ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - قوله: ﴿اقْتَرَبَ﴾ افتعل من القُرْب (١). يقال: قَرُب الشيء واقترب، كما يقال: كسب واكتسب.قال المبرِّد: هما (٢) واحد، إلا أن افتعل مؤكد (٣).
ومعنى الاقتراب هاهنا: قصر (٤) المدة التي بينهم وبين الحساب (٥).
(٢) في (ع): (وهما).
(٣) لم أجد من ذكره عنه. قال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٢٩٥: (اقترب) افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو (قرب)، كما تقول: ارتقب ورقب. وقيل: هو أبلغ من "قرب" للزيادة التي في البناء. ا. هـ. وذكر الزبيدي في "تاج العروس" ٤/ ١٣ (قرب) أن شيخه أبا عبد الله الفاسي نقل عن ابن عرفه: (اقترب) أخص من (قرب) فإنه يدل على المبالغة في القرب.
قال الزبيدي: ولعل وجهه أنَّ افتعل يدل على اعتمال ومشقة في تحصيل الفعل، فهو أخص مما يدل على القرب بلا قيد، كما قالوه في نظائره. اهـ. وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" ٨/ ١٧: والاقتراب مبالغة في القرب، فصيغة الافتعال الموضوعة للمطاوعة مستعملة في تحقق الفعل، أي: اشتد قرب وقوعه بهم.
(٤) في (ع): (قصد)، وهو خطأ.
(٥) انظر: "التبيان" للطوسي ٧/ ٢٠٢.
﴿حِسَابُهُمْ﴾ قال المفسرون: محاسبة الله إياهم على أعمالهم (٢). وقال عطاء، عن ابن عباس (٣): يريد عذابهم: لأن من نوقش الحساب عذب (٤).
فعلى هذا الحساب: يعني به (٥): العذاب. وقال الزجاج: المعنى -والله أعلم-: اقترب للناس (٦) وقت حسابهم (٧).
(٢) هذا نص كلام الثعلبي في "تفسيره الكشف والبيان" ٣/ ٢٧ أ. وأصله عند الطبري في "جامع البيان" ١/ ١٧: حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم.
(٣) في (ع): (عن الكلبي)، وهو خطأ.
(٤) لم أجده من رواية عطاء، عن ابن عباس. وهذه الرواية عن ابن عباس باطلة، وقد تقدم الكلام عنها. وجاء في "تنوير المقباس" من تفسير ابن عباس ص ٢٠٠: (دنا لأهل مكة ما وعد لهم في الكتاب من العذاب. وهذا التفسير لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه مروي عنه من طريق محمد بن مروان السدي، عن الكلبي، عن أبي صالح، وهذا الإسناد من أضعف الأسانيد عن ابن عباس. انظر: "العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (٣ ب). وقد نسب هذا القول -يعني أن المراد بالحساب هنا العذاب- إلى الضحاك. وذكره الماروردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٥ والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٦٧.
(٥) به: زيادة
(٦) في (ع) زيادة بعد قوله: (للناس).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٣.
قال أهل المعاني: واقتراب (٢) حسابهم يحمل على أحد معنيين: إما لأن كل ما هو آت فهو قريب، وإما أنه قريب بالإضافة إلى ما مضى من الزمان (٣).
وقوله تعالى: ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ قال الكلبي: جهالة (٤).
وقال المفسرون: عما الله فاعل بهم ذلك اليوم (٥).
﴿مُعْرِضُونَ﴾ عن [التأهب] له (٦) (٧).
(٢) في (أ): (واقترب).
(٣) ذكر الماوردي (٣/ ٤٣٥)، والزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٦١، وابن الجوزي ٥/ ٣٣٩، والرازي في "مفاتيح الغيب" ٢٢/ ١٣٩ هذين المعنيين من غير نسبة لأحد. وزاد الرازي القول الثاني بيانًا بقوله: إنَّ المعاملة إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر؛ فإنه لا يقال: اقترب الأجل، أما إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال: اقترب الأجل، فعلى هذا الوجه قال العلماء: إن فيه دلالة على قرب القيامة، ولهذا الوجه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "بعثت أنا والساعة كهاتين" [رواه البخاري في صحيحه (١١/ ٣٤٧) كتاب الرقاق].
وذكر الرازي قولاً ثالثًا: أن معنى اقتراب حسابهم أنه مقترب عند الله تعالى. قال: والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
(٤) لم أجده.
(٥) هذا كلام الطبري في "تفسيره" ١/ ١٧ مع تصرف يسير.
(٦) ساقط من (ع).
(٧) الطبري ١٧/ ٢، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٧ أ.
٢ - قوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أي: من وعظ بالقرآن على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- (٣).
﴿مُحْدَثٍ﴾ أي: با لإنزال، تنزل (٤) السورة بعد السورة، والآيةُ بعد الآية (٥).
وهذا معنى قول المفسرين: أي في زمن بعد زمن (٦).
وقال مقاتل: يحدث الله الأمر بعد الأمر (٧).
ومعنى الإحداث راجع إلى الإنزال وتلاوة جبريل -عليه السلام- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٨).
وقوله تعالى: ﴿اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد يسمعون (٩)
(٢) ذكر هذا القول القرطبي ١١/ ٢٦٧، ولم ينسبه لأحد.
(٣) انظر: "الطبري" ٢/ ١٧، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٧ ب.
(٤) في (أ)، (ت): (ننزل)، بإهمال أوله.
(٥) ذكر هذا القول الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٢ ولم ينسبه لأحد.
(٦) ذكر أبو حيان في "البحر" ٦/ ٢٩٦ نحو هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٧) ذكره عنه: الثعلبي ٣/ ٢٧ ب، والبغوي ٥/ ٣٠٩.
(٨) قال الطبري ١٧/ ٢: يقول تعالى ذكره: ما يحدث الله من تنزيل شيء من هذا القرآن للناس.
وقال أبو العباس أحمد بن تيمية "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٥٢٢: المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي، ولكنه الذي أنزل جديدًا، فإن الله كان ينزل القرآن شيئًا بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخرًا. وكك ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب.
(٩) في (ع): (يستمعون).
وقال الحسن وقتادة: أي كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل (٢).
٣ - قوله تعالى: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ قال ابن عباس: أي عما يراد بهم (٣).
وقال السدي: عما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- (٤).
وانتصابه على وجهين: أحدهما: إلا استمعوه لاعبين لاهية قلوبهم،
لأن قوله: ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ في موضع الحال (٥). والثاني: أن يكون منصوبًا بقوله: ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ (٦). وهذا قول الفراء (٧)، والمبرد، والزجاج (٨).
وقوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ تناجوا فيما بينهم يعني المشركين الذين وُصفوا باللهو واللعب.
(٢) ذكره بنصه عن الحسن وقتادة: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٣، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٦ أ. وذكر هذا القول عن الحسن: الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٦، والقرطبي في تفسيره ١١/ ٢٦٨.
(٣) لم أجده.
(٤) لم أجده.
(٥) فيكون قوله "لاهية" حالا بعد حال من فاعل "استمعوه". وهذا قول الكسائي. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٦٣، "البيان في غريب إعراب القرآن" لأبي البركات ابن الأنباري ٢/ ١٥٧، "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري ٢١/ ١٣٠، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٣٠.
(٦) فيكون منصوبًا على الحال من الضمير في "يلعبون". انظر ما تقدم من مراجع في الفقرة السابقة.
(٧) "معاني القرآن": ٢/ ١٩٨.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٣.
وفي محل ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وجوه (٢): أحدها: البدل من الواو في ﴿وَأَسَرُّوا﴾ فيكون في موضع رفع (٣).
قال المبرد: وهذا كقولك في الكلام: إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله. على البدل مما في انطلقوا (٤).
والثاني: أن يكون رفعًا على الذم على معنى: هم الذين ظلموا. أويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى: (أعني) (٥) الذين ظلموا] (٦) (٧).
(٢) في (ع): (وجوه)، وهو خطأ.
(٣) وهذا قول سيبويه كما في "الكتاب" ٢/ ٤١. وجود هذا القول الزجاج في "معانيه" ٣/ ٣٨٣، وحسنه ابن جزي الكلبي في "التسهيل" ٣/ ٤٧، واستظهره الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٥٥٥.
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣١٠، والقرطبي ١١/ ٢٦٩ هذا القول بنصه عن المبرد. ونسب أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٢٩٧ للمبرد القول بأن "الذين" بدل، وذكر السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٣٢ أن هذا القول معزو للمبرّد.
(٥) أعني: زيادة من "معاني القرآن" للزجاج يتضح بها المعنى.
(٦) ساقط من (أ)، (ت).
(٧) من قوله أن يكون رفعا.. إلى هنا. هذا نص كلام الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٣٨٣ - ٣٨٤. وفي رفع "الذين" وجوه أخرى منها.
الأول: أن يكون في موضع رفع بـ"أسرّوا" وسيذكره المصنف.
الثاني: أن يكون "الذين" مبتدأ، و"أسروا" جملة خبرية قدمت على المبتدأ. وهذا القول حكاه الثعلبي عن الكسائي.
الثالث: أن يكون الذين مرفوعًا بفعل مقدر تقديره: يقول الذين كفروا. =
وقد قال قومٌ: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ في موضع رفع بأسرّوا، واستعمل الفعل مقدما كما يستعمل مؤخرا. قالوا: وعلامة الجمع ليست بضمير (٣). فيجوز: انطلقوا إخوتك، وانطلقا صاحباك، تشبيها بعلامة التأنيث، نحو: ذهبت جاريتك (٤).
فجعلوا الألف والواو في التثنية والجمع كهذه التاء التي تقدم لتؤذن
الرابع: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وتقديره: هم الذين ظلموا.
الخامس: أنه مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: الذي يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم. وفي نصبه وجه آخر سوي ما ذكره الواحدي، وهو نصبه على الذمّ. انظر: "إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب ٢/ ٤٧٧، "البيان في غريب إعراب القرآن" لأبي البركات الأنباري ٢/ ١٥٨، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ٣٢ - ١٣٣.
(١) في (ع): (تقول).
(٢) فيكون "الذين" في موضع جر نعتا "للناس". وهذا قول الفراء. انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٨، "إعراب القرآن" لابن الأنباري ٢/ ١٥٨. وقيل: الذين في موضع جر وهو بدل من "الناس". قال أبو حيان: وهو أبعد الأقوال. "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٢٩٧.
(٣) في (أ): (لضمير).
(٤) قاله أبو عبيدة، والأخفش، وغيرهما. انظر. "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ١٠١، ٢/ ٣٥، "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٤٧٥، ٦٣٢، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٢٩٧، "الدر المصون" للسمين ٨/ ١٣٣. وذكر الطوسي "التبيان" ٧/ ٢٠٤ هذا القول ونسبه لقوم كما فعل الواحدي.
قال الأخفش: وهذا على لغة الذين يقولون (٢): "أكلوني البراغيت"، و"ضربوني (٣) قومك" (٤).
وقال المبرد: الذي قالوه يجوز، ولكنه بعيد لا يختار في القرآن (٥).
قال صاحب النظم (٦): لأنه ليس من مذهب العرب أن يظهروا العدد في
(٢) في (ت): (يقولوني)، وهو خطأ.
(٣) في (ع): (وضربني)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٤٧٥، ٦٣٢.
(٥) ذكره عن المبرّد: الطوسيُّ في "التبيان" ٧/ ٢٠٤. وذكر أبو حيان في "البحر" ٦/ ٢٩٧ أنه قيل: إنها لغة شاذة. ولم ينص على أحد. وكذا ذكر السمين في "الدر المصون" ٨/ ١٣٣ أن بعضهم ضعف هذه اللغة.
ثم قال أبو حيان: وقيل: والصحيح أنها لغة حسنة، وهي من لغة أزد شنوءه، وخرج عليه قوله: "ثم عموا وصموا كثير منهم" [المائدة: ٧١].
(٦) تنبيه: ذهب د. جودة المهدي في كتابه "الواحدي ومنهجه في التفسير" ص ١٤١ إلى أن صاحب النظم الذي ينقل عنه الواحدي هو الحسين بن علي بن نصر بن منصور الطوسي؛ لأن الداودي ذكر له في "طبقات المفسرين" ١/ ١٤١ - ١٤٢ كتاب نظم القرآن. والصواب خلاف ما قال، وأن صاحب النظم هو الحسن بن يحيى الجرجاني، ولو أن د. المهدي رجع إلى كتاب "تاريخ جرجان" للسهمي لرجح هذا، مع أنه نقل عن ابن قاضي شهبة في كتابه طبقات النحاة قوله -وهو يتناول مصادر تفسير البسيط في ترجمته للواحدي- وكتاب "نظم القرآن" للجرجاني، وليس هو عبد القاهر الجرجاني كما غلط فيه الإمام فخر الدين الرازي إنّما هذا تأليف شخص ذكره حمزة السهمي في "تاريخ جرجان". ومما يدل على أن مؤلف النظم الذي ينقل عنه الواحدي هو الحسن بن يحيى الجرجاني لا الحسن بن علي الطوسي أن الثعلبي -شيخ الواحدي- ذكر الجرجاني وذكر كتابه "النظم"، فقال في مقدمة تفسيره "الكشف والبيان" ١/ ٨ أ -وهو يذكر مصادره-: كتاب "النظم" =
وما ذكرنا من الوجوه في إعراب ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ قول الفراء والزجاج (٤) والكسائي والمبرد.
وقوله تعالى: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ ترجمة سرهم، أي: تناجوا بهذا القول فيما بينهم يريدون: أن محمدا بشر آدمي مثلكم، لحم
(١) (لأنه): ساقطة من (ع).
(٢) (ويضمنها) مهملة في (ع).
(٣) في (أ): (قالوا)، وهو خطأ.
(٤) (والزجاج) ساقط من (أ).
﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريدون أن الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- سحر (١).
وقال السدي: يقولون إن متابعة محمد -صلى الله عليه وسلم- متابعة السحر (٢).
والمعنى: أتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر (٣).
فأطلع الله نبيه على ما تناجوا به
٤ - وقال له: ﴿قَالَ رَبِّي﴾ أي: قل لهم يا محمد ربي ﴿يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي لا يخفي عليه شيء مما يقال في السماء والأرض.
وقرأ أهل الكوفة (٤) "قال ربي" على إضافة القول إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وكذا هو في مصاحفهم (٥) يعنون: قال محمد: ربي يعلم القول في السماء والأرض.
(٢) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٦، وعزاه لابن أبي حاتم في "تفسيره".
(٣) ذكره الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٣، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٦ أهذا القول ولم ينسباه لأحد.
(٤) قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: (قال ربي) بألف على الخبر، وقرأ الباقون بغير ألف (قل) على الأمر. "السبعة" لابن مجاهد ٤٢٨، "المبسوط" لابن مهران (٢٥٣)، "التبصرة" لمكي بن أبي طالب ٢٦٣، "التيسير" لأبي عمرو الداني ١٥٤، "النشر" لابن الجزري ٢/ ٣٢٣.
(٥) من قوله: وقرأ أهل.. إلى هنا، هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٥٤ مع اختلاف في بعض العبارات. والقائل وكذا هو في مصاحفهم هو ابن مجاهد كما نقله عنه أبو علي، وهو في "السبعة" ص ٤٢٨. وانظر أيضًا: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٥٣، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٦٠، "حجة القراءات" لأبي زرعة بن زنجلة ص ٤٦٥ - ٤٦٦.
٥ - قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا﴾ قال المبرد: "بل" لها موضعان في الكلام يجمعهما (٢) شيء واحد وهو التنقل من خبر إلى خبر، ومن أمر إلى أمر، وقد يكون الانتقال رغبة عن الأول، إمَّا غلط القائل فاسْتَثْبَتَ (٣) وترك الأول وإما نسي فذكر. وقد يكون لما فرغ من خبر انتقل إلى آخر على أن الأول (٤) مصحح مفروغ منه، والذي يأتي من عند الله [لا يكون] (٥) إلا الانتقال من خبر إلى خبر، وكلاهما محكم (٦).
قال صاحب النظم: فقوله -عز وجل-: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ خبر (٧) من الله -عز وجل- معطوف على قوله: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أي أنهم قد قالوهما (٨) جميعًا، إلا أنهم خلطوا من جهة الحَيْرة التي دخلتهم في أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يدروا ما قصته، فقالوا: ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ فأعلم الله -عز وجل- أنهم قالوا هذه الأقوال على حيرة منهم في أمره.
(٢) في (أ): (مجمعهما).
(٣) في (أ)، (ت): (فاستب)، مهملة الآخر.
(٤) في (د)، (ع): (إلى آخر عن الأول).
(٥) ساقط من (ع).
(٦) في "المقتضب" ٣/ ٣٠٥ نحو هذا القول باختصار. وانظر: "حروف المعاني والصفات" للزجاجي ص ٢٩، "الأزهية في علم الحروف" للهروي ص ٢٢٩ - ٢٣٠، "رصف المباني في شرح حروف المعاني" للمالقي ص٢٣٠، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ١٣٠ - ١٣١.
(٧) في (أ)، (ت): (وخير).
(٨) في (أ)، (ت): (قالوا هما)، وهو خطأ.
قال قتادة: تخاليط (٢) رؤيا رآها في المنام (٣).
وذكرنا الكلام في أضغاث الأحلام (٤) في سورة يوسف.
وقوله تعالى: ﴿بَلِ افْتَرَاهُ﴾ أي: اختلقه وفتعله من نفسه ﴿بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾.
قال أبو إسحاق (٥): أي أخذوا ينقضون [أقوالهم] (٦) بعضها ببعض، فمرة يقولون: هذه أحلام، ومرة يقولون (٧): هذا شعر، ومرة (٨): هذا (٩) مفترى (١٠).
وعلى هذا معنى "بل": الإخبار عنهم بنقضهم قولهم في القرآن،
(٢) في (أ): (مخاليط).
(٣) ذكره بهذا النص عن قتادة: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٣، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٦ ب، وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" (ج١ ق ٢)، والطبري في "تفسيره" ١٦/ ١١٨ طبعة شاكر عن قتادة - في قوله (قالوا أضغاث أحلام) [يوسف: ٤٤] قال: أخلاط أحلام. وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧ عن ابن المنذر وابن أبي حاتم أخرجا عن قتادة في قوله "بل قالوا أضغاث أحلام" قال: أي: فعل الأحلام، إنما هي رؤيا رآها.
(٤) في (د): (أضغاث أحلام).
(٥) هو أبو إسحاق الزجَّاج.
(٦) كشط في (ت).
(٧) (يقولون): ساقط من (أ).
(٨) في (د): (ومرة ومرة). تكرار.
(٩) في (أ): (هذه)، وهو خطأ.
(١٠) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٤.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد الفعل بعينه.
ومعنى هذا ما ذكره الزجاج: أي قادرين على فعل ما نشاء (٢).
وقال الآخرون (٣): يعني البدء والإعادة. والمعنى إنا كنا فاعلين (٤) ما وعدناكم من ذلك والموعود هو الإعادة.
١٠٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾ الزبور: جميع (٥) الكتب المنزلة من السماء، والمراد بالذكر أم الكتاب الذي عند الله.
هذا قول سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد (٦)، واختيار أبي إسحاق، قال: الزبور جميع الكتب: التوراة والإنجيل والقرآن (٧)، زبور
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٧.
(٣) هذا قول الطبري ١٧/ ١٠٢، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ ب.
(٤) عند الطبري ١٧/ ١٠٢: إنا كنا فاعلي.
(٥) في (د)، (ع): (جمع)، وهو خطأ.
(٦) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ ب عن ابن جبير ومجاهد وابن زيد. ورواه عن سعيد بن جبير سفيان في "تفسيره" ص ٢٠٦، وسعيد بن منصور في "تفسيره" ل ١٥٥ أ، وهناد في "الزهد" ١/ ١٢٣، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٥ وعزاه لهناد وعبد بن حميد وابن جرير.
ورواه عن مجاهد الطبري ١٧/ ١٠٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٥ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير. ورواه عن ابن زيد الطبري ١٧/ ١٠٣.
(٧) في المطبوع من المعاني: الفرقان.
قال ابن عباس في رواية الكلبي، والضحاك، والسدي: الذكر: التوراة، والزبور: الكتب المنزلة بعد التوراة (٢).
وقال في رواية عطاء: يريد زبور داود من بعد التوراة. وهذا قول عامر الشعبي (٣).
والمختار قول سعيد لأنَّه الأجمع (٤)، وتأويل الكلام: لقد حكمنا فأثبتنا حكمنا في الكتب من بعد أم الكتاب.
﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ يعني أرض الجنة. قاله ابن عباس -في رواية عطاء- ومجاهد والسدي، وأبو صالحِ، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وابن زيد (٥)، واحتجوا بقوله: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر: ٧٤] الآية، {يَرِثُهَا
(٢) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ ب عن ابن عباس والضحاك. ورواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٣ عن ابن عباس من طريق العوفي. ورواه عن الضحاك أيضًا ١٧/ ١٠٣. ورواه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٠ عن الكلبي.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٥٥٥، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٣، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٥٨٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٦ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم.
(٤) وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٤، وما نقله الواحدي بعد ذلك من قوله: وتأويل الكلام. هو كلام الطبري رحمه الله.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٤ من طريق مجاهد عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٧ وعزاه للفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم. =
والمعنى: أنهم قالوا في القرآن قول متحير قد بهره ما سمع؛ فمرة يقول: سحر، ومرة يقول: شعر، ومرة يقول: افتراء، لا يجزم على أمر واحد (١).
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ قال ابن عباس: مثل الناقة التي أتى بها صالح، والعصا التي أتى بها موسى (٢).
قال أبو إسحاق: فاقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال إذا كُذّب بها (٣).
وفي الآية حذف يدل عليه الكلام، على تقدير: كما أرسل الأولون بالآيات.
٦ - فقال الله تعالى مجيبا لهم: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل (٤) مشركي مكة ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ يعني أهلها ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ وصفٌ للنكرة التي هي قرية (٥).
والمعنى: ما آمنت (٦) قرية مهلكة بالآيات المرسلة ﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ يعني: أنَّ الأمم التي أهلكناها بتكذيبها بالآيات لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟
ووجه الاحتجاج عليهم من هذه الآية هو أن مجيء الآيات لو كان
(٢) ذكره الألوسي في "روح المعاني" ١٧/ ١١. وروي الطبري ١٧/ ٤ عن قتادة نحوه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٤.
(٤) في (د)، (ع): (من).
(٥) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ١٢٦، "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري ٢/ ١٣٠.
(٦) في (أ)، (ت): (ما أتت).
وهذا احتجاج على القدرية (٢) ظاهر (٣)، وبيان أن مجيء الآيات لا ينفع مع القضاء السابق بالكفر، كما لم ينفع الأمم السالفة.
ويزيد لهذا تأكيدًا ما روى عطاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ يريد: كان في (٤) علمي (٥) هلاكها (٦).
(٢) القدرية: هم الذين نفوا القدر، وقد حدثت بدعتهم في أواخر زمن الصحابة، وقيل: إن أول من ابتدعه رجل من أهل البصرة يقال له: سيسويه من أبناء المجوس، وتلقاه عنه معبد الجهني الذي قال: "لا قدر، والأمر أنف"، ولما ابتدع هؤلاء التكذيب بالقدر رده عليهم من بقي من الصحابة -رضي الله عنهم- كابن عمر وابن عباس وغيرهما. وقد تبنَّى المعتزلةُ القول بنفي القدر؛ ولذا سموا أيضًا بالقدرية، وجعلوه من أصول مذهبهم، وأدخلوه تحت ما يسمى عندهم بـ"العدل"، ومن قولهم في هذا: أن العبد هو خالق أفعاله خيرها وشرها بدون سبق قدر، وليس لله في أفعالهم صنع ولا تقدير، وأن الكفر والفسوق والعصيان أفعال قبيحة، والله منزه عن فعل القبيح وأن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية، فلا تكون فعلا له ولا قدرها. انظر في تفصيل ذلك والردّ عليهم: "الفَرْق بين الفرق" للبغدادي ص ١١٤ - ١١٥، التبصير في الدين لأبي المظفر الاسفراييني ص ٣٧ - ٣٨، والملل والنحل للشهرستاني ١/ ٤٣، ٤٥، "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية ٧/ ٣٨٤ - ٣٨٥، ٨/ ٢٥٨ - ٢٦١، "شرح العقيدة الطحاوية" ص ٢٧٦ فما بعدها، "تاريخ الجهمية والمعتزلة" لجمال الدين القاسمي ص ٧١ - ٧٣.
(٣) ظاهر: ساقطة من (د)، (ع).
(٤) (في): ساقطة من (أ).
(٥) في (أ): (علي)، وهو خطأ.
(٦) ذكره القرطبي ١١/ ٢٧١ عن ابن عباس.
٧ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ هذا جواب لقولهم: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] (١).
يقول الله: لم نرسل قبل محمد إلا رجالا من بني آدم، لا ملائكة.
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قال الحسن، وقتادة، والكلبي: يعني أهل التوراة والإنجيل (٢).
وقال السدي: يعني اليهود والنصارى (٣).
يقول (٤): سلوهم هل جاءهم إلا رجال (٥) يوحى إليهم.
﴿إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أن الرسل بشر.
وأنكر قوم هذا التفسير، وقالوا: لا يجوز مراجعة اليهود والنصارى في شيء، وقالوا: المراد بأهل الذكر من آمن منهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
وهو قول ابن عباس في رواية عطاء قال: يريد أهل التوراة الذين آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- (٦).
(٢) ذكره عن الحسن وقتادة: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٥، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٧ ب، والماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٣٨. ورواه الطبري ١٧/ ٥، عن قتادة. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٢ عن الكلبي قال: يعني أهل التوراة.
(٣) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ١٣٢، وعزاه لابن أبي حاتم. ذكره عند قوله تعالى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣].
(٤) في (ت): (بقوله).
(٥) في (أ): (رجالاً).
(٦) روى الطبري ١٤/ ١٠٩ من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: يعني أهل الكتب =
وقال أبو إسحاق: هذا السؤال إنما يكون لمن (٣) كان مؤمنا من أهل الكتاب لأن القبول من أهل الصدق والثقة (٤).
هذا قول هؤلاء. والوجه القول الأول (٥)؛ لأن الله تعالى أمر المشركين بهذا السؤال لا المسلمين وهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل الكتاب أقرب منهم إلى تصديق من آمن. واليهود والنصارى لا
(١) (يعني): ساقطة من (د)، (ع).
(٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٨ أ. ورواه الطبري ١٧/ ٥ مختصرًا. وقد رد ابن عطية -رحمة الله- هذا القول، فقال في "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٢٧: الذكر هو كل ما يأتي من تذكير الله عباده، فأهل القرآن أهل ذكر، وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرآن في ذلك الوقت: لأنهم كانوا خصومهم. كما استبعده الرازي، فقال في "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤٤: وهو بعيدة لأنهم كانوا -يعني المشركين- طاعنين في القرآن وفي الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) في (أ): (ممن)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٥ وفيه: لأن القول يكون.. وفيه أيضًا أهل الكتب.
(٥) وبه قال الطبري، والبغوي، وابن عطية، والرازي، وابن كثير وغيرهم، واستظهره أبو حيان. قال ابن عطية: وإنما أحيلوا على سؤال أحبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لهم على ترك الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فتجيء شهادتهم -بأن الرسل قديمًا من البشر لا مطعن فيها- لازمة لكفار قريش. انظر: "الطبري" ١٧/ ٥، و"معالم التنزيل" ٣/ ٣١١، و"المحرر الوجيز" ١٠/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤٤، و"البحر المحيط" ٦/ ٢٩٨، و"تفسير ابن كثير" ٣/ ١٧٤.
فأما المسلمون فلا يجوز لهم مراجعة أهل الكتاب في شيء من الدين (٢).
وهذه الآية بعينها قد مضت في سورة النحل (٣).
٨ - قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ﴾ يعني الرسل ﴿جَسَدًا﴾ قال أبو إسحاق: جسد هو واحد ينبئ (٤) عن جماعة، أي: وما جعلناهم ذوي أجساد (٥).
وعند الفراء أنه بمنزلة المصدر؛ لأنه يقال شيء مجسد، فهو (٦) مشتق من فعل فلذلك لم يجمع (٧).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [قال ابن عباس: يريد: إلا يأكلون (٨) الطعام] (٩) (١٠).
ونحو هذا قال الزجاج. قال (١١): وذلك أنهم قالوا: {مَالِ هَذَا
(٢) انظر: "التفسير الكبير" للرازي ٢٢/ ١٤٤.
(٣) في سورة النحل: ٤٣.
(٤) في (ت): (يثني)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٥.
(٦) في (د)، (ع): (وهو).
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٩٩، والطبري ١٧/ ٥.
(٨) في (د)، (ع): (يأكلوا).
(٩) ساقط من (أ).
(١٠) أخرج ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧، عن ابن عباس أنه قال: لم نجلهم جسدًا ليس يأكلون الطعام، إنّما جعلناهم جسدًا يأكلون الطعام.
(١١) (قال): ساقطة من (ع).
وروى أبو عمر (٢) عن أبوي العباس (٣) أنهما قالا: العرب (٤) إذا جاءت بجحدين (٥) في كلام: كان الكلام إثباتًا وإخبارا. قالا: ومعنى الآية: إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا (٦) الطعام. قالا: ومثله من الكلام ما سمعت منك ولا أقبل منك [وإنما سمعت منك لأقبل] (٧) (٨).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ يعني: أنهم يموتون كسائر البشر.
٩ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ أي: أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مخالفيهم، وهو قوله: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُمْ﴾ أي: من العذاب الذي [وعدناهم أن] (٩) ينزل (١٠) بمن كذَّبهم.
﴿وَمَنْ نَشَاءُ﴾ قال ابن عباس: يعني الذين صدقوهم (١١). {وَأَهْلَكْنَا
(٢) في (ت): (أبو عمرو)، وهو خطأ.
(٣) في (د)، (ع): (أبو العباس)، هما ثعلب والمبرد).
(٤) في (د)، (ع): (زيادة (إن) قبل قوله: (العرب).
(٥) في (د)، (ع): (يجحدون)، وهو خطأ.
(٦) في (أ): (ليأكلون)، وهو خطأ.
(٧) ساقط من (د)، (ع).
(٨) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٤١ عن المبرد وثعلب إلى قوله: "الطعام".
(٩) ساقط من (أ).
(١٠) في (أ): (نزل).
(١١) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٤١، ولم ينسبه لأحد.
وفي هذا تخويف لكفار (٣) مكة، ثم مَنَّ عليه بالقرآن
١٠ - فقال: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ قال ابن عباس: أنزلنا إليكم يا معشر قريش ﴿كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ قال: يريد فيه شرفكم، كقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] (٤).
يريد إنه لشرف.
وهذا اختيار الفراء (٥)، وابن قتيبة. وذلك أنه كتاب عربي بلغة قريش.
وقال الحسن: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ أي (٦): ما تحتاجون إليه من أمر دينكم (٧).
(٢) ذكر الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٦، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ٣١٧ ب هذا القول عن قتادة.
(٣) في (د)، (ع): (للكفار).
(٤) أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" ٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣ عن ابن عباس قال: فيه شرفكم. وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧، عزاه لعبد بن حميد وابن بردويه وابن حاتم والبيهقي في "شعب الإيمان". وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٤١: قاله أبو صالح، عن ابن عباس وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٤ منسوبًا إلى ابن عباس.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٠.
(٦) (أي): ساقطة من (أ).
(٧) ذكره بهذا اللفظ عن الحسن الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٦، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٧ ب، والبغوي في "تفسيره" ٥/ ٣١١، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٤١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧ عن الحسن بلفظ: فيه دينكم، أمسك عليكم دينكم كتابكم. وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وقال مجاهد: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ حديثكم (٤).
قال أبو إسحق: يعني (٥) ما تلقونه من رحمة أو عذاب (٦).
وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أفلا تعقلون ما فضلتكم (٧) به على غيركم؛ أنزلتكم حرمي، وبعثت فيكم نبيي (٨).
ثم خوفهم بهلاك من كان في مثل حالهم من التكذيب.
١١ - فقال: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا﴾ قال مجاهد والسدي: أهلكنا (٩). وقال
(٢) أمر: ساقطة من (د)، (ع).
(٣) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧ بلفظ: فيه ذكر ما تعنون به وأمر أخرتكم ودنياكم وعزاه لابن أبي حاتم في تفسيره.
(٤) "تفسير مجاهد" ١/ ٤٩٧ ورواه الطبري ١٧/ ٦ - ٧. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٧ وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) (يعني): ساقطة من (أ).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٥. قال القرطبي ١١/ ٢٧٣ بعد أن ذكر أقوالاً في معنى الآية نحو ما ذكر الواحدي هنا-: وهذه الأقوال بمعنى، والأول- يعني أن المراد بالذكر هنا الشرف- يعمها، إذ هي شرف كلها، والكتاب شرف لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، لأنه معجزته، وهو شرفٌ لنا إن عملنا بما فيه، دليله قوله -عليه السلام-: "والقرآن حجة لك أو عليك".
(٧) في (د)، (ع): (فضلتم).
(٨) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٤١ باختصار، ولم ينسبه لأحد.
(٩) "تفسير مجاهد" ١/ ٤٠٧ - ٤٠٨ ورواه الطبري ١٧/ ٧ عن مجاهد، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. ولم أجد من ذكره عن السدي.
كأن لم يلاق المرء عيشًا بنعمة | إذا نزلت بالمرء قاصمة الظهر (٢) |
وقال أبو إسحق: معنى (٤) قصمنا: أهلكنا وأذهبنا، يقال: قصم الله عمر الكافر (٥)، أي: (٦) أذهبه (٧).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ قال ابن عباس: يريد مدائن كانت باليمن، حَضُوراء (٨)، وبيت شِبَام (٩)، مدائن كثيرة (١٠).
(٢) عجز هذا البيت في "العين" ٥/ ٧٠ (قصم) من غير نسبة. وهو بشطريه في "أساس البلاغة" للزمخشري ٢/ ٢٥٩ من غير نسبه أيضًا.
(٣) في (أ): (ينكسر)، وهو خطأ.
(٤) معنى: ساقطة من (د)، (ع).
(٥) في (أ): (الكافرين).
(٦) أي: ساقطة من (أ).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٦.
(٨) في (أ)، (د)، (ع): (حصوراء)، بالمهملة، والمثبت من (ت). وحضوراء: بالفتح ثم الضم وسكون الواو ويقال: حضور على وزن فعول-: بلدة باليمن سميت بحضور بن عدي بن مالك، وهو سبأ الأصغر. انظر: "معجم البلدان"، لياقوت ٣/ ٩٢٩٦، "معجم ما استعجم" للبكري ١/ ٤٥٥.
(٩) في (ع)، (د): (شيام)، وشبام: بكسر أوله، اسم مشترك بين عدد من المواضع باليمن. انظر في تفصيل ذلك: "الإكليل" للهمداني ص ٤٨، "معجم البلدان" ٥/ ٢٢٦ - ٢٢٧، "معجم المدن والقبائل" للمقحفي ص ٢٢٣ - ٢٢٥.
(١٠) ذكر الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٦٤، والرازي في "التفسير الكبير" ٢٢/ ١٤٥ وابن جزي الكلبي في "التسهيل" ٣/ ٤٩، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٠٠ =
﴿كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ أي: كافرة، يعني أهلها ﴿وَأَنْشَأْنَا﴾ وأحدثنا وأوجدنا "بعدها" بعد إهلاك أهلها (٢) ﴿قَوْمًا آخَرِينَ﴾.
١٢ - قوله: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ أي: رأوا عذابنا بحاسة البصر. ويجوز أن يكون المعنى لما ذاقوا عذابنا (٣).
قال المفسرون: هؤلاء كانوا عربا كذبوا بنبيهم وقتلوه؛ فسلط الله عليهم بُخْتُنَصّر (٤) حتى قتلهم وسباهم ونكأ فيهم (٥) (٦).
ومعنى البأس هاهنا: القتل بالسيوف.
(١) في جميع النسخ: (أريد)، والتصويب من تفسير عبد الرزاق، وصفة جزيرة العرب للهمداني (ص ١٥٦)، "الدر المنثور"، وغيرها.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٣/ ٢٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) انظر: البغوي ٥/ ٣١٢، وابن الجوزي ٥/ ٣٤٢، والقرطبي ١١/ ٢٧٤.
(٤) بضم الباء والتاء وفتح النون والصاد المشددة قيل هو ابن الملك "نابو بولصر" ملك بابل، فتولى بعد أبيه. وقال الأصمعي: إنما هو"بوختنصر".
(٥) في (أ)، (ت): (ونكأ فيهم)، مهملة.
(٦) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٨ أ. وانظر ما تقدم من التعليق على قول ابن عباس.
وأصل معنى الركض في اللغة: ضرب الرجل مَرْكَلَي (٢) الدابة برجليه.
يقال: ركض الفرس، إذا كده (٣) بساقيه، فلما كثر هذا على ألسنتهم استعملوه في الدواب، فقالوا: هي تركض، كأن الركض منها، وأصل الركض: الضرب (٤).
يقال: ركضت المرأة ذيلها عند المشي، إذا ضربنه برجلها، وركض (٥) البعير كما يقال: رمح ذو الحافر، ومنه قوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص: ٤٢] أي: اضرب الأرض بها، وقد ركض الرجل إذا فَرَّ وعدا (٦).
والأصمعي يقول: ركضت الدابة (٧)، ولا يقال: ركض هو (٨).
(٢) في جميع النسخ: (من كلي)، والصواب: (مر كلي) كما في "التهذيب" للأزهري ١٠/ ٣٧، وغيره. قال الجوهري في "الصحاح" ٤/ ٧١١٢ (ركل): (ومَرَاكل الدابة: حيث يركلها الفارس برجله إذا حركه للركض، وهما مركلان.
(٣) في (د)، (ع): (أكده).
(٤) الضرب: ساقط من (أ)، (ت).
(٥) في (أ): (فركض).
(٦) هذا الكلام في معنى الركض منقول عن "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٧ - ٣٩ "ركض" مع تصرف وحذف. وانظر: (ركض) في "الصحاح"، للجوهري ٣/ ١٠٧٩ - ١٠٨٠.
(٧) (الدابة): ساقطة من (أ)، (ت).
(٨) قول الأصمعي في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٩ (ركض).
لو كان يُدْرِكُه رَكضُ اليعاقيب (٣)
وقال سيبويه (٤): ركضت (٥) الدابة وركضته (٦).
وقوله تعالى: ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [يجوز أن يكون المعنى: يركضون دوابهم] (٧)، [ويجوز أن يكون المعنى: يركضون] (٨) هم بأنفسهم
وضبط في بعض مصادر ترجمته المطبوعة هكذا: شَمِر، بفح الشين وكسر الميم. وضبط في بعضها: شَمْر.
(٢) قول شمر في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٩ مادة (ركض).
(٣) هذا عجز بيت لسلامة بن جندل السعدي يصف فيه الشباب الذاهب، وصدره:
ولى حثيثا وهذا الشيب يطلبه
وهو في "ديوانه" ص ٩١، "المفضليات" ص ١١٩، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ١٦٦، "مقاييس اللغة" ٢/ ٢٩ (حث)، "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٧٨ (عقب)، المحكم لابن سيده ٦/ ٤٣٤ (ركض)، "لسان العرب" ٢/ ٦٢٢ (عقب). واليعاقيب في البيت قيل: يعني اليعاقيب من الخيل، سميت بذلك تشبيها بيعاقيب الحجل لسرعتها، وقيل: يعني ذكرر الحجل. انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٧٨، "لسان العرب" ١/ ٦٢٢.
(٤) (سيبويه): ساقط ميت (أ).
(٥) هكذا في (ع). وفي باقي النسخ: (ركض)، والمثبت هو الموافق لما في الكتاب.
(٦) "الكتاب" ٤/ ٥٨، وفيه: (وركضتها).
(٧) ساقط من (ت).
(٨) ساقط من (د)، (ع).
١٣ - قوله تعالى: ﴿لَا تَرْكُضُوا﴾ قال المفسرون: لما أخذتهم السيوف وانهزموا -وكانوا قد خرجوا من مساكنهم لقتال بختنصر فلما انهزموا- مروا على دورهم منهزمين، وديارهم (٣) بها أهلوهم وذراريهم فلم يلووا (٤) عليهم فنادتهم الملائكة استهزاء بهم ﴿لَا تَرْكُضُوا﴾ (٥).
[والتقدير في النظم فقيل لهم: لا تركضوا] (٦).
قال صاحب النظم: ومن عادة العرب إذا ظفر الواحد منهم بواتر له (٧) أن يقول له (٨) مثل هذا القول، كما قال الشاعر:
(٢) انظر: "التبيان" للطوسي ٧/ ٢٠٨.
(٣) (ديارهم): ساقطة من (أ)، (ت).
(٤) في (أ)، (ت): (فلوتلوا).
(٥) ذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٨ أنحوًا من ذلك. وانظر: "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ - ٦١٩. والأظهر أن الآيات وصف قصة كل قرية، وأنه لم يرد تعيين حضوراء ولا غيرها، فالمعنى على هذا: أن أهل تلك القرى الظالمة لما تيقنوا أن العذاب نازل بهم لا محالة ركضوا فارين، فقيل لهم- على وجه الهزء والتهكم: لا تركضوا هاربين من العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة. فاحذروا -أيها المخاطبون- أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل، فيحل بكم كما حل بأولئك. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ١٣٠ - ١٣١، "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٧٤، "تفسير ابن سعدي" ٣/ ٢٧٠.
(٦) ساقط من (د)، (ع).
(٧) بواتر: أي: من أصابه بوتر، والوتر: الجناية التي يجنيها الرحل على غيره من قتل أو نهب أو سبي. "لسان العرب" ٥/ ٢٧٤ (وتر).
(٨) (له): ساقطة من (أ)، (ت)
هَلَّا سألت جُمَوع كنْدَة | يوم ولَّوا أين أينا (١)؟ (٢). |
وقوله تعالى: ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ قال الكلبي: خولتم (٣) ونعمتم (٤) فيه (٥).
وقال ابن عباس: يريد ما كنتم تتنعمون فيه (٦).
وقال السدي: ﴿إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ أن تجبرتم (٧).
وقال ابن قتيبة: أي إلى نعمكم التي أترفتم (٨).
ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ [الإسراء: ١٦].
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ قال قتادة: أي شيئاً من دنياكم، استهزاء بهم (٩).
(٢) البيت لعبيد بن الأبرص ضمن أبيات يقولها لامرئ القيس، وكان امرؤ القيس قد توعَّد بني أسد إذ قتلوا أباه. وكندة قوم امرئ القيس. والبيت في "ديوان عبيد" ص ١٤٢، و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ١٦١، و"مشكل القرآن" له أيضًا ص ١٨٦، و"معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٧.
(٣) خولتم: أي: أعطيتم وملكتم. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٦٩٠ (خول)، "القاموس المحيط" ٣/ ٣٧٢.
(٤) في (ت): (تعميم).
(٥) انظر: البغوي ٥/ ٣١٢، ابن الجوزي ٥/ ٣٤٢.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٠.
(٧) لم أجده.
(٨) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٤. وفيه أي: إلى نعمكم التي أترفتكم.
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٢، والطبري ١٧/ ٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ وعزاه لعبد الرازق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقول قتادة في هذه الآية هو (٢) الصحيح، وذكرت أقوال، وهي بعيدة في المعنى، قال السدي: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ يوم القيامة (٣).
