تفسير سورة النّور

تفسير الإمام مالك
تفسير سورة سورة النور من كتاب تفسير الإمام مالك .
لمؤلفه مالك بن أنس . المتوفي سنة 179 هـ

الآية الأول : قوله تعالى :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ [ النور : ٢ ].
٦٧٦- ابن كثير : قال عبد الرزاق : حدثني ابن وهب عن الإمام مالك في قوله :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ قال : الطائفة أربعة نفر فصاعدا. ١
١ - تفسير القرآن العظيم: ٣/٢٦٣. وينظر: أحكام القرآن للجصاص، والجامع: ١٢/١٦٦، وروح المعاني: م٦ ج١٨/٨٣..
الآية الثانية : قوله تعالى :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ [ النور : ٣ ].
٦٧٧- محمد بن الحسن : أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، في قول الله عز وجل :﴿ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ قال : سمعته يقول : إنها قد نسخت بالآية التي بعدها، ثم قرأ :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾١. ٢
١ - سورة النور، الآية: ٣٢..
٢ - الموطأ برواية محمد بن الحسن: ٣٤٤. حديث رقم ١٠٠٤ باب التفسير. وأخرجه ابن العربي في أحكام القرآن: ٣/١٣٣١-١٣٣٢. وعلق عليه قائلا: وقد بينا في القسم الثاني من الناسخ والمنسوخ من علوم القرآن أن هذا ليس بنسخ. وإنما هو تخصيص عام وبيان لمحتمل كما تقتضيه الألفاظ وتوجيه الأصول، من فسر النكاح بالوطء وبالعقد وتركيب المعنى عليه. والله أعلم..
الآية الثالثة : قوله تعالى :﴿ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ﴾ [ النور : ٤ ].
٦٧٨- يحيى : عن مالك، أنه بلغه عن سليمان بن يسار وغيره، أنهم سئلوا : عن رجل جلد الحد١ أتجوز شهادته ؟ فقالوا : نعم. إذا ظهرت منه التوبة. ٢
وقال مالك، أنه سمع ابن شهاب يسأل عن ذلك. فقال مثل ما قال سليمان بن يسار.
قال مالك : وذلك الأمر عندنا. وذلك لقوله تعالى :﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ﴾٣ [ النور : ٤-٥ ] قال مالك : فالأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الذي يجلد الحد ثم تاب وأصلح. تجوز شهادته. وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك.
٦٧٩- ابن أبي زيد قال مالك : والإحصان : إحصان عفاف في الإسلام بالحرية، وإحصان نكاح وقول الله تعالى :﴿ يرمون المحصنات ثم لم يأتوا ﴾ فهذا إحصان في الحرائر المسلمات، فمن قذفهن من مسلم أو ذمي ذكر أو أنثى جلد ثمانين جلدة، وعلى العبد أربعين، ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا، ولا يحصن إلا وطء صحيح. ٤
١ - الحد: في اللغة المنع، وفي الشريعة: هو عقوبة مقدرة وجبت حقا لله عز وجل. أنيس الفقهاء /١٧٣. وينظر: التعريفات /٨٣..
٢ - الموطأ: ٢/٧٢١. كتاب الأقضية. باب القضاء في شهادة الحدود. وقال الألوسي في روح المعاني: "ومن الغريب ما روى ابن الهمام عن مالك أنه مع قوله، إن للابن أن يطالب بحد والده إذا قذف أمه قال: إنه إذا حد الأب سقطت عدالة الابن لمباشرته سبب عقوبة أبيه" م٦ ج ١٨/٩٦..
٣ - سورة النور، الآية: ٤، ٥..
٤ - النوادر والزيادات: ١٤/٢٣٤..
الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهادة إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين* والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين* ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين* والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾ [ النور : ٦-٩ ].
٦٨٠- يحيى : قال مالك : قال الله تبارك وتعالى :﴿ والذين يرمون أزواجهم ولم لكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشاهدة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين* والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين* ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين* والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ﴾. ١
قال مالك : السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، وإن أكذب نفسه جلد الحد. وألحق به الولد. ولم ترجع إليه أبدا. وعلى هذا السنة عندنا، التي لا شك فيها، ولا اختلاف.
قال مالك : والأمة المسلمة، والحرة النصرانية واليهودية تلاعن الحر المسلم إذا تزوج إحداهن فأصابها وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :﴿ والذين يرمون أزواجهم ﴾ فهن من الأزواج. وعلى هذا الأمر عندنا.
قال مالك : في الرجل يلاعن امرأته فينزع، ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين ما لم يلتعن في الخامسة : إنه إذا نزع قبل أن يلتعن جلد الحد. ولم يفرق بينهما.
