تفسير سورة لقمان

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة لقمان
مكّية وهى اربع «١» وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذى حكمة او وصف الكتاب بصفة الله عز وجلّ على الاسناد المجازى والاضافة بمعنى من.
هُدىً وَرَحْمَةً قرأ حمزة بالرفع على انه خبر بعد خبر لتلك او خبر لمحذوف اى هى هدى ورحمة والحمل على المبالغة كزيد عدل او بحذف المضاف اى ذات هدى والباقون بالنصب على الحال من الآيات والعامل فيه معنى الاشارة لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بيان لاحسانهم او تخصيص بهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتؤكيد ولما جعل بينه وبين خبره.
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فائزون مقاصدهم لاستجماعهم العقيدة والعمل الصالح.
اخرج جويبر عن ابن عباس قال اشترى النضر بن الحارث قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام الا انطلق به الى قينة فيقول أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك اليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه فنزلت.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اى ما تلهى وتشتغل عما يفيد من الأحاديث التي لا اصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام- والاضافة بيانية بمعنى من ان أراد بالحديث المنكر او تبعيضية ايضا بمعنى من ان أراد به الأعم منه. واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس انها نزلت فى رجل من قريش اشترى
(١) وفى الأصل تسع وثلاثون صدر هذا من سبق قلم لا شك فيه. لان آياتها ثلاث وثلاثون عند اهل الحجاز واربع وثلاثون للباقى- ابو محمّد عفا الله عنه
246
جارية مغنية وروى البغوي عن ابى سلمة قال قال رسول الله ﷺ لا يحل تعليم المغنيات وأثمانهن حرام وفى مثل هذا نزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية وما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث الله شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب ولا يزالان يضربان بارجلهما حتى يكون هو الذي يسكت- اخرج الترمذي وغيره عن ابى امامة عن رسول الله ﷺ قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير فى تجارة فيهن وثمنهن حرام وفى مثل هذا أنزلت وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ- وقال البغوي قال مقاتل والكلبي نزلت فى النضر بن الحارث بن كلدة كان يتّجر فيأتى الحيرة ويشترى بها اخبار الأعاجم ويحدث بها قريشا ويقول ان محمدا يحدنكم بحديث عاد وثمود وانا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار واخبار الاكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القران فانزل الله هذه الاية- وكذا اخرج البيهقي فى شعب الايمان عن ابن عباس رض وقال مجاهد يعنى القينات والمغنين ومعنى الاية على هذا مَنْ يَشْتَرِي ذات لهو او ذا لهو الحديث او المعنى من يشتري لهو الحديث اى يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القران- قال مكحول من اشترى جارية ضرابة لتمسكها لعنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصلّ عليه لان الله تعالى قال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ الاية- وعن ابن مسعود رض وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث الغناء والاية نزلت فيه وقال ابو الصهباء البكري سالت ابن مسعود عن هذه الاية قال هو الغناء والله الذي لا اله الا هو يردّدها ثلاث مرات- وقال ابن جريج هو الطبل قلت مورد النص وان كان خاصّا وهو الغناء او قصص الأعاجم لكن اللفظ عام والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ومن اقال قتادة هو كل لهو ولعب وقال الضحاك هو الشرك.
(مسئلة) :- اتخاذ المعازف والمزامير حرام باتفاق فقهاء «١» الأمصار عن ابى
(١) فى المتفق ضرب المزامير واستماعها حرام وفى الفتاوى الكبرى يحرم ضرب الطبل واستماعه لانه من الملاهي الا طبول الحراب والقافلة لان فيها اعلاما للغزاة والرفقاء وانه طاعة وفى الملتقط ومن الناس من يقول لا بأس بالغناء فى الأعراس والوليمة الا ترى انه لا يأس بضرب الدف فى الأعراس والوليمة وان كان فى ذلك نوع لهو وانما لم يكن به بأس لانه فيه اظهار النكاح واعلانيه وبه امر صاحب الشرع حيث قال أعلنوا النكاح ولو بالدّف وكذلك الفتوى- وفى الذخيرة ومنهم من قال لا بأس بالدّفّ فى الأعياد روى ان رسول الله ﷺ كان جالسا فى بيته يوم العيد وفى دهليزه جاريتان تغنيان بالدّف فجاء ابو بكر وقال لهما أتغنّيان فى دهليز رسول الله ﷺ فقال عليه السّلام دعهما فان هذا اليوم يوم عيد ١٢ قدس سره-
247
هريرة ان النبي ﷺ نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة- رواه البغوي وعن ابى مالك الأشعري انه سمع رسول الله ﷺ يقول يشربون الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ويضرب على رؤسهم المعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان وأصله فى صحيح البخاري وعن على بن ابى طالب قال قال رسول الله ﷺ إذ فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هى يا رسول الله قال إذا كان المغنم دولا والامانة مغنما والزكوة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعقّ امه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات فى المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شرة وشربت الخمر ولبست الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن اخر هذه الامة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وخسفا ومسخا- رواه الترمذي وقال غريب- (مسئله) :- قالت الفقهاء الغناء حرام بهذه الاية لكونه لهو الحديث وبما ذكرنا من الأحاديث. وقالت الصوفية كان من الرجال ذى قلب مطمئن بذكر الله فارغا عن غيره لا يلتفت الى ما سوى الله ولا يكون المغنى محلّا للشهوة وكان المجلس خاليا عن الأغيار ولا يكون وقت صلوة او نحوها جاز له السماع بل يستحب لان فى السماع خاصية انه يستعمل به نار المحبة الجامدة المستورة فى القلب وذلك هو السبب لحرمته فى حق العامة فان العوام قلوبهم مشغولة بحب النساء او الغلمان فعند السماع يشتعل ذلك المحبّة ويشغلهم عن ذكر الله فكان فى حقهم لهو الحديث ومن كان قلبه مشغولا بمحبة الله وذكره فارغا عن غيره يكون السماع فى حقه موجبا لاشتغال
248
محبة الله فيكون فى حقه مستحبا «١» - والجواب عن النصوص ان الاية ناطقة بالحرمة لما هو لهو الحديث وسماع الصوفية ليس منه والأحاديث الموجبة لحرمة الغناء مخصوصه بالبعض لورود أحاديث اخر دالة على الإباحة فحملنا أحاديث حرمة الغناء على ما كان منه على قصد اللهو لا لغرض مشروع داعيا الى الفسوق- فلنذكر الأحاديث الدالة على اباحة الغناء بل على اباحة ضرب الدف ايضا منها حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت جاء النبي ﷺ فدخل حين بنى علىّ فجلس على فراشى كمجلسك منى فجعلت جويريات لنا يضر بن بالدف ويندبن من قتل من ابائى يوم بدر إذ قالت إحداهن.
