تفسير سورة الجن

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الجن من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الجن مكية وهي ثمان وعشرون آية

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)
﴿قُلْ﴾ يا محمد لأمتك ﴿أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ﴾ أي الأمر والشأن أجمعوا على فتح أَنَّهُ لأنه فاعل أوحى وأن لو ستقاموا وان المساجد للعطف على أنه استمع فان مخففة من الثقيلة وان قَدْ أَبْلَغُواْ لتعدي يَعْلَمْ
إليها وعلى كسر ما بعد فاء الجزاء وبعد القول نحو فإن له نار جنهم وَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا لأنه مبتدأ محكي بعد القول واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من أَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبّنَا إلى وَأَنَّا مِنَّا المسلمون ففتحها شامي وكوفي غير أبي بكر عطفاً على أَنَّهُ استمع أو على محل الجار والمجرور في آمنا به تقديره وصدقناه وصدقنا أَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبّنَا وَأَنَّهُ كَانَ يقول سفيهنا إلى آخرها وكسرها غيبرهم عطفاً على إِنَّا سَمِعْنَا وهم يقفون على آخر الآيات ﴿استمع نَفَرٌ﴾ جماعة من الثلاثة إلى العشرة ﴿مّن الجن﴾ جن نصيبين ﴿فَقَالُواْ﴾ لقومهم حين رجعوا إليهم من استماع قراءة النبي ﷺ في صلاة الفجر ﴿إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ عجيبا بديعا مبانينا لسائر الكتب في حسن نظمه
548
وصحة معانيه والعجب ما يكون خارجاً عن العادة وهو مصدر وضع موضع العجيب
549
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)
﴿يهدي إلى الرشد﴾ يدعو إلى الصواب أو إلى التوحيد والإيمان ﴿فَآمَنا بِهِ﴾ بالقرآن ولما كان الإيمان به إيماناً بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا ﴿وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَا أَحَداً﴾ من خلقه وجاز أن يكون الضمير في بِهِ لله تعالى لأن قوله بِرَبّنَا يفسره
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣)
﴿وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبّنَا﴾ عظمته يقال جد فلان في عيني أي عظم ومنه قول عمر أو أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا أي عظم في عيوننا ﴿مَا اتخذ صاحبة﴾ زوجة ﴿وَلاَ وَلَداً﴾ كما يقول كفار الجن والإنس
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (٤)
﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ جاهلنا أو إبليس اذليس فوقه سفيه ﴿عَلَى الله شَطَطاً﴾ كفراً لبعده عن الصواب من شطت الدار أي بعدت أو قولاً يجوز فيه عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد غليه والشطط مجاوزة الحد في الظلم وغيره
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً﴾ قولاً كذباً أو مكذوباً فيه أو نصب على الصدر إذا الكذب نوع من القول أي كان في ظننا أن أحداً لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم كان الرجل من العرب إذا نزل بمخوف من الأرض قال أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد كبير الجن فقال
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الجن فَزَادوهُمْ﴾ أي زاد الإنس الجن باستعاذتهم بهم ﴿رَهَقاً﴾ طغياناً وسفهاً وكبراً بأن قالوا سدنا الجن والإنس أو فزادا الجن والإنس
549
رهقا إنما لاستعاذتهم بهم وأصل الرهق غشيان المحظور
550
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧)
﴿وَأَنَّهُمْ﴾ وأن الجن ﴿ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ﴾ يا أهل مكة ﴿أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً﴾ بعد الموت أي أن الجن كانوا ينكرون البعث كانكاركم ثم بسماع القرى ن واهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما أقروا
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨)
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء﴾ طلبنا بلوغ السماء
واستماع كلام أهلها واللمس المس فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف ﴿فوجدناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً﴾ جمعاً أقوياء من الملائكة يحرسون جمع حارس ونصب على التمييز وقيل الحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام ولذا وصف بشديد ولو نظر إلى معناه لقيل شداد ﴿وَشُهُباً﴾ جمع شهاب أي كواكب مضيئة
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩)
﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ من السماء قبل هذا ﴿مقاعد للسمع﴾ لاستمع أخبار السماء يعني كنا نجد بعض السماء خالية من الحرس والشهب قبل المبعث ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ﴾ يرد الاستماع ﴿الآن﴾ بعد المبعث ﴿يَجِدْ له﴾ لنفسه ﴿شهابا رصدا﴾ صفة لشهابا بمعنى الراصد ان يجد شهاباً راصداً له ولأجله أو هو اسم جمع للراصد على معنى ذوي شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع والجمهور على أن ذلك لم يكن قبل مبعث محمد ﷺ وقيل كان الرجم في الجاهلية ولكن الشياطين كانت تسترق السمع في بعض الأوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)
﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ﴾ عذاب ﴿أُرِيدَ بِمَن فِى الأرض﴾ بعدم استراق السمع ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ خيراً ورحمة
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (١١)
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصالحون﴾ الأبرار المتقون ﴿وَمِنَّا﴾ قوم ﴿دُونِ ذَلِكَ﴾ فحذف
550
الموصوف وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو أرادوا غير الصالحين ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾ بيان للقسمة المذكورة أي كنا ذوي مذاهب متفرقة أو أديان مختلفة والقدد حمع قدة وهي القطعة من قددت السير أي قطعته
551
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (١٢)
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ أيقنا ﴿أَن لَّن نُّعْجِزَ الله﴾ لن نفوته ﴿فِى الأرض﴾ حال أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها ﴿وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً﴾ مصدر في موضع الحال أي ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء وهذه صفة الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣)
﴿وأنا لما سمعنا الهدى﴾ القرآن ﴿آمنا به﴾ بالقرآن وبالله ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ﴾ فهو لا يخاف مبتدأ وخبر ﴿بَخْساً﴾ نقصاً من ثوابه ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾ أي ولا ترهقه ذلة من قوله وترهقهم ذل وقوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا دلة وفيه دليل على أن العمل ليس من الايمان
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤)
﴿وَأَنَّا مِنَّا المسلمون﴾ المؤمنون ﴿وَمِنَّا القاسطون﴾ الكافرون الجائزون عن طريق الحق قسط جار وأقسط عدل ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾ طلبوا هدى التحري طلب الأحرى أي الأولى
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)
﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ﴾ في علم الله ﴿لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ وقوداً وفيه دليل
على أن الجني الكافر يعذب في النار ويتوقف في كيفية ثوابهم
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦)
﴿وَأَنْ﴾ مخففة من الثقيلة يعني وأنه وهي من جملة الوحي أي أوحى إلى أن الشأن ﴿لَوْ استقاموا﴾ أي القاسطون ﴿عَلَى الطريقة﴾ طريقة الإسلام ﴿لأسقيناهم مَّاءً غَدَقاً﴾ كثيراً والمعنى لوسعنا عليهم الرزق وذكر الماء الغدق لأنه سبب سعة الرزق
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)
﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ﴾ القرآن أو التوحيد أو العبادة ﴿يسلكه﴾ بالباء عراقي غير أبي بكر يدخله ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾ شاقاً مصدر صعد يقال صعد صعداً وصعوداً فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه ما تصعدني شيء ما تصعدني خطبة النكاح أي ما شق عليّ
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨)
﴿وأن المساجد لله﴾ من جملة الموحى أن اللام متعلقة بلا تَدْعُواْ أي ﴿فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً﴾ في المساجد لأنها خالصة لله ولعبادته وقيل المساجد أعضاء السجود وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)
﴿وأنه لما قام عبد الله﴾ محمدعليه السلام إلى الصلاة وتقديره وأوحي إلى أنه لما قام عبد الله ﴿يَدْعُوهُ﴾ يعبده ويقرأ القرآن ولم يقل نبي الله أو رسوله لأنه من أحب الاسماء إلى النبي ﷺ ولأنه لما كان واقعا في كلامه ﷺ عن نفسه جئ به على ما يقتضيه التواضع أو لأن عبادة عبد الله لله ليست بمستبعد حتى يكونوا عليه لبداً ﴿كَادُواْ﴾ كاد الجن ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ جماعات جمع لبدة تعجباً مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه به وإعجاباً بما تلاه من القرآن لأنهم رأوا ما لم يروا مثله
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠)
﴿قل إنما أدعو رَبّى﴾ وحده قَالَ غير عاصم وحمزة ﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً﴾ في العبادة فلم تتعجبون وتزدحمون على
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)