الآية الخامسة : قوله تعالى :﴿ يعظكم الله أن تعودوا لمثله ﴾ [ النور : ١٧ ].
٦٨١- القاضي عياض : روي عن مالك، من سب أبا بكر جلد ومن سب عائشة قتل قيل له : لم ؟ قال : من رماها فقد خالف القرآن. ٢
وقال ابن شعبان عن مالك : لأن الله يقول :﴿ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ﴾ [ النور : ١٧ ].
١ - الموطأ: ٢/٥٦٧-٥٦٨-٥٦٩. كتاب الطلاق، باب ما جاء في اللعان..
٢ - الشفا: ٢/٣٠٩. "وقال القاضي عياض أيضا: قوله تعالى: ﴿ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك﴾ [النور: ١٦]. سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة: ٢/٣٠٩"..
الآية السادسة : قوله تعالى :﴿ لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ﴾ [ النور : ٢٧ ].
٦٨٢- ابن كثير : قال مالك عن زيد بن أسلم : هي بيوت الشعر. ١
قوله تعالى :﴿ حتى تستأنسوا ﴾ [ النور : ٢٧ ].
٦٨٣- ابن العربي : روى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك : أن الاستئناس هو : الاستئذان. وروى مطرف، عن مالك عن زيد بن أسلم أنه استأذن على ابن عمر فقال : أألج ؟ فأذن له ابن عمر، قال زيد : فلما قضيت حاجتي أقبل علي ابن عمر فقال ما لك. واستئذان العرب إذا استأذنت فقل : السلام عليكم، فإذا رد عليك السلام فقل : أأدخل ؟ فإن أذن لك فادخل. ٢
قال ابن القاسم : قال مالك : ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليها.
٦٨٤- ابن رشد : قال ابن القاسم : " سألت مالكا عن الاستئناس ما هو ؟ فقال : التسليم. قلت : فالرجل يؤذن له في مثل دار فيدخل في الدار بإذن، فإذا جاء إلى باب البيت أترى أن يستأذن ؟ قال : ليس ذلك عليه إذا أذن له مرة. وقال : الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع، قلت : ما هذا ؟ قال : تسلم ثلاث مرات فإن أذن لك وإلا فانصرف ". ٣
٦٨٥- يحيى : عن مالك عن صفوان٤ بن سليم، عن عطاء٥ بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال : يا رسول الله أستأذن على أمي ؟ فقال : " نعم " قال الرجل : إني معها في البيت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استأذن عليها "، فقال الرجل : إني خادمها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( استأذن عليها. أتحب أن تراها عريانة ؟ ) فقال : لا. قال :( فاستأذن عليها ). ٦
١ - تفسير القرآن العظيم: ٣/٢٨٢..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٥٩-١٣٦٠. ينظر: الجامع: ١٢/ ٢٥٠. وقال ابن رشد في المقدمات "فالاستيناس هو الاستئذان في الصحيح من الأقوال، لأنه استفعال من الأنس" ٣/٤٤٤..
٣ - البيان والتحصيل: ١٨/ ٤٦٩. قال محمد بن رشد معلقا على تفسير مالك: "وهو الصحيح الذي ذهب إليه المفسرون"..
٤ -صفوان بن سليم: "الزهري مولاهم أبو عبد الله المدني. قال أحمد ثقة من خيار عباد الله الصالحين. قال أبو عبيدة مات سنة اثنتين وثلاثين مائة" خلاصة تهذيب الكمال: ١٤٧..
٥ -عطاء بن يسار: "الهلالي أبو محمد المدني قال النسائي ثقة. قال الهيثم بن عدي توفي سنة سبع وتسعين. وقال عمرو بن علي سنة ثلاثة ومائة" الخلاصة: ١٢٦..
٦ -الموطأ: ٢/ ٩٦٣. كتاب الاستئذان، باب الاستئذان..
الآية السابعة : قوله تعالى :﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ [ النور : ٣٣ ].
٦٨٦- يحيى : قال مالك : الأمر عندنا أنه ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك. ولم أسمع أن أحدا من الأئمة أكره رجلا على أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سئل عن ذلك فقيل له : إن الله تبارك وتعالى يقول :﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ يتلو هاتين الآيتين :﴿ وإذا حللتم فاصطادوا ﴾١ [ المائدة : ٢ ] ﴿ فإذا قضيت الصلوات فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ﴾٢ [ الجمعة : ١٠ ]. ٣
قال مالك : وإنما ذلك أمر أذن الله عز وجل فيه للناس. وليس بواجب عليهم.