وفينا نبى يعلم ما فى غد فقال دعى هذه وقولى ما كنت تقولين رواه البخاري وروى ابن ماجة نحوه وفيه اما هذا فلا تقولوه لا يعلم ما فى غد الا الله- وعن عائشة قالت زفت امرأة الى رجل من الأنصار فقال نبى الله ﷺ ما كان معكم لهو فان
(١) فى شرح الكافي واعلم ان المكروه من السماع عند علمائنا ما يكون على سبيل اللهو وارادة العصيان بان يجتمع الفساق على ذلك ويتركون الصلاة وقراءة القران- واما ما كان من اهل الصلاة واهل القران من جملة الصالحين فسماع هؤلاء حلال بلا خلاف بين علمائنا إذ لا يريدون بذلك الا وجه الله وحضوره ويذكرون الله فى خوف الاخرة وكل ذلك محمود غير مذموم والتواجد والرقص ايضا غير مذموم لهذا المعنى- وفى شرح البزدوى المسمى بالنوري صنفه ابو القاسم بن محمد بن عبد الله الدمشقي- اعلم ان السماع انما يختلف علماءنا فى حقه فهو ما كان على سبيل اللهو واللعب يجتمع الفساق وشاربوا الخمر وتركوا الصلاة- فاما من سمع السماع وهو صالح دائم الصلاة لا تارك الورد وقراءة القران فهو حلال بلا خلاف بين علمائنا وكذلك الرقص والتواجد وفى الاقناع ان السماع يحصل به رقة القلب والخشوع واثارة الشوق الى لقاء الله تعالى والخوف من سخطه وعذابه والمفضى الى ذلك قربة فاذا كان السماع هكذا فكيف يكون فيه شائبة اللهو والهواء وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي فى العوارف والسماء يستجلب الرحمة من الله الكريم والله اعلم- وفى فتاوى الخلاصة يجب ان يعلم ان التغنّى لا يناس الغير مكروه عند عامة المشايخ ومنهم من جوز ذلك فى العرس والوليمة واما التغنّى لدفع الوحشة عن نفسه لا يكره عند البعض وبه أخذ الامام السرخسي والمكروه عندهم ما يكون على سبيل اللهو ومنهم من يقول جميع ذلك مكروه وبه أخذ الامام خواهر زاده وفى الجامع المضمرات قال ذكر فى النافع والذخيرة ان المتغني إذا لم يسمع غيره ولكن يسمع نفسه لازالة الوحشة فلا بأس به وقال سمعت الشيخ الامام الاجل نجم الدين رحمه الله انه قال لو سمعه من جاريته يباح له ذلك واحاله الى واقعات الحسانيته وفى العوارف او زوجته كذا فى فتاوى ابراهيم شاهى- وفى المحيط ذكر محمّد فى السير الكبير عن انس بن مالك انه دخل على أخيه البراء بن مالك وكان يتغنى ١٢ منه برد الله تربته
249
الأنصار يعجبهم اللهو- رواه البخاري وعن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ أعلنوا هذا النكاح واجعلوا فى المساجد واضربوا عليه بالدّفوف رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عائشة قالت كانت عندى جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول الله ﷺ يا عائشة الا تغنين فان هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء رواه ابن حبان فى صحيحه وعن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله ﷺ فقال اهديتم الفتاة قالوا نعم قالوا أرسلتم معها من تغنّى قالت لا فقال رسول الله ﷺ ان الأنصار قوم فيه غزل فلو بعثتم معها من يقول اتيناكم فحيانا وحياكم. رواه ابن ماجة وعن عامر ابن سعد قال دخلت على قرظ بن كعب وابى مسعود الأنصاري فى عرس وإذا جوار تغنين فقلت اى صاحبى رسول الله واهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا اجلس ان شئت فاستمع معنا وان شئت فاذهب فانه قد رخص لنا فى اللهو عند العرس- وعن عائشة ان أبا بكر رضى الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان فى ايام منى تدففان وتضربان والنبي ﷺ متفس بثوبه فانتهرهما ابو بكر فكشف النبي ﷺ عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فانها ايام عيد (تلك ايام منى) رواه البخاري وعند ابن ماجة ان لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على رأسك بالدف قال او فى بنذرك- رواه ابو داود وقد قال رسول الله ﷺ لا وفاء لنذر فى معصية الله رواه مسلم وروى ان النبي ﷺ لمّا قدم المدينة ونزل فى بنى نجارا صبرن جوار من بنى النجار يتغنين ويقلن
نحن جوار من بنى نجار يا حبذا محمدا من جار
رواه ابن ماجة عن انس وفيه فقال النبي ﷺ الله يعلم انى لاحبكن- وروى البيهقي عن عائشة ان النبي ﷺ حين قدم المدينة جعل النساء والولاية والصبيان يقلن شعر
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى الله داع
ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
250
وروى احمد عن انس اما قدم رسول الله ﷺ المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله ﷺ وعن محمد بن حاطب الجمحي عن النبي ﷺ قال فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدّف فى النكاح- رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة فظهر ان المحرم من الغناء ما يدعوا الى الفسق ويشغل عن ذكر الله وما ليس كذلك فليس بحرام «١» غير انه لم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة رضى الله عنهم استماع الغناء تقربا الى الله تعالى ولاجل ذلك ما اختار الكرام من النقشبندية وغيرهم ارتكابه وان لم يرتكبوا الإنكار عليه والله اعلم- لِيُضِلَّ الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن دينه او ذكره وقراءة كتابه قرأ ابن كثير وابو عمرو «ورويس يخلف عنه- ابو محمد» ليضلّ بفتح الياء على صيغة المجرد بمعنى يلبث على ضلاله ويزيد فيه بِغَيْرِ عِلْمٍ بحال ما يشتريه او بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القران وقال قتادة بحسب المؤمن الضلالة ان يختار حديث الباطل على حديث الحق وَيَتَّخِذَها اى آيات الله قرأ حمزة «وخلف- ابو محمد» والكسائي ويعقوب «٢» وحفص بالنصب عطفا على قوله ليضل والباقون بالعطف على قوله يشترى بالرفع هُزُواً مهزوّا به سخرية أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) ذو اهانة.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى لا يتوجه اليه مُسْتَكْبِراً متكبرا الجملة الشرطية عطف على يشترى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها حال من المستكن فى ولّى او مستكبرا او استئناف كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ قرأ نافع اذنه «٣» بلفظ المفرد على ارادة الجنس وَقْراً ثقلا مانعا من السماع بدل من كان لّم يسمعها او حال من المستكن فى لم يسمعها او استئناف فَبَشِّرْهُ اى أخبره وذكر البشارة على التهكم بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) يحيق به.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) اى نعيم الجنات عكس للمبالغة.
