﴿ فكيف آسى ﴾ أي فكيف أحزن. يقال أسي يأسى أسى أي حزن.
تفسير المعاني :
فأعرض شعيب عنهم وقال لهم : لقد بالغت لكم في النصيحة بعد ما أديت لكم رسائل ربي فكيف أحزن على قوم كافرين ؟
﴿ بالبأساء ﴾ الشدة والضيق ﴿ والضراء ﴾ الضر والمرض. ﴿ يضرعون ﴾ أي يتضرعون، وقد أدغمت التاء في الضاد تخفيفا. وهو بمعنى يتذللون، ثلاثيه ضرع يضرع ضرعا وضراعة، أي تضرع بمعنى ذل وضعف.
تفسير المعاني :
وما أرسلنا في مدينة رسولا إلا ابتلينا أهلها بالبؤس والضر لعلهم يتيقظون.
﴿ السيئة الحسنة ﴾ السيئة والحسنة من الصفات التي تجري مجرى الأسماء أي الفعلة السيئة والفعلة الحسنة. ﴿ حتى عفوا ﴾ أي حتى كثروا عددا. يقال عفا النبات يعفو إذا كثر. ومنه إعفاء اللحي أي تكثيرها.
تفسير المعاني :
ثم أبدلناهم الحسنة بالسيئة حتى كثروا وقالوا : قد نالت آباءنا الشدائد، وهي عادة الدهر، ونسوا مقاصد الله من تلك الشدائد فأهلكناهم فجأة وهم لا يشعرون.
﴿ بركات ﴾ أي خيرات.
تفسير المعاني :
ولو أن أهل المدن آمنوا بالله واتقوا لأغدقنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا بالرسل فأخذناهم بما كانوا يذنبون.
﴿ بياتا ﴾ أي وقت بيات أي ليلا، من قولهم بيت العدو أي أوقع به ليلا.
تفسير المعاني :
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم عذابنا ليلا وهم نائمون، أو ضحى وهم يلعبون ؟
﴿ ضحى ﴾ أي في ضحوة النهار أوفي ضوء الشمس متى ارتفعت.
تفسير المعاني :
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم عذابنا ليلا وهم نائمون، أو ضحى وهم يلعبون ؟
﴿ مكر الله ﴾ المراد بالمكر هنا الاستدراج، أما المكر فمحال على الله.
تفسير المعاني :
أفأمنوا استدراج الله لهم بالإمهال ؟ إنه لا يأمنه إلا الخاسرون.
﴿ أولم يهد للذين يرثون الأرض ﴾ أي أولم يتبين لهم. يقال هداه يهديه هدى وهديا وهداية فهدى هو، أي أرشده فاسترشد. يتعدى هذا الفعل ويلزم. ﴿ ونطبع ﴾ أي ونختم. والمراد بالطبع والختم الإغلاق، أي إغلاق القلب عن الفهم والشعور.
تفسير المعاني :
أو لم يتبين للذين يرثون الديار وما فيها بعد أهلها أننا لو أردنا لأصبناهم بجزاء ذنوبهم ولختمنا على قلوبهم فأصبحوا لا يسمعون سماع فهم واعتبار ؟
﴿ نقص ﴾ أي نحكي. يقال قص الأمر يقصه قصا وقصصا أي حكاه ورواه. ﴿ بالبينات ﴾ أي بالآيات الواضحات.
تفسير المعاني :
تلك قرى الأمم البائدة نروي لك بعض أخبارها، فقد جاءتهم رسلهم بالآيات الناطقة والمعجزات الباهرة فما كانوا ليؤمنوا بما سبق لهم تكذيبه، كذلك يعلق الله قلوب الكافرين.
﴿ وما وجدنا لأكثرهم من عهد ﴾ أي من وفاء عهد.
تفسير المعاني :
وما وجدنا لأكثرهم من وفاء بعهد، بل وجدنا أكثرهم فاسقين.
﴿ وملئه ﴾ الملأ الأشراف يملئون العين مهابة.
تفسير المعاني :
ثم بعثنا بعد هؤلاء الرسل موسى بآياتنا إلى فرعون وأشراف قومه فظلموا بها، أي أنه كان الإيمان من حقها فظلموها بكفرهم بها، فانظر كيف كانت نهاية المفسدين.
قصد موسى إلى فرعون فقال له : يا فرعون إني رسول من رب العالمين.
﴿ حقيق ﴾ أي جدير. ﴿ ببينة ﴾ أي بحجة، والمراد بها المعجزة. ﴿ فأرسل معي بني إسرائيل ﴾ أي فخلهم يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة.
جدير بي ألا أقول على الله إلا الحق، وقد جئتكم بحجة من ربكم فاترك بني إسرائيل يخرجوا معي من مصر.
﴿ بآية ﴾ أي بمعجزة.
تفسير المعاني :
قال " أي فرعون " : إن كنت جئت بآية فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك.
فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان ظاهر لا يشك فيه.
﴿ ونزع يده ﴾ أي أخرجها مضارعه ينزع. والمعنى : أنه نزع يده من تحت إبطه.
تفسير المعاني :
ونزع يده من تحت إبطه فإذا هي بيضاء تتلألأ، وكان موسى شديد السمرة.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العين مهابة.
تفسير المعاني :
قال الأشراف من قوم فرعون : إن موسى ساحر عليم.
﴿ فماذا تأمرون ﴾ أي فماذا تشيرون.
تفسير المعاني :
يريد أن يخرجكم من دياركم، فبأي شيء تشيرون.