٦٨٧- يحيى : عن مالك أنه بلغه، أن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار٤، كانا يقولان : المكاتب، عبد ما بقي عليه من كتابته شيء. ٥
قال مالك : وهو رأيي.
قوله تعالى :﴿ إن علمتم فيهم خيرا ﴾ [ النور : ٣٣ ].
٦٨٨- ابن رشد : قال مالك : القوة على الأداء. ٦
٦٨٩- ابن العربي : قال مالك : إنه القدرة على السعي والاكتساب. ٧
قوله تعالى :﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ [ النور : ٣٣ ].
٦٩٠- يحيى : قال مالك : وسمعت بعض أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى :﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾. إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى. ٨
قال مالك : فهذا الذي سمعت من أهل العلم، وأدركت عمل الناس على ذلك عندنا.
قال مالك : وقد بلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.
٦٩١- ابن العربي : قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : وسألته عما يترك للمكاتب من كتابته الذي يكاتب عليها. متى يترك، وكيف يكتب ؟ فقال مالك : يكتب في كتابه أنه كاتب على كذا. وقد وضع عنه من أجر كتابته كذا٩. ١٠
قوله تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ﴾ [ النور : ٣٣ ].
٦٩٢- ابن العربي : قال مالك عن الزهري : أنه كان لعبد الله بن أبي١١ جارية يقال لها معاذة، وكان رجل من قريش أسر يوم بدر فكان عنده، وكان القرشي يريد الجارية على نفسها، وكانت الجارية تمتنع منه لإسلامها، وكان عبد الله بن أبي يضربها على امتناعها من القرشي، رجاء أن تحمل منه، فيطلب فداء ولده، فأنزل الله الآية. ١٢
١ - سورة المائدة، الآية: ٢..
٢ -سورة الجمعة: الآية: ١٠..
٣ - الموطأ: ٢/٧٨٨. كتاب المكاتب، باب القضاء في المكاتب. قال الباجي في المنتقى عند شرح هذا الحديث: "أراد أن هذا اللفظ يحتمل غير الوجوب وأنه ليس كل ما ورد بهذه الصيغة واجبا، فقد يكون منه المنذوب إليه والمباح وغير ذلك مما تحتمله هذه الصيغة من المعاني" ٧/٥. قال ابن رشد في المقدمات: "والذي يدل على أنه غير واجب أن الله لم يحد فيه حدا في كتابه ولا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ولو كان فرضا لكان محدودا، لأن الفرض لا يكون غير محدد بكتاب أو سنة" ٣/١٧٥..
٤ - سليمان بن يسار: "مولى ميمونة المدني أحد الفقهاء السبعة قال أبو زرعة ثقة مأمون، وقال ابن سعد كان ثقة عالما رفيعا فقيها. قال الهيثم بن عدي مات سنة مائة وقال خليفة مات سنة أربع وقال ابن سعد والبخاري سنة سبع عن ثلاث وسبعين سنة "الخلاصة ١٣١. ينظر: التاريخ الصغير: ١/٢٣٥..
٥ - الموطأ: ٢/٧٨٧. كتاب المكاتب، باب القضاء في المكاتب..
٦ - البيان والتحصيل: ١٨/١٨٥..
٧ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٨٣ وينظر: المحرر: ١١/٣٠١، والجامع: ١٢/٢٤٥، ولباب التأويل: ٥/٧٤..
٨ - الموطأ: ٢/٧٨٨. كتاب المكاتب. باب القضاء في المكاتب. وقال ابن العربي في أحكام القرآن: المسألة التاسعة: قوله تعالى: ﴿وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾ فيه قولان: أحدهما: "أنه مال الزكاة: قاله إبراهيم والحسن، ومالك": ٣/١٣٨٤..
٩ - يستفاد من هذا أن الإمام مالك رضي الله عنه كانت له دراية بعلم الوثائق..
١٠ -أحكام القرآن لابن العربي: ٣/ ١٣٨٥..
١١ -عبد الله بن أبي: أحمد بن جحش الأسدي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. الخلاصة: ١٦١..
١٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٨٦. وأخرجه النيسابوري في أسباب النزول؛ ٢٢٠، والسيوطي في الدر: ٦/١٩٣- ١٩٤..
الآية الثامنة : قوله تعالى :﴿ من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ﴾ [ النور : ٣٥ ].
٦٩٣- ابن العربي : روى ابن وهب عن مالك١، قال : هو الشام، الشرق من هاهنا والغرب من هاهنا. ٢
١ - وفي القبس: قال المصريون سمعنا مالكا يقول هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر: ٢/١٦٩ كتاب التفسير. قال ابن الأثير في النهاية..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٨٧. وأضاف قائلا: أنها ليست من شجر الشرق دون الغرب ولا من شجر الغرب دون الشرق، لأن الذي يختص بإحدى الجهتين كان أدنى زيتا، وأضعف ضوءا، ولكنها ما بين الشرق والغرب كالشام، لاجتماع الأمرين فيه، وهو قول مالك..