خالِدِينَ فِيها حال مقدر من الضمير فى لهم او من جنات والعامل ما تعلق به اللام اى مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا
(١) فى الاحياء السماع فى اوقات السرور تأكيدا للسرور وتهيجا له مباح ان كان ذلك السرور مباحا كالغناء فى ايام العيد وفى العرس وفى وقت قدوم الغائب وفى الوليمة والعقيقة وعند ولادة الولد وختانه وعند حفظ القران- قلت وكذا عند تفويض الولد للمقرى لاجل التعليم ١٢ عنه أنار الله برهانه
(٢) هذا سهو لان يعقوب قرأ بالرفع بلا خلاف كابى عمرو- ١٢ ابو محمد عفا الله عنه
(٣) هذا ليس بشئ قرأ نافع اذنيه بإسكان الذال لا بالإفراد. ١٢ ابو محمد عفا الله عنه-
مصدر مؤكد لنفسه لكون ما قبله وعد حَقًّا اى حق ذلك الوعد حقا مصدر موكد لغيره لان كون الوعد حقا امر مغائر لنفس الوعد وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على كل شىء لا يمنعه شىء من انجاز وعده ووعيده الْحَكِيمُ (٩) الذي لا يفعل الا ما يقتضيه الحكمة.
خَلَقَ السَّماواتِ صفة للحكيم بحذف الموصول تقديره الذي خلق او حال من الضمير المستتر فيه بتقدير قد او استئناف فى محل التعليل بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها جملة ترونها صفة لعمد والضمير راجع اليه وهو صادق بان لا عمد لها أصلا او الضمير راجع الى السموات والجملة لا محل لها من الاعراب وقد سبق فى الوعد وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالا راسخات كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ او لان لا تميد بكم وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) اى من كل صنف حسن كثير المنفعة فيه التفات من الغيبة الى التكلم كانه استدل به على عزته التي هى كمال قدرته وحكمته التي هى كمال العلم ومهّد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله.
هذا اى ما ذكرت مما تعاينون خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ الفاء للسببية يعنى كل ما ترونه مخلوق لله تعالى فماذا خلق الهتكم حتى استحقوا مشاركته فى العبادة ماذا منصوب بخلق او ما استفهام انكار مبتدا وذا بمعنى الذي مع صلته خبره فارونى معلق عن العمل وما بعده سد مسدّ المفعولين بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) إضراب عن تبكيتكم الى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على من له ادنى تأمل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على انهم ظالمون.
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ بن باعور بن ناخور بن تارخ وهوازر كذا قال البغوي وقال قال وهب كان ابن اخت أيوب عليه السلام وقال مقاتل ذكر انه كان ابن خالة أيوب عليه السّلام- وذكر البيضاوي وغيره انه عاش حتى أدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعثه ثم ترك الفتيا بعد مبعثه وقال الا اكتفى إذا كفيت وقال الواقدي كان قاضيا فى بنى إسرائيل وفى الدر المنثور اخرج ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن ابى الدنيا فى كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وكذا ذكر البغوي عن خالد الربعي وقال قال مجاهد كان عبدا اسود عظيم الشفتين متشقق القدمين وقال قال سعيد بن المسيب كان خياطا
252
وقيل كان رعى غنم والله اعلم الْحِكْمَةَ فى القاموس وهى العدل والعلم والحلم والنبوة والقران والإنجيل والمراد بالحكمة فى قوله ﷺ ان من الشعر لحكمة هو العلم وما ورد فى قوله ﷺ الا وفى رأسه حكمة المراد به العقل وكل من المعاني المذكورة يحتمل المقام قال البغوي اتفق العلماء على انه كان حكيما اى فقيها عليما ولم يكن نبيّا الا عكرمة فانه قال كان نبيّا وتفرد بهذا القول واخرج ابن ابى حاتم عن وهب بن منبه انه سئل أكان لقمان نبيّا قال لا لم يوح اليه وكان رجلا حكيما وكذا اخرج ابن جرير عن مجاهد- وقال بعضهم خيّر لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة قال البغوي وروى انه كان نائما فى نصف النهار فنودى يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة فى الأرض فتحكم بين الناس بالحق فاجاب الصوت فقال ان خيرنى ربى قبلت العافية وان عزم على فسمعا وطاعة فانى اعلم ان فعل ذلك أعانني وعصمنى فقالت الملائكة بصوت (لا يراهم) لم يا لقمان قال لان الحكم باشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان ان أصاب لقمان فبالحرىّ ان ينجو وان أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن فى الدنيا ذليلا خير من ان يكون شريفا ومن يختار الدنيا على الاخرة تفته الدنيا ولا يصيب الاخرة- فعجبت الملائكة من حسن نطقه فنام نومه فاعطى الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها- ونودى داود عليه السّلام بعدها فقبلها ولم يشترط ما شرط لقمان فهوى فى الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو الله عنه وكان يوازره لقمان لحكمته وهذه الرواية تدل على انه ليس المراد بالحكمة العدل فى الحكم بين الناس ولنعم ما قال الجزري فى النهاية فى تفسير الحكمة انها عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم قلت أفضل الأشياء ذات الله تعالى قال الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقال عزّ وجلّ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قل الله وأفضل علم لا يعتريه الغفلة وهو العلم الحضوري فان العلم الحصولى لا ينفك عن غفلة وايضا لا يمكن درك الله سبحانه بالعلم الحصولى فانه حصول صورة الشيء فى الذهن وهو سبحانه منزه عن الصورة والتحيز بل العلم الذي يتعلق بذات الله سبحانه هو فوق العلم الحضوري والعلم الحضوري الذي يتعلق بذات العالم بالنسبة الى ذلك العلم كالحصولى بالنسبة الى الحضوري وهو من