وقال الكلبي: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ عن قتل هذا النبي (٤).
وقال الحسن: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ أي تعذبون (٥).
وكل هذه الأقوال بعيدة عن معنى هذه الآية.
قال أبو [إسحاق] (٦). ويجوز لعلكم تسألون فتجيبون عما تشاهدون إذا رأيتم ما نزل بمساكنكم وما أترفتم فيه (٧).
١٤ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ قال المفسرون: لما رأوا أن الصوت (٨) لا يسكت عنهم، وهو قو [ل الملائكة لهم [لا تركضوا] (٩) الآية
(٢) في (١): (وهو).
(٣) لم أجده.
(٤) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٣٤٢.
(٥) لم أجده.
(٦) ما بين المعقوفين كشط في (ت).
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٦.
(٨) في (ت): (الصواب)، وهو خطأ.
(٩) ما بين المعقوفين كشط في (ت).
قال قتادة: ما كان هجيراهم (٢) إلا الويل (٣).
﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ قال ابن عباس: لأنفسنا حيث كذبنا رسل ربنا. والمعنى: أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب، وقالوا هذا على سبيل التندم حين لم ينفعهم الندم.
١٥ - قال الله تعالى: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ أي: ما زالت الكلمة (٤) التي هي قولهم: يا ويلنا دعاءهم يدعون بها على أنفسهم. أي: لم يزالوا يردّدونها.
قال ابن عباس: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ يريد: قولهم (٥).
وهذا الآية كقوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ [الأعراف: ٥]. الآية.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ بالسيوف كما يحصد
(٢) هجّيراهُم: يعني دأبهم وعادتهم وشأنهم. "الصحاح" ٢/ ٨٥٢ (هجر)، "القاموس المحيط" ٢/ ١٥٨.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٢، والطبري ١٧/ ٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) في (أ)، (ت): (العلّة)، هو خطأ.
(٥) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٠.
ومضى الكلام في الحصيد عند قوله: ﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠].
وقوله تعالى: ﴿خَامِدِينَ﴾ أي: ميتين، كخمود (٣) النار إذا طفئت.
١٦ - قوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ يريد لم خلقهما عبثا وباطلا (٤)، خلقناهم لأمر وهو ما ذكره ابن عباس فقال (٥): لأجازي أوليائي، وأعذَّب أعدائي (٦).
وقال غيره: خلقناهم حجة ودلالة على قدرتنا ووحدانيتنا؛ ليعتبروا خلقها ويتفكروا فيها (٧)، فيعلموا أنَّ العبادة لا تصلح إلا لخالقها (٨).
(٢) انظر:"تفسير الطبري" ١٧/ ٩. وهذا القول بناء على أن القرية هنا حضوراء، والأولى عدم تخصيص الحصد بالسيوف بل يحصدون بالعذاب. قال ابن كثير ٣/ ١٧٤: حتى حصدناهم حصيدًا. قال ابن عطية في المحرر ١٠/ ١٣٠: "حصيدًا" أي: بالعذاب تركوا كالحصيد، و"الحصيد" يشبه بحصيد الزرع بالمنجل، أي: ردّهم الهلاك كذلك.
(٣) في (أ): (لخمود).
(٤) وهذا تفسير قتادة. انظر: "الطبري" ١٧/ ٩، "الدر المنثور للسيوطي" ٥/ ٦١٩.
(٥) في (أ)، (ت): (يقال).
(٦) ذكر أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٠٢ هذا القول بمعناه ونسبه للكرماني. قال: إنما خلقناهما لنجازي المحسن والمسيء.
(٧) في (ت): (يتفكروها فيها)، وهو خطأ.
(٨) ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٤٣ ولم ينسبه لأحد. وقال الطبري ١٧/ ٩: (وما خلقنا..) إلا حجة عليكم أيها الناس، ولتعتبروا بذلك كله. فتعلموا أن الذي دبره وخلقه لا يشبهه شيء، وأنه لا تكون الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة لشيء غيره. فيظهر أن مراد الواحدي بقوله "غيره": هو الطبري.
وهو قول الحسن، وقتادة، قالا: اللهو بلغة أهل اليمن: المرأة (٢).
وقال (٣) في رواية الكلبي، عن أبي صالح عنه: اللهو: الولد بلغة حضرموت (٤). وهو قول السدي (٥).
قال الزجاج وغيره: تأويله في اللغة: أن المرأة لهو الدنيا، وكذلك الولد (٦).
والمعنى على ذي اللهو أي: الذي يُلهى به. ومعنى اللهو: طلب التزويج (٧) عن النفس.
(٢) قول الحسن رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠. ورواه الطبري ١٧/ ١٠ عن الحسن من غير قوله بلغة أهل اليمن. وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ عن الحسن أنه قال: النساء. وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر. وأما قول قتادة: فقد رواه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٢٢، والطبري ١٧/ ١٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) (قال): ساقطة من (أ)، (ت).
(٤) روى الفراء في كتابه "معاني القرآن" ٢/ ٢٠٠ هذه الرواية قال: حدثنا حبان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فذكرها. وذكرها البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٣١٣ وابن الجوزي ٥/ ٣٤٣.
(٥) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ عن السدي، وعزاه لابن أبي حاتم. وذكره البغوي ٥/ ٣١٣، وابن الجوزي ٥/ ٣٤٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٦.
(٧) في جميع النسخ (التزويج)، وفي "لسان العرب" ١٥/ ٢٥٩: وطلب اللهو الخلو، أي: طلب الخلو التزويج. وقد يكون صواب العبارة: طلب الترويح عن النفس.
قال المفسرون: من الحور العين (١).
وهذا إنكار على من أضاف الصاحبة والولد إلى الله تعالى، واحتجاج عليهم بأنه لو كان جائزا في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم ويستر ذلك لأن من قدر على ستر النقص لم يظهره، وهذا معنى قوله: ﴿لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ أي: من عندنا بحيث لا تطلعون عليه (٢).
قال ابن قتيبة في هذه الآية: التفسيران في اللهو متقارنان؛ لأن امرأة الرجل لهوه (٣)، [وولده لهوه] (٤)، لذلك (٥) يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه، وأصل اللهو: الجماع، كني عنه باللهو (٦)، كما كني عنه بالسر، ثم قيل للمرأة: لهو؛ لأنها تجامع. قال امرؤ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني | كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي (٧) |
(٢) ذكر هذا المعنى: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٠٩، والجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٣٩ ب، والبغوي ٥/ ٣١٣، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٠٢، ولم ينسبوه لأحد.
(٣) في (د)، (ع): (إن المرأة للرجل لهوه).
(٤) ساقط من (ت).
(٥) في (أ)، (ت): (ولذلك).
(٦) باللهو: ساقطة من (د)، (ع).
(٧) البيت أنشده لامرئ القيس ابن قتيبة في "مشكل القرآن" ص ١٦٣. وهو في "ديوانه" ص ٢٨، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٧٦ وفيه: وألا يحسن السر أمثالي، =
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ هو قال المفسرون -ابن عباس (٦)، وقتادة، والسدي وغيرهم-: ما كنا فاعلين (٧).
قال الفراء (٨)، والزجاج (٩) والمبرد: يجوز أن تكون "إن" (١٠) للنفي هاهنا، كقوله: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٣] ﴿إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾
(١) (لدنا): موضعها بياض في (ت).
(٢) (عندنا): ساقطة من (د)، (ع).
(٣) ساقط من (د)، (ع).
(٤) (أنَّ): ساقطة من (أ).
(٥) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٦١٣ - ١٦٤ مع تصرف يسير.
(٦) في (د)، (ع): (وابن عباس).
(٧) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٤٤ عن ابن عباس. وقول قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٢، والطبري ١٧/ ١٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦١٨ عنه، بلفظ: إن ذلك لا يكون ولا ينبغي. وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم. وقول السدي ذكره عنه ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٧٥.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للفراء ٢/ ٢٠٠.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٧.
(١٠) (إنْ): ساقطة من (ت).
قال أبو إسحاق: القول الأول قول المفسرين، والقول الثاني قول النحويين، وهم أجمعون يقولون القول الأول، ويستجيدونه؛ لأن "إن" تكون في معنى النفي، إلا أن أكثر ما تأتي مع اللام، تقول: إن كنت [لصالحا، معناه: ما كنت] (٣) إلا صالحا (٤).
وقال الفراء: أشبه الوجهين بمذهب العربية أن تكون "إن" بمعنى (٥) الجزاء (٦).
١٨ - قوله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ معنى (٧) "بل" (٨) هاهنا: إبطال لكلامهم [ووصفهم الله] (٩) بما لا يجوز. يقول: دع ذلك فإنه باطل كذب.
﴿نَقذِفُ بِاَلحقِ﴾ قذف بالشيء (١٠)، إذا رمى به (١١). أي: نسلط الحق
(٢) ساقط من (ت).
(٣) ساقط من (د)، (ع).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٧.
(٥) في (أ): (المعنى).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٠ مع اختلاف يسير.
(٧) (معنى): ساقطة من (ع).
(٨) بل: ساقطة من (أ)، (ت).
(٩) بياض في (ت).
(١٠) في (أ): (الشيء).
(١١) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٧٤ (قذف)، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٤١٤ (قذف)، "المفردات للراغب" الأصفهاني ص ٣٩٧.
قال أبو إسحق: يعني بالحق القرآن (١)، على باطلهم (٢)] (٣) وهو كذبهم ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ قال الكلبي: فيهلكه (٤).
قال ابن قتيبة: يكسره. وأصل هذا إصابة الدماغ بالضرب وهو مقتل (٥) (٦).
وحقيقة ما قاله أبو إسحق: ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ فيذهبه (٧) ذهاب الصغار والاذلال (٨).
﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ أي: زائل، ذاهب (٩).
قال ابن عباس: كما يذهب السهم من الرمية.
وقال قتادة: هالك (١٠).
وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَزَهَقَ اَلبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] والمعنى:
(٢) ساقط من (د)، (ع).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٧.
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٢٨ ب، والبغوي ٣/ ٣١٣، ولم ينسباه لأحد.
(٥) في (أ)، (ت): (مقيل)، وهو خطأ.
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٥.
(٧) فيذهبه: ساقطة من (ز).
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٧.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٣٩١ - ٣٩٢ (زهق)، "لسان العرب" ١٠/ ١٤٧ (زهق).
(١٠) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٣، والطبري ١٧/ ١١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
ثم أوعدهم على كذبهم فقال: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد واديا في جهنم (٣)، يقول لكم يا معشر الكفار الويل من كذبكم (٤) ووصفكم الله (٥) بما لا يجوز.
قال مجاهد: ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [مما تكذبون، كقوله: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] (٦).
وحقيقة تأويله ما ذكره أبو إسحق: أي:] (٧) مما تكذبون في وصفكم
(٢) يضمحل: أي: ينحل. "القاموس المحيط" ٤/ ٥.
(٣) ذكره عنه القرطبي في "تفسيره" ١١/ ٢٧٧. وفي طبعتي "الدر المنثور" ١/ ٨٢ دار المعرفة، ١/ ٢٠٢ دار الفكر: (أخرج هناد في "الزهد" وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ويل سيل من صديد في أصل جهنم -وفي لفظ- ويل واد في جهنم.. ". وهو تصحيف في الطبعتين، والصواب: عن أبي عياض. انظر: "الزهد" لهناد ١/ ٨٣، و"تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٧ طبعة شاكر، وابن أبي حاتم ١/ ٢٤٣. وجاءت رواية "ويل واد في جهنم" مرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد روي الإمام أحمد في "مسنده" ٣/ ٧٥ وغيره عن أبي سعيده -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ويل واد في جهنم".. الحديث. قال ابن كثير -رحمه الله- "تفسيره" ١/ ١١٧: وهذا الحديث -بهذا الإسناد مرفوعًا- منكر. والأظهر في هذا أن الويل: الهلاك والدمار، وهي كلمة مشهورة في اللغة. قاله ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١١٧.
(٤) العبارة في (د)، (ع): (الويل لكم الويل ممن كذبكم).
(٥) لفظ الجلالة لم يرد في (د)، (ع).
(٦) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٨ ب، ورواه الطبري ١٧/ ١١ من طريق ابن جريج عن مجاهد قال. "سيجزيهم وصفهم" قال: قولهم الكذب في ذلك.
(٧) ساقط من (أ)، (ت).
وقال الحسن في هذه الآية: هي والله (٢) لكل واصف كذب (٣) إلى يوم القيامة (٤).
يعني من وصف كذباً على الله في صفاته وأحكامه (٥)، فهو من أهل هذه الآية (٦).
ثم بين أن جميع المخلوقين عبيده.
١٩ - فقال: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي (٧): عبيداً ومِلْكاً (٨) ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ يعني الملائكة.
[قال أبو إسحق: أي هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله] (٩)
(٢) في (د)، (ع): (لله)، وهو خطأ.
(٣) في المطبوع من ابن أبي شيبة ١٧/ ٥٠٧: كذوب.
(٤) رواه أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٥٠٦ - ٥٠٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ ونسبه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث.
(٥) في (د)، (ع): (وأحكامه).
(٦) قال الطبري ١٧/ ١١: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ يقول: ولكم الويل من وصفكم ربكم بغير صفته، وقيلكم: إنه اتخذ زوجة وولدا، وفريتكم عليه. ثم قال -بعد أن ذكر قول مجاهد المتقدم وقول من قال "تصفون" تشركون-: وذلك وإن اختلفت به الألفاظ فمعانيه متفقة: لأن من وصف الله بأن له صاحبة فقد كذب في وصفه إياه بذلك وأشرك به ووصفه بغير صفته، غير أن أولى العبارات أن يعبر بها عن معاني القرآن أقربها إلى فهم سامعيه. اهـ.
(٧) أي: ليست في (د)، (ع).
(٨) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٨ ب.
(٩) ساقط من (أ)، (ت).
﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ يقال: حَسَر (٣) واستَحْسَر، إذا تعب وأعيا. والحسير: المنقطع إعياء وكلالاً (٤). هذا معناه وتفسيره. وهذا قول قتادة، ومقاتل: لا يُعْيون (٥).
وقال السدي: لا ينقطعون من العبادة (٦).
وقال مجاهد (٧): لا يحسرون (٨).
وقال ابن قتيبة: لا يعجزون (٩).
وهذه الأقوال صحيحة متقاربة، ورويت أقوال بعيدة:
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٧.
(٣) كضرب وفرح. "القاموس المحيط" ٢/ ٨.
(٤) من قوله يقال.. وإعياء. هذا كلام الزجاج في "معانيه" ٣/ ٣٨٥. ومن قوله الحسير:.... إلى آخره. هذا كلام ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص ٢٨٥. وانظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٨٧ (حسر)، "تاج العروس" للزبيدي ١١/ ١٣ (حسر).
(٥) قول قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٣، والطبري ١٧/ ١٢. وقول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ١٢ ب.
(٦) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢١.
(٧) في (د)، (ع): (مقاتل)، وهو خطأ. والصواب مجاهد.
(٨) رواه الطبري ١٧/ ١٢. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٠ ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وهو في تفسير مجاهد ١/ ٤٠٨ - ٤٠٩.
(٩) في "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٥: (لا يعنون).
وقال عطاء عنه: لا يخالفون (٢) ربوبيتي.
وقال الوالبي عنه: لا يرجعون (٣).
(٢) في (ت)، (ز): (يخافون)، وهو خطأ.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٢ من طريق الوالبي، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢ ونسبه لابن أبي حاتم. وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٨ ب، وقد تكلم العلماء على رواية الوالبي عن ابن عباس، فقال أبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ص ٧٥ عن هذا الطريق: وهو صحيح عن ابن عباس، والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة. قال أبو جعفر: وها القول لا يجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ئقتين، وهو في نفسه ثقة صدوق. ثم روى النحاس بسنده عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: بمصر كتاب التأويل عن معاوية بن صالح، لو جاء رجل إلى مصر فكتبه ثم انصرف ما كانت رحلته عندي ذهبن باطلا. وقال الذهبي في "ميزان الأعتدال" ٣/ ١٣٤ - ترجمة علي بن أبي طلحة- روى معاوية بن صالح، عنه، عن ابن عباس تفسيرًا كبيرًا ممتعا.
وقال ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" (ق ٣ ب): (وعليُّ صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه؛ فلذا كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة". وقال أيضًا في "تهذيب التهذيب" ٧/ ٣٤٠ - في ترجمة علي-: "ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح، عنه، عن ابن عباس شيئًا في التراجم وغيرها ولكنه لم يسميه يقول: قال ابن عباس، أو يذكر عن ابن عباس". وقال السيوطي في "الإتقان" ٢/ ٥٣٢: وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يُحصى كثرة، وفيه روايات وطرت مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه.
وهذه الأقوال بعيدة من تفسير الاستحسار وأقربها قول ابن زيد.
٢٠ - قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ ينزهون الله دائمًا بقولهم سبحان الله ﴿لَا يَفتُرُونَ﴾ لا يضعفون ولا يملون (٢).
قال الكلبي: التسبيح منهم بمنزلة التبسم من الإنسان.
وقال كعب: سهل عليهم التسبيح كسهولة فتح الطرف والتنفس على الإنسان (٣).
وقال الزجاج: مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شيء، فكذلك (٤) تسبيحهم دائم (٥).
وهذا معنى (٦) قول المفسرين: إن الملائكة قد ألهموا التسبيح كما يلهمون النفس (٧).
٢١ - ثم عاد إلى توبيخ المشركين فقال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً﴾ قال المبرد: (أم) هاهنا تقريع وتوبيخ كالألف إلا أنَّ فيها زيادة انتقال عن
(٢) في (١): (يملكون)، وهو خطأ.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٢، وأبو الشيخ في "العظمة" ٢/ ٧٣٨ - ٧٣٩، والبيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ١/ ٤٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢١ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في "العظمة" والبيهقي في "شعب الإيمان".
(٤) في (أ): (فلذلك).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٧، ٣٨٨.
(٦) (معنى): ساقطة من (د)، (ع).
(٧) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٨ ب.
وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ لأن أصنامهم كانت من الأرض من أي جنس كانت، من حجارة، أو خشب، أو ذهب، أو فضة.
﴿هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ أي: يُحيُون. يقال: أنشر الله الميت فانتشر، أي: أحياه فحيي (٣).
وهذا توبيخ لهم على عبادتهم جمادًا من الأرض لا يقدر على شيء.
وقال المفضل: لفظ الآية استفهام ومعناه جحد (٤).
وعلى هذا معنى الآية: لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء، وإن شئت جعلت هذا الاستفهام الذي معناه الإنكار والجحد واقعاً على الإنشار في المعنى، وإن كان في الظاهر على الاتخاذ على تقدير: أينشر آلهتهم التي اتخذوها؟ أي: ليست لها هذه الصفة، كما تقول: أزيدًا نضرب؟ توقع الاستفهام على زيد، والمراد الاستفهام عن الضرب.
٢٢ - ثم ذكر الدلالة على توحيده وأنه لا يجوز أن يكون معه إله سواه فقال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾ أي: في السماء والأرض، وجرى ذكرهما قبل.
﴿آلِهَةٌ﴾ معبودين يستحقون العبادة. ﴿إلا اللهُ﴾ قال الزجاج: "إلا" صفة في
(٢) ذكره القرطبي ١١/ ٢٧٨ عن المبرد باختصار. وانظر: "شرح التسهيل" لابن عقيل ٢/ ٤٥٥ - ٤٥٦، "رصف المباني" للمالقي ص ١٧٩ - ١٨٠، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٥٥ - ٥٦، "الجنى الداني" للمرادي ص ٢٠٥ - ٢٠٦.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٣٣٨ (نشر)، "تاج العروس" ١٤/ ٢١٥ (نشر).
(٤) ذكره القرطبي ١١/ ٢٧٨.
وكلُّ أخٍ مُفارقُه أخوه... لَعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرْقَدانِ
وقال: المعنى: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه (٢).
وعلى هذا التقدير: آلهة غير الله، فغير الله صفة الآلهة على معني: آلهة هم غير الله كما يزعم المشركون (٣).
وقال الأخفش (٤) في هذه الآية: إلا وما بعدها بمنزلة غير، تقول: لو كان فيهما أحد إلا أنت لم أبل (٥) [أي غيرك، وكذلك لو أنه إلا أنت لم أبل
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٨. وهذا قول سيبويه والكسائي وغيرهما. انظر: "الكتاب" ٢/ ٣١٣ - ٣٣٢، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٦٧.
(٣) وذهب الفراء إلى أن "إلا" هنا بمعنى سوى، وتقديره: لو كان فيهما آلهة سوى الله. انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٠، "إعراب القرآن" لابن الأنباري ٢/ ١٥٩.
(٤) في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٩٥:... وقد يكون ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس: ٩٩] رفعا، تجعل (إلا) وما بعده في موضع صفة بمنزلة: غير... ومثلها ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ فقوله (إلا الله) صفة.
(٥) قال سيبويه في "الكتاب" ٤/ ٤٠٥: وسألته -يعني الخليل- عن قولهم: لم أبل، فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف؛ لأنه لا يلتقي ساكنان.
قال أبو علي في "الإيضاح": تقول: جاءني القوم إلا زيدًا، فتنصب الاسم بعد إلا على الاستثناء، ويجوز أن ترفعه إذا جعلت إلا وما بعدها صفة فتقول: جاءني القوم إلا زيد، وعلى هذا قوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (٢).
فظهر أن قوله: ﴿إلاَّ اللهُ﴾ ليس باستثناء إنما هو صفة للآلهة كما ذكرنا.
وقوله تعالى: ﴿لَفَسَدَتَا﴾ أي: لخربنا وبطلتا وهلكتا، وهلك من فيهما لوجود التمانع بين الآلهة (٣)، فلا يجرى أمر العالم على النظام، ويؤدي ذلك
(٢) "الإيضاح العضدي" لأبي علي الفارسي ١/ ٢٢٩.
(٣) يشير الواحدي بهذا إلى الدليل المشهور عند المتكلمين الذي يسمونه دليل التمانع، وهو: أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته، فإما: أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أولا يحصل مراد واحد منهما. والأول ممتنع؛ لأنه يستلزم الجمع ببن الضدين، والثالث ممتنع، ويستلزم أيضًا عجز كل واحد منهما والعاجز لا يكون إلها، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجزًا لا يصلح للإلهية. انظر: "الإنصاف" للباقلاني ص ٣٤، "الشامل في أصول الدين" للجويني ص ٣٥٢، "غاية المراد" للآمدي ص ١٥١ - ١٥٢، "منهاج السنة النبوية" لأبي العباس أحمد بن تيمية ٣/ ٣٠٤ - ٣٠٥، "شرح الطحاوية" ص ٧٨ - ٧٩.
لما كان كلام الواحدي هنا قد يفهم منه المقصود بهذه الآية دليل التمانع فإنه ينبغي الإشارة هنا إلى ما نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن جزي الكلبي وابن أبي العز الحنفي وغير واحد من أهل العلم وهو: أن طوائف من المتكلمين والمفسرين =
ألا كل شيء ما خلا الله باطل | وكل نعيم لا محالة زائل |
والمعنى: على نفي أن يكون في الأرض أو في السماء آلهة فهم (١) غير الله وإذا بطل ذلك ثبت أنه لا إله غيره.
ثم نزه نفسه عما يصفه به الكافرون من الشريك والولد بقوله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
٢٣ - قوله: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ قال الكلبي: لا يسأل الله عن فعله والناس يسألون عن أعمالهم (٢).
وقال الضحاك: لا يسأل عما يقضي في خلقه، والخلق مسؤلون (٣) عن أعمالهم (٤).
وقال أبو إسحق: لا يسأل في القيامة عن حكمه في عباده، ويَسْألُ عباده عن أعمالهم إيجاباً للحجة عليهم (٥).
قال المفسرون (٦): إن الله تعالى لا يسأل عما يحكم في عباده من
(١) (فهم): ساقطة من (ت).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠١.
(٣) في (ت): (مسؤل).
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٤. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٢ وعزاه لابن أبي حاتم فقط.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٨٨.
(٦) معناه عند الطبري ١٧/ ١٤، و"الكشف والبيان" للثعلبى ٣٢/ ٨ ب.
وهذا معنى ما روي عن أبي الأسود الديلي قال: غدوت على عمران ابن حصين يوما من الأيام فقال: أبا الأسود رأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم في قدر قد سبق أو فيما يستقبلون؟ قال: قلت: بل شيء قضى عليهم، ومضى عليهم. قال: فهل يكون ذلك ظلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً فقلت (٢): إنه ليس شيء إلا خَلْقُ الله وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال: سددك الله ما سألتك إلا لأجرب عقلك (٣).
وهذا الآية بتفسير المفسرين والصحابة دليل ظاهر على القدرية في مسألة القدر.
٢٤ - ولما أبطل الله تعالى أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ أبطل جواز اتخاذ آلهة سواه من حيث الأمر بقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ وهذا استفهام إنكار وتبكيت كما ذكرنا في قوله: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ وأعيد هاهنا لأنه أعيد عليهم
(٢) في (ت): (وقلت).
(٣) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٤٣٨، ومسلم في "صحيحه" ٤/ ٢٠٤١، والطبري ٣٠/ ٢١١، واللالكائي في "شرح أصول السنة" ٣/ ٥٤٢.
﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ (٣) يعني القرآن يقول: فيه خبر (٤) من معي على ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ من المفسرين من يجعل هذا أيضًا من صفة القرآن يقول: معناه: وخبر من قبلي من الأمم السالفة وما فعل الله بهم في الدنيا وما هو فاعل بهم في الآخرة. وهذا مذهب السدي والكلبي (٥).
وعلى هذا المعنى: أنه لما طالبهم بالبرهان على ما هم عليه من الشرك أمره أن يذكر لهم برهانه على ما هو عليه من التوحيد وهو القرآن الذي فيه ما تحتاج إليه هذه الأمة من الأحكام مع أخبار الأمم السالفة.
وقال ابن عباس -في رواية عطاء- في قوله: ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾: يريد التوراة والإنجيل وما أنزل الله من الكتب (٦).
وهذا القول هو اختيار الزجاج وعبد الله بن مسلم (٧) وصاحب النظم.
والمعنى على هذا القول: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ هذا القرآن وهذه
(٢) في (ت): (بينكم).
(٣) موضع هذا بياض في (ت).
(٤) في (ت): (خير).
(٥) ذكره الرازي ٢٢/ ١٥٨ عن السدي، ونسبه أيضًا لسعيد بن جُبير وقتادة ومقاتل. ولم أجد من ذكره عن الكلبي وقد روى الطبري ١٧/ ١٥ هذا المعنى عن قتادة.
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٣١٤ من رواية عطاء، عن ابن عباس.
(٧) هو ابن قتيبة، وقوله في كتابه "غريب القرآن" ص ٢٨٥.
فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود] (١) سواه من (٢) حيث الأمر بذلك.
قال أبو إسحاق: قيل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل (٣) أنبأ أمته بأن لهم إلهاً غير الله فهل في ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله (٤).
وقال صاحب النظم: لما قال عز وجل: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾، أي: حجتكم على ما تفعلون قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قل لهم: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ أي القرآن الذي أنزل علي ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ أي: ما عند اليهود والنصارى، هل فيه شيء (٥) أني أذنت لأحد، أو أمرته بأن يتخذ إلهاً دوني؟ وهل في ذلك (٦) كله إلا أني أنا الله وحدي لا شريك لي؟
فلما توجهت الحجة عليهم ذمهم على جهلهم بمواضع الحق وتركهم للتأمل والتفكر فقال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾.
ويدل (٧) على صحة هذا المعنى قوله تعالى بعد هذا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
(٢) موضع (سواه من) بياض في (ت).
(٣) في (أ)، (ت): (الرسول)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٨٩.
(٥) شيء: ليست في (د)، (ع).
(٦) في (أ)، (ت): (ذكر).
(٧) في (ع): (يدل).
﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نفسه عما يقولون ﴿بَلْ عِبَادٌ﴾ بل هم عباد يعني الملائكة. ﴿مُكْرَمُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أكرمتهم واصطفيتهم (٢).
٢٧ - ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم.
وقال ابن مسلم: أي لا يقولون حتى يقول ويأمر وينهى، ثم يقولون عنه (٣).
وقال غيره: لا يخرجون بقولهم عن حد ما أمرهم به فقولهم طاعة لربهم.
٢٨ - قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: يريد الآخرة ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ يريد الدنيا (٤).
وعنه أيضًا: أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم أي ما عملوا وما هم عاملون (٥).
وقال السدي على عكس قول عطاء (٦).
﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ قال ابن عباس: لمن قال لا إله إلا الله (٧).
(٢) انظر المرجع السابق ص ٢٠١.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٥.
(٤) ذكره عنه القرطبي ١١/ ٢٨١.
(٥) رواه بنحوه الطبري ١٧/ ١٦ من طريق العوفي عن ابن عباس. وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٨ ب.
(٦) لم أجده.
(٧) رواه الطبري ١٧/ ١٦. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٤ وعزاه للطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في البعث.
وقال السدي: للمؤمنين.
﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ﴾ أي: خشيتهم منه فأضيف المصدر إلى المفعول ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون لا يأمنون مكره. وذكرنا الكلام في هذا أبلغ عند قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ (٢).
٢٩ - قوله: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ أي: الملائكة ﴿إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ قال قتادة: (٣)، والضحاك (٤)، والسدي، والكلبي: يعني إبليس لعنة الله، لأنه أمر بطاعته ودعا إلى عبادة نفسه (٥).
﴿كَذَلِكَ﴾ كما جزيناهم جهنم ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين.
٣٠ - قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: أولم يعلموا ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا﴾ قال أبو عبيدة، والزجاج: السموات لفظ الجمع يراد به الواحد، لذلك قال: ﴿كَانَتَا﴾ لأنه أراد السماء والأرض (٦).
(٢) المؤمنون: ٥٧. ولم تتقدم، وستأتي بعد.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٣، والطبري ١٧/ ١٧، وذكره السيوطي في في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٥ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٢٥ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) قال ابن عطية ١٠/ ١٤٠: وهذا ضعيف؛ لأن إبليس لم يرد قط أنه ادعى ربوبية. اهـ. والأظهر أن يقال إنّ السياق في الملائكة، والمعنى على سبيل الفرض أنهم يقولون ذلك، وهم لا يقولونه. انظر: "روح المعاني" للآلوسي ١٧/ ٣٣.
(٦) قول أبي عبيدة في كتابه "مجاز القرآن" ٢/ ٣٦. وقول الزجاج في كتابه: "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٠.
قوله تعالى: ﴿رَتْقًا﴾ الرتق معناه في اللغة: السد. يقال: رتقت الشيء فارتتق، ومنه الرتقاء وهي المنضمة الفرج (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ الفتق: الفصل بين الشيئين الذين كانا ملتئمين أحدهما متصل بالآخر، فإذا فرق بينهما فقد فتقا. ويقال: فتق الخياط يفتقها، ومنه يقال: أفتق قرن الشمس، إذا أصاب فتقا من السحاب فبدا منه (٤).
قال أبو إسحاق: وقيل ﴿رَتْقًا﴾ لأن الرتق مصدر، المعنى: كانتا ذواتي رتق (٥).
واختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أوجه:
أحدها: ما رواه عطاء، عن ابن عباس قال: يريد أن السماء لم تكن تنزل مطرًا، والأرض لا تنبن نباتًا، ففتق الله -عَزَّ وَجَلَّ- السماء بالمطر والأرض
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٣ - ٦٣٤. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٦٩، "الدر المصون" ٨/ ١٤٧.
(٣) انظر: (رتق) في "تهذيب اللغة" للأزهري (٩/ ٥٣ - ٥٤)، "الصحاح" للجوهري ٤/ ٤٨٠، "لسان العرب" ١٠/ ١١٤.
(٤) انظر: (فتق) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٦٢، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٣٩ - ١٥٤٠، "لسان العرب" ١٠/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٠.
وهذا قول مجاهد في رواية أبان بن تغلب (٢)، وعطية العوفي، وابن زيد (٣)، واختيار الفراء (٤) وابن قتيبة (٥).
(٢) هو أبان بن تغلب، أبو سعد -وقيل: أبو أمية- الربعي، الكوفي، الشيعي، المقرئ. قال ابن عدي: وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة. وقال الذهبي: وهو صدوق في نفسه، عالم كبير، وبدعته خفيفة، لا يتعرض للكبار. وقال ابن حجر: ثقة تكلم فيه للتشيع. توفي سنة ١٤٠ هـ، وقيل: ١٤١ هـ. "الكامل" لابن عدي ١/ ٣٨٠، "تهذيب الكمال" للمزي ٢/ ٦ - ٨، "سير أعلام النبلاء" للذهبي ٣٠٨ - ٣٠٩، "تقريب التهذيب" لابن حجر ٢/ ٣٠، "غاية النهاية" لابن الجزري ١/ ٤. ولم أجد هذه الرواية عن مجاهد من طريق أبان، لكن وجدتها من طريق خصيف، عن مجاهد رواه سفيان الثوري في "تفسيره" (ص ٢٠٠) عن خصيف.
(٣) رواها الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٧. وذكرها الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩ أ.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠١.
(٥) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٦.
قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحاً توسطتها ففتحها بها (٤).
الوجه الثالث: أن المعنى كانت السموات مرتتقة فجعلت سبع سموات، وكذلك الأرضون.
وهذا قول أبي صالح (٥)، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيج (٦)،
(٢) ذكره عن الضحاك الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩ أ. وروى سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٠ عن الضحاك قال: كن سبعًا ملتزقات ففتق بعضهن عن بعض. ورواه الطبري ١٧/ ١٨ من طريق الضحاك، عن ابن عباس.
(٣) روى سفيان في "تفسيره" ص ٢٠٠ عن أبيه، عن عكرمة، سئل ابن عباس رضي الله عنهما. أيهما كان قبل الليل أو النهار؟ فقرأ "أو لم ير.... " الآية ثم قال: وهل كانن بينهما إلا ظلمة. وكذا رواه أبو الشيخ في "العظمة" ٤/ ١٣٦٨. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٣ والطبري ١٧/ ١٩ من طريق عكرمة مختصرًا.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩ أ. وهو من الإسرائيليات.
(٥) رواه عنه الطبري ١٧/ ١٩، وأبو الشيخ في "العظمة" ٣/ ١٠٢٥، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٦ ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأي الشيخ في العظمة.
(٦) رواه الطبري ١٨/ ١٨، وأبو الشيخ في "العظمة" ٣/ ١٠٢٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": ٥/ ٦٢٦ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشخ في "العظمة".
وأكثر الناس على القول الأول، وهو أنهما كانتا منسدتين لا فرج فيهما فصدعهما الله بما يخرج منهما.
قال أبو إسحاق: ويدل على هذا التفسير قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (٤).
أي: وأحيينا بالماء الذي نزله من السماء ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ يعني أنه سبب لحياة كل شيء، ويدخل فيه الشجر والنبات على التبع، ويكون التقدير: وجعلنا من الماء حياة كل شيء حي. وهذا قول قد حكي (٥)، وتحتمله دلالة الآية.
والمفسرون على قول آخر. قال قتادة: كل شيء حي خلق من الماء (٦).
(٢) في (أ)، (ت): (واحد).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٠. وقال الطبري ١٧/ ١٩ عن هذا القول أنه أولى الأقوال بالصواب، لدلالة قوله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" على ذلك، وأنّه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدّمه من ذكر أسبابه. وقال ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ١٤١: وهذا قول حسن، يجمع العبرة وتعديد النعمة واحبيبة بمحسوس بين، ويناسب قوله ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار.
(٥) انظر: "الطبري" ١٧/ ١٩ - ٢٠.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٣، والطبري ١٧/ ٢٠.
قال المفسرون (٢) إنَّ كل شيء حي فهو مخلوق من الماء كقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: ٤٥].
وعلى هذا لا يتعلق قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ﴾ بما قبله، وهو احتجاج آخر على المشركين.
وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: أفلا يصدقون بعد هذا البيان.
٣١ - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ ذكرنا تفسير هذه القطعة عند قوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ في سورة النحل [آية: ١٥].
وتقدير قوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ﴾ كتقدير قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] وقوله: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وذكرنا الخلاف بين النحويين في هذه المسألة (٣).
(٢) انظر: "الطبري" ١٧/ ٢٠، و"الثعلبي" ٣/ ٢٩ أ.
(٣) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾. وقد اختلف النحويون في تقدير "أن تميد" ونحوها من الآيات فعند الكوفيين "إنْ" بمعنى لئلا، أو ألَّا، على تقدير: لئلا تميد، لئلا تضلوا. وقال البصريون: المحذوف هاهنا مضاف، على تقدير: مخافة أن تميد أو كراهة أن تميد، وكراهة أن تضلوا. ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إلى مقامه، قالوا: و"لا" حرف جاء لمعنى النفي فلا يجوز حذفه، وحذف المضاف أسوغ وأشيع من حذف "لا".
انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٩٧، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥١١، =
﴿فِجَاجاً﴾ قال أبو عبيدة: يعني المسالك (١).
وقال أبو إسحق: كل مخترق بين جبلين فهو فج (٢).
وقال الليث: الفج: الطريق الواسع بين الجبلين (٣).
وقال أبو الهيثم: الفج: طريق في الجبل واسع، يقال: فَجٌّ وأفُجٌّ وفِجَاج (٤).
والفج في كلام العرب: تفريجك بين الشيئين، يقال: فججت رجلي أفجهما (٥) فجًّا، إذا وسعت بينهما.
ومنه قيل للطريق بين جبلين: فج؛ لأنه كأنه فرج بين الجبلين. ويقال: افجج فلان افتجاجا، إذا سلك الفجاج (٦).
وذكر بعض أهل التفسير أن الكناية عن قوله: ﴿فِيهَا فِجَاجًا﴾ عائدة إلى الأرض (٧).
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٧.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٠.
(٣) قول الليث في "العين" ٦/ ٢٤ "فج" مع اختلاف في آخره [في قبل جبل ونحوه].
(٤) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٩٧ - ٥٠٨ "فَجَّ".
(٥) في جميع النسخ: (أفجها)، والتصويب من "تهذيب اللغة".
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٠٨ (فجَّ) منسوبًا إلى الأصمعي.
(٧) نسبه الرازي في تفسيره ٢٢/ ١٦٥ إلى الكلبي، وهو اختيار الطبري فقد قال في تفسيره ١٧/ ٢١: وإنما اخترنا القول الآخر، وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض، لأنها إذا كانت من ذكرها دخل في ذلك السهل والجبل، وذلك أن ذلك =
والمعنى: إن مت أفهم الخالدون؟ استفهام إنكاري، أي: لا يخلدون، يعني مشركي مكة حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون. فقيل لهم: إن مات محمد فأنتم أيضًا تموتون (٢).
وهو (٣).
٣٥ - قوله تعالى (٤): ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾.
والإضافة في ﴿ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ في تقدير الانفصال؛ لأنه لما يستقبل ولكن عاقبن الإضافة التنوين. والمعنى على التنوين كقوله: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١]، ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥].
وقد أحكمنا هذا الفصل في سورة النساء عند قوله: ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧].
وقوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ قال الوالبي،
(٢) ذكر ذلك الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩ ب، والبغوي ٥/ ٣١٨. وقيل إن سبب هذه الآية أن بعض المسلمين قال: إن محمدًا لن يموت، وإنما هو مخلد، فأنكر ذلك رسول الله -صلي الله عليه وسلم - ونزلت. وهذا قول مقاتل. وقيل: إن سبب الآية أن كفار مكة طعنوا على النبي -صلي الله عليه وسلم - بأنه بشر، وأنه يأكل الطعام ويموت، فكيف يصح إرساله. فنزلت الآية. وهذه الأقوال لا تعتمد على رواية صحيحة، فالله أعلم. انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ١٤٥، "تفسير الرازي" ٢٢/ ١٦٩، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣١٠.
(٣) (وهو): ساقط من (أ).
(٤) (تعالى): زيادة من (أ).
وقوله تعالى: ﴿سُبُلًا﴾ تفسير للفجاج، وبيان له. وفائدته أن الفج في موضوع اللغة يجوز أنه لا (٢) يكون طريقاً نافذاً مسلوكاً، فلما ذكر الفجاج بين أنه جعلها سبلاً نافذة مسلوكة.
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا﴾ السقف معناه في اللغة: غماء البيت (٣)، والسماء للأرض كالسقف للبيت، فجعلت السماء سقفًا
واستظهره أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٠٩. ويدل لهذا القول قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾ [نوح: ١٩ - ٢٠].
(١) ذكره عن ابن عباس ابن الجوزي ٥/ ٣٤٩. وذكره القرطبي ١١/ ٢٨٥ مختصرًا. وذكر الرازي ٢٢/ ١٦٤ أوله ثم قال: وهو قول مقاتل، والضحاك، ورواية عطاء عن ابن عباس. وقد روى الطبري ١٧/ ٢١ من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس وجعلنا فيها فجاجا سبلا" قال: بين الجبال. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٧ وعزاه للطبري وابن المنذر. وهي رواية ضعيفة؛ لأن ابن جريج لم يلق ابن عباس. قال الإمام أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت. فحسبك. "تهذيب التهذيب" ٦/ ٤٠٤.
(٢) (لا): ساقطة من (أ).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٤١٣ وفيه هذا الكلام منسوبًا إلى الليث، و"الصحاح" للجوهري ٤/ ١٣٧٥، وفي "العين" ٥/ ٨١: سقف: عماد البيت، و"لسان العرب" لابن منظور ٩/ ١٥٥ (سقف).
وقوله تعالى: ﴿مَحْفُوظًا﴾ قال ابن عباس: من الشياطين بالنجوم (١). وهو قول الكلبي، واختيار الفراء (٢) ودليل هذا التأويل قوله ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر: ١٧].
وذكر أبو إسحاق وجهًا آخر قال: حفظه الله من الوقوع على الأرض إلا بإذنه (٣).
ودليل هذا قوله: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾ [الحج: ٦٥].
وزاد غيره: محفوظا من الهدم، ومن أن يلحقها ما يلحق غيرها من السقوف على طول الدهر (٤).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٠.
(٤) جاء عن قتادة نحو هذا القول، فقد ذكر أبو حيان ٦/ ٣٩ عنه أنه قال: حفظ من البلى والتغير على طول الدهر. وقيل إن الحفظ هنا شامل لما تقدم، لدلالة الآيات المتقدمات. قال ابن عطية ١٠/ ١٤٤: والحفظ هاهنا عام في الحفظ من الشياطين. وقوى الرازي ٢٢/ ١٦٥ القول بأن المراد الحفظ من الوقوع والسقوط اللذين يجري مثلهما لسائر السقوف؛ لأن حمل الآيات عليه مما يزيد هذه النعمة عظما لأف سبحانه كالمتكفل بحفظه وسقوطه على المكلفين. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ [فاطر: ٤١]، وقوله: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ [البقرة: ٢٥٥]. ومما يقوي هذا القول ويعضده أن الآيات سبقت للدلالة على التوحيد فكان تجريد العناية لبيان نعمة الله على عباده بحفظ هذه السماء من السقوط أولى من بيان حفظها من الشياطين.
وهذا معنى وليس بتفسير. وذلك أنه مرفوع رفعًا لا يطمع أحد أن يناله بنقض أو يبلغه بحيلة، فرفعه سبب حفظه من أن يبلغه أحد.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين (٢).
﴿عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ (٣) قال الكلبي وغيره من المفسرين: شمسها وقمرها ونجومها (٤).