الآية التاسعة : قوله تعالى :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾ [ النور : ٥٥ ].
٦٩٤- ابن العربي : قال مالك١ : نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾. ٢
١ - العشاء: بالكسر والمد: "مثل العشى والعشاءات: المغرب، والعتمة. والعشاء بالفتح والمد: الطعام بعينه وهو خلاف الغداء" أنيس الفقهاء /٧٤..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٩٢. ينظر: القبس: ٣/١٠٧٨ كتاب التفسير، والجامع: ١٢/٢٩٧.
وقال أبو بكر الحسين المراغي في كتابه: تحقيق النصرة بتلخيص مصالح دار الهجرة: "ونقل عن يحيى بن سليمان بن نضلة قال: قال هارون الرشيد لمالك بن أنس: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك: كقرب قبريهما من قبره بعد وفاتهما، فقال: شفيتني يا مالك" ١٠٠..

الآية العاشرة : قوله تعالى :﴿ ومن بعد صلاة العشاء ﴾ [ النور : ٥٨ ].
٦٩٥- ابن العربي : قال ابن القاسم، قال مالك :﴿ ومن بعد صلاة العشاء ﴾ فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تسمى بما سماها به الله، ويعلمها الإنسان أهله وولده، ولا يقل عتمة١ إلا عند خطاب من لا يفهم، وقد قال حسان بن ثابت٢ :٣
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا ولكن من لطيف يؤرقني إذا ذهب العشاء٤
٦٩٦- محمد العتبي : ابن القاسم، عن مالك، قال : الأعراب يسمون المغرب الشاهد، لأنها لا تقصر، وأحب إلي أن يقال في العتمة صلاة العشاء، لقول الله تعالى :﴿ ومن بعد صلاة العشاء ﴾، إلا أن تخاطب من لا يفهم عنك فذلك واسع. ٥
١ - العتمة: وقت صلاة العشاء. قال الخليل: العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق. أنيس الفقهاء/٧٤..
٢ - حسان بن ثابت: ابن المنذر بن حرام أنصاري النجاري. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاعره. قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين سنة. وفي الإسلام مثلها. وكان قديم الإسلام. ولم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا قال الحافظ بن عساكر: كان جهاده بشعره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب له منبرا في المسجد يقوم عليه يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك على قريش أشد من رشق النبل. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجب على رسول الله. اللهم أيده بروح القدس! وفي رواية أهجهم أو هاجمهم وجبريل معك. قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاث: "كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي في الإسلام، وشاعر اليمن كلها، وكان أشهر أهل المدر. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة أربع وخمسين توفي حسان بن ثابت. وقال شمس الدين الذهبي: الذي بلغنا أن حسانا، وأباه وجده، وجد أبيه، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة" نكت الهميان: ١٣٤، ١٣٥، ١٣٦، ١٣٨.
وأورد الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغلبنكم الأعراف على اسم صلاتكم العشاء. فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل) ٢/١١٨. وينظر: فتح الباري: ٢/٤٤٢. باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا. قال ابن الأثير في النهاية في شرح هذا الحديث: قال الأزهري: "أرباب النعم في البادية يريحون الإبل ثم ينيخونها في مراحها حتى يعتموا: أي يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمته، وكانت الأعراب يسمون صلاة العشاء صلاة العتمة، تسمية بالوقت، فنهاهم عن الاقتداء بهم، واستحب لهم التمسك بالاسم الناطق به لسان الشريعة" ١٨٩٣.
وانظر النوادر والزيادات: ١/١٤٦..

٣ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٣٩٨. ينظر: الجامع: ١٢/٣٠٧..
٤ - ديوان حسان بن ثابت: ٧١..
٥ - البيان والتحصيل: ١/٣٢٤. وانظر النوادر والزيادات: ١/١٤٦..
الآية الحادية العشرة : قوله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ﴾ [ النور : ٦١ ].
٦٩٧- ابن العربي : روى مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن الآية نزلت في أناس كانوا إذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعنون في الجهاد- وضعوا مفاتيح بيوتهم عند أهل العلة ممن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : عند الأعمى، والأعرج، والمريض، وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا من بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، فكانوا يتقونه، ويقولون : نخشى ألا تكون نفوسهم بذلك طيبة، فأنزل الله هذه الآية يحله لهم. ١
١ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٤٠٤. وينظر: أسباب النزول للنيسابوري: ٢٢٣..