253
خصائص قلب الإنسان ومن ثم وقع فى الحديث القدسي لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ويحصل ذلك لاخص الخواص من اولياء الله والله اعلم- اخرج الحاكم والبيهقي فى شعب الايمان عن انس ان لقمان كان عبدا لداود وهو يسرد الدروع فلم يسئله عنها فلمّا أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمة حكمة وقليل فاعله- وروى انه سئل اىّ الناس شر قال الذي لا يبالى ان راه الناس مسيئا- واخرج ابن ابى شيبة واحمد وابن جرير عن خالد الربعي قال كان عبدا حبشيّا نجارا فقال له سيده اذبح شاة وائتني بأطيب مضغتين منها فاتى باللسان والقلب ثم بعد ايام امر بان يأتى بأخبث مضغتين منهما فاتى بهما ايضا فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شىء إذا طابا وأخبث شىء إذا خبثا- أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ الظاهر ان تقديره وقلنا له ان اشكر لله على ما اعطاك من الحكمة
وقال اكثر المفسرين ان مفسرة فان فى إيتاء الحكمة معنى القول- قلت وتوجيه ذلك ان إيتاء الحكمة عبارة عن تعليمها والتعليم يكون بالقول غالبا فالمعنى اتيناه الحكمة اى أمرناه بالشكر وهذا يدل على ان الحكمة هو الشكر وإيتاء الحكمة الأمر بالشكر والمراد بالأمر الأمر التكويني دون التكليفي فان امر التكليفي يعم لقمان وغيره وهو لا يستلزم حصول الشكر بخلاف التكويني فانه يستلزمه كما يستلزم إيتاء الحكمة حصولها وتفسير الحكمة بالشكر مبنى على المجاز فان الشكر لازم للحكمة فيجوز اطلاق أحدهما على الاخر مبالغة مجازا والشكر عبارة عن اظهار النعمة وضده الكفران وهو ستر النعمة وفى القاموس الشكر بالضم عرفان الإحسان قيل هو مقلوب عن الكشر اى الكشف فانه اظهار النعمة وهو ثلاثة اضرب شكر القلب تصور النعمة وشكر اللسان الثناء على النعمة وشكر الجوارح مكافات النعمة بالطاعات- قيل أصله من عين شكر اى ممتلية فالشكر على هذا الامتلاء من ذكر النعم ونعمته ومن أجل هذا قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ووصف الله تعالى فى القران رجلين من عباده بالشكر أحدهما ابراهيم قال فيه شاكرا لّانعمه وثانيهما نوح حيث قال إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً قال فى النهاية الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثنى من المنعم بلسانه ويديب نفسه فى طاعته ويعتقد انه مولاها وهو من شكرت الإبل شكرا إذا أصاب مرعى فسمنت عليه- وجاز
254
ان يكون تقديره وقلنا له ان اشكر لله على ما اتيناك من الحكمة وغيرها وَمَنْ يَشْكُرْ الله فَإِنَّما يَشْكُرُ الله لِنَفْسِهِ اى لنفع نفسه فان الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود وموجب تقرب الى الرب المعبود وثواب فى دار الخلود قال الله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ الاية وَمَنْ كَفَرَ نعمة الله فَإِنَّ وباله عليه واللَّهَ غَنِيٌّ عن شكره لا يحتاج اليه حَمِيدٌ (١٢) حقيق بالحمد وان لم يحمد ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال.
وَاذكر إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ اسمه أنعم او اشكم او ماثان وَهُوَ يَعِظُهُ حال من لقمان يا بُنَيَّ تصغير اشفاق قرأ ابن كثير بإسكان الياء وحفص بفتح الياء والباقون بكسرها لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ متعلق بلا تشرك وجاز ان يكون قسما جوابه ما بعده قيل كان ابنه كافرا فلم يزل به حتى اسلم إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) تعليل للنهى الظلم وضع الشيء فى غير موضعه المختص به اما بنقصان او بزيادة واما بعدول عن وقته او مكانه- ويقال على التجاوز عن الحق قليلا كان التجاوز او كثيرا ولهذا يستعمل فى الذنب الصغير والكبير ولا شك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فانه وضع العبادة فى موضع لا يحتمل صلاحيتها أصلا وتسوية من لا نعمة الا منه بمن لا يصلح الانعام مطلقا.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ اى أمرناه ان يبرّهما ويشكرهما جملة معترضة بين قصة لقمان حَمَلَتْهُ أُمُّهُ معترضة فى معترضة مؤكدة للتوصية فى حق الام خاصة عن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله من أحق بحسن صاحبتى قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك متفق عليه وقال عليه السّلام ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات متفق عليه فى حديث للمغيرة وَهْناً كائنا عَلى وَهْنٍ صفة لوهن وهو حال من فاعل حملته تقديره ذات وهن او يوهن وهنا قال ابن عباس معناه شدة على شدة وقال الضحاك ضعفا على ضعف وقال مجاهد مشقة على مشقة فان المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاع ضعف وَفِصالُهُ اى فطامه فِي عامَيْنِ اى فى انقضاء عامين وكانت ترضع فى تلك المدة واحتج بهذه الاية الشافعي وابو يوسف ومحمد ان أقصى مدة الرضاع حولان وقد ذكرنا مسئلة الرضاع فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ الاية وفى سورة النساء فى تفسير قوله وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ أَنِ اشْكُرْ لِي تفسير لوصينا او بدل من والديه بدل اشتمال وَلِوالِدَيْكَ قال سفيان بن عيينة فى هذه الاية من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه فى ادبار الصلوات الخمس فقد شكر لوالديه إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) المرجع فيه وعد ووعيد يعنى اجازيك على شكرك وكفرك.