﴿ قالوا أرجه ﴾ أي أرجئه بمعنى أخر أمره. وقد قرأها كذلك أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب. يقال أرجأه يرجئه إرجاء أي أخره. ﴿ حاشرين ﴾ أي جامعين يجمعون السحرة. وأصل الحشر جمع الناس للحرب.
تفسير المعاني :
قالوا لفرعون : أجل الفصل في أمره، وأرسل في المدائن رجالا يجمعون السحرة المدربين، ففعل.
فلما حضر السحرة ومثلوا بين يدي فرعون قالوا : إن لنا لمكافأة إن كنا نحن الغالبين ؟
فأجابهم : نعم وتكونون فوق ذلك من المقربين إلينا.
فلما واجهوا موسى قالوا له : إما أن تبدأ بالإلقاء وإما أن نكون نحن البادئين.
﴿ واسترهبوهم ﴾ أي وأرهبوهم إرهابا شديدا.
تفسير المعاني :
فقال لهم موسى : ابدءوا أنتم، فلما ألقوا سحروا أعين الناس وارهبوهم، وهو أنهم خيلوا تبتلع ما يزورون.
﴿ تلقف ﴾ أي تبتلع، يقال لقف يلقف لقفا أخذ بسرعة. ﴿ ما يأفكون ﴾ أي ما يزورون. من الإفك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه. فعله أفك يأفك إفكا.
تفسير المعاني :
فلما ابتلعت عصا موسى ذلك السحر العظيم.
﴿ فوقع الحق ﴾ أي فثبت.
تفسير المعاني :
ثبت الحق وبطل ما كان السحرة يعملون.
﴿ صاغرين ﴾ أي أذلاء، وهو جمع صاغر، وهو الراضي بالمنزلة الدنية. يقال صغر يصغر صغرا ضد كبر. وصغر يصغر صغرا وصغارا أي ذل.
تفسير المعاني :
فغلبوا وانقلبوا أذلاء.
ثم آمنوا برب العالمين.
رب موسى وهرون.
فاغتاظ فرعون وقال لهم : آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذه الحيلة دبرتموها أنتم واليهود لتخرجوا الأقباط من ديارهم وتحلوا محلهم.
لأقطعن أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى، ولأصلبنكم أجمعين.
﴿ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ﴾ أي بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
تفسير المعاني :
قالوا : إنا إلى ربنا ذاهبون.
﴿ وما تنقم منا ﴾ أي وما تنكر منا وتعيب علينا. يقال نقم عليه ينقم، ونقم ينقم أي انتقم أو أنكر وعاب. ﴿ بآيات ربنا ﴾ أي بمعجزاته. ﴿ أفرغ علينا صبرا ﴾ أي صب علينا صبرا.
تفسير المعاني :
وما تنكر علينا يا فرعون إلا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا صب علينا صبرا وتوفنا مسلمين.
﴿ الملأ ﴾ الأشراف الذين يملئون العين مهابة. ﴿ ويذرك ﴾ أي ويتركك، هذا الفعل لا يستعمل إلا في المضارع والأمر. ﴿ ونستحيي ﴾ أي وندعهم أحياء.
تفسير المعاني :
وقال الأشراف من قوم فرعون : أتترك موسى وقومه يفسدون في الأرض ويتركك وآلهتك ؟ قال فرعون : سنعود إلى ما كنا عليه فنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون. كان فرعون يفعل ذلك لأن المنجمين أخبروه أنه يولد ولد في بني إسرائيل يكون ذهاب ملكه على يديه.
﴿ يورثها ﴾ أي يجعلها ميراثا.
تفسير المعاني :
فقال موسى لقومه : استعينوا بالله على هذه الشدائد واصبروا إن الأرض لله يجعلها ميراثا لمن يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
﴿ عسى ربكم أن يهلك عدوكم ﴾ عسى معناها ترجى وتوقع أي يرجى أن يهلك ربكم عدوكم. ﴿ ويستخلفكم في الأرض ﴾ أي ويجعلكم خلفاءه فيها.
تفسير المعاني :
شكا بنو إسرائيل لموسى ما نالهم من الأذى فصبرهم وبشرهم باستخلاف الله لهم.
﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ﴾ أي أخذناهم بالجدوب. والسنة غلبت على عام القحط يقال أصابتهم سنة أي جدب ومجاعة. ﴿ يذكرون ﴾ أي يتذكرون.
تفسير المعاني :
وأخذ الله آل فرعون بتوالي القحط لعلهم يتذكرون بأن هذه الأحوال من شؤم كفرهم..
﴿ الحسنة ﴾ أي الفعلة الحسنة وهي من الصفات التي تجري مجرى الأسماء. ﴿ سيئة ﴾ أي سنة سيئة، وهي كذلك من الصفات التي تجري مجرى الأسماء.
﴿ يطيروا ﴾ أي يتطيروا بمعنى يتشاءموا. ﴿ طائرهم عند الله ﴾ أي عنده سبب خيرهم وشرهم. وفي اللغة طائر الإنسان رزقه أو عمله أو حظه، فيقال هو ميمون الطائر أي مبارك الوجه. ويقال هو ساكن الطائر أي حليم. ويقال هو واقع الطائر أي حليم. ويقال هو واقع الطائر أي حليم أيضا.
تفسير المعاني :
ولكنهم كانوا من الغباوة بحيث لم يستفيدوا من هذه الشدائد وما فتئوا يتطيرون بموسى ومن معه.
وقالوا له : مهما تأتنا بآية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين.
