تفسير سورة الأنبياء

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
مكية
وآياتها اثنتا عشر ومائة
كلماتها : ١١٧٨ ؛ حروفها : ٤٨٩٠

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ { ١ ) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ { ٢ ) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ { ٣ ) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { ٤ ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ { ٥ ) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ { ٦ ) ﴾
دنا للناس وقت بعثهم من قبورهم، وسوقهم إلى ربهم، وسؤالهم عن أقوالهم وأفعالهم ونياتهم، ومجازاتهم بما قدموا في حياتهم، وهم في سهو وجهالة عما يفعل بهم، وقد أعرضوا عن ذلك فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له ١ والتزود بما ينجي من أحواله وأهواله إن شاء الله ؛ [ فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد مضى دون هذا القول مئات من الأعوام ؟ فالجواب : أن كل ما هو آت قريب... ومما يدل على أن الباقي... أقل من الماضي قوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بالسبابة والتي تليها ؛ وفي ذكر هذا الاقتراب تنبيه للغافلين، وزجر للمذنبين، فالمراد بالناس : كل من له مدخل في الحساب وهم جميع المكلفين ؛ وما روى ابن عباس أن المراد بالناس : المشركون، فمن باب إطلاق اسم الجنس على بعضه بالدليل القائم، وهو ما يتلوه من صفات المشركين من الغفلة والإعراض وغيرهما ]٢. ﴿ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم ] مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن :{ محدث ﴾ نعت ل﴿ ذكر ﴾... يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما ينزله الله تعالى في وقت بعد وقت ؛ لا أن القرآن مخلوق ؛ وقيل : الذكر : ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به ؛ وقال :﴿ من ربهم ﴾ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث ؛ قال الله تعالى :﴿ فذكر إنما أنت مذكر )٣... { إلا استمعوه ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته ﴿ وهم يلعبون ﴾ الواو : واو الحال يدل عليه ﴿ لاهية قلوبهم ﴾ ومعنى :﴿ يلعبون ﴾ أي يلهون.. فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما بلذاتهم ؛ الثاني بسماع ما يتلى عليهم ؛ وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال تعالى. { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو.. )٤ ؛ الثاني يتشاغلون بالقدح فيه، والاعتراض عليه... اه
١ ما بين العارضتين من جامع البيان..
٢ ما بين العلامتين مقتبس مما أورد النيسابوري.
٣ سورة الغاشية. الآية ٢١..
٤ سورة محمد. من الآية ٣٦.
﴿ لاهية قلوبهم ﴾ ذهلت قلوبهم فهي لا تفقه مما سمعت شيئا، لا يتدبرون حكمه، ولا يتفكرون في برهانه ولا في سلطانه، ولا في حججه وبيناته ؛ [ ﴿ أسروا النجوى ﴾ كلام مستأنف مسوق لبيان جناية أخرى من جناياتهم، و ﴿ النجوى ﴾ اسم من التناجي، ولا تكون إلا سرا، فمعنى إسرارها : المبالغة في إخفائها.... ﴿ الذين ظلموا ﴾ بدل من ضمير ﴿ أسروا ﴾.... وفيه إشعار بكونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما أسروا به ﴿ هل هذا إلا بشر مثلكم ﴾... كأنه قيل ماذا قالوا في نجواهم ؟ فقيل : قالوا هذا... ﴿ أفتأتون السحر ﴾ للإنكار، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، وقوله سبحانه :﴿ وأنتم تبصرون ﴾ حال من فاعل ﴿ تأتون ﴾ مقررة للإنكار، ومؤكدة للاستبعاد... قالوه بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا، وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر، وعنوا بالسحر هاهنا القرآن ]١.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم ﴾ قال لهم نبينا بعدما أوحي إليه من إسرارهم وافترائهم، ونجواهم وإفكهم، قال : ربي أحاط بكل شيء علما، يعلم سركم ونجواكم، ومهما استخفيتم أو أعلنتم ! فأمركم معلوم لمولاي ومعبودي وخالقي ومالك أمري ؛ { وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور )١ ؛ { ... ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه.. )٢ وربي سميع لكل مسموع، عليم بكل معلوم...
١ سورة الملك. الآية ١٣..
٢ سورة يونس. من الآية ٦١..
﴿ بل قالوا أضغاث أحلام ﴾ إضراب وانتقال من بيان افترائهم السابق إلى بيان افتراء آخر، فلم يكتفوا باستنكار أن يرسل برسالة من الله مع أنه بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولكن أضافوا إلى هذا زعما باطلا أن القرآن تخاليط أحلام ؛ ثم أضربوا البهتان الذي ادعوه، وقالوا :﴿ بل افتراه ﴾ بل اختلق محمد القرآن من تلقاء نفسه ؛ ثم اضطربوا فقالوا :﴿ بل هو شاعر ﴾ يقص علينا أخيلة وأوهاما ليست من الحقيقة في شيء، ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ ليطالعنا بمعجزة إن كان صادقا في ادعاء النبوة حتى نعلم أنه نبي، كما كان الأنبياء السابقون يجيئون أقوامهم بخوارق العادات إثباتا لصحة نبوتهم، كما جاء صالح قومه بالناقة، وجاء موسى بتسع معجزات، وجاء عيسى بإبراء الأكمة والأبرص وغيرهما ؛ ﴿ فليأتنا بآية ﴾ جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق كأنه قيل : وإن لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من الله عز وجل كما يقول ﴿ فليأتنا بآية ﴾ ﴿ ما آمنت قبلهم من قرية ﴾ كلام مستأنف مسوق لتكذيبهم فيما ينبئ عنه خاتمة مقالهم من الوعد الضمني بالإيمان عند إتيان الآية المقترحة، وبيان أنهم في اقتراح ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، وأن في ترك الإجابة إليه إبقاء عليهم، كيف لا ! ولو أعطوا ما اقترحوه مع عدم إيمانهم قطعا لاستأصلوا، لجريان سنة الله تعالى شأنه في الأمم السالفة على استئصال المقترحين منهم إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا، وقد سبقت كلمته سبحانه أن هذه الأمة لا يعذبون بعذاب الاستئصال... ﴿ من قرية ﴾ على حذف المضاف، أي : من أهل قرية و﴿ من ﴾ مزيدة لتأكيد العموم، وما بعدها في محل رفع على الفاعلية ؛ وقوله سبحانه :﴿ أهلكناها ﴾ في محل جر أو رفع صفة ﴿ قرية ﴾ والمراد : أهلكناها بإهلاك أهلها لعدم إيمانهم بعد مجيء ما اقترحوه.... والهمزة في قوله سبحانه :﴿ أفهم يؤمنون ﴾ لإنكار الوقوع، والفاء للعطف... على﴿ ما آمنت ﴾ على أن الفاء متقدمة على الهمزة في الاعتبار، مفيدة لترتيب إنكار وقوع إيمانهم على عدم إيمان الأولين. ١
١ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { ٧ ) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ { ٨ ) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ { ٩ ) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ { ١٠ ) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ { ١١ ) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ { ١٢ ) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ { ١٣ ) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ { ١٤ ) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ { ١٥ ) ﴾.
﴿ رجالا ﴾ ذكورا من بني آدم، بلغوا سن الاكتهال.
﴿ أهل الذكر ﴾ أهل العلم ؛ قال ابن زيد : أهل العلم بالقرآن.
يقول تعالى ذكره لنبيه : وما أرسلناك يا محمد قبلك رسولا إلى أمة من الأمم التي خلت قبل أمتك إلا رجالا مثلهم نوحي إليهم ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا لا ملائكة ؛ فماذا أنكروا من إرسالنا إليهم ؟ وأنت رجل كسائر الرسل الذين قبلك إلى أممهم ؛ وقوله :﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾١... عن قتادة : فاسألوا أهل التوراة والإنجيل قال أبو جعفر : أراه أنا قال : يخبركم أن الرسل كانوا رجالا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق... قال ابن زيد في قوله :﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ قال : أهل القرآن ؛ والذكر : القرآن ؛ وقرأ :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )٢. { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ﴾ وما جعلنا الأنبياء قبلك لا يأكلون ولا يشربون بل كانوا كسائر البشر يأكلون ويموتون ؛ [ فلعلهم اعتقدوا خلود الملائكة لا أقل من العمر الطويل ؛ ولابد من تقدير مضاف محذوف، أي : وما جعلنا الأنبياء قبلك ذوي جسد غير طاعمين، وإلا قيل : وما جعلنا لهم جسدا، ووحد الجسد لإرادة الجنس.. ]٣.
١ يقول للقائلين في محمد صلى الله عليه وسلم في تناجيهم: هل هذا إلا بشر مثلكم فإن أنكرتم وجهلتم أمر الرسل الذين كانوا من قبل محمد فلم تعلموا أيها القوم أمرهم إنسا كانوا أم ملائكة فاسألوا أهل الكتب من التوراة والإنجيل، ما كانوا يخبروكم عنهم؛ هكذا أورد الطبري..
٢ سورة الحجر. الآية ٩..
٣ ما بين العلامتين [ ] من تفسير غرائب القرآن..
﴿ جسدا ﴾ لا يأكلون ولا يشربون. ﴿ خالدين ﴾ لا يموتون.
مكية
وآياتها اثنتا عشر ومائة
كلماتها : ١١٧٨ ؛ حروفها : ٤٨٩٠
﴿ ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ﴾
﴿ صدقناهم الوعد ﴾ آتيناهم ما وعدناهم، من الاستجابة لهديهم، والنصر على عدوهم. ﴿ المسرفين ﴾ المتجاوزين الحد عدوانا وكفرا.
ثم صدقنا رسلنا في وعدنا الذي وعدناهم بالتأييد على عدوهم، وحين جاء موعد انتقامنا من المكذبين أنجينا الرسل وأتباعهم المؤمنين، ودمرنا الطاغين الكافرين ؛ ونصرنا أهل الحق فكانوا هم الغالبين.
﴿ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ﴾
﴿ كتابا فيه ذكركم ﴾ قرآنا فيه شرفكم.
حق يقسم عليه أن الكتاب العزيز، العربي المبين، فيه حديثكم كما روي عن مجاهد، قال : فيه حديثكم أفلا تعقلون ؟ قال في { قد أفلح )١ :{ .. بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون )٢ ؛ وعن سفيان : نزل القرآن بمكارم الأخلاق.. ؛ أو المراد الشرف، كما جاء في قول الحق سبحانه :{ وإنه لذكر لك ولقومك.. )٣ ؛ نقل ابن جرير :... لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه شرفكم.. وذلك أنه شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه. ا ه.
١ سورة المؤمنون. من الآية ١١؛ كأنه يقصد السورة التي ذكر فيها هذا القول الرباني الحكيم: -{... بل آتيناهم..) وهي سورة {المؤمنون).
٢ سورة المؤمنون. من الآية ٧١..
٣ سورة الزخرف. من الآية٤٤..
﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين. فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ﴾
﴿ قصمنا ﴾ كسرنا. ﴿ وأنشأنا ﴾ أوجدنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وكثير من المدن الظالمة كسرنا أهلها، وفرقناهم بددا، واستخلفنا من بعدهم ناسا غيرهم، فلما أدرك أهل تلك المدن الذين طغوا وأفسدوا ـ لما أدركوا حلول النقمة إذا هم من النقمة يفرون ويولون هاربين
﴿ أحسوا ﴾ خافوا وتوقعوا. ﴿ يركضون ﴾ يهربون ويفرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وكثير من المدن الظالمة كسرنا أهلها، وفرقناهم بددا، واستخلفنا من بعدهم ناسا غيرهم، فلما أدرك أهل تلك المدن الذين طغوا وأفسدوا ـ لما أدركوا حلول النقمة إذا هم من النقمة يفرون ويولون هاربين
﴿ لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ﴾
﴿ أترفتم ﴾ وسع عليكم حتى بطرتم.
فتقول لهم الملائكة العذاب أو من كان قريبا من مساكنهم من المؤمنين : لا تفروا ولا تولوا يقولون ذلك استهزاء بهم وعودوا إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، وإلى مساكنكم التي كنتم تتطاولون في بنائها، وتفتخرون بتشييدها وملكها ! فربما يغشاكم من يسألكم، أو يلقاكم من يستعلم عن أحوالكم ومآلكم.
﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ﴾
﴿ يا ويلنا ﴾ نادوا الويل والعذاب أن هذا أوانك ووقتك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما قالت لهم الملائكة ﴿ لا تركضوا ﴾ ونادت : يا لثارات الأنبياء، ولم يروا شخصا يكلمهم، عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم فعند ذلك قالوا :﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف ﴿ فما زالت تلك دعواهم ﴾ أي : لم يزالوا يقولون :﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ ﴿ حتى جعلناهم حصيدا.. ﴾ كما يحصد الزرع.. بالعذاب ﴿ خامدين ﴾ ميتين ـ١
﴿ حصيدا خامدين ﴾ محصودين هامدين، ميتين هالكين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ لما قالت لهم الملائكة ﴿ لا تركضوا ﴾ ونادت : يا لثارات الأنبياء، ولم يروا شخصا يكلمهم، عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم فعند ذلك قالوا :﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا ينفع الاعتراف ﴿ فما زالت تلك دعواهم ﴾ أي : لم يزالوا يقولون :﴿ يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ ﴿ حتى جعلناهم حصيدا.. ﴾ كما يحصد الزرع.. بالعذاب ﴿ خامدين ﴾ ميتين ـ١
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ { ١٦ ) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ { ١٧ ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ { ١٨ ) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ { ١٩ ) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ { ٢٠ ) ﴾.
ما خلق الله تعالى السماوات والأرضين وما فيهن ومن فيهن عبثا أو مجازفة، لكنه سبحانه خلق ذلك بالقسط عدلا ومجازاة، كما بين الحكمة في قوله الكريم :{ .. ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )١ ؛ وحاش لله أن يكون فعله لهوا، وتبارك مولانا القائل في محكم التنزيل :{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )٢.
١ سورة النجم. من الآية٣١..
٢ سورة ص. الآيتان: ٢٧، ٢٨..
﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ نقل صاحب روح المعاني عن صاحب الكشف ما حاصله : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم، وهذا عين الجد والحكمة، فهو في معنى : لو أردناه لامتنع... والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة، ورجح أن تكون ﴿ إن ﴾ في قول الحق سبحانه ﴿ إن كنا فاعلين ﴾ نافية، وقال : كما عليه جمهور المفسرين وحسنه بالغ الحسن.. اه ؛ فكأن المعنى : ما كنا لنفعل ذلك ؛ ولهذا جاء بعدها :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ لكنا لا نريد لهوا ولا عبثا بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وتخصيص هذا الشأن من بين شؤونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إنشاء الله تعالى من الوعيد ١. قال مجاهد : الحق هنا القرآن، والباطل : الشيطان، وقيل : الحق : المواعظ ؛ والباطل : المعاصي ؛ والقرآن يتضمن الحجة والموعظة ؛ ولله من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا... وفي الإتقان : حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة، وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة، ﴿ من عنده ﴾ وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام... والمراد بالعندية : عندية الشرف لا عندية المكان، وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة.. ٢.
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
١ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ فيدمغه ﴾ فيهلكه ويقهره. ﴿ زاهق ﴾ هالك تالف.
﴿ الويل ﴾ العذاب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ نقل صاحب روح المعاني عن صاحب الكشف ما حاصله : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم، وهذا عين الجد والحكمة، فهو في معنى : لو أردناه لامتنع... والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة، ورجح أن تكون ﴿ إن ﴾ في قول الحق سبحانه ﴿ إن كنا فاعلين ﴾ نافية، وقال : كما عليه جمهور المفسرين وحسنه بالغ الحسن.. اه ؛ فكأن المعنى : ما كنا لنفعل ذلك ؛ ولهذا جاء بعدها :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ لكنا لا نريد لهوا ولا عبثا بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وتخصيص هذا الشأن من بين شؤونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إنشاء الله تعالى من الوعيد ١. قال مجاهد : الحق هنا القرآن، والباطل : الشيطان، وقيل : الحق : المواعظ ؛ والباطل : المعاصي ؛ والقرآن يتضمن الحجة والموعظة ؛ ولله من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا... وفي الإتقان : حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة، وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة، ﴿ من عنده ﴾ وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام... والمراد بالعندية : عندية الشرف لا عندية المكان، وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة.. ٢.
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
١ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..