﴿مُعْرِضُونَ﴾ لا يتدبرونها، ولا يتفكرون فيها، فيعلموا (٥) أن خالقها لا شريك له.
٣٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ إلى قوله: ﴿كُلُّ﴾ يعني الطوالع كلها.
﴿فِي فَلَكٍ﴾ قال الليث: الفلك في الحديث (٦) دوران (٧) السماء. وهو
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠١.
(٣) في (د)، (ع): (آياتنا)، وهو خطأ في الآية.
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٢٢، "تنوير المقباس" ص ٢٠١، القرطبي ١١/ ٢٨٥.
(٥) في (ع): (فيعلمون)، وهو خطأ.
(٦) في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤: جاء في الحديث أنه دوران السماء. والمراد بالحديث ما رواه أبو عيد في غريب الحديث ٤/ ٩٦: أن رجلاً أتى رجلاً وهو جالس عند عبد الله بن مسعود فقال: إني تركت فرسك يدور كأنه في فلك، قال عبد الله للرجل: اذهب فافعل به كذا وكذا.
(٧) في (أ): (دور).
وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: الفلك: قطع من الأرض تستدير وترتفع عما حولها (٤)، والواحدة فلكة. قال الراعي:
إذا جِفْنَ هَوْلَ بُطونِ (٥) البِلادِ | تَضَمَّنَها فَلَكٌ مُزْهِرُ (٦) |
والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فَلْكةُ المغزل، وتفلك ثدي الجارية (٩).
"تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٤٢ "طوق"، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٥٩.
(٢) (منه): ساقطة من (د)، (ع)، وفي (أ): (ومنه)، وفي "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤ منها.
(٣) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٤ "فلك". وهو في "العين" ٥/ ٣٧٤ "فلك" مع اختلاف يسير، وليس فيه: في الحديث. وما ذكره الليث عن المنجمين لا دليل عليه من كتاب أو سنة صحيحة أو مشاهدة.
(٤) في (أ): (حوله).
(٥) هكذا في (أ)، (ت) والمطبوع من ديوان الراعي بطبعتيه -طبعة راينهرت فايبرت ص ١٠٧، وطبعة نوري القيسي وهلال ناجي ص ٢٠٨. وفي (د)، (ع): (إذا خفن هولا بطول)، وفي المطبوع من "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤: (بصون).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٢٠٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٥٤. "فلك"، واللسان ١٠/ ٤٧٨: (فلك).
(٧) في جميع النسخ: (الإدخال)، والتصويب من "تهذيب اللغة" و"اللسان".
(٨) رواية أبي عبيد عن الأصمعي في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤.
(٩) انظر: (فلك) في: "الصحاح" ٤/ ١٦٠٤، "لسان العرب" ١٠/ ٤٧٨.
وأما المفسرون، فقال السدي في قوله: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾: كل في مجرى واستداره (٢).
وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك (٣).
وعلى هذا المراد بالفلك: السماء، والسماء مستديرة، والنجوم تدور فيها وهذا معنى قول مجاهد: كهيئة حديدة الرحى (٤) (٥).
يريد: أن النجوم تسير وتجري حول القطب (٦) كدوران (٧) الرحى على حديدته (٨).
وعلى (٩) هذا معنى قول أكثرُ المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها (١٠).
(٢) ذكر الماوردي ٣/ ٤٤٥ عن السدي قال: الفلك: السماء.
(٣) ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٥٤، والبغوي ٥/ ٣١٧ عن الكلبي الشطر الأول منه. وروي عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤ عن الكلبي الشطر الثاني منه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٢٧ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر.
(٤) الرَّحى: هي الحجر التي يطحن بها. "لسان العرب" ١٤/ ٣١٢ (رحا).
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٢، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٨ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) القُطْب: كوكب بين الجدي والفرقدين. قيل: وهو كوكب صغير أبيض، لا يبرح مكانه أبدًا، والجدي والفرقدان تدور عليه. "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٠٤ (قطب)، "لسان العرب" ١/ ٦٨٢ (قطب).
(٧) في (ع): (كودان).
(٨) في (د)، (ع): (حديدة).
(٩) في (أ)، (ت): (وهذا) معنى.
(١٠) هذا قول الثعلبي ٣/ ٢٩ أبنصّه.
يريد أن الذي يجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة] (٢).
وقال ابن زيد: الفلك الذي بين السماء والأرض [من] (٣) مجاري النجوم والشمس والقمر (٤).
وهذا كقول المنجمين، جعلوا الفلك في السماء.
وقال أبو عبيدة: الفلك: القطب الذي تدور به النجوم (٥).
وهذا القول بعيد؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فيجب أن يكون الفلك اسمًا لما يتضمن النجوم وتجري فيه، ويكون مدورًا.
وقوله تعالى: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر في صفة النجوم: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ [النازعات: ٣]، والسبح لا يختص بالجري في الماء فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري (٦): سابح (٧)، ومنه قول الأعشى:
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) زيادة من الطبري ١٧/ ٢٣، والدر المنثور.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ٢٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٢٧ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٨.
(٦) في (أ)، (ت): (البحر)، وما أثبتناه من (د)، (ع) هو الصحيح والموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ (سبح)، بتصرف.
وتَوهَّم بعضهم أن السبح يختص بالسير في الماء، فجعل الفلك موجًا من الماء تسير فيه النجوم لما رأى قوله: ﴿يُسَبحُونَ﴾ (٣).
وحكى الفراء هذا القول في "تفسير الفلك" (٤).
ولما وصف النجوم بفعل ما يعقل (٥) جُمِعَ (٦) فعلها جَمْعَ فعل ما يعقل، قال أبو إسحق: قيل ﴿يَسْبَحُونَ﴾ هو كما يقال لما يعقل: لأنَّ هذه الأشياء وصفت بالفعل (٧) كما يوصف ما يعقل، كما قالت العرب -في رواية جميع النحويين-: "أكلوني البراغيث" لما وصفت بالأكل قيل:
(٢) هذا عجز البيت، وصدره:
كم فيهم من شَطْبَة خَيْفق
وهو في "ديوانه" ص ٤١٧، وفيه: ضابر، و"تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٣٨ "سبح"، و"اللسان" ٢/ ٤٧١ (سبح). وهو أحد أبيات قصيدة يفضل فيها عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما. والمعنى: كم فيهم من جواد سابح نشيط سابق. انظر: "لسان العرب" ٨/ ٣٤٥ (ميع)، "القاموس المحيط" ٢/ ٧٦، "ديوان الأعشى مع التعليق عليه" ص ٤١٧.
(٣) هذا قول الكلبي، فقد ذكر الرازي ٢٢/ ١٦٧ أنه قال: الفلك ماء تجري فيه الكواكب، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. ثم ردّ عليه بقوله: لا يسلم فإنه يقال في الفرس يمد يديه في الجري: سابح.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٠١.
(٥) في (ع): (ما تعقل).
(٦) جمع: ساقطة من (ع).
(٧) في (ع): (بالعقل).
تَمرَّزْتُها والدِّيكُ يدعو صباحَه | إذا ما بَنوُ نَعَش دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا (٢) |
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ الخلد: اسم من الخلود، وهو البقاء الدائم (٦).
يقول: ما خلَّدنا قبلك أحدًا من بني آدم. يعني أن سبيله سبيل من مضى قبله من الرسل ومن بني آدم في الموت.
﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ موضع الاستفهام قوله: ﴿فَهُمْ﴾، ولكنه
(٢) البيت أنشده الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٣٩١ من غير نسبة، وروايته فيه:
شربت بها والديك يدعو صباحه
وهو في مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢/ ٣٨، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٥ (نعش) بمثل رواية الواحدي منسوبًا للجعدي. وفي "ديوانه" ص ٤ والكتاب لسيبويه ٢/ ٤٧ بمثل رواية الزَّجاج. وفي "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٤٤: بكرتها والديك.. من غير نسبة. قال السيرافي في "شرح أبيات سيبويه" ١/ ٤٧٦: تمززتها: شربنها قليلاً قليلاً، وقوله: يدعو صباحه: أي: يدعو في وقت إصباحه، وقوله: دنوا: مالت بنات نعش إلى جانب السماء. اهـ. قال ابن منظور ٦/ ٣٥٥: وبنات نعش: سبعة كواكب.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠١.
(٥) كالخليل وسيبويه وغيرهما. انظر "الكتاب" ٢/ ٤٧، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٦٩ - ٧٥، "إعراب القرآن" لابن الأنباري ٢/ ١٦.
(٦) انظر: (خلد) في "تهذيب اللغة" للأرهري ٧/ ٢٧٧، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٤٦٩، "لسان العرب" ٣/ ١٦٤.
وقال ابن زيد: نبلوكم بما تحبون وما تكرهون، لننظر كيف شكركم وصبركم فيما تحبون وفيما تكرهون (٢).
وقال الكلبي: ﴿بِالشَّرِّ﴾ بالفقر والبلايا ﴿وَالْخَيْرِ﴾ بالمال والولد.
﴿فِتْنَةً﴾ قال ابن عباس: يريد اختبارًا مني ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ تردون للجزاء بالأعمال حسنها وسيئها.
٣٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس: يعني المستهزئين.
[وهم الذين ذكرناهم في قوله: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ (٣)] (٤).
﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ أي: ما يتخذونك إلا مهزوا به، كقوله: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ [البقرة: ٦٧] وقد مرَّ.
وقال السدي: نزلت في أبي جهل، مرَّ به النبي -صلي الله عليه وسلم- فضحك، وقال:
(٢) رواه الطبري ١٧/ ٢٥ بنحوه.
(٣) الحجر: ٩٥. قال الواحدي في "البسيط": (إنا كفيناك المستهزئين) بك، وهم خمسة نفر من المشركين: الوليد بن المغيرة. والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث. سلط الله عليهم جبريل حتى قتل كل واحد منهم أي: بآفة وكفى نبيه شرهم. هذا قول عامة المفسرين. اهـ. والأولى أنها عامة في كل مستهزئ.
(٤) ساقط من (د)، (ع).
وقوله تعالى: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ﴾ [فيه إضمار القول (٤)، وهو جواب إذا (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ كلام معترض بين إذا وجوابه.
قال ابن عباس في قوله: ﴿يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾] (٦): يعيب أصنامكم. ونحوه قال الكلبي (٧).
(٢) بنو عبد مناف بطن من بطون قريش، من العدنانية. وهم بنو عبد مناف -ومناف اسم صنم وأصل اسم عبد مناف المغيرة- بن قصي بن كلاب بن مرة. ومن أفخاد بني عبد مناف: بنو هاشم وبنو المطلب وبنو عبد شمس وبنو نوفل. وكان بنو هاشم وبنو عبد شمس متقاسمين رئاسة بني عبد مناف. انظر: "نسب قريش" للمصعب الزبيري ص ١٤ - ١٥، "البداية والنهاية" ٢/ ٢٥٤ - ٢٥٥، "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" للقلقشندي ص ٣١١، "معجم قبائل العرب" لكحالة ٢/ ٧٣٥.
(٣) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٠. وهي رواية ضعيفة، لأنها مرسلة، فلا يعتمد كونها سببًا لنزول هذه الآية. وقال الألوسي ١٧/ ٤٨: وأنا أرى أن القلب لا يثلج لكون هذا سببا للنزول. اهـ. قال ابن عطية ١٠/ ١٤٨: وظاهر الآية أن كفار مكة وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمر آلهتهم، وذكره لهم بفساد.
(٤) في (د)، (ع): (من القول)، والمعنى: أن فيه إصمار "يقولون"، فيكون المعنى: وإذا رآك الذين كفروا -إن يتخذونك إلا هزوا- يقولون: أهذا...
(٥) وفي جواب إذا وجه آخر وهو "إن" النافية وما في حيزها في قوله "إن يتخذونك" واستظهره أبو حيان. انظر: "البحر المحيط" ٦/ ٣١٢. "الدر المصون" ٨/ ١٥٥.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٣٥٠ هذا القول من غير نسبة. وانظر. "تنوير المقباس" ص ٢٠٢.
لا تذكري فرسي وما أطْعَمْتُهُ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب (١)
أي: لا تعيبي (٢) مهري فجعل الذكر عيبًا (٣).
وقال أبو إسحاق: يقال: فلان يذكر الناس، أي: يغتابهم، ويذكرهم بالعيوب. [ويقال: فلان يذكر الله، أي: يصفه بالعظمة، ويثني عليه] (٤). وإنّما يحذف مع الذكر ما عقل معناه (٥).
وقال أهل المعاني: الذكر لا يكون بمعنى العيب (٦) في كلام العرب، وحيث يراد به العيب حذف منه السوء (٧). كما (٨) قال الزَّجَّاج؛ فلان يذكر الناس أي: يذكر مساوءهم وعيوبهم.
وفي "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٣: لا تذكري مهري... جلد الأشهب.
وفي "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٢ من غير نسبة: وفيه: (لونك) في موضع (جلدك).
وعند الطبري ١٧/ ٢٥: لا تذكري مهري... الأجرب.
وهو من قصيدة يقولها لامرأة له تذكر خيله وتلومه في فرس كان يؤثرها. انظر: "شرح ديوان" عنترة للشنتمري ص ٢٧٢.
(٢) في (أ)، (ت): (تعيين)، وعند الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٠٣: لا تعيبين بأثرة مُهري.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٣.
(٤) ساقط من (ع).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٢.
(٦) في (أ)، (ت): (اللعب)، وهو خطأ.
(٧) في (د)، (ع): (بشر).
(٨) (كما): ساقطة من (أ)، (ت).
قال صاحب النظم: "هم" الثانية (٢) اختصاص، أي أنَّهم كافرون دون غيرهم، كما تقول في الكلام إذا قيل لك: [إنَّ زيدًا قال لك] (٣): إنك ظالم، فقلت: بل زيدٌ هو ظالم. فهو اختصاص له من بين غيره لهذا الوصف (٤).
وقيل (٥): إنّه تأكيدٌ للكافرين، فقد (٦) وصفهم الله بغاية الجهل حيث هزئوا ممن جحد إلهية (٧) من (٨) لا نعمة له (٩)، وهم يجحدون إلهية مَنْ كُلُّ
(٢) في (ت): (البائنة)، وهو خطأ.
(٣) ساقط من (أ)، (ع).
(٤) ذكر الرازي ٢٣/ ١٧٠ هذا المعنى باختصار.
(٥) انظر: "تفسير الرازي" ٢٣/ ١٧٠، "البحر" ٦/ ٣١٢، "الدر المصون" ٨/ ١٥٥.
(٦) في (د)، (ع): (وقد).
(٧) في (د)، (ع): (الإلهية).
(٨) في (ع): (ممن).
(٩) في (أ)، (ت) زيادة: (وهم يجحدون إلهية من لا نعمة له)، وهي خطأ.
٣٧ - قوله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾.
اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية: فذهب كثيرٌ منهم إلى أن المراد بالإنسان هاهنا: آدم. وقالوا: لما نفخ فيه الروح لم تبلغ رجليه حتى استعجل، وأهوى إلى عنقود من عنب الجنة ليأكل منه، وأراد الوثوب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان، وأورث أولاده العجلة. وهذا قول عكرمة (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، والسدي (٥)، والكلبي (٦).
وقال آخرون: معناه: خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إياه، وذلك أن الله تعالى خلق آدم في آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس، فأسرع في خلقه قبل مغيبها.
وهذا مذهب مجاهد، قال؛ خلق الله آدم بعد كل شيء آخر النهار، فلما أحيا الروح رأسه (٧) ولم تبلغ أسفله قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس (٨). وهذا القول اختيار قطرب قال: في قوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ
(٢) انظر: القرطبي ١١/ ٢٨٨.
(٣) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٠ وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) رواه الطبري: ١٧/ ٢٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": ٥/ ٦٣٠ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٦.
(٦) نسبه للكلبي: الماوردي في "النكت والعيون" ١/ ٤٤٧.
(٧) في (د)، (ع): زيادة (ووصلت إلى)، وما في (أ)، (ت). هو الموافق لما في تفسير الثعلبي.
(٨) تفسير الثعلبي ٣/ ٢٩ ب.
وقال قتادة: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ قال: خلق عجولًا (٢).
وهذا القول اختيار جميع أهل اللغة (٣) والمعاني. والإنسان هاهنا اسم الجنس.
قال الفراء: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجل (٤) وعلى العجلة (٥).
وقال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر الشيء: خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب [وخلقت من لعب] (٦)، تريد المبالغة بوصفه باللعب، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١] (٧).
وقال المبرد: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من شأنه العجلة (٨).
وهذه ثلاثة أقوال عليها أهل التفسير والمعاني.
(١) لم أجد هذا القول عن قطرب. وقد ذكر الشريف الرضي في "الأمالي" ١/ ٤١٦ عن قطرب أنه أجاب بأن في الكلام قلبا، وأن المعنى: خلق العجل من الإنسان.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤.
(٣) (اللغة): ساقطة من (أ)، (ت).
(٤) عند الفراء: العجلة.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٣.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٢. مع تقديم وتأخير.
(٨) لم أجد من ذكره عنه.
ولا وجه لحمله على القلب مع ماله على (٢) الاستواء من المعنى المفهوم (٣).
وقال نفطويه: قال بعض الناس: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من طين، وأنشد (٤):
والنبع ينبت بين الصخر (٥) ضاحية | والنخل ينبت بين الماء والعجل |
(٢) في (د)، (ع): (من).
(٣) وقد ردّ ذلك أيضًا الإمام الطبري، فقال في "تفسيره" ١٧/ ٢٧: وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره. اهـ.
(٤) عجز هذا البيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤٦٩ "عجل"من إنشاد نفطويه، من غير نسبة لأحد. والبيت في "غريب القرآن وتفسيره" لليزيدي ص ٢٥٥، من غير نسبة، وروايته فيه:
النبع في الصخرة الصماء منبته | والنخل منبته في السهل والعجل |
والنبع ينبت بين الصخر ضاحية | والنخل ينبت بين الماء والعجل |
النبع في الصخرة الصماء منبته | والنخل منبته في السهل والعجل |
(٥) في جميع النسخ: (النخل)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا.
والعجل بمعنى الطين قد حكي من (٣) كلام العرب. رواه أبو عمر، عن أبي العباس (٤)، عن ابن الأعرابي (٥). [وهو صحيح ولكنه لا يصح تفسير] (٦) هذه الآية به، ولا يليق بالمعنى المراد من الآية.
وتأويل الآية: خلق الإنسان عجولًا، ولذلك (٧) يستعجل ربه بالعذاب.
ومن قال معنى الآية: إن آدم خلق على عجلة - يقول: إنَّ ذلك أورثه وأولاده العجلة، فاستعجلوا (٨) في كل شيء حتى العذاب.
والآية نازلة في أهل مكة حين استعجلوا العذاب. قال ابن عباس -في رواية عطاء-: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ يريد: النَّضْر بن الحارث، وهو الذي قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية (٩).
(٢) قول نفطويه في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٣٦٩ (عجل) وفيه تسميته بابن عرفه.
(٣) في (د)، (ع): (في).
(٤) في (أ)، (ت): (ابن عباس)، وهو خطأ.
(٥) ذكر هذه الرواية من هذا الطريق الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٩ "عجل".
(٦) ما بين المعقوفين بياض في (ت).
(٧) في (أ)، (ت): (وكذلك)، وهو خطأ.
(٨) في (أ)، (ت): (واستعجلوا).
(٩) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٥١، والرازي ٢٢/ ١٧١ من رواية عطاء عن ابن عباس. وذكره الزمخشري ٢/ ٥٧٣ منسوبًا إلى ابن عباس. وهذه الرواية عن ابن عباس باطلة كما تقدم، ولذا استظهر الزمخشري والرازي وأبو حيان وغيرهم أن المراد بالإنسان هنا: الجنس. قال الرازي ٢٢/ ١٧١: وهذا القول يعني القول بأن المراد بالإنسان الجنس - أولى؛ لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا =
﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي أنه نازل بكم. قال ابن عباس: وهو تهديد ووعيد.
٣٨ - ﴿وَيَقُولُونَ﴾ يعني المشركين ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ الذي تعدنا أنا نعذب.
قال ابن عباس: يريدون (٣) وعد القيامة (٤) ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنا نعذب.
(١) يعني ابن عباس.
(٢) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٥٢ ونسبه إلى مقاتل. وذكر الرازي ٢٢/ ١٧٢ ثلاثة أقوال في الآية:
أحدها: أنها هي الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولذلك قال: "فلا تستعجلون" أي: أنها ستأتي لا محالة في وقتها.
ثانيهما: أنها أدلة التوحيد وصدق الرسول.
ثالثهما: أنها آثار القرون الماضية بالشام واليمن. ثم قال الرازي: والأول أقرب إلى النظم. وذكر أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٣ الأقوال التي ذكرها الرازي ثم قال: والأول أليق، أي: سيأتي ما يسوؤكم إذا متم على كفركم، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا والآخرة. ا. هـ والأظهر أن المراد بالآيات ما توعدهم الله من العذاب في الدنيا كما قال تعالى ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٥٠] ويدخل فيه ضمنا يوم بدر وغيره. والعذاب في الآخرة كما قال تعالى في ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] وكما قال تعالى في هذه الآيات بعد ذلك ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾ الآيات. وقوله ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ [القمر: ٤٦].
(٣) في (د)، (ع): (يريد)، وما أثبتنا من (أ)، (ت). وهو الصواب.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٩ ب، وابن الجوزي ٥/ ٣٥٢، والقرطبي ١١/ ٢٨٩ من غير نسبة. والأظهر أنهم يريدوت كل ما وعدهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون في الدنيا والآخرة.
﴿لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾ [قال ابن عباس: يريد ساعة يدخلون النار] (٥). ﴿وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ لإحاطتها بهم ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾
(٢) في (ع): (ينقضي)، وفي (د): (بنقفي مهملة).
(٣) في (د)، (ع): (معروفا)، وهو خطأ.
(٤) في "يعلم" في هذه الآية ومفعوله ثلاثة أوجه:
أحدها: ما ذكره الواحدي هنا، أن "يعلم" عرفانية فهي تتعدي إلى مفعول واحد، ومفعول "يعلم" هو "حين"، فالحين منصوب على أنه مفعول به، وليس منصوبا على الظرفية، ويكون التقدير مثل ما قدره الواحدي أي: لو يعرفون حين وقوع العذاب بهم، ونحو ذلك.
ثانيهما: ما ذكره الزمخشري وغيره أن فعل "يعلم" منزل منزلة اللازم، فهو متروك بلا تعدية والغرض منه إثبات الفعل لفاعله، مع قطع النظر عن اعتبار تعلق الفعل بمن وقع عليه، والمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين. فلم يعتبر هنا ودوع العلم على معلومات من اتصف بذلك العلم. وعلى هذا فـ"حين" منصوب بمضمر، أي: حين لا يكفون عن وجوههم النار يعلمون أنهم كانوا على باطل.
وثالثهما: ما ذكره أبو حيان: أن مفعول "يعلم" محذوف للدلالة ما قبله أي: لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستعجلوه، و"حين" منصوب بالمفعول الذي هو مجيء.
واستظهر أبو حيان هذا الأخير، واستظهر الشنقيطي الأول.
انظر: "الكشاف" للزمخشري ٢/ ٥٧٣، "البحر المحيط" لأبي حيان ٩/ ٣١٣، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٥٨ - ١٥٩، "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ٥٧٥ - ٥٧٦.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
وجواب "لو" محذوف، على تقدير: لو علموا ذلك ما استعجلوا ولا قالوا متى هذا الوعد.
[وقال الزَّجَّاج: وجواب "لو" محذوف، المعنى: لعلموا صدق الوعد؛ لأنهم قالوا ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾] (١) (٢).
وجعل الله الساعة موعدهم فقال:
٤٠ - قوله: ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً﴾ قال ابن عباس: فجأة (٣). يعني القيامة (٤).
﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: تصيبهم البهتة (٥).
قال الزَّجَّاج: فتحيّرهم (٦).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ٣٩٢ - ٣٩٣. قال ابن عطية ١٠/ ١٥٣: حذف جواب "لو" إيجازًا لدلالة الكلام عليه، وأبهم قدر العذاب لأنه أبلغ وأهيب من النص عليه. وقال ابن عاشور في كتابه "التحرير والتنوير" ١٧/ ٧٠: وحذف جواب "لو" كثير في القرآن، ونكتته تهويل جنسه فتذهب نفس السامع كل مذهب.
(٣) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٢. وذكر الطبري ١٧/ ٢٩، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٢٩ ب، "المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ١٥٣.
(٤) ذكره القرطبي ١١/ ٢٩٠، ثم قال: وقيل: العقوبة، وقيل: النار فلا يتمكنون من حيلة. أهـ.
وقال الزمخشري ٢/ ٥٧٣: إلى النار أو إلى الوعد؛ لأنه في معنى النار، وهي التي وعدوها،... أو إلى الحين لأنه في معنى الساعة. قال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٤: والظاهر أن الضمير عائدٌ إلى الناس.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أعن ابن عباس في قوله "فتبهتهم" قال: تفجؤهم.
(٦) "معاني القرآن"، للزجاج ٣/ ٣٩٣.
فعلى هذا معنى ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ مهو تأخذهم بغتة] (٣): أي: تفجؤهم.
﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ صرفها عنهم ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يمهلون التوبة أو معذرة.
٤١ - ثم عزى نبيه عليه السلام فقال: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي: كما استهزأ قومك بك ﴿فَحَاقَ﴾ نزل وأحاط ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾ من الرسل ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي العذاب الذي استهزأوا به وكذبوا به.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ﴾ يقال: كلأك (٤) الله كلاءة أي: حفظك وحرسك (٥). قال ابن هرمة:
إنَّ سُليمي واللهُ يَكْلَؤهَا (٦)
(٢) انظر: (بهت) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٢١، "الصحاح" للجوهري ١/ ٢٤٤ "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ١٢.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٤) في (ت): (كلال).
(٥) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٣٦٥ (كلأ) منسوبًا إلى الليث. وهو في كتاب "العين" ٥/ ٤٠٧ مادة (كلأ).
(٦) هذا صدر البيت، وعجزه:
ضنَّت بشيء ما كان يرْزؤها
وهو في "ديوانه" ص ٥٥ و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٣٩، والطبري ١٧/ ٣٠، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٦٠ (كلأ).
وقال المبرد: أكتلأت بهذه الدار إذا تحصَّنت بها وجعلتها تحفظك.
قال ابن عباس: يريد من يمنعكم (٣) ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾.
وقال الكلبي: ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ من عذاب الرحمن (٤).
قال أبو إسحاق: معناه: من يحفظكم من بأس الرحمن (٥). كما قال: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٦٣] أي: عذاب الله، كما قال في موضع آخر: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر: ٢٩]. ونحو هذا قال الفراء (٦).
والمعنى: من يحفظكم مما يريد الرحمن إحلاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة. وهو استفهام إنكار، أي: لا أحد يفعل ذلك (٧).
وقال مجاهد في هذه الآية: من يدفع عنكم بالليل والنهار إلا
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٦١ - ٣٦٢ (كلأ) نقلاً عن أبي زيد.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٣٢٥ منسوبًا إلى ابن عباس. وقد روى الطبري ١٧/ ٢٩ عن ابن عباس قال: يحرسكم.
(٤) ذكر هذا القول الرازي ٢٢/ ١٧٤، والقرطبي ١١/ ٢٩، والسمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٦٠ من غير نسبة لأحد.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢٩٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٢٠٤.
(٧) وعلى هذا يكون المعنى: لا كالئ لكم يحفظكم من عذاب الله البتة إلا الله تعالى؛ أي: فكيف تعبدون غيره؟. وقال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٤: هو استفهام وتوبيخ. فعلى هذا يكون توجه إليهم بالتقريع والتوبيخ: كيف يصرفون حقوق الذي يحفظهم بالليل والنهار إلى ما لا ينفع ولا يضر.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد القرآن (٣).
وقال غيره: عن مواعظ ربهم (٤). ﴿مُعْرِضُونَ﴾ أي لا يعتبرون.
٤٣ - قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ﴾ أي: تجيرهم وتحفظهم، وقوله تعالى: ﴿مِنْ دُونِنَا﴾ مؤخّر معناه التقديم، أي: آلهة من دوننا تمنعهم، وتم الكلام. ثم وصف اَلهتهم بالضعف فقال: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [أي: فكيف تنصرهم؟.
(٢) وحكى الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٤٧٨ القولين، واستظهر قول من قال: "من الرحمن" أي: من عذابه وبأسه قال: ونظيره من القرآن ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ [هود: ٦٣].
وقال أبو العباس ابن تيمية في "الفتاوى" ٢٧/ ٤٤١، ٣٥/ ٣٧٢: "قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن" بدلًا عن الرحمن. وهذا أصح القولين كقوله تعالى ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ [الزخرف: ٦٠] أي: لجعلنا بدلاً منكم كما قاله عامة المفسرين، ومنه قول الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربة | مبردة باتت على طهيان |
جارية لم تلبس المرققا | ولم تذق من البقول الفستقا |
(٣) ذكره القرطبي ١١/ ٢٩١ من غير نسبة.
(٤) قاله الطبري ١٧/ ٣٠. وقد جمع البغوي ٥/ ٣٢٠ القولين، فقال: عن القرآن ومواعظ الله.
والتقدير: آلهتهم لا يستطيعون نصر أنفسهم] (٢)، فقوله: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ خبر ابتداء محذوف دل عليه ما قبله من ذكر الآلهة، وإذا لم تقدر على منع نفسها عما يراد بها فكيف تقدر على منع عابديها؛ كما ذكره ابن عباس.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا﴾ يعني الكفار (٣).
﴿يُصْحَبُونَ﴾ قال الكلبي: يقول: لا يجارون من عذابنا (٤).
وقال مجاهد: لا ينصرون (٥).
قال الفراء: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ أي: يجارون، يعني الكفار (٦). وقال ابن قتيبة: أي لا يجيرهم منّا أحدٌ؛ لأن المجير صاحب الجار (٧) (٨).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).
(٣) وقيل الضمير للأصنام. وهو مروي عن قتادة. واستظهر أبو حيان هذا القول، وقال عنه الألوسي إنه الأولى بالمقام. انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي ٥/ ٣٥٣، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣١٤، "روح المعاني" للآلوسي ١٧/ ٥٢.
(٤) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٢.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤، والطبري ١٧/ ٣٠. وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أ.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٢.
(٧) في "غريب القرآن": منها، صاحب لجاره.
(٨) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٦.
[فلما كانت] (٣) الصحبة تقتضي الإجارة سميت الإجارة به. والعرب تقول: صحبك الله أي: حفظك الله وأجارك، ويقولون للمسافر: في صحبة الله وكلاءته (٤).
وهذا وجه صحيح، وهو مروي عن ابن عباس أيضًا في رواية العوفي (٥)، قال: ولا الكفار منا يجارون (٦). وهو (٧) معنى قول مجاهد: لا يُنصرون.
(٢) هذا كلام الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٠٥ مع تصرف يسير.
(٣) مطموس في (ت).
(٤) انظر: "صحب" في: "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٢، "لسان العرب" ١/ ٥٢٠، "تاج العروس" للزبيدي ٣/ ١٨٨.
(٥) رواية العوفي عن ابن عباس يرويها المفسرون -كالطبري وابن أبي حاتم وغيرهم- من طريق محمد بن سعد العوفي، عن أبيه، عن عمه الحسين بن عطية بن سعد العوفي، عن أبيه، عن جده عطية العوفي، عن ابن عباس. وقد بين ضعف هذا الطريق السيوطي في "الإتقان" ٢/ ٥٣٥. وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٣: وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير، وهو معروف عند العلماء بتفسير العوفي.
(٦) رواه من طريق العوفي عن ابن عباس: الطبري ١٧/ ٣١، وابن أبي حاتم (كما في "تغليق التعليق" ٤/ ٢٥٨، وذكر سنده من طريق العوفي). وقد رواه الطبري ١٧/ ٣١ من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، بمثله. وروى الطبري ١٧/ ٣٠ - ٣١ وابن أبي حاتم (كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٢) من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس. (يصحبون) ينصرون.
(٧) (وهو): ساقط من (د)، (ع).
يرعى بروض الحَزْنِ من أبِّهِ | قُرْيَانة (٢) في غاية (٣) تُصْحَبُ (٤) (٥) |
وعلى هذا قوله: ﴿يُصْحَبُونَ﴾ مهه من الإصحاب لا من الصحبة.
وقال قتادة: لا يصحبون من الله بخير (٧).
(٢) (قريانة): ساقطة من (أ)، (ت). ومهملة في (ع)، و (د): (قربانة).
(٣) في (أ)، (ت): (غاية). ومهملة في (د)، (ع).
(٤) في (أ)، (ع): (بصحب). مهملة وبياض في (ت). والمثبت من (د).
(٥) إنشاد المازني لبيت الهذلي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٣ "صحب".
وهو منسوب للهذلي في: "لسان العرب" ١/ ٥٢٠ "صحب" ووقع في المطبوع: قربانه في عابه.
و"تاج العروس" للزبيدي ٣/ ١٨٨ (صحب).
والبيت أيضًا في "مقاييس اللغة" لابن فارس ١/ ٦ (أب) منسوبًا لأبي داود من إنشاد شبيل بن عزرة. وهو في ديوان أبي داود الإيادي ص ٢٩٦. وهو في كتاب "الذيل والتكملة" للصغاني ١٠/ ١٨٥: (صحب) من غير نسبة. قال محقق كتاب "الذيل والتكملة في الحاشية": وفي حاشية نسخة (ح): (أنشد الأزهري البيت للهذلي، وليس في أشعار هذيل. وقال الدينوري في كتابه النبات -وذكر الأبّ-: وقد أنشد شبيل بن عزرة بيتا مفتعلا نسب إلى أبي داود في وصف حمار وحشي، وأنشد البيت. وهو مفتعل كما قال وليس لأبي داود. اهـ. قال المازني كما في "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٦٣: أبُّه: كلؤه. قُريانه: مجاري الماء إلى الرياض، الواحد: قريّ، قال: تصحب: تُمنْع وتحفظ: اهـ.
(٦) قول المازني في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٢ - ٢٦٣، و"لسان العرب" ١/ ٥٢٠، و"تاج العروس" للزبيدي ٣/ ١٨٨.
(٧) رواه الطبري ١٧/ ٣٠، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٢.
٤٤ - ثم ذكر الله تعالى أن هؤلاء اغتروا بطول الإمهال إذ لم يُعَجَّلوا بالعقوبة، فقال: ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ﴾ يعني أهل مكة متعهم الله بما أنعم عليهم ﴿حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ فاغترّوا بذلك، فقال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾.
قال ابن عباس: يعني القرية تخرب حتى يكون [العمران] (٢) في ناحية منها. قاله في رواية عكرمة (٣).
والمعنى: ألا يرون أنا نخرب القرى بأن ننقص من أطرافها نخرب ما حولها، أفلا (٤) يخافون أن نفعل ذلك بقريتهم؟ نخربها بموتهم وهلاكهم (٥).
(٢) زيادة من الطبري يستقيم بها المعنى.
(٣) رواه الطبري (١٦/ ٤٩٤ - ٤٩٥ شاكر)، من طريق عكرمة، عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٦٦٧ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) في (ت): (فلا).
(٥) قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" ٣/ ١٨٠ عند هذه الآية: اختلف المفسرون في معناه، وأحسن ما فسر به قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٧] والمعنى: أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه وأهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإبحائه لعبادة المؤمنين.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٥٨٢: ما ذكره ابن كثير رحمه الله صواب، =
يخوفهم بالهلاك بعد طول الإمهال.
وقال الكلبي: نفتح من أطرافها لمحمد (٢). وهو قول السدي (٣).
وقد أحكمنا هذا القول في آخر سورة الرعد (٤).
ثم وبخهم فقال: ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أي: أفتغلبون محمدًا (٥)؟
وقيل: أفهم الغالبون أم نحن؟ (٦) بعد أن فتحنا على محمد ما حول مكة.
وهذا معنى قول ابن عباس: يريد بل لي الظفر، والغلبة (٧) لأنبيائي،
(١) قول مجاهد رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠١، وعبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٣٣٩، والطبري ١٦/ ٤٩٦ تحقيق شاكر، وقول عكرمة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٣٣٩، والطبري ١٦/ ٤٩٦ تحقيق شاكر.
(٢) ذكره عنه الرازي في "تفسيره" ٢٢/ ١٧٥.
(٣) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٦٦٦ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) سورة الرعد: ٤١.
(٥) الطبري ١٧/ ٣٢ مع تصرف يسير.
(٦) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٠ أ.
(٧) هنا يبدأ الخرم في نسخة (ت).
٤٥ - قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ الآية. ذكرنا (١) أن الإنذار يتعدى إلى مفعولين بغير حرف جر كقوله: ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾ [فصلت: ١٣] وقوله: ﴿أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا﴾ [النبأ: ٤٠]، وفي تعديته بالباء -هاهنا-، قال أبو علي: يجوز أن يكون لمّا دل على التخويف أجرى مجراه، تقول: أنذرته بكذا كما تقول: خوفته بكذا (٢).
وكذا جاء في التفسير: أخوفكم بالقرآن (٣). والمعنى: أنذرتكم بالوحي الذي يوحيه الله إلى لا (٤) من قبل نفسي. وذلك أن الله أمر بإنذارهم، كقوله: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ [الأنعام: ٥١] ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٧٠]، ونحو هذا من أمره بالإنذار. هذا مذهب المفسرين ومعنى قولهم.
وقال أبو علي: ويجوز أن يكون الوحي: الموحى، فسمى بالمصدر مثل الخلق والصيد، والموحى (٥) هو العذاب، فيكون كقوله: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ [النبأ: ٤٠] (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ تمثيل
(٢) "الحجَّة" لأبي علي الفارسي ١/ ٢٥٣.
(٣) قال الطبري ١٧/ ٣٢: أخوفكم به بأسي. وذكره البغوي ٥/ ٣٢١ وابن الجوزي ٥/ ٣٥٤ والقرطبي ١١/ ٢٩٢ من غير نسبة لأحد من المفسرين.
(٤) (لا): ساقطة من (أ).
(٥) في "الحجة" ١/ ٢٥٤: والوحي.
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ١/ ٢٥٤.
قال أبو إسحاق: الصم هاهنا: المعرضون عما يتلى عليهم من ذكر الله، فهم بمنزلة من لا يسمع (١).
وقال أبو علي: هذا على وجه الذم لهم والتقريع بتركهم سمع ما يجب عليهم استماعه والانتهاء إليه، وقد تقول لمن تُقرّعه بتركه ما تدعوه إليه: ناديتك فلم تسمع. وقرأ ابن عامر: (ولا تُسْمِعُ الصُّمَ) (٢) حمله على ما قبله، والفعل مسندٌ إلى المخاطب فكذلك قوله: (ولا تسمع) مسند إليه، والمعنى: أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم يعملوا (٣) بما سمعوه، ولم ينقادوا له كما لا يسمع الصم (٤) (٥).
قال أبو علي: ولو كان كما قال [ابن عامر] (٦) لكان: إذا تنذرهم، فأما ﴿إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ فحسن أن يتبع ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ﴾ كقراءة العامة (٧).
(٢) بالتاء مضمومة وكسر الميم، و"الصم" نصبًا. وقرأ الباقون: "ولا يسمع" بفتح الياء والميم، "الصم" رفعًا.
"السبعة" ص ٤٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٣، "التيسير" ص ١٥٥.
(٣) في (أ): (يعلموا)، وهو خطأ.
(٤) في "الحجة": الأصم.
(٥) "الحجة" لأبي على الفارسي ٥/ ٢٥٥ مع تقديم وتأخير.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) "الحجة" ٥/ ٢٥٥. وليس فيه كقراءة العامة. وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٦٧ - ٤٦٨، "الكشف" لمكي ٢/ ١١٠ - ١١١.
قال أبو إسحاق: أي: مسهم (٥) أدنى شيء من العذاب (٦).
وقال المبرد: النفحة: الدفعة (٧) من الشيء التي دون معظمه. يقال: نفحه نفحة بالسيف للضربة الخفيفة.
وهذا موافق لقول ابن عباس في "تفسيره" ﴿نَفْحَةٌ﴾ قال: طرف (٨).
ومعنى تناوله شزرًا: أي: تناوله بالسيف من بعيد ومال بطعنه يمينا أو شمالا فذهب به عن الوجه وأصاب طرفا منه. انظر: "الصحاح" ٢/ ٦٩٧ (شزر)، ١/ ٤١٢ (نفح)، "لسان العرب" ٤/ ٤٥٤ - ٤٠٥ "شزر".
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ١١ - ١١٢ (نفح) منسوبًا إلى الليث، إلا أن فيه (نفح الطيب) بدل (نفحت الرائحة) كما هنا. وهو في "العين" ٣/ ٢٤٩ (نفح) مع اختلاف يسير جدًّا.
(٣) في (د): (أوفورة)، وفي (ع): (أي: فورة)، والصواب ما أثبتنا، وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ١١٣ (نفح) منسوبًا إلى خالد بن جنبة من رواية شمر عنه.
وانظر: (نفح) في "الصحاح" ١/ ٤١٢ - ٤١٣، "لسان العرب" ٢/ ٦٢٢ - ٦٢٣.
(٥) في (د)، (ع): (مستهم).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٣.
(٧) في (د)، (ع): (الوقعة).
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أ، والبغوي ٥/ ٣٢١، وابن =
وقال ابن جريج: نصيب (٢). من قولهم: نفحه من ماله إذا أعطاه.
وقال غيره: أي الدفعة اليسيرة (٣).
ومعنى الآية: لئن أصابهم طرف من العذاب؛ لأيقنوا (٤) بالهلاك، ودعوا على أنفسهم بالويل، مع الإقرار بأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك وتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ القسط معناه في اللغة: العدل (٥). وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿أَلَّا تُقْسِطُوا﴾ [النساء: ٣].
قال الفراء: ﴿الْقِسْطَ﴾ من صفة الموازين وإن كان موحدًا، وهو كقوله (٦) للقوم: أنتم رضًا وعدل (٧).
وقال (٨) أبو إسحاق: وقِسْط مثل عدل مصدر يوصف به، تقول:
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٣٠ أ، والقرطبي ١١/ ٢٩٣.
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أ، والبغوي ٥/ ٣٢١، والقرطبي ١١/ ٢٩٣، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٦.
(٣) ذكره القرطبي ١١/ ٢٩٣ من غير نسبة لأحد. والأقوال المذكورة في تفسيره "نفحة" لا يعارض بعضها بعضًا فهي اختلاف تنوع لا تضاد.
(٤) في (د)، (ع): (لا يعر)، مهملة.
(٥) انظر: (قسط) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٣٨٨، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٥٢، "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٣٧٧.
(٦) عند الفراء ٢/ ٢٠٥: كقولك.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥.
(٨) في (أ): (قال).
واختلفوا في ﴿الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ فقال الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان (٢).
وروي أحاديث كثيرة في الميزان الذي يوزن به الأعمال (٣)، وذكرنا الكلام في الموازين عند قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٨].
وقال مجاهد: هذا مَثَلٌ وإنّما أراد بالميزان العدل (٤).
ونحو هذا روى عن قتادة والضحاك (٥).
قال أبو إسحاق: وهذا سائغ في باب اللغة، إلا أنّ الأولى أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح (٦).
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٣/ ٤١٨ وعزاه لابن المنذر واللالكائي.
(٣) ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التوحيد - باب "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" ١٣/ ٥٣٧ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". وما رواه الحاكم في "مستدركه" ٤/ ٥٨٦ من حديث سلمان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لو سعت.. " الحديث. وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٢/ ٦٥٦.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أبهذا اللفظ. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٨، والطبري ١٧/ ٣٣.