﴿ الطوفان ﴾ ما طاف بهم وغشي أماكنهم، وهو في اللغة المطر الغالب والماء الذي يغشى كل شيء والسيل المغرق. ﴿ والقمل ﴾ صغار الذر. وقيل أولاد الجراد واحدتها قملة، وهي غير القملة المعروفة التي جمعها قمل. ﴿ والضفادع ﴾ معروفة، أحدها ضفدع وضفدع.
تفسير المعاني :
فأرسلنا عليهم السيول تهلك مزروعاتهم والجراد يجتاح ثمراتهم، والقمل والضفادع فامتلأت بها بيوتهم، والدم تلوثت به مياههم، فاستكبروا مع كل هذه البلايا وكانوا مجرمين.
﴿ الرجز ﴾ العذاب. ﴿ بما عهد عندك ﴾ أي بحق عهده عندك وهي النبوة.
تفسير المعاني :
ولما وقع عليهم العذاب لجئوا إلى موسى فقالوا : ادع لنا ربك بحق ما عندك من عهده لئن رفعت عنا العذاب لنؤمنن ولنرسلن معك بني إسرائيل.
﴿ إلى أجل هم بالغوه ﴾ أي إلى حد من الزمان هم مدركوه فمعذبون فيه أو مهلكون، وهو وقت الغرق أو الموت. ﴿ ينكثون ﴾ ينقضون العهد.
تفسير المعاني :
فلما كشفنا عنهم العذاب إلى أجل هم مدركوه إذا هم ينقضون ما أبرموه.
فانتقمنا منهم فأغرقناهم في البحر بسبب أنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين.
﴿ اليم ﴾ هو البحر الذي لا يدرك قاعه. وقيل لجته ومعظم مائه. ﴿ وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل ﴾ أي وتحققت الكلمة الفائقة في الحسن وهي وعده إياهم بأنه سيجعلهم ورثة الأرض ﴿ يعرشون ﴾ أي يبنون. مشتق من العرش وهو شيء مسقف. يقال عرشت الكرم وعرشته جعلت له كهيئة السقف.
تفسير المعاني :
وأورثنا القوم الذين كانوا بالأمس مستضعفين مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتحقق وعد ربك لبنى إسرائيل، وهو أنهم سيكونون خلفاء الله في أرضه، وذلك جزاء صبرهم. ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يبنون.
﴿ يعكفون ﴾ يقيمون. يقال عكف يعكف، أي أقام ولازم.
تفسير المعاني :
وعدينا بنى إسرائيل البحر فصادفوا قوما يقيمون على عبادة أصنام لهم، فقال بنو إسرائيل : يا موسى أوجد لنا إلها كما لهم آلهة. فقال إنكم قوم تجهلون.
﴿ متبر ﴾ أي مدمر ومهدم. يقال تبر يتبر تبرا أي هلك.
تفسير المعاني :
إن هؤلاء الكفرة مدمر ما هم فيه ومضمحل كل ما يعملون من عبادتها والإخبات لها.
﴿ أبغيكم ﴾ أي أطلب لكم. يقال بغي يبغي بغيا وبغية أي طلب. وأبغاه الشيء أعانه على طلبه. يقال أبغي ضالتي أي أعني على طلبها.
تفسير المعاني :
وقال موسى لقومه : أأطلب لكم إلها غير الله وقد فضلكم على العالمين وأنتم تطلبون أن تشركوا به أخس مخلوقاته ؟ ثم ذكرهم ببعض نعمه عليهم وهي تخليصهم من آل فرعون.
﴿ يسومونكم ﴾ أي يبغون لكم، وأصل السوم الذهاب في ابتغاء الشيء. ﴿ ويستحيون نساءكم ﴾ أي يبقونهن أحياء. ﴿ بلاء ﴾ أي امتحان.
تفسير المعاني :
وقال موسى لقومه : أأطلب لكم إلها غير الله وقد فضلكم على العالمين وأنتم تطلبون أن تشركوا به أخس مخلوقاته ؟ ثم ذكرهم ببعض نعمه عليهم وهي تخليصهم من آل فرعون.
﴿ وواعدنا ﴾ أي وعدنا ﴿ ميقات ﴾ الميقات الوقت المضروب للشيء. والوعد الذي جعل له وقت. ﴿ اخلفني ﴾ أي كن خليفتي.
تفسير المعاني :
ثم قال تعالى : وواعدنا موسى أن ننزل عليه كتابا فيه بيان ما يصلح قومه بعد أربعين ليلة، فاستخلف أخاه هرون وذهب لميقات ربه.
﴿ أرني أنظر إليك ﴾ أي أرني نفسك أنظر إليك ﴿ تجلى ﴾ أي ظهر، وليس المراد هنا أن الله ظهر للجبل، بل المراد أنه صوب نحوه بعضا من نوره. ﴿ جعله دكا ﴾ أي مدكوكا مفتتا. والدق والدك أخوان. ﴿ وخر موسى صعقا ﴾ أي سقط مغشيا عليه. يقال خر يخر، ويخر سقط والصعق من غشى عليه.
تفسير المعاني :
فلما كلمه طلب إليه أن يراه. فقال له : هذا غير ممكن لأنك لا تطيق ذلك، وأراد أن يريه حقيقة ذلك فأمره أن ينظر إلى الجبل. فلما تجلى الله عليه بأن أفاض عليه بصيصا من نوره تفتت الجبل وسقط موسى مغشيا عليه، فلما أفاق قال : سبحانك تبت إليك من مثل هذا الطلب وأنا أول المؤمنين بك.
﴿ اصطفيتك ﴾ اخترتك.
تفسير المعاني :
فقال له ربه : يا موسى إني اخترتك لتبليغ رسالتي وخصصتك بكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.
