تفسير سورة نوح

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة نوح من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي ثمان وعشرون آية ومائتان وأربعة وعشرون كلمة وتسعمائة وتسعة وتسعون حرفا.

سورة نوح
مكية وهي ثمان وعشرون آية ومائتان وأربعة وعشرون كلمة وتسعمائة وتسعة وتسعون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة نوح (٧١): الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤)
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨)
قوله عز وجل: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ أي بأن خوف قومك وحذرهم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني الغرق بالطوفان والمعنى إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي أنذركم وأبين لكم أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي وحدوه ولا تشركوا به شيئا وَاتَّقُوهُ أي وخافوه بأن تحفظوا أنفسكم مما يؤثمكم وَأَطِيعُونِ أي فيما آمركم به من عبادة الله وتقواه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي يغفر لكم ذنوبكم. ومن صلة وقيل يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان وذلك بعض الذنوب وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، معناه يقول آمنوا قبل الموت تسلموا من العذاب فإن أجل الله وهو الموت إذا جاء لا يؤخر، قال الزمخشري إن قلت كيف قال ويؤخركم مع الإخبار بامتناع تأخير الأجل وهل هذا إلى تناقض قلت قضى مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة فقيل لهم آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سماه الله وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه وهو الوقت الأطول تمام الألف. ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ولم تكن حيلة فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير عنكم وحيث يمكنكم الإيمان، قالَ يعني نوحا عليه الصلاة والسلام رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً أي نفارا وإدبارا عن الإيمان وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ أي ليؤمنوا بك فتغفر لهم جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ لئلا يسمعوا دعوتي وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي غطوا وجوههم بثيابهم لئلا يرون وَأَصَرُّوا على كفرهم وَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان بك اسْتِكْباراً أي تكبرا عظيما ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً أي معلنا قال ابن عباس: بأعلى صوتي.
﴿ قال يا قوم إني لكم نذير مبين ﴾ أي أنذركم وأبين لكم.
﴿ أن اعبدوا الله ﴾ أي وحدوه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ واتقوه ﴾ أي وخافوه بأن تحفظوا أنفسكم مما يؤثمكم ﴿ وأطيعون ﴾ أي فيما آمركم به من عبادة الله وتقواه.
﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ أي يغفر لكم ذنوبكم. ومن صلة وقيل يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان وذلك بعض الذنوب ﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ أي إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم ﴿ إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ﴾، معناه يقول آمنوا قبل الموت تسلموا من العذاب فإن أجل الله وهو الموت إذا جاء لا يؤخر، قال الزمخشري إن قلت كيف قال ويؤخركم مع الإخبار بامتناع تأخير الأجل وهل هذا إلى تناقض قلت قضى مثلاً أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة فقيل لهم آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سماه الله وضربه أمداً تنتهون إليه لا تتجاوزونه وهو الوقت الأطول تمام الألف. ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ولم تكن حيلة فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير عنكم وحيث يمكنكم الإيمان.
﴿ قال ﴾ يعني نوحاً عليه الصلاة والسلام ﴿ رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ﴾.
﴿ فلم يزدهم دعائي إلا فراراً ﴾ أي نفاراً وإدباراً عن الإيمان.
﴿ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ﴾ أي ليؤمنوا بك فتغفر لهم ﴿ جعلوا أصابعهم في آذانهم ﴾ لئلا يسمعوا دعوتي ﴿ واستغشوا ثيابهم ﴾ أي غطوا وجوههم بثيابهم لئلا يرون ﴿ وأصروا ﴾ على كفرهم ﴿ واستكبروا ﴾ عن الإيمان بك ﴿ استكباراً ﴾ أي تكبراً عظيماً.
﴿ ثم إني دعوتهم جهاراً ﴾ أي معلناً قال ابن عباس : بأعلى صوتي.

[سورة نوح (٧١): الآيات ٩ الى ١٧]

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ أي كررت لهم الدعاء معلنا وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً قال ابن عباس يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرا بيني وبينه أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أموالهم ومواشيهم فقال لهم استغفروا ربكم أي من الشرك واطلبوا المغفرة بالتوحيد حتى يفتح عليكم أبواب نعمه وذلك لأن الاشتغال بالطاعة يكون سببا لاتساع الخير والرزق.