(٥) ذكره عن قتادة والضحاك الرازي ٢٢/ ١٧٦، والقرطبي ١٤/ ٢٩٣، وأبو حيان في البحر ٦/ ٣١٦.
وذكره عن الضحاك أيضًا: الزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٣١٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٣٩١ عند قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ الآية (٨) من سورة الأعراف. قال القشيري (كما في تفسير القرطبي =
﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ لا ينقص من إحسان محسن (٢)، ولا يزاد في إساءة مسيء.
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ قال الزَّجَّاج: وإن كان العمل مثقال حبة (٣).
وقال أبو علي: وإن كان الظلامة مثقال حبة. قال: وهذا حسن لتقدم
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥. وحكى أبو حيان هذا القول عن الكوفيين، قال: ووافقهم عليه ابن قتيبة من المتقدّمين، وابن مالك من أصحابنا المتأخرين. اهـ. وعلى هذا فاللام بمعنى "في" فيكون المعنى: ونضع الموازين القسط في يوم القيامة. وفي اللّام وجهان آخران:
أحدهما: قال الزمخشري: مثلها: جئتك لخمس ليال خلون من الشهر.
فعلى هذه القول تكون اللام للتوقيت بمعنى "عند"، فيكون معنى الآية: ونضع الموازين القسط عند يوم القيامة.
ثانيهما: أنها على بابها من التعليل، ولكن على حذف مضاف، أي: لأهل يوم القيامة، أو: لحساب يوم القيامة وبه قال الطبري وابن عطية وغير واحد. انظر: "الطبري" ١٧/ ٣٣، "المحرر" لابن عطية ١٠/ ١٥٨، "الكشاف" للزمخشري ٢/ ٥٧٤، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣١٦، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٦٤ - ١٦٥، "التحرير والتنوير" لابن عاشور ١٧/ ٨٤، "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ٥٨٥ - ٥٨٦.
(٢) في (ع): (مسيء)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.
وقرأ نافع: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ رفعًا (٣) على إسناد الفعل إلى المثقال (٤).
ومثقال الشيء ميزانه من مثله (٥)، والمعنى: وإن كان قدر مما يزن ﴿حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾.
﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ قال أبو إسحاق: أي: جئنا بها (٦). يعني أحضرناها للمجازاة بها.
﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ قال ابن عباس: أي عالمين حافظين (٧) (٨).
والكلام في الباء التي في (٩) ﴿بِنَا﴾ (١٠) ذكرناه مستقصى (١١).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦.
(٣) وقرأ الباقون: "مثقال" نصبًا. "السبعة" ص ٤٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٣، "التيسير" ص ١٥٥.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦. فمن رفع "مثقال" جعل "كان" تامّة لا تحتاج إلى خبر، وتكون بمعنى: حصل ووجد ووقع. ويكون "مثقال" فاعل لـ"كان" والمعنى: وإن حصل للعبد مثقال.. "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٠٧، "إعراب القراءات السبع" وعللها ٢/ ٦١ - ٦٢، "الكشف" لمكي ٢/ ١١١.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٨٠ (ثقل).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.
(٧) (حافظين): ساقطة من (د)، (ع).
(٨) ذكره البغوي ٥/ ٣٢٢. ومثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٢.
(٩) (في): ساقطة من (أ).
(١٠) في (د)، (ع): (البناء).
(١١) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦]
و ﴿حَاسِبِينَ﴾ (٣) منصوب على وجهين: على التمييز، وعلى الحال (٤).
وقال السدي في قوله: ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ - قال: محصين (٥).
والحَسْبُ في اللغة معناه: العد (٦). ومن قال: حافظين عالمين؛ فلأن من حسب شيئًا حفظه وعلمه.
٤٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ قال مجاهد وقادة: يعني التوراة التي تفرق بين الحلال والحرام (٧).
﴿وَضِيَاءً وَذِكْرًا﴾ من صفة التوراة. قال الفراء: والواو مقحمة كهي في قوله: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا﴾ [الصافات: ٦، ٧]
(٢) (المعنى): ساقط من (د)، (ع).
(٣) (حاسبين): في هامش (أ).
(٤) انظر: "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري ١/ ١٦٨.
(٥) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٤.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٣٢٩ (حسب).
(٧) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٥٠ عن مجاهد وقتادة لكن وقع عنده: فرق فيها بين الحق والباطل. وذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٥٤ عن مجاهد وقتادة بمثل رواية الواحدي هنا. وقد روى سفيان في "تفسيره" ص ٢٠١ عن مجاهد قال: فرق بين الحق والضلالة. وروى الطبري ١٧/ ٣٤ عن مجاهد قال: الكتاب. وفي "تفسير مجاهد" ١/ ٤١١: الفرقان هذا الكتاب. وروى الطبري ١٧/ ٣٤ عن قتادة قال: التوراة حلالها وحرامها، وما فرق الله بين الحق والباطل.
والواو عند البصريين لا يجوز أن تزاد، ولكن هذا كله (٢) من نعوت التوراة: الفرقان (٣) والضياء والذكر، فعطف بعضها على بعض (٤).
قال الزَّجَّاج ﴿وَضِيَاءً﴾ -هاهنا- مثل قوله: ﴿فِيهِ هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٦] (٥).
وقال ابن زيد: معنى الفرقان هاهنا: البرهان الذين فرَّق به بين حقه (٦) وباطل فرعون وتلا قوله: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: ٤١] (٧).
(٢) في (د)، (ع): (كلمة)، وهو خطأ.
(٣) في (أن): (والفرقان)، وهو خطأ.
(٤) هذا مقتبس من كلام الزجاج، فإنّه قال في "معانيه" ٣/ ٣٩٤: وعند البصريين أن الواو لا تزاد ولا تأتي إلا بمعنى العطف. وانظر في هذه المسألة: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٥، "الإنصاف في مسائل الخلاف" للأنباري ٢/ ٤٥٦ - ٤٦٢، "مغني اللبيب" لابن هشام ٢/ ٤٧٣ - ٤٧٤.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٥.
(٦) عند الماوردي وابن الجوزي: بين حق موسى.
(٧) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٥٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٥٥. لكن ليس عندهما الاستشهاد بالآية. وقد رواه الطبري ١٧/ ٣٤ بنحوه ثم قال: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ وذلك لدخول الواو في الضياء، ولو كان الفرقان هو التوراة -كما قال من قال ذلك- لكان التنزيل: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء. ثم ذكر الطبري القول الأول الذي حكاه الواحدي عن مجاهد وقتادة، ثم قال: إن ذلك وإن كان الكلام يحتمله فإن الأغلب من معانيه ما قلنا، والواجب أن يوجه معاني كلام الله إلى الأغلب الأشهر من وجوهما المعروفة عند =
وعلى هذا قوله "وضياء" يعني التوراة أكبر (٢) استضاؤوا (٣) بها حتى اهتدوا في دينهم، وكأنّه قيل: آتيناهما البرهان والنصر والضياء يعني: الكتاب الذي فيه ضياء، وذكرا للمتقين كي يذكروه ويعملوا بما فيه ويتعظوا بمواعظه.
قال ابن كثير ٣/ ١٨١: وجامع القول في هذا أن الكتب السماوية مشتملة على التفرقة بين الحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد والحلال والحرام، وعلى ما يحصل نورًا في القلوب وهداية، وخوفا وإنابة وخشية...
وقال الألوسي ١٧/ ٥٧ والمراد بالفرقان: التوراة، وكذا الضياء والذكر، والعطف كما في قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
(١) ذكره الثعلي ٣/ ٣٠ ب عن ابن زيد، وذكره المارودي ٣/ ٤٥٠ وابن الجوزي ٥/ ٣٥٥ عن الكلبي، وذكره الرازي ٢٢/ ١٧٨ عن ابن عباس، ولم أجد من ذكره عن السدي.
(٢) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: التي.
(٣) في (أ): (استيضاؤا)، وهو خطأ.
٤٩ - وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ أي في الدنيا ولم يروه. والمعنى: يخشون ربهم غائبين عن الآخرة وأحكامها (٢).
﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ﴾ أي: من (٣) أهوالها وعذابها ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون.
٥٠ - قوله تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى هذا القرآن ذكر لمن تذكر به وعظة لمن اتعظ (٤).
﴿مُبَارَكٌ﴾ تقدم تفسيره في قوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢].
﴿أَفَأَنْتُمْ﴾ [يا أهل مكة] (٥) ﴿لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ إياه جاحدون مكذبون.
٥١ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ قال مجاهد: هداه (٦)
(٢) وقيل المعنى: يخافونه ولم يروه. قاله الجمهور. وقيل المعنى: يخافونه في غيبتهم وخلواتهم وحيث لا يراهم أحد. قاله الزجاج، ورجّحه ابن عطية، وقال عنه الرازي: وهذا هو الأقرب. انظر: "المحرر الوجيز" ١٠/ ٥٩، ابن الجوزي ٥/ ٣٥٦، الرازي ٢٢/ ١٧٩.
(٣) (من): ساقطة من (أ).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٥ إلى قوله ذكر.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٦) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠١، ٢٠٢، والطبري ١٧/ ١٦. وذكره السيوطيِ في "الدر المنثور" ٦/ ٦٣٥ بلفظ هديناه. وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل موسى وهارون (٤).
وقال (٥) مجاهد: أي: هديناه صغيرًا (٦).
وهذا قول المفسرين (٧)، وا ختيار الفراء (٨) والزَّجَّاج (٩)، قالوا: آتيناه هداه حَدَثًا.
وعلى هذا التقدير: من قبل بلوغه (١٠).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٦.
(٣) في (أ): (واعتبروا).
(٤) وهذا مروي عن ابن عباس، والضحاك. انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي ٥/ ٣٥٧، والرازي ٢٢/ ١٨٠. قال السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٦٧: وهذا أحسن ما قدر به المضاف إليه.
(٥) في (ع):) قال).
(٦) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠١، ٢٠٢ بلفظ: هداه صغيرا، ورواه الطبري ١٧/ ٣٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٥ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٠ ب.
(٨) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٦.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٥.
(١٠) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٥٦ من رواية أبي صالح عن ابن عباس، وحكاه الرازي ٢٢/ ١٨٠ عن مقاتل.
قال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٢٠: وأبعد من ذهب إلى أن القدير: من قبل بلوغه، أو من قبل نبوته،.. ، أو من قبل محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها محذوفات لا يدل على حذفها دليل، بخلاف: من قبل موسى وهارون، لعدم ذكرهما وقربه.
﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ أي: نعلم (٢) أنَّه موضع لإيتاء (٣) الرشد، وأنه يصلح للنبوة (٤).
(٢) (نعلم): ساقطة من (د)، (ع).
(٣) في (أ): (لإتنا)، وهو خطأ.
(٤) قال ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ١٦١: وهذا نحو قوله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].
والتمثال: اسم للشيء المصنوع مُشَبَّها بخلق من خلق الله. وجمعه: التماثيل. وأصله من مَثَّلْتُ الشيء بالشيء، إذا شَبَّهته به (٥). واسم ذلك المُمَثَّل تمثال (٦).
وقوله تعالى: ﴿الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ أي: على عبادتها مقيمون،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٥ إلى هنا. وأما قوله "الذي... " فليس من كلام الزجاج، بل هو تتمة الواحدي. وجوز أبو البقاء العكبري في "الإملاء" ٢/ ١٣٤ وتبعه السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٨/ ١٦٧ أن يكون (إذ) منصوبًا بـ (رشده) أو (عالمين) أو ينتصب بإضمار أعني أو باضمار اذكر، أي: اذكر وقت. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٣، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٤٨٠.
(٣) ساقط من (ع).
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٠ ب وعلى هذا فاللام في قوله (لها عاكفون) بمعنى (على) أي: عاكفون عليها، كقوله تعالى: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ [طه: ٩١]. وقيل: اللام للعله، أي: عاكفون لأجلها. وقيل: اللام أفادت الاختصاص. وقيل: ضُمِّن (عاكفون) معنى عابدين، فلذلك أتى باللام. واستظهر أبو حيان أن تكون اللام للتعليل. وقال السمين الحلبي: والأولى أن تكون اللام لتعليل، وصلة (عاكفون) محذوفة، أي: عاكفون لأجلها لا لشيء آخر. "الكشاف" للزمخشري ٢/ ٥٧٥، "إملاء ما من به الرحمن" للعكبري ٢/ ١٣٤، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٢٠، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٦٨.
(٥) عند الأزهري ١٥/ ٩٨، إذا قدرته به.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٩٨ (مثل). وانظر: (مثل) في: "الصحاح" ٥/ ١٨١٦ "لسان العرب" ١١/ ٦١٣ - ٦١٤.
٥٣ - ٥٥ - قوله: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا﴾ إلى قوله: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ يعنون: أجاد أنت فيما تقول محق (٢)، أم أنت لاعب مازح؟ وهذا جهل منهم إذ تخيلوا المحق لاعبًا هازلاً، فأجابهم إبراهيم بما يزيل تخيلهم ويدلهم على أن المستحق للعبادة هو الله لا الصنم.
٥٦ - وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ أي: على أنه ربكم ورب السموات والأرض.
٥٧ - قوله تعالى: ﴿وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ معنى الكيد: ضر الشيء بتدبير عليه (٣) ﴿بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ تنطلقوا ذاهبين.
قال المفسرون: كان لهم في كل سنة مجمع وعيد، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا (٤) أعجبك ديننا (٥).
فقال إبراهيم -سِرًّا من قومه (٦) -: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ﴾ الآية.
(٢) في (د)، (ع): (بحق).
(٣) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٢٧ (كيد). الكيد: التدبير بحق أو باطل. وانظر (كيد) في: "الصحاح" ٢/ ٥٣٣، "لسان العرب" ٣/ ٣٨٣ - ٣٨٤.
(٤) في (ع): (دينا)، وهو خطأ.
(٥) الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ ب بنصه عن السدي. والله أعلم بصحة ذلك.
(٦) في (ع): (قوطه).
وقال الآخرون: لما خرج الناس إلى عيدهم وبقي ضَعْفَى الناس قال إبراهيم: ﴿وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ﴾ الآية فسمعوها منه (٢).
٥٨ - قوله تعالى: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ الجَذُّ: القطع والكسر للشيء الصلب. والجُذَاذُ: قطع ما كُسر. الواحدة (٣): جُذاذة (٤). وهو مثل الحُطام والرُّفات والدُّقاق (٥).
قال أبو إسحاق: وأبنية كل (٦) ما كسر وقطع على فُعال (٧).
(٢) هذا كلام السدي، ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣٠٣ ب. ورواه الطبري ١٧/ ٣٨. ورواه ابن أبي حاتم (كما في "الدر المنثور" ٥/ ٣٦/ أ، عن ابن مسعود نحو هذا القول والله أعلم بصحة ذلك.
(٣) في (أ): (الواحد)، وهو كذلك في "الوسيط" ٣/ ٢٤٢. وما أثبتناه في (د)، (ع) هو الموافق لما في "تهذيب اللغة" للأزهري١٠/ ٤٧٠.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٤٦٩ - ٤٧ (جذذ) منسوبًا إلى الليث. ومن قوله (والجذاذ: قطع.. جذاذة) في "العين" ٦/ ١١ (جذ). وانظر (جذاذ) في: "الصحاح" ٢/ ٥٦١، "لسان العرب" ٣/ ٤٧٩.
(٥) الرفات: هو ما بلي فتفتت: "تاج العروس" للزبيدي ٤/ ٥٢٦ (رفث). والدقاق: هو فُتات كل شيء. "القاموس المحيط" ٣/ ٢٣٢.
(٦) في (أ): (كلما).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦.
والجذيذ بمعنى: المجذوذ، وهو المكسور. ويقال للحنطة المطحونة طحنًا غليظًا: جذيذ.
قال المفسرون: لما انطلقوا إلى عيدهم رجع إبراهيم إلى بيت الأصنام، وجعل يكسرهن بفأس في يده، حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج فذلك قوله: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ (٤).
قال أبو إسحاق: أي كَسَّر الأصنام إلا أكبرها (٥). وهذا قول المفسرين (٦).
قال: وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إياه، لا في الخلقة (٧).
(٢) وقرأ الباقون بضمها. "السبعة" ص ٤٤، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٥.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٠٨، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٦٣ - ٦٤.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٠ ب، ٣١ أنقلاً عن السدي. وذكره الطبري ١٧/ ٣٨ عن السدي.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦.
(٦) انظر: "الطبري" ١٧/ ٣٨ - ٣٩، و"الدر المنثور" ٥/ ٦٣٦ - ٦٣٧.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦. قال الرازي ٢٢/ ١٨٣ بعد ذكر الأمرين: ويحتمل في الأمرين، يعني في التعظيم والخلقة.
٥٩، ٦٠ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا﴾ قال المفسرون: لما رجعوا من عيدهم ونظروا إلى آلهتهم وهم جذاذ قالوا هذا القول مستفهمين عمن صنع ذلك ومنكرين عليه بقولهم: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي فعل ما لم يكن له أن يفعل (٤).
ويجوز أن يكون (مَن) ابتداء وخبره قوله: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والمعني: قالوا فاعل (٥) هذا ظالم، فلا يكون في الكلام استفهام (٦).
والأول الوجه (٧)؛ لأن قول من قال: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ جواب الاستفهام.
(٢) في "الوسيط" ٣/ ٢٤٢: إلى.
(٣) وقيل الضمير للصنم الكبير، أي: يرجعون إليه فيسألونه فلا يجيبهم، فيظهر لهم أنه لا يقدر على شيء. انظر: "التسهيل" لابن جزي ٣/ ٥٩. واستظهر ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ١٦٢ أن الضمير لإبراهيم لدخول لعل في الكلام مما يضعف رجوع الضمير للصنم.
(٤) الطبري ١٧/ ٣٩، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أ. وانظر: "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٦ - ٦٣٧.
(٥) (فاعل): ساقط من (ع).
(٦) وتكون (من) موصولة بمعنى الذي.
(٧) واستظهره السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٧٤ فتكون (من) استفهامية =
﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ قال أبو إسحاق: يرتفع ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ على وجهين:
أحدهما: على معنى: يقال له هو إبراهيم (٢)، وعلى النداء على معنى: يقال له: يا إبراهيم (٣).
(١) في (أ): (بالغيب)، وهو خطأ.
(٢) و (إبراهيم) على هذا الوجه خبر مبتدأ مضمر. انظر: "الإملاء" ٢/ ١٣٤، "الدر المصون" ٨/ ١٧٦.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦. وفي رفع (إبراهيم) وجه ثالث ذكره الزمخشري وابن عطية.
قال الزمخشري ٢/ ٥٧٦ - ٥٧٧ بعد ذكر الوجهين اللذين ذكرهما الواحدي هنا: والصحيح أنه فاعل (يقال)؛ لأن المراد الاسم لا المسمى. وبين ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ١٦٤ ذلك بقوله -بعد أن ذكر الوجهين: والوَجْه عندي أنه مفعول ما لم يسم فاعله، على أن تجعل (إبراهيم) غير دال على الشخص، بل تجعل النطق دالاً علي بناء هذه اللفظة، وهذا كما تقول: (زيد وزن فَعْل) أو (زيدٌ ثلاثة أحرف) فلم تدل بوجه على الشخص بل دللت بنطقها على نفس اللفظة. فعلى قول الزمخشري وابن عطية يكون التقدير: يقال له هذا القول وهذا اللفظ، أو يطلق عليه هذا اللفظ، و (إبراهيم) نائب فاعل لـ (يقال).
وقد ذكر أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٢٤ قول ابن عطية والزمخشري، وتعقبه بأن هذا مختلف في إجازته بين النحويين، فمنهم من يجيز نصب القول للمفرد مما لا =
وهذا قول الحسن وقتادة والسدي، قالوا: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة (٢)
وقد ذكر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" ١٧/ ٩٩ - ١٠٠ مسلكا يحصل به التخلص من قول المانعين، وهو أن (يقال) مُضمن لمعنى: يُدْعى أو يسمى، فكأنَّ تقدير الآية: سمعنا فتى يذكرهم يُدْعى -أو يُسَمَّى- إبراهيم. قال ابن عاشور: ورفع (إبراهيم) على أنه نائب فاعل (يقال) لأن فعل القول إذا بُني للمجهول كثيرًا ما يُضمن معنى الدعوة أو التسمية، فلذلك حصلت الفائدة من تعديته إلى المفرد البحت، وإن كان شأن فعل القول أن لا يتعدى إلا إلى الجملة أو إلى مفرد أو يسمى إبراهيم، أي: ليس هو من الناس المعروفين. وفي رفع (إبراهيم) وجه آخر ذكره أبو البقاء العكبري في "الإملاء" ٢/ ١٣٤، والسمين في "الدر المصون" ٨/ ١٧٦: وهو أن (إبراهيم) مبتدأ محذوف الخبر، أي: يقال له: إبراهيم فاعلٌ ذلك.
(١) في (ع): (نمرود).
(٢) رواه عن قتادة: الطبري ١٧/ ٤٠ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦١٧ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. ورواه عن السدي: الطبري ١٧/ ٤٠. وذكره عن الحسن وقتادة والسدي كل من: الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٥١، والبغوي ٥/ ٣٢٤، والرازي ٢٢/ ١٨٤ وزاد نسبته لعطاء وابن عباس. قال الألوسي ١٧/ ٦٤ عن هذا القول: والترجي -يعني قوله (لعلهم) - أوفق له.
٦٢ - فلما أتوا به ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ الآية، أسند فعله إلى كبير الأصنام الذي لم يكسره، واختلفوا في وجه هذا. فالذي عليه المفسرون: أن إبراهيم عليه السلام أراد إقامة الحجة عليهم، فقال: فعل هذا كبيرهم، غضب من أن تعبدوا (٣) معه هذه الصغار فكسرهن، ورووا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، كلها (٤) في الله: قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩]. وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾، وقوله لساره (هي أختي) " (٥).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٦، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٦. وقد ذكر الرازي ٢٢/ ١٨٤ عن مقاتل والكلبي أنه المراد مجموع الوجهين، فيشهدون عليه بفعله ويشهدون عقابه.
(٣) في (أ): (أن تُبد).
(٤) (كلها): ساقطة من (د)، (ع).
(٥) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٤٠٣ - ٤٠٤، والبخاري في صحيحه (كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ ٦/ ٣٨٨ فتح)، ومسلم في صحيحه (كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل ٤/ ١٨٤٠. وأبو داود في "سننه" كتاب الطلاق، باب: في الرجل يقول لامرأته: يا أختي ٦/ ٢٩٦، والترمذي في "جامعه" كتاب: التفسير، سورة الأنبياء ٩/ ٥ - ٦ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، مع اختلاف بينهم في بعض الألفاظ. وسبب قول إبراهيم لسارة: هي أختي ما رواه الأئمة المتقدم ذكرهم إلا الترمذي -واللفظ للإمام أحمد- وهو بقية الحديث: قال: (ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة. قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه =
وأما أهل المعاني فإنهم تأولوها على غير هذا الوجه. روي عن (٤) الكسائي (٥) أنه كان يقف عند قوله (بل فعله) ويقول. معناه: فعله من فعله، ثم يبتدئ ﴿كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ (٦).
وقال ابن قتيبة: جعل إبراهيم النطق شرطًا للفعل فقال: فعله كبيرهم هذا إنْ كانوا ينطقون (٧).
(١) (أ): (لتوبيخ).
(٢) ووقع في نسخة (د): (إنكم سارفون). وأثبتنا الآية.
(٣) هذا كلام الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٤١، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣١ أ. مع اختلاف في بعض الألفاظ. وصحح البغوي ٥/ ٣٢٥ هذا القول للحديث: (لم يكذب...).
(٤) (عن): ساقطة من (أ).
(٥) في (د)، (ع) (قال)، وهو خطأ.
(٦) ذكر هذا عن الكسائي الثعلبي ٣/ ٣١ أ، والبغوي ٥/ ٣٢٥، وابن الجوزي ٥/ ٣٦٠، وأبو حيان ٦/ ٣٢٥، والقرطبي ١١/ ٣٠٠. قال ابن حجر في "الفتح" ٦/ ٣٩٢ عن قول الكسائي هذا: ولا يخفى تكلفه.
(٧) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أبنصه عن ابن قتيبة وهو في "مشكل القرآن" ص ٢٦٨ مع تقديم وتأخير، وقال الألوسي في "روح المعاني" ١٧/ ٦٥ عن قول ابن قتيبة: وهو خلاف الظاهر.
وقال غيره: هذا الكلام خرج مخرج الخبر، وليس بمعنى الخبر، إنما هو إلزام يدل على ذلك الحال، كأنه قال: بل ما تنكرون أن يكون فعله كبيرهم هذا (٣). والإلزام قد يكون بلفظ الخبر، والمعنى فيه: من اعتقد عبادتها لزمه أن يثبت لها فعلا. أي: فعله كبيرهم فيما يلزمكم (٤).
والفراء اختار مذهب المفسرين، وقال: قد أيد الله أنبياءه بأكثر من هذا (٥). والذين أحالوا أن يكون هذا كذبًا تأولوه على ما ذكرنا من الوجوه، وقالوا في قوله لساره هي أختي كانت أخته في الدين، وفي قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ أي: مغتم بضلالتكم حتى كأني سقيم، وأما ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٧.
(٣) هذا: ليست في (ع).
(٤) ذكره هذا القول الحاكم في "التهذيب" ٦/ ١٥١ ب، والطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٢٩ - ٢٣٠، والماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٥٢. من غير نسبة لأحد. وذكره بمعناه الزمخشري ٢/ ٥٧٧ قال: ويجوز أن يكون حكاية لما يقول إلى تجويز مذهبهم كأن مثال لهم: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم، فإنَّ من حق من يُعبد ويُدعى إلها أن يعبد على هذا وأشد منه. وذكره القرطبي ١١/ ٣٠٠ من غير نسبة. وابن جزي ٣/ ٦٠ من غير نسبة. قال: كأنه يقول: إن كان إلها فهو قادر على أن يفعل أو إنه لم يقدر فليس بإله، ولم يقصد الإخبار المحض؛ لأنه كذب.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٧.
قال القرطبي في "تفسيره" ١١/ ٣٠٠ - بعد ذكره للخلاف: (كان قوله من المعارض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، أي: سلوهم إن يطقوا فإنهم يصدقون، وإن لم يكونوا ينطقون فليس هو الفاعل. وفي ضمن هذا الكلام اعتراف بأنه هو الفاعل. وهذا هو الصحيح؛ لأنه عدده على نفسه، فدل أنه خرج مخرج التعريض".
وقال ابن تيمية في "الفتاوى" ٢٨/ ٢٢٣: (ولكن تباح عند الحاجة الشرعية (المعاريض) وقد تُسمى كذب؛ لأن الكلام يعني به المتكلم معنى، وذلك المعنى يريد أن يفهمه المخاطب، فإذا لم يكن عل ما يعنيه فهو الكذب المحض، وإن كان على ما يعنيه ولكن ليس على ما يفهمه المخاطب فهذه المعاريض. وهي كذب باعتبار الأفهام، وإن لم تكن كذبًا باعتبار الغاية السائغة ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لم يكذب.. وهذه الثلاثة معاريض". وقال: ولهذا نفى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب باعتبار القصد والغاية كما ثبت عنه أنه قال: الحرب خدعة. وأنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها. ومن هذا الباب قول الصديق. هذا هادي يهديني -وفي عزوة بدر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن من ماء". =
وكل هذا تكلف واحتيال مع ورود الخبر بأن إبراهيم كذب ثلاث كذبات، ويؤيد هذا حديث الشفاعة المروى في الصحيح (٢): أن الناس إذا جاؤا إلى إبراهيم ليشفع لهم يعتذر بهذه الكذبات.
٦٤ - قوله تعالى: ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم فقال بعضهم لبعض ﴿إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي: هذا الرجل في مسألتكم إياه وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها (٣).
وقيل: أنتم الظالمون بعبادتكم الصغار مع هذا الكبير (٤).
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد: حيث يعُبد (٥) من لا يتكلم (٦).
(١) انظر القرطبي ٩/ ٢٣١.
(٢) رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الأنبياء ٦/ ٣٩٥.
(٣) "تفسير الطبري" ١٧/ ٤١، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أ.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أ. وقد ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٦٤ عن وهب بن منبه.
(٥) هكذا في (أ). وفي (د): (حبب يعبد). وفي (ع): (حدث يعبد)، وفي "الوسيط" ٣/ ٣٤٣: حيث عبدتم. ولعل صواب العبارة: حيث تعبدون.
(٦) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٦٤ وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٢٥ منسوبًا إلى ابن عباس =
٦٥ - قوله تعالى: ثم أدركتهم الشقاوة، فعادوا إلى كفرهم وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ قال الفراء: نُكسوا نكسًا، ونكس المريض نكسا (٢).
وقال الليث: النكس: قلبك شيئًا على رأسه تنكسه، ونُكس في مرضه نُكسا (٣).
وقال شمر: النكس في أشياء، ومعناه يرجع إلى قلب الشيء ورده (٤) وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره (٥).
قال المبرد: ومنه نُكس المريض إذا خرج عن مرضه ثم عاد إلى مثله.
(١) (قبول): ساقطة من (د)، (ع).
(٢) لم أجده في كتاب: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠ في هذا الموطن، ولا في مظانه من تفسيره.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٧٠ (نكس) منسوبًا إلى الليث.
ونُكْس: ضبطها الزبيدي في "تاج العروس" ١٦/ ٥٧٧ الضم والفتح (النكس والنكس) وهو في العين ٥/ ٣١٤ (نكس) مع اختلاف يسير.
(٤) في (د)، (ع): (رده)، وغير واضح في (أ).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٧١ (نكس).
قال الكلبي: يقول: رجعوا على أمرهم الأول الشرك بالله بعد المعرفة والصدق من قول إبراهيم (٢). وهذا معنى قول السدي: نكسوا (٣) في الكفر (٤).
ومعنى قول ابن عباس: نكسوا في الفتنة (٥).
والمعنى: ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم كما ينكس الذي يرد إلى أمره الأول بعدما خرج منه. وهذا معنى ما جاء في التفسير: أدركت القوم حيرة (٦). أي: أنهم حاروا في الأمر فلم يهتدوا، وعادوا إلى التمادي في كفرهم. وقال الفراء: رجعوا عن قولهم عندما عرفوا من حُجة إبراهيم (٧).
يعني: أنهم عرفوا حجة إبراهيم فأقروا على أنفسهم بالظلم، ثم رجعوا عن ذلك، وعادوا لكفرهم (٨) (٩). هذا الذي ذكرنا معنى أحد القولين
(٢) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٥٢ معناه من غير نسبة لأحد.
(٣) (نكسوا): ساقطة من (د)، (ع).
(٤) روى الطبري ١٧/ ٤٢ عن السدي قال: في الفتنة.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٤٢ عن السدي كما تقدم. ولم أجد من ذكره عن ابن عباس.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ٤٢ عن قتادة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٧ عن -قتادة وتصحف (حيرة) إلى (غيره) - وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٧.
(٨) في (د)، (ع): (إلى كفرهم).
(٩) تعقب الطبري ١٧/ ٤٢ هذا القول بعد ذكره عن بعض أهل الحربية -يعني الفراء- فقال: (وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه، فقول بعيد عن المفهوم، لأنهم لو كان رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ما احتجوا عليه بما هو حجة =
القول الثاني في ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾: أنهم طأطؤا رؤوسهم خجلة من إبراهيم حيث ظهرت (١) حجته. وحكى (٢) الكلبي أيضًا هذا القول (٣). واختاره بعض أهل المعاني فقال: نكسوا رؤوسهم خَجْلة. ويقال لمن أطرق: نكس بصره ونكس رأسه. ومنه قول الفرزدق:
وإذا الرجال رأوا يَزيدَ رأيتهم | خُضْعَ الرقاب نَوَاكِس الأْبصَار (٤) |
(١) في (ع): (أظهرت)، وهو خطأ.
(٢) في (أ): (حكى).
(٣) ذكره الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٥٧٧، والرازي ٢٢/ ١٨٦، والقرطبي ١١/ ٣٠١، وأبو حيان ٦/ ٣٢٥ من غير نسبة لأحد.
(٤) البيت في ديوانه ١/ ٣٠٤، "الكتاب" ٣/ ٦٣٣، "الكامل" للمبرد ٢/ ٥٧ - ٥٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٧٢ (نكس)، الخزانة للبغدادي ١/ ٢٠٤، ٢١١.
وهو من قصيدة يمدح بها آل المهلب. ويزيد المذكور في البيت هو ابن المهلب بن أبي صفرة، أحد شجعان العرب وكرمائهم، كان واليا على خراسان، ثم صار أمير العراقيين بعد موت الحجاج، كان جوادًا ممدحًا كثير الغزو والفتوح. توفي مقتولاً في صفر سنة ١٠٢ هـ.
"العبر" للذهبي ١/ ٩٣، "خزانة الأدب" للبغدادي ١/ ٢١٧.
وقوله (خضع): (قال البغدادي ١/ ٢١١: (خضع) بضمتين: جمع خضوع، مبالغة خاضع عن الخضوع وهو التطامن والتواضع،.. ويحتمل أن يكون (خُضع) -بضمة فسكون-: جمع أخضع، وهو الذي في خلقه تطامن، وهذا أبلغ من الأول، أي: ترى أعناقهم إذا رأوه كأنها خلقت متطامنة من شدة تذللهم. أهـ.
والقول هو الأول. ولو فعلوا هم ذلك خجلًا لقيل: ثم نكسوا رؤوسهم، فلما قيل: نكسوا على رؤوسهم، على الفعل الذي لم يسم فاعله، ظهر أن المعنى: رُدوا على ما كانوا عليه من أول الأمر.
وفيه إثبات للقضاء والقدر، وهو أن الله فعل ذلك بهم للشقاوة التي أدركتهم.
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ فيه إضمار القول، أي: فقالوا لإبراهيم ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ (١).
قال ابن عباس: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تتكلم (٢).
قال الزجاج: اعترفوا بعجز ما يعبدونه عن النطق (٣).
وقال الفراء: العلم بمنزلة اليمين، ولذلك لقي بما يلقى به اليمين، كقوله (٤): والله ما أنت بأخينا. قال: ولو أدخلوا (٥) (أن) قبل (ما) فقيل: لقد علمت أن ما فيك خير، [كان صوابًا] (٦) (٧).
(٢) تقدم نحو هذا عن ابن عباس في قوله: (فاسألوهم إن كانوا ينطقون).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٧.
(٤) عند الفراء: كقول القائل.
(٥) عند الفراء: ولو أدخلت العرب.
(٦) ساقط من (د)، (ع).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٧ مع تصرف.
٦٦ - فلما اتجهت الحجة عليهم بإقرارهم وبَّخهم إبراهيم فقال: ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا﴾. قال السدي: يقول لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئاً ﴿وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾ قال: يقول إذا لم تعبدوها لم يضركم. وهذا معنى قول الكلبي: لا ينفعكم إن عبدتموه ولا يضركم إن تركتموه (١).
وفي هذا حث على عبادة من يملك النفع بالثواب إذا عبد، والضر بالعقاب إذا لم يعبد، وهو الله تعالى.
٦٧ - ثم حقَّرهم وحقَّر معبودهم (٢)، فقال: ﴿أُفٍّ لَكُمْ﴾ أي (٣) نتنًا لكم (٤) ﴿وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾. وذكرنا الكلام في (أف) في سورة سبحان (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد العقل بعينه (٦).
(٢) في (د)، (ع): (معبوديهم).
(٣) (أي): زيادة من (د)، (ع).
(٤) هذا تفسير الزجاج في "معانيه" ٣/ ٣٩٨.
قال الطبري ١٧/ ٤٢: (أف لكم) أي: قبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله. وقال الزمخشري ٢/ ٥٧٧: (أف) صوت إذ صوت له عُلم أن صحابه متضجر. أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم.
(٥) انظر: "البسيط" [الإسراء: ٢٣].
(٦) ذكر هذا المعنى أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٢٦ ولم ينسبه لأحد، حيث قال: ثم نبههم على ما به يدرك حقائق الأشياء، وهو العقل فقال (أفلا تعقلون).
٦٨ - فقالوا: ﴿حَرِّقُوهُ﴾ قال الكلبي: قال ملكهم نمروذ: حرقوه بالنار (٢) ﴿وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾.
وقال مجاهد: تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر، فقال (٣): هل تدري يا مجاهد (٤) من أشار بتحريق إبراهيم بالنار؟ قال: قلت: لا. قال: رجل من [أعراب فارس] (٥) قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن وهل للفرس من أعراب؟ قال نعم، الكرد، هم أعراب (٦) فارس، فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار (٧) (٨).
(٢) حكى هذا القول من غير نسبة لأحد: البغوي ٥/ ٣٢٦، والزمخشري ٢/ ٥٧٨ والرازي ٢٢/ ١٨٧، وقال عنه إنه المشهور، والقرطبي ١١/ ٣٠٣.
(٣) في (د)، (ع):) قال).
(٤) في (أ): (محمد)، وهو خطأ.
(٥) في جميع النسخ: من الأعراب. والتصحيح والزيادة من الطبري، ليستقيم بذلك المعنى.
(٦) في (د)، (ع): (أكراد)، وهو خطأ.
(٧) (بالنار): ساقطة من (ع).
(٨) رواه الطبري ١٧/ ٤٣ قال: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال: تلوت.. فذكره.
وإسناد هذا الأثر ضعيف جدًا، لعلل منها:
أولاً: ابن حميد: هو محمد بن حميد الرازي، ضعيف "التقريب" ٢/ ١٥٦.
ثانيًا: سلمة: وابن الفضل: صدوق، كثير الخطأ "تقريب" ٢/ ٣١٨.
ثالثًا: محمد بن إسحاق مدلس.
رابعًا: ليث بن أبي سليم: ضعيف.
﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ قال ابن إسحاق (٢): إن كنتم ناصريها، أي: لا تنصروها منه إلا بالتحريق بالنار (٣).
قال ابن عباس: ففعلوا ذلك، وألقوه في الجحيم، ثم نجاه الله منها، ووقاه حرها، وهو:
٦٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا﴾ قال السدي: وكان جبريل هو الذي ناداها (٤) (٥). فقال: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾ أي: ذات برد وسلامة.
قال ابن عباس: لو لم يتبع بردها (سلامًا) لمات إبراهيم من بردها (٦).
(٢) في (د)، (ع): (أبو إسحاق)، وهو تصحيف. والصواب ما في (أ)؛ لأن هذا كلام ابن إسحاق كما سيأتي تخريجه، وليس هذا النص موجودا في "معاني القرآن" للزجاج.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ٤٣ عن ابن إسحاق.
(٤) في (د)، (ع): (ناداه)، وهو خطأ.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٢ أ. ورواه الطبري ١٧/ ٤٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٩ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم. قال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٢٨: والظاهر أن القائل (قلنا يا نار) هو الله تعالى. وقال الرازي ٢٢/ ١٨٨، وهو قول الأكثرين أن القائل هو الله تعالى، وهو الأليق الأقرب بالظاهر.
(٦) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أ. ورواه الطبري ١٧/ ٤٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٤٠ وعزاه للفريابي وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. وهذه الرواية عن ابن عباس منقطعة؛ لأنها من رواية السدي عن ابن عباس، والسدي لم يلق ابن عباس. وسيأتي نحوه عن علي -رضي الله عنه-. وهي رواية ضعيفة كما سيأتي تقريره.
وقال علي -رضي الله عنه- في قوله: ﴿كُونِي بَرْدًا﴾ قال: بردت حتى كادت تقتل (٤)، فقال: (كوني سلامًا) لا تؤذيه (٥).
٧٠ - قوله تعالى: ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ يعني التحريق بالنار ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ أي: الأخسرين أعمالًا.
قال ابن عباس: وهو (٦) أن الله سلط البعوض على نمروذ وخيله حتى
(٢) زَرْبيَّة -بفتح الزاي وقيل: تكسر وتضم أيضًا، وسكون الراء: واحدة زرابي، والزربية: البساط، وقيل: كل ما بسط واتكىء عليه، وقيل: الطنفسَة. انظر: "لسان العرب" ١/ ٤٤٧) زرب)، "تاج العروس" للزبيدي ٣/ ١٢ (زرب).
(٣) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣١ أبتصرف، وهو مجموع من كلام السدي وكعب الأحبار ومحمد بن إسحاق بن يسار. وانظر: "الطبري" ١٧/ ٤٤ - ٤٥.
قال ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ١٦٩: وقد أكثر الناس في قصص حرق إبراهيم عليه السلام وذكروا مدة بقائه في النار وصورة بقائه فيها مما رأيت اختصاره هنا لقلة صحته، والصحيح من ذلك أنه ألقي في النار فجعلها الله تعالى عليه بردًا وسلامًا، فخرج منها سالمًا، فكانت أعظم آية.
(٤) عند الطبري: تقتله.
(٥) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٢، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٤٤ من طريق الأعمش، عن شيخ، عن علي بن أبي طالب. وفي سنده مجهول. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٤١ وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير.
(٦) في (د)، (ع): (هو).
والمعنى: أنهم كادوه بسوء فانقلب عليهم ذلك.
٧١ - قوله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ﴾ أي من نمروذ وكيده. ﴿وَلُوطًا﴾ وهو ابن أخ إبراهيم، وكان قد آمن به، وهاجر من أرض العراق إلى أرض الشام، فذلك قوله تعالى: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ أي: بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار، ومنها بعث أكثر الأنبياء (٣).
وقال أبي بن كعب: سماها مباركة لأنه ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس (٤).
(٢) ذكره القرطبي ١١/ ٣٠٥ منسوبًا إلى ابن عباس. وذكره البغوي ٥/ ٣٢٩، وابن عطية ١٠/ ١٧٠، وابن الجوزي ٥/ ٣٦٨ من غير نسبة لأحد. والأظهر في معنى (الأخسرين أعمالا) ما قاله ابن عطية والزمخشري وابن عاشور: قال ابن عطية ١٠/ ١٧٠: وكانوا في خسارة من كفرهم وغلبته لهم.
وقال الزمخشري ٢/ ٥٧٨: فأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين. غالبوه بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمكبت، وفزعوا إلى القوة والجبروت فَنَصَره وقواه. وقال ابن عاشور ١٧/ ١٠٧: أي: فخابوا خيبة عظيمة، وذلك أن خيبتهم جمع لهم بها سلامة إبراهيم من أثر عقابهم وأن صار ما أعدوه للعقاب آية وتأييدًا لإبراهيم عليه السلام.
ذكر الألوسي ١٧/ ٧٠ نحو قول الزمخشري، ثم ذكر قول ابن عباس من غير نسبة، ثم قال: والمعول عليه التفسير الأول.
(٣) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٢ ب.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٢ ب. وبنحوه رواه الطبري ١٧/ ٤٦ من طريق =
وروى العوفي عن ابن عباس ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ قال: هي مكة ونزول إسماعيل بها (٢). والمفسرون كلهم على أنها الشام (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِلَى الْأَرْضِ﴾ (إلى) من صلة (نجيناه) (٤) يعني (٥): نجيناه ولوطًا فخرجا إلى الأرض (٦).
٧٢ - قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ﴾ يعني حين سأل ولدًا فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فاستجاب الله دعاءه، ووهب له إسحاق ولدًا.