وَإِنْ جاهَداكَ عطف على قوله ان اشكر عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ باستحقاق الإشراك يعنى فكيف وأنت تعلم بطلان الإشراك بالادلة القاطعة فَلا تُطِعْهُما فى ذلك فان حق الله غالب على حق كل ذى حق قال رسول الله ﷺ لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- رواه احمد والحاكم وصححه عن عمران والحكيم ابن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داؤد والنسائي عن علىّ نحوه وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا صحابا مَعْرُوفاً يرتضيه الشرع والعقل.
(مسئلة) يجب بهذه الاية الانفاق على الأبوين الفقيرين وصلتهما وان كانا كافرين عن اسماء بنت ابى بكر قالت قدمت علىّ أمي وهى مشركة فى عقد قريش فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت علىّ وهى راغبة أفأصلها قال نعم صليها- متفق عليه- وقد مرّ فى سورة العنكبوت ان هاتين الآيتين نزلتا فى سعد بن ابى وقاص وامه.
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ دين مَنْ أَنابَ اى اقبل إِلَيَّ وأطاعني وهو النبي ﷺ وأصحابه قال عطاء عن ابن عباس يريد الله سبحانه به أبا بكر وذلك حين اسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابى وقاص وعبد الرحمان بن عوف وقالوا قد صدّقت هذا الرجل وامنت به قال نعم هو صادق فامنوا به ثم حملهم الى النبي ﷺ حتى اسلموا فهؤلاء سالفة الإسلام اسلموا بإرشاد ابى بكر قال الله تعالى وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعنى أبا بكر.
(مسئلة) لا يجوز إطاعة الوالدين إذا امرا بترك فريضة او إتيان مكروه تحريما لان ترك الامتثال لامر الله والامتثال لامر غيره اشراك معنى ولما روينا من قوله عليه السّلام لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- ويجب إطاعتهما إذا امرا بشئ مباح لا يمنعه العقل والشرع- وهل يجب إطاعتهما ان امرا بترك إكثار الذكر
والنوافل وكسب الأموال فوق الحاجة ونحو ذلك والظاهر عندى انه لا يجب ذلك لان الله سبحانه امر باتباع سبيل من أناب اليه وإكثار النوافل وترك ما لا يعنيه وترك الدنيا والتبتل الى الله سبيل المنيبين لا محالة- ولا شك ان الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الأوطان وهاجروا وبذلوا أنفسهم وأموالهم على خلاف مرضاة ابائهم وأمهاتهم وقد قال الله تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فكيف يجوز ترك المجاهدة فى سبيل الله مع النفس والشيطان لابتغاء مرضاة الآباء والأمهات- اخرج الحاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال ابو قحافة لابى بكر أراك يعتق رقابا ضعافا فلو انك اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومون دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند الله فنزلت وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى حين أعتق بلالا وعامر بن فهير وأم عميس وزبيرة ونحوهم- وهاجر أبو بكر مع اربعة آلاف درهم مع رسول الله ﷺ ولم يترك لاهله شيئا على خلاف مرضاة أبيه كما ذكرنا فى قصة هجرة النبي ﷺ فى سورة التوبة فى تفسير قوله تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ... ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ اى مرجعك ومرجعهما فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) فاجازيك على إسلامك واجازيهما على كفرهما هذان الآيتان معترضتان فى أثناء وصية لقمان تأكيدا لما فيها من النهى عن الشرك كانه قال ووصينا بمثل ما وصى لقمان وذكر الوالدين للمبالغة فى ذلك فانهما مع كونهما تلوا الباري فى استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز ان يستحقا الطاعة فى الإشراك فما ظنك بغيرهما.
يا بُنَيَّ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بكسرها إِنَّها اى الخصلة من الاساءة او الإحسان وقال قتادة الضمير راجع الى الخطيئة وذلك ان ابن لقمان قال لابيه يا أبت ان عملت الخطيئة حيث لا يرانى أحد كيف يعلمها الله فقال انها إِنْ تَكُ فى الصغر مثلا مِثْقالَ وزن حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ اسم تك ضمير مستتر وخبره مثقال على قراءة الجمهور بالنصب وقرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» مثقال بالرفع على انه اسم تك وهى تامة وتأنيث الفعل
لاضافة المثقال الى الحبة وضمير انها للقصة على هذه القراءة فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يعنى فى أخفى مكان واحرزه كجوف صخرة او أعلاه كمحدب السموات او أسفله كمقعر الأرض وقال قتادة فى صخرة فى جبل وقال ابن عباس هى صخرة تحت الأرضين السبع وهى التي يكتب فيها اعمال الفجار وخضرة السماء منها وقال السدىّ خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكره الله عزّ وجلّ فى القران ن والقلم والحوت فى الماء على ظهر صفاة «الصخرة والحجر الا ملس ١٢ نهاية منه رح» والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة (وهى الصخرة التي ذكرها لقمان ليست فى السماء ولا فى الأرض) والصخرة على الريح يَأْتِ بِهَا اللَّهُ يحضرها فيحاسب عليها إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه الى كل خفى ودقيق خَبِيرٌ (١٦) عليم بكنه كل شىء قال الحسن معنى الاية هو الإحاطة بجميع الأشياء صغيرها وكبيرها قال البغوي وفى بعض الكتب ان هذه الكلمة اخر ما تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها.