﴿ الألواح ﴾ هي الأوامر والنواهي التي أوحاها الله إلى موسى. قيل كانت سبعة، وقيل عشرة. ﴿ الفاسقين ﴾ الخارجين عن حظيرة الدين. والمراد بدار الفاسقين دار فرعون وقومه وقيل منازل عاد وثمود وأمثالهم من الأمم الطاغية.
تفسير المعاني :
وكتبنا لموسى في الألواح مواعظ من كل نوع وتفصيلا لكل شيء، وقلنا له : اعمل بما فيها جهدك وأمر قومك أن يعملوا بأفضل ما فيها مما ترك لهم الخيار فيه، كمعاقبة المعتدي أو العفو عنه والتجاوز عن بعض الحق أو المطالبة به كله.. إلخ، سأريكم ما أفعله بدار الذين خرجوا عن الطاعة.
﴿ الغي ﴾ هو جهل من اعتقاد فاسد. وهو مصدر غوى يغوى غيا أي ضل وانهمك في الجهل. ﴿ ذلك بأنهم كذبوا بآياتها ﴾ أي كان ذلك الصرف بسبب أنهم كذبوا بآياتنا.
تفسير المعاني :
إني سأصرف عن الآخذ بآياتنا من يتكبرون بغير حق ولا يؤمنون بأية آية يرونها ويؤثرون الجهل والضلال على سبيل الرشد والهدى، وإني لا أجازيهم بهذا الصرف إلا لتكذيبهم بآياتي وغفلتهم عما فيها من أصول الحياة الصحيحة.
﴿ حبطت أعمالهم ﴾ أي بطلت وهدرت.
تفسير المعاني :
ومن كذبوا بآياتنا وبالحياة الآخرة بطلت أعمالهم ولم تنفعهم وسائلهم، فهل يجزون إلا نتائج أعمالهم وثمرات محاولاتهم لأن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة وإنما هي أعمالهم ترد عليهم.
﴿ له خوار ﴾ الخوار صوت البقر. يقال خارت البقرة تخور خوارا أي صاتت.
تفسير المعاني :
واتخذ قوم موسى من حليهم عجلا مجسدا. متقن الصنع حتى يخيل لرائيه أن له صوتا، فما أغفلهم، ألا يرون أنه لا يكلمهم ولا يهديهم إلى طريق سداد ؟ ولما ندم بنو إسرائيل على ما عملوا ورأوا أنهم ضلوا قالوا : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا شركنا به لنكونن من الخاسرين.
﴿ سقط في أيديهم ﴾ اشتد ندمهم، وهذا التعبير من الكنايات، وذلك أن النادم المتحسر يعض يده فتصير يده مسقوطا فيها.
تفسير المعاني :
واتخذ قوم موسى من حليهم عجلا مجسدا. متقن الصنع حتى يخيل لرائيه أن له صوتا، فما أغفلهم، ألا يرون أنه لا يكلمهم ولا يهديهم إلى طريق سداد ؟ ولما ندم بنو إسرائيل على ما عملوا ورأوا أنهم ضلوا قالوا : لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا شركنا به لنكونن من الخاسرين.
﴿ أسفا ﴾ شديد الغضب وقيل حزينا. يقال أسف يأسف أسفا فهو آسف وأسف، واشتد غضبه أو حزن. ﴿ بئسما ﴾ أي بئس شيء. ﴿ خلفتموني من بعدي ﴾ أي قمتم مقامي من بعدي. ﴿ أعجلتم أمر ربكم ﴾ أي أتركتموه غير تام ؟ كأنه ضمه " عجل " معنى " سبق " فعدى تعديته. وقيل المعنى : أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه، وهو الأربعون يوما، فقدرتم موتي وغيرتم كما تغير الأمم بعد أنبيائها ؟ ﴿ ابن أم ﴾ أصله يا بن أمي فخففت.
تفسير المعاني :
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا لهم : بئسما قمتم مقامي من بعدي، أأدركتكم العجلة فتركتم أمر ربكم غير تام وهو مدة الأربعين يوما فضللتم قبل تمامها ؟ وألقى الألواح من يده وأخذ بشعر رأس أخيه هرون يجره إليه كأنه ظهر له أنه قصر في كفهم. وهرون كان أكبر منه بثلاث سنين. فقال له أخوه : لا تعجل إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تفعل بي ما يشمتهم ولا تعدني في عداد الظالمين.
قال موسى : رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.
﴿ المفترين ﴾ المختلقين.
تفسير المعاني :
إن الذين عبدوا العجل سيصيبهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وبمثل هذا الجزاء نجزي المفترين.
﴿ الألواح ﴾ المكتوب فيها التوراة. ﴿ وفي نسختها ﴾ أي وفيما نسخ فيها. النسخة فعلة بمعنى مفعول كالخطبة. ﴿ للذين هم لربهم يرهبون ﴾ أي يخافون ربهم.
تفسير المعاني :
والذين عملوا السيئات من المعاصي والكفر ثم تابوا من بعد تلك السيئات وآمنوا فإن الله من بعد توبتهم لغفور رحيم.
فلما سكن غضب موسى أخذ الألواح وفيما نسخ فيها هدى ورحمة للذين يخافون ربهم.
﴿ لميقاتنا ﴾ أي لميعادنا وهو الأربعون ليلة. ﴿ الرجفة ﴾ أي رجفة الجبل فصعقوا منها. ﴿ السفهاء ﴾ أي خفيفو العقول جمع سفيه. ﴿ إن هي إلا فتنتك ﴾ أي ما هي إلا امتحانك، فإنهم حين أسمعتهم كلامك طمعوا في رؤيتك. وكان موسى أخذ معه لميقات ربه سبعين رجلا سمعوا كلام الله مع موسى فطمعوا أن يروه واقترحوا ذلك. ﴿ أنت ولينا ﴾ ناصرنا ومولانا.