(١) انظر: (برك) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٣٠ - ٢٣١، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٧٥، "المفردات" للراغب الأصبهاني ص ٤٤.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٣٣ أمن رواية العوفي عن ابن عباس. ورواه الطبري ١٧/ ٤٧ من طريق العوفي عن ابن عباس.
(٣) اختاره الطبري ١٧/ ٤٧، وصوبه الثعلبي ٣/ ٣٣ أ.
(٤) نجيناه: ساقط من (أ).
(٥) في (د)، (ع): (أي.
(٦) يريد المؤلف أن قوله (ونجيناه) مُضمن لمعنى أخرجناه بالنجاة، فلما ضُمن معنى أخرج تعدى (ونجيناه) بحرف الجر (إلى). ذكر هذا الوجه أبو حيان ٦/ ٣٢٩، والسمين ٨/ ١٨٠.
وذكر أبو حيان احتمالا آخر وهو أن حرف الجر (إلى) يتعلق بمحذوف في موضح الحال من الضمير في (ونجيناه) أي: ونجيناه منتهيًا إلى الأرض. ولا تضمين في (ونجيناه) على هذا القول. وانظر: "الدر المصون" ٨/ ١٨٠ - ١٨١.
والنافلة: ولد الولد؛ لأن الأصل كان الولد [فصار ولد الولد] (٤) زيادة على الأصل (٥).
قال ابن عباس: نَفَّله يعقوب. يريد: زيادة، زاده يعقوب من إسحاق (٦).
وهذا قول أبي بن كعب، وقتادة، وابن زيد (٧)، قالوا: سأل واحدًا فأعطاه الله يعقوب زيادة على ما سأل.
فعلى هذا النافلة يعقوب خاصة ومعناها: الزيادة على الأصل.
وقال آخرون: معنى النافلة -هاهنا- العطية، وكل عطية تبرع بها معطيها فهي نافلة.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٣٥٥ (نفل) بنحوه. وانظر (نفل) في: "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٨٣٣، "لسان العرب" لابن منظور ١١/ ٦٧١ - ٦٧٢، "بصائر ذوي التمييز" للفيروزآبادي ٥/ ١٠٩.
(٣) في (د)، (ع): (وذكرنا).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٣٥٦ (نفل) بنصه.
(٦) ذكره الثعلي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ أعن ابن عباس. وقد رواه الطبري ١٧/ ٤٩ بمعناه عن ابن عباس من طريق العوفي.
(٧) ذكره عنهم الثعلبي ٣/ ٣٣ أ. ورواه الطبري ١٧/ ٤٨ عن قتادة وابن زيد.
وعلى هذا النافلة لا يختص بيعقوب. والأكثرون على القول الأول وهو اختيار الفراء والزَّجَّاج.
[قال الفراء: النافلة: يعقوب خاصة؛ لأنه ولد الولد (٢). ونحو هذا قال الزجاج] (٣) (٤).
وقال الأزهري في هذه الآية: وهبنا لإبراهيم إسحاق، وكان كالفرض له، ثم قال: ﴿وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ فالنافلة يعقوب خاصة؛ لأنه ولد الولد، أي: وهبناه له (٥) زيادة على الفرض له (٦).
وعلى هذا القول الحسن والضحاك (٧) والكلبي؛ لأنهم قالوا في قوله: ﴿نَافِلَةً﴾: فضلاً.
قال الكلبي: وهو ولد الولد (٨).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٧.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٨.
(٥) في جميع النسخ: (وهبنا له)، والتصحيح من "تهذيب اللغة" للأزهري.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٣٥٦ (نفل). وبقية كلامه: وذلك أن إسحاق وهب له بدعائه، وزيد يعقوب تفضلا.
(٧) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" (٣/ ٣٣ أ) عن الحسن والضحاك.
(٨) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤ عن الكلبي قال: دعى بإسحاق فاستجيب له =
واختار أبو جعفر النحاس (٣) القول الثاني وقال: الظاهر (٤) في العربية أن يكون الثاني معطوفًا على الأول، داخلًا فيما دخل فيه من غير إضمار فعل (٥).
قال ابن جزي الكلبي ٣/ ٦٢: واختار بعضهم الوقف على (إسحاق) لبيان المعنى، وهذا ضعيف لأنه معطوف على كل قول.
(١) في (ع): (الولد)، وهو خطأ.
(٢) في (أ): (وزيادة)، والصواب ما أثبتناه من (د)، (ع).
(٣) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس، المصري، النحوي، اللغوي، المفسير، الأديب. سمع الحديث، وأخذ عن أصحاب المبرد كالزجاج وغيره. وصنف تصانيف نافعة منها "معاني القرآن"، و"إعراب القرآن"، و"الناسخ والمنسوخ". و"القطع والآئتناف" وغيرها. توفي في ذي الحجة سنة ٣٣٨ هـ. "طبقات النحويين واللغويين" ص ٢٣٩، "معجم الأدباء" ٤/ ٢٢٤ - ٢٣٠، "إنباه الرواة" ١/ ١٣٦ - ١٣٩، "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٤٠١ - ٤٠٢، "البداية والنهاية" ١١/ ٢٢٢، "بغية الوعاء" ١٥٧، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ٦٨ - ٧٠.
(٤) في القطع والائتناف: البين.
(٥) "القطع والائتناف" للنحاس ص ٤٧٦. واختار هذا القول ابن عطية لأنه أبين. انظر: "المحرر" ١٠/ ١٧٣. وقال عنه الرازي ٢٢/ ١٩١ إنه أقرب، لأنه تعالى جمع بينهما، ثم ذكر قوله (نافلة) فإذا صلح أن يكون وصفًا لهما فهو أولى. وقال الطبري ١٧/ ٤٨: النافلة: الفضل من الشيء يصير إلى الرجل من أي: شيء كان كذلك، وكلا ولديه إسحاق ويعقوب كان فضلاً من الله تفضل به على إبراهيم، وهبة منه له. وجائز أن يكون عني به أنه آتاهما إياه جميعًا نافلة منه له، وأن يكون بمعنى أنه آتاه نافلة يعقوب، ولا برهان يدل على أي: ذلك المراد من الكلام، فلا شيء أولى -أن يقال في ذلك- مما قال الله: ووهب الله لإبراهيم إسحاق ويعقوب نافلة.
٧٣ - قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ سبق الكلام في الأئمة عند قوله: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢] والمعنى: جعلناهم رؤساء يقتدى بهم في الخير ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم بذلك (٢) (٣). قال ابن عباس: يدعون إلى عبادة الله (٤).
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾ قال ابن عباس: شرائع النبوة (٥).
﴿وَإِقَامَ الصَّلَاةِ﴾ قال الزجاج: إنما جاز حذف الهاء من إقامة؛ لأن الإضافة عوض منه، ولا يجوز -عند (٦) الإفراد (٧) - بغير هاء (٨).
وما قاله أبو حيان واستظهره الشنقيطي ليس بظاهر، بل ما ذكره الواحدي -وهو قول الطبري والثعلبي وجماعة المفسرين- هو الأظهر، لأنه كما قال ابن عاشور ١٧/ ١٠٩: الحديث الأخير فيهم، وأما لوط فإنه ذكر على طريق المعية، وسيخُص بالذكر بعد هذه الآية- انتهى.
(٢) (بذلك) ساقطة من (د)، (ع).
(٣) "تفسير الطبري" ١٧/ ٤٩.
(٤) نحوه في "تنوير المقباس" ص ٢٠٣.
(٥) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٣٦٩، وذكره البغوي ٥/ ٣٣١ من غير نسبة.
(٦) (عند) ليست في (د)، (ع). وكأنها في (أ): (عنده).
(٧) يعني عدم الإضافة.
(٨) عبارة الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٣٩٨ هي: (إقام) مفرد قليل في اللغة، =
٧٤ - قوله تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ﴾ انتصب (لوطًا) (٢) بفعل مُضْمر تقديره: وآتينا لوطًا آتيناه.
والنصب هاهنا أحسن من الرفع؛ لأن قبل (آتينا) فعل (٣) وهو قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ﴾ وليس كقوله: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ (٤) ويجوز أن يكون منصوبًا على: واذكر لوطًا.
وهذا كله قول الفراء والزجاج (٥).
وقوله تعالى: ﴿حُكْمًا﴾ قال ابن عباس: يريد النبوة (٦).
(١) ذكره بالقرطبي ١١/ ٣٠٥ من غير نسبة لأحد.
(٢) (لوطًا): ساقطة من (د)، (ع).
(٣) هكذا في جميع النسخ: (فعل)، وفي "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٨: فعلا.
(٤) النور: ١.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٨ - ٣٩٩. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٥، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٤٨٠، " الإملاء للعكبري" ٢/ ١٣٥.
(٦) ذكره الماوردي ٣/ ٤٥٥ منسوبًا إلى.. ، وذكره ابن الجوزي منسوبًا إلى ابن عباس، وذكره الزمخشري ٢/ ٥٧٩ من غير نسبة.
وقيل المراد بـ (حكماً): (حمة. وقيل: فصل القضاء بين الخصم. قال الشنقيطي ٤/ ٥٩٤ بعد ذكره للأقوال المتقدمة: أصل الحكم: المنع.
فمعنى الآيات: أن الله آتاه من النبوة والعلم ما يمنع أقواله وأفعاله من أن يعتريها الخلل.
وقيل: إنه أراد ذلك وسائر ما كانوا يأتونه من المنكرات (٤).
ثم ذمهم يقول: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾.
٧٥ - قوله تعالى: ﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا﴾ قال ابن عباس: يريد الجنة (٥). وقال غيره: أدخلناه في رحمتنا بإنجائنا إياه من القوم السوء وهلاكهم (٦).
﴿إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يعني من الأنبياء.
(٢) ذكره الماوردي ٣/ ٤٥٥، والقرطبي ١١/ ٣٠٩ من غير نسبة.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٤٩، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ أ.
(٥) نحوه في "تنوير المقباس" ص ٢٠٣. وذكره الزمخشري ٢/ ٥٧٩، والقرطبي ١١/ ٣٠٦ من غير نسبة، وذكر الرازي ٢٢/ ١٩٢ عن ابن عباس والضحاك أنهما قالا: الثواب. وهو بمعنى ما هنا.
(٦) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٤٩. قال الثشقيطي ٤/ ٥٩٥: (في رحمتنا) شامل لنجاته من عذابهم الذي أصابهم، وشامل لإدخاله إياه في رحمته التي هي الجنة، كما في الحديث الصحيح "تحاجت الجنة والنار" الحديث، وفيه: "فقال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي" أهـ. والحديث الذي أشار إلى الشنقيطي رواه البخاري كتاب: "التفسير" (تفسير سورة ق) ٨/ ٥٩٥ فتح ومسلم كتاب "الجنة وصفة نعيمها وأهلها" ٤/ ٢١٨٦.
﴿إِذْ نَادَى﴾ دعا ربه ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ من قبل إبراهيم ولوط لأنه كان قبلهما (٣)، دعا على قومه بالهلاك فقال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ﴾ [نوح: ٢٦] الآية.
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ يعني من كان معه في سفينته ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ قال ابن عباس: يريد الغرق وتكذيب قومه له (٤).
٧٧ - قوله تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ أن منعناه منهم أن يصلوا إليه
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٩ مع اختلاف يسير. وفي نصب (نوحًا) وجه آخر: وهو أنه معطوف على (لوطا) فهو مشترك معه في عامله الذي هو (آتينا) المفسر بـ (آتيناه) الظاهر، وكذلك (داود وسليمان)، والتقدير: ونوحا آتيناه حكما، وداود وسليمان آتيناهما حكما. "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٣٥، "الدر المصون" ٨/ ٨٤ - ١٨٥.
(٣) قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" ١٧/ ١١٣: وفائدة ذكر هذه القبلية التنبيه على أن نصر الله أنبياءه سنته المرادة له، تعريضًا بالتهديد للمشركين المعاندين ليتذكروا أنه لم تشذ عن نصر الله رسله شاذة ولا فاذة.
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣٣١، وابن الوزي ٥/ ٣٧٠، والرازي ٢٢/ ١٩٣ منسوبًا إلى ابن عباس. وقال الرازي عن هذا القول بعد ذكره لثلاثة أقوال في الكرب أولهما: أنه الغرف وثانيهما: أنه تكذيب قومه له، وثالثهما: أنه مجموع الأمرين وعزاه لابن عباس: وهو الأقرب؛ لأنه عليه السلام كان قد دعاهم إلى الله تعالى مدة طويلة، وكان ينال منهم كل مكروه، وكان الغم يتزايد بسبب ذلك، وعند إعلام الله تعالى إياه أنه يغرقهم وأمره باتخاذ الفلك كان أيضًا على غم وخوف من حيث أنه لم يعلم من الذي يتخلص من الغرق ومن الذي يغرق، فأزال الله عنه الكرب العظيم بأن خلصه من جميع ذلك وخلص جميع من آمن معه.
وعلى الوجه الثاني اقتصر ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٣/ ١٨٥.
قال المبرد: وكأن تقديره: ونصرناه من مكروه القوم (٣).
وقال أبو عبيدة (من) بمعنى على (٤). والأول الوجه.
وقوله تعالى: ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [قال الكلبي] (٥): يعني الصغير والكبير (٦)، فلم يبق منهم أحد (٧).
٧٨ - قوله تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾ أكثر المفسرين على أن الحرث كان كرمًا قد نبتت عناقيده (٨).
وهو قول ابن مسعود (٩)، ومسروق (١٠)،
(٢) وعلى هذا الوجه (نصرناه) ضمن معنى منعناه، وقدره بعضهم بعضمناه أو أنجيناه، ولما ضمن هذا المعنى عدي تعديته، فعدى بـ (من). انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٣٠، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٨٤، "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ٥٣٠. قال ابن عاشور ١٧/ ١١٣: وهو أبلغ من تعديته بـ (على) لأنه يدل على نصر قوي تحصل به المنعة والحماية فلا يناله العدو بشيء، وأما نصره عليه فلا يدل إلا على المدافعة والمعونة. أهـ.
(٣) ذكره الرازي ٢٢/ ١٩٤ عن المبرد.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ أ، ولم أقف عليه في مجال القرآن.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٦) (والكبير) ساقط من (د)، (ع).
(٧) ذكره القرطبي ١١/ ٣٠٦ من غير نسبة لأحد. وانظر: "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٨٥.
(٨) في (د)، (ع): (عنبًا قيده).
(٩) رواه الطبري ١٧/ ٥١، والحاكم ٢/ ٨٨٥، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١٠/ ١١٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٥٤٦، وعزاه لابن جرير وابن مردويه والحاكم والبيهقي في "سننه".
(١٠) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٥، وعبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٦، =
وقال قتادة: كان زرعا (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ أي: رعت ليلًا. في قول جميع المفسرين (٥).
قال ابن السكيت: النَّفْشُ: أن تنتشر (٦) الغنم بالليل ترعى بلا راعٍ.
وقد أنفشها صاحبها، إذا أرسلها بالليل ترعى بلا راعٍ. وهي غنم نُفَّاش (٧) وَنَفَاش ونَفَش (٨). وأنشد:
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٦.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٥١، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ أ.
(٣) ذكره عن ابن عباس: البغوي ٥/ ٣٣١ من غير نص على أنه من رواية عطاء.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٦، والطبري ١٧/ ٥٠. وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ أ.
قال الطبري ١٧/ ٥١: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قال الله تبارك وتعالى ﴿إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾ والحرث: إنما هو حرث الأرض. وجائز أن يكون ذلك كان زرعًا، وجائز أن يكون غرسًا، وغير ضائر الجهل بأي ذلك كان.
(٥) انظر: "الطبري" ١٧/ ٥١ - ٥٣، و"الدر المنثور" للسيوطي ٥/ ٦٤٦ - ٦٤٧.
(٦) في (أ): (إذ ينتشر)، وفي (ع): (أو ينشر)، والتصويب من "تهذيب اللغة" و"إصلاح المنطق".
(٧) كرُمَّان. كذا ضبطها الزبيدي في "تاج العروس" ١٧/ ٤٢٢ (نفش).
(٨) بالتحريك كذا ضبطها الجوهري في "الصحاح" ٣/ ١٠ (نفش)، والفيروزآبادي في "القاموس المحيط" ٢/ ٢٩٠ (نفش). وذكر الزبيدي في "تاج العروس" ١٧/ ٤٢٢ (نفش) وجهًا آخر وهو: نفَّش، كَسْكَّر.
وقال الليث. إبلٌ نَافِشَةٌ ونَوَافِشٌ، وهي التي تردد بالليل في المرعى (٢) بلا راعٍ (٣).
وكانت هذه القصة على ما ذكره المفسرون: أن رجلين (٤) دخلا على
أجرس لها يا ابن أبي كباش
والشطر المستشهد به ليس في إصلاح المنطق لابن السكيت (ص ٤١) وإنما فيه الشطر الأول: أجرس..
لكن ذكر الشطرين أبو البقاء العكبري في كتابه "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم" ٢/ ٧٨٣، ونسب الرجز لرجل من بني فقعس، قال: ويقال: هو لمسعود عبد بني الحارث بن حجر الفزاري.
والشطر في "التكملة" للصاغاني ٣/ ٣٣١ منسوبًا لمسعود عبد بني الحارث. وفي "تاج العروس" ١٧/ ٤٠٦ (نجش) منسوبًا لأبي محمد الفقعسي، أو مسعود. ومن غير نسبة في: "الصحاح" ٣/ ١٠٢٢ (نفش)، "اللسان" ٦/ ٣٦ (جرس)، ٦/ ٣٥١ (نفش)، ٦/ ٣٥٨ (نفش). وكلام ابن السكيت في "تهذيب اللغة" للأزهري (١١ - ٣٧٦ - ٣٧٧) (نفش) مع اختلاف في العبارة، وليس في التهذيب: ونفاش ونفش. وهو أيضًا في "إصلاح المنطق" لابن السكيت ص ٤١.
(٢) في (د)، (ع): (المراعي).
(٣) "العين" ٦/ ٢٦٨ (نفش): (وإبل نوافش): ترددت بالليل في المراعي بلا راعٍ. وفي "مقاييس اللغة" لابن فارس ٥/ ٤٦١ (نفش): (نفشت الإبل: ترددت وانشرت بلا راع، وفعلها نفش، وإبل نُفَّاش ونوافش.
(٤) ذكر ابن عاشور ١٧/ ١١٩: أن ما ورد في الروايات عن ذكر رجلين، فإنما يحمل على أن الذين حضرا للحصومة هما راعي الغنم وعامل الحرث، وإلا فإن الغنم كانت لجماعة من الناس كما يؤخذ ذلك من قوله تعالى (غنم القوم)، وكذلك كان الحرث شركة بين أناس كما يؤخذ ذلك مما أخرجه ابن جرير من كلام مرة ومجاهد وقتادة، وما ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم عن مسروق.. أهـ. بتصرف.
قال ابن عباس: يريد لم يغب عني من أمرهم شيئًا.
قال الفراء: جمع اثنين فقال (لحكمهم) وهو يريد داود وسليمان؛ لأن الاثنين جمع (٧)، وهو مثل قوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ (٨) [النساء: ١١] يريد: أخوين (٩).
وقال غيره: إنما جمع لذكر القوم الذين تحاكموا إليه، والحكم لا
(٢) في (أ): (انفتلت)، وفي (د): (انقلبت)، وفي (ع): (انقلب) مهملة. والتصويب من "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ أفالنص منقول عنه. وانفلتت: من الانفلات وهو التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث. "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ٦٦ (فلت).
(٣) في (د)، (ع): (فلم).
(٤) يعني داود عليه السلام.
(٥) الكرم: العنب. "الصحاح" للجوهري ٥/ ٢٠٢٠ (كرم).
(٦) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ أ- ب، و"تفسير الطبري" ١٧/ ٥١ - ٥٤.
(٧) عند الفراء: إذ جمع اثنين.
(٨) في جميع النسخ: (وإن)، وهو خطأ.
(٩) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٨ مع تصرف في العبارة. وفيه: أخوين فما زاد.
وقال (٢) الكلبي: قَوَّم داود الغنم والكرم، فكانت (٣) القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم.
وأمَّا في حكم سليمان فذكر أن القيمتين كانتا (٤) مستويتين: قيمة (٥) ما نالوا من الغنم، وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم (٦).
٧٩ - قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ أي: القضية (٧) والحكومة، فكنَّى عنهما؛ لأنه قد (٨) سبق ما يدل عليها من ذكر الحكم.
[وهذا الحكم] (٩) الذي حكما (١٠) به بعضه موافق لشرعنا، وبعضه مخالف. أما الموافق فهو الحكم بالضمان على صحابي الماشية إذا أفسدت بالليل حرثًا، وكذا هو في شرعنا وهو ما رواه الزهريّ، عن حرام بن سعد ابن محيصة (١١):
(٢) في (د)، (ع): (قال).
(٣) في (د)، (ع): (وكانت).
(٤) (كانتا) ساقطة من (د)، (ع).
(٥) (قيمة) ساقطة من (أ).
(٦) من قوله: فذكر أن القيمتين.. إلى هنا. هذا كلام الفراء بنصه في "معانيه" ٢/ ٢٠٨.
(٧) في (د)، (ع): (القصة).
(٨) (قد) ليست في (د)، (ع).
(٩) ساقط من (أ).
(١٠) في (أ): (حكمنا)، وهو خطأ.
(١١) هو حرام بن سعد بن مُحيصة بن مسعود بن كعب الأنصاري، أبو سعد ويقال: أبو سعيد. روى عن جده محيصة، والبراء وقيل لم يسمع من البراء. وروى عنه =
(١) في (أ): (البراء).
(٢) في (د)، (ع): (الحائط).
(٣) هذا الحديث -بهذا اللفظ- ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ ب من رواية الزهري، عن حرام بن محيصة. وهذا الحديث رواه جماعة من أصحاب الزهري، عنه، عن حرام بن محيصة، مرسلا:
ومن طريق الإمام مالك رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٥، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١، والبغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٣٢. ورواه ابن ماجة في "سننه" (أبواب الأحكام -الحكم فيما أفسدت المواشي بالليل ٢/ ٤٢ عن طريق الليث، عن الزهري، عن حرام، بنحوه مرسلاً. ورواه الطبري ١٧/ ٥٣ من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن حرام، بنحوه مرسلا. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٦، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤٢ من طريق سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وحرام بن محيصة، بنحوه مرسلاً. قال ابن عبد البر في "التمهيد" ١١/ ٨١ - ٨٢: هكذا رواه جميع رواة الموطأ -فيما علمت- مرسلا، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب مرسلا إلا أن ابن عيينة رواه عن الزهري عن سعيد ابن المسيب وحرام بن محيصة.
ثم قال: هذا الحديث -وإن كان مرسلاً- فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة به العمل، وقد زعم الشافعي أنه تتبع مراسيل سعيد بن المسيب فألفاها صحاحًا وأكثر الفقهاء -يحتجون بها. أهـ. لكن قد رواه بعض أصحاب الزهري، عنه. موصولاً: =
- ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٢٩٥، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق محمد بن مصعب وأبو داود في "سننه" كتاب: البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم ٩/ ٤٨٣، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق الفريابي، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق أيوب بن سويد، كلهم -يعني ابن مصعب والفريابي وابن سويد- عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بنحوه. وقد خالف هؤلاء الثلاثة أبو المغيرة -من أصحاب الأوزاعي- فرواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام، مرسلا. لم يذكر البراء.
لكن المقدم رواية الثلاثة؛ لأنهم جماعة وأبو المغيرة فرد. قاله الألباني.
-ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" ١٠/ ٨٢ عن معمر، عن الزهري، عن ابن محيصة، عن أبيه، أن ناقة للبراء. فذكر نحوه. وقد رواه من طريق عبد الرزاق - بزيادة أبيه- الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٦، ، أبو داود في "سننه" كتاب: البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم ٩/ ٤٨٣، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤٢ والواحدي في "تفسيره الوسيط" ٣/ ٢٤٦. قال البيهقي في "السنن" ٨/ ٣٤١ بعد ذكره لهذه الرواية: وقد خالفه -يعني عبد الرزاق- وهيب وأبو مسعود الزجاج عن معمر، فلم يقولا: عن أبيه. وقد ذهب الألباني إلى تصحيح رواية الأوزاعي وابن عيسى الموصولة، وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (مج ١/ ق ٣/ ص ٨١) -بعد ذكره لرواية عبد الرزاق وكلام أهل العلم فيها: لكن قد وصله الأوزاعي بذكر البراء فيه- في أرجح الروايتين عنه. وقد تابعه عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة، عن البراء.. وعبد الله بن عيسى وابن عبد الرحمن بن أبي ليلى -وهو ثقة محتج به في الصحيحين- فهي متابعة قوية للأوزاعي على وصله، فصح بذلك الحديث، ولا يضره إرسال من أرسله؛ لأن زيادة الشاقة مقبولة، فكيف إذا كانا ثقتين؟ وقد قال الحاكم عقب رواية الأوزاعي: صحح الإسناد، على خلاف فيه بين معمر والأوزاعي. ووافقه الذهبي. أهـ
وأما الذي يخالف شرعنا: هو (٣) أن الحكم في شرعنا ضمان ما أفسدت الماشية بالقيمة أو المثل، لا تسليم الماشية ولا تسليم منافعها (٤).
ويتعلق من يقول: إن كل مجتهد مصيب (٥) بهذه الآية، ويقول: إن الله تعالى أثنى على كل واحد منهما بقوله: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾.
ومن قال: المصيب واحد (٦) يقول -في هذه الآية: إن الله تعالى خص سليمان بتفهيم القضية (٧)؛ فدل أن الثاني على غير الصواب، ولو كان على
(٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ١٠/ ٨٢، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٩/ ٤٣٦، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٥٢، وابن حزم في "المحلى" ١١/ ٥.
(٣) في (أ): (وهو).
(٤) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١١/ ٣١٤.
(٥) وهو قول جمهور المتكلمين من الأشاعرة: كالأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الاسفراييني وابن فورك وغيرهم، ومن المعتزلة: كأبي الهذيل وأبي علي ؤأبي هاشم وأتباعهم. انظر: "الفصول في أحكام الأصول" للجصاص ٤/ ٣٠٧، "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى ٥/ ١٥٥٣، "المحصول" للرازي جـ ٢/ ق ٣/ ص ٤٧ - ٤٨، "نهاية السول" للأسنوي ٤/ ٥٦٠.
(٦) وهو قول كافة الفقهاء، وينسب إلى بعض الأئمة الأربعة. انظر: "الفصول" للجصاص ٤/ ٣٢٨، "التمهيد في أصول الفقه" للكلوذاني الحنبلي ٤/ ٣١٦ - ٣١٧، "المحصول" للرازي جـ ٢/ ق ٣/ ص ٤٩، "نهاية السول" للأسنوي ٤/ ٥٦٠.
(٧) في (د)، (ع): (القصة).
وقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ قال وهب: كان داود يمر بالجبال مسبحًا وهي تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير (٤).
وهذا كقوله: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] وقال سليمان بن حيان: كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت والطير (٥) حتى يشتاق (٦).
وهذا أشبه بالآية؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ﴾ وتسخيرها أن تطيعه إذا أمرها بالتسبيح (٧).
(٢) (كان) ليست في (د)، (ع).
(٣) (فذكر) ساقطة من (د)، (ع).
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ ب عن وهب بنصه. وقد روى أبو الشيخ في العظمة ٥/ ١٧٠٣ عن وهب قال: أمر الله الجبال والطير أن تسبح مع داود إذا سبح.
(٥) (والطير) في (د)، (ع) وليست في (أ).
(٦) رواه أبو الشيخ في "العظمة" ٥/ ١٧٠٦ من طريق الفريابي، عنه. لكن المطبوع من العظمة: سليم بن حيان، وهو تصحيف. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٠ عن سليمان بن حيان، ونسبه للفريابي.
(٧) الأشبه -والله أعلم- بالآية الأول، وهي أنها كانت تجاوبه الجبال الصم والطير البهم إذا سبح وأثنى على الله، وذلك لأمرين: =
وقوله تعالى: ﴿وَالطَّيْرَ﴾ قال أبو إسحاق: نصبه من وجهين: أحدهما: على معنى: وسخرنا الطير، والآخر: على معنى: يسبحن مع الطير (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد ما فعل بهم (٣).
يعني: من التفهيم، وإيتائنا الحكم، والتسخير.
الثاني: القرينة التي في الآية وهي (مع) حيث قال (وسخرنا مع) ولو كن كما قال الواحدي لكان: وسخرنا لداود الجبال، مثل ما قال في حق سليمان بعد ذلك (ولسليمان الريح). وانظر ما قاله ابن عاشور ١٧/ ١٢٠.
(١) في (أ): (وسخرت).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٠. ويكون نصبه على الوجه الأول على أنه معطوف على (الجبال) ونصبه على الوجه الآخر على أنه مفعول معه. انظر: "إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٦٣، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٣١، "الدر المصون" ٨/ ١٨٥.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٣. قال الشنقيطي ٤/ ٦٧٣: والظاهر أن قوله (وكنا فاعلين) مؤكد لقوله (وسخرنا مع داود الجبال يُسبحن والطير) والموجب لهذا التأكيد أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب وخارق للعادة مظنة لأن يكذب به الكفرة الجهلة. وقال الألوسي ١٧/ ٧٦: (وكنا فاعلين) تذييل لما قبله، أي: من شأننا أن نفعل أمثاله، فليس ذلك ببدع منا وإن كان ذلك بديعًا عندكم. وذهب الزجاج والزمخشري إلى أن (فاعلين) هنا بمعنى قادرين فقال الزجاج ٣/ ٤٠٠ أي: وكنا نقدر على ما نريده. وقال الزمخشري ٢/ ٥٨٠: أي: قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم. وتعقب الشنقيطي ٤/ ٧٦٣ هذا القول، وذكر أنه ظاهر السقوط، وعلل ذلك بقوله: لأن تأويل (وكنا فاعلين) بمعنى كنا قادرين بعيد، ولا دليل عليه.
الْبَسْ لكلِّ حالة لَبُوسَها
هذا أصله. وهو فعول بمعنى: مفعول، كالركوب والحلوب ثم جعلت (٤) اسمًا للدرع؛ لأنها تُلْبَس (٥).
قال قتادة: أول من صنع الدروع داود، وإنما كانت صفائح، فهو أول من سردها (٦) وحلَّقها (٧).
(٢) في (د)، (ع): (فهو كل).
(٣) هو بيهس الفزاري، وكان سابع سبعة إخوة، فأغار عليهم أناسٌ من بني أشجع، وهم في أبلهم، فقتلوا منهم ستة، وبقي منهم بيهس، وإنما تركوه لأنه كان يُحمق، فتركوه احتقارا له، ثم إنه مر يومًا بنسوة من قومه يصلحن امرأة منهن يردن أن يهدينها لبعض من قتل إخوته، فكشف عن دبره، وغطى رأسه، فقلن: ويحك، أي: شيء تصنع؟ فقال:
ألبس لكل حالة لبُوسها | إما نعيمها وإما بُوسها |
والبيت أيضًا في: "إصلاح المنطق" لابن السكيت ص ٣٣٣ من غير نسبة لأحد، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ٢/ ٣٩٣، "تاج العروس" للزبيدي ١٦/ ٤٦٦ (لبس).
(٤) في (د)، (ع): (جعل).
(٥) انظر (لبس) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤٤٣، "الصحاح" للجوهري ٣/ ٩٧٤، "لسان العرب" لابن منظور ٦/ ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٦) سردها بتخفيف الراء وتشديدها: نسجها بإدخال الحلق بعضها في بعض وثقبها. انظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٤٨٧، (سرد) "لسان العرب" لابن منظور ٣/ ٢١١ (سرد)، "تاج العروس" للزبيدي ٨/ ١٨٦ - ١٨٧ (سرد).
(٧) ذكره الثعلي في "الكشف والبيان" ٣٣/ ٣ ب، بهذا اللفظ. وقد رواه عبد =
وقوله تعالى: ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ أي: ليحرزكم (٣) وقال ابن عباس: ليمنعكم (٤). يعني اللبوس وقال الزجاج: ويجوز ليحصنكم الله (٥). [قال أبو علي] (٦): ويجوز (٧) أن يكون داود، ويجوز أن يكون التعليم يدل عليه علمناه (٨).
ومن قرأ بالنون (٩) (١٠) فلتقدم قوله: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ﴾، ومن قرأ (بالتاء) حمله على المعنى؛ لأن اللبوس الدرع (١١).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ أي من حربكم (١٢).
(١) في (أ): (الحلقة)، وهو خطأ.
(٢) قوله: فجمعت الخفة والتحصين. هذا كلام الزجاج في "معانيه" ٣/ ٤٠٠.
(٣) الطبري ١٧/ ٥٥، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ ب.
(٤) "تنوير المقباس" ص ٢٠٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٠.
(٦) ساقط من (ع).
(٧) في (د): (فيجوز).
(٨) في (د)، (ع): (ما علمناه)، وهو خطأ.
(٩) في (د)، (ع): (بالتنوين). وهو خطأ.
(١٠) قرأ أبو بكر عن عاصم: (لتحصنكم) بالنون، وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: (لتحصنكم) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. "السبعة" ص ٤٣٠، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٥.
(١١) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٨ مع تقديم وتأخير. وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٠٨ - ٤٠٩، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٦٩، "الكشف" لمكي ٢/ ١١٢.
(١٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ ب.
وقال ابن عباس: من السيف والسهم والرمح (٢). وعلى هذا التقدير: من آلة بأسكم. فحذف المضاف.
وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ يريد فهل أنتم يا معشر أهل (٣) مكة ﴿شَاكِرُونَ﴾ يعني بطاعة الرسول وتصديقه.
٨١ - قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ قال أبو إسحاق: الريح نسق على الجبال. المعنى: وسخرنا لسليمان الريح (٤).
وقوله تعالى: ﴿عَاصِفَةً﴾ أي شديدة الهبوب (٥). قال ابن عباس: إن أمر الريح أن تعصف عصفت وإذا أراد أن ترخي أرخت. وذلك قوله في سورة ص ﴿رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] والمعنى: أنها كانت تشتد (٦) إذا أراد، وتلين إذا أراد (٧).
(٢) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٦٠، والقرطبي ١١/ ٣٢٠ عن ابن عباس بلفظ: من سلاحكم. وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٣.
(٣) في (د)، (ع): (يا معشر قريش).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٠ مع اختلاف بعض الألفاظ. ويجوز أن ينصب (الريح) بفعل مقدر.
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٦٧، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٣٥ - ١٣٦، "الدر المصون" ٨/ ١٨٧.
(٥) الطبري ١٧/ ٥٥، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٤ ب.
(٦) تشتد: ساقطة من (ع).
(٧) هذا أحد الوجوه في التوفيق بين قوله تعالى في آية الأنبياء واصفًا الريح المسخرة لسليمان بأنها (عاصفة) وفي سورة ص (رخاء). وعلى ذلك فالريح تكون عاصفة تارة ورخاء تارة بحسب اختلاف مقصد سليمان منها. وهناك وجهان آخران في =
وينا هذا عند قوله: ﴿بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١].
قال الفراء: كانت تجري بسليمان إلى كل موضع، ثم تعود به من يومه إلى منزله، فذلك قوله: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ [قال (٢) ابن عباس: يريد بكل شيء فعلنا.
وقال أهل المعاني] (٣): وكنا بكل شيء علمناه عالمين بصحة التدبير
أحدهما: أن هذه الريح المسخرة لسليمان قد جمعت أمرين: فهي رخاءٌ في نفسها أي: رخية طيبة كالنسيم، وعاصفة في عملها كما قال تعالى: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢]، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد، فهي آية إلى آية، ومعجزة إلى معجزة. ذكره الزمخشري ٢/ ٥٨٠.
الثاني: قال بعضهم: إن العاصفة هي في القفول على عادة البشر والدواب في الإسراع إلى الوطن ولذلك قال ﴿عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ وهي الشام مسكن سليمان، والرخاء في البدأة ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص: ٣٦] أي: حيث يقصد؛ لأن ذلك وقت تأن وتدبير وتقلب رأي. ذكره ابن عطية ١٠/ ١٨٦. وانظر: "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٢.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٩. وهذا من أخبار بني إسرائيل، فالله أعلم بصحته. قال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٣٣: وقد أكثر الأخباريون في ملك سليمان، ولا ينبغي أن يعتمد إلا على ما قصه الله في كتابه وفي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أهـ يعني ما صح من حديثه -صلى الله عليه وسلم-.
(٢) إلى قوله (قال) ينتهي الخرم من نسخة شستربتي، ويبدأ الموجود من قوله: ابن عباس.
(٣) ما بين المعتقوفين ساقط من (د)، (ع).
٨٢ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ قال أبو إسحاق: يجوز أن يكون موضع (من) نصبًا نسقًا (٣) على الريح، ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء، ويكون (له) الخبر (٤).
والغوص: الدخول تحت الماء (٥). أي: يدخلون تحت الماء له وبأمره، فيستخرجون له الجواهر من البحر (٦).
﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي سوى الغوص من البناء وغيره من الأعمال (٧). قاله الكلبي (٨)، والفراء (٩)، والزجاج (١٠).
قال الكلبي: كان الرجل في زمان سليمان يأتيه، فيسأله أن يبعث معه شيطانًا فيعمل له، فيبعث معه شيطانًا.
(٢) ذكره البغوي ٥/ ٣٣٥ بنصه، ولم ينسبه لأحد.
(٣) عند الزجاج في معانيه: عطفًا.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠١. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٦، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٣٦، "الدر المصون" ٨/ ١٨٨.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٥٨ (غوص) نقلاً عن الليث. وانظر: "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٠٤٧ (غوص).
(٦) من قوله: أي.. إلى هنا: منقول عن الثعلبي ٣/ ٣٤ أ.
(٧) قال تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: ١٣].
(٨) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٦.
(١٠) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠١.
وشال الكلبي: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ من أن يهيجوا (٣) أحدًا في زمانه (٤).
وقيل: ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ حتى لا يخرجوا من أمره (٥).
٨٣ - قوله تعالى: هوَ ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ قال ابن عباس: دعا ربه (٦).
﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ وأصابني الجهد ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أكثرهم رحمه. وهذا تعريض منه بمسالة الرحمة إذ أثنى عليه بأنه (٧) الأرحم وسكت.
وقال أهل العلم: لم يكن هذا جزعًا من أيوب؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ ولكن هذا دعاء منه لله تعالى ألا ترى أن الله تعالى قال:
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٩.
(٣) غير واضحة في (أ)، (ت). ومعنى يهيجوا: يثيروا لمشقة أو ضرر. "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ٣٩٤ (هيج)، "تاج العروس" للزبيدي ٦/ ٢٨٦ - ٢٨٧ (هيج).
(٤) ذكره الرازي ٢٢/ ٢٠٢ عن الكلبي، وذكره الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٠٩ من غير نسبة لأحد.
(٥) هذا قول الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣٤٣ أ. وكل ما ذكر داخل في الحفظ، وقد قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [سبأ: ١٢] وقال ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [ص: ٣٨]. وبالجملة فالله حافظهم أن يزيغوا عن أمره، أو يبدلوا أو يغيروا، أو يوجد منهم فسادٌ في الجملة فيما هم مسخرون فيه. قاله الزمخشري ٢/ ٥٨١.
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٣٣٧، وابن الجوزي ٥/ ٣٧٤ من غير نسبة لأحد.
(٧) في (أ): (فإنه).
وروي عن ربيعة بن كلثوم (٢) أنه قال: دخلنا على الحسن (٣) وهو يشتكي ضرسه وهو يقول: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، اقتدى بأيوب عليه السلام في دعائه ليستجاب له كما استجيب لأيوب (٤).
على أن الجزع إنما هو الشكوى إلى الخلق، فأما من اشتكى إلى الله تعالي ما حل به فليس يسمى جازعًا؛ لأنه مثاب على ذلك إذا كان إلى الله، والجازع مذموم، وقول يعقوب عليه السلام ﴿أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: ٨٦] لا يحمل على الجزع.
وهذا معنى ما قال سفيان بن عيينة (٥) في هذه الآية: من شكا إلى الله لم يعد ذلك بشكوى ولا جزع، ألم تسمع قوله: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ قال وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعًا ألم تسمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجدني مغمومًا وأجدني
(٢) هو ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري، روى عن أبيه والحسن البصري وغيرهما. قال الذهبي: ثقة وقال ابن حجر: صدوق يهم. "الكاشف" للذهبي ١/ ٣٠٧، "تهذب التهذيب" ٣/ ٢٦٣، "تقريب التهذيب" ١/ ٢٤٨.
(٣) هو البصري.
(٤) لم أجده.
(٥) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٧٤.
وليس في مثل هذا شكوى من الله، ولا قلة رضا بقضائه، بل رغبة فيه.
٨٤ - قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ قال ابن عباس يريد الأوجاع (٣).
﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ قال: إن الله تعالى رد إليه أهله ومثلهم معهم (٤).
والمراد بالأهل: الأولاد (٥). قال الكلبي: كانت امرأته ولدت له سبع
(٢) رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الجوع ١٠/ ١٢٣ من طريق القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه. الحديث وفيه: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بل أنا وارأساه". ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٢٢٨، وابن ماجة في "سننه" الجنائز، باب: ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها ١/ ٢٧٠ من طريق آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه! قال: "بل أنا وارأساه" الحديث. قال البوصيري في "الزوائد" ١/ ٤٧٥: إسناد رجاله ثقات، ورواه البخاري من وجه آخر عن عائشة مختصرًا.
(٣) ذكر الرازي ٢٢/ ١٠ والقرطبي ١١/ ٣٢٦ القول بأن الله رد على أيوب أهله بأعيانهم ومثلهم معهم. ونسباه إلى جماعة منهم الكلبي. وروى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٧ عن الكلبي قال: آتاه الله أهله في الدنيا، ومثلهم معهم في الآخرة.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ٧٢ من طريق العوفي.
(٥) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٠ أ.
وهذا قول ابن مسعود، وقتادة، وكعب، [والحسن، قالوا (٢): أحيى الله له أولاده] (٣) وأوُتي مثلهم في الدنيا.
وقال عكرمة: إن الله خيره، فاختار إحياء أهله في الآخرة، ومثلهم (٤) في الدنيا، وأوتي على ما اختار، وذلك أنه قال: يكونون لي في الآخرة، وأوتى مثلهم (٥) في الدنيا (٦).
(٢) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٠ أعن ابن مسعود وقتادة وكعب، ثم ذكر عن الحسن نحوه. ورواه عن ابن مسعود الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٢، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٢٥٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٤، ٦٥٥ وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني.
وهو من رواية الضحاك عن ابن مسعود، والضحاك لم يلق ابن مسعود، فهي رواية منقطعة ولذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٦٧: وإسناد منقطع.
ورواه الطبري ١٧/ ٧٣ عن الحسن وقتادة وروى عبد الرزاق ٢/ ٢٧ عن الحسن قال: آتاه الله أهله في الدنيا ومثلهم معهم من نسلهم. وقد وردت رواية عن الحسن أخرجها ابن عساكر وابن المنذر (كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٤ - ٦٥٥) أنه قال: (وآتيناه أهله) في الدنيا (ومثلهم معهم) في الآخرة.
(٣) ما بين المعقوفين كشط في (أ).
(٤) في (د)، (ع): (وأوتي مثلهم)، والصواب ما في (ت).
(٥) في (ت): (مثلهم معهم)، والصواب ما في (د)، (ع).
(٦) رواه الطبري ١٧/ ٧٢ بنحوه، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٦ وعزاه لابن جرير.