يا بُنَيَّ قرأ حفص والبزي «وقتل باسكاء ابو محمد» بفتح الياء والباقون بكسرها أَقِمِ الصَّلاةَ تكميلا لنفسك وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ تكميلا لغيرك وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الشدائد والأذى بسبب الأمر والنهى او غير ذلك إِنَّ ذلِكَ اى الصبر او كل ما امره مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) اى من الأمور التي عزمه الله اى قطعه قطع إيجاب قال رسول الله ﷺ خير الأمور عوازمها اى فرائضها التي عزم الله عليك بفعلها والعزم فى الأصل عقد القلب على إمضاء امر فالعزم على هذا مصدر بمعنى المفعول او المعنى من الأمور التي يعزم عليها بجد لوجوبها.
وَلا تُصَعِّرْ قرأ نافع وابو عمرو «وخلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي ولا تصاعر من المفاعلة وابن كثير وابن عامر وعاصم وابو جعفر ويعقوب بتشديد العين من غير الف خَدَّكَ لِلنَّاسِ اى لا تمل عنهم ولا تولهم صفحة وجهك تكبرا قال ابن عباس تقول لا تتكبر فتحقر وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى فرحا وبطرا مصدر وقع موقع الحال اى يمرح مرحا او العلة اى لاجل المرح إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ متبختر فى مشيه فَخُورٍ (١٨) على الناس علة للنهى نشر على غير ترتيب اللف لرعاية القافية.
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ اى توسط فيه فوق الدبيب
لانه دليل الخيلاء ومشى المتكبرين ودون الاسراع لانه مشى السفهاء ويذهب البهاء قال رسول الله ﷺ سرعة المشي يذهب بهاء المؤمن- أخرجه ابن عدى وابو نعيم فى الحلية من حديث ابى هريرة وأخرجه ابن عدى ايضا من حديث ابى سعيد وابن عمرو المراد بالاسراع المنهي ما يكون بجد فوق مشيه الطبعي واما الاسراع على عادته دون الخبب فمحمود روى ابن سعد عن يزيد بن مرثد انه ﷺ كان إذا مشى اسرع حتى يهرول الرجل وراءه فلا يدركه- وروى الطبراني والبيهقي عن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ عليكم بالسكينة عليكم... بالقصد فى المشي بجنائزكم واخرج الستة قوله ﷺ اسرعوا بالجنازة فان يك صالحة يتقدمونها وان يكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم- فهذه الأحاديث تدل على ان المراد بالاسراع ما ذكرت والمراد بالقصد هو الاسراع دون الخبب.
وَاغْضُضْ قال مقاتل اى اخفض مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ يعنى أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تعليل لغضّ الصوت يعنى ان صوت الحمير منكر جدّا لكونه جهيرا جدّا فلا يكن صوتك مثل صوتها أول صوتها زفير وآخرها شهيق وهما صوت اهل النار قال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول فى قوله تعالى إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ هى العطسة القبيحة المنكرة قال وهب تكلم لقمان باثنى عشر الف باب من الحكمة وأدخلها الناس فى كلامهم وقضاياهم..
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ لاجل نفعكم ما فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال من الأرض وَما فِي الْأَرْضِ من المعادن والنباتات والحيوانات بان مكّنكم من الانتفاع بها بوسط او بغير وسط وَأَسْبَغَ اى أتم وأكمل عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ قرأ اهل المدينة وابو عمرو وحفص بفتح العين وضم الهاء على الجمع والاضافة والباقون بسكون العين وبالتاء منونة على صيغة الواحد بارادة الجنس ظاهِرَةً مع ما عطف عليه حال من نعمه والنعمة الظاهرة هى المحسوسة من حسن الصورة وتسوية الأعضاء والرزق والعافية وغيرها من نعماء الدنيا والإسلام والرسول والقران وتخفيف الشرائع وتوفيق اتباع الرسول وظهور الإسلام والنصر على الأعداء وَباطِنَةً من القلب والعقل والحواس الباطنة وحسن الأخلاق والامداد
بالملائكة والإلهام بالاعتقاد الحق وستر الذنوب وعدم التعجيل فى العقوبة ونور معرفة الله ونار عشقه ورسوله وشفاعة رسوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ النبي ﷺ عطف على وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وما بينهما معترضات فِي اللَّهِ فى توحيده وصفاته بِغَيْرِ عِلْمٍ مستفاد من الدليل قال البغوي نزلت فى النضر بن الحارث وابى بن خلف وأشباههما وَلا هُدىً راجع الى الرسول وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) منزل من الله بل بالتقليد كما قال الله تعالى.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا لانتبع ما انزل الله بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا فيه منع من التقليد فى اصول الدين قال الله تعالى أَيتبعون بتقدير يعنى قل ايتبعون آباءهم وَلَوْ كانَ الواو للحال او للعطف على مقدر يعنى لو لم يكن ولو كان الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ الضمير اما لهم او لابائهم إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) بإلقاء حسن التقليد او حسن الإشراك فى قلوبهم والاستفهام للانكار والتعجب.
وَمَنْ يُسْلِمْ «١» وَجْهَهُ اى توجهه إِلَى اللَّهِ واقبل بشراشره عليه يعنى لا يفعل فعلا ولا يترك شيئا الا ابتغاء مرضاته ويفوض امره اليه وَهُوَ مُحْسِنٌ فى اعماله قال رسول الله ﷺ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه يعنى بالحضور التام فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى يعنى تمسك باوثق ما يتمسك به واعتصم باقوى ذريعة لا يحتمل انقطاعه تمثيل لطيف للمتوكل على المتشبث بالعروة الوثقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) إذا لكل صائر اليه.
وَمَنْ كَفَرَ ولم يسلم وجهه الى الله فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ تقديره فقد أضرّ نفسه وأوبقه ولا يضرك شيئا لا فى الدنيا ولا فى الاخرة ولمّا كان عدم الضّرر موجبا لعدم الحزن أورده فى مورده قرأ نافع لا يحزنك بضم الياء وكسر الزاء من الأحزان إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فى الدارين فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا بالتعذيب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) من الاعتقادات والخطرات فضلا عما فى الظاهر فيجازى كلّا على حسب اعتقاده وعمله.