تفسير المعاني :
وكان الله قد واعد موسى أربعين ليلة وأمره أن يحضر معه سبعين رجلا فاختارهم من قومه وذهب لميقات ربه وسمعوا كلام الله لموسى فطمعوا في رؤيته فطلبوها فأخذتهم الصاعقة. قال موسى : رب لو شئت أهلكتهم وإياي قبل هذا اليوم، أتهلكنا بما يفعله سفهاؤنا ؟ ما هو إلا امتحانك تضل به من تشاء وتهدي من تشاء أنت مولانا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
﴿ إنا هدنا إليك ﴾ أي رجعنا إليك. يقال هاد يهود هودا رجع ومنه سمي اليهود.
تفسير المعاني :
وآتنا في الدنيا معيشة حسنة وفي الآخرة الجنة إنا تبنا إليك. قال : عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي أحاطت بكل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤدون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون.
﴿ بالمعروف ﴾ ما يقره الشرع ويستحسنه الطبع. ﴿ المنكر ﴾ ما ينكره الشرع ويستقبحه الطبع. ﴿ إصرهم ﴾ أي ثقلهم، ويقال له الأصر والأصر أيضا. ﴿ والأغلال ﴾ جمع غل وهو القيد. يقال غله يغله قيده. ﴿ وعزروه ﴾ أي وعظموه بالتقوية والتعزير النصرة مع التعظيم.
تفسير المعاني :
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه موصوفا عندهم في التوراة والإنجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات التي حرمت عليهم بسبب عنادهم، ويحرم عليهم الخبائث التي أحلوها ميلا مع أهوائهم، ويضع عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة، فالذين آمنوا به وعظموه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم الفائزون.
﴿ يؤمن بالله وكلماته ﴾ أي ما أنزل عليه وعلى جميع الرسل.
تفسير المعاني :
قل يا محمد : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم كافة، رسول الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت، فآمنوا أيها الناس بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وما أنزل عليه وما أنزل على من تقدمه من المرسلين لعلكم تهتدون.
﴿ يهدون بالحق ﴾ أي يهدون الناس بكلمة الحق. ﴿ وبه يعدلون ﴾ أي بالحق يعدلون بينهم في الحكم.
تفسير المعاني :
من اليهود أمة يهدون الناس بالحق ويعدلون في الحكم بالحق أيضا.
﴿ وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ﴾أي وقسمناهم اثنتي عشرة قبيلة. وأسباطا جمع سبط وهو ابن الابن، سميت به قبائل اليهود والأسباط كلهم أولاد يعقوب. ﴿ استسقاه قومه ﴾ أي طلبوا أن يسقيهم. ﴿ فانبجست ﴾ أي فتفجرت. يقال بجس الماء يبجسه ويبجسه بجسا فبجس بنفسه أي فجره فتفجر. ﴿ مشربهم ﴾ أي محل شربهم. ﴿ المن ﴾ هو إفراز سكرى لبعض الأشجار. ﴿ السلوى ﴾ السماني وهو الطير الذي يسمى عندنا بالسمان.
تفسير المعاني :
وقسمناهم اثنتي عشرة قبيلة وأوحينا إلى موسى، وقد استسقاه قومه، أن اضرب بعصاك الحجر فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا. قد عرف كل قوم مكان شربهم، وظللنا عليهم السحاب ليقيهم حر الشمس، ورزقناهم المن والسماني وقلنا لهم : كلوا من طيبات ما رزقناكم، فلم يثبتوا على ما أمرناهم به فلقوا جزاءهم وما ظلمونا بعصيانهم ولكنهم كانوا يظلمون أنفسهم.
﴿ حيث شئتم ﴾ أي في أي مكان شئتم. ﴿ وقولوا حطة ﴾ الحطة والحطيطي الاسم من استحطه وزره.
تفسير المعاني :
وإذ قلنا اسكنوا هذه القرية وهي أيلة قريبة من مدين والطور، وقيل مدين وطبرية، وادعوا الله أن يحط عنكم أوزاركم وادخلوا بابها ساجدين.
﴿ رجزا ﴾ أي عذابا.
تفسير المعاني :
فبدل الذين ظلموا أنفسهم منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم عذابا من السماء بسبب ظلمهم.
﴿ حاضرة البحر ﴾ أي قريبة منه. ﴿ يعدون في السبت ﴾ أي يتجاوزون حدود الله بالصيد فيه وقد حرم عليهم. ﴿ حيتانهم ﴾ جمع حوت وهو السمكة. ﴿ شرعا ﴾ أي رافعة رءوسها فوق سطح الماء. أصله شرع يشرع دنا وأشرف، وشرع الرمح سدده فشرع هو أي فتسدد، وشرع لهم شرعا سنه. ﴿ يسبتون ﴾ أي قام بأمر السبت وهو من شعائر اليهود. يقال سبت الرجل يسبت ويسبت قام بأمر السبت ودخل في السبت ﴿ نبلوهم ﴾ أي نختبرهم.
تفسير المعاني :
واسألهم عن أهل القرية التي كانت قريبة من البحر إذ يعتدون حدود الله في يوم السبت بالصيد فيه وقد حرم عليهم، إذ كانت تأتيهم الأسماك يوم السبت طافية على وجه الماء، ولا تأتيهم في غيره من الأيام وقد بلوناهم بهذه المحنة بسبب فسقهم.