وقوله تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ قال الفراء: فعلنا ذلك رحمة من عندنا (٣).
﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ قال ابن عباس: موعظة للمطيعين (٤).
قال محمد بن كعب: أيما مؤمن أصابه بلاءً فليذكر ما أصاب أيوب، وليقل إنه قد أصاب من هو خير مني أعظم من هذا (٥).
٨٥ - قوله تعالى: ﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾ قال ابن عباس -في رواية عطاء (٦): إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه: أني أريد قبض روحك، فأعرض ملكك علي بني إسرائيل، فمن يكفل لك أنه يصلي بالليل لا يفتر، ويصوم بالنهار لا يفطر، ويقضي بين الناس، ولا يغضب، فادفع ملكك إليه. ففعل ذلك، فقام شاب، فقال: أنا أتكفل لك بهذا. فتكفل ووفى به،
(٢) رواية ليث عن مجاهد رواها الطبري ١٧/ ٧٢ - ٧٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٩.
(٤) انظر البغوي ٥/ ٣٤٧، وابن الجوزي ٥/ ٣٧٩. قال القرطبي ١١/ ٣٢٧: أي: وتذكيرًا للعباد؛ لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب وصبره عليه ومحنته له -وهو أفضل أهل زمانه- وطنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا نحو ما فعل أيوب، فيكون هذا تنبيهًا لم على إدامة العبادة واحتمال الضرر. وقال ابن كثير ٣/ ١٩٠: أي: وجعلناه في ذلك قدوة لئلا يظن أهل البلاء إنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء وله الحكمة البالغة في ذلك.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٧٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٦ وعزاه لابن جرير.
(٦) (عطاء) ساقط من (أ)، (ت).
وهذا قول مجاهد، وقتادة.
وقال أبو موسى الأشعري: لم يكن نبيًّا، ولكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي (٣)، وكفل بصلاته؛ لذلك سمي ذا الكفل (٤).
(٢) ذكره الرازي ٢٢/ ٢١٠ - ٢١١ منسوبًا إلى ابن عباس في رواية، وذكره البغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٤٨ وابن الجوزي ٥/ ٣٨٠ ونسباه إلى عطاء. وقد روى ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ٣/ ١٩٠ - ١٩١ من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش عن ابن عباس: كان قاض في بني إسرائيل، فاحتضره الموت، فقال: من يقوم مقامي على أن لا يغضب، فذكر نحو القصة. قال ابن كثير ٣/ ١٩١: وهكذا روى عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وأبي حجيرة الأكبر وغيرهم من السلف والله أعلم. وفي "الدر المنثور" ٥/ ٦٦٣: وأخرج ابن سعيد النقاش في كتاب القضاة عن ابن عباس، فذكر نحو هذه القصة.
(٣) وقع في المطبوع من الطبري ١٧/ ٧٥: فوفى.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٧ عن معمر، عن قتادة قال: قال أبو موسى الأشعري، فذكره.
ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٥. ورواه الطبري ٧٥/ ١٧ من وجه آخر عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أبي موسى الأشعري، فذكره. وهذا رواية منقطعة؛ لأن قتادة لم يلق أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- وقد رواه موصولا ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩١ من طريق أبي الجماهر، أخبرنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة، عن كنانة بن الأخنس قال: سمعت أبا موس الأشعري فذكره بنحوه. وفي سندها سعيد بن بشير الأزدي ضعفه الإمام أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي وأبو داود وقال فيه ابن نمير: منكر الحديث، ليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يروي عن قتادة المنكرات. وقال الساجي: حدث عن قتادة بمناكير. وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ، فاحش الخطأ، يرويَ عن قتادة مالا يتابع =
وقوله تعالى: ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد على طاعة الله، وعن معاصي الله (٢).
٨٦ - قوله تعالى: ﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا﴾ قال: يريد ما أنعم به (٣) عليهم من النبوة، وما صيرهم إليه في الجنة من الثواب (٤).
وقال أهل المعاني: أدخلناهم في رحمتنا يقتضي أنه قد غمرتهم الرحمة، وليس كذلك رحمناهم (٥).
٨٧ - قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ أي: واذكر ذا النون. وهو يونس بن متى (٦) سماه الله تعالى ذا النون لما حبسه في بطن النون، وهو الحوت كما قال في موضع آخر: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨].
(١) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٦٤، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٧٩، والقرطبى ١١/ ٣٢٨. قال ابن كثير ٣/ ١٩٠: وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي.
(٢) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٨٠ ولم ينسبه لأحد.
(٣) (به) ليست في (د)، (ع).
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣٤٩ ولم ينسبه لأحد.
(٥) ذكره هذا المعنى: الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٤٢، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ٥٧ أ- ب) ولم ينسباه لأحد.
(٦) متى: بفتح الميم، وتشديد المثناه، مقصور. وهو اسم أبيه -على الصحيح- كما ورد ذلك في حديث ابن عباس، انظر: "فتح الباري" ٨/ ٤٥١.
وهو قول ابن عباس في رواية العوفي، قال: إن شعيا (٢) النبي والملك الذي كان في وقته وذلك القوم أرادوا أن يبعثوه إلى ملك كان قد غزا بني إسرائيل وسبى الكثير منهم ليكلمه حتى يرسل معه بني إسرائيل، فقال (٣) يونس لشعيا: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا. قال: فهل سماني لك؟ قال: لا، قال: فهاهنا غيري أنبياء. فألحوا عليه، فخرج مغاضبا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللملك ولقومه، فأتى بحر الروم فكان من قصته ما كان (٤).
وعلى هذا عوقب بتركه ما أمره به شعيا وقومه لأن الله تعالى قال فيه: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ والمليم: الذي أتى ما يلام عليه.
وقال آخرون: إنه ذهب مغاضبا لربه. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء (٥)، وابن مسعود، وسعيد بن جبير.
(٢) هو شعيا بن أمصيا، وقيل: ابن آموس. أحد أنبياء بني إسرائيل بعد داود وسليمان، وكان قبل زكريا ويحيى، وهو ممن بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام، قتله بنو إسرائيل لما وعظهم وذكرهم بالله. تاريخ الطبري ١/ ٥٣٢ - ٥٣٧، "الكامل" لابن الأثير ١/ ١٤٣ - ١٤٥، "البداية والنهاية" لابن كثير ٢/ ٣٢ - ٣٣، "دائرة المعارف الإسلامية" ١٣/ ٣١٦.
(٣) في (ت): (فقالوا)، وهو خطأ.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤١ أمن رواية العوفي عن ابن عباس. وقد رواه الطبري ١٧/ ٧٦ مختصرًا جدًا قال: غضب على قومه.
(٥) ذكره عن ابن عباس الرازي ٢٢/ ٢١٤، والقرطبي ١١/ ٣٢٩، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٣٥.
وروى مسروق عن عبد الله في قوله: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ قال: عبد أبق من ربه (١).
وقال سعيد بن جبير: ذهب مغاضبًا لربه (٢). ونحو هذا قال الحسن (٣).
وإلى هذه الطريقة مال ابن قتيبة، فإنه يقول في هذه الآية: يستوحش كثير (٤) من الناس من أن يُلحقوا بالأنبياء ذنوبًا، ويحملهم التنزيه لهم على مخالفة كتاب الله، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة، [روي في الحديث: أنه] (٥) ليس من نبي إلا (٦) وقد أخطأ وهمّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا (٧).
(٢) رواه عنه الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٤، والطبري ١٧/ ٧٧.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ٧٧.
(٤) كثير: ساقط من (أ)، (ت).
(٥) ما بين المعقوفين كشط في (أ).
(٦) إلا: ساقطة من (ت).
(٧) روى الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٢٥٤، وأبو يعلى في "مسنده" ٤/ ٤١٨ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم ليس يحيى بن زكريا". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٨/ ٢٠٩: وفيه علي بن زيد ضعفه الجمهور، وقد وثق، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١١٤ بعد ذكره للحديث عن ابن عباس: وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٤٨١، وهذا القول -يعين أن هذا من كلام امرأة العزيز- هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.. لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك. واستظهر هذا القول أيضًا أبو حيان في "البحر" ٥/ ٣١٧ هذا القول، ثم ذكر قول من قال إن هذا من كلام يوسف، وتعقبه بقوله: ومن ذهب إلى أن قوله (ليعلم) إلى آخره من كلام يوسف يحتاج إلى تكلف ربط بينه وبين ما قبله، ولا دليل يدل على أنه من قول يوسف.
(٢) ما بين المعقوفين كشط في (أ).
(٣) في (أ): (من غير ذنب).
(٤) بعد قوله: (والحبس) يبدأ السقط في نسخة (أ).
(٥) في (ت): (فعناه).
وقد روي في الحديث (٦): أنه كان ضيق الصدر، فلما حُمِّل أعباء
(٢) العبارة في "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٥: (فإن كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب مغاضبًا على قومه قبل أن يؤمنوا، فإنما راغم من استحق -في الله- أن يراغم، وهجر من وجب أن يهجر، واعتزل من علم أن قد حقت عليه كلمة العذاب.
(٣) في "المشكل" لابن قتيبة ص ٤٠٧: (فكأن).
(٤) في (د)، (ع): (خبرهم).
(٥) في (ت): (فأخذته)، وما أثبتناه هو الموافق لما في "مشكل ابن قتيبة" ص ٤٠٧.
(٦) روى الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٧ والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٥٨٤ - ٥٨٥ عن وهب بن منبه اليماني قال: إن يونس بن متى كان عبدًا صالحًا، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة -وهلا أحمال لا يحملها إلا قليل- تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل، فقذفها تحت يديه، وخرج هاربًا منها، يقول الله =
وأكثر أهل المعاني اختاروا قول ابن عباس في رواية العوفي.
قال الأخفش: إنه قد أذنب بتركه قومه، وإنما غاضب بعض الملوك، ولم يغاضب ربه، كان (٦) أعلم بالله من ذلك (٧).
وأما وجه قول (٨) ابن عباس في رواية عطاء، فإنه من الصغائر التي يُجوّزها كثير من الناس على ما ذكره ابن قتيبة، وليس قول من قال مغاضبًا لربه على ظاهره ومعناه: مغاضبًا لأمر ربه وهو رفعه العذاب عنهم وكان
(١) الرُّبع: هو الفَصيل يُنتج في الربيع، وهو أول النتاج. "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٢١٢ (ربع)، "لسان العرب" لابن منظور ٨/ ١٠٥ (ربع).
(٢) الآبق: هو الهارب من العبيد من غير خوف ولا كد عمل، أو استخفى ثم ذهب. "لسان العرب" ١٠/ ٣ (أبق)، "القاموس المحيط" ٣/ ٢٠٨.
(٣) موضع (الناد) بياض في (د)، (ع). والناد: الشارد. "القاموس المحيط" ١/ ٣٤١.
(٤) هكذا في جميع النسخ، وفي "المشكل" لابن قتيبة ص ٤٠٨: (يقول).
(٥) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٢ - ٤٠٨ بتصرف.
(٦) في (د)، (ع): (وكان).
(٧) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٥.
(٨) في (ت): (وجه قوله).
وأما قول ابن عباس وابن مسعود: عبد (١) آبق من ربه، أي: من أمر ربه حين أُمر أن يعود إليهم بعد رفع العذاب عنهم فلم يعد، وركب البحر.
ويدُل على صحة ما ذكرنا ما روي عن ابن عباس في قصته: أنه لمّا خرج من بطن الحوت أنبت الله له شجرة من يقطين (٢)، فكان (٣) يستظل بورقها حتى قوي بعض القوة، فمضى يومًا إلى شط البحر، ثم رجع إلى تلك الشجرة، فوجدها قد جفت، فبكى حزنًا عليها، فأوحى الله إليه: أتحزن على شجرة أنبتها لك، وقد أردت أن أهلك أكثر من مائة ألف من عبادي، إذهب إلى قومك (٤).
وهذا يدل على أنه اشتهى نزول عذاب الله بقومه، وكره دفعه عنهم، وأن ركوبه البحر كان معصية لله (٥) بترك أمره، إذ أمره أن يعود إليهم. فأما أن يقال إنه غاضب ربه، فهم عظيم، ولا يجوز القول بذلك في الأنبياء.
وروي وجه آخر من التأويل في قوله: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ وهو أن
(٢) يقطين: هو كل شجر لا يقوم على ساق، نحو الدباء والقرع والبطخ، "لسان العرب" لابن منظور ١٣/ ٣٤٥ (قطن).
(٣) في (د)، (ع): (وكان).
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٥٧٨ - ٥٧٩ من طريق عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بنحوه. وعبد الله بن مسلم وابن هرمز المكي ضعيف كما قال الحافظ بن حجر في "التقريب" ١/ ٣٢٣. لكن روى ابن أبي شيبة ١١/ ٥٤٢ عن ابن مسعود نحو هذا. قال ابن حجر في "الفتح" ٦/ ٤٥٢: وإسناده صحيح أهـ. ويظهر أنه من أخبار بني إسرائيل. والله أعلم.
(٥) في (ت): (الله)، وهو خطأ.
وهذا الوجه اختيار ابن قتيبة (٤).
وفي رواية أبي صالح: أن ملكًا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير (٥) إلى ننوى (٦) ليدعو أهلها، بأمر شعيا النبي فأنف أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله، فخرج مغاضبًا للملك، فعاقبه الله (٧) بالتقام الحوت، فلما قذفه الحوت بعثه الله (٨) إلى قومه، فدعاهم، وأقام بينهم حتى آمنوا (٩).
(٢) في "المشكل" ص ٤٠٦: (بسبب).
(٣) في (ت): (وذهب).
(٤) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٦. قال القرطبي في "تفسيره" ١١/ ٣٣١ بعد حكايته لهذا القول، وأنه من قولهم غضب إذا أنف: وهذا فيه نظر، فإنه يقال لصاحب هذا القول: إن تلك المغاضبة -وإن كانت من الأنفة- فالأنفة لابد أن يخالطها الغضب، وذلك الغضب -وإن دق- على من كان؟ وأنت تقول لهم يغضب على ربه ولا على قومه. أهـ
(٥) في (د)، (ع): (بالمصير).
(٦) نينوى: بكسر أوله وسكون ثنانية وفتح النون والواو، قرية بالموصل. انظر: "معجم البلدان" ٨/ ٣٦٨، "مراصد الاطلاع" ٣/ ١٤١٤.
(٧) لفظ الجلالة ليس في (ت) في الموضعين.
(٨) لفظ الجلالة ليس في (ت) في الموضعين.
(٩) ذكر رواية أبي صالح: ابن قتيبة في "مشكل القرآن" ص ٤٠٩ بهذا النص.
وقوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ فيه قولان:
أحدهما: ظن أن لن نقضي عليه العقوبة.
وهذا قول مجاهد، وقتادة، والضحاك، والكلبي، ورواية عطية عن ابن عباس (٣).
قال ابن عباس: أراد الظن بعينه.
يعني (٤): ليس الظن-هاهنا- بمعنى العلم، بل هو بمعنى الحسبان.
واختار الفراء والزجاج هذا القول.
(٢) في (د)، (ع): (المعصية).
(٣) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤١ ب عن مجاهد، وقتادة، والضحاك، والعوفي عن ابن عباس. وعن مجاهد رواه الطبري ١٧/ ٧٨ والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ٦٥٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٦٥ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. وعن قتادة والكلبي: رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٧، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٨. وقول الضحاك رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٦٥ - ٦٦٦ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم. ورواية عطية عن ابن عباس رواها الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٨، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٦٥٣ وذكرها السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٦٦ وعزاه لابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات.
(٤) (يعني) ساقطة من (ت).
وقال الزجاج: ونَقْدر بمعنى: نُقَدِّر (٢).
ويقال: قدَّر الله الشيء وقَدَرَهُ، أي: قضاه. والقَدْر يكون بمعنى التقدير، ويدل عليه قوله:
ومُفْرهَةٍ عَنْسٍ قَدَرْتُ لساقها | فَخَرَّت كما تتَّايَع (٣) الرّيحُ بالقَفْلِ (٤) |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٢ وفيه: ويقْدر بمعنى: يُقدِّر.
(٣) في (ت): (سايغ)، وفي (د)، (ع): (تتابع). والمثبت من "تهذيب اللغة"، و"اللسان" وغيرهما.
(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في "ديوان الهذليين" ١/ ٣٨ وروايته فيه: لرجلها في موضع (لساقها)، و (تتابع) في موضع تتابع، و"لسان العرب" ٨/ ٣٨ (تبع)، ١١/ ٥٦١ (قفل). والشطر الأخير في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ١٤٥ (تاع)، ٩/ ١٦٠ (قفل). قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ١٤٥: (يقال: اتايعتت الريح بورق الشجر إذا ذهبت به. وأصله: تتايعت به. وقال أبو ذؤيب يذكر عقره ناقته، وأنها كاست على رأسها فخرت) - ثم ذكر شطر البيت ثم قال: (والقفل: ما يبس من الشجر). وبين السكري في "شرح ديوان الهذليين" ١/ ٣٩ معنى هذا البيت على رواية -تتابع- فقال: قوله (ومفرهة): (يعني ناقة تأتي بأولاده فواره، و (عنس): (شديدة)، (قدرت لرجلها): (أي: هيأت وضربت رجلها فخرت لما عرقبتها، (كما تتابع الريح بالقفل): (القفل: النبات اليابس)، و (تتابع): (تتابع. يقول: خرت هذه الناقة حين ضربت رجلها كما تمر الريح باليبس فيتبع بعضه بعضًا. أهـ
(٥) بنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال. وذكر هذه القراءة عنهما: الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤١ ب، البغوي ٥/ ٣٥، الرازي ٢٢/ ٢١٥، القرطبي ١١/ ٣٣٢. وذكرها عن الزهري وحده: ابن الجوزي ٥/ ٣٨٢، أبو حيان ٦/ ٣٣٥، السمين الحلبي ٨/ ١٩١.
القول الثاني: فظن أن لن يضيق عليه الحبس.
وهذا معنى قول ابن عباس [في رواية عطاء ومنصور.
قال] (٥) في رواية عطاء: أن لن نعاقبه (٦).
وقال في رواية منصور: يعني (٧) البلاء الذي أصابه (٨). وهذا الوجه اختيار أبي الهيثم وابن قتيبة.
قال أبو الهيثم: المعنى: فظن أن لن يضيّق عليه، من قوله عز وجل {وَمَن
(٢) ذكر هذه القراءة عنهما الثعلبي ٣/ ٤١ ب، القرطبي ١١/ ٣٣٢، وذكرها عن عبيد ابن عمير وحده: الرازي ٢٢/ ٢١٥.
(٣) (قوله) زيادة من (د)، (ع).
(٤) قرأ ابن كثير: (نحن قدرنا) بتخفيف الدال، وقرأ الباقون: (قدرنا) بتشديدها. "السبعة" ص ٦٢٣، "التبصرة" ص ٣٤٤، "التيسير" ص ٢٠٧. وقرأ الكسائي: (والذي قدر) بتخفيف الدال، وقرأ الباقون: (قدر) بتشديدها. "السبعة" ص ٦٨٠، "التبصرة" ص ٣٧٧، "التيسير" ص ٢٢١.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
(٦) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤١ ب عن عطاء وكثير من العلماء.
(٧) (يعني) زيادة من (د)، (ع).
(٨) رواه الطبري ١٧/ ٧٩ من رواية منصور، عنه. وهي رواية منقطعة فإن منصور بن المعتمر لم يدرك ابن عباس، وفيها ضعف من جهة محمد الرازي شيخ الطبري، لأنه ضعيف. انظر: "تقريب التهذيب" ٢/ ١٥٦.
وقال ابن قتيبة: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي: لن نضيّق عليه، وأنا نخليه ونمهله، والعرب تقول: فلان مقدّر (٥) عليه في الرزق ومقتر عليه، بمعنى واحد، أي: مضيق عليه.
عاقب الله يونس عن حميته وأنفته (٦) وإباقته (٧) (٨) وكراهته العفو عن قومه وقبول إنابتهم بالحبس له والتضييق عليه في بطن الحوت (٩).
وروى عوف، عن الحسن، أنه (١٠) قال: معناه: فظن أنه يعجز ربه
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ت).
(٣) (قد) ليست في (د)، (ع).
(٤) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٠ (قدر).
(٥) في "المشكل" مقدر.. في (ع): (يقدر)، وفي (د): (يقدر) غير منقوط الأول، وفي (ت): (مغيزر) وقد أثبتنا ما في "المشكل"؛ لأنه الموافق لما بعد: ومُقتر.
(٦) في (ت): (وأبقته). وهو خطأ.
(٧) في (ت): (وإباقه). وما أثبتنا من (د)، (ع). وهو الموافق لما في "المشكل".
(٨) في (ت) زيادة: (وأبقته بعد، وإباقته)، وهو تكرار من الناسخ، وليست في نسختي (د)، (ع)، ولا في "المشكل".
(٩) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٨ - ٤٠٩ بتصرف.
(١٠) (أنه) بياض في (ت).
وهذا التأويل بعيد، ولا يجوز مثله على الأنبياء (٢).
قال أبو الهيثم: من اعتقد أن يونس ظن أن لن يقدر الله عليه فهو كافر؛ لأن يونس رسول، لا يجوز ذلك الظن عليه (٣).
وقال الأزهري: قوله (أن لن نقدر عليه) لا يجوز أن يكون من القدرة؛ لأن من ظن هذا فقد كفر، والظن شك، والشك في قدرة الله كفر، وقد عصم الله أنبياءه عن مثل ما ذهب إليه هذا المتأول، ولا يتأول مثله إلا جاهل بكلام العرب ولغاتها (٤).
وقد ذهب الأخفش إلى مثل ما روي عن الحسن، فقال: فظن أن يفوتنا (٥).
فقال أبو حاتم: لم يدر الأخفش ما معنى (نقدر) وذهب إلى القدرة
(٢) قال الطبري ١٧/ ٧٩ عن هذا القول: ووصفه -يعني يونس- بأنه ظن أن ربه يعجز عما أراد به ولا يقدر عليه، وصف له بأنه جهل قدرة الله، وذلك وصف له بالكفر وغير جائز لأحد وصفه بذلك. وقال القرطبي ١١/ ٣٣١: وهذا قول مردود مرغوب عنه؛ لأنه كفر. ثم ذكر أن المهدوي حكاه عن سعيد بن جبير أو الثعلبي عن الحسن. ثم ذكر رواية أخرى عن الحسن أنه قال: هو من قوله تعالى ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦] أي: يضيق، ثم قال القرطبي: وهذا الأشبه بقول سعيد والحسن.
(٣) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢٠ (قدر) مع حذف.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٢١.
(٥) ذكره عن الأخفش: أبو بكر بن الأنباري في كتابه "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ص ٧٧٧، والأزهري في "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٠.
وروي عن ابن زيد أنه قال: هذا إستيفاه (٢) (٣). أي استفهام على معنى: أفظن. وهذا الوجه بعيدٌ أيضا؛ لأنه لا (٤) يحذف حرف الاستفهام إلا في ضرورة الشعر سيما إذا لم يتبعه ما يدل عليه (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ يعني: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
قاله ابن عباس (٦) وجميع المفسرين (٧).
وروي عن سالم بن أبي الجعد أنه قال: ظلمة جوف الحوت، ثم
(٢) في (ت، د): (استنفاه)، وفي (ع): (اسعاه)، غير منقوطة.
(٣) ذكره بهذا اللفظ عن ابن زيد: النحاس في "القطع والائتناف" ص ٤٧٩ في إحدى النسخ.
وقد رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٧٩ بلفظ: استفهام، وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤١ ب، بمثل رواية الطبري.
(٤) في (د)، (ع): (لم).
(٥) هذا كلام النحاس في كتابه "القطع والائتناف" ص ٤٧٩، وقال الطبري ١٧/ ٧٩ - ٨٠: وأما ما قاله ابن زيد، فإنه قول لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام حسن، ولكنه لا دلالة فيه على أن ذلك كذلك، والعرب لا تحذف من الكلام شيئًا لهم إليه حاجة إلا وقد أبقت دليلًا على أنه مراد في الكلام.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ٨٠.
(٧) انظر: "الطبري" ١٧/ ٨٠، و"الكشف والبيان" للثعلي ٣/ ٤٢ أ، وابن كثير ٣/ ١٩٢، و"الدر المنثور" للسيوطي ٥/ ٦٦٦.
قال الفراء: يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومعاؤها الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات (٣) (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قال محمد بن قيس (٥): ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ حين عصيتك، وما صنعت
(٢) ذكره عن ابن أبي الجعد -بهذا اللفظ- الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٢ أ. وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١١/ ٥٤٣ - ٥٤٤ مختصرًا عنه قال: حوت في حوت، وظلمة البحر. ورواه الطبري ١٧/ ٨٠ عنه قال: أوحى الله إلى الحوت ألا تضر له لحمًا ولا عظمًا، ثم ابتلع الحوت حوت آخر (فنادى في الظلمات) ظلمة الحوت، ثم حوت، ثم ظلمة البحر. والقول بأن الحوت ابتلعه حوت آخر قول الله أعلم بصحته، وهو من الإسرائيليات.
(٣) في (ت): (الكلمات)، وهو خطأ.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٩. قال ابن عطية ١٠/ ١٩٧: ويصح أن يعبر بالظلمات عن جوف الحوت الأول كما قال (في غيابات الجب) وكل جهاته ظلمة فجمعه سائغ. وقال الزمخشري ٢/ ٨٥١: أي: في الظلمة الشديدة المتكاتفة في بطن الحوت كقوله ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ﴾ [البقرة: ١٧]
وقال أبو حيان ٦/ ٣٣٥: وجمع الظلمات لشدة تكاتفها، فكأنها ظلمة مع ظلمة.
(٥) هو محمد بن قيس المدني، قاص عمر بن عبد العزيز، أبو إبراهيم، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو أيوب، مولى معاوية بن أبي سفيان. روى عن أبي هريرة وجابر وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وعنه ابن أبي ذئب والليث بن سعد وأبو معشر وغيرهم. وكان ثقة عالمًا كثير الحديث. توفي بالمدينة أيام الوليد بن يزيد سنة ١٢٥ هـ أو ١٢٦ هـ.
"طبقات ابن سعد" (القسم المتمم) ص ٣٢٥، "الكاشف" للذهبي ٣/ ٩١، "تهذيب التهذيب" ٩/ ٤١٤.
وروى محمد بن سعد (٣)، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دعاء ذي
(٢) قال أبو العباس أحمد بن تيمية:
فإن يونس عليه السلام ذهب مغاضبا، وقال تعالى ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ وقال تعالى ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ ففعل ما يلام عليه، فكان المناسب لحاله أن يبدأ بالثناء على ربه، والاعتراف بأنه لا إله إلا هو، فهو الذي يستحق أن يعبد دون غيره فلا يطاع الهوى، فإن اتباع الهوى يضعف عبادة الله وحده، وذو النون شهد ما حصل من التقصير في حق الإلهية بما حصل من المغاضبة ففي ذلك من المعارضة في الفعل لحب شيء آخر ما يوجب تجريد محبته لله وتألهه له وأن يقول (لا إله إلا أنت) وهذا الكلام يتضمن براءة ما سوى الله من الإلهية سواء صدر ذلك عن هوى النفس أو طاعة الخلق أو غير ذلك فإن قول العبد: لا إله إلا أنت يمحو أن يتخذ إلهه هواه. فكمل يونس صلوات الله عليه تحقيق إلهيته لله، ومحو الهوى الذي يتخذ إلها من دونه، لم يبق له صلوات الله عليه وسلامه عند تحقيق قوله (لا إله إلا أنت) إرادة تزاحكم إلهية الحق، بل كان مخلصًا لله الذين إذ كان من أفضل عباد الله المخلصين. وقوله ﴿سُبْحَانَكَ﴾، يتضمن تعظيمه وتنزيهه عن الظلم وغيره من النقائص، والمقام يقتضي تنزيهه عن الظلم والعقوبة بغير ذنب، يقول: أنت مقدس ومنزه عن ظلمي وعقوبتي بغير ذنب، بل أنا الظالم الذي ظلمت نفسي. انتهى كلامه رحمه ملخصا مع تصرف. انظر: "الفتاوى" ١٠/ ٢٤٨ - ٢٨٧.
(٣) هو محمد بن سعد بن أبي وقاص، أبو القاسم، القرشي، الزهري، المدني. روى عن أبيه وعثمان وطائفة. وكان ثقة عالماً. قام على الحجاج مع ابن الأشعث، فأسر يوم دعي الجماجم، فقتله الحجاج سنة ٨٢ هـ.
"طبقات ابن سعد" ٥/ ١٦٧، ٦/ ٢٢١، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٣٤٨، "تهذيب التهذيب" ٩/ ١٨٣.
وقال الحسن وقتاده: هذا القول من يونس اعتراف بذنبه، وتوبة من خطيئة، تاب إلى ربه في بطن الحوت وراجع نفسه، فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (٣).
٨٨ - قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أي: أجبنا دعاءه ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ قال ابن عباس: يريد من تلك الظلمات (٤).
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال: وكذلك أفعل بأوليائي.
وروي مرفوعًا (٥): أن قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ شرط الله لمن دعاه بها أن يجيبه كما أجاب يونس، وينجيه كما أنجاه.
(٢) رواه الترمذي في جامعه كتاب: الدعوات، باب: ٨٥/ ٩/ ٤٧٩ تحفة، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" ص ٤١٦، والحاكم في "مستدركه" ١/ ٥٠٥، والطبراني في الدعاء ٢/ ٨٣٨. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ١٧٠، وأبو يعلى في "مسنده" ٢/ ١١٠ - ١١١ وفي أوله قصة، كلهم من طريق محمد بن سعد، عن أبيه، به.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٦٨ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه العلامة أحمد شاكر في تعليقه عن المسند ٣/ ٣٥ وصححه الألباني كما في "صحيح الجامع" ١/ ٦٣٧.
(٣) ذكر الزمخشري ٢/ ٥٨٢ عن الحسن قال: ما نجاه الله إلا بإقراره على نفسه بالظلم.
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣٥٢ من غير نسبة وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٤. قال أبو حيان ٦/ ٣٣٥. والغم ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٨٢ من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وقد ضعف. انظر: "التقريب" ٢/ ٣٧.
وروي عن عاصم أنه قرأ: (نجي) مشددة (٢) الجيم (٣). وخط المصحف بنون واحدة. قال الفراء (٤)، والزجاج (٥)، وابن مجاهد (٦): لأن النون الثانية (٧) تخفى مع الجيم وهي ساكنة، فلا تظهر على اللسان، فلما خفيت حذفت من الخط، وهي في اللفظ ثابتة.
وقال أبو علي: إنما حذفت النون من الخط كراهية لاجتماع صورتين متفقتين، وقد كرهوا ذلك في الخط في غير هذا الموضع، وذلك أنهم كتبوا نحو: الدنيا والعليا بالألف، ولولا الياء التي قبل الألف لكتبوها بالياء كما كتبوا نحو: نهمى وحبلى، وأخرى ونحو ذلك بالياء، فلما كرهوا الجمع بين صورتين متفقتين في هذا النحو كذلك كرهوه في (ننجي) فحذف (٨) النون الساكنة (٩).
(٢) في (أ): (مشدد).
(٣) قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: (نجي) بنون واحدة ومشددة الجيم، وقرأ الباقون بنونين مخففا.
"السبعة" ص ٤٣٠، "المبسوط" ص ٢٥٤، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٥، "النشر" ٢/ ٣٢٤.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣.
(٦) انظر "السبعة" لابن مجاهد.
(٧) موضع (ثانية) بياض في (ت).
(٨) في "الحجة": (فحذفوا).
(٩) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٠.
ثم ذكر الفراء لها وجهًا فقال: أضمر المصدر في (بني) فنوى به الرفع، ونصب المؤمنين، فيكون كقولك ضرب الضرب زيدًا؛ ثم تكني عن أنْضرب فتقول: ضُرب زيدًا، وكذلك (٤) نُجي النجاء زيدًا (٥).
وممن صوّب هذه القراءة واختارها أبو عبيد، فقال (٦): وإنما (٧) قرأها عاصم كذلك اتباعًا للخط، وله مخرجان في العربية:
أحدهما: أن يريد (نُنَجّي) (٨) مشددة لقوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ ثم تدغم النون الثانية في الجيم (٩).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢١٠.
(٣) قال السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٩٣: وهذه القراءة متواترة، ولا التفات على من طعن علي قارئها، وإن كان أبو علي قال: هي لحن. وهذه جرأة منه قد سبقه إليها أبو إسحاق الزجاج.
(٤) في (أ): (وكذا).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٠.
(٦) اختيار أبي عبيد وقوله في "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٨، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١١٢ - ١١٣، القرطبي ١١/ ٣٣٥.
وبعضه في "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٥٥، "إعراب القراءات السبع" لابن خالويه ٢/ ٦٧، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٦٩ - ٤٧٠، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٣٥.
(٧) في (د)، (ع): (إنما).
(٨) في (أ)، (ت): (ننج).
(٩) سيأتي بيان ضعف هذا التوجيه.
ولو ولدت قُفَيْره جَرْوَ كَلْبٍ | لَسُبَّ بذلك الجرْوِ الكلابا (٣) |
(٢) في "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٥٥: (وأنشدني بعض النحويين. ثم ساق البيت. وقد نسب البغدادي في "خزانة الأدب" ١/ ١٦٣ هذا البيت لجرير، وتبعه في ذلك الشنقيطي في "الدرر اللوامع" ١/ ٤٤. والبيت بلا نسبة في "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٦٠، و"الخائص" لابن جني ١/ ٣٧٩، وأمالي ابن الشجري ٢/ ٢١٥، و"همع الهوامع" للسيوطي ١/ ١٦٢. قال البغدادي في "الخزانة" ١/ ١٦٣: قفيرة -بتقديم القاف والفاء والراء المهملة: اسم أم الفرذدق، والجرو -مثلث الجيم- ولد السباع. وهذا البيت من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق مطلعها:
أقلي اللوم عاذل والعتابا... وقولي إن أصبت: لقد أصابا
ولم أجد هذا البيت في ديوانه المطبوع.
(٣) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٥٥ - ٥٦.
(٤) ذكر الواحدي وجهين في توجيه هذه القراءة، وهناك وجهان آخران: الوجه الأول: وهو أصح الأقوال -ما ذكره أبو جعفر النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٧٨ قال: ولم أسمع في هذا -يعني توجيه هذه القراءة- أحسن شيء سمعته من علي بن سليمان -يعني الأخفش الأصغر- قال: الأصل (ننجي) فحذف إحدى النونين لاجتماعهما، كما يحذف إحدى التائين لاجتماعهما نحو قول الله: ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣] الأصل: تتفرقوا. قال النحاس: والدليل على صحة ما قال أن عاصمًا يقرأ (نجي) بإسكان الياء، ولو كان على ما تأوله من ذكرناه -بعد الوجهين الذين ذكرهما- لكان مفتوحًا. انتهى كلامه. وعلى هذا الوجه خرج أبو الفتح عثمان بن جني هذه القراءة فقال في كتابه "الخصائص" ١/ ٣٩٨: وأما قراءة من قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل ونصب المفعول الصريح، لأنه عندنا على حذف إحدى نوني (ننجي) كما حذف ما بعد =
ليت شِعْري إذا القيامةُ قامَتْ | وَدُعِي بالحسابِ أين المصيرا (٢) (٣) |
الوجه الثاني: أن (نجي) فعل ماض مسند لضمير المصدر، فضمير المصدر أقيم مقام الفاعل، و (المؤمنين) منصرب بإضمار فعل مقدر، وليس منصوبا بنجي والتقدير: وكذلك نجي هو -أي: النجاء- ننجي المؤمنين.
ذكر أبو حيان ٦/ ٣٣٥، والسمين الحلبي ٨/ ١٩٣ هذا الوجه.
(١) قراءة الحسن في: "الشواذ" لابن خالويه ص ١٧، القرطبي ٣/ ٣٦٩، "البحر المحيط" ٢/ ٣٣٧، "الدر المصون" ٢/ ٦٣٧.
(٢) في (أ)، (ت)، (ع): (المصير)، والمثبت من (د) وبقية المصادر.
(٣) هذا البيت أنشده ابن الأنباري في "شرحه للقصائد السبع الطوال الجاهليات" =
وأنشد (٥):
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا | على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا |
(١) لم أجد قول الفراء.
(٢) (وقوم): ساقطة من (أ)، (ت). وهؤلاء القوم هم طي كما سيأتي.
(٣) في (أ)، (ت): (بقي، نعي).
(٤) في (أ)، (ت): (بقي، نعي).
(٥) البيت لزيد الخيل، وهو في ديوانه ص ٦٢، و"النوادر" لأبي زيد ص ٢٧٩، والطبري ١١/ ٦٩. قال أبو زيد: يقول ما أخشى ما بقي قيسي يسوق إبلا؛ لأني أغير عليهم. أهـ والتصعلك: الفقر. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٩٦ (صعلك). والشاهد من البيت قوله: مما بقا. إذ أصله: ما بقي، فقلبت الياء ألفا.
(٦) هذان الشطران لزيد الخيل أيضًا، وقد روت المصادر -على خلاف بينها في بعض الألفاظ- هذا الشعر هكذا:
أفي كل عام مأتم تبعثونه | على محمر عود أثيب ومارُضا |
تجدون خمشا بعد خمش كأنَّه | على فَاجعَ من خير قومكم نُعا |
أفي كلِّ عَامٍ مَأتَمٌ تُحْدِثُونَه | على فَاجِعٍ من خير قومِكم (١) نُعَا (٢) |
كأن أيْدِيهنَ بالقاعِ القَرِق (٣) (٤)
= لقد نال زيد الخيل مالَ أخيكُمُ | فأصبح زيدٌ بعد فَقْر قد اقتنى |
قال البغدادي في "الخزانة" ٩/ ٤٩٤ - ٤٩٥: قوله (أفي كل عام). إلخ استفهام توبيخي، و (المأتم) مهموز، وهو الجماعة من النساء -يجتمعن لحزن أو فرح، والمراد به هنا الحزن. وقال أبو زيد ص ٣٠٣: (المحمرَ: الفرس يشبه الحمار،.. و (العود): (المسن): أثيب: أعطى ثوابه. وقال السيرافي ١/ ١٢١: المحمر: البرذون، وقيل هو السكيت الذي لا خير منه من الخيل. يريد أنهم يجمعون نساء ليبكين على هذا المحمر.. والفاجع: الهالك الذي يؤذي أهله فقده.. و (رضا) و (نعا) أصلهما (رضي ونعي) فقلبت الياء فيها ألفا، وهذه لغة طائية. أهـ
(١) في (أ)، (ت): (قومك).
(٢) في (ت): (ناعيا).
(٣) في (أ): (القرف).
(٤) هذا الرجز لرؤبة، وبعده: أيدي جوار يتعاطين الورق. وهو في "ديوانه" (ص ١٧٩)، و"الكامل" للمبرد ٢/ ٣٢٠، و"العمدة" لابن رشيق ٢/ ١٩٣، و"أمالي ابن الشجري" ١/ ١٠٥، و"خزانة الأدب" ٨/ ٣٤٧.
وغير منسوب في "مقاييس اللغة" لابن فارس ٥/ ٧٥ (قرق)، و"الخصائص" ابن جني ١/ ٣٠٦، و"أمالي المرتضى" ١/ ٥٦١، و"لسان العرب" ١٠/ ٣٢١ (قرق)، و"همع الهوامع" للسيوطي ١/ ٥٣.
والشاهد فيه إسكان الياء من (أيديهن) والقياس فتحها. قال ابن الشجري في "أماليه" ١/ ١٠٥: ضمير (أيديهن) للإبل، والقاع: المكان المستوي، والقرق- بفتح القاف الأولى وكسر الراء: الأملس، و (جوار) -بفتح الجيم: جمع جارية،=
والذين لم يجيزوها أبطلوا هذا، قال الزجاج: لا يجوز ضرب زيدا. تريد: ضرب الضرب؛ لأنك إذا قلت: ضرب زيد، فقد علم أن (١) الذي ضُرِبَهُ ضَرْبٌ، فلا فائدة من إضماره وإقامته مقام (٢) الفاعل (٣).
وقال أبو علي: قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمره لأن الفعل دل عليه فذلك مما يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشد (٤):
ولو ولدت قفيره...
لا يكون حجة في هذه القراءة (٥).
وأما ما ذكره أبو عبيد (٦) أنه (ننجي) من التنجيه فادغم النون في الجيم [هذا لا وجه له؛ لأنه لا يجوز إدغام النون في الجيم] (٧) سيما والنون متحركة والجيم مشددة بالتضعيف (٨).
(١) عند الزجاج: أنه.
(٢) عند الزجاج: مع الفاعل.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣.
(٤) في (د)، (ع): (أنشدوا)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في الحجة.
(٥) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٠.
(٦) في (د)، (ع): (أبو علي)، وهو خطأ.
(٧) ساقط من (د)، (ع).
(٨) وضعفه أيضًا النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٧٨، وقال عنه ابن خالويه في "إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ٦٧ إنه غلط، وضعفه جدًّا السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٩٣.
(٢) في (أ): (لي).
(٣) في (أ): (جاءه).
(٤) في (أ)، (ت): (واخفاء).
(٥) في (أ)، (ت): (النونين).
(٦) (كل): ساقطة من (أ)، (ت).
(٧) هذه دعوى لا دليل عليها، فإنه الراوي عن عاصم هو أبو بكر بن عياش، وهو إمام ضابط القراءة حتى قال ابن مجاهد في "السبعة" (ص ٧١) - في سياق كلامه عن سبب عدم غلبة قراءة عاصم على أهل الكوفة: وإلى قراءه عاصم صار بعض أهل الكوفة، وليست بالغالبة عليهم؛ لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش -فيما يقال- لأنه تعلمها منه تعلما: خمسا خمسا. وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش، وكان أبو بكر لا يكاد يمكن من نفسه من أرادها منه، فقلت بالكوفة من أجل ذلك وقل من يحسنها. أهـ.
ثم إن هذه القراءة هي الموافقة لرسم المصحف ولذلك اختارها أبو عبيد، وقد بين العلماء وجهها من العربية. فلا مجال بعد ذلك للطعن فيها وتغليط رواته، لا سيما وقد قرأ بها ابن عامر أيضًا كما تقدم تخريج القراءه، ولم ينفرد بها أبو بكر، أفيقال أيضًا إن ابن عامر أو الرواة عنه غلطوا فظنوا أنه إدغام فالتبس عليهم الإخفاء بالإدغام؟!.
٨٩ - قوله تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾ قال ابن عباس: يريد وحيدا بلا ولد (٣).
وهذا كقوله: ﴿مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي﴾ [مريم: ٥ - ٦]، الآية.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ قال ابن عباس: أفضل الوارثين.
وقال المفسرون: رد الأمر إلى الله (٤).
ومعنى هذا: إنه أثنى على الله بأنه الباقي بعد فناء خلقه، وأنه أفضل من بقي حيًّا بعد ميت، وأن الخلق كلهم يموتون ويبقى هو، هذا معنى قولهم رد الأمر إلى الله (٥).
(٢) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠ مع تصرف.
(٣) في "تنوير المقباس" ص ٢٠٤: وحيدا بلا معين.
(٤) الطبري ١٧/ ٨٣، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٢ ب.