نُمَتِّعُهُمْ اى نملهم ليتمتعوا قَلِيلًا اى تمتيعا قليلا او زمانا قليلا فى الدنيا الى انقضاء اجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ اى نلجئهم ونردهم فى الاخرة إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ اى عذابا يثقلهم ثقل الاجرام الغلاظ وهو عذاب النار.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ
(١) في الأصل ومن أسلم.
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لوضوح الدليل المانع من اسناد الخلق الى غيره بحيث اضطروا الى الإقرار به قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما الزمهم وألجأهم الى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) ان ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا.
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن حمد الحامدين الْحَمِيدُ (٢٦) المستحق للحمد وان لم يحمد اخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار وكذا ذكر البغوي انه قال نزلت بمكة وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- فلمّا هاجر رسول الله ﷺ الى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا الم يبلغنا عنك انك تقول وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- إيانا تريد أم قومك فقال كلّا عنيت قالوا الست تتلو فيما جاءك انا أوتينا التورية وفيها تبيان كل شىء فقال رسول الله ﷺ هى فى علم الله قليل فانزل الله تعالى.
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ يعنى لو ثبت كون الأشجار كلها أقلاما وتوحيد شجرة لان المراد تفصيل الآحاد وَالْبَحْرُ المحيط يَمُدُّهُ اى يزيده وينصب فيه مِنْ بَعْدِهِ اى من خلفه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ فاعل يمدّه قرأ ابو عمرو يعقوب البحر بالنصب عطفا على اسم انّ او بإضمار فعل يفسره يمدّه والباقون بالرفع عطفا على انّ ومعمولها وعلى هذا يمدّه حال- وجاز ان يكون البحر مبتدأ وما بعده خبره والجملة مستانفة او فى محل النصب على انه حال فان قيل ليس فيه ضمير راجع الى ذى الحال قلت هو كقولك جئت الجيش قادم ونحو ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظرف وكان مقتضى الكلام ان يقال ولو ان الأشجار أقلام والبحر مداد يمده من بعده سبعة أبحر لكن اغنى عن ذكر المداد قوله يمدّه لانه من مد الدوات وأمدها- وقال البغوي فى الاية إضمار تقديره وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ يكتب بها كلمات الله ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ المعبر بها عن معلومات الله بتلك الأقلام وبذلك المداد ولا بأكثر من ذلك بالغا ما بلغ لان معلوماته تعالى غير متناهية لا يمكن نفادها ولذلك اختار صيغة جمع القلة للاشعار بان ذلك لا يفئ بالقليل فكيف بالكثير إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شىء حَكِيمٌ (٢٧) لا يخرج عن علمه وحكمته امر واخرج ابن جرير عن عكرمة قال سال اهل الكتب رسول الله ﷺ عن الروح فانزل الله
تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فقالوا تزعم انا لم نؤت من العلم الا قليلا وقد أوتينا التورية وهى الحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فنزلت هذه الاية فعلى ما ذكرنا من الروايات فى سبب النزول الاية مدنية وقيل الاية مكية وانما امر اليهود وفد قريش ان يسئلوا رسول الله ﷺ ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة- واخرج ابو الشيخ فى كتاب العظمة وابن جرير عن قتادة قال قال المشركون انما هذا الكلام يوشك ان ينفد فنزل وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ الاية.
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ أجمعين إِلَّا كَنَفْسٍ اى الا كخلق نفس واحِدَةٍ وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن ويكفى لوجود الكل تعلق إرادته مع قدرته الذاتية فلا يتعذر عليه خلق الكل كما لا يتعذر عليه خلق نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع كل مسموع بَصِيرٌ (٢٨) يبصر كل شىء لا يشغله ادراك بعضها عن ادراك بعض اخر فكذلك الخلق او المعنى انّ الله سميع لاقوال المشركين ان لا بعث بصير بأعمالهم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ عطف على يولج او حال بتقدير قد الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ واحد من النيرين يَجْرِي فى السماء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت معين وهو يوم القيامة الفرق بينه وبين قوله لِأَجَلٍ مُسَمًّى ان الاجل منتهى الجري وثمه غرضه حقيقة او مجازا وكلا المعنيين حاصل فى الغايات وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) عطف على قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ وجملة أَلَمْ تَرَ متصل بقوله أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ مقرر له.
ذلِكَ الذي ذكر من سعة عمله وشمول قدرته وعجائب صنعه بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثابت اى الواجب وجوده وجميع كمالاته او الثابت ألوهيته وَأَنَّ ما يَدْعُونَ قرأ ابو عمرو وحفص وحمزة «ويعقوب وخلف- ابو محمد» والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب مِنْ دُونِهِ من الالهة الْباطِلُ المعدوم فى حد ذاته او الباطل دعوى الالوهية فيه وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ المترفع على كل شىء والمتسلط عليه الْكَبِيرُ (٣٠) الظاهر الباهر كبرياؤه ومن كان هذا شأنه يجب ان يكون علمه وقدرته شاملا لجميع الأشياء..
شمول انعامه والباء للصلة او للحال لِيُرِيَكُمْ الله مِنْ آياتِهِ اى بعض دلائل قدرته من عجائب البحر الذي أدركتموه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) يعنى صبار على المشاق فيتعب نفسه بالتفكر فى الآفاق والأنفس ويعرف النعم ويشكر عليها مانحها- او المراد لايات للمؤمنين قال رسول الله ﷺ الايمان نصفان فنصف فى الصبر ونصف فى الشكر- رواه البيهقي فى شعب الايمان عن انس يعنى يشكر فى السراء ويصبر فى الضراء.