واذكر إذ قالت أمة من اليهود : ما الحكمة في وعظ قوم ربهم مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ؟ قالوا : إنما نعظهم عذرا إلى الله حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ولعلهم يتعظون.
﴿ بئيس ﴾ أي شديد. فعيل من بؤس يبؤس بؤسا أي اشتد. ﴿ يفسقون ﴾ أي يخرجون عن حدود الشرع.
تفسير المعاني :
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن المنكر وسلطنا على الظالمين عذابا شديدا بما كانوا يخرجون عن حدود الشريعة.
﴿ عتوا ﴾ أي تكبروا. ﴿ قردة ﴾ جمع قرد. ﴿ خاسئين ﴾ أي مطرودين. يقال خسأ يخسأ أي بعد وانزجر. وخسأه طرده وزجره.
تفسير المعاني :
فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه مسخناهم قردة مطرودين من رحمتنا.
﴿ تأذن ﴾ أي أعلم، وهو تفعل من الإيذان، وهو الإعلام كالتوعد والإيعاد. ﴿ يسومهم ﴾ أصل السوم الذهاب في ابتغاء الشيء. فهو مركب من الذهاب والابتغاء، فأجرى مجرى الذهاب في قولهم سامت الإبل. ومجرى الابتغاء في قولهم سمت كذا. ومنه يسومونكم سوء العذاب أي يبغونكم سوء العذاب.
تفسير المعاني :
واذكر إذ صرح ربك أنه ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يبتغي لهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم.
ووزعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون الصالحين وفتناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون.
﴿ فخلف ﴾ هو مصدر نعت به، وهو شائع في الشر، والخلف بالفتح في الخير. ﴿ يأخذون عرض هذا الأدنى ﴾ أي حطام هذا الشيء الأدنى أي الدنيا وهو من الدنو أو من الدناءة، والعرض ما ليس له ثبات. ﴿ ميثاق ﴾ أي عهد جمعه مياثيق ومياثق. وميثاق الكتاب أي ميثاق في الكتاب.
تفسير المعاني :
فخلفتهم ذرية ورثوا الكتاب يأخذون مالا قيمة له من الدنيا ويقولون سيغفر الله لنا وإن يتسن لهم عرض مثله يأخذوه دأبهم العود على الذنوب والإصرار عليها.
﴿ يمسكون بالكتاب ﴾ أي يتمسكون به.
تفسير المعاني :
ألم يؤخذ عليهم عهد في الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق وقرءوا ما فيه وفهموه، والدار الآخرة خير للذين يتقون مما يأخذ هؤلاء أفلا تعلقون فتعلموا ذلك ؟ والذين يتمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم.
﴿ نتقنا ﴾ أي رفعنا. يقال نتق الشيء ينتقه زعزعه ورفعه. ﴿ ظلة ﴾ أي سقيفة وهي كل ما أظلك. ﴿ بقوة ﴾ أي بجد وعزم على تحمل مشاقه.
تفسير المعاني :
واذكر إذ رفعنا الجبل فوق رءوسهم كأنه سقيفة وتيقنوا أنه ساقط عليهم وخيرناهم بين العمل بما في التوراة وبين إسقاطه فوق رءوسهم، وقلنا لهم : خذوا ما آتيناكم من الكتاب بجد وعزم واذكروا ما فيه بالعمل به، ولا تجعلوه كالمنسي لعلكم تتقون قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق.
﴿ أن تقولوا ﴾ أي كراهة أن تقولوا.
تفسير المعاني :
واذكر إذ أخرج ربك من أصلاب بني آدم ذريتهم على ما يكونون عليه قرنا بعد قرن ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم : ألست بربكم ؟ قالوا ؟ ؟ بلى، فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الأشهاد والاعتراف على طريق التمثيل.
﴿ المبطلون ﴾ أي الذين يبطلون الحق. يقال أبطل الرجل يبطل إبطالا أي أبطل الحق وجرى على الباطل.
تفسير المعاني :
ذلك كراهة أن يقولون يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا : إنما اشرك آباؤنا فاقتدينا بهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ؟
وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون عن التقليد واتباع الباطل.
﴿ واتل عليهم ﴾ واقرأ عليهم. يقال تلا الكتاب يتلوه تلاوة قرأه. وتلا صاحبه يتلوه تلوا تبعه. ﴿ فانسلخ منها ﴾ خرج من الآيات بأن كفر بها. ﴿ فأتبعه الشيطان ﴾ أي فجعل قرينا له يتبعه حتى لحقه. ﴿ من الغاوين ﴾ أي من الضالين. يقال غوى يغوي غيا أي ضل.
تفسير المعاني :
واقرأ عليهم خبر ذلك العالم الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، قيل هو أحد علماء بنى إسرائيل، وقيل هو أمية بن أبي الصلت كان قد قرأ الكتب ورأى قرب ظهور نبي فتوقع أن يكون هو، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم يئس ولم يؤمن به فنزلت فيه هذه الآيات.
﴿ أخلد إلى الأرض ﴾ مال إليها ودام فيها. يقال أخلد الرجل بالمكان وإلى المكان دام وبقي فيه. ﴿ هواه ﴾ أي ميله الشهواني. ﴿ فمثله ﴾أي فشبهه. ﴿ إن تحمل عليه ﴾ أي إن تهجم عليه بالطرد والزجر. ﴿ يلهث ﴾ أي يخرج لسانه من التنفس الشديد عطشا أو تعبا يقال لهث الكلب يلهث، ولهث يلهث لهثا ولهاثا. ﴿ فاقصص القصص ﴾ أي فاحك قصتهم. يقال قص الخبر يقصه قصا وقصصا، أي حكاه ورواه.