﴿ يستحسرون ﴾ يعيون ويتعبون ويميلون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ نقل صاحب روح المعاني عن صاحب الكشف ما حاصله : لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم، وهذا عين الجد والحكمة، فهو في معنى : لو أردناه لامتنع... والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة، ورجح أن تكون ﴿ إن ﴾ في قول الحق سبحانه ﴿ إن كنا فاعلين ﴾ نافية، وقال : كما عليه جمهور المفسرين وحسنه بالغ الحسن.. اه ؛ فكأن المعنى : ما كنا لنفعل ذلك ؛ ولهذا جاء بعدها :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ لكنا لا نريد لهوا ولا عبثا بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وتخصيص هذا الشأن من بين شؤونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إنشاء الله تعالى من الوعيد ١. قال مجاهد : الحق هنا القرآن، والباطل : الشيطان، وقيل : الحق : المواعظ ؛ والباطل : المعاصي ؛ والقرآن يتضمن الحجة والموعظة ؛ ولله من في السماوات والأرض ملكا وخلقا وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصريفا، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن يكون لأحد في ذلك دخل ما استقلالا واستتباعا... وفي الإتقان : حيث يراد العدد يؤتى بالسماء مجموعة، وحيث يراد الجهة يؤتى بها مفردة، ﴿ من عنده ﴾ وهم الملائكة مطلقا عليهم السلام... والمراد بالعندية : عندية الشرف لا عندية المكان، وقد شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة.. ٢.
﴿ لا يستكبرون عن عبادته ﴾ أي لا يعدون أنفسهم كبراء، ولا يتعظمون عن العبادة، ولا يأنفون عن التخشع والخضوع لجلاله سبحانه ؛ ﴿ ولا يستحسرون ﴾ لا يتعبون ولا يعيون ولا يملون.
١ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
٢ ما بين العارضتين أورده الألوسي..

﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾
﴿ لا يفترون ﴾ لا يضعفون ولا ينقطعون.
يصلون ويذكرون وينزهون المولى تبارك وتعالى كل وقتهم دون ضعف أو انقطاع أو سأم ؛ يقول المفسرون : ثم إن كون الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يستلزم أن يكون عندهم في السماء ليل ونهار، لأن المراد : إفادة دوامهم التسبيح على وجه المتعارف نقل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له : أرأيت قول الله تعالى للملائكة :﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾ أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل ؟ فقال : من هذا الغلام ؟ فقالوا : من بني عبد المطلب، قال : فقبل رأسي ثم قال : يا بني ! إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟ ١.
١ نقل هذا ابن كثير عن ابن إسحاق، عنه..
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ { ٢١ ) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { ٢٢ ) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ { ٢٣ ) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ { ٢٤ ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ { ٢٥ ) ﴾
﴿ ينشرون ﴾ يحيون الموتى.
بدأت السورة الكريمة بالدعوة إلى الإيمان بالآخرة، ثم ثنت بالدعوة إلى الإيمان بالرسالة، وهذه الآيات فيها دعوة إلى الإيمان بالله الواحد ونفي الأنداد والأضداد، والأعوان والشركاء ؛ ﴿ أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ﴾ قال المفضل : مفهوم هذا الاستفهام الجحد، أي : لم يتخذوا آلهة تقدر على إحياء الموتى !، يقول صاحب روح المعاني :﴿ أم اتخذوا آلهة ﴾ حكاية لجناية أخرى من جنايات أولئك الكفرة هي أعظم من جناية طعنهم في النبوة، ﴿ أم ﴾ هي المنقطعة، تقدر ببل الإضرابية، والهمزة الإنكارية، وهي لإنكار الوقوع لا إنكار الواقع، وقوله تعالى﴿ من الأرض ﴾ متعلق باتخذوا، و﴿ من ﴾ ابتدائية، على معنى : أن اتخاذهم إياها مبتدأ من أجزاء الأرض كالحجارة وأنواع المعادن ؛ ويجوز كونها تبعيضية... ﴿ هم ينشرون ﴾ أي : يبعثون الموتى صفة لآلهة.
﴿ لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ﴾ إبطال لتعدد الآلهة ؛ وضمير﴿ فيهما ﴾ للسماء والأرض، والمراد بهما : العالم كله علويه وسفليه... ١اه ؛ قال الكسائي وسيبويه :﴿ إلا ﴾ بمعنى غير.. وحكى سيبويه : لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا ؛ وقال الفراء :﴿ إلا ﴾ هنا في موضع : سوى، والمعنى : لو كان فيها آلهة سوى الله لفسد أهلهما ؛ أي : لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير ؛ لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا ؛ - وقد يقال : إن ﴿ إلا ﴾ في هذه المادة لا يمكن أن تكون للاستثناء، لأنا لو حملناها على الاستثناء لصار المعنى : لو كان فيهما آلهة ليس معهم الله... وهذا يوجب بطريق المفهوم أنه لو كان فيهما آلهة معهم الله لم يحصل الفساد ؛ وللمفسرين في تفسير الآية طريقان : أحدهما –حمل الغائب على الشاهد، المعنى : لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة غير الواحد الذي الذي هو فاطرهما ﴿ لفسدتا ﴾ وفيه دلالة على أمرين : الأول وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحدا ؛ والثاني أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه... وإنما وجب الأمران لعلمنا أن الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف ؛ وثانيهما طريق التمانع.. ﴿ فسبحان الله رب العرش عما يصفون ﴾ من الأنداد والشركاء ؛ فتكون هذه الآية نظيرة قوله :{ ضرب ا الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا... )٢ ؛ وفيه قول زيد ابن عمرو بن نفيل :
أربا واحدا أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الرجل البصير ٣
١ ثم استطرد العلامة الألوسي - رحمه الله ـ وأورد بحثا لغويا تضمن مذاهب النحاة في [لو]، وآخر عن الأقيسة النطقية لإثبات الوحدانية، مبتدئا بدليل التمانع، والبحثان تزيد كلماتها عن الألف كلمة.
٢ سورة الزمر. من الآية ٢٩..
٣ ما بين العارضتين مما أورده النيسابوري..
﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾
﴿ لا يسأل عما يفعل ﴾ لا يعترض فعله أحد.
﴿ يسألون ﴾ يحاسبهم الله تعالى على ماعملوه.
قال ابن جريج : المعنى : لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم، لأنهم عبيد ؛ بين هذا أن من يسأل غدا عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للإلهية ؛ وروى عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين ! أيحب ربنا أن يعصى ؟ قال : أفيعصى ربنا قهرا ؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى، أأحسن إلي أم أساء ؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله يؤتيه من يشاء، ثم تلا الآية :﴿ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ﴾.
﴿ أم اتخذوا من دونه آلهة.. ﴾
﴿ برهانكم ﴾ حجتكم ودليلكم. ﴿ هذا ذكر من معي ﴾ تذكرتهم وموعظتهم، أو الكتاب المنزل لهم.
أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله في التوبيخ... وقيل : الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال :﴿ هم ينشرون ﴾ ويحيون الموتى ؟ هيهات ١ ؛ ﴿ قل هاتوا برهانكم ﴾ احتجاج بالمنقول، أي : في أي كتاب قرأتم أن مع الله تعالى آلهة أخرى ؟ ! وهذا الإبطال لما ادعوه من جهة العقل والنقل جاء مثله في قول الحق جل علاه :{ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين )٢.
﴿ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ﴾ هذا الوحي فيه تذكرة وموعظة للذين بعثت فيهم، وذكر من كانوا قبلي، أو : هذا الذكر الحكيم الذي أنزل للأمة الخاتمة، وهذا ما أنزل الله تعالى على الأمم السالفة، ففي أي أحد منها وجدتم ما يسوغ لكم مجرد شبهة في تفرد الخلاق العليم بالألوهة ؟ ! قال قتادة : الإشارة إلى القرآن ؛ المعنى :﴿ هذا ذكر من معي ﴾ بما يلزمهم من الحلال والحرام ﴿ وذكر من قبلي ﴾ من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون ﴾ فيه تنبيه على أن وقوعهم في هذا الزيغ ليس لأجل دليل ساقهم إليه، بل لأن عندهم ما هو أصل الشر والفساد، وهو عدم العلم وفقد التمييز بين الحق والباطل، فلذلك أعرضوا عن سماع الحق وطلبه ؛ وفي لفظ الأكثر إشارة إلى أن فيهم من يعلم ولكنه يعاند. ٣
١ ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري..
٢ سورة الأحقاف. الآية ٣..
٣ بعض هذا مقتبس من تفسير غرائب القرآن..
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ ما بعث الله تعالى نبيا إلا بالتوحيد، وهو لب الأمر وذروة سنامه ؛ كما شهد الحديث الشريف : " أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله " [ وقد يقال : إن فيه تعميما بعد تخصيص إذا أريد من﴿ ذكر من قبلي ﴾ الكتب الثلاثة ؛ ولما كان ﴿ من رسول ﴾ عاما معنى فكان هناك لفظ ومعنى أفرد على اللفظ في ﴿ نوحي إليه ﴾ ثم جمع على المعنى في ﴿ فاعبدون ﴾... وأيا ما كان فصيغة المضارع ﴿ نوحي ﴾ لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورة الوحي ]١ ؛ وقال قتادة : لم يرسل نبي إلا بالتوحيد، والشرائع مختلفة في التوراة والإنجيل والقرآن، وكل ذلك على الإخلاص والتوحيد.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ { ٢٦ ) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ { ٢٧ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ { ٢٨ ) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ { ٢٩ ) ﴾
﴿ سبحانه ﴾ تنزيها له وتقديسا وتبرئة مما يفترون، وينسبونه إلى الله تعالى عما يقولون
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:حكاية لجناية فريق المشركين، لإظهار بطلانها، وبيان تنزهه سبحانه عن ذلك إثر بيان تنزهه جل وعلا عن الشركاء على الإطلاق... ﴿ سبحانه ﴾ تنزهه بالذات تنزهه اللائق به... أو سبحوه تسبيحه ؛ وقوله تعالى :﴿ بل عباد ﴾ إضراب وإبطال لما قالوا، كأنه قيل : ليست الملائكة كما قالوا بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون له تعالى، فهم ملكه سبحانه، والولد لا يصح تملكه، وفي قوله تعالى :﴿ مكرمون ﴾ أي مقربون عنده تعالى... ﴿ لا يسبقونه بالقول ﴾ أي لا يقولون شيئا حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به، كما هو ديدن العبيد المؤدبين.. والأصل : لا يسبق قولهم قوله تعالى... ﴿ وهم بأمره يعملون ﴾ بيان لتبعيتهم له تعالى في الأعمال إثر بيان تبعيتهم له سبحانه في الأقوال. ـ١
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:حكاية لجناية فريق المشركين، لإظهار بطلانها، وبيان تنزهه سبحانه عن ذلك إثر بيان تنزهه جل وعلا عن الشركاء على الإطلاق... ﴿ سبحانه ﴾ تنزهه بالذات تنزهه اللائق به... أو سبحوه تسبيحه ؛ وقوله تعالى :﴿ بل عباد ﴾ إضراب وإبطال لما قالوا، كأنه قيل : ليست الملائكة كما قالوا بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون له تعالى، فهم ملكه سبحانه، والولد لا يصح تملكه، وفي قوله تعالى :﴿ مكرمون ﴾ أي مقربون عنده تعالى... ﴿ لا يسبقونه بالقول ﴾ أي لا يقولون شيئا حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به، كما هو ديدن العبيد المؤدبين.. والأصل : لا يسبق قولهم قوله تعالى... ﴿ وهم بأمره يعملون ﴾ بيان لتبعيتهم له تعالى في الأعمال إثر بيان تبعيتهم له سبحانه في الأقوال. ـ١
﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾
﴿ ما بين أيديهم ﴾ ما أمامهم. ﴿ وما خلفهم ﴾ ما وراءهم.
﴿ يشفعون ﴾ يتضرعون إلى ربهم ويسألونه العفو عن المذنب، والتجاوز عن المؤاخذة.
عن ابن عباس : يعلم ما عملوا وما هم عاملون ؛ وعنه :﴿ ما بين أيديهم ﴾ الآخرة ؛ ﴿ وما خلفهم ﴾ الدنيا ؛ ﴿ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ﴾ هو كقول الحق سبحانه :{ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن.. )١ وكذا ما في الآية الكريمة :{ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له.. )٢ ؛ عن ابن عباس : من قال لا إله إلا الله، شفاعتهم الاستغفار، وهي تكون في الدنيا والآخرة ؛ ومصداق ذلك في كتاب الله :{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا.. )٣ ؛ { .. والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض )٤.
﴿ وهم من خشيته مشفقون ﴾ والملائكة الكرام عليهم السلام من خشية الله الكبير المتعال وخوف غضبه على حذر ورقبة ؛ فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقيل : يحتمل أن يكون المعنى، أنهم يخشون الله تعالى، ومع ذلك يحذرون من وقوع تقصير في خشيتهم... وفرق بين الخشية والإشفاق بأن الأول : خوف مشوب بتعظيم ومهابة، ولذلك خص به العلماء في قوله تعالى :{ .. إنما يخشى الله من عباده العلماء.. )٥ ؛ والثاني : خوف مع اعتناء، ويعدى بمن [ فيقال : أشفقت من كذا ].. وقد يعدى بعلى [ كما يقال : أشفق على ولده ] بملاحظة الحنو والعطف ٦.
١ سورة النبأ. من الآية ٣٨..
٢ سورة سبأ. من الآية ٢٣..
٣ سورة غافر. من الآية ٧..
٤ سورة الشورى. من الآية ٥..
٥ سورة فاطر. من الآية ٢٨.
٦ ما بين العارضتين من روح المعاني.
﴿ مشفقون ﴾ خائفون ؛ أو : على حذر ورقبة.
﴿ ومن يقل منهم ﴾ ومن يقل من الملائكة على سبيل الفرض ﴿ إني إله من دونه ﴾ فيدعي الألوهية متجاوزا مقام المعبود بحق جل ثناؤه ﴿ فذلك نجزيه جهنم ﴾ فذلك الذي فرض قول ما ذكر فرض محال نجعل جزاءه عذاب النار وحر السعير ﴿ كذلك نجزي الظالمين ﴾ مثل ذلك الجزاء الوبيل نجزي كل متجاوز حده متعد طوره وليس أنقص من هذا الجزاء. [ وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، كقوله :{ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )١ ]٢.
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ { ٣٠ ) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ { ٣١ ) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ { ٣٢ ) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ { ٣٣ ) ﴾.
﴿ أو لم ير ﴾ أو لم يعلم ؟ ! ﴿ رتقا ﴾ ملتصقتين. ﴿ ففتقناهما ﴾ ففصلناهما. ﴿ من الماء كل شيء حي ﴾ أصل الأحياء الماء.
الاستفهام للإنكار ؛ والواو للعطف على مقدر ؛ والرؤية قلبية بصيرية أي : ألم يتفكروا ويعلموا ؟ ! يقبح الله تعالى غفلة الغافلين، وإعراض الناس عن التدبر في بديع صنع رب العالمين، وفي حكمة واقتدار الملك ذي القوة المتين ؛ تجهيل لهم بتقصيرهم عن التدبر في الآيات التكوينية الدالة على عظيم قدرته وتصرفه وكون جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته على وجه ينتفعون به، ويعلمون أن من كان كذلك لا ينبغي أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر أو نحوه.. ٣ ؛ ولو تدبروا لأيقنوا أن الذي خلق الأرض وفصل عنها السماء وباعد بينهما هو وحده صاحب الخلق والأمر، وبديع السماوات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له دون سواه ؛ قال الأخفش :﴿ كانتا ﴾ لأنهما صنفان، كما قال الله تعالى، { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا.. )٤ ﴿ رتقا ﴾ مصدر ؛ والمعنى : كانتا ذواتي رتق التصاق ؛ ﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي ﴾ أي أصل الأحياء الماء ؛ أو : كل شيء من الأحياء له اتصال بالماء ؛ ﴿ أفلا يؤمنون ﴾ أيعلمون ذلك فلا يؤمنون ؟ !.
١ سورة الزخرف. الآية ٨١..
٢ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٣ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي رحمه الله.
٤ سورة فاطر. من الآية ٤١..
﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ﴾
﴿ رواسي ﴾ جبالا ثوابت. ﴿ تميد بكم ﴾ تميل وتضطرب. ﴿ فجاجا ﴾ طرقا ودروب ومسالك ؛ وأصل الفج : الثغرة والفجوة والفتحة.
وخلق الله تعالى في الأرض جبالا ثوابت لئلا تميل الأرض أو تضطرب ؛ أو : وخلقنا في الأرض رواسي أن تميد بهم فنثبتها، ثم حذف فتثبتها لأمن الإلباس إيجازا. ﴿ وجعلنا فيها فجاجا سبلاْ ﴾ أي : جعلنا في الأرض فجوات لتكون لكم سبلا وطرقات ؛ أو جعلنا في الجبال ثغرات وفتحات لتتخذوها دروبا ومسالك ؛ وفي المأثور " يا عمر ! ما رآك إبليس سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " ؛ ﴿ لعلهم يهتدون ﴾ ليهتدوا بها ويستدلوا على كمال القدرة والحكمة، وليعتبروا بها فيستيقنوا بالتوحيد ؛ أو ليهتدوا إلى السير وقضاء المهمات والمصالح.
﴿ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ﴾
﴿ محفوظا ﴾ مصونا عن السقوط والهدم والنقص، وعن الشياطين بحرس النجوم والشهب.
صير ربنا الحكيم السماء كالقبة فوق الأرض ومن عليها، وامتن سبحانه علينا بهذه التي تظلنا، ونبه إلى الاعتبار بعظيم خلقها وبالغ إبداعها، فقال جل ثناؤه :{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها.. )١ وحفظها أن تقع على الأرض، ورفعها بدون عمد، من آيات ربنا الكبرى، كما أن حراستها بالنجوم والشهب أن تغشاها الشياطين من إتقان صنع رب العالمين { .. فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا )٢
﴿ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد. لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب )٣ ؛ { وهم عن آياتها معرضون ﴾ والكفار والفجار عن عجائب صنع الله في السماء، ودلائل وحدانيته وقدرته التي ترى فيها من شمس وقمر وكواكب، هم عن تلك الدلائل مدبرون، وفي نور هدايتها إلى عظمة خالقها لا يتفكرون ؛ إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا واحدا فيستحيل أن يكون له شريك ٤.
١ سورة ق. من الآية ٦.
٢ سورة الجن. من الآية ٩..
٣ سورة الصافات. الآيات: من ٦ إلى ٩..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
﴿ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ﴾
﴿ كل في فلك يسبحون ﴾ كل من آيات السماء من الشمس والقمر والنجوم في حيز ومدار يسبحون ويجرون مسرعين.
ومن آيات وعلامات وحدانيته وقدرته، وسلطانه وحكمته، أن خلق الليل والنهار، هذا بظلمته وسكونه، وهذا بضيائه ونمائه، وأوجد الشمس بعظمها وبركة إشعاعها، والقمر بنوره وبهائه، وكل منها مسخر على سنن لا يتجاوزه ولا يقصر عنه { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )١ كل مخلوق من هذه المخلوقات منطلق بتقدير العزيز العليم إلى مداه الذي ألزمه الله تعالى إياه، لا يستقدم ولا يستأخر، { .. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )٢.
١ سورة يس. الآية ٤٠..
٢ سورة آل عمران. من الآية١٣..
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ { ٣٤ ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ { ٣٥ ) ﴾.
﴿ الخلد ﴾ دوام البقاء في الدنيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن هدت الآيات السابقات إلى العلامات والدلالات الكونية، بينت هاتان الآيتان بعض الحجج الأنفسية ؛ ﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ﴾ قضينا أن كل من عليها فان { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )١ ـ نزلت حين قالوا : نتربص بمحمد ريب المنون ؛ وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته، ويقولون :{ شاعر نتربص به ريب المنون )٢ ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان، فقال الله تعالى : قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك. ٣
[ ﴿ وما جعلنا لبشر ﴾ كائنا من كان ﴿ من قبلك الخلد ﴾ أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية ]٤ ﴿ أفإن مت فهم الخالدون ﴾ أفإن مت أفهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك ؟ ! ولهذا جاء بعدها ﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾ نعمركم في هذه الحياة الدنيا إلى أجل مسمى ثم نذيقكم الموت، وقد اختبرتم في حياتكم العاجلة بالشدة والرخاء والعسر واليسر ؛ كما قال سبحانه :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه )٥، وقال تبارك اسمه :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. )٦ ؛ فيرى كيف الشكر والصبر ؛ { وإلينا ترجعون ﴾ [ نعاملكم معاملة من يختبركم.. ﴿ فتنة ﴾ أي ابتلاء، فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه.. ﴿ وإلينا ترجعون ﴾ لا إلى غيرنا، لا استقلالا ولا اشتراكا، فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال ]٧ ؛ وهكذا يموت الأبرار ويموت الفجار، ولكن هل يستويان ؟ كلا ! هيهات ! يقول ربنا تبارك وتعالى :{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )٨