وَإِذا غَشِيَهُمْ اى علاهم وغطاهم الظرف متعلق يدعوا الله فيه معنى الشرط والجزاء والجملة معطوفة على تجرى فى البحر خبر لانّ وضمير غشيهم راجع الى اهل الفلك رابط بين الاسم والخبر مَوْجٌ فى البحر كَالظُّلَلِ جمع الظلة شبّه بها الموج يأتى منه شىء بعد شىء قال مقاتل كالجبال وقال الكلبي كالسحاب دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بان ينجيهم ولا يدعون غيره لما تقرر فى الأذهان انه لا كاشف لضر الا الله سبحانه ويزول بما غلبهم من الخوف الشديد ما ينازع الفطرة السليمة من الهوى والتقليد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ متعلق بنجاهم بتضمين معنى أوصلهم وجملة فلمّا نجّاهم معطوفة على إذا غشيهم فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قيل هو جواب لمّا والظاهر ان جواب لمّا محذوف وهذا دليل عليه تقديره فلمّا نجاهم الى البرّ اختلفوا فمنهم شاكر لنعمة الله ومنهم كافر ومنهم مقتصد يعنى متوسط فى الكفر لانزجاره بعض الانزجار وكان بعض الكفار أشدّ افتراء وأشد قولا من بعض فذكر المقتصد لدلالته على جانبه كذا قال الكلبي معنى المقتصد وقال أكثرهم معنى المقتصد المقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد لما قيل ان الاية نزلت فى عكرمة بن ابى جهل هرب عام الفتح الى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة لان أنجانا الله من هذه لارجعن الى محمد ولاضعن يدى فى يده فسكنت الرياح فرجع الى مكة والنبي ﷺ ثمه واسلم وحسن إسلامه والتقدير على هذا فمنهم مقتصد ومنهم كافر يدل عليه قوله وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا المنزلة اى بحقيقتها او بدلائل قدرتنا ومنها الانجاء من الموج إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ اى غدار فانه نقض العهد الفطري او العهد الذي عاهد فى الشدة والختر أسوأ الغدر كَفُورٍ (٣٢) للنعم.
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى احذروا عذابه وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي اى لا يغنى والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ الراجع الى
الموصوف محذوف اى لا يجزى فيه والد مؤمن عن ولده الكافر وَلا مَوْلُودٌ مؤمن عطف على والد هُوَ جازٍ صفة لمولود يعنى ولا يجزى مولود مؤمن من شأنه ان يكون هو جاز عَنْ والِدِهِ الكافر متعلق بلا يجزى وانما قيدنا بالكافر لان المؤمن يشفع للمؤمن قال الله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وقال الله جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ شَيْئاً منصوب على المصدرية اى لا يجزى شيئا من الاجزاء وجاز ان يكون مولود مبتدأ خبره هو جاز عن والده وتغير النظم للتاكيد فان هذه الجملة واردة على نهج من التأكيد لم يرد عليه المعطوف عليه لان الجملة الاسمية أكد من الفعلية وقد انضم الى ذلك لفظ المولود وفيه تأكيد اخر لان المولود انما يطلق على من ولد بلا واسطة والولد يطلق عليه وعلى ولد الولد كما فى قوله تعالى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فاذا كان المولود لا ينفع أباه فلا ينفع أجداده بالطريق الاولى- ووجه إيراده على التأكيد ان الخطاب كان للمؤمنين فى ذلك الزمان وغالبا مات اباؤهم على الكفر فاريد حسم اطماعهم من ان ينفعوا آباءهم بالشفاعة فى الاخرة إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث والثواب والعقاب حَقٌّ لا يمكن تخلفه فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الفاء للسببية الْحَياةُ الدُّنْيا بزينتها فانها فانية ولذّاتها ضعيفة مشوبة بالمكاره وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ فى حلمه وامهاله الْغَرُورُ (٣٣) الشيطان بان يرجيكم المغفرة فيجسركم على الذنوب.
اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن مجاهد مرسلا قال جاء رجل من اهل البادية وسماه البغوي الحارث بن عمرو بن الحارث بن محارب بن حفصة فسال النبي ﷺ عن الساعة اى وقتها وقال امراتى حبلى فاخبر ما تلد وبلادنا مجدبة فاخبرنى متى ينزل الغيث وقد علمت باىّ ارض ولدتّ فاخبرنى اين أموت فانزل الله تعالى.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها جملة مستأنفة فى جواب متى يكون ذلك اليوم وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ متى شاء لا يعلم نزولها الا هو وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ اذكر أم أنثى لا يعلمها غيره وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ عن ابن عمران رسول الله ﷺ قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم أحد
264
ما يكون فى غد الا الله ولا يعلم ما فى الأرحام الا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة الا الله ولا تدرى نفس باى ارض تموت الا الله ولا يدرى أحد متى يجئى المطر الا الله رواه احمد والبخاري وروى البغوي فى تفسير هذه الاية عن ابن عمر بهذا اللفظ ان رسول الله ﷺ قال مفاتح الغيب خمس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ وفى الصحيحين فى قصة سوال جبرئيل فى حديث ابى هريرة فى خمس يعنى انّ السّاعة لا يعلمهن الا الله ثم قرأ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الاية- واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف عن خيثمة ان ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر الى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال ملك الموت فقال كانّه يريدنى فمر الريح ان يحملنى ويلقينى بالهند ففعل فقال الملك كان دوام نظرى اليه تعجبا منه إذ أمرت ان اقبض روحه بالهند وهو عندك والله اعلم.
وانما جعل العلم لله والدراية للعبد لان فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين فى القاموس دريته علمته او لضرب من حيلة فعنه اشارة الى ان العبد ان عمل حيلة وبذل فيها وسعه لم يعرف ما هو لاحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره ما لم يحصل له علم بتعليم من الله تعالى بتوسط الرسل او بنصب دليل عليه إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ يعلم الأشياء كلها خَبِيرٌ (٣٤) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها حكى ان منصورا راى فى منامه ملك الموت وسأله عن مدة عمره فاشار اليه بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنين او بخمسة أشهر او بخمسة ايام فقال ابو حنيفة هو اشارة الى هذه الاية فان هذه العلوم الخمسة مختصة بالله تعالى والله اعلم.
تم تفسير سورة لقمان من التفسير المظهرى ليلة الثانية والعشرين من رجب سنة الف ومائتين وست سنه ١٢٠٦ هـ ويتلوه تفسير سورة السجدة ان شاء الله تعالى.
265
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ متصل بقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ بِنِعْمَتِ اللَّهِ اى بإحسانه فى تهية أسبابه وهو استشهاد اخر على باهر قدرته و