الآية الثانية عشرة : قوله تعالى :﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ﴾ [ النور : ٦٢ ].
٦٩٨- ابن العربي : روى أشهب، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن الكريم، عن مالك : أن هذه الآية، إنما كانت في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. ١
١ -أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٤١٠. وزاد قائلا: وكذلك قال محمد بن إسحاق، والذي بين ذلك أمران صحيحان.
أما أحدهما فهو قوله تعالى في الآية الأخرى: ﴿قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا﴾ [النور: ٦٣]، وذلك أن المنافقين كانوا يتلوذون، ويخرجون عن الجماعة، ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يتبين إيمانه. وأما الثاني: فهو قوله تعالى: ﴿لم يذهبوا حتى يستأذنوه﴾ [النور: ٦٢]. فأي إذن في الحدث والإمام يخطب، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه، وقد قال: ﴿فأذن لمن شئت منهم﴾ [النور: ٦٢]. فبين بذلك أنه مخصوص في الحرب التي يؤثر فيها التفرق أما إن الآية تدل بقوة معناها على أن من حضر جماعة لا يخرج إلا لعذر بين أو بإذن قائم من مالك الجماعة ومقدمها، وذلك أن الاجتماع كان لغرض فما لم يتم الغرض لم يكن للتفرق أصل، وإذا كمل الغرض جاز التفرق. ينظر: البيان والتحصيل؛ ١٨/٤٥٠، والجامع: ١٢/٣٢٠-٣٢١.
وفي الجامع قال القرطبي: "روى أشهب، وابن عبد الحكم، عن مالك أن هذه الآية نزلت في حفر الخندق حين جاءت قريش وقائدها أبو سفيان وغطفان وقائدها عُيينة بن حصن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة فكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل ويتعذرون بأعذار كاذبة": ١٢/٣٢٠-٣٢١..

الآية الثالثة عشرة : قوله تعالى :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ [ النور : ٦٣ ].
٦٩٩- ابن كثير : قال مالك عن زيد بن أسلم في قوله :﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ قال : أمرهم الله أن يشرفوه. ١
قوله تعالى :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره ﴾ [ النور : ٦٣ ].
٧٠٠- ابن العربي : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الأزدي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيوة، حدثنا جرهمي بن أبي العلاء، قال : سمعت الزبير٢ بن بكار يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : سمعت مالكا بن أنس وأتاه رجل، فقال : يا أبا عبد الله، من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحُليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد فقال : لا تفعل. قال : إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال : لا تفعل، فإني أخشي عليك الفتنة. قال : وأي فتنة في هذا ؟ إنما هي أميال أزيدها. قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت رسول الله يقول :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن يصيبهم عذاب أليم ﴾. ٣
٧٠١- أبو نعيم : قال مالك وجاءه رجل وسأله عن مسألة. فقال له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فقال الرجل : أرأيت ؟ قال مالك :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن يصيبهم عذاب أليم ﴾. ٤
١ - تفسير القرآن العظيم: ٣/٣٠٧..
٢ - الزبير بن بكار: بن عبد الله بن مصعب من سلالة الزبير بن العوام، من أهل المدينة عالم بالفقه والحديث والأدب والإخبار من تأليفه: جمهرة أنساب قريش. تولى قضاء مكة، وتوفي بها سنة ٢٥٦". تذكرة الحفاظ: ١/٥٢٨، والديباج: ١/٣٧١، والمدارك: ٣/٣٥٢، وخلاصة تهذيب الكمال: ١٠٢..
٣ - أحكام القرآن لابن العربي: ٣/ ١٤١٢-١٤١٣. ينظر: ترتيب المدارك: ٢/٤٠، وفتاوي الإمام الشاطبي: ١٩٨- ١٩٩، والاعتصام: ٢/٥٢-٥٣. وزاد الشاطبي معقبا: "فأنت ترى أنه خشي عليه الفتنة في الإحرام من موضع فاضل لا بقمة أشرف منه، هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع قبره، لكنه أبعد من الميقات فهو زيادة في التعب قصدا لرضا الله ورسوله، فبين أن ما استسهله من ذلك الأمر اليسير في بادي الرأي يخاف على صاحبه الفتنة في الدنيا والعذاب في الآخرة واستدل بالآية. فكل ما كان مثل ذلك داخل عند مالك في معنى الآية، فأين التنزيه في هذه الأمور التي يظهر بأول النظر أنها سهلة ويسيرة": ٢/٥٣..
٤ - الحلية : ٦/٣٢٦..
Icon