وأن الكفر سبب لهلاك الدنيا فإذا اشتغلوا بالإيمان والطاعة حصل ما يحتاجون إليه في الدنيا. وروى الشعبي أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع فقيل له ما سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر ثم قرأ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً الآية قوله بمجاديح السماء واحدها مجدح وهو نجم من النجوم. وقيل هو الدبران وقيل هي ثلاثة كواكب كالأثافي تشبيها بالمجدح الذي له شعب وهي عند العرب من الأنواء الدالة على المطر فجعل عمر الاستغفار مشبها بالأنواء مخاطبة لهم بما يعرفون وكانوا يزعمون أن من شأنها المطر لا أنه يقول بالأنواء.
وعن بكر بن عبد الله أن أكثر الناس ذنوبا أقلهم استغفارا وأكثرهم استغفارا أقلهم ذنوبا. وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال له استغفر الله وشكا آخر إليه الفقر وقلة النسل وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فتلا هذه الآية وقوله يرسل السماء عليكم أي يرسل ماء السماء وذلك لأن ماء المطر ينزل من السماء إلى السحاب ثم ينزل من السحاب إلى الأرض. وقيل أراد بالسماء السحاب، وقيل أراد بالسماء المطر من قول الشاعر
إذا نزل السماء بأرض قوم فحلوا حيثما نزل السماء
يعني المطر مدرارا أي كثير الدر وهو حلب الشاة حالا بعد حال. وقيل مدرارا أي متتابعا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ أي يكثر أموالكم وأولادكم وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ أي البساتين وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً وهذا كله مما يميل طبع البشرية إليه ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قال ابن عباس أي لا ترون لله عظمة. وقيل معناه لا تخافون عظمته فالرجاء بمعنى الخوف، والوقار العظمة من التوقير وهو التعظيم. وقيل التعظيم وقيل معناه ما لكم لا تعرفون لله حقا ولا تشركون له نعمة وقيل معناه ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيرا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً يعني تارة بعد تارة وحالا بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق. وقيل معناه خلقكم أصنافا مختلفين لا يشبه بعضكم بعضا وهذا مما يدل على وحدانية الله وسعة قدرته أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً أي بعضها فوق بعض.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً يعني في سماء الدنيا وقوله فيهن هو كما يقال أتيت بني تميم وإنما أتى رجلا منهم وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً يعني مصباحا مضيئة. قال عبد الله بن عمرو إن الشمس والقمر وجوههما إلى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن جميعا وأقفيتهما إلى الأرض ويروى هذا عن ابن عباس أيضا، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً أراد مبدأ خلق آدم وأصل خلقه من الأرض والناس كلهم من ولده وقوله نباتا اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتا. وقيل تقديره أنبتكم فنبتم نباتا وفيه دقيقة لطيفة وهي أنه لو قال أنبتكم إنباتا كان المعنى أنبتكم إنباتا عجيبا غريبا ولما قال أنبتكم نباتا كان المعنى أنبتكم نباتا عجيبا وهذا الثاني أولى لأن الإنبات صفة الله
﴿ يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾ وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زماناً طويلاً حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أموالهم ومواشيهم فقال لهم استغفروا ربكم أي من الشرك واطلبوا المغفرة بالتوحيد حتى يفتح عليكم أبواب نعمه وذلك لأن الاشتغال بالطاعة يكون سبباً لاتساع الخير والرزق.
وأن الكفر سبب لهلاك الدنيا فإذا اشتغلوا بالإيمان والطاعة حصل ما يحتاجون إليه في الدنيا. وروى الشعبي أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع فقيل له ما سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر ثم قرأ ﴿ استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ﴾ الآية قوله بمجاديح السماء واحدها مجدح وهو نجم من النجوم. وقيل هو الدبران وقيل هي ثلاثة كواكب كالأثافي تشبيهاً بالمجدح الذي له شعب وهي عند العرب من الأنواء الدالة على المطر فجعل عمر الاستغفار مشبهاً بالأنواء مخاطبة لهم بما يعرفون وكانوا يزعمون أن من شأنها المطر لا أنه يقول بالأنواء.