(٥) ويحتمل أن يكون معنى قول المفسرين. رد الأمر إلى الله، ما قاله الزمخشري ٢/ ٥٨٢، وابن جزي ٣/ ٦٧، وأبو حيان ٦/ ٦٣٦: ثم رد أمره إلى الله مستسلمًا، فقال (وأنت خير الوارثين) أي: إن لم ترزقني من يرثني، فلا أبالي فإنك خير وارث. وقد اعترض على هذا الوجه وأنه لا يناسب مقام الدعاء فإن من آداب الداعي أن يدعو بجد واجتهاد وتصميم منه.
وذكر الألوسي ١٧/ ٨٧ احتمال أن يكون معنى رد الأمر إلى الله من قبيل: ارزقني إن شئت، ولكن المقصود منه إظهار الرضا والاعتماد على الله -عزّ وجلّ- ولو لم يجب دعاءه. =
والرغباء والرهباء اسمان منهما، يقال: الرهباء من الله والرغباء إليه (٣).
وانتصابها على المصدر على معنى: يرغبون رغبًا، ويرهبون رهبًا، أو على المفعول له أي: للرغب (٤) والرهب (٥).
قال ابن عباس: يريد راغبين في الجنة وخائفين من النار (٦).
﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ قال مجاهد: متواضعين (٧).
وقال قتادة: ذُلُلَ لأمر الله (٨).
٩١ - قوله تعالى ﴿وَالَّتِي﴾: يعني مريم بنت عمران. ﴿وَالَّتِي﴾ في
(٢) انظر (رهب) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٩٠، "لسان العرب" ١/ ٤٣٦، "القاموس المحيط" ١/ ٧٦، "تاج العروس" ١/ ٥٣٧.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٩٢ - ٢٩٣ مع تصرف منسوبًا إلى الليث. وهو بنحوه في "العين" ٤/ ٤٧. وانظر ما تقدم من مصادر في (رغب) و (رهب).
(٤) في (أ)، (ت): (الرغب)، وهو خطأ.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٣٦، "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٦، "الدر المصون" ٨/ ١٩٤.
(٦) نحوه في "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
(٧) ذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٩٣ عن مجاهد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧١ عن مجاهد وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٨) ذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٩٣ عن الحسن وقتادة بلفظ: متذللين لله -عز وجل-. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٠ عن قتادة بلفظ (أذلاء). وعزاه لابن جرير -ولم أره فيه- وابن المنذر وابن أبي حاتم.
قال ابن كثير ٣/ ١٩٣ بعد سياقه لهذه الأقوال: وهذه الاقوال متقاربة.
﴿أَحْصَنَتْ﴾ أحرزت ومنعت عن الفساد. ﴿فَرْجَهَا﴾ ذكر الفراء والزجاج أنه يعني: جيبها (٢).
قال الفراء: ذكر المفسرون أنه جيب درعها (٣).
وهذا محتمل؛ لأن الفرج معناه في اللغة: كل فرجة بين شيئين، ولذلك (٤) يقال [لما بين قوائم الدابة: الفروج. ومنه قوله:
تَسُدُّ به فرجها من دبر (٥).
أراد ما بين] (٦) فخذيها ورجليها (٧).
وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٨، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٤٨١، "الدر المصون" ٨/ ١٩٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٠.
(٤) في (ت): (وكذلك).
(٥) هذا عجز بيت لامرئ القيس، وصدره:
لها ذنبٌ مثل "ذيل العروس"
وهو في "ديوانه" ص ١٦٤، "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٤٥ (فرج)، "مقاييس اللغة" لابن فارس ٤/ ٤٩٩، (فرج) "لسان العرب" ٢/ ٣٤٢ (فرج)، "تاج العروس" للزبيدي ٦/ ١٤٣ (فرج). وهذا البيت من قصيدة قالها امرؤ القيس بعد قتله لثعلبة بن مالك، ويصف فرسه التي ركبها عند قتاله له..
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).
(٧) من قوله كل في جه إلى هنا في "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٤٤ - ٤٥ (فرج) منسوبًا إلى الليث- وهو في "العين" ٦/ ١٠٩ (فرج) إلى قوله فهو فرج.
وانظر المراجع اللغوية المتقدمة في تخريج البيت.
وقد قيل: ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظت فرج نفسها (١).
وقوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ قال المفسرون: أمرنا جبريل حتى نفخ في درعها (٢).
وعلى هذا المراد: فنفخنا في درعها. فحذف المضاف (٣) ويجوز أن
وقال الطبري ١٧/ ٨٤: والذي هو أولى القولين -عندنا بتأويل ذلك- قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة؛ لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه، والأظهر في ظاهر الكلام.
وقال ابن عطية ١٠/ ٢٠١: وهو ظاهر القرآن. وقال عن القول الأول إنَّه ضعيف. وما اختاره الطبري وابن عطية ذهب إليه أبو العباس بن تيمية في "الفتاوى" ١٧/ ٢٦٢، واستظهره أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٣٦ واستشهد عليه بقولها ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٠].
(٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٣ أ. بنصه.
(٣) يرد هذا قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾.
قال أبو العباس بن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى" ١٧/ ٢٦٢: وقد ذكر المفسرون أن جبريل نفخ في حبيب درعها، والجيب هو الطوق الذي في العنق.. ، وذكر أبو الفرج وغيره قولين: هل كانت النفخة في حبيب الدرع أو في الفرج؟ فإن من قال بالأول قال: في فرج درعها، وأن من قال: هو مخرج الولد قال الهاء كناية عن غير مذكور، لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها، وهذا ليس بشيء، بل هو عدول عن صريح القرآن. وهذا النقل إن كان ثابتًا لم يناقض القرآن، وإن لم يكن ثابتاً لم يلتفت إليه، فإن من نقل أن جبريل نفخ في جيب الدرع فمراده أنه -عليه السلام- لم =
وقوله تعالى: ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾ يريد من روح عيسى. وأضاف الروح إليه إضافة الملك على معنى التشريف والتخصيص (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ قال الفراء، والزجاج، والكسائي: وحد الآية بعد ذكرهما جميعًا لمّا كان شأنهما
والمقصود إنما هو النفخ في الفرج كما أخبر الله في آيتين، وإلا فإن النفخ في الثوب فقط من غير وصول النفخ إلى الفرج مخالف للقرآن، مع أنه لا تأثير له في حصول الولد، ولم يقل ذلك أحد من أئمة المسلمين، ولا نقله أحد عن عالم معروف من السلف. أهـ.
(١) في (د)، (ع): (فأجرينا).
(٢) هذا قول الثعلبي ٣/ ٤٣ أ.
وذكره الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٦٩ مختصرًا، وابن الجوزي ٥/ ٣٨٥ من غير نسبة.
(٣) وفيه وجه آخر ذكره الزمخشري ٢/ ٥٨٣ وأبو العباس بن تيمية في "الفتاوى" ١٧/ ٢٦٣. وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٣٦ والألوسي في "روح المعاني" ١٧/ ٨٨ وهو أن الروح هنا جبريل كما قال تعالى ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧].
قال أبو العباس ابن تيمية: فقوله ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾ أو ﴿فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ أي: من هذا الروح الذي هو جبريل، وعيسى روح من هذا الروح، فهو روح من الله بهذا الاعتبار، و (من) لابتداء الغاية. وقال: ولهذا قيل في المسيح ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ باعتبار هذا النفخ.
وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية وذلك أنه لم يكن امرأة وَلَدْت بلا رجل، ولا رجل وُلِدَ بلا ذكر غير عيسى وأمه. هذا كلامه (٢).
والمعني: أن الآية فيهما واحدة وهي كون عيسى من غير أب وولادة أمه من غير ذكر. ومعنى كونهما آية للعالمين ما ظهر فيهما من التي دلت على قدرة الله.
٩٢ - قوله تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد دينكم (٣). وهو قول الحسن (٤)، ومجاهد (٥)، وجميع المفسرين (٦).
وقال الكلبي: ملتكم (٧). ومضى الكلام في معاني الأمة.
وقال ابن قتيبة: الأمة: الدين. ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] أي: على دين. وقال النابغة:
وقال السمين الحلبي ٨/ ١٩٥ - بعد ذكره لهذا الوجه: أو نقول: إنه حذف من الأول لدلالة الثاني أو بالعكس، أي: وجعلنا ابن مريم آية، وأمه كذلك. وهو نظير الحذف في قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢].
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ٨٥ وإسناده حسن، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٢ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره عنه الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٤٥.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٨٥.
(٦) انظر: "ابن كثير" ٣/ ١٩٤، و"الدر المنثور" للسيوطي ٥/ ٦٧٢.
(٧) في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٢. وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي قال: لسانكم لسان واحد.
أي: ذو دين. والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمه، فتقام الأمة مقام الدين (٢).
قوله تعالى: ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قال ابن عباس: يريد دينًا واحدًا (٣).
قال الفراء وأبو عبيد: نصب ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على القطع، لمجيء النكرة بعد تمام الكلام (٤).
والمعنى: أن هذه الشريعة التي بيّنتها لكم في كتابكم دينًا واحدًا.
قال الحسن: بيّن لهم ما يتقون وما يأتون (٥).
ثم قال: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ إبطالًا لما سواها من الأديان (٦).
حَلفْتُ فلم أترك لنفسك ريبة
وهو في "ديوانه" ص ٣٥، و"مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٤٤٦، و"معاني القرآن" للأخفش ١/ ٤١٩، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٦٣٥ (أم)، و"الصحاح" للجوهري ٥/ ١٨٦٤ (أمم)، و"لسان العرب" ١٢/ ٢٤ (أمم).
(٢) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٤٦.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ٨٥ بسند حسن، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٢ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٠. ولم أجد من ذكره عن أبي عبيد.
ومعنى القطع: الحال. وفي نصب (أمة) وجه آخر وهو البدل من (هذه).
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٧٩، "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٧، "الدر المصون" ٨/ ١٩٥.
(٥) ذكره عنه ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٩٤.
(٦) قوله: (إبطالا..) هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٤٣ أ.
والمعني: هذه أمتكم ما دامت واحدة واجتمعتم عليها، فإذا خالفتم (٣) فليس من خالف [الحق من] (٤) حملة أهل الدين الحق (٥)، ومثله في الكلام أن تقول: فلا صديقي عفيفا، أي: ما دام عفيفا، وما بقي على العفة، فإذا خالف العفة لم يكن صديقك.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ قال ابن عباس: فاطيعون (٦). أي: لا دين سوى ديني، ولا رب غيري.
وفي هذا حث على الاجتماع، وتجنب الاختلاف (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٣.
(٣) في (أ): (خالفهم)، وهو خطأ.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).
(٥) من قوله: (فإذا خالفتم. إلى هنا)، هذا معنى قول الزجاج ٣/ ٤٠٣.
(٦) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
(٧) والمقصود أن الله تعالى بعد أن ذكر الأنبياء المتقدمين قال مخاطبًا الناس كافة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يعني أن دينكم دين جميع الأنبياء ورسل الله- الذين هم أمتكم وأئمتكم الذين بهم تأتمون وبهديهم تقتدون فقد كانوا على ملة واحدة ودين واحد وطريقة واحدة لا اختلاف فيها وأصول العقائد كما قال الله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩] وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: ٥٢] وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" [رواه البخاري في "صحيحه"- كتاب الأنبياء ٦/ ٤٧٨]. فالدين=
٩٣ - قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين اتخذوا من دونه آلهة (١). هذا كلامه في رواية عطاء.
والصحيح أن هذا إخبار عن جميع مخالفي شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: اختلفوا في الدين فصاروا فيه فرقًا وأحزابًا. ويجوز أن يكون هذا الاختلاف راجعا إلى اختلاف أهل كل ملة كاختلاف اليهود فيما بينهم واختلاف النصارى وهذا هو الظاهر. ويجوز أن يرجع إلى مخالفتهم دين الحق.
وعلى هذا معنى ﴿أَمْرَهُمْ﴾ أي: الأمر الذي شرع لهم ودعوا إليه. والمعنى الأول من قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٩] والمعنى الثاني من قراءة من قرأ: (فارقوا دينهم) (٢).
قال الكلبي: يقول فرقوا دينهم فيما بينهم يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض، كل فرقة يرون أنهم على الحق (٣).
فإن كان الرب واحدًا والدين واحدًا -وهو عبادة الله وحده- كان الواجب عليكم القيام بهذه العبادة ولهذا قال ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ وكان اللائق هو الاجتماع على هذا الأمر وعدم التفرق.
انظر: "التسهيل" لابن جزي ٣/ ٦٨، و"البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٣٧، وابن كثير ٣/ ١٩٤، و"تيسير الكريم المنان" لابن سعدي ٣/ ٣٩٨.
(١) في (د)، (ع): (إلهًا).
(٢) قرأ حمزة، والكسائي: (فارقوا) بالألف مخففًا. وقرأ الباقون: (وفرقوا) بغير ألف مشددًا. "السبعة" ص ٢٧٤، "التبصرة" ص ٢٠٠، "التيسير" ص ١٠٨.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٣٥٣ عن الكلبي إلى قوله: من بعض. وذكر الماوردي ٣/ ٤٧٠ عن الكلبي قال: تفرقوا.
قال أبو عبيدة والزجاج: أي اختلفوا وتفرقوا؛ لأن تقطعهم أمرهم بينهم تفرقة (١).
قال الأزهري (٢): ويجوز أن يكون قوله: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أي: تفرقوا في أمرهم [ونَصَبَ أمرهم] (٣) بحذف (في) قال: وهذا القول أصوب (٤).
وعلى هذا التقطع (٥) لازم (٦).
ثم أخبر-عزّ وجلّ- أن مرجع جميع أهل الأديان إليه، وأنه مُجازٍ جميعهم فقال: ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد الذين عبدوا غيري، والذين وحدوني وأطاعوني.
وقال أهل المعاني: كل إلينا راجعون أي: إلى حكمنا في الوقت الذي لا يقدر على الحكم سوانا. كما يقال رجع أمرهم إلى القاضي أي:
(٢) في (أ)، (ت): (الزهري)، وهو تصحيف.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
(٤) هذا النص عن الأزهري ليس موجودًا في المطبوع من "تهذيب اللغة" ١/ ١٨٧ - ١٩٦ (قطع)، فلعله سقط من المطبوع، أو من النسخة الخطية المعتمد عليها في الطباعة. وهو موجود بهذا النص في "لسان العرب" لابن منظور ٨/ ٢٧٦ (قطع) منسوبًا إلى الأزهري.
وهو عند القرطبي ١١/ ٣٣٩ عز الأزهري إلى قوله: بحذف (في).
(٥) في (ع): (القطع).
(٦) وعلى الوجه الأول يكون (أمرهم) منتصبًا على أنه مفعول به، وعدى (تقطعوا) لأنه بمعنى: قطعوا.
انظر: "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٣٦ - ١٣٧، "الدر المصون" ٨/ ١٩٦.
٩٤ - قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ قال صاحب النظم: (من) هاهنا للتبعيض. أي: ومن يعمل شيئًا من الصالحات. أي من أداء الفرائض، وغيرها من صلة الرحم، ونصر المظلوم، ومعونة الضعيف، ونحو ذلك من أعمال البر.
﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ قال ابن عباس: وهو مصدق بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبما جاء به (٢).
﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي لا جحود لعمله (٣). يعني: أنه يقبل ويشكر بالثواب عليه ولا يبطل (٤).
والكُفْران والكُفُور والكُفْر مصادر مثل الشُّكْران والشُّكُور والشُّكْرُ (٥).
قال ابن مسلم: أي: لا يُجْحد ما عمل (٦).
والذي يظهر أن قول أهل المعاني صادرٌ بسبب التأويل. والصواب أن المعنى: ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ أي: صائرون إليه سبحانه يوم القيامة، فيحكم بينهم في ذلك اليوم ويجازى جميعهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [آل عمران: ٥٥].
انظر: "تفسير الطبري" ١٧/ ٨٥، "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩٤.
(٢) انظر: "التبيان" للطوسي ٧/ ٢٤٦، "التهذيب" للحاكم الجشمي ٦/ ١٦٠ أ.
(٣) في (أ): (لعلمه)، وهو خطأ.
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٨٦، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٣ أ.
(٥) الطبري ١٧/ ٨٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٤.
وانظر: "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨٠٧ (كفر)، و"لسان العرب" لابن منظور ٥/ ١٤٤ (كفر).
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٨.
وقال الكلبي: كانت عقيمًا لم تلد شيئًا قط، فأُصلحت بالولد فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة (٢).
وهذا قول أكثر المفسرين أن إصلاح زوجه (٣) إزالة عقرها (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله، فلم تكن تخالفه ولا تعصيه، وانقطع لسانها عنه (٥).
والأول أشبه (٦).
وبينه ابن عاشور في "التحرير والتنوير" ١٧/ ١٣٥ بقوله: وجملة (وأنت خير الوارثين) ثناء لتمهيد الإجابة، أي: أنت الوارث الحق فاقض علي من صفتك العالية شيئًا، وقد شاع في الكتاب والسنة ذكر صفة من صفات الله عند سؤاله إعطاء ما هو من جنسها، كما قال أيوب (وأنت أرحم الراحمين)، ودل ذكر ذلك على أنه سأل الولد لأجل أن يرثه كما في آية سورة مريم ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾.
(١) رواه الطبري ١٧/ ٨٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٠، وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ذكر الماوردي في "النكت والعيون" ٣/ ٤٦٨ عن الكلبي أنه قال: ولدت له وهو ابن بضع وسبعين سنة.
(٣) في جميع النسخ: زوجها. وهو خطأ. والتصويب من "الوسيط" ٣/ ٣٥٠.
(٤) انظر: "الطبري" ١٧/ ٨٣، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٢ ب، "ابن كثير" ٣/ ١٩٣، "الدر المنثور" للسيوطي ٥/ ٦٧٠.
(٥) رواه الحاكم في "مستدركه" ٣/ ٣٨٣ من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس. وقال: حديث صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: طلحة واه.
(٦) وقال ابن كثير ٣/ ١٩٣، والأظهر من السياق الأول. وقال ابن عطية ١٠/ ٢٠٠: وعموم اللفظة يتناول كل وجوه الإصلاح.
وقال بعض المفسرين: ﴿إِنَّهُمْ﴾ (٣) يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة (٤).
ومعنى ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ قال ابن عباس: يبادرون في طاعة الله (٥) وأداء فرائضه، ويتنافسون (٦) في المعروف على عباد الله (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ الرَّغَبُ والرَّغْبُ والرَّغْبَةُ كلها
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٢٥٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في تفسير ابن كثير ٣/ ١٩٣، وأبو نعيم في "الحلية" ١/ ٣٥، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤ كلهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله القرشي، عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر،.. فذكره.
قال الحاكم بعد إخراجه ٢/ ٣٨٤: هذا حديث صحيح الإسناد. لكن تعقبه الذهبي بقوله: عبد الرحمن بن إسحاق كوفي ضعيف.
وقد ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧١ وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
(٣) (إنهم): زيادة من (د)، (ع).
(٤) هذا قول الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٢ ب.
وقد ذكره البغوي ٥/ ٣٥٣، والزمخشري ٢/ ٥٨٢ وابن الجوزي ٥/ ٣٨٥ من غير نسبة لأحد.
(٥) لفظ الجلالة سقط من (د)، (ع).
(٦) في (د)، (ع): (وينافسون).
(٧) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
وهذا وهم. الهاء كناية لـ (من) في قوله (فمن يعمل) والمعني (١): وإنا كاتبون لمن يعمل عمله. ولو كان على ما قال لقيل: وإنا وإياه كاتبون؛ لأنه يقال: كتب عمله، ولا يقال: كتب لعمله، ولكن يقال: كتب له عمله (٢). والمعنى: نأمر الحفظة بأن يكتبوا لذلك العامل ما عمل من الخير لنجازيه به.
٩٥ - قوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ هذه آية كثرت فيها الأقوال وتقسمت فيها الخواطر والآراء ولم يقع لها شرح شاف، ولا بيان لتفسيرها كاف. والذي يدل عليه (٣) ظاهر اللفظ- وبه قال كثير من المفسرين: أن الحرام هاهنا بمعنى الواجب.
قال قتادة (٤)، عن ابن عباس [: معناه: واجب عليها ألا ترجع إلى دنياها إذا هلكت (٥).
وعلى ما ذكر صاحب النظم اقتصر الزمخشري ٢/ ٥٨٢، والرازي ٢٢/ ٢٢٠، والسمين الحلبي ٨/ ١٩٧ وغيرهم من المفسرين.
لكن الألوسي ١٧/ ٩٠ ذكر القولين ثم تعقب القول الثاني -الذي اختاره الواحدي- بقوله: وليس بشيء.
(٢) في (د)، (ع): (يقال: له كتب عمله).
(٣) في (د)، (ع): (عليها).
(٤) (قتادة): ساقط من (د)، (ع).
(٥) ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ٤٨ من رواية قتادة، عن ابن عباس،.. وهو منقطع. وقد رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٣ عن قتادة.
قال الزجاج: وجاء أيضًا عن ابن عباس أنه قال: حتم عليهم لا يرجعون (٣) إلى دنياهم. قال: وجاء في "التفسير" (حِرْمٌ) في معنى: حتم (٤).
وعن سعيد بن جبير: أنه قرأ (وحِرْمٌ على قرية) فسئل عنها فقال: عزم عليها (٥).
(٢) رواه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ٤٨ بسنده، عن عكرمة، عن ابن عباس، به. وقد نسب السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٢ إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وحرم على قرية) قال: وجب على قرية..
وقد طالعت تفسير سعيد بن منصور (ل ١٥٥ أ) فوجدته رواه من طريق عكرمة، عن ابن عباس، وفيه ذكر القراءة دون التفسير.
ورواه الطبري ١٧/ ٨٦ من طريق عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، فأما رواية عكرمة ففيها ذكر القراءة والتفسير لكن ليس فيه (حرم) بمعنى وجب، وأما رواية سعيد بن جبير ففيه ذكر القراءة عن ابن عباس دون التفسير، ثم تفسير سعيد بن جبير نفسه لحرم بمعنى: حرم.
لكن ذكر ابن كثير -وهو يعتمد كثيرًا على تفسير ابن أبي حاتم- في "تفسيره" ٣/ ١٩٤ عن ابن عباس أنه قال: وجب. فلعل هذا التفسير وقع في رواية ابن أبي حاتم أو غيره ممن ذكر السيوطي دون رواية سعيد بن منصور والطبري.
وذى النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٧٩ من رواية ابن عيينة. وهشيم وغيرهما، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله (وحرام) قال: وجب.
(٣) عند الزجاج: ألا يرجعوا.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٤.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٤٨ وفيه: وقال أبو معاذ النحوي.. قال: وحدثت عن سعيد بن جبير، فذكره.
وقد رواه الطبرى ١٧/ ٨٦ من طريق أبي المعلى يحيى بن ميمون، عن سعيد بن =
وإن (٢) حراماً لا أرى الدَّهْر باكيًا | على شَجْوِهِ إلا بكْيت على عَمْرو (٣) |
ونحو هذا قال عطاء، عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَحَرَامٌ﴾ قال: يريد حتماً مني (٤).
وقال الكلبي: يقول: وجب على أهل قرية (أهلكناها) يريد عذبناها ﴿أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ إلى الدنيا أبدًا. قال: يعني أهل مكة من أهل القرى، لا يرجعون إلى يوم القيامة.
هذا الذي ذكرنا قول واحد في هذه الآية، ومعناه: إن الله تعالى كتب على من أهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة، وأن لا يرجع إلى الدنيا
(١) ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص ٢٨٨.
(٢) عند ابن قتيبة ص ٢٨٨: (فإن).
(٣) البيت أنشده ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص ٢٨٨ من غير نسبة لأحد. ونسبه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٣ أللخنساء بمثل رواية الواحدي هنا.
ونسبه لها أيضًا القرطبي ١١/ ٣٤٠ لكن عنده: على صخر. وهو عند أبي حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٨ - ٣٣٩، والسمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ١٩٨ - ١٩٩ منسوبًا للخنساء لكن روايته:
حرامٌ علي لا أري الدهر باكيًا | على شجوه إلا بكيت على صَخْر |
(٤) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٣٨٧ هذا القول عن عطاء.
القول الثاني: أن معنى الآية: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾. أي: أهلكناهم بالاستئصال والاصطلام؛ لأنهم إنما لا يرجعون للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم. وخبر المبتدأ على هذا محذوف، تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم. ونحو ذلك مما يكون في الكلام دلالة عليه.
وهذا القول ذكره أبو علي (٣).
وإلى نحو هذا [من التقدير -الذي ذكره أبو علي-] (٤) ذهب الزجاج وقطرب (٥) في معنى هذه الآية.
قال الزجاج: لما ذكر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل من المؤمنين في قوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ الآية، ذكر في هذه الآية أنه قد حرم قبول أعمال الكفار. والمعنى: حرام على قرية أهلكناها أن يُتقبل منهم عملٌ؛ لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون كما قال -عزّ وجلّ-: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
(٢) في (أ)، (ت): (بزيادة).
(٣) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٣/ ٣٨٢، وانظر ٥/ ٢٦١.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) لم أجد من ذكره عن قطرب.
ونحتاج في هذا إلى شرح، وهو أن نقول: معنى هذا القول: وحرام على قرية حكمنا عليها بالهلاك -لعلمنا بأنهم لا يرجعون عن كفرهم- أن قبل منهم طاعة أو نثيبهم على عمل. فنحتاج إلى تقدير لام في (أنهم) كما قدر أبو علي باء وإلى إضمار خبر المبتدأ كما أضمره هو. وذكر (٢) قوله: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ احتجاجًا بأن قوله: ﴿أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ معناه: لا يرجعون من الشرك لحكم الله عليهم [بذلك كما قال] (٣) ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ الآية، واحتج على أن الله لا يقبل عمل كافر بقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ١] وهذا الذي ذهب إليه أبو إسحاق معنى قول [قتادة (٤). هذا كله إذا جعلت] (٥) (لا) في قوله: ﴿لَا يَرْجِعُونَ﴾ غير زائدة (٦).
(٢) يعني الزجاج، وليس عند الزجاج الاحتجاج بهذه الآية بل فيه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ انظر: "المعاني" ٣/ ٤٠٥.
(٣) ما بين المعقوفين بياض في (ت).
(٤) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٣ وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر. وانظر: "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩٤.
(٥) ما بين المعقوفين بياض في (ت).
(٦) وفي الآية وجه آخر حسن تكون فيه (لا) غير زائدة، و (حرام) على بابها. وهو أن الله -عز وجل- قال في الآيات التي قبل هذه الآية ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ فبين-عز وجل- أن الخلق راجعون إليه وأنه لا كفران لسعي أحد. ثم=
انظر: "تفسير الرازي" ٢٢/ ١٢١، "البحر المحيط" ٦/ ٣٣٨، "الدر المصون" ٨/ ١٩٩. وقد أشار ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ٢٠٤ إلى هذا المعنى بقوله: ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بين، وذلك أنه ذكر من عمل صالحًا وهو مؤمن، ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب، ولا يرجعون إلى معاد؛ فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء، أي: ممتنع على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون، بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه. فتكون (لا) على بابها، والحرام على بابه، وكذلك الحرام، فتأمله) أهـ.
(١) ذكر النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٨٠ هذا القول عن أبي عبيد ولم يرضه، حيث قال: (وأما قول أبي عبيد: إن (لا) زائدة فقد رده عليه جماعة؛ لأنها لا تزاد في مثل هذ الموضع، ولا فيما يقع فيه إشكال).
وذكر هذا القول عن أبي عبيد أيضًا: القرطبي ١١/ ٣٤٠، وأبو حيان ٦/ ٣٣٨.
(٢) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٢٤٥، وانظر: "غريب القرآن" له ص ٢٨٨.
قال الطبري ١٧/ ٧٨: وقد زعم بعضهم أنها في هذا الموضع صلة فإن معنى الكلام: وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا. وأهل التأويل الذين ذكرناهم -يعني ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة- كانوا أعلم بمعنى ذلك منه.
(٣) بياض في (ت).
وذكر على تقدير زيادة (لا) قول آخر، وهو: أن المعنى: وحرام على قرية حكمنا بهلاكها للشقاء الذي كتبنا عليها أن يرجعوا عن الشرك ويؤمنوا (٢).
ومعنى حرام على الأقوال كلها -غير القول الأول- أنهم يمنعون عن ذلك كما يمنعون من الأشياء المحرمة في الشرع، وليس كحظر الشريعة الذي إن شاء المحظور عليه ركبه وإن شاء تركه، وكان الأمر فيه موقوفاً على اختياره (٣).
والحرام بمعنى المنع قد ورد في التنزيل في مواضع كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠] أي: منعهم منهما، وقوله تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ [القصص: ١٢] يعني تحريم منع، وهذا كما تقول: حرمت عليّ لقاءك أي: منعتني من ذلك (٤)، ولم يرد تحريم شرع.
وقرئ (٥) (وحرْمٌ) (٦) وهو بمعنى حرام في قول جميع أهل اللغة كما
(٢) ذكر الرازي ٢٢/ ٢٢١، وأبو حيان ٦/ ٣٣٩ عن مجاهد والحسن قالا: لا يرجعون عن الشرك.
(٣) انظر: "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٢٠٤.
(٤) في (أ): (مالك).
(٥) في (أ)، (ت): (وقرأ).
(٦) قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: (وحرم) بكسر الحاء وإسكان الراء من غير ألف. وقرأ الباقون: (وحرم) بالألف.
"السبعة" ص ٤٣١، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٥.
٩٦ - قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ معنى (حتى) هاهنا كمعنى (حتى) في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ (٣).
وقرئ (٤) (فتحت) مخففاً ومشددًا (٥). فمن خفف -وهي القراءة المعروفة (٦) - فلأن الفعل في الظاهر مسند إلى هذين الاسمين، ولم يحمل ذلك على الكثرة حتى تشدد بمنزلة ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: ٥٠] ولأن المعنى على حذف المضاف لأن التقدير: فتح سد يأجوج ومأجوج، فحذف المضاف وأدخلت علامة التأنيث لما حذف المضاف (٧)؛ لأن يأجوج ومأجوج مؤنثان (٨) بمنزلة القبيلتين. ومن قرأ بالتشديد شدد لكثرة القبيلتين المسماتين بهذين الاسمين وعددهما كثير (٩).
ومعنى فتحهما: إخراجهما عن السد الذي جعلا وراءه وكأنهما قيدا
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٤، "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤١٢، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٦٨.
(٣) يوسف: ١١٠. ويعني المؤلف أن (حتى) هنا للغاية. وفيها وجه آخر، وهو أنها ابتدائية. واستظهره ابن عطية ١٠/ ٢٠٥، وانظر: "الدر المصون" ٨/ ٢٠٢.
(٤) في (أ)، (ت): (قرأ).
(٥) قرأ ابن عامر: (فتحت) مشددة التاء، وقرأ الباقون: (فتحت) خفيفة. "السبعة" ص ٤٣١، "التبصرة" ص ١٩٣، "التيسير" ص ١٠٢.
(٦) في (أ): (المعرفة).
(٧) هنا ينتهي الموجود من نسخة (ت).
(٨) في (د)، (ع): (مؤنثتان).
(٩) انظر: "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٦٢، "علل القراءات" للازهري ٢/ ٤١٥، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٠.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ معني الحدب في اللغة: الحُدور في صبب، والجمع: حِدَاب (١). ومنه قيل: حدبة الظهر.
وقال الفراء (٢) والزجاج (٣): الحدب كل أكمة من الأرض مرتفعة.
وقوله تعالى: ﴿يَنْسِلُونَ﴾ النسلان: مشية الذئب إذا أسرع (٤). والماشي ينسل، إذا أسرع. يقال: نسل في العدو يَنْسِلُ ويَنْسُلُ -بالكسر والضم- نسولاً (٥) ونسلانًا] (٦). ذكر ذلك الكسائي وغيره وأنشدوا قول الجعدي (٧):
بَرَد الليلُ عليه فَنَسَل
واختلفوا في المعنيين بقوله: ﴿وَهُمْ﴾ فأكثر المفسرين على أن (هم)
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٥.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤٢٨ (نسل) منسوبًا إلى الليث.
(٥) هكذا في جميع النسخ. ولم تذكر المصادر اللغوية التي اطلعت عليها هذا التصريف. وإنما ذكرت: نَسْلًا ونَسَلًا ونَسَلانًا.
(٦) انظر (نسل) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤٢٨، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٨٣٠، "لسان العرب" لابن منظور ١١/ ٦٦٠ - ٦٦١، "القاموس المحيط" ٤/ ٥٧.
(٧) هذا عجز بيت، وصدره:
عَسَلان الذئب أمْسى قَارباً
وقد أنشده للجعدي.. أبو عيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٤٢. وهو في "ديوانه" ص ٩٠. وهو منسوب للبيد في: "الكامل" للمبرد ١/ ٣٦٩، و"الجمهرة" لابن دريد ٣/ ٣٢. ومن غير نسبة في: الطبري ١٧/ ٩١، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٤٢٨، و"لسان العرب" ١١/ ٦٦١ (نسل).
والمعنى: وهم من كل نشز (٢) من الأرض يسرحون، يعني أنهم يتفرقون في الأرض فلا يرى أكمة (٣) إلا وقوم منهم يهبطون منها مسرعين.
وقال آخرون (٤): ﴿وَهُمْ﴾ يعني الخلق كلهم يحشرون إلى أرض (٥) الموقف فهم يسرعون من كل وجه كما قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ يريد من كل وجه يخرجون (٦).
وهذا قول مجاهد (٧)، وكان يقرأ (وهم من كل جدث ينسلون) اعتبارًا بقوله ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ (٨) والظاهر هو الأول (٩).
وقد رواه الطبري ١٧/ ٩٠، والحاكم في "مستدركه" ٤/ ٤٩٦ ضمن أثر طويل. وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على الطبري ٣/ ٢٩٧.
(٢) في (أ): (بشر)، وهو خطأ. والنَّشَز -بفتح الشين وإسكانها: المكان المرتفع. "الصحاح" للجوهري ٣/ ٨٩٩ (نشز).
(٣) الأكمة: التل وكل موضع يكون أشد ارتفاعًا مما حول. "القاموس المحيط" ٤/ ٧٥.
(٤) ذكر هذا القول الثعلبي ٤٣٣ ب، ولم ينسبه لأحد.
(٥) في (أ): (الأرض).
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٤.
(٧) رواه الطبري ١٧/ ٩٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٣ وعزاه لعبد بن حميد والطبري.
(٨) يس: ٥١. وقد ذكر قراءة مجاهد والتعليل الئعلبي في "الكشف والببان" ٣/ ٤٣ ب.
انظر: "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٣، المحتسب لابن جني ٢/ ٦٦، "تعليل القراءات الشاذة" للعكبري ص ٢٦١.
(٩) وصوبه الطبري ١٧/ ٩٠، وصححه ابن الجوزي ٥/ ٣٨٩، واستظهره أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٣٩.
فلمَّا أجَزْنَا ساَحَة الحيّ وانْتَحَى | بنا بَطْن خَبْتٍ ذي حقاف عَقنْقَلِ |
بنا بطن ذي ركام عقنقل
و"شرح القصائد السبع الطوال" لابن الأنباري ص ٥٤ مثل رواية الفراء، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ١٤٨ (جئز) وفيه: ذي حقاف، و"لسان العرب" ٥/ ٣٢٦ (جوز) وفيه: ذي قفاف، قال: ويروى ذي حقاف. قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٢١٧: ومعى (أجزنا): (قطعنا وخلفنا، وساحة الحي: فناؤه، و (انتحى) اعترض. والحقف: الكثيب من الرمل يعوج وينثني، وبطنه: ما انخفض وغمض، و (ركامه): (ما تراكم منه بعضه فوق بعض، والعقنقل: ما تعقد منه ودخل بعضه في بعض. اهـ.
وانظر: "شرح السبع الطوال" لابن الأنباري ص ٥٤ - ٥٥، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٨٦.
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١١ دون قوله: الواو زائدة مقحمة.
وقد قال بزيادة الواو في هذه المواطن الكوفيون، ومنع من زيادتها جمهور البصريين. قال ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٦ بعد ذكره لقول الكوفيين في إجازة أ، تكون الواو زائدة: فأما أصحابنا -يعني البصريين- فيدفعون هذا التأويل البتة، ولا يجيزون زيادة هذه الواو، ويرون أن أجوبة هذه الأشياء محذوفة للعلم بها والاعتياد في مثلها. =
قال أبو إسحاق: والواو عند البصريين لا يجوز أن تدخل ويكون معناها الطرح، وجواب (حتى إذا) [مضمر في الآية] (٥) لأن قوله: ﴿يَا وَيْلَنَا
وذكر ابن جني الجواب عن الآيتين اللتين استشهد بهما الفراء فقال ٢/ ٦٤٦ - ٦٤٧ عن قوله {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ﴾: وتأويل ذلك عندنا على معنى: فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أدرك ثوابنا ونال المنزلة الرفيعة عندنا.. وكذلك قوله -عز وجل-: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ تقديره: صادفوا الثواب الذي وعدوه. أهـ.
وأما البيت الذي استشهد به الفراء فقد قال أبو عبيدة كما في "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٥٥: (وانتحى): (نسق على (أجزنا) وجواب فلما أجزنا: (هصرت بفودي رأسها). أهـ.
وانظر أيضًا: "الكتاب" لسيبويه ٣/ ١٠٣، "الإنصاف في مسائل الخلاف" للأنباري ٢/ ٤٥٦ - ٤٦٢، "شرح المفصل" لابن يعيش ٩/ ١٥٠، "رصف المباني" للمالقي ص ٤٨٧ - ٤٨٨، "الجنى الداني" للمرادي ص ١٦٤ - ١٦٦، "مغني اللبيب" لابن هشام ٢/ ٤١٧.
(١) ذكر النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٨٠، والقرطبي ١١/ ٣٤٢ عن الكسائي أن الواو في هذه الآية زائدة.
(٢) في (أ): (إذ).
(٣) في (أ): (الواو).
(٤) في (أ): (قيل).
(٥) ساقط من (أ). وفي (أ) عوضا منه: (أنتم).
﴿الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ قال ابن عباس: يريد القيامة (٢).
قال الكسائي (٣): ويجوز أن يكون واقترب عطفاً على "إذا فتحت" ويكون قوله: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ﴾ جواباً لهما لـ ﴿حَتَّى إِذَا﴾ ولقوله ﴿وَاقْتَرَبَ﴾.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ﴾ قال الفرَّاء (٤): تكون "هي" عمادًا (٥) يصلح في موضعها "هو" فتكون كقوله: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ﴾ [النمل: ٩] ومثله ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] فجاز (٦) التأنيث؛ لأن
وحسّن النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٨١ قول الزجاج في تقدير جواب إذا.
وحكى أبو حيان ٦/ ٣٣٩ تقدير الزجاج ثم قال: أو تقديره: فحينئذ يبعثون. وفي جواب (إذا) وجه آخر -سيذكره المصنف عن الكسائي- وهو ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، قال الزمخشري ٢/ ٥٨٤، واختاره ابن عطية ١٠/ ٢٠٥ وحكا أبو حيان ٦/ ٣٣٩، والسمين الحلبي ٨/ ٢٠٢ عن الحوفي.
(٢) الثعلبي ٣/ ٤٣ ب، البغوي ٥/ ٣٥٥، القرطبي ١١/ ٣٤٢ من غير نسبة.
(٣) ذكر النحاس في"إعراب القرآن" ٣/ ٨١ عن الكسائي أنه أجاز أن يكون جواب "إذا" "فإذا شاخصة".
(٤) (الفراء): ساقطة من (ز).
(٥) العماد عند الكوفيين هو ما اصطلح عليه البصريون بقولهم: ضمير الفصل. قال ابن عقيل في "شرح التسهيل" لابن مالك ١/ ١١٩: وسموه بذلك لأنه يعتمد عليه في الفائدة، إذ يتبين به أن الثاني ليس بتابع للأول.
وانظر: "همع الهوامع" للسيوطي ١/ ٦٨.
(٦) في (د)، (ع): (فجاءت)، وفي المطبوع من الفراء: فجاء.
بِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ | فَهَلْ هو مَرْفُوعٌ بما هاهنا رأسُ |
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته | على العيس في آباطها عرق يبس |
بأن السلامي الذي بضرية | أمير الحمى قد باع حقي بني عبس |
(٢) في (ع): (يرتفع).
(٣) قوله: أراد.. عمادا. هذا من كلام الواحدي وليس من كلام الفرّاء.
(٤) عند الفراء: لتفسرها.
(٥) البيت أنشده الفراء في "معانيه" ٢/ ٢١٢ من غير نسبة.
وهو من غير نسبة: الطبري ١٧/ ٩٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٠٨، القرطبي ١١/ ٣٤٢، "البحر المحيط" ٦/ ٣٤٠، "الدر المصون" ٨/ ٢٠٥.
ونسبه الأصبهاني في "الأغاني" ١/ ٤٤٢، ١٦/ ٢٣٤ لمالك بن كعب والد كعب بن مالك الصحابي المشهور أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ورواية "الأغاني": "خليلتي" مكان ظعينتي.
قال الأصفهاني ١٦/ ٢٣٤ عن مالك بن أبي كعب: وهو شاعر وله خبرٌ، وذكر في حرب الأوس والخزرج.
والظَّعينة: هي المرأة في الهودج، هذا هو الأصل، ثم كثر ذلك حتى قيل للمرأة بلا هودج ظعينة. انظر: "لسان العرب" ١٣/ ٢٧١ (ظعن).
فذكر الظعينة وقد كنَّى عنها. انتهى كلامه (١).
وعلى هذا إضمار على شريطة التفسير (٢) [أضمر الأبصار، ثم فسرها بقوله: ﴿أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ (٣) وقد ذكرنا معنى الإضمار على شريطة التفسير] (٤) وبيَّنا هذه المسألة عند قوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٧٧] من كلام أبي علي (٥).
وقال المبرِّد -في هذه الآية-: قال سيبويه؛ إذا كان الخبر عن مذكر فحق الاضمار أن يكون بعلامة التذكير نحو قوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ [طه: ٧٤] وكذلك: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] تقديره: إن الأمر هذا، وإذا كان الخبر عن مؤنث يصلح أن يكون الإضمار بعلامة التأنيث ويكون تقديره: القصة نحو قولك: إنها أمَةُ الله خارجة، وإنَّها دارك خير من دار زيد، أي القصة كذا، ولو قلت: إنّه دارك، أي: إن الأمر، كان جيدًا بالغا، وإنما مِلْت إلى الضمير الذي يدل على القصة ليُنْبئْ عن أنَّك تريد أنْ يذكر مؤنثًا (٦).
(٢) قال نور الدين الجامي في شرحه لكافية ابن الحاجب ١/ ٣٥١: الشريطة والشرط واحد، وإضافتها إلى التفسير بيانية، أي: أضمر عامله على شرط وهو تفسيره.
(٣) وهذا قول الزمخشري. انظر: "الكشاف" ٢/ ٥٨٤.
(٤) ساقط من (ع).
(٥) انظر: "البسيط" سورة يوسف: ٧٧.
(٦) انظر: "المقتضب" ٢/ ١٤٤ - ١٤٥، "الكتاب" ١/ ٦٩ - ٧١، ٢/ ٧٢، "شرح المفضل" لابن يعيش ٣/ ١١٦، "ارتشاف الضرب" لأبي حيان ١/ ٤٨٦ - ٤٨٧، "شرح التسهيل" لابن عقيل ١/ ١١٦.
وقد يكون التقدير في الآية: فإذا القصة شاخصة أبصار الذين كفروا (١)، أي: القصة أنَّ أبصارهم عند ذلك تشخص كقوله: ﴿لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢] وقد مر.