﴿ ولقد ذرأنا ﴾أي خلقنا. يقال ذرأه يذرؤه ذرءا، خلقه. ﴿ كالأنعام ﴾ أي كالبهائم في عدم الفهم.
تفسير المعاني :
قال الله تعالى :﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ﴾ الآية. أي أن الله تعالى خلق لجهنم كثيرا من الجن والإنس وهم الذين لهم قلوب لا يكلفونها معرفة الحق والنظر في دلائله، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولهم آذان لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تأمل. أولئك كالبهائم في عدم الفهم بل هم أضل، أولئك هم الغافلون.
﴿ الحسنى ﴾ مؤنث الأحسن. ﴿ وذروا ﴾ أي واتركوا. هذا الفعل لا يستعمل إلا في المضارع والأمر. ﴿ يلحدون ﴾ أي يزوغون. يقال ألحد يلحد إلحادا، أي زاغ وحاد ومال. وألحد أيضا بمعنى شك
تفسير المعاني :
لله أحسن الأسماء الدالة على أحسن المعاني فادعوه بها واتركوا الذين يسمونه بأسماء لا تناسب العظمة الإلهية.
﴿ وبه يعدلون ﴾ أي سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا. وأصل الاستدراج الإصعاد درجة درجة والاستنزال درجة درجة.
﴿ وأملى لهم ﴾ أي وأمهلوا. والإملاء الإمهال. ﴿ إن كيدي متين ﴾ أصل الكيد الاحتيال للإيقاع، وهنا معناه : إن أخذي متين.
تفسير المعاني :
في هذه الصفحة ذكر الله تعالى القيامة، وأنه استأثر بعلمها. أما ما بقي فواضح من تفسير الألفاظ ولا يحتاج لزيادة إيضاح.
﴿ جنة ﴾ اسم من الجنون. والجنة أيضا طائفة من الجن. ﴿ نذير ﴾ أي مخبر مع تخويف من العاقبة.
تفسير المعاني :
في هذه الصفحة ذكر الله تعالى القيامة، وأنه استأثر بعلمها. أما ما بقي فواضح من تفسير الألفاظ ولا يحتاج لزيادة إيضاح.
﴿ ملكوت ﴾ الملكوت هو العز والسلطان والملك العظيم. ﴿ عسى ﴾ فعل جامد معناه ترجى وتوقع.
تفسير المعاني :
في هذه الصفحة ذكر الله تعالى القيامة، وأنه استأثر بعلمها. أما ما بقي فواضح من تفسير الألفاظ ولا يحتاج لزيادة إيضاح.
﴿ طغيانهم ﴾ الطغيان، والطغيان تجاوز الحد، من طغا يطغو طغوا. ﴿ يعمهون ﴾ أي يترددون في الضلال يقال عمه يعمه، وعمه يعمه عمها، أي تردد في الضلال وتحير فهو عمه وعامه.
تفسير المعاني :
في هذه الصفحة ذكر الله تعالى القيامة، وأنه استأثر بعلمها. أما ما بقي فواضح من تفسير الألفاظ ولا يحتاج لزيادة إيضاح.
﴿ أيان مرساها ﴾ أي متى إرساؤها. أي ثباتها واستقرارها. مرساها اسم مفعول من أرسى الشيء يرسيه، أي أقره وأثبته. ﴿ لا يجليها ﴾ أي لا يظهرها. ﴿ ثقلت في السموات والأرض ﴾ أي عظمت لهولها ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة يقال بغته يبغته. فجأه يفجؤه. ﴿ حفي عنها ﴾ أي عالم بها. يقال حفي عن الشيء إذا سأل عنه، وأحفى في تحري المسألة أي بالغ في فحصها.
تفسير المعاني :
في هذه الصفحة ذكر الله تعالى القيامة، وأنه استأثر بعلمها. أما ما بقي فواضح من تفسير الألفاظ ولا يحتاج لزيادة إيضاح.
﴿ نذير ﴾ النذير هو المخبر مع تحذير من العاقبة ضد البشير.
تفسير المعاني :
قل : لا أملك أن أنفع نفسي ولا أن أضرها إلا إن شاء الله شيئا من ذلك فيوفقني له، ولو كنت أعرف الغيب لاستزدت من أنواع الخير وما لحقني شر، فما أنا إلا منذر ومبشر لقوم يؤمنون، فإنهم هم الذين ينتفعون بالإنذار والتبشير.
﴿ خلقكم من نفس واحدة ﴾ هو آدم. ﴿ وجعل منها زوجها ﴾ أي من جنسها. ﴿ ليسكن إليها ﴾ أي ليستأنس بها ويطمئن إليها. ﴿ فلما تغشاها ﴾ أي لامسها. وغشي الشيء وتغشاه، غطاه عبر بالتغطية عن الاتصال الزوجي تنزها عن الألفاظ الساقطة الدالة على هذا الأمر الحيواني. ﴿ فمرت به ﴾ أي فاستمرت به فقامت وقعدت. ﴿ فلما أثقلت ﴾ أي صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها. ﴿ لئن آتيتنا صالحا ﴾ أي لئن منحتنا ولدا صالحا.
تفسير المعاني :
هو الذي خلقكم أيها الناس من نفس واحدة وجعل لها زوجا من جنسها ليأنس بها ويطمئن إليها، فلما لامسها حملت حملا خفيفا لا يمنعها عن الحركة، فلما ثقل حملها دعت الله هي وزوجها لئن منحتنا ولدا صالحا لنكونن من الشاكرين.