وعن بكر بن عبد الله أن أكثر الناس ذنوباً أقلهم استغفاراً وأكثرهم استغفاراً أقلهم ذنوباً. وعن الحسن أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال له استغفر الله وشكا آخر إليه الفقر وقلة النسل وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ؟ فتلا هذه الآية وقوله يرسل السماء عليكم أي يرسل ماء السماء وذلك لأن ماء المطر ينزل من السماء إلى السحاب ثم ينزل من السحاب إلى الأرض. وقيل أراد بالسماء السحاب، وقيل أراد بالسماء المطر من قول الشاعر :
إذا نزل السماء بأرض قوم فحلوا حيثما نزل السماء
يعني المطر مدراراً أي كثير الدر وهو حلب الشاة حالاً بعد حال. وقيل مدراراً أي متتابعاً.
﴿ ويمددكم بأموال وبنين ﴾ أي يكثر أموالكم وأولادكم ﴿ ويجعل لكم جنات ﴾ أي البساتين ﴿ ويجعل لكم أنهاراً ﴾ وهذا كله مما يميل طبع البشرية إليه.
﴿ ما لكم لا ترجون لله وقاراً ﴾ قال ابن عباس أي لا ترون لله عظمة. وقيل معناه لا تخافون عظمته فالرجاء بمعنى الخوف، والوقار العظمة من التوقير وهو التعظيم. وقيل التعظيم وقيل معناه ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة وقيل معناه ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيراً.
﴿ وقد خلقكم أطواراً ﴾ يعني تارة بعد تارة وحالاً بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق. وقيل معناه خلقكم أصنافاً مختلفين لا يشبه بعضكم بعضاً وهذا مما يدل على وحدانية الله وسعة قدرته.
﴿ ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً ﴾ أي بعضها فوق بعض.
﴿ وجعل القمر فيهن نوراً ﴾ يعني في سماء الدنيا وقوله فيهن هو كما يقال أتيت بني تميم وإنما أتى رجلاً منهم ﴿ وجعل الشمس سراجاً ﴾ يعني مصباحاً مضيئة. قال عبد الله بن عمرو إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات وضوء الشمس والقمر فيهن جميعاً وأقفيتهما إلى الأرض ويروى هذا عن ابن عباس أيضاً.
﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتاً ﴾ أراد مبدأ خلق آدم وأصل خلقه من الأرض والناس كلهم من ولده وقوله نباتاً اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتاً. وقيل تقديره أنبتكم فنبتم نباتاً وفيه دقيقة لطيفة وهي أنه لو قال أنبتكم إنباتاً كان المعنى أنبتكم إنباتاً عجيباً غريباً ولما قال أنبتكم نباتاً كان المعنى أنبتكم نباتاً عجيباً وهذا الثاني أولى لأن الإنبات صفة الله تعالى وصفة الله تعالى غير محسوسة لنا فلا يعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فكان هذا موافقاً لهذا المقام فظهر بهذا أن العدول عن تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف.
تعالى وصفة الله تعالى غير محسوسة لنا فلا يعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فكان هذا موافقا لهذا المقام فظهر بهذا أن العدول عن تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف.
[سورة نوح (٧١): الآيات ١٨ الى ٢٣]
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢)
وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها أي في الأرض بعد الموت وَيُخْرِجُكُمْ أي منها يوم البعث إِخْراجاً يعني إخراجا حقا لا محالة وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً أي فرشها لكم مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً أي طرقا واسعة.
قوله تعالى: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي أي لم يجيبوا دعوتي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً يعني اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين لم تزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً يعني كبيرا عظيما يقال كبيرا وكبارا بالتشديد والتخفيف والتشديد أشد وأعظم في المبالغة والماكرون هم الرؤساء والقادة ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح عليه الصلاة والسلام وتحريش السفلة على أذاه وصد الناس عن الإيمان به والميل إليه والاستماع منه. وقيل مكرهم هو قولهم لا تذرن آلهتكم وتعبدوا إله نوح، وقال ابن عباس في مكرهم قالوا قولا عظيما. وقيل افتروا على الله الكذب وكذبوا رسله وَقالُوا يعني القادة للأتباع لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ أي لا تتركن عبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً هذه أسماء آلهتهم وإنما أفرد بالذكر وإن كانت داخلة في جملة قوله لا تذرن آلهتكم لأنهم كانت لهم أصنام هذه الخمسة المذكورة هي أعظمها عندهم. قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان أتباعهم يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان ذلك أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ذلك ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم. فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم الصالحين من المسلمين، (خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس في قوله ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا، قال كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت الأوثان، وروي عن ابن عباس أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف والعزى لسليم وغطفان وجشم، ومناة كانت
﴿ والله جعل لكم الأرض بساطاً ﴾ أي فرشها لكم مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه.
﴿ لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً ﴾ أي طرقاً واسعة.
قوله تعالى :﴿ قال نوح رب إنهم عصوني ﴾ أي لم يجيبوا دعوتي ﴿ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً ﴾ يعني اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين لم تزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة.
﴿ ومكروا مكراً كباراً ﴾ يعني كبيراً عظيماً يقال كبيراً وكباراً بالتشديد والتخفيف والتشديد أشد وأعظم في المبالغة والماكرون هم الرؤساء والقادة ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح عليه الصلاة والسلام وتحريش السفلة على أذاه وصد الناس عن الإيمان به والميل إليه والاستماع منه. وقيل مكرهم هو قولهم لا تذرن آلهتكم وتعبدوا إله نوح، وقال ابن عباس في مكرهم قالوا قولاً عظيماً. وقيل افتروا على الله الكذب وكذبوا رسله.
﴿ وقالوا ﴾ يعني القادة للأتباع ﴿ لا تذرن آلهتكم ﴾ أي لا تتركن عبادتها ﴿ ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ﴾ هذه أسماء آلهتهم وإنما أفرد بالذكر وإن كانت داخلة في جملة قوله لا تذرن آلهتكم لأنهم كانت لهم أصنام هذه الخمسة المذكورة هي أعظمها عندهم. قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان أتباعهم يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم : لو صورتم صورهم كان ذلك أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ذلك ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم. فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم الصالحين من المسلمين، ( خ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صارت الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس في قوله ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، قال كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت الأوثان، وروي عن ابن عباس أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف والعزى لسليم وغطفان وجشم، ومناة كانت لخزاعة بقديد وإساف ونائلة وهبل كانت لأهل مكة. ولذلك سمت العرب أنفسهم بعبد ود وعبد يغوث وعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء.
لخزاعة بقديد وإساف ونائلة وهبل كانت لأهل مكة. ولذلك سمت العرب أنفسهم بعبد ود وعبد يغوث وعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء.
[سورة نوح (٧١): الآيات ٢٤ الى ٢٨]
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً أي ضل بسبب الأصنام كثير من الناس. وقيل أضل كبراء قوم نوح كثيرا من الناس وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا يعني ولا تزد المشركين بعبادتهم الأصنام إلا ضلالا وهذا دعاء عليهم وذلك أن نوحا عليه السلام كان قد امتلأ قلبه غضبا وغيظا عليهم فدعا عليهم.
فإن قلت كيف يليق بمنصب النبوة أن يدعو بمزيد الضلال وإنما بعث ليصرفهم عنه.
قلت إنما دعا عليهم بعد أن أعلمه الله أنهم لا يؤمنون وهو قوله تعالى: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ وقيل إنما أراد بالضلال في أمر الدنيا وما يتعلق بها لا في أمر الآخرة مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا أي بالطوفان فَأُدْخِلُوا ناراً أي في حالة واحدة وذلك في الدنيا كانوا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب. واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة عذاب القبر وذلك لأن الفاء تقتضي التعقيب في قوله تعالى أغرقوا فأدخلوا نارا، وهذا يدل على أنه إنما حصل دخول النار عقيب الإغراق ولا يمكن حمله على عذاب الآخرة لأنه يبطل دلالة الفاء، وقيل معناه أنهم سيدخلون نارا في الآخرة فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصدق الوعد في ذلك والأول أصح فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً يعني تنصرهم وتمنعهم من العذاب الذي نزل بهم وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً يعني أحد يدور في الأرض فيذهب ويجيء من الدوران. وقيل أصله من الدار أي نازل دار إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ قال ابن عباس وغيره كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول له احذر هذا فإنه كذاب وإن أبي حذرنيه، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم بعد ذلك أرحام النساء وأيبس أصلاب الرجال وذلك قبل نزول العذاب بأربعين سنة. وقيل بسبعين سنة وأخبر الله نوحا أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمنا فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكم جميعا ولم يكن معهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى أعقمهم قبل العذاب رَبِّ اغْفِرْ لِي وذلك أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل، وقيل يحتمل أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل. وقيل يحتمل أنه حين دعا على الكفار أنه إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام منهم فاستغفر من ذلك لما فيه من طلب حظ النفس أو لأنه ترك الاحتمال. وَلِوالِدَيَّ وكان اسم أبيه ملك بن متوشلخ واسم أمه سمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين وقيل لم يكن بين آدم ونوح عليهما السلام من آبائه كافر وكان بينهما عشرة آباء وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً أي داري وقيل مسجدي وقيل سفينتي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وهذا عام في كل مؤمن آمن بالله وصدق الرسل، وإنما بدأ بنفسه لأنها أولى بالتخصيص والتقديم ثم ثنى بالمتصلين به لأنهم أحق بدعائه من غيرهم ثم عمم جميع المؤمنين والمؤمنات ليكون ذلك أبلغ في الدعاء، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً أي هلاكا ودمارا فاستجاب الله تعالى دعاءه فأهلكهم جميعا والله أعلم.
﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا ﴾ أي بالطوفان ﴿ فأدخلوا ناراً ﴾ أي في حالة واحدة وذلك في الدنيا كانوا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب. واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة عذاب القبر وذلك لأن الفاء تقتضي التعقيب في قوله تعالى أغرقوا فأدخلوا ناراً، وهذا يدل على أنه إنما حصل دخول النار عقيب الإغراق ولا يمكن حمله على عذاب الآخرة لأنه يبطل دلالة الفاء، وقيل معناه أنهم سيدخلون ناراً في الآخرة فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصدق الوعد في ذلك والأول أصح ﴿ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً ﴾ يعني تنصرهم وتمنعهم من العذاب الذي نزل بهم.
﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ﴾ يعني أحد يدور في الأرض فيذهب ويجيء من الدوران. وقيل أصله من الدار أي نازل دار.
﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ﴾ قال ابن عباس وغيره كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول له احذر هذا فإنه كذاب وإن أبي حذرنيه، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك ﴿ ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ﴾ إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم بعد ذلك أرحام النساء وأيبس أصلاب الرجال وذلك قبل نزول العذاب بأربعين سنة. وقيل بسبعين سنة وأخبر الله نوحاً أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكهم جميعاً ولم يكن معهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى أعقمهم قبل العذاب.
﴿ رب اغفر لي ﴾ وذلك أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل، وقيل يحتمل أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل. وقيل يحتمل أنه حين دعا على الكفار أنه إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام منهم فاستغفر من ذلك لما فيه من طلب حظ النفس أو لأنه ترك الاحتمال. ﴿ ولوالديَّ ﴾ وكان اسم أبيه ملك بن متوشلخ واسم أمه سمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين وقيل لم يكن بين آدم ونوح عليهما السلام من آبائه كافر وكان بينهما عشرة آباء ﴿ ولمن دخل بيتي مؤمناً ﴾ أي داري وقيل مسجدي وقيل سفينتي ﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ وهذا عام في كل مؤمن آمن بالله وصدق الرسل، وإنما بدأ بنفسه لأنها أولى بالتخصيص والتقديم ثم ثنى بالمتصلين به لأنهم أحق بدعائه من غيرهم ثم عمم جميع المؤمنين والمؤمنات ليكون ذلك أبلغ في الدعاء، ﴿ ولا تزد الظالمين إلا تباراً ﴾ أي هلاكاً ودماراً فاستجاب الله تعالى دعاءه فأهلكهم جميعاً والله أعلم.
Icon