ﰡ
مكية على الصحيح. وآياتها إحدى وعشرون آية، وفيها أقسم الله على أن الناس مختلفون في العمل والثواب، ثم أنذرهم نارا حامية أعدت لمن عصى وحرمت على من أطاع، وهذه السورة قيل: إنها نزلت في أبى بكر- رضى الله عنه- ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ٢١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)
لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩)
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
المفردات:
يَغْشى: يستر الكل بظلامه ويواريه. تَجَلَّى: ظهر وانكشف لَشَتَّى: جمع شتيت، وهو المتباعد بعضه عن بعض، والمراد: مختلف نوعا
تَرَدَّى: هوى وسقط والمراد نزل إلى قبره. تَلَظَّى أصلها: تتلظى، أى:
تتوهج وتتقد. لا يَصْلاها: لا يحترق بها. إِلَّا الْأَشْقَى: كثير الشقاء.
سَيُجَنَّبُهَا: يبعد عنها. الْأَتْقَى: المبالغ في التقوى. تُجْزى: تستحق الجزاء.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- بالليل إذا يغشى هذا الكون بجحافله، لا يفلت منه شيء، والليل الذي يستر الكل بظلامه، ويواريه تحت جنحه فيسكن الكون، ويموت الحي ميتة صغرى، وأقسم بالنهار إذا تجلى وانكشف بطلوع الشمس فانكشف بظهوره كل شيء، ودبت الحياة في الحي، واستيقظ الكل يسعى وراء العيش، بعد طول الهجود والنوم. فسبحانك يا رب جعلت الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وماذا كان الحال لو أن الليل كان دائما أو النهار؟! وأقسم بالذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من المنى مع أن الماء واحد، والمكان واحد، ولكنه- جل جلاله- يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما، سبحان الله خلق الليل والنهار، والضوء والظلام، والذكر والأنثى، على أن المادة واحدة في الجميع، ثم أقسم بهذا كله على أن سعيكم أيها الناس لمختلف نوعا وجنسا وغاية ونهاية، قل كل يعمل على شاكلته أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
«١» ؟ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ «٢». أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ «٣» ؟.
(٢) سورة الحشر آية ٢٠.
(٣) سورة السجدة آية ١٨.
من صدق بالحسنى وعمل لها فأعطى واتقى. يسره الله لأيسر الخطتين وأسهلهما في أصل الخلقة وهي خطة تكميل النفس بالكمال وفعل الصالحات لتسعد بمزاياها في الدنيا والآخرة، وهذا- كما يقولون- أصل العادة التعود، فإذا تعودت أولا فعل الخير أصبح عادة لك بتيسير الله وهذا معنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى والعكس صحيح فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى لأن من مرنت نفسه على فعل الشر، واستشرى معها الفساد فإن الله- على حسب سنته- يسهل له تلك الخطة العسرى وهي الخطة التي يحط فيها الإنسان من نفسه ويرتمى في أحضان الرذيلة، أو إذا تردى في قبره وسقط، فماذا يغنى عنه ماله؟! ولكن كيف يحاسب الله العبد على ذنب أطلق له الإرادة فيه ومكنه من عمله! والجواب تكفل به القرآن فقال ما معناه: إن علينا وقد خلقنا الإنسان للعبادة، أى:
ليحرز الثواب في الدنيا والآخرة أن نهديه وندله على طريق الخير والشر، ونطلق اختياره، ونمكنه من العمل، وهذا تقويم له وتشريف، فمن يعمل بعد ذلك خيرا يثب عليه أو شرا يجاز عليه، وهذا كقوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ وإن لله الآخرة والأولى، والله أنذركم أيها الناس نارا تلتهب وتحترق بشدة فاحذروها. فإنه لا يصلاها ولا يحترق بها إلا الشقي المبالغ في الكفر أو المعصية ولم يتب، وهو الذي كذب بالله وكفر. وتولى عن الحق وأعرض عنه، ولم يرجع إليه في لحظة من اللحظات، وسيبعد عنها التقى المبالغ في التقوى والهداية الذي يؤتى ماله يتزكى به لوجه الله، وليس لأحد عنده من نعمة أو يد يجازيه عليها لكن كل عمله وصدقته ابتغاء وجه الله ورضوانه وهذا الصنف سيعطيه الله في الدنيا والآخرة حتى يرضى. ألم يبين الله لكم أيها الناس طريق الخير وطريق الشر ونهاية كل، فمن يعمل بعد ذلك مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذررة شرّا يره، على أن العقل وحده وطبيعة الإنسان قد تدرك أصل الخير والشر.