قال الكلبي: شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله (٢).
وقوله تعالى: ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ أي: قالوا يا ويلنا "قد كنا في غفلة من هذا" قال ابن عباس: يريد في الدنيا كنا في عماية عما يراد منا ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أنفسنا بتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم- واتخاذ الآلهة.
٩٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ يعني الأوثان. والخطاب لأهل مكة ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ قال الليث: الحصب: الحطب الذي يلقى (٣) في تَنُّور أو في (٤) وَقُود (٥).
وقال السمين الحلبي ٨/ ٢٠٤ عن هذا الوجه إنه الأجود.
وذكر الثعلبي ٣/ ١٤٤ وجهًا آخر، وهو أنَّ تمام الكلام عند قوله "هي" على معنى: فإذا هي بارزة واقفة، يعني من قربها كأنها حاضرة، ثم ابتدأ: "شاخصة أبصار الذين كفروا" علي تقديم الخبر على الابتداء.
قال أبو حيان ٦/ ٣٤٠: وهذا وجه متكلّف، متنافر التركيب.
(٢) ذكره البغوي ٥/ ٣٥٥ عن الكلبي.
(٣) (يلقى): ساقطة من (أ).
(٤) (في): ساقطة من (د)، (ع).
(٥) قوله الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٠ (حصب). وهو في "العين" ٣/ ١٢٣ (حصب) مع اختلاف يسير جدًا.
وقال الزَّجَّاج: كل ما يرمى به في جهنم حصب (٢).
والأصل في هذا ما ذكره ابن قتيبة: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾: ما ألقي فيها. وأصله (٣) من قولهم: حَصَبْتُ فلانًا، إذا، رميته أحصبه (٤) حصْبًا -بتسكين الصاد- وما رميت به: حصَب، بفتح الصاد. كما لَقول: نفضت الشجر نفضًا [والنفض بفتح الفاء اسم ما نفضت] (٥) (٦).
ونحو هذا قال الأزهري سواء (٧).
قال ابن عباس في قوله: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ (٨) يريد وقودها (٩).
وقال مجاهد، وقتادة، وعكرمة: حطبها (١٠).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٦.
(٣) في "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٨: وأصله من الحصباء، وهي الحصى. يقال: حصبت.
(٤) "أحصبه" مقحمة من كلام الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٦٠، وليس من كلام ابن قتيبة.
(٥) ما بين المعقوفين عند ابن قتيبة ص ٢٣٨٨: وما وقع من ثمرها، نفض. وعند الأزهري ٤/ ٢٦٠: والمنفوض نفض.
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٨ مع حذف وزيادة وتصرّف.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٠ "حصب".
(٨) (حصب): ساقطة من (د)، (ع).
(٩) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ أ. وقد رواه الطبري ١٧/ ٩٤ بإسناد حسن عن ابن عباس قال: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ شجر جهنم.
(١٠) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ أعن مجاهد وقتادة وعكرمة. =
وقوله تعالى: ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد فيها داخلون (٢).
وعن قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٠ والطبري ١٧/ ٩٤.
وعن عكرمة رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٥، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٩٤.
وذكره البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير، سورة الأنبياء ٨/ ٤٣٥ معلقا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" ٣/ ٥٠٨ من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق سفيان الثوري. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٠ عن عكرمة، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.
(١) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ١٤٤ أعن الضحاك بنصّه.
ورواه الطبري ١٧/ ٩٤ بنحوه، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٠ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٢) قال عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ١١: أنبأنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق، فقال ابن عباس: الورود: الدخول. وقال نافع: لا. قال: فقرأ ابن عباس: (أنكم وما تعبدون من دون الله حصبُ جهنم أنتم لها واردون) وليس في هذه الرواية تسمية من سمع ابن عباس. وقد رواه الطبري ١٧/ ١١١، والمروزي في "زوائد الزهد" ص ٤٩٩ من طريق آخر عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل يقال له أبو راشد، وهو نافع بن الأزرق، فقال له: يا ابن عباس أرأيت قول الله ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا..﴾ الآية. قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل تصدر عنها أم لا.
ورواه هناد في "الزهد" ١/ ١٦٤ قال: ثنا الحارثي، عن ليث، عن مجاهد قال: سأل نافع ابن الأزرق ابن عباس عن قوله "وإن منكم إلا واردها".. فقال ابن عباس: أما أنا وأنت يا ابن الأزرق فسندخلها، فانظر هل يخرجنا الله منها أم لا. وقال السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٥٣٥. وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن =
﴿مَا وَرَدُوهَا﴾ يحتمل أن يكون المعنى: ما ورد عابدوها النار. ويحتمل أن يقال: ما وردهم (١) أي: الأصنام النار. والأولى أن يقال: ﴿مَا وَرَدُوهَا﴾ يعني العابدين والمعبودين لقوله: ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يعني العابد والمعبود.
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا﴾ في جهنم ﴿زَفِيرٌ﴾. ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ قال ابن مسعود -في هذه الآية- "إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت (٢) من نار، ثم جعلت التَّوابيت في توابيت أخرى، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى؛ فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم (٣) أن في النار أحدًا (٤) يعذب غيره (٥).
(١) في (د)، (ع): (ودوهم). ولعل الصواب: وردوها.
(٢) (توابيت): جمع تابوت، وهو: الصندوق. "لسان العرب" لابن منظور ٢/ ١٧ (تبت).
(٣) (منهم): ساقطة من (د)، (ع).
(٤) في (ع): (أحدٌ). وهو خطأ.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٩٥، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ٣١٤ من طريق المسعودي، عن يونس بن خباب، عن ابن مسعود، بنحوه.
وفي سنده علتان: الأولى: المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله. وقد اختلط قبل موته- انظر: "تقريب التهذيب" ١/ ٤٨٧.
والثانية: يونس بن خباب صدوق يخطىء، ولم يسمع من ابن مسعود. انظر: "تقريب التهذيب" ٢/ ٣٧٨٤. =
وقالوا: وهل لك أن نرسل إليه (٢) فتكلمه (٣)؟ قال: نعم. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعثت (٤) إليه قريش أتاهم رجاء أن يسلموا، فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال ابن الزبعرى: أرأيت يا محمد ما قلت لقومك آنفاً أخاصٌ أم عام؟
والثانية: جهالة الراوي عن ابن مسعود.
وقد رواه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩٧ من طريق المسعودي، عن أبيه، قال: قال ابن مسعود، فذكره بنحوه باختصار. وهو منقطع.
فالأثر لا يصح عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وقد ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨١ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة النار، والطبراني والبيهقي في البعث.
(١) في (أ): (أراكم).
(٢) في (أ): (الله). وهو خطأ.
(٣) فتكلمه: ساقطة من (د)، (ع). وهي في (أ): (فيكلمه)، والصواب ما أثبتنا.
(٤) في (أ)، (ع): (بعث).
وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لابن الزبعرى: بل هم يعبدون الشياطين، هي التي أمرتهم بذلك. وأنزل الله هذه الآية (٥).
وأراد بقوله: ﴿سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ عزيرًا، وعيسى، والملائكة. وهذا قول يروى عن ابن عباس (٦). وهو قول مجاهد، وسعيد
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) في (أ): (معبودهم).
(٤) ذكره عن الكلبي: هودُ بن محكّم الهواري.
والكلبي متهم بالكذب فلا يعتمد عليه في رواية.
قال ابن عطية ١/ ٢١٣. ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة.
(٥) روى الطبري ١٧/ ٩٧ عن محمد بن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، فذكره مرفوعًا بنحوه. وإسناده لا يصح لضعف شيخ الطبري محمد بن حميد، ولإرساله.
(٦) روى الطبري ١٧/ ٩٦ من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وفيه عطاء بن السائب قد اختلط في آخره.
لكن يشهد له رواه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" ٣/ ٥٩ عنه بلفظ: عيسى بن مريم -عليه السلام- ومن كان معه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٦٨: رواه =
وقال آخرون: هذه الآية مستأنفة ليست ترجع بمعناها إلى ما قبلها، وهي عامة في كل من سبقت لهم (٢) من الله السعادة.
وهذا مذهب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- روي أنه قال: أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد (٣)، وسعيد (٤)، وعبد الرحمن بن عوف (٥).
(١) روى الطبري في "تفسيره" ١٧/ ٦٩ - ٩٧ هذا القول عن مجاهد وسعيد وأبي صالح والضحاك.
(٢) في (أ): (له).
(٣) هو سعد بن أبي وقاص.
(٤) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، العدوي، القرشي. أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين، شهد المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشهد حصار دمشق وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح. توفي بالعقيق سنة ٥٠ هـ وقيل: ٥١ هـ وحمل إلى المدنية.
"الاستيعاب" ٢/ ٦١٤، "سير أعلام النبلاء" ١/ ١٢٤، "الإصابة" ٢/ ٤٤.
(٥) قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" ٢/ ٣٧٢ - ٣٧٤: رواه ابن أبي حاتم، والثعلبي، وابن مردويه في تفاسيرهم، من حديث محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، ثنا ليث -وتصحف في المطبوع إلى ليس- بن أبي سليم، عن ابن عم النعمان بن بشير- وفي المطبوع من "الدر المنثور" ٥/ ٦٨١: عن النعمان بن بشير، وهو خطأ- وكان من سمار علي قال: تلا علي.. ثم قال الزلعي بعد سياقه للأثر: انتهى بلفظ الثعلبي لم يذكر فيه سعدًا، ولفظ ابن أبي حاتم: وعبد الرحمن بن عوف أو قال: سعد، شك فيه.
ورواه ابن عدي في الكامل عن داود بن علية الحارثي، عن ليث بن أبي سليم، =
وفي النسخة الموجودة عندي من "تفسير الثعلبي" ٣/ ٤٤ ب ذكر سعدًا في الأثر، فلعله سقط من نسخته التي اعتمد عليه.
والأثر عند ابن عدي في "الكامل" ٣/ ٩٨٦.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٢ وعزاه لابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه.
وهذا الأثر عن علي -رضي الله عنه- فيه علتان: الأولى: ضعف ليث بن أبي سليم، والثانية: جهالة ابن عم النعمان بن بشير.
وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه ١٢/ ٥١ - ٥٢، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٩٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٩٨ عن محمد بن حاطب قال: سمعت عليًّا يخطب، فقرأ هذه الآية "إن الذين سبقت.. قال عثمان -رضي الله عنه- منهم". ولفظ ابن أبي حاتم: عثمان وأصحابه.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨١ - ٦٨٢ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير. وإسناده صحيح.
(١) أكثر: ساقطة من (د)، (ع).
(٢) في (د)، (ع): (الكلام).
وقال ابن زيد: السعادة من الله لأهلها (٢).
وروي عن ابن عباس: الحسنى الجنة (٣). وقد سبق من الله للمؤمنين الوعد بها.
١٠٢ - قوله تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ أي: حسها وحركة تلهّبها. والحَسِيسُ والحِسُّ: الحركة (٤).
وقال الليث: الحِسُّ والحسيس تسمعه من الشيء يمر منك قريبًا ولا تراه، وأنشد في صفة باز (٥):
ترى الطير العتاق يظلن منه | جنوحا إن سمعن له حسيسا (٦) |
(٢) رواه الطبري ١٧/ ٩٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨١ وعزاه لابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٣) ذكره عنه ابن الجوزي كما تقدم. وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٥.
وشهد لهذا قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]. والمعاني في تفسير "الحسنى" متقاربة.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري (حسن) بنصّه.
(٥) قول الليث وإنشاده في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٤٠٨ - ٤٠٩ (حس). وهو في كتاب "العين" ٣/ ١٦ (حس)، ولم ينسب البيت لأحد.
والبيت من غير نسبة أيضًا في "لسان العرب" ٢/ ٤٢٨ (جنح)، ٦/ ٥٠ (حسس)، "تاج العروس" للزبيدي ٦/ ٣٥٠ "جنح"، ١٥/ ٤٥٣٦ (حسس).
(٦) قول الليث وإنشاده في "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٤٠٨ - ٤٠٩ (حس). وهو في كتاب "العين" ٣/ ١٦ (حس)، ولم ينسب البيت لأحد. =
وقال ابن عباس: لا يسمعون حسيسها كما يسمع أهلها حسيسها من مسيرة خمسمائة عام.
والظاهر أن هذا مطلق لا يسمعون حسيسها أبداً.
وقال بعض المفسرين: يعني إذا نزلوا منازلهم من الجنة (٣).
وعلى هذا كأنهم قبل دخول الجنة يسمعون حسّ النار.
﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد في الجنة. ومعنى الشهوة والاشتهاء ذكرنا فيما تقدم (٤).
١٠٣ - قوله تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ قال سعيد بن
(١) لا: ساقطة من (أ).
(٢) في "مجاز القرآن" ٢/ ٤٢: أي: صوتها، والحس والحسيس واحد.
لكن قال البخاري في "صحيحه" ٨/ ٤٣٥ (فتح) في أول تفسير سورة الأنبياء:.. وقال غيره:.. الحسيس والحس والجرس والهمس واحد. وهو الصوت الخفي. قال ابن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٤٣٦ شارحًا لقول البخاري "وقال غيره": كذا لهم -يريد ابن حجر لرواة الصحيح- وللنسفي -وهو أحد رواه الصحيح- "وقال معمر"، ومعمر هذا بالسكون هو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي، وقد أكثر البخاري نقل كلامه، فتارة يصرّح باسمه وتارة يبهمه.
(٣) قال الطبري والثعلبي. انظر: "الطبري" ١٧/ ٩٨ و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ ب.
(٤) انظر: "البسيط" عند قوله تعالي: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١].
وقال الحسن: هو أن يؤمر (٣) بالعبد إلى النار (٤).
وقال ابن جريج: هو ذبح الموت بين الفريقين (٥).
وقال ابن عباس: هو النفخة الأخيرة (٦).
ورواه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٠ عن الكلبي.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
(٣) عند الطبري والثعلبي: حين يؤمر.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ ب. ورواه الطبري ١٧/ ٩٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٢ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٩٩. وانظر: "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ ب.
(٦) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٤ ب. ورواه الطبري ١٧/ ٩٩ من رواية العوفي، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٢ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم. واختار الطبري هذا القول وقال: وذلك أن من لم يحزنه ذلك الفزع الأكبر وأمن منه، فهو مما بعده أحرى أن لا يفزع، وأن من أفزعه ذلك فغير مأمون عليه الفزع مما بعده.
واستدل الثعلبي في "الكشف" ٣/ ٤٤ ب لهذا القول بقوله ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ..﴾ [النمل: ٨٧].
وقال ابن الجوزي ٥/ ٥٩٤: ويدل على صحة هذا الوجه قوله تعالى: ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾.
وذهب ابن عطية -رحمه الله- إلى أن الفزع الأكبر عام من غير تخصيص بشيء، فقال في المحرر ١٠/ ٢١٢: والفزع الأكبر عام في كل هول يكون في يوم القيامة، فكأن يوم القيامة بجملته هو الفزع الأكبر، وإن خُصِّص شيء من ذلك فيجب أن =
قوله تعالى ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: تستقبلهم ملائكة الرحمة. قال ابن عباس: وذلك عند خروجهم من القبور (٢).
ومعنى التلقي: التعرض (٣) للقاء الشيء، والمُسْتَقْبِلُ متعرض للقاء مُستَقْبَلَه (٤).
﴿هَذَا يَوْمُكُمُ﴾ أي يقولون لهم (٥) (هذا (٦) يومكم الذي كنتم توعدون) أي: توعدونه في الدنيا.
ثم ذكر ابن عطية الأقوال المخصصة لذلك الفزع، ثم قال:
وهذا -يعني قول من قال: هو وقت النفخة الآخرة- وما قبله أشبه أن يكون فيها الفزع؛ لأنها وقت لرجم الظنون وتعرّض الحوادث، فأما وقت ذبح الموت ووقوع طبق جهنّم فوقت قد حصل فيه أهل الجنّة في الجنّة، فذلك فزع بين أنه لا يصيب أحدًا من أهل الجنة فضلًا عن الأنبياء، اللهم إلا أن يريد: لا يحزنهم الشيء الذي هو عند أهل النار فزعٌ أكبر، فأمّا إن كان فزعًا للجميع فلا بدّ مما قلنا من أنه قبل دخول الجنة. أهـ.
(١) (وهذا). ساقطة من (أ).
(٢) ذكره القرطبي ١١/ ٣٤٦ وأبو حيان في البحر ٦/ ٣٤٢ عن ابن عباس.
وذكره ابن كثير ٣/ ١٩٩ مقتصرًا عليه من غير نسبة.
وقيل إنّ هذا التلقي قبل دخول الجنة رواه الطبري ١٧/ ٩٩ عن ابن زيد، فالملائكة تستقبلهم على أبواب الجنة، يهنئونهم يقولون "هذا...)
(٣) في (أ): (التعريض).
(٤) انظر (لقا) في "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٩٨، "الصحاح" ٦/ ٢٤٨٤، "لسان العرب" ١٥/ ٢٥٦.
(٥) (لهم): زيادة من (أ).
(٦) (هذا): ساقطة من (أ).
وقال أبو علي: ﴿يَوْمَ نَطْوِي﴾ يكون في انتصابه وجهان: أحدهما: أن يكون بدلًا من الهاء المحذوفة من الصلة، ألا ترى أن المعنى: هذا يومكم الذي كنتم (١) توعدونه. والآخر: أن يكون منتصبًا بـ"نعيده" (٢).
وقوله تعالى: ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ﴾ اختلفوا في معنى ﴿السِّجِلِّ﴾:
فقال ابن عباس -في رواية عطاء-: يريد ملَكًا يقال له السجل (٣)، وهو الذي يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه (٤).
وهذا قول السدي، قال: السجل: ملك موكل بالصحف، فإذا مات الإنْسان دُفع كتابه إلى السجل (٥) فطواه ورفعه إلى يوم القيامة (٦).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٣.
وجوز أبو حيان ٦/ ٣٤٢، وتبعه السمين الحلبي ٨/ ٢٠٨ أن يكون "يوم" منصوبًا بـ"لا يحزنهم" و"تتلقاهم"، أو يكون منصوبًا بإضمار أذكر أو أعني.
(٣) في (أ): (سجل).
(٤) ذكره عن ابن عباس: الرازي ٢٢/ ٢٢٨، والقرطبي ١١/ ٣٤٧، وأبو حيان ٦/ ٣٤٣. ورواية عطاء عن ابن عباس هذه باطلة، وقد تقدم الكلام فيها.
(٥) في جميع النسخ: (سجل)، والتصحيح من تفسير ابن كثير "الدر المنثور".
(٦) رواه عن السدي بهذا اللفظ ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠٠، و"الدر المنثور" ٥/ ٦٨٣.
ورواه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٢٠٦، والطبري ١٧/ ١٠٠ عن السدي مختصرًا، بلفظ: (السجل) ملك.
وقال (٢) في رواية أبي الجوزاء، وعكرمة: السجل كاتب كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).
(٢) يعني ابن عباس.
(٣) رواه أبو داود في "سننه" (كتاب الخراج والإمارة والفيء- باب اتخاذ الكاتب ٨/ ١٥٤، والنسائي في التفسير ٢/ ٧٤، والطبري في تفسيره ١٧/ ١٠٠، وابن أبي حاتم في تفسيره (كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠٠، والبيهقي في "سننه" ١٠/ ١٢٦ كلهم من طريق يزيد بن كعب. عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، به.
وفي سنده يزيد بن كعب وهو العوذي قال الذهبي في "الميزان" ٤/ ٣٤٨: لا يدري من ذا أصلًا. وقال ابن حجر في التقريب ٢/ ٣٧٠: مجهول.
وعمرو بن مالك وهو النكري قال عنه ابن حجر في "التقريب" ٢/ ٤٢٦: صدوق له أوهام.
وقد تابع يزيد بن كعب يحيى بن عمرو بن مالك فرواه عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس به.
ورواه من هذا الوجه الطبراني في "المعجم الكبير" ١٢/ ١٧٠، وابن عدي في "الكامل" ٧/ ٢٦٦٢، والبيهقي في "سننه" ١٠/ ١٢٦.
لكن قال ابن كثير في "البداية والنهاية" ٥/ ٣٤٨ - بعد ذكره لهذه المتابعة-: ويحيى هذا ضعيف جدًّا، فلا يصلح للمتابعة.
وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٠٠ وفي "البداية والنهاية" ٥/ ٣٤٨ عن ابن عمر شاهدًا لهذا الأثر رواه الخطب البغدادي في "تاريخه" ٨/ ١٧٥ من حديث حمدان ابن سعيد، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر =
قال الزجاج: وقيل: السجل بلغة الحبش الرَّجُل (٤). وعلى هذه
وقال في "البداية والنهاية" ٥/ ٣٤٧: وعرضت هذا الحديث -يعني حديث ابن عباس- على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدًا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس بن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع وإن كان في سنن أبي داود، فقال شيخنا المزي: وأنا أقوله.
وقال ابن القيم في تعليقه على ("سنن أبي داود" ٨/ ١٥٤ حاشية عون المعبود): (سمعت شيخنا أبا العباس بن تيمية يقول: هذا الحديث موضوع، ولا يعرف لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاتبٌ اسمه السجل قط. أهـ.
أما رواية عكرمة عن ابن عباس فقد ذكرها الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ أ.
(١) هو أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، النيسابوري. صاحب التفسير الكبير المسمى بـ"الكشف والبيان".
(٢) في (د)، (ع): (ولم).
(٣) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٥ أإلى قوله: معروفين. ولم أجد في "تفسيره" قوله. وليس..
وأصل الكلام للطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٧/ ١٠٠.
قال ابن كثير في تفسيره ٣/ ٢٠٠: وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد، قال: لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وكتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- معورفون، وليس فيهم أحد اسمه السجل. وصدق رحمه الله في ذلك، وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٦.
وقال مجاهد: السجل: الصحيفة التي فيها الكتاب. يعني المكتوب (١).
وهذا اختيار (٢) الفراء (٣) وابن قتيبة (٤)، وهو الذي يعرفه أهل اللغة من معنى السجل (٥). وهو قول الكلبي في روايته عن ابن عباس (٦) (٧).
وقال قتادة: كطي الصحيفة فيها الكتب (٨).
وأصله في المساجلة، والمساجلة مأخوذ (٩) من السِّجل، وهو الدلو
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٤ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وهو في "تفسير مجاهد" ١/ ٤١٧ بمثل رواية الفريابي وغيره.
(٢) في (د)، (ع): (واختار هذا).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٣.
(٤) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة (ص ٢٨٨).
(٥) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٠.
(٦) في (أ): (في رواية ابن عباس)، وهو خطأ.
(٧) لم أجده من رواية الكلبي عن ابن عباس، وروى الطبري ١٧/ ١٠٠ هذا القول عن ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة الوالبي، والعوفي.
قال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٠٠: والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة. قاله علي بن أبي طلحة والعوفي عنه، ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد. واختاره ابن جرير؛ لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب، أي: على الكتاب بمعنى المكتوب، كقوله ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات: ١٠٣] أي: على الجبين، وله نظائر في اللغة.
(٨) ذكره عنه ابن كثير ٣/ ٢٠٠.
(٩) في المطبوع من "تهذيب اللغة" ١٠/ ٥٨٧، و"اللسان" ١١/ ٣٢٥: مأخوذة. =
والرجلان يستقيان بالسجل فيكون لكل واحد منهما سجل. هذا هو الأصل، ثم قيل لكل أمر بين اثنين يكون (١) لهذا مرَّة ولهذا (٢) مرة: هو بينهما سجال: ومساجلة، ومنه قول اللهبي (٣):
من يساجلني يساجلْ ماجدًا | يملأ الدلو إلى عَقْدَ الكَرَبْ (٤) (٥). |
(١) (يكون): ساقطة من (ع).
(٢) في (أ): (ولذلك).
(٣) هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، القرشي. يقال له الذهبي نسبة إلى أبي لهب.
شاعر من فصحاء بني هاشم، كان معاصرًا للأحوص والفرزدق، وله معهما أخبار. ومدح عبد الملك بن مروان، وهو أول هاشمي يمدح أمويًّا. توفي في خلافة الوليد ابن عبد الملك.
"معجم الشعراء" للمرزباني ١٧٨، "المؤتلف" للآمدي ص ٣٥، "الأعلام" للزركلي ٥/ ١٥٠.
(٤) في (أ): (الكذب)، وهو خطأ.
(٥) البيت للهبي يقوله مفتخرا، وهو منسوب له في: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٢٩، "والمعاني الكبير" لابن قتيبة ٢/ ٧٩٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٧١، والطبري ١٢/ ٩٤، و"الكامل" للمبرد ١/ ١١٠، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٨٦ "سجل"، و"لسان العرب" ١١/ ٣٢٦ (سجل).
والكرب: هو الحبل الذي يشد على الدلو. "لسان العرب" لابن منظور ١/ ٧١٤ "كرب".
والكلام الذي ذكره الواحدي هنا مع البيت منقولٌ من مواضع متفرقة من "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٨٤ - ٥٨٨ "سجل".
وانظر: "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٥ أ.
هذه أربعة أقوال في السجل. وعلى الأقوال الثلاثة المتقدمة (١) قوله: ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ﴾ المصدر مضاف إلى الفاعل، والمراد بالكتاب وبالكتب علي اختلاف القراءتين (٢): الصحائف كما تقول: كطي زيد الكتب، ومن أفرد فإنه واحد يراد به الكثرة. وتكود اللام (٣) في (للكتاب) زائدة كالتي في: ﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل: ٧٢]. هذا كلام أبي علي (٤).
وعلى القول الرابع (٥) المصدر مضاف إلى المفعول، والفاعل (٦) محذوف عن (٧) اللفظ كقوله: ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: ٢٤] والتقدير: كطي الطاوي السجل، فحذف الطاوي وأضيف المصدر إلى المفعول، كما أن المعنى في سؤال نعجتك: بسؤاله نعجتك. وقوله تعالى: ﴿لِلْكُتُبِ﴾ أي: لدرج (٨) الكتب، فحذف المضاف، والمراد بالكتب والكتاب: المكتوب. هذا كله قول أبي علي (٩).
(٢) قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "للكُتُب" على الجمع والكاف والتاء مضمومتان وقرأ الباقون "للكتاب" على التوحيد.
"السبعة" ص ٤٣١، "التَّبْصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٥.
(٣) اللام: ساقطة من (أ).
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٤.
وانظر: "حجّة القراءات" لابن زنجلة ص٤٧٠ - ٤٧١، ٢/ ١١٤ - ١١٥.
(٥) يعني أن السجل: الصحيفة.
(٦) (والفاعل): ساقط من (د)، (ع).
(٧) في "الحجة" ٥/ ٢٦٤: من.
(٨) درج الكتاب: طيه وداخله. "تاج العروس" للزبيدي ٥/ ٥٥٦ (درج).
(٩) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٤ مع تصرف.
ويجوز تقدير آخر وهو أن (٣) السجل يكون بمنزلة الفاعل لما كان بانطوائه ينطوي المكتوب فيه، جعل كأنه يطوي الكتاب.
وتم الكلام (٤)، ثم قال: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ (٥) وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم (٦) حفاة عراة غُرلاً (٧)، كذلك نعيدهم يوم القيامة.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا (٨) بموعظة (٩)، فقال: "إنَّكم مَحشورون حفاة عراة كما
(٢) لم أجده.
(٣) (أنّ): ساقطة من (د)، (ع).
(٤) في (أ): (الكتاب)، وهو خطأ.
(٥) هذا قول الفراء ٢/ ٢١٣، والطبري ١٧/ ١٠١، والزجاج ٢/ ٤٠٦. والمعنى أن الكلام انقطع عند قوله "للكتب" ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذٍ، فقال: كما بدأنا أول خلق نعيده.
وقيل: إن الله تعالى لما قال "وتتلقاهم الملائكة.. " الآية، عقبه بقوله "يوم نطوي السماء.. " فوصف اليوم بذلك، ثم وصفه بوصف آخر فقال "كما بدأنا أول خلق نعيده". انظر: "الرازي" ٢٢/ ٢٢٨.
(٦) في (أ): (أمهاتكم).
(٧) (غرلا): جمع أغرل، وهو الأقلف الذي لم يختن. الفائق في "غريب الحديث" للزمخشري ١/ ١٣٧، "غريب الحديث" لابن الجوزي ٢/ ١٥٤.
(٨) (خطيبًا): ساقطة من (أ).
(٩) (بموعظة): ساقطة من (د)، (ع).
ونحو هذا روت عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).
القول الثاني: ما ذكره الفراء والزجاج، قال الفراء: ثم استأنف فقال: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ أي: نعيد الخلق كما بدأناهم (٤).
وقال الزجاج: نبعث الخلق كما ابتدأناه، أي: قدرتنا على الابتداء (٥).
وقال أبو علي: المعنى نعيد الخلق إعادة كابتدائه، أي كابتداء الخلق والخلق هاهنا اسم الحدث لا الذي يراد به المخلوق (٦).
القول الثالث: ما روي عن ابن عباس أنه قال: نهلك كل شيء كما كان أول مرة (٧). وهذا معنى قوله في رواية عطاء.
وعلى هذا المعنى: كما بدأنا أول خلق نعيده إلى الفناء والهلاك. وعلى هذا ليس الكلام بمستأنف بل هو متصل بالأول يقول: نطوي السماء ثم نعيده (٨) إلى الفناء. قال ابن عباس: كما بدأ خلقها ثم يذهب فلا يكون شيء.
(٢) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٣/ ٣٥١ تحقيق شاكر، والبخاري في "صحيحه" كتاب التفسير -تفسير سورة الأنبياء ٨/ ٤٣٧، ومسلم في "صحيحه" ٤١/ ٢١٩٤ من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس بألفاظ مقاربة.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٢، وصححه القرطبي ١١/ ٣٤٨.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٦. وفيه: كما ابتدأناهم.
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٣. مع اختلاف يسير.
(٧) رواه الطبرى في "تفسيره" ١٧/ ١٠٢ من رواية العوفي، عنه.
(٨) في (أ): (ونعيده).
وروي عن ابن عباس أنه قال: يعني الدنيا تصير للمؤمنين من هذه الأمة، وهذا حكم من الله -عَزَّ وَجَلَّ- بإظهار الدين وقهر الكافرين (٢).
١٠٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ يعني القرآن في قول الجميع (٣). ﴿لَبَلَاغًا﴾ لكفاية. يقال: في هذا الشيء بلاغٌ وبُلْغةٌ وتَبَلُّغ (٤)، أي: كفاية (٥).
والبلوغ: الوصول، والبلاغ: سبب الوصول، وهو ما يوصل به إلى
وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٠١ هذا القول عن أبي العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وأبي صالح وغيرهم.
(١) انظر: "الطبري" ١٧/ ١٠٤ - ١٠٥، و"تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠١، و"الدر المنثور" ٥/ ٦٨٦ - ٦٨٧.
(٢) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ ب عن ابن عباس بهذا النّصّ. وقد ذكر الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٤/ ٦٩٣ أن القولين كليهما حق داخل في الآية ويشهد لكل منهما قرآن. واستشهد للأول -أنها أرض الجنة- ما استشهد به الواحدي، واستشهد للثاني بآيات منها قوله تعالى "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا" [الأحزاب: ٢٧]، وقوله تعالى ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] وغيرها من الآيات.
(٣) انظر "الطبري" ١٧/ ١٠٥، الثعلبي ٣/ ٤٥ ب.
وقيل: الإشارة في قوله ﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ أي: المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة. انظر "القرطبي" ١١/ ٣٤٩، "البحر المحيط" ٦/ ٣٤٤.
(٤) في (د)، (ع): (تبليغ).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٣٩ "بلغ" منسوبًا إلى الليث.
والمعنى: أن من اتبع القرآن وعمل به كان القرآن بلاغه إلى الجنة (٢).
قوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ قال ابن عباس: مطيعين (٣).
وقال كعب: هم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان سماهم الله سبحانه وتعالى عابدين (٤).
وذكر (٥) بعضهم: البلاغ في هذه الآية بمعني التبليغ، على معنى: إنّ في القرآن تبليغًا من الله إلى خلقه، فلا يبقى لأحد بعده عذر. وهذا بعيد؛ لتخصيص العابدين بالذكر، ولأنه قال "بلاغًا لقوم" فوجب أن يكون البلاغ لهم، ولو كان بمعنى التبليغ لم يوصل باللام.
١٠٧ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ قال ابن عباس: في رواية عطاء: يريد للبر والفاجر؛ لأن كل نبي غير محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا كُذِّب أهلك الله من كذَّبه، ومحمد أُخر من كذّبه إلى موت أو قيامة، والذي صدقه عُجلت له الرحمة في الدنيا والآخرة.
(٢) انظر: "الطبري" ١٧/ ١٠٥، "الكشف والبيان " للثعلبي ٣/ ٤٥ ب.
(٣) ذكره القرطبي ١١/ ٣٤٩ عن ابن عباس، وذكره الماوردي ٣/ ٤٧٥ من غير نسبة. وقد روى الطبري ١٧/ ١٠٦ من طريق ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: عالمين. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٦ وزاد نسبته لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره بهذا اللفظ عن كعب: الثعلبيُ في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٥ ب. وقد رواه الطبري ١٧/ ١٠٥ - ١٠٦ عنه بنحوه مفرَّقَا.
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٣/ ٢٠١: "لقوم عابدين" وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحجه ورضيه، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم.
(٥) في (د)، (ع): (وذكرهم)، وهو خطأ.
وقال الكلبي: يعني الجن والإنس. وقال ابن زيد: يعني المؤمنين خاصة (٥).
(٢) في (د)، (ع): (ولمن)، وهو خطأ.
(٣) المسخ: تحويل خلق إلى صورة أخرى. "لسان العرب" ٣/ ٥٥ (مسخ).
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٠٦، وابن أبي حاتم (كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠٢) من طريق المسعودي، عن سعيد بن المرزبان البقال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بنحوه.
ورواه الطبري في "المعجم الكبير" ١٢/ ٢٣ من طريق أيوب بن سويد، عن المسعودي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بنحوه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٦٩: رواه الطبراني، وفيه: أيوب بن سويد، وهو ضعيف جدًّا وقد وثقه ابن حبان بشروط فيمن يروى عنه وقال: إنه كثير الخطأ، والمسعودي قد اختلط.
وقد ذكر هذا الأثر عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٧ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في "الدلائل".
(٥) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٥ ب. ورواه الطبري ١٧/ ١٠٦ بنحوه واختار الطبري ١٧/ ١٠٦ العموم.
فإن قيل: الكفار لم يرحموا به، فالجواب من وجهين:
الأول: ما ذكره الطبري ١٧/ ١٠٦ - وجاءت به الرواية عن ابن عباس- وهو أنه دفع به عنهم عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبه.
الثاني: ما ذكره غير واحد منهم ابن جزي في التسهيل ٣/ ٧٢، والألوسي في روح المعاني ١٧/ ١٠٤ واستظهره، والشنقيطي في "أضواء البيان" ٤/ ٦٩٤ واستظهره، واللفظ له: أنه ما أرسل هذا النبي الكريم صوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خيري الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تل الرحمة =
ومعناه: فهل أنتم مسلمون (٢) لهذا (٣) الوحي (٤) الذي يوحى (٥) إليَّ من إخلاص الإلهية والتوحيد لله.
والمراد بهذا الاستفهام الأمر (٦)، كقوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (٧). وقد مرَّ.
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ قال ابن عباس: يريد فإن لم يسلموا ﴿فَقُلْ آذَنْتُكُمْ﴾ قال: يريد للحرب ﴿عَلَى سَوَاءٍ﴾ يريد على بيان (٨).
والمعنى: أعلمتكم أنّي حرب لكم إعلامًا ظاهرًا، أستوي أنا وأنتم في العلم به، فاستوينا في العلم (٩).
وقال أبو إسحاق: أعلمتكم بما يوحى إلى لتستووا في الإيمان به (١٠).
(١) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٩٩ ونسبه إلى ابن عباس.
(٢) فيكون "مسلمون" بمعنى مستسلمون أو مذعنون أو منقادون. انظر: "الطبري" ١٧/ ١٠٧، وابن كثير ٣/ ٢٠٢.
(٣) في (ع): (بهذا).
(٤) (الوحي): ساقطة من (أ).
(٥) في (د)، (ع): (أوحي).
(٦) نسبه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٣٩٩ إلى أهل المعاني.
(٧) هود: ١٤. ووقع في (أ)، (د): (هل أنتم مسلمون)، وهو خطأ.
(٨) القرطبي ١١/ ٣٥٠ من غير نسبة لأحد. وانظر الماوردي ٣/ ٤٧٦.
(٩) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٨٩.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٨.
وقال أبو علي الفارسي: سواء تحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون صفة لمصدر محذوف، التقدير: آذنتكم إيذانا على سواء، كقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ﴾ [البقرة: ١٨١] التقدير: كتابة كما كتب، فحذف المصدر. ومعنى إيذانا على سواء: إعلامًا نستوي في علمه لا أستبد أنا به (١) دونكم؛ لتتأهبوا لما يراد منكم. والثاني: أن يكون حالاً. فإذا جعلته حالاً أمكن فيه ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون حالاً من الفاعل (٢). والآخر: أن يكون حالاً من المفعول به (٣). والثالث: أن يكون منهما جميعًا، على قياس ما جاء في قول عنترة:
متى ما نلتقي فردين ترجف | روادف إليتيك وتستطارا (٤) (٥) |
(٢) يعني الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) يعني المخاطبين، وهم الكفار.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٢٣٤، وفيه: روانف. و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٤ (طار)، و"أمالي ابن الشجري" ١١/ ١٦، و"المخصص" لابن سيده ٢/ ٤٤، و"لسان العرب" ٤/ ٥١٣ "طير". وفي جميع ما مضى: روانف.
وهو من قصيدة قالها عنترة يهجو بها عمارة بن زياد العبسي أحد سادة عبس، وكان يحسد عنترة ويقول لقومه: إنكم أكثرتم ذكره، والله لوددت أني لقيته خاليًا حتى أعلمكم أنه عبد، قال الشنتمري في شرحه لديوان عنترة ص ٢٣٤: قوله: نلتقي فردين: أي: منفردين أنا وأنت.. ، والروانف: جوانب الإليتين وأعلاها وإجدتها رانفة. ومعنى ترجف: تضطرب جزعًا وجبنا، وتستطار: تكاد تطير، والألف في تستطار ضمير الروانف لأنهما في معني رانفين، ويجوز أن تكون ضمير الإليتين. اهـ. وانظر "الخزانة للبغدادي" ٣/ ٣٧٧.
والشاهد فيه: نصب "فردين" على الحال من ضميره النهاعل والمفعول في "نلتقي".
(٥) انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٤٨٣ - ٤٨٤، "إعراب القرآن" للأنباري =
﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ﴾ قال الزجاج: ما أدرى لعل ما آذنتكم به ﴿فِتْنَةٌ لَكُمْ﴾ أي: اختبار (٢).
يعني: ما أخبرهم (٣) به من أنه لا يدري وقت عذابهم وهو القيامة، وكأنه قيل: لعل تأخير العذاب عنكم اختبار لكم ليرى كيف صنيعكم.
وهذا معنى قول سعيد ابن جبير والأكثرين: أن الفتنة هاهنا بمعنى الاختبار (٤).
وقال ابن عباس -في رواية عطاء-: لعله هلاككم (٥). يعني: أنهم يزدادون طغيانًا وتماديًا في الشر بتأخير العقوبة عنهم (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ أي: تتمتعون إلى (٧) إنقضاء آجالكم.
١١٢ - قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ قال قتادة: كانت الأنبياء
(١) ذكره القرطبي ١١/ ٣٥٠ عن ابن عباس. ثم قال القرطبي: وقيل: آذنتم بالحرب، ولكن لا أدري متى يؤذن لي في محاربتكم.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٨.
(٣) في (أ): (اختبرهم).
(٤) لم أجد من ذكره عن سعيد، وقد ذكره الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٥٣، والجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٦٤ ب ولم ينسباه لأحد.
(٥) في (د)، (ع): (هلاكهم).
(٦) ذكره الماوردي ٣/ ٤٧٧ من غير نسبة لأحد.
(٧) في (د)، (ع): (في)، وهو خطأ.
فعلى هذا معنى ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: بعذاب كفار قومي الذي هو حق نازل بهم. ويدل على هذا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا شهد قتالاً قال: رب احكم بالحق (٢).
قال الكلبي: فحكم عليهم بالقتل (٣) يوم [بدر، ويوم] (٤) أحد، ويوم الأحزاب، ويوم خيبر، ويوم الخندق.
فدل على أن المسئول بقوله: ﴿احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ عذاب قومه، والمعنى على هذا القول: افصل بيني وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع.
وقال أبو عبيدة: معناه: رب احكم بحكمك [الحق] (٥)، فأقيم الحق (٦) مقامه؛ لأن حكمه لا يكون إلا حقًّا (٧).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٠، والطبري ١٧/ ١٠٨ عن قتادة مرسلاً. وهو ضعيف لإرساله، ومراسيل قتادة من أوهى المراسيل.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٨٩، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة، به مرسلا.
(٣) في جميع النسخ: (القتل)، والمثبت من "الوسيط" ٣/ ٢٥٥.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) زيادة من "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٦ أ.
(٦) في (أ): (بالحق)، هو خطأ.
(٧) لم أجده في المطبوع من "مجاز القرآن". وهو عند القرطبي ١١/ ٣٥١ منسوبًا إلى أبي عبيدة. وذكره الطبري ١٧/ ١٠٨ هذا القول وصدّره بقوله: وقد زعم بعضهم أن معنى.. فذكره، ثم قال الطبري: ولذلك وجه، غير أن الذي قلناه -يعني القول الأول الذي ذكره الواحدي، وهو أن معخى الحق هنا عذاب قومه- أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل، فلذلك اخترناه.
وقرأ حفص (٤) ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ يعني قال الرسول ذلك (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد من تكذيبهم النبي وخلافكم إياه، واتخاذكم الحجارة أربابًا.
وقال غيره (٦): على ما تكذبون في قوله ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] وقولكم: ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [الأنبياء: ٢٦]. والمعنى ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ من كذبكم وباطلكم.
والوصف بمعنى الكذب -على الوجه الذي ذكرنا- قد ذكر في مواضع من التنزيل كقوله: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩]، وقوله: {وَلَكُمُ
(٢) في (أ): (لقوله).
(٣) ذكره هذا المعنى باختصار الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٥٣ ولم ينسبه لأحد.
(٤) قرأ حفص عن عاصم: (قال) بألف، وقرأ الباقون: (قُل) بغير ألف. "السبعة" ص ٤٣١، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٦.
(٥) أي: إخبار عن الله عز وجل عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- فهي مسألة سألها ربه، وقراءة الباقين: (قل) على الأمر، أي: قل يا محمد: يا رب احكم بالحق فهو تعلم من الله لنبيّه أن يسأله الحكم بالحق.
"علل القراءات" الأزهري ٢/ ٤١٧، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧١.
(٦) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٩.
فمن قرأ بالتاء ففي الآية إضمار، أي: وقيل للمشركين: وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون. ومن قرأ بالياء فهو (٢) إخبار عن الكفار (٣).
"السبعة" ص ٤٣٢، "النشر" ٢/ ٣٢٥.
(٢) (فهو): ساقطة من (د)، (ع).
(٣) انظر: "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٦٥، "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤١٧.