﴿ نبلوكم ﴾ نختبركم.
﴿ فتنة ﴾ ابتلاء وامتحانا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد أن هدت الآيات السابقات إلى العلامات والدلالات الكونية، بينت هاتان الآيتان بعض الحجج الأنفسية ؛ ﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ﴾ قضينا أن كل من عليها فان { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )١ ـ نزلت حين قالوا : نتربص بمحمد ريب المنون ؛ وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته، ويقولون :{ شاعر نتربص به ريب المنون )٢ ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان، فقال الله تعالى : قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك. ٣
[ ﴿ وما جعلنا لبشر ﴾ كائنا من كان ﴿ من قبلك الخلد ﴾ أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية ]٤ ﴿ أفإن مت فهم الخالدون ﴾ أفإن مت أفهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك ؟ ! ولهذا جاء بعدها ﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ﴾ نعمركم في هذه الحياة الدنيا إلى أجل مسمى ثم نذيقكم الموت، وقد اختبرتم في حياتكم العاجلة بالشدة والرخاء والعسر واليسر ؛ كما قال سبحانه :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه )٥، وقال تبارك اسمه :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.. )٦ ؛ فيرى كيف الشكر والصبر ؛ { وإلينا ترجعون ﴾ [ نعاملكم معاملة من يختبركم.. ﴿ فتنة ﴾ أي ابتلاء، فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه.. ﴿ وإلينا ترجعون ﴾ لا إلى غيرنا، لا استقلالا ولا اشتراكا، فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال ]٧ ؛ وهكذا يموت الأبرار ويموت الفجار، ولكن هل يستويان ؟ كلا ! هيهات ! يقول ربنا تبارك وتعالى :{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون )٨

﴿ وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ { ٣٦ ) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ { ٣٧ ) ﴾
الخطاب هنا كما كان في قول الله سبحانه :﴿ وما جعلنا لبشر من قبلك ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ والمولى الخبير ينبئه بجريمة من جرائمهم فوق ما أجرموه فإذا رأوا النبي ما يتخذونه إلا هزوا وسخرية قائلين تنقيصا واستخفافا أهذا الذي يعيب آلهتكم ويسفه أحلامكم ؟ ! كانوا يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم جاحدون لآلهية الرحمن ؛ أو ذكره، وهو كتابه العزيز : القرآن ؛ ومثلها الآية الكريمة الأخرى :{ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا. إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا )١.
١ سورة الفرقان. الآيتان: ٤١، ٤٢..
﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾ ركب الإنسان على التسرع، وفي طبعه استعجال الأمور [ والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ها هنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامه عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك ؛ فقال الله تعالى :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال :﴿ سأريكم آياتي ﴾ ؛ أي نقمي، وحكمي واقتداري على من عصاني.. ]١ ؛ أما صاحب الجامع لأحكام القرآن فمما قاله : والمراد بالآيات : ما دل على صدق محمد عليه السلام من المعجزات، وما جعله له من العاقبة المحمودة ؛ وقيل : ما طلبوه من العذاب، فأرادوا الاستعجال.. اه.
والخطاب للكفرة المستعجلين، والمراد بآياته تعالى : نقماته عز وجل، والمراد بإراءتهم إياها : إصابة تعالى إياهم بها.. والنهي عن استعجالهم إياه تعالى بالإتيان بها مع أن نفوسهم جبلت على العجلة، ليمنعوها عما تريده. ٢.
١ ما بين العلامتين مما أورد ابن كثير..
٢ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { ٣٨ ) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ { ٣٩ ) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ { ٤٠ ) ﴾
﴿ الوعد ﴾ الموعود، أو ؛ الوعيد والعذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويقول الكافرون مستهزئين : متى يكون هذا الذي تخوفوننا من بطش الدنيا أو عذاب في الآخرة ؟ إن كنتم صادقين في أننا سنبعث يا معشر المؤمنين ! وربنا الخبير البصير ينبئنا بحال المنكرين للقيامة فيقول عز من قائل :{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها.. )١ ؛ فكأنهم قالوا : إن كنتم صادقين أيها المؤمنون في أن يوم البعث آت فليأتنا بسرعة.
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويقول الكافرون مستهزئين : متى يكون هذا الذي تخوفوننا من بطش الدنيا أو عذاب في الآخرة ؟ إن كنتم صادقين في أننا سنبعث يا معشر المؤمنين ! وربنا الخبير البصير ينبئنا بحال المنكرين للقيامة فيقول عز من قائل :{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها.. )١ ؛ فكأنهم قالوا : إن كنتم صادقين أيها المؤمنون في أن يوم البعث آت فليأتنا بسرعة.
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢

﴿ بغتة ﴾.. فجأة.
﴿ فتبهتهم ﴾ فتذعرهم وتحيرهم ﴿ ينظرون ﴾ يمهلون ويؤخرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويقول الكافرون مستهزئين : متى يكون هذا الذي تخوفوننا من بطش الدنيا أو عذاب في الآخرة ؟ إن كنتم صادقين في أننا سنبعث يا معشر المؤمنين ! وربنا الخبير البصير ينبئنا بحال المنكرين للقيامة فيقول عز من قائل :{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها.. )١ ؛ فكأنهم قالوا : إن كنتم صادقين أيها المؤمنون في أن يوم البعث آت فليأتنا بسرعة.
﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ﴾ أي : لو علم الذين كفروا ماذا سينالهم من العذاب الشديد الذي يشوي أبدانهم ووجوههم وأدبارهم ـ لو علموا ذلك لما استعجلوا مستهزئين، أو : ظلوا كافرين معاندين ؛ ﴿ ولا هم ينصرون ﴾ مثلما عجزوا عن دفع لهب السعير عن وجوههم وظهورهم فلن يجدوا من يمنعهم من هذا العذاب أو يدفعه عنهم أو يستنقذهم من لظاه.
﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ إضراب عن جهالتهم، واستخفافهم وجحودهم، وانتقال إلى تقرير مصيرهم، وأن الساعة ستحل بهم فجأة ؛ ﴿ فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ﴾ فحين تباغتهم بمجيئها تحيرهم فلا يقدرون على دفعها، ولا يمهلون فلا يؤجلون ولو قليلا عند حلولها ؛ وصدق الله العظيم :{ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون )٢

