تفسير سورة الصف

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الصف من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة الصف مدنية، وقيل مكية، وآيها أربع عشرة.

﴿سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ الكلامُ فيه كالذي مر في نظيره
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ رُوِيَ أنَّ المسلمينَ قالُوا لو علمنَا أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى لبذلنَا فيه أموالَنا وأنفسَنا فلما نزلَ الجهادُ كرهوهُ فنزلت وما قيل من أن النازل قوله تعالى إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ صَفّاً بيّن الاختلال وروي أنهم قالوا يا رسولَ الله لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فنزلت هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة إلى قوله تعالى وتجاهدون فِى سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ فولَّوا يومَ أحدٍ وفيه التزامُ أنَّ ترتيبَ الآياتِ الكريمةِ ليسَ على ترتيبِ النزولِ وقيل لما أخبرَ الله تعالى بثوابِ شهداءِ بدرٍ قالتِ الصحابةُ اللَّهم أشهدْ لئِن لقِينا قتالاً لنُفْرغَن فيهِ وُسعنا ففرّوا يومَ أحدٍ فنزلتْ وقيلَ إنَّها نزلتْ فيمن يمتدح كاذباً حيثُ كانَ الرجلُ يقولُ قتلتُ ولم يقتُلْ ولم يَطعنْ وهكذا وقيلَ كانَ رجلٌ قد آذَى المسلمينَ يومَ بدرٍ ونكى فيهم فقتله صهيب وانثحل قتلَهُ آخرُ فنزلتْ في المنتحِلِ وَقِيلَ نزلتْ في المنافقينَ ونداؤُهم بالإيمانِ تهكمٌ وبإيمانهم وليس بذلك كما ستعرفُهُ ولمَ مركبةٌ من اