تفسير سورة البروج

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة البروج من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة البروج
مكية، عددها اثنتان وعشرون آية كوفي

قوله: ﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ ﴾ [آية: ١] يقول: والسماء ذات النجوم، نظيرها في تبارك:﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً ﴾يقول: جعل في السماء نجوماً،﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ﴾وهى الشمس﴿ وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾[الفرقان: ٦١].
وقوله تعالى: ﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾ [آية: ٢] يقول: هو يوم القيامة الذي وعد الله عز وجل أولياءه الجنة، وأعداءه النار، فذلك قوله: ﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾.
﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [آية: ٣] يقول: يوم النحر، والفطر، ويوم الجمعة، فهذا قسم إن﴿ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾[البروج: ١٢]، قوله: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ﴾ [آية: ٤] وذلك أن يوسف بن ذي نواس من أهل نجران كان حفر خدا، وأوقد فيه النار، فمن تكلم منهم بالتوحيد أحرقه بالنار، وذلك أنه كان قد آمن من قومه ثمانون رجلاً، وتسع نسوة، فأمرهم أن يرتدوا عن الإسلام، فأبوا فأخبرهم أنه سيعذبهم بالنار فرضوا لأمر الله عز وجل، فأحرقهم كلهم، فلم يزل يلقى واحداً بعد واحد في النار حتى مرت امرأة ومعها صبى لها صغير يرضع فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه، فرجعت فعرضوا عليها أن تكفر فأبت فضربوها حتى رجعت فلم تزل ترجع مرة، وتشفق مرة، حتى تكلم الصبي فقال لها: يا أماه إن بين يديك ناراً لا تطفأ أبداً، فلما سمعت قول الطفل أحضرت حتى ألقت نفسها في النار، فجعل الله عز وجل أرواحهم في الجنة، وأوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قتل أصحاب الأخدود يوسف بن ذي نواس وأصحابه. ثم ذكر مساوئهم، فقال: ﴿ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴾ [آية: ٦] يعني أصحابه قعود على شفة الخد ﴿ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴾ [آية: ٧] قال: كانوا يعرفون أن يوسف بن ذي نواس ليس يعذب إلا بالإيمان، ثم قال: يتعجب من سوء صنيعهم، فقال: ﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ ﴾ يقول: وأي ريبة رأوا منهم؟ ما عذبهم ﴿ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ﴾ في نقمته ﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾ [آية: ٨] ﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من السر والعلانية ﴿ شَهِيدٌ ﴾ [آية: ٩].
ثم قال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ نظيرها في سورة﴿ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً ﴾[الذاريات: ١]، يقول:﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾[الذاريات: ١٣] يعني يحرقون. ثم قال: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾ من ذلك ﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [آية: ١٠].
ثم قال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ وشهدوا أن لا إله إلا الله، فهو الصالحات، نظيرها حين قال الله عز وجل:﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ ﴾[فاطر: ١٠]، فهو الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقول: يصعد ذلك إليه كله بشهادة أن لا إله إلا الله، ولولا هذا ما ارتفع لابن آدم عمل أبداً، ثم قال: ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ يقول: البساتين تجري من تحتها الأنهار، وهي العيون خالدين فيها ما دامت الجنة، فهم دائمون أبداً. ثم قال: ﴿ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [آية: ١١] يقول: هذا النجاء الكبير، يقول: من زحزح عن النار، وأدخل الجنة فقد نجا نجاء عظيماً.
ثم رجع إلى قسمة الذي كان أقسم في أول السورة، فقال: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [آية: ١٢] يقول: إن عذاب ربك لشديد يقول: إذا غضب بطش، وإذا بطش أهلك، ثم عظم الرب عز وجل نفسه، فقال: ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ ﴾ [آية: ١٣] يقول: بدأ خلق النفس من نطفة ميتة ويحيه، ثم قال: ﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ﴾ للذنوب الكبائر لمن تاب منها ﴿ ٱلْوَدُودُ ﴾ [آية: ١٤] يقول: الشكور للعمل الصالح القليل إذا رضوه، يقول: اشكر العمل اليسير حتى أضاعفه للواحد عشرة فصاعداً، ثم عظم الرب تبارك وتعالى، نفسه فقال: ﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ﴾ فإنه ما خلق الله عز وجل خلقاً أعظم من العرش لأن السموات والأرض قد غابتا تحت العرش كالحلقة في الأرض الفلاة. ثم قال: ﴿ ٱلْمَجِيدُ ﴾ [آية: ١٥] الجواد الكريم ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [آية: ١٦] يقول: ليس يريد شيئاً إلا فعله، يقول: إن العبد يفرق من سيده أن يفعل ما يشاء، والسيد يفرق من أميره الذي هو عليه، والإمير يفرق من الملك، والملك يفرق من الله عز وجل، والله عز وجل لا يفرق من أحد أن يفعل، فذلك قوله تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾.
﴿ هَلُ ﴾ يعني قد ﴿ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ ﴾ [آية: ١٧] في القرآن ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ [آية: ١٨] قد عرفت ما فعل الله عز وجل بقوم فرعون، حيث ساروا في طلب موسى، عليه السلام، وبنى إسرائيل، و كانوا ألف ألف وخمس مائة ألف، فساقهم الله تعالى بآجالهم إلى البحر، فغرقهم الله أجمعين فمن جاء يخاصمني فيهم، قال: ﴿ وَثَمُودَ ﴾ وهم قوم صالح حيث عقروا الناقة وكذبوا صالحاً ثم تمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، فجاءهم العذاب يوم السبت غدوة حين نهضت الشمس ﴿ فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ ﴾ وجبريل، عليه السلام، الذي كان دمدم، لأنه صرخ صرخة فوقع بيوتهم عليهم فسواها، يقول: فسوى البيوت على قبورهم، لأنهم لما استيقنوا بالهلكة عمدوا فحفروا قبوراً في منازلهم، وتحنطوا بالمر والصبر، قال: فسواها يقول: استوت على قبورهم، قال: فهل جاء أحد يخاصمنى فيهم، فذلك قوله:﴿ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾[الشمس: ١٥]، قال: فاحذروا يا أهل مكة، فأنا المجيد الحق الذي ليس فوقي أحد. ثم استأنف فقال: ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ ﴾ [آية: ١٩] يقول: لكن يا محمد الذين كفروا لا يؤمنون، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقرأ عليهم سأله رجل من جلسائه عن علم الله عز وجل في عباده شىء بدا له من بعدما خلقهم، أو كان قبل أن يخلقوا؟ فأنزل الله عز وجل.
﴿ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾ [آية: ٢٠] ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ يعني لكن هو ﴿ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾ [آية: ٢١] يقول: هو قرآن مجيد: هو كتاب مجيد ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [آية: ٢٢] قبل أن يخلقوا، وأن الله عز وجل قد فرغ من علم عباده، وعلم ما يعملون قبل أن يخلقهم، ولم يجبرهم على المعصية.
Icon