﴿قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً﴾ مضرة ﴿وَلاَ رَشَداً﴾ نفعاً أو أراد بالضر الغي بدليل قراءة أبي غَيّاً وَلاَ رَشَداً يعني لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم لأن الضار والنافع هو الله
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢)
﴿قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ الله أَحَدٌ﴾ لن يدفع عني عذابه أحد أن عصصيته كقول صالح عليه السلام فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله ان عصيته ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ ملتجأ
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)
﴿إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله﴾ استثناء من لا أَمْلِكُ أي لا أملك لكم ضراً ولا رشدا إلا بلاغا من الله وقل إني لن يجبرني اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه وقيل بَلاَغاً بدل من مُلْتَحَدًا أي لن أجد من دونه منحي إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به يعين لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به فإن ذلك ينجيني وقال الفراء هذا شرط وجزاء وليس باستثناء وأن
منفصمة من لا وتقديره أن لا أبلغ بلاغاً أي إن لم أبلغ لم أجد من دونه ملتجأ ولا مجيرا إلى كقولك أن لاقيا فقعوداً والبلاغ في هذه الوجوه بمعنى التبليغ ﴿ورسالاته﴾ عطف على بَلاَغاً كأنه قيل لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات إلا أن أبلغ عن الله فأقول قال الله كذا ناسباً لقوله إليه وأن أبلغ رسالته التي أرسلني بها بلا زيادة ونقصان ومن ليست بصلة للتبليغ لأنه يقال بلّغ عنه إنما هي بمنزلة من في بَرَاءةٌ مّنَ الله أي بلاغا كائنامن الله ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ﴾ في ترك القبول لما أنزل على الرسول لأنه ذكر على أثر تبليغ الرسالة ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ وحد في قوله له وجمع في خالدين للفظ ومن معناه
حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)
﴿حتى﴾ يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى ﴿إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ عند حلول العذاب بهم ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾ أهم أم المؤمنون؟ أي الكافر لا ناصر له يومئذ والمؤمن ينصره الله وملائكته وأنبياؤه
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)
﴿قُلْ إِنْ أَدْرِى﴾ ما أدري ﴿أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من العذاب ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى﴾ وبفتح الياء حجازي وأبو عمرو ﴿أَمَدًا﴾ غاية بعيدة يعني أنكم تعذبون قطعاً ولكن لا أدري أهو حالّ أم مؤجل
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦)
﴿عالم الغيب﴾ هو خبر مبتدأ أي هو عالم الغيب ﴿فَلاَ يُظْهِرُ﴾ فلا يطلع ﴿على غَيْبِهِ أَحَداً﴾ من خلقه
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)
﴿إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ﴾ إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له فإنه يطلعه على غيبه ما شاء ومن رسول بيان لمن ارتضى والوي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم عليه ولكنه أخبر بناء على رؤياه أو بالفراسة على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول وذكر في التأويلات قال بعضهم في هذه الآية دلالة تكذيب المنجمة وليس كذلك فإن فيهم من يصدق خبره وكذلك المتطيبة يعرفون طبائع النبات وذا لا يعرف بالتأمل فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره وبقي علمه في الخلق ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ﴾ يدخل ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ يدي الرسول ﴿وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم حتى يبلغ الوحي
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)
﴿لِيَعْلَمَ﴾ الله ﴿أَن قَدْ أَبْلَغُواْ﴾ أي الرسل ﴿رسالات رَبِّهِمْ﴾ كاملة بلا زيادة ولا نقصان إلى المرسل إليهم أي ليعلم الله ذلك موجوداً حال وجوده كما كان يعلم ذلك قبل وجوده أنه يوجد وحد الضمير في مِن بَيْنِ يَدَيْهِ للفظ من وجمع في أَبْلَغُواْ لمعناه ﴿وَأَحَاطَ﴾ الله ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ بما عند الرسل من العلم ﴿وأحصى كُلَّ شَىْءٍ عددا﴾
من الفطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحار فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه وعددا حال أي وعلم كل شيء معدوداً محصوراً أو مصدر في معنى إحصاء والله أعلم
554
سورة المزمل ﷺ مكية وهي تسع عشرة آية بصري وثمان عشرة شامي

بسم الله الرحمن الرحيم

555
Icon