فلما قبل دعاءهما جعلا له شركاء فيما منحهما فسموه عبد العزي وعبد اللات من أسماء الأصنام، فتعالى الله وتنزه عما يشركون.
أيشركون مع الله ما لا يستطيع أن يخلق شيئا وهو من المخلوقين ؟
وهذه الأصنام لا يمكنها أن تنصرهم ولا أن تنصر نفسها.
﴿ صامتون ﴾ أي ساكتون. صمت يصمت أي سكت.
تفسير المعاني :
وإن تدع هؤلاء المشركين إلى الهدى لا يتبعوكم يستوي عندهم وعظكم وعدم وعظكم لأنهم لاهون.
﴿ تدعون من دون الله ﴾ أي تعبدون.
تفسير المعاني :
إن الذين تعبدون من دون الله عباد أمثالكم فنادوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين بأنهم آلهة.
﴿ يبطشون بها ﴾ أي يصولون بها. يقال بطش به يبطش بطشا، أي أخذه بشدة. وأصل البطش تناول الشيء بصولة.
﴿ قل ادعوا شركاءكم ﴾ أي استنصروا بهم علي. ﴿ ثم كيدون ﴾ أي ثم أوقعوا بي. وأصل الكيد ضرب من الاحتيال، ومنه محمود ومذموم، ولكنه أطلق على المذموم. ﴿ فلا تنظرون ﴾ أي فلا تمهلون. يقال أنظره ينظره إنظارا أي أمهله.
تفسير المعاني :
ألهم جوارح يستخدمونها في قضاء مصالحكم والإحاطة بحاجات المخلوقات ؟ قل يا محمد لهؤلاء الكفرة : ادعوا شركاءكم ثم تألبوا جميعا على كيدي ولا تمهلوني.
﴿ إن ولي الله ﴾ أي إن متولي شئوني ومصرف أحوالي هو الله تعالى.
تفسير المعاني :
إن متولي أمري هو الله الذي نزل القرآن وهو يتولى الصالحين.
إن الذين تعبدون من دونه لا يستطيعون أن ينصروكم ولا أن ينصروا أنفسهم.
وهؤلاء الكافرون إن تدعوهم إلى الهدي لا يسمعوا، وتراهم شاخصين بأبصارهم إليك وهم لا يبصرون لشدة ما يشغلهم من أهوائهم وشهواتهم.
﴿ خذ العفو ﴾ أي خذ ما سهل دفعه من أموال الناس وتسامح ولا تطلب ما يشق عليهم، وقيل خذ العفو أي عن المذنبين. ﴿ بالعرف ﴾ هو المعروف المستحسن من الأفعال.
تفسير المعاني :
خذ منهم ما يسهل عليهم وأمرهم بالمعروف وأعرض عن الجاهلين.
﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ﴾ أي وإما ينخسنك من الشيطان نخس أي وسوسة. ﴿ فاستعذ بالله ﴾ أي فالجأ إليه.
تفسير المعاني :
وإن تصبك من الشيطان وسوسة فاستعذ بالله إنه سميع عليم.
﴿ إذا مسهم ﴾ المس كاللمس، ولكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، والمس قد يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس. ﴿ طائف ﴾ اسم فاعل من طاف يطوف.
تفسير المعاني :
إن المتقين إذا طاف بهم طائف من وسوسة الشيطان تذكروا أوامر الله ونواهيه فأبصروا إضلال الشيطان فأقلعوا عنه.
﴿ وإخوانهم ﴾ أي وإخوانهم الشياطين. ﴿ يمدونهم ﴾ أي يعينونهم. ﴿ في الغي ﴾ أي في الضلال، من غوي يغوي غيا أي ضل. ﴿ ثم لا يقصرون ﴾ أي لا يمسكون عن إغوائهم. يقال أقصر عن الشيء أي أمسك وامتنع عنه.
تفسير المعاني :
وإخوان الشياطين، أي الذين لم يتقوا، يعينهم الشياطين على الضلال ولا يمتنعون.
﴿ لولا اجتبيتها ﴾ أي هلا جمعتها مختلقا إياها كسائر ما تأتي به من القرآن ؟ والاجتباء الجمع يتخير واصطفاء. ﴿ هذا بصائر من ربكم ﴾ أي هذا القرآن بصائر للقلوب تبصر به الحق.
تفسير المعاني :
وإذا لم تأتهم بآية من القرآن قالوا : هلا اختلقتها كما تختلق سائر الآيات ؟ قل لهم : لست بمختلق للآيات وإنما هي وحي ينزل على من ربي بصائر لكم وهدي ورحمة للمؤمنين.
﴿ وأنصتوا ﴾ أي واصغوا.
تفسير المعاني :
أمرهم الله بالإنصات إذا تلى القرآن وبذكر الله بتذلل وخوف بصوت معتدل بالغدوات والعشيات.
﴿ تضرعا وخيفة ﴾ أي متضرعين خائفين. يقال تضرع إليه وضرع إليه يضرع ضراعة، أي تذلل له. ﴿ بالغدو والآصال ﴾ الغدو جمع غدوة، وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والآصال جمع أصيل، وهو بعد العصر إلى المغرب.
تفسير المعاني :
أمرهم الله بالإنصات إذا تلى القرآن وبذكر الله بتذلل وخوف بصوت معتدل بالغدوات والعشيات.
﴿ إن الذين عند ربك ﴾ أي الملائكة.
تفسير المعاني :
إن الملائكة المقربين لا يستكبرون على سمو مكاناتهم عن عبادته وتسبيحه والسجود له.