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ { ٤١ ) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ { ٤٢ ) أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ { ٤٣ ) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ { ٤٤ ) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ { ٤٥ ) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ { ٤٦ ) ﴾
﴿ فحاق ﴾ فأحاط.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تذكير بسنة الله تعالى التي لا تتبدل، أمضاها في الأولين، وتمضي دون تحول إلى يوم الدين، وبشرى لسيدنا رسول الله خاتم النبيين، والداعين بدعوته، القائمين بالحق ؛ كما هي وعيد لكل متكبر جبار، جاحد كفار ؛ وكأن الأمر مع قد التي للتحقيق أضيف إليه اللام الموطئة للقسم، ومهما سخر الساخرون من الحق وأهله فإنهم سيخزون في العاجلة ويوم يبعثون ؛ ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ﴾ ذكرهم وعظهم، وأقم عليهم حجة الله البالغة، وقل لهم : من يحرسكم ويحفظكم في يقظتكم ومنامكم، وليلكم ونهاركم من عذاب الله تعالى وبأسه ؟، أفأمنتم أن يأتيكم البأس ضحى وأنتم تلعبون ؟ أم أمنتم أن تحل بكم نقمة وأنتم نائمون ؟ ! ؛ ﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾ عن القرآن كتاب الله أدبروا، وعن مواعظ الله تعالى غفلوا، وعن معرفة المعبود بحق تلهوا ـ وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى، فيه من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلال والغي ما لا يخفى ـ١﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾ بل ألهم آلهة تمنعهم وتحميهم من عذابنا، فهم يعولون عليها ؟ ! ﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ﴾ وهؤلاء الذين زعموهم آلهة لا يستطيع أحدهم بل ولا يقدرون مجتمعين على نصر أنفسهم وحمايتها والدفع عنها، فكيف ينصرون غيرهم مهما عبدوهم ؟ ! ﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ لا يصحبهم الله بخير. ﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ﴾ قال ابن عباس : يريد أهل مكة، أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها، وطال أمد تنعمهم فظنوا أنهم لن يحرموها، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج الله الكبير المتعال، واتبعوا ما أترفوا فيه، كالذي قال :﴿.. ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٢ ؛ { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ﴾ ألا ينظرون، فلا يرون أنا نؤيد المؤمنين فنستخلفهم في الأرض ونمكن لهم، ونورثهم مشارق البلاد ومغاربها ؟ أبعد رؤيتهم لما فتحنا به على نبينا والذين آمنوا معه يتوهمون أنهم ستقوم لهم قائمة ؟ ! كلا ! ـ.. تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها ـ٣
﴿ يكلؤكم ﴾ يحفظكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تذكير بسنة الله تعالى التي لا تتبدل، أمضاها في الأولين، وتمضي دون تحول إلى يوم الدين، وبشرى لسيدنا رسول الله خاتم النبيين، والداعين بدعوته، القائمين بالحق ؛ كما هي وعيد لكل متكبر جبار، جاحد كفار ؛ وكأن الأمر مع قد التي للتحقيق أضيف إليه اللام الموطئة للقسم، ومهما سخر الساخرون من الحق وأهله فإنهم سيخزون في العاجلة ويوم يبعثون ؛ ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ﴾ ذكرهم وعظهم، وأقم عليهم حجة الله البالغة، وقل لهم : من يحرسكم ويحفظكم في يقظتكم ومنامكم، وليلكم ونهاركم من عذاب الله تعالى وبأسه ؟، أفأمنتم أن يأتيكم البأس ضحى وأنتم تلعبون ؟ أم أمنتم أن تحل بكم نقمة وأنتم نائمون ؟ ! ؛ ﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾ عن القرآن كتاب الله أدبروا، وعن مواعظ الله تعالى غفلوا، وعن معرفة المعبود بحق تلهوا ـ وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى، فيه من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلال والغي ما لا يخفى ـ١﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾ بل ألهم آلهة تمنعهم وتحميهم من عذابنا، فهم يعولون عليها ؟ ! ﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ﴾ وهؤلاء الذين زعموهم آلهة لا يستطيع أحدهم بل ولا يقدرون مجتمعين على نصر أنفسهم وحمايتها والدفع عنها، فكيف ينصرون غيرهم مهما عبدوهم ؟ ! ﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ لا يصحبهم الله بخير. ﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ﴾ قال ابن عباس : يريد أهل مكة، أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها، وطال أمد تنعمهم فظنوا أنهم لن يحرموها، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج الله الكبير المتعال، واتبعوا ما أترفوا فيه، كالذي قال :﴿.. ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٢ ؛ { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ﴾ ألا ينظرون، فلا يرون أنا نؤيد المؤمنين فنستخلفهم في الأرض ونمكن لهم، ونورثهم مشارق البلاد ومغاربها ؟ أبعد رؤيتهم لما فتحنا به على نبينا والذين آمنوا معه يتوهمون أنهم ستقوم لهم قائمة ؟ ! كلا ! ـ.. تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها ـ٣
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تذكير بسنة الله تعالى التي لا تتبدل، أمضاها في الأولين، وتمضي دون تحول إلى يوم الدين، وبشرى لسيدنا رسول الله خاتم النبيين، والداعين بدعوته، القائمين بالحق ؛ كما هي وعيد لكل متكبر جبار، جاحد كفار ؛ وكأن الأمر مع قد التي للتحقيق أضيف إليه اللام الموطئة للقسم، ومهما سخر الساخرون من الحق وأهله فإنهم سيخزون في العاجلة ويوم يبعثون ؛ ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ﴾ ذكرهم وعظهم، وأقم عليهم حجة الله البالغة، وقل لهم : من يحرسكم ويحفظكم في يقظتكم ومنامكم، وليلكم ونهاركم من عذاب الله تعالى وبأسه ؟، أفأمنتم أن يأتيكم البأس ضحى وأنتم تلعبون ؟ أم أمنتم أن تحل بكم نقمة وأنتم نائمون ؟ ! ؛ ﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾ عن القرآن كتاب الله أدبروا، وعن مواعظ الله تعالى غفلوا، وعن معرفة المعبود بحق تلهوا ـ وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى، فيه من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلال والغي ما لا يخفى ـ١﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾ بل ألهم آلهة تمنعهم وتحميهم من عذابنا، فهم يعولون عليها ؟ ! ﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ﴾ وهؤلاء الذين زعموهم آلهة لا يستطيع أحدهم بل ولا يقدرون مجتمعين على نصر أنفسهم وحمايتها والدفع عنها، فكيف ينصرون غيرهم مهما عبدوهم ؟ ! ﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ لا يصحبهم الله بخير. ﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ﴾ قال ابن عباس : يريد أهل مكة، أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها، وطال أمد تنعمهم فظنوا أنهم لن يحرموها، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج الله الكبير المتعال، واتبعوا ما أترفوا فيه، كالذي قال :﴿.. ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٢ ؛ { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ﴾ ألا ينظرون، فلا يرون أنا نؤيد المؤمنين فنستخلفهم في الأرض ونمكن لهم، ونورثهم مشارق البلاد ومغاربها ؟ أبعد رؤيتهم لما فتحنا به على نبينا والذين آمنوا معه يتوهمون أنهم ستقوم لهم قائمة ؟ ! كلا ! ـ.. تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها ـ٣
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تذكير بسنة الله تعالى التي لا تتبدل، أمضاها في الأولين، وتمضي دون تحول إلى يوم الدين، وبشرى لسيدنا رسول الله خاتم النبيين، والداعين بدعوته، القائمين بالحق ؛ كما هي وعيد لكل متكبر جبار، جاحد كفار ؛ وكأن الأمر مع قد التي للتحقيق أضيف إليه اللام الموطئة للقسم، ومهما سخر الساخرون من الحق وأهله فإنهم سيخزون في العاجلة ويوم يبعثون ؛ ﴿ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ﴾ ذكرهم وعظهم، وأقم عليهم حجة الله البالغة، وقل لهم : من يحرسكم ويحفظكم في يقظتكم ومنامكم، وليلكم ونهاركم من عذاب الله تعالى وبأسه ؟، أفأمنتم أن يأتيكم البأس ضحى وأنتم تلعبون ؟ أم أمنتم أن تحل بكم نقمة وأنتم نائمون ؟ ! ؛ ﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾ عن القرآن كتاب الله أدبروا، وعن مواعظ الله تعالى غفلوا، وعن معرفة المعبود بحق تلهوا ـ وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى، فيه من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلال والغي ما لا يخفى ـ١﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾ بل ألهم آلهة تمنعهم وتحميهم من عذابنا، فهم يعولون عليها ؟ ! ﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ﴾ وهؤلاء الذين زعموهم آلهة لا يستطيع أحدهم بل ولا يقدرون مجتمعين على نصر أنفسهم وحمايتها والدفع عنها، فكيف ينصرون غيرهم مهما عبدوهم ؟ ! ﴿ ولا هم منا يصحبون ﴾ لا يصحبهم الله بخير. ﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ﴾ قال ابن عباس : يريد أهل مكة، أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها، وطال أمد تنعمهم فظنوا أنهم لن يحرموها، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج الله الكبير المتعال، واتبعوا ما أترفوا فيه، كالذي قال :﴿.. ما أظن أن تبيد هذه أبدا. وما أظن الساعة قائمة ولن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )٢ ؛ { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ﴾ ألا ينظرون، فلا يرون أنا نؤيد المؤمنين فنستخلفهم في الأرض ونمكن لهم، ونورثهم مشارق البلاد ومغاربها ؟ أبعد رؤيتهم لما فتحنا به على نبينا والذين آمنوا معه يتوهمون أنهم ستقوم لهم قائمة ؟ ! كلا ! ـ.. تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها ـ٣
﴿ قل إنما أنذركم بالوحي ﴾
﴿ أنذركم ﴾ أحذركم وأخوفكم. ﴿ الصم ﴾ الذين لا يسمعون.
ذكرهم وأقم عليهم الحجة بأنك لا تحذرهم ولا تنذرهم وتخوفهم سوء العاقبة من عند نفسك وإنما بما يتنزل عليك من تنزيل العليم الخبير القوي القدير ؛ ولكن لا يزدجر بهذا من ختم الله على قلبه وسمعه.
﴿ ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾
﴿ نفحة ﴾ قدر قليل.
إذا أدركهم طرف وقليل من العذاب، بل وأقل وأدنى شيء منه، ليقرن بالحق حين لا ينفع الإقرار، ويدعون على أنفسهم بالويل والهلاك والدمار، { .. كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )١.
١ سورة البقرة. من الآية ١٦٧..
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ { ٤٧ ) ﴾
﴿ نضع ﴾ نحضر. ﴿ القسط ﴾ العدل.
﴿ أتينا بها ﴾ أحضرناها ؛ أو : أعطيناها وجازينا بها عند من قرأ ﴿ آتينا ﴾ بالمدة.
من كان يرجو لقاء الله فإنه آت لا ريب فيه ﴿ والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )١ ؛ إذا جمع الله تعالى الناس ليوم الحساب أحضر الميزان الذي توزن به أعمال العباد { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )٢ ويمكن أن يكون ميزانا واحدا عبر عنه بلفظ الجمع ٣ [ وقد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع للتعظيم، كقوله تعالى :{ .. رب ارجعون. لعلي أعمل صالحا.. )٤.. { ليوم القيامة ﴾ بمعنى في.. أي : نضع الموازين في يوم القيامة التي كانوا يستعجلونها : وقال غير واحد : هي للتعليل أي : لأجل حساب يوم القيامة، أو : لأجل أهله.. ﴿ فلا تظلم نفس ﴾ من النفوس ﴿ شيئا ﴾ من الظلم فلا ينقص ثوابها الموعود، ولا يزاد عذابها المعهود.. وقال القرطبي : الميزان حق، ولا يكون في حق كل أحد، بدليل الحديث الصحيح، فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن.. الحديث ؛ وأحرى الأنبياء عليهم السلام ؛ وقوله تعالى :﴿ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام )٥، وقوله تعالى :{ .. فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا )٦، وقوله سبحانه :{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )٧... حبة الخردل مثل في الصغر.. { وكفى بنا حاسبين ﴾ قيل : أي عادين ومحصين أعمالهم.. ولا يخفى أن في الآية إشارة ما إلى أن الحساب المذكور فيها بعد وضع الموازين.. ]٨.
١ سورة الأعراف الآيتان: ٨، ٩..
٢ سورة الزلزلة. الآيتان: ٧، ٨..
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.
٤ سورة المؤمنون. من الآية ٩٩، ومن الآية ١٠٠..
٥ سورة الرحمن. الآية ٤١..
٦ سورة الكهف. من الآية ١٠٥.
٧ سورة الفرقان. الآية ٢٣..
٨ ما بين العلامتين من روح المعاني..
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ { ٤٨ ) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ { ٤٩ ) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ { ٥٠ ) ﴾
﴿ الفرقان ﴾ التوراة لأنه فرق بين الحق والباطل ؛ أو النصر على الأعداء.
﴿ ولقد ﴾ توكيد وتحقيق قسمي لإظهار كمال الحرص على ترسيخ اليقين بمضمونه ؛ أعطينا كليمنا موسى بن عمران، وأخاه هارون النبوة والتوراة التي فرقت أحكامها بين الحق والباطل، وضياء يبصر بمسالكه السلامة والنجاة، وتذكرة لمن أطاع ربه، واجتنب معصيته ؛ والمراد بالفرقان التوراة، وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وعن ابن زيد ورجحه الطبري : الفرقان : الحق آتاه الله موسى وهارون، فرق بينهما وبين فرعون، قضى بينهم بالحق.. اه ﴿ وضياء وذكرا للمتقين ﴾ التوراة نورت قلوب من صدق في الإيمان بها، وذكرت من اتقى بطاعة الله وأداء فرائضه واجتناب معاصيه ؛ ﴿ وذكرا للمتقين ﴾ أي شرفا وموعظة، أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم ١.
١ ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن..
﴿ الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾
﴿ بالغيب ﴾ أي غائبين عن رؤية الله جل علاه ؛ أو غائبين عن أعين الناس.
﴿ مشفقون ﴾ خائفون.
وصف الله تعالى المتقين بأنهم يخشون ربهم، ويتهيبون مقامه، ويحذرون غضبه وعذابه حال كونهم غائبين عن أعين الناس ؛ أو يعظمون مولاهم سبحانه ويخشون أن يراهم على صفة لا يرضاها، مع أنهم لا يرونه جل علاه، وكيف لا ؟ ! وهو الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ؛ ﴿ وهم من الساعة مشفقون ﴾ خائفون وجلون مما يكون يوم النبأ العظيم، ويوم الفزع الأكبر، [ حذرون أن تقوم عليهم فيردوا على ربهم قد فرطوا.. ]١.
١ ما بين العلامتين [ ] من جامع البيان..
﴿ وهذا ذكر مبارك أنزلناه ﴾
﴿ ذكر ﴾ يتذكر به أصحاب العقول.
﴿ مبارك ﴾ كثير الخير.
وهذا كتاب العزيز شرف وموعظة، وأفضل ما تذكرون به ربكم، وكثيرة خيراته التي منها الهداية والموعظة، والشفاء والرحمة والنور والروح. وثواب قارئه وسامعه، فإن الله تعالى يأجر على الحرف الواحد بعشر حسنات ؛ وبحسبه أنه تنزيل الحكيم الحميد ؛ ﴿ أفأنتم له منكرون ﴾ أي أنتم دون سائر الناس مع علمكم بفصاحته وإعجازه تخصونه بالإنكار ؟ !.
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ { ٥١ ) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ { ٥٢ ) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ { ٥٣ ) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ { ٥٤ ) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ { ٥٥ ) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ { ٥٦ ) ﴾.
﴿ آتينا ﴾ أعطينا. ﴿ رشده ﴾ هدايته وحجته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:توكيد وتحقيق قسمي أن المولى منّ على خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام فأعطاه الهداية الراشدة، والحجة البالغة من قبل أن يمنح النبوة والخلة، أو من قبل بعثه موسى وهارون ؛ ﴿ وكنا به عالمين ﴾ ربنا أعلم حيث يجعل رسالته، فهو يصطفي من الناس رسله الذين يفضلهم على العالمين ؛ ﴿ إذ قال لأبيه وقومه ﴾ أي اذكر إذ قال لقومه مبتدئا بأبيه، مستفهما بقصد الإنكار عليهم، والتحقير لمعبودات صوّروها، ثم عظموها ولازموها، ما هذه الأصنام التي جعلتم صورها على مثل وشبه مخلوقات، ثم ضللتم فقدستموها ؟ ! ﴿ قال وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾ لم يكن لهم حجة في عبادتها إلا تقليد الآباء في جهالتهم، وإفكهم وغوايتهم ؛ ﴿ قال لقد كنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾ قال فتحققوا أنكم ومن قلدتموهم من آبائكم في بعد عن الحق، وجور عن القصد، وذهاب عن سبيل الرشد، إذ عبدتم أحجارا وأوثانا لا تعقل
﴿ عاكفون ﴾ مقيمون على عبادتها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:توكيد وتحقيق قسمي أن المولى منّ على خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام فأعطاه الهداية الراشدة، والحجة البالغة من قبل أن يمنح النبوة والخلة، أو من قبل بعثه موسى وهارون ؛ ﴿ وكنا به عالمين ﴾ ربنا أعلم حيث يجعل رسالته، فهو يصطفي من الناس رسله الذين يفضلهم على العالمين ؛ ﴿ إذ قال لأبيه وقومه ﴾ أي اذكر إذ قال لقومه مبتدئا بأبيه، مستفهما بقصد الإنكار عليهم، والتحقير لمعبودات صوّروها، ثم عظموها ولازموها، ما هذه الأصنام التي جعلتم صورها على مثل وشبه مخلوقات، ثم ضللتم فقدستموها ؟ ! ﴿ قال وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾ لم يكن لهم حجة في عبادتها إلا تقليد الآباء في جهالتهم، وإفكهم وغوايتهم ؛ ﴿ قال لقد كنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾ قال فتحققوا أنكم ومن قلدتموهم من آبائكم في بعد عن الحق، وجور عن القصد، وذهاب عن سبيل الرشد، إذ عبدتم أحجارا وأوثانا لا تعقل
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:توكيد وتحقيق قسمي أن المولى منّ على خليله ونبيه إبراهيم عليه السلام فأعطاه الهداية الراشدة، والحجة البالغة من قبل أن يمنح النبوة والخلة، أو من قبل بعثه موسى وهارون ؛ ﴿ وكنا به عالمين ﴾ ربنا أعلم حيث يجعل رسالته، فهو يصطفي من الناس رسله الذين يفضلهم على العالمين ؛ ﴿ إذ قال لأبيه وقومه ﴾ أي اذكر إذ قال لقومه مبتدئا بأبيه، مستفهما بقصد الإنكار عليهم، والتحقير لمعبودات صوّروها، ثم عظموها ولازموها، ما هذه الأصنام التي جعلتم صورها على مثل وشبه مخلوقات، ثم ضللتم فقدستموها ؟ ! ﴿ قال وجدنا آباءنا لها عابدين ﴾ لم يكن لهم حجة في عبادتها إلا تقليد الآباء في جهالتهم، وإفكهم وغوايتهم ؛ ﴿ قال لقد كنتم وآباؤكم في ضلال مبين ﴾ قال فتحققوا أنكم ومن قلدتموهم من آبائكم في بعد عن الحق، وجور عن القصد، وذهاب عن سبيل الرشد، إذ عبدتم أحجارا وأوثانا لا تعقل
﴿ ضلال ﴾ حيرة وخسران.
﴿ قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ﴾
أأنت محق يا إبراهيم فيما تدعونا إليه أم أنت هازل لاعب ؟ ! ﴿ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾ لما أبطل إبراهيم عليه السلام بالبرهان ما عكف عليه القوم من عبادة الأصنام والأوثان، انتقل إلى إحقاق الحق، والنداء على دعوة الصدق، وساق الحجة والسلطان على أن الولي المستحق للعبادة هو الخالق المنعم المنان ؛ فأضرب عن تساؤلهم أجاد هو أم هازل، وأنبأهم أن ربهم رب العالمين هو مبدع السماوات والأرضين، ومنشئهما على غير مثال سبق، وإني على يقين وتحقيق من أن هذا هو الحق المبين.
{ إن أبانا إبراهيم عليه السلام كان أمة، وداعيا إلى الله قوي الحجة، فقد أتاهم بالبرهان على زيف عبادة الأوثان، ثم فصل من آيات ودلائل إتقان الصنعة ما يشهد بحكمة الصانع جل علاه :{ إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بلى وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ويحيين. والذي أطمع أن يغفر لي. خطيئتي يوم الدين )١.
١ سورة الشعراء. الآيات: من ٤٠ إلى ٨٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٥:﴿ قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ﴾
أأنت محق يا إبراهيم فيما تدعونا إليه أم أنت هازل لاعب ؟ ! ﴿ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾ لما أبطل إبراهيم عليه السلام بالبرهان ما عكف عليه القوم من عبادة الأصنام والأوثان، انتقل إلى إحقاق الحق، والنداء على دعوة الصدق، وساق الحجة والسلطان على أن الولي المستحق للعبادة هو الخالق المنعم المنان ؛ فأضرب عن تساؤلهم أجاد هو أم هازل، وأنبأهم أن ربهم رب العالمين هو مبدع السماوات والأرضين، ومنشئهما على غير مثال سبق، وإني على يقين وتحقيق من أن هذا هو الحق المبين.
{ إن أبانا إبراهيم عليه السلام كان أمة، وداعيا إلى الله قوي الحجة، فقد أتاهم بالبرهان على زيف عبادة الأوثان، ثم فصل من آيات ودلائل إتقان الصنعة ما يشهد بحكمة الصانع جل علاه :{ إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون. قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بلى وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدو لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ويحيين. والذي أطمع أن يغفر لي. خطيئتي يوم الدين )١.
١ سورة الشعراء. الآيات: من ٤٠ إلى ٨٢..

﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ( ٥٧ ) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ( ٥٨ ) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( ٥٩ ) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ( ٦٠ ) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ( ٦١ ) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ( ٦٢ ) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ( ٦٣ ) ﴾.
﴿ لأكيدن ﴾ لأجتهدن، ولأدبرن ما أحقق به مطلبي.
﴿ تالله ﴾ حلف بالله سبحانه. ﴿ تولوا مدبرين ﴾ تنطلقوا ذاهبين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد البرهان المبين الذي بينه إبراهيم عليه الصلوات والتسليم، وبعد أن جاهد قومه بالحجة والسلطان، توجه إلى جهادهم بالقوة وتحطيم الأوثان، فحلف بالله تعالى ليدبرن ما يغيظ عبدة الأصنام، وليجتهدن في إنفاذ ذلك حين يتفرق عنها عبدتها ؛ أورد ابن جرير عن مجاهد في معنى قول الله جل ثناؤه :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم ﴾ قول إبراهيم حين استتبعه قومه إلى عيد لهم فأبى، وقال : إني سقيم ؛ فسمع منه وعيد أصنامهم رجل منهم استأخر، وهو الذي يقول :﴿ سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾.
وقال ابن إسحاق : عن عبد الله قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم ؛ وقد كان بالأمس قال :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾ فسمعه ناس منهم. اهـ.
ونقل الطبري عن السدي أن إبراهيم قال له أبوه : يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه وقال إني سقيم، يقول أشتكي رجلي... فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفي الناس : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هن في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض... وإذا هم جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة قالوا : إذ كنا حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون ؟ ! فلما لم تجبه قال : مالكم لا تنطقون ؟ ! فراغ عليهم ضربا باليمين، فأخذ فأس حديد فنقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ وروى الكلبي أن إبراهيم كان من أهل بيت ينظرون في النجوم، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضا، فلما همّ إبراهيم بالذي همّ به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء، فقال لأصحابه : إني أراني أشتكي غدا ؛ فذلك قوله :﴿ فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم )١ ؛ وأصبح من الغد معصوبا رأسه، فخرج القوم لعيدهم.. فقال.. : أما والله لأكيدن أصنامكم ؛ فسمعه رجل واحد، وأخبر به غيره وانتشر الخبر. { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ﴾ كسر إبراهيم عليه السلام أصنام القوم وحطمها، وتركها قطعا، لكن ترك كبير الأوثان حجما، أو أكثرها تقديسا عند عابديها، لم يفتت الصنم الأكبر بل علق الفأس بعنقه، أو وضع القدوم بيده ؛ لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها ؛ أو : لعلهم إلى دعوة إبراهيم وسبيله يرجعون حين يرون أن أصنامهم لم تدفع عن نفسها ضرا فهي أن تدفع عن غيرها من أراده بسوء أعجز، فيرجعوا عما هم عليه من عبادتها ؛ عن قتادة : كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون. اهـ

﴿ جذاذا ﴾ قطعا، وفتاتا وحطاما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:بعد البرهان المبين الذي بينه إبراهيم عليه الصلوات والتسليم، وبعد أن جاهد قومه بالحجة والسلطان، توجه إلى جهادهم بالقوة وتحطيم الأوثان، فحلف بالله تعالى ليدبرن ما يغيظ عبدة الأصنام، وليجتهدن في إنفاذ ذلك حين يتفرق عنها عبدتها ؛ أورد ابن جرير عن مجاهد في معنى قول الله جل ثناؤه :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم ﴾ قول إبراهيم حين استتبعه قومه إلى عيد لهم فأبى، وقال : إني سقيم ؛ فسمع منه وعيد أصنامهم رجل منهم استأخر، وهو الذي يقول :﴿ سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾.
وقال ابن إسحاق : عن عبد الله قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال : إني سقيم ؛ وقد كان بالأمس قال :﴿ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾ فسمعه ناس منهم. اهـ.
ونقل الطبري عن السدي أن إبراهيم قال له أبوه : يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه وقال إني سقيم، يقول أشتكي رجلي... فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفي الناس : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هن في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض... وإذا هم جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة قالوا : إذ كنا حين نرجع رجعنا وقد بركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون ؟ ! فلما لم تجبه قال : مالكم لا تنطقون ؟ ! فراغ عليهم ضربا باليمين، فأخذ فأس حديد فنقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم ﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ وروى الكلبي أن إبراهيم كان من أهل بيت ينظرون في النجوم، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضا، فلما همّ إبراهيم بالذي همّ به من كسر الأصنام نظر قبل يوم العيد إلى السماء، فقال لأصحابه : إني أراني أشتكي غدا ؛ فذلك قوله :﴿ فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم )١ ؛ وأصبح من الغد معصوبا رأسه، فخرج القوم لعيدهم.. فقال.. : أما والله لأكيدن أصنامكم ؛ فسمعه رجل واحد، وأخبر به غيره وانتشر الخبر. { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ﴾ كسر إبراهيم عليه السلام أصنام القوم وحطمها، وتركها قطعا، لكن ترك كبير الأوثان حجما، أو أكثرها تقديسا عند عابديها، لم يفتت الصنم الأكبر بل علق الفأس بعنقه، أو وضع القدوم بيده ؛ لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه، وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها ؛ أو : لعلهم إلى دعوة إبراهيم وسبيله يرجعون حين يرون أن أصنامهم لم تدفع عن نفسها ضرا فهي أن تدفع عن غيرها من أراده بسوء أعجز، فيرجعوا عما هم عليه من عبادتها ؛ عن قتادة : كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون. اهـ

﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة : " إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{ ... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
١ يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد، فيما تقدم؛ لقوله تعالى: ﴿فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون﴾ وهكذا الأمر في شرعنا، ولا خلاف فيه..
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..
﴿ يذكرهم ﴾ يعيبهم ويسبهم، أو : يحلف ليكيدنهم. ﴿ فتى ﴾ شابا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
١ يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد، فيما تقدم؛ لقوله تعالى: ﴿فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون﴾ وهكذا الأمر في شرعنا، ولا خلاف فيه..
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..

﴿ أعين الناس ﴾ رءوس الأشهاد، وحضرة الناس ومحفلهم.
﴿ يشهدون ﴾ يشاهدون ويبصرون، أو يحققون، أو يقرون عليه بما فعل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
١ يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد، فيما تقدم؛ لقوله تعالى: ﴿فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون﴾ وهكذا الأمر في شرعنا، ولا خلاف فيه..
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
١ يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد، فيما تقدم؛ لقوله تعالى: ﴿فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون﴾ وهكذا الأمر في شرعنا، ولا خلاف فيه..
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ﴾ قال القوم حين رجعوا إلى طعامهم الذي كانوا تركوه عند أصنامهم، وأبصروا ما حل بأوثانهم قالوا : إن الذي فعل هذا بآلهتنا لم يكن له أن يفعل بها ذلك، ولقد تجاوز حده إذ صنع بها ما صنع، فقد حطمها واستخف بها ! واستهان بأقدارها بدلا من تعظيمها ! فقال بعض منهم : كان الفتى إبراهيم يتوعد آلهتنا بسوء، أو كان يعيبها فهو الذي يظن به أن يكون قد كسرها.
﴿ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ﴾ قال كبراؤهم فأحضروا إبراهيم على مشهد من الناس ومرأى ليحضروا عقوبتنا، فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه ؛ أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ؛ قال قتادة : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة١ اه.
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ﴾ كأن في الكلام حذفا، تقديره : فلما أتوا به قالوا ؛ لما لم يكن السماع عاما ولا ثبتت الشهادة، استفهموا هل فعل أم لا ؟.. فقال لهم إبراهيم على جهة الاحتجاج عليهم :﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾....... وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب... لكنها أثرت في الرتبة، وخفضت عن محمد المنزلة، واستحيا منها قائلها، على ما ورد في حديث الشفاعة ؛ فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم إجلالا لله.... لكنه رخص له فقبل الرخصة، فكان ما كان من القصة ؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة :" إنما اتخذت خليلا من وراء وراء ".. على البناء كخمسة عشر ٢.
[ وغير مستحيل أن يكون الله تعالى ذكره أذن لخليله في ذلك ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذن يوسف لإخوته :{... أيتها العير إنكم لسارقون )٣ ؛ ولم يكونوا سرقوا شيئا ].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث : ثنتين في ذات الله٤ قوله ﴿ بل فعله كبيرهم هذا ﴾ وقوله ﴿ إني سقيم ﴾ قال وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال : إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاءه فقال : ما هذه المرأة منك ؟ قال : أختي، قال : فاذهب فأرسل بها إلي، فانطلق إلى سارة فقال : إن هذا الجبار قد سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في كتاب الله وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذا شديدا فقال ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل فأهوى إليها فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد ففعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين فقال : ادعي الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم دعا أدنى حجابه فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر، فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت لما حس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته وقال مهيم أي ما الخبر وماذا حدث لك ؟ ! قالت كفى الله كيد الكافر الفاجر فأخدمني هاجر ".
١ يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد، فيما تقدم؛ لقوله تعالى: ﴿فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون﴾ وهكذا الأمر في شرعنا، ولا خلاف فيه..
٢ ما بين العارضتين نقله القرطبي.
٣ سورة يوسف. من الآية ٧٠..
٤ مما نقل عن القاضي أبو بكر العربي: لم يعد قوله: هذه أختي، في ذات الله تعالى وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه وحماية أهله لم يجعلها في ذات الله؛ وذلك لأنه لا يجعل في جنب الله وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال: ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ وهذا لو صدر منا لكان لله، لكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا ؛والله أعلم..

﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ { ٦٤ ) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ { ٦٥ ) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ { ٦٦ ) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ { ٦٧ ) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ { ٦٨ ) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ { ٦٩ ) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ { ٧٠ ) ﴾.
﴿ فرجعوا إلى أنفسهم ﴾ رجعوا على أنفسهم بالملامة.
﴿ فقالوا ﴾ قال بعضهم لبعض.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

﴿ نكسوا على رءوسهم ﴾ عادوا إلى جهلهم وعنادهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

﴿ أف لكم ﴾ النتن لكم ؛ وتضجرا لحالكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

﴿ بردا وسلاما ﴾. ﴿ كيدا ﴾ مكرا، وإضرارا، وغلبا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

﴿ الأخسرين ﴾ الأخسر من كل خاسر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فلما سمع القوم ما قال إبراهيم رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته، ورجعوا إلى عقولهم، ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم معشر القوم لمتجاوزون الحد ـ بعبادة ما لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، وكيف ينفع عابديه ويرد عنهم البأس، من لا يرد عن رأسه الفأس ـ١ ﴿ ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ﴾ ؛ [ والمراد أنهم استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة.. ثم انقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة.. ]٢ ؛ قال قتادة : أدركت القوم حيرة سوء فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ ورجح الطبري ما حاصله : نكست حجتهم فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم، وإذ كان ذلك كذلك فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج على خصمه بما هو حجة الخصم. اهـ.
ثم زاد إبراهيم في زجرهم فقال : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي نفع، وإذ كانت لا تنطق ولا تنفع فلم تعبدونها ؟ ! وكأن في الكلام حذفا تقديره : أتعلمون ذلك فتعبدون متجاوزين عبادته تعالى، ؛ وتضجر عليه السلام من إصرارهم على الباطل بعد انقطاع العذر ووضوح الحق ؛ قال الراغب : وأصل ﴿ أف ﴾ صوت المتضجر من استقذار شيء ؛ ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر، واللام لبيان المتأفف له، ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ألا تتفكرون فلا تعقلون سفه ما أنتم عليه من تأليه أحجار وأوثان ؟ !. ﴿ قال حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ﴾ قال بعضهم لبعض لما بهتوا ودحضت فريتهم : حرقوا إبراهيم انتقاما لآلهتكم ! وجاء في آيات أخر :﴿ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم )٣. ـ لما انقطعوا بالحجة أخذتهم عزة بإثم، وانصرفوا إلى الغشم والغلبة..... وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حين قيدوه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك، قال : ثم رموا به في المنجنيق من مضرب شاسع فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله تعالى وهو أصدق القائلين :{ يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ﴾.. جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه.. ـ٤ ؛ ﴿ وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ﴾ تنوين ﴿ كيدا ﴾ قد يراد به التعظيم، فكأن المعنى : أراد الوثنيون قوم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام مكرا عظيما، وأن يقتلوه قتلا أليما بتحريقه في نار أججوها فمكر الله تعالى بهم، ورد كيدهم إلى نحورهم، وأبدل نبيه دارا خيرا من دارهم

﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ { ٧١ ) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ { ٧٢ ) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ { ٧٣ ) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ { ٧٤ ) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ { ٧٥ ) ﴾.
فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم وهاجر إلى الشام ؛ وهذه القصة التي قص الله من نبأ إبراهيم وقومه تذكير منه بها قوم محمد صلى الله عليه وسلم من قريش أنهم قد سلكوا في عبادتهم الأوثان وأذاهم محمدا على نهيه عن عبادتها ودعائهم إلى عبادة الله مخلصين له الدين مسلك أعداء أبيهم إبراهيم ومخالفتهم دينه، وأن محمدا في براءته من عبادتها وإخلاصه العبادة لله، وفي دعائهم إلى البراءة من الأصنام، وفي الصبر على ما يلقى منهم في ذلك سالك منهاج أبيه إبراهيم، وأنه مخرجه من بين أظهرهم كما خرج إبراهيم من بين أظهر قومه حين تمادوا في غيهم إلى مهاجره من أرض الشام، ومسل بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يلقى من قومه من المكروه والأذى، ومعلمه أنه منجيه منهم كما نجى أباه إبراهيم من كفرة قومه ١، ونجى الله تعالى مع إبراهيم ابن أخيه لوطا ؛ ﴿ باركنا فيها ﴾ أي كثرت خيراتها، ففيها الخصب وسعة الرزق، بل وأبرك من ذلك أن أكثر الأنبياء بعثوا فيها.
١ ما بين العارضتين من جامع البيان..
﴿ ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة ﴾
﴿ نافلة ﴾ زيادة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وزدنا في عطاء إبراهيم فرزقناه بابن كريم هو إسحاق، وابن ابن هو يعقوب ؛ ﴿ وكلا جعلنا صالحين ﴾ كلا من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلنا عاملين بطاعتنا، مجتنبين محارمنا، فجميعهم أهل خير وصلاح ؛ ﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ﴾ جعلناهم أسوة يقتدي الناس بهم، ويهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق، والدعوة إلى الحق ؛ ﴿ أوحينا إليهم فعل الخيرات ﴾ وأوحينا إليهم أن يفعلوا الخيرات والطاعات ﴿ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴾ وكذا أوحينا إليهم أن يقيموا الصلاة ففيها تعظيم أمر الله، وأن يؤتوا الزكاة فهي أصل الشفقة على خلق الله ؛ ﴿ كانوا لنا عابدين ﴾ [ فيه أنه سبحانه لما وفى بعهد الربوبية فآتاهم النبوة والدرجات العالية، فهم أيضا وفوا بعهد العبودية فلم يغفلوا عنها طرفة عين ]١ ؛ ولا خلاف في أن الهادي إذا كان مهتديا بنفسه كان الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء به أميل
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وزدنا في عطاء إبراهيم فرزقناه بابن كريم هو إسحاق، وابن ابن هو يعقوب ؛ ﴿ وكلا جعلنا صالحين ﴾ كلا من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلنا عاملين بطاعتنا، مجتنبين محارمنا، فجميعهم أهل خير وصلاح ؛ ﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ﴾ جعلناهم أسوة يقتدي الناس بهم، ويهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بإرشاد الخلق، والدعوة إلى الحق ؛ ﴿ أوحينا إليهم فعل الخيرات ﴾ وأوحينا إليهم أن يفعلوا الخيرات والطاعات ﴿ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴾ وكذا أوحينا إليهم أن يقيموا الصلاة ففيها تعظيم أمر الله، وأن يؤتوا الزكاة فهي أصل الشفقة على خلق الله ؛ ﴿ كانوا لنا عابدين ﴾ [ فيه أنه سبحانه لما وفى بعهد الربوبية فآتاهم النبوة والدرجات العالية، فهم أيضا وفوا بعهد العبودية فلم يغفلوا عنها طرفة عين ]١ ؛ ولا خلاف في أن الهادي إذا كان مهتديا بنفسه كان الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء به أميل
﴿ ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث ﴾
﴿ حكما ﴾ حكمة، ونبوة.
﴿ الخبائث ﴾ إتيان الذكور. ﴿ فاسقين ﴾ خارجين عن الطاعة.
منّ الله تعالى على لوط عليه السلام وأعطاه النبوة والعلم، ونجاة من القرية التي أهلكها وقلبها ودمر أهلها وأمطر عليها حجارة محماة لأنهم كانوا يأتون الذكران، ويركبون في ناديهم المنكر، فخرجوا بفواحشهم عن طاعة الله، وفسقوا عن أمره، إنهم كانوا يعملون أسوأ السوء، ويستحدثون من الخنا والخبث ما لم يسبقهم إليه أحد.
﴿ وأدخلناه في رحمتنا ﴾ وأدخلنا لوطا في زمرة من اصطفينا من رسلنا، وجعلناه في جملة أهل رحمتنا فالظرفية مجازية، أو في جنتنا، فالظرفية حقيقية، والرحمة مجاز كما في حديث الصحيحين : قال الله عز وجل للجنة : " أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي " ١، ﴿ إنه من الصالحين ﴾ إن لوطا كان من الذين يطيعون الله ولا يعصونه.
١ ما بين العارضتين من روح المعاني..
﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ { ٧٦ ) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ { ٧٧ ) ﴾.
كما نجى الله تعالى إبراهيم ولوطا من عتو المشركين، وكيد الوثنيين، نجى رسوله نوحا عليه السلام من مكر الأعداء الكافرين، ونجى معه أهل الإيمان المستضعفين، واستجاب دعاء نبيه وضراعته لربنا القوي المتين، وشفى صدور الموحدين، وطهر الأرض بإغراق كافة الضالين المضلين ؛ وفي هذا بشرى لأهل الحق الصادقين بأن الله مؤيدهم على الباغين المفسدين، ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر )١ ؛ { وأهله ﴾ أهل دينه وملته ؛ ﴿ من الكرب العظيم ﴾ من الشدة والأذى والتكذيب، فقد لبث قومه ألف سنة إلا خمسين، فما آمن معه إلا قليل، سخر منهم الملأ من قومهم، وقالوا لنبيهم ﴿ .. ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبع إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي.. )٢ ؛ وقالوا :{ .. لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )٣ ؛ وقالوا :{ إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )٤ ؛ { أجمعين ﴾ أهلكهم بعامة، ولم يترك على وجه الأرض أحدا منهم، استجابة لدعوة أول أولي العزم من الرسل نوح عليه السلام { .. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )٥
١ سورة القمر. الآيات: من ٩ إلى ١٣..
٢ سورة هود. من الآية٢٧..
٣ سورة الشعراء. من الآية ١١٦..
٤ سورة المؤمنون. الآية ٢٥..
٥ سورة نوح ـ عليه السلام. من الآية ٢٦، والآية ٢٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٦:﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ { ٧٦ ) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ { ٧٧ ) ﴾.
كما نجى الله تعالى إبراهيم ولوطا من عتو المشركين، وكيد الوثنيين، نجى رسوله نوحا عليه السلام من مكر الأعداء الكافرين، ونجى معه أهل الإيمان المستضعفين، واستجاب دعاء نبيه وضراعته لربنا القوي المتين، وشفى صدور الموحدين، وطهر الأرض بإغراق كافة الضالين المضلين ؛ وفي هذا بشرى لأهل الحق الصادقين بأن الله مؤيدهم على الباغين المفسدين، ﴿ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر )١ ؛ { وأهله ﴾ أهل دينه وملته ؛ ﴿ من الكرب العظيم ﴾ من الشدة والأذى والتكذيب، فقد لبث قومه ألف سنة إلا خمسين، فما آمن معه إلا قليل، سخر منهم الملأ من قومهم، وقالوا لنبيهم ﴿.. ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبع إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي.. )٢ ؛ وقالوا :{.. لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )٣ ؛ وقالوا :{ إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )٤ ؛ { أجمعين ﴾ أهلكهم بعامة، ولم يترك على وجه الأرض أحدا منهم، استجابة لدعوة أول أولي العزم من الرسل نوح عليه السلام {.. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )٥
١ سورة القمر. الآيات: من ٩ إلى ١٣..
٢ سورة هود. من الآية٢٧..
٣ سورة الشعراء. من الآية ١١٦..
٤ سورة المؤمنون. الآية ٢٥..
٥ سورة نوح ـ عليه السلام. من الآية ٢٦، والآية ٢٧..

﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ { ٧٨ ) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ { ٧٩ ) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ { ٨٠ ) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ { ٨١ ) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ { ٨٢ ) ﴾
﴿ الحرث ﴾ الزرع. ﴿ نفشت ﴾ رعت ليلا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ إذ يحكمان في قضية الزرع التي رفعت إلى داود عليه السلام أولا فحكم فيها، فلما علم ابنه سليمان عليه السلام بقضائه فيها دخل إلى مجلس أبيه فاقترح عليه أن يعدل الحكم على نحو آخر، فقضى بما قضى به سليمان، يقول اللغويون : جائز أن يكون ﴿ داود وسليمان ﴾ ؛ في موضع المفعول لفعل مضمر وبتقدير مضاف، أي : واذكر نبأ داود وسليمان ؛ و﴿ إذ يحكمان ﴾ ظرف لذلك المقدر، المراد : إذ حكما، إلا أن جيء بصيغة المضارع حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها.
روى ابن جرير ـبسنده ـ عن ابن عباس : رجلان دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم يبقي من حرثي شيئا ؛ فقال داود : اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود ؛ ومر صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود، فقال : يا نبي الله ! إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال : كيف ؟ قال سليمان : إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كل عام ؛ فقال داود : قد أصبت ؛ القضاء كما قضيت، ففهمها الله سليمان ؛ وروى عن قتادة : النقش بالليل، والهمل بالنهار ؛ وذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا، فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع ؛ فقال سليمان : ليس كذلك، ولكن نسلها ورسلها ـ لبنها ـ وعوارضها وجزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها ـ صاحبها ـ وقبض صاحب الزرع زرعه ؛ فقال الله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾.
أما ابن زيد فقد نقل عنه : انفلتت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمروا بسليمان، فقال : ما قضى بينكم نبي الله ؟ فأخبروه، فقال : ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به ؟ ! فقالا نعم، فقال : أما أنت يا صاحب الحرث فخذ غنم هذا الرجل، فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، واحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله نفشت فيه غنمك فأعطه حرثه وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ وقرأ حتى بلغ قوله :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ ـ لما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا قد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت، فأجابه الوليد :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما.. ﴾... قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده ؛
روى مسلم وغيره عن عمروا ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "... وإنما معنى الحديث : إذا أراد أن يحكم، كما قال :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ.. )١..... فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها على الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك... قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذوّاد٢ ؛فركب العلماء على أن هذه البقعة لا يخلو أن تكون بقعة زرع، أو بقعة سرح، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تحتاج، وعلى أربابها حفظها، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا، وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب حرثه فيها حفظه ولا شيء على أرباب المواشي.
ومع أن سليمان عليه السلام كان أقضى من أبيه داود ـ سلام الله عليه ـ فإن المولى سبحانه قد أعطى كلا من داود وسليمان نبوة وعلما، وقضاء وحكما، ﴿ وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ﴾ ذلل الله تعالى الجبال، وأقدرها ـ جل وتقدس ـ بقدرته على التسبيح تجاوب نبيه داود في تسبيحه، كما أنطق الطير بهذا التقديس والتنزيه ؛ وهكذا كان أمره إليهما، ﴿.. يا جبال أوبي معه والطير.. )٣ ؛ { وكنا فاعلين ﴾ ـ وذلك فعل الله تعالى بها، ذلك لأن الجبال لا تعقل، فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين ـ٤

﴿ ففهمناها ﴾ علمناها. ﴿ سخرنا ﴾ ذللنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ إذ يحكمان في قضية الزرع التي رفعت إلى داود عليه السلام أولا فحكم فيها، فلما علم ابنه سليمان عليه السلام بقضائه فيها دخل إلى مجلس أبيه فاقترح عليه أن يعدل الحكم على نحو آخر، فقضى بما قضى به سليمان، يقول اللغويون : جائز أن يكون ﴿ داود وسليمان ﴾ ؛ في موضع المفعول لفعل مضمر وبتقدير مضاف، أي : واذكر نبأ داود وسليمان ؛ و﴿ إذ يحكمان ﴾ ظرف لذلك المقدر، المراد : إذ حكما، إلا أن جيء بصيغة المضارع حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها.
روى ابن جرير ـبسنده ـ عن ابن عباس : رجلان دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم يبقي من حرثي شيئا ؛ فقال داود : اذهب فإن الغنم كلها لك، فقضى بذلك داود ؛ ومر صاحب الغنم بسليمان، فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود، فقال : يا نبي الله ! إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال : كيف ؟ قال سليمان : إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن يبيع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل في كل عام ؛ فقال داود : قد أصبت ؛ القضاء كما قضيت، ففهمها الله سليمان ؛ وروى عن قتادة : النقش بالليل، والهمل بالنهار ؛ وذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلا، فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع ؛ فقال سليمان : ليس كذلك، ولكن نسلها ورسلها ـ لبنها ـ وعوارضها وجزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربها ـ صاحبها ـ وقبض صاحب الزرع زرعه ؛ فقال الله :﴿ ففهمناها سليمان ﴾.
أما ابن زيد فقد نقل عنه : انفلتت غنم رجل على حرث رجل فأكلته، فجاء إلى داود فقضى فيها بالغنم لصاحب الحرث بما أكلت، وكأنه رأى أنه وجه ذلك، فمروا بسليمان، فقال : ما قضى بينكم نبي الله ؟ فأخبروه، فقال : ألا أقضي بينكما عسى أن ترضيا به ؟ ! فقالا نعم، فقال : أما أنت يا صاحب الحرث فخذ غنم هذا الرجل، فكن فيها كما كان صاحبها، أصب من لبنها وعارضتها وكذا وكذا ما كان يصيب، واحرث أنت يا صاحب الغنم حرث هذا الرجل، حتى إذا كان حرثه مثله نفشت فيه غنمك فأعطه حرثه وخذ غنمك، فذلك قول الله تبارك وتعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ وقرأ حتى بلغ قوله :﴿ وكلا آتينا حكما وعلما ﴾ ـ لما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا قد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت، فأجابه الوليد :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما.. ﴾... قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده ؛
روى مسلم وغيره عن عمروا ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "... وإنما معنى الحديث : إذا أراد أن يحكم، كما قال :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ.. )١..... فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، أو فرط في ضبطها وحبسها على الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك... قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذوّاد٢ ؛فركب العلماء على أن هذه البقعة لا يخلو أن تكون بقعة زرع، أو بقعة سرح، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تحتاج، وعلى أربابها حفظها، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا، وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب حرثه فيها حفظه ولا شيء على أرباب المواشي.
ومع أن سليمان عليه السلام كان أقضى من أبيه داود ـ سلام الله عليه ـ فإن المولى سبحانه قد أعطى كلا من داود وسليمان نبوة وعلما، وقضاء وحكما، ﴿ وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ﴾ ذلل الله تعالى الجبال، وأقدرها ـ جل وتقدس ـ بقدرته على التسبيح تجاوب نبيه داود في تسبيحه، كما أنطق الطير بهذا التقديس والتنزيه ؛ وهكذا كان أمره إليهما، ﴿.. يا جبال أوبي معه والطير.. )٣ ؛ { وكنا فاعلين ﴾ ـ وذلك فعل الله تعالى بها، ذلك لأن الجبال لا تعقل، فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين ـ٤

﴿ وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم ﴾
﴿ صنعة لبوس ﴾ صناعة السلاح وعدة الحرب. ﴿ لتحصنهم ﴾ لتحرزكم وتقيكم. ﴿ بأسكم ﴾ حربكم.
وعلمنا داود صنعة السلاح لكم، لتقيكم مكن حربكم مع عدوكم إذ لاقيتموه ودافعتموه، ﴿ فهل أنتم شاكرون ﴾ تذكير بأثر تلك النعمة، نعمة العلم بصنعة السلاح، وحض على الثناء على المنعم بها وبسائر النعم تبارك وتقدس.
﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ﴾
﴿ عاصفة ﴾ شديد الهبوب.
ومثلما أنطقنا الجبال والطير بالتسبيح مع داود ﴿ .. وألنا له الحديد. أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا.. )١، وسخرنا لسليمان الريح { .. تجري بأمره رخاء حيث أصاب )٢، وتسرع في هبوبها وتشتد حتى تعصف حين يبتغيها مسرعة، فهي لينة، وحينا لينة وحينا مسرعة حسبما يأمرها٣ عبدنا ونبينا سليمان، فقد ذللناها له وطوّعناها ؛ يقول الله جل ثناؤه :{ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر.. )٤والأرض المباركة : أرض الشام ؛ تجري به الريح وبأصحابه إلى حيث أراد، ثم ترده إلى الشام، { وكنا بكل شيء عالمين ﴾ أحاط علمنا بكل شيء، فأوجدناه على علم، ودبرناه بحكمة، وسخرناه باقتدار.
١ سورة سبأ. من الآية١٠ والآية ١١..
٢ سورة ص. من الآية٣٦..
٣ روى أنه كان إذا أراد أن يغزوا أمر بخشب فمدت ورفع عليها الناس والدواب وآلة الحرب، ثم أمر العاصفة فأقلت ذلك، ثم أمر الرخاء فمرت به شهرا في رواحه وشهرا في غدوه..
٤ سورة سبأ. من الآية ١٢..
﴿ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين ﴾
﴿ يغوصون ﴾ ينزلون تحت الماء.
وسخرنا له من الجن من يغوصون تحت الماء، ويستخرجون له من البحر الجواهر وما يريد ؛ ولهم أعمال سوى الغوص بينتها مفصلة آية كريمة، { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات.. )١، وإنا لحافظون لهم من أن يفسدوا أعمالهم، أو يخرجوا عم أمره عليه السلام ؛ وهكذا سخر الله تعالى لداود فيما سخر أكثف الأشياء وانقادت له وذلت : الجبال والحديد ؛ وسخر لسليمان ألطف الأشياء الريح رقت وعصفت ؛ فسبحان الذي لا يخرج عن قبضته شيء.
١ سورة سبأ. الآية ١٣..
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { ٨٣ ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ { ٨٤ ) ﴾
أيوب عليه السلام رسول من رسل الله إلى بني إسرائيل ابتلاه الله تعالى بشيء من الضر، فصبر على البلاء، ثم توجه إلى الله تعالى بالضراعة والدعاء، وأثنى على ربنا بأنه البر الذي يجزل العطاء ويكشف الضراء، فاستجاب الولي القريب جل ثناؤه لنبيه أيوب فأذهب عنه الضر، وأفاض عليه الخير، وأخلف له أعظم مما فاته، وأعطاه ضعف ما كان فيه من قبل الضر الذي مسه ؛ عطاء من لدن الرحمن الرحيم ؛ مع ما ادخره من أجر جزيل وثواب جميل ﴿ .. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )١ ؛ فعظم الأجر على قدر جميل الصبر ؛ { وذكرى للعابدين ﴾ وتذكيرا للعباد، بسبيل الرشاد، وبشرى بأن الفرج يأتي بعد الكرب، وبعد العسر يجيء اليسر { .. سيجعل الله بعد عسر يسرا )٢
﴿ وأيوب إذ نادى ربه ﴾ كأن التقدير : واذكر نبأ نبينا أيوب حين دعا مولاه ؛ كما جاء في آية كريمة :{ واذكر عبدنا أيوب.. )٣ ؛ ولقد أورد المفسرون كلاما طويلا٤ في سبب بلائه، وبماذا ابتلي، وكم سنة قضاها مبتلى ؛ لكن جانبا مما نقلوه لا يتناسب وعصمة الأنبياء، وكرامتهم على الله عز ثناؤه، بل لا يتوافق وما جاء صريحا في كتاب الله ثناء على النبي العظيم :{ .. إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب )٥، فلا ندع هدى الذكر الحكيم إلى قول ما نزل به من سلطان وما لهم به من علم.
١ سورة الزمر. من الآية ١٠..
٢ سورة الطلاق. من الآية ٧؛ إذ نقلوه أن الله تعالى سلط إبليس على أهله وماله وجسده؛ وهذا مما أشار القرآن إلى خلافه في مثل قول الحق سبحانه: ﴿أن عبادي ليس لك عليهم سلطان..﴾؛ ﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا..﴾؛ كما أن ادعاءهم أنه ألقى به في الكناسة مما ينفر عنه الناس، ومن ملامح الافتراء أن ما نسبوه إلى أيوب عليه السلام من الامتهان، جاء على نسق ما افتروه على سليمان عليه السلام من الهوان الذي زعموا أنه كان مكيدة له من الشيطان؛ وكذا الشبه والفري التي حشدها اليهود فيما أسموه كتب الأنبياء، وهم سلام الله عليهم من هذا ومن كل سوء براء..
٣ سورة ص. من الآية ٤١..
٤ أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن في صفه الضر الذي أصابه ستة عشر قولا كما أورد صاحب جامع البيان بحثا ربما يزيد على ثمانية آلاف كلمة؛ نقله عن وهب بن منبه..
٥ سورة ص. من الآية ٤٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { ٨٣ ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ { ٨٤ ) ﴾
أيوب عليه السلام رسول من رسل الله إلى بني إسرائيل ابتلاه الله تعالى بشيء من الضر، فصبر على البلاء، ثم توجه إلى الله تعالى بالضراعة والدعاء، وأثنى على ربنا بأنه البر الذي يجزل العطاء ويكشف الضراء، فاستجاب الولي القريب جل ثناؤه لنبيه أيوب فأذهب عنه الضر، وأفاض عليه الخير، وأخلف له أعظم مما فاته، وأعطاه ضعف ما كان فيه من قبل الضر الذي مسه ؛ عطاء من لدن الرحمن الرحيم ؛ مع ما ادخره من أجر جزيل وثواب جميل ﴿.. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )١ ؛ فعظم الأجر على قدر جميل الصبر ؛ { وذكرى للعابدين ﴾ وتذكيرا للعباد، بسبيل الرشاد، وبشرى بأن الفرج يأتي بعد الكرب، وبعد العسر يجيء اليسر {.. سيجعل الله بعد عسر يسرا )٢
﴿ وأيوب إذ نادى ربه ﴾ كأن التقدير : واذكر نبأ نبينا أيوب حين دعا مولاه ؛ كما جاء في آية كريمة :{ واذكر عبدنا أيوب.. )٣ ؛ ولقد أورد المفسرون كلاما طويلا٤ في سبب بلائه، وبماذا ابتلي، وكم سنة قضاها مبتلى ؛ لكن جانبا مما نقلوه لا يتناسب وعصمة الأنبياء، وكرامتهم على الله عز ثناؤه، بل لا يتوافق وما جاء صريحا في كتاب الله ثناء على النبي العظيم :{.. إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب )٥، فلا ندع هدى الذكر الحكيم إلى قول ما نزل به من سلطان وما لهم به من علم.
١ سورة الزمر. من الآية ١٠..
٢ سورة الطلاق. من الآية ٧؛ إذ نقلوه أن الله تعالى سلط إبليس على أهله وماله وجسده؛ وهذا مما أشار القرآن إلى خلافه في مثل قول الحق سبحانه: ﴿أن عبادي ليس لك عليهم سلطان..﴾؛ ﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا..﴾؛ كما أن ادعاءهم أنه ألقى به في الكناسة مما ينفر عنه الناس، ومن ملامح الافتراء أن ما نسبوه إلى أيوب عليه السلام من الامتهان، جاء على نسق ما افتروه على سليمان عليه السلام من الهوان الذي زعموا أنه كان مكيدة له من الشيطان؛ وكذا الشبه والفري التي حشدها اليهود فيما أسموه كتب الأنبياء، وهم سلام الله عليهم من هذا ومن كل سوء براء..
٣ سورة ص. من الآية ٤١..
٤ أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن في صفه الضر الذي أصابه ستة عشر قولا كما أورد صاحب جامع البيان بحثا ربما يزيد على ثمانية آلاف كلمة؛ نقله عن وهب بن منبه..
٥ سورة ص. من الآية ٤٤..

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ { ٨٥ ) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ { ٨٦ ) ﴾
لما ذكرت الآيات السابقات نبأ نبيين ملكين شاكرين، ونبأ نبي أنعم به صابرا على البلاء، بينت هاتان الآيتان فضل ثلاثة من الأخيار الأبرار : إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإدريس، والثالث ذي الكفل عليهم السلام ؛ وظاهر نظم ذو الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر.... ﴿ كل ﴾ أي كل واحد من هؤلاء ﴿ من الصابرين ﴾ أي : على مشاق التكاليف، وشدائد النوب، ... ﴿ إنهم من الصالحين ﴾ أي الكاملين في الصلاح لعصمتهم من الذنوب ١
١ ما بين العارضتين من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٥:﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ { ٨٥ ) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ { ٨٦ ) ﴾
لما ذكرت الآيات السابقات نبأ نبيين ملكين شاكرين، ونبأ نبي أنعم به صابرا على البلاء، بينت هاتان الآيتان فضل ثلاثة من الأخيار الأبرار : إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإدريس، والثالث ذي الكفل عليهم السلام ؛ وظاهر نظم ذو الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر.... ﴿ كل ﴾ أي كل واحد من هؤلاء ﴿ من الصابرين ﴾ أي :
على مشاق التكاليف، وشدائد النوب، ﴿ إنهم من الصالحين ﴾ أي الكاملين في الصلاح لعصمتهم من الذنوب ١
١ ما بين العارضتين من روح المعاني..

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ { ٨٧ ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ { ٨٨ ) ﴾.
واذكر صاحب الحوت يونس عليه السلام ؛ و﴿ النون ﴾ الحوت ؛ ﴿ إذ ذهب مغاضبا ﴾ هاجر حال كونه غضبان على قومه، إذ دعاهم إلى دين الحق فلم يستجيبوا والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي لكنه ربما يكون خالف الأولى إذ لم يصابر، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق سبحانه مخاطبا خاتم النبيين ﴿ .. ولا تكن كصاحب الحوت.. )١ ؛ وجاء في سورة كريمة أخرى بيان ما أصابه بعد ركوب السفينة :{ فالتقمه الحوت٢وهو مليم ) ٣والمليم : من فعل ما يلام عليه ؛ { فظن أن لن نقدر عليه ﴾ كان مطمئنا إلى أنا لن نضيق عليه، قال الحسن : وهو من قوله تعالى :﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره.. )٤أي يضيق ؛ وقوله :{ .. ومن قدر عليه رزقه.. )٥ أي : ضيق ؛ { فنادى في الظلمات ﴾ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ؛ ﴿ أن لا إله إلا أنت... { سبحانك ﴾.. أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء.. ﴿ إني كنت من الظالمين ﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت بالمهاجرة من غير أمر... ﴿ فاستجبنا له ﴾ أي دعاءه الذي دعاه ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه.. ٦ ٧ ؛ ﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ [ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم، وذلك قوله :{ فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )٨ ؛ وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس، رعى له حتى تعبده، وحفظ ذمام ما سلف له من الطاعة ؛ وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة ! يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك ]٩.
١ سورة القلم. من الآية ٤٨..
٢ مما أورده القرطبي: وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت؛ وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. ج١١ص٣٣٣ -٣٣٤..
٣ سورة الصافات. الآية ١٤٢..
٤ سورة الرعد. من الآية ٢٦..
٥ سورة الطلاق. من الآية ٧..
٦ أخرج أحمد والترمذي، والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، ابن جرير، والبيهقي في الشعب، وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".
٧ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٨ سورة الصافات. الآيتان ١٤٣، ١٤٤..
٩ ما بين العلامتين من الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٧:﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ { ٨٧ ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ { ٨٨ ) ﴾.
واذكر صاحب الحوت يونس عليه السلام ؛ و﴿ النون ﴾ الحوت ؛ ﴿ إذ ذهب مغاضبا ﴾ هاجر حال كونه غضبان على قومه، إذ دعاهم إلى دين الحق فلم يستجيبوا والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي لكنه ربما يكون خالف الأولى إذ لم يصابر، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق سبحانه مخاطبا خاتم النبيين ﴿.. ولا تكن كصاحب الحوت.. )١ ؛ وجاء في سورة كريمة أخرى بيان ما أصابه بعد ركوب السفينة :{ فالتقمه الحوت٢وهو مليم ) ٣والمليم : من فعل ما يلام عليه ؛ { فظن أن لن نقدر عليه ﴾ كان مطمئنا إلى أنا لن نضيق عليه، قال الحسن : وهو من قوله تعالى :﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره.. )٤أي يضيق ؛ وقوله :{.. ومن قدر عليه رزقه.. )٥ أي : ضيق ؛ { فنادى في الظلمات ﴾ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ؛ ﴿ أن لا إله إلا أنت... { سبحانك ﴾.. أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء.. ﴿ إني كنت من الظالمين ﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت بالمهاجرة من غير أمر... ﴿ فاستجبنا له ﴾ أي دعاءه الذي دعاه ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه.. ٦ ٧ ؛ ﴿ وكذلك ننجي المؤمنين ﴾ [ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم، وذلك قوله :{ فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون )٨ ؛ وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس، رعى له حتى تعبده، وحفظ ذمام ما سلف له من الطاعة ؛ وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة ! يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك ]٩.
١ سورة القلم. من الآية ٤٨..
٢ مما أورده القرطبي: وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت؛ وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. ج١١ص٣٣٣ -٣٣٤..
٣ سورة الصافات. الآية ١٤٢..
٤ سورة الرعد. من الآية ٢٦..
٥ سورة الطلاق. من الآية ٧..
٦ أخرج أحمد والترمذي، والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، ابن جرير، والبيهقي في الشعب، وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".
٧ ما بين العارضتين من روح المعاني..
٨ سورة الصافات. الآيتان ١٤٣، ١٤٤..
٩ ما بين العلامتين من الجامع لأحكام القرآن..

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ { ٨٩ ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ { ٩٠ ) ﴾.
معطوف على ذكر قبل من أنباء الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين، فكأن التقدير : واذكر خبر زكريا عليه السلام حين دعا ربه قائلا : يا رب لا تتركني وحيدا دون ذرية ؛ كما جاء في آية أخرى ﴿ .. فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب... )١ ؛ { وأنت خير الوارثين ﴾ إقرار بالحق، وبما ينتهي إليه الأمر، وأن المردّ إلى الحي الذي لا يموت، ومهما تعاقبت الأخلاف بعد الأسلاف، فإن الكل مرتحل عن هذه الدار، ولا يبقى إلا الله الواحد القهار ؛ وإنها لمن النعم التي يتضرع بها إلى المولى العلي القدير، أن يرزق عبده خلفا صالحا، وبهذا امتنّ سبحانه على عباده، { .. وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة.. )٢، وكانت ضراعة زكريا :{ .. رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء )٣.
١ سورة مريم. من الآية٥، ومن الآية ٦..
٢ سورة النحل. من الآية ٧٢..
٣ سورة آل عمران. من الآية ٣٧..
﴿ فاستجبنا له ﴾ فأجبنا دعاء زكريا وحققنا له سؤله ؛ ﴿ ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ﴾ رزقناه ولدا ذكرا نبيا سميناه يحيى، وحملته ووضعته زوجة زكريا التي كانت لا تلد حتى في مقتبل حياتها ؛ وسبحان من لا يعجزه شيء ؛ { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين. قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء. قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار )١ولقد كان يحيى عليه السلام سيدا رزق الحكمة منذ كان صغيرا { .. وآتيناه الحكم صبيا. وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا. وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )٢.
﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ﴾ جائز أن يكون الضمير عائدا على جملة من سبق ذكرهم من الأنبياء في تلك السورة : إبراهيم ولوط ونوح وداود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى، وجاز أن يكون على أقرب مذكور، زكريا ويحيى، وأم يحيى ؛ وأثنى الله تعالى عليهم بمسارعتهم إلى الإيمان والعبادة والعمل الصالح، وعطف على ذلك الدعاء رجاء رحمته وخشية غضبه لأهمية الدعاء، إذ هو مخ العبادة ؛ ﴿ وكانوا لنا خاشعين ﴾ كانوا خاضعين لجلال ربهم مخبتين منقادين، متضرعين.
١ سورة آل عمران. الآيات: ٣٩، ٤٠، ٤١..
٢ سورة مريم. من الآية١٢، والآيات١٣، ١٤، ١٥..
﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ { ٩١ ) ﴾.
أي واذكر يا محمد نبأ التي عفت وطهرت وحفظت أمانة الله، وعكفت على العبادة، وعمرت مسجد الله، فنفخ ملك الوحي فيها١بأمرنا فحملت بابنها المسيح عيسى عليه السلام، وهي بتول لم تتزوج، ولم تدنس بفحش ولا بغي، فكانت وكان ابنها النبي الرسول آية من آيات قدرتنا، وعلامة من علامات نفاذ أمرنا، بسبب وبلا سبب :{ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )٢.
١ يراد من الفرج القميص وفتحته؛ أي لم يعلق بثوبها ريبة، أي أنها طاهرة الأثواب؛ قال السهيلي: فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا.. لأن القرآن أنزه معنى وأوزن لفظا وألطف إشارة، وأملح عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهلين، لاسيما والنفخ من روح القدس بأمر القدوس، فأضاف القدس إلى القدوس، ونزه المطهرة عن الظن الكاذب والحدس..
٢ سورة النحل. الآية ٤٠..
﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ { ٩٢ ) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ { ٩٣ ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ { ٩٤ ) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ { ٩٥ ) ﴾.
بينت الآيات المباركات السابقات جانبا من نبأ المرسلين، وفي هذه الآية خطاب لكافة المكلفين، أن الله ارتضى لهم ملة واحدة هي الإسلام، ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.. )١ ؛ والأمة : القوم يجتمعون على دين واحد، فكل الأنبياء دعوا إلى الإسلام لما ذكر الأنبياء قال : هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد ؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام، قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : فأما المشركون فقد خالفوا الكل ٢ [ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " ٣، يعني أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له، بشرائع متنوعة.. ]٤ ؛ { وأنا ربكم ﴾ أنا مولاكم وخالقكم ورازقكم دون سواي ؛ ﴿ فاعبدون ﴾ فاعبدوني وحدي.
١ سورة آل عمران. من الآية ٨٥..
٢ رواه البخاري..
٣ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٤ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
﴿ وتقطعوا أمرهم بينهم ﴾ وجعل المكلفون أمر دينهم فيما بينهم قطعا، فذهب فريق إلى الوثنية، ومضى آخرون إلى اليهودية، وتواصى غيرهم بالصليبية ؛ ﴿ كل إلينا راجعون ﴾ كل هؤلاء مردودون إلينا، وموقوفون بين يدينا، وسنجزيهم الجزاء الأوفى ؛ وفي هذا بشرى للمؤمنين، ونذير للغاوين الضالين، ﴿ فمن يعمل الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ﴾ وتفضيل الجزاء أن من صلح عمله، وصدق يقينه، فلا حرمان لثواب عمله ؛ وعدت الآية من آمن وعمل من الأعمال الصالحة فلن يضيع أجر سعيه الذي سعاه للبر والخير ؛ [ و﴿ من ﴾ للتبعيض لا للجنس، إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها فرضا أو نفلا ؛ وهو موحد مسلم ]١ ؛ وإن الكتبة الحفظة ملائكتنا لسعيه مثبتون في صحائف أعماله، لا تغادر حفظتها صغيرة ولا كبيرة مما قدم في دنياه إلا أحصتها ؛ ﴿ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ﴾ عن ابن عباس ما حاصله : وحرام على قرية ختمنا على قلوب أهلها أن يتقبل منهم عمل، لأن الله لا يتقبل إلا من المؤمنين، أو : حرام على قرية حكمنا باستئصالها أن يقبل إيمانهم حين يحل بهم العذاب، وذلك قوله تعالى :{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا.. )٢ ؛ أي لا يكون هذا أبدا.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:﴿ وتقطعوا أمرهم بينهم ﴾ وجعل المكلفون أمر دينهم فيما بينهم قطعا، فذهب فريق إلى الوثنية، ومضى آخرون إلى اليهودية، وتواصى غيرهم بالصليبية ؛ ﴿ كل إلينا راجعون ﴾ كل هؤلاء مردودون إلينا، وموقوفون بين يدينا، وسنجزيهم الجزاء الأوفى ؛ وفي هذا بشرى للمؤمنين، ونذير للغاوين الضالين، ﴿ فمن يعمل الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ﴾ وتفضيل الجزاء أن من صلح عمله، وصدق يقينه، فلا حرمان لثواب عمله ؛ وعدت الآية من آمن وعمل من الأعمال الصالحة فلن يضيع أجر سعيه الذي سعاه للبر والخير ؛ [ و﴿ من ﴾ للتبعيض لا للجنس، إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها فرضا أو نفلا ؛ وهو موحد مسلم ]١ ؛ وإن الكتبة الحفظة ملائكتنا لسعيه مثبتون في صحائف أعماله، لا تغادر حفظتها صغيرة ولا كبيرة مما قدم في دنياه إلا أحصتها ؛ ﴿ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ﴾ عن ابن عباس ما حاصله : وحرام على قرية ختمنا على قلوب أهلها أن يتقبل منهم عمل، لأن الله لا يتقبل إلا من المؤمنين، أو : حرام على قرية حكمنا باستئصالها أن يقبل إيمانهم حين يحل بهم العذاب، وذلك قوله تعالى :{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا.. )٢ ؛ أي لا يكون هذا أبدا.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٣:﴿ وتقطعوا أمرهم بينهم ﴾ وجعل المكلفون أمر دينهم فيما بينهم قطعا، فذهب فريق إلى الوثنية، ومضى آخرون إلى اليهودية، وتواصى غيرهم بالصليبية ؛ ﴿ كل إلينا راجعون ﴾ كل هؤلاء مردودون إلينا، وموقوفون بين يدينا، وسنجزيهم الجزاء الأوفى ؛ وفي هذا بشرى للمؤمنين، ونذير للغاوين الضالين، ﴿ فمن يعمل الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ﴾ وتفضيل الجزاء أن من صلح عمله، وصدق يقينه، فلا حرمان لثواب عمله ؛ وعدت الآية من آمن وعمل من الأعمال الصالحة فلن يضيع أجر سعيه الذي سعاه للبر والخير ؛ [ و﴿ من ﴾ للتبعيض لا للجنس، إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها فرضا أو نفلا ؛ وهو موحد مسلم ]١ ؛ وإن الكتبة الحفظة ملائكتنا لسعيه مثبتون في صحائف أعماله، لا تغادر حفظتها صغيرة ولا كبيرة مما قدم في دنياه إلا أحصتها ؛ ﴿ وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ﴾ عن ابن عباس ما حاصله : وحرام على قرية ختمنا على قلوب أهلها أن يتقبل منهم عمل، لأن الله لا يتقبل إلا من المؤمنين، أو : حرام على قرية حكمنا باستئصالها أن يقبل إيمانهم حين يحل بهم العذاب، وذلك قوله تعالى :{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا.. )٢ ؛ أي لا يكون هذا أبدا.
١ ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم..
٢ سورة غافر. من الآية ٨٥..

﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ { ٩٦ ) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ { ٩٧ ) ﴾.
﴿ حتى ﴾ ابتدائية، تقدمها ما بينت الآية السابقة من أن الباغين المهلكين لا يهديهم الله، ثم تكون غاية إمهالهم أن تقوم القيامة ويحين المرجع إلى دار الجزاء ؛ أو غاية لعدم الرجوع عن الكفر، أي لا يرجعون عنه حتى إذا قامت القيامة يرجعون عنه، وهو حين لا ينفعهم ذلك ؛ وقال ابن عطية :﴿ حتى ﴾ متعلقة بقوله تعالى :﴿ تقطعوا ﴾ وحاصله أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق، وأن الدين المنجي كان دين التوحيد ﴿ فتحت ﴾ ونسبة الفتح إلى يأجوج ومأجوج مجاز، وهي حقيقة إلى السد فكأن التقدير : حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج ؛ وهما والله تعالى أعلم.. قبيلتان من ولد يافت بن نوح عليه السلام ﴿ وهم من كل حدب ينسلون ﴾ أي يأجوج ومأجوج من كل مرتفع يهبطون، أو من كل صوب وناحية يسرعون.
﴿ واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ﴾ " وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم ؛ ويشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول : قد كان ههنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة، قال قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، وبقي أهل السماء، قال : ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دما للبلاء والفتنة، فبينما هم على ذلك بعث الله عز وجل دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس، فيقول المسلمون : ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو، قال : فينحدر رجل منهم محتسبا نفسه قد أوطنها على أنه مقتول، فينزل، فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فنادى : يا معشر المسلمين ألا أبشروا ! إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم، فما يكون لهم رعي إلا لحومهم، فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط " ١. وفي حديث الدجال : فبينما هم كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج، كما قال الله تعالى :﴿ وهم من كل حدب ينسلون ﴾ فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل عليهم نغفا في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله.... قال : " ويرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوما، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ويقال للأرض أنبتي ثمرك ودري بركتك، قال : فيومئذ يأكل النفر من الرمانة، فيستظلون بقحفها ويبارك في الرسل ٢ حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت، قال : فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم أو كما قال مؤمن ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة " ٣ ؛ وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق، وعن أبي سعيد قال : قال صلى الله عليه وسلم : " ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج ".
وقوله :﴿ واقترب الوعد الحق ﴾ يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل أزفت الساعة واقتربت، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون :﴿ .. هذا يوم عسر.. )٤ ؛ ولهذا قال الله تعالى :{ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ﴾ أي من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام ﴿ يا ويلنا ﴾ أي : يقولون يا ويلنا ﴿ قد كنا في غفلة من هذا ﴾ أي في الدنيا ؛ ﴿ بل كنا ظالمين ﴾ يعترفون بظلمهم.. حيث لا ينفعهم ذلك ٥
١ مما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري..
٢ اللبن الذي يشرب..
٣ أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح..
٤ سورة القمر. من الآية ٨..
٥ ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم..
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{ .. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { ٩٨ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ { ٩٩ ) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ { ١٠٠ ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ { ١٠١ ) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ { ١٠٢ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ { ١٠٣ ) ﴾
قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ﴾ لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا : شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعري١ وأخبروه، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم٢ ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ وفيه نزل :﴿ ولما ضرب ابن مريم مثلا ) يعني يابن الزبعري { إذ قومك منه يصدون )٣، أي : يضجون ؛ ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون٤ من الأصنام حطب لجهنم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :{.. وقودها الناس والحجارة.. ) لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار، ولا وردها ما عبدوه من الأوثان ؛ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها ﴾ أماالذين سعدوا فيباعد بينهم وبين جهنم، ولا يسمعون حسها ولا حركتها ولا صوت لهيبها ؛ ﴿ وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ﴾ ماكثون أبدا في نعيم دار الكرامة ومقعد الصدق يتمتعون بكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ أهوال يوم القيامة والبعث، ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : هذا هو يوم الوعد بالكرامة، وحلولكم دار المقامة والسلامة.
١ شاعر قرشي كان يهجو رسول الله، ثم هدي إلى الإسلام وحسن إسلامه..
٢ أي غلبه خصومه بجدالهم..
٣ سورة الزخرف. الآية ٥٧..
٤ مما أورد الألوسي: فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها على أنها على المشهور لما لا يعقل، فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم.. وقال بعضهم: إن ﴿ما﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وهو مذهب جمهور أئمة اللغة.. ودليل ذلك: النص، والإطلاق، والمعنى؛ أما النص فقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى) ـ من سورة الليل ـ وقوله سبحانه: {والسماء وما بناها) ـ من سورة الشمس ـ وقوله سبحانه: {ولا أنتم عابدون ما أعبد) ـ من سورة الكافرون... اهـ.

﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ { ١٠٤ ) ﴾.
واذكر يوم يطوي الله الواحد القهار يطوي السماء كطي الصحيفة على ما فيها ؛ والسجل : الصك، وهو اسم مشتق من السجالة وهي الكتابة ؛ وأصلها من السجل وهو الدلو ؛ تقول : ساجلت الرجل إذ نزعت دلوا ونزع دلوا، ثم استعيرت فسميت المكاتبة والمراجعة مساجلة والطي في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الدرج الذي هو ضد النشر، قال الله تعالى :{ .. والسماوات مطويات بيمينه.. )١ ؛ والثاني الإخفاء والتعمية والمحو ؛ لأن الله تعالى يمحوا ويطمس رسومها، ويكدر نجومها ؛ قال الله تعالى :{ إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت )٢ ؛ { وإذا السماء كشطت )٣٤.
روى مسلم عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ﴿ .. كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ﴾.. " وذكر الحديث ؛ ﴿ وعدا ﴾ نصب على المصدر ؛ أي : وعدنا وعدا ﴿ علينا ﴾ إنجازه والوفاء به، أي من البعث والإعادة، ففي الكلام حذف ؛ ثم أكد ذلك بقوله جل ثناؤه :﴿ إنا كنا فاعلين ﴾..... أي ما وعدناكم، وهو كما قال :{ .. كان وعد الله مفعولا )٥.
١ سورة الزمر. من الآية ٦٧.
٢ سورة التكوير. الآيتان: ١، ٢..
٣ سورة التكوير. الآية ١١..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
٥ من سورة {المزمل). من الآية ١٨..
﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { ١٠٥ ) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ { ١٠٦ ) ﴾
عن مجاهد وابن زيد :﴿ الزبور ﴾ كتب الأنبياء عليهم السلام ؛ و﴿ الذكر ﴾ أم الكتاب الذي عند الله في السماء ؛ وعن الشعبي :﴿ الزبور ﴾ زبور داود، و﴿ الذكر ﴾ توراة موسى عليه السلام ؛ وقال سعيد بن جبير :﴿ الزبور ﴾ التوراة والإنجيل والقرآن ؛ ﴿ من بعد الذكر ﴾ الذي في السماء ﴿ أن الأرض ﴾ أرض الجنة ﴿ يرثها عبادي الصالحون ﴾ وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وعن ابن عباس أن الأرض هي أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح ؛ أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها " [ هذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله، واستيلائهم على أكثر المعمورة.. ]١ ؛ ﴿ إن في هذا لبلاغا ﴾ أي فيما يتلى عليكم من هذا الكتاب وآياته وسوره كفاية وسبب بلوغ إلى ما تطلبون من رضوان الله تعالى ونعيمه ﴿ لقوم عابدين ﴾ للذين يداومون على العبادة ويؤدونها على أطيب حال.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٥:﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { ١٠٥ ) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ { ١٠٦ ) ﴾
عن مجاهد وابن زيد :﴿ الزبور ﴾ كتب الأنبياء عليهم السلام ؛ و﴿ الذكر ﴾ أم الكتاب الذي عند الله في السماء ؛ وعن الشعبي :﴿ الزبور ﴾ زبور داود، و﴿ الذكر ﴾ توراة موسى عليه السلام ؛ وقال سعيد بن جبير :﴿ الزبور ﴾ التوراة والإنجيل والقرآن ؛ ﴿ من بعد الذكر ﴾ الذي في السماء ﴿ أن الأرض ﴾ أرض الجنة ﴿ يرثها عبادي الصالحون ﴾ وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وعن ابن عباس أن الأرض هي أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح ؛ أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها " [ هذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله، واستيلائهم على أكثر المعمورة.. ]١ ؛ ﴿ إن في هذا لبلاغا ﴾ أي فيما يتلى عليكم من هذا الكتاب وآياته وسوره كفاية وسبب بلوغ إلى ما تطلبون من رضوان الله تعالى ونعيمه ﴿ لقوم عابدين ﴾ للذين يداومون على العبادة ويؤدونها على أطيب حال.
١ ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني..

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ { ١٠٧ ) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { ١٠٨ ) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ { ١٠٩ ) ﴾.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق ؛ وقال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع على المشركين، قال : " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ".
﴿ قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ ما يوحى إلي إلا اختصاص الله تعالى بالوحدانية ؛ ومعنى القصر في الوحي، أن الأصل فيه تقرير التوحيد، وما عداه راجع إليه، ولعل مما يشير إلى هذا المعنى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )١ ؛ { فهل أنتم مسلمون ) أي منقادون لتوحيد الله تعالى ؛ أي : فأسلموا ؛ كقوله تعالى :{ .. فهل أنتم منتهون )٢ أي انتهوا ؛.. { فإن تولوا ﴾ أي إن أعرضوا عن الإسلام، ﴿ فقل آذنتكم على سواء ﴾ أي أعلمتكم على بيان، وأنا وإياكم حرب لا صلح بيننا ؛ كقوله تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.. )٣ أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضا، أي استويت أنت وهم، فليس لفريق عهد ملتزم في حق الفريق الآخر ؛ وقال الزجاج : المعنى : أعلمتكم بما يوحى إلي على استواء في العلم به ؛ ولم أظهر لأحد شيئا كتمته عن غيره ؛ { وإن أدري ﴾.. أي : وما أدري ﴿ أقريب أم بعيد ما توعدون ﴾ يعني أجل يوم القيامة لا يدريه أحد، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب ؛ قال ابن عباس ؛ وقيل : آذنتكم بالحرب ولكن لا أدري متى يؤذن لي في محاربتكم ٤.
١ سورة الأنبياء. الآية ٢٥..
٢ سورة المائدة. من الآية ٩١..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٨..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٨:﴿ قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ ما يوحى إلي إلا اختصاص الله تعالى بالوحدانية ؛ ومعنى القصر في الوحي، أن الأصل فيه تقرير التوحيد، وما عداه راجع إليه، ولعل مما يشير إلى هذا المعنى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )١ ؛ { فهل أنتم مسلمون ) أي منقادون لتوحيد الله تعالى ؛ أي : فأسلموا ؛ كقوله تعالى :{.. فهل أنتم منتهون )٢ أي انتهوا ؛.. { فإن تولوا ﴾ أي إن أعرضوا عن الإسلام، ﴿ فقل آذنتكم على سواء ﴾ أي أعلمتكم على بيان، وأنا وإياكم حرب لا صلح بيننا ؛ كقوله تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.. )٣ أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضا، أي استويت أنت وهم، فليس لفريق عهد ملتزم في حق الفريق الآخر ؛ وقال الزجاج : المعنى : أعلمتكم بما يوحى إلي على استواء في العلم به ؛ ولم أظهر لأحد شيئا كتمته عن غيره ؛ { وإن أدري ﴾.. أي : وما أدري ﴿ أقريب أم بعيد ما توعدون ﴾ يعني أجل يوم القيامة لا يدريه أحد، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب ؛ قال ابن عباس ؛ وقيل : آذنتكم بالحرب ولكن لا أدري متى يؤذن لي في محاربتكم ٤.
١ سورة الأنبياء. الآية ٢٥..
٢ سورة المائدة. من الآية ٩١..
٣ سورة الأنفال. من الآية ٥٨..
٤ ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن..

﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ { ١١٠ ) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ { ١١١ ) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ { ١١٢ ) ﴾.
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس { .. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{ .. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ { .. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿ .. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
١ سورة ق من الآية ١٦..
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٠:﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ { ١١٠ ) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ { ١١١ ) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ { ١١٢ ) ﴾.
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس {.. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ {.. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿.. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
١ سورة ق من الآية ١٦..
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٠:﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ { ١١٠ ) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ { ١١١ ) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ { ١١٢ ) ﴾.
رسخوا التصديق استيقنوا أن المعبود بحق يعلم ما تعلنون وما تسرون قولا أو فعلا أو حديث نفس {.. ونعلم ما توسوس به نفسه.. )١ ؛ وهو مجازيكم على ما تخفون وما تعلنون ؛ وما أدري فربما تكون حكمة الحليم في إمهالكم وعدم التعجيل بمؤاخذتكم أن يختبركم لكي يقطع معاذيركم، ونحو هذا المعنى جاءت الإشارة إليه في قول المولى تبارك اسمه :{.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر.. )٢ ؛ ويترككم في متعكم إلى أن تحين آجالكم ؛ {.. قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )٣.
﴿ قال رب احكم بالحق ﴾ كما قال من قبله إخوانه من الأنبياء :﴿.. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )٤ ؛ { وربنا الرحمن ﴾ عظيم الرحمة مولانا تبارك وتعالى ؛ ﴿ المستعان على ما تصفون ﴾ نسأله العون ويسأله كل مؤمن أن يعيننا على الوفاء بأمانات ديننا، وكبت عدونا الذي ضل وأضل، وافترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ؛ فهم يتنوعون في مقامات التكذيب والإفك ؛ والله حسبنا.
١ سورة ق من الآية ١٦..
٢ سورة فاطر. من الآية ٣٧..
٣ سورة البقرة. من الآية ١٢٦..
٤ سورة الأعراف. من الآية ٨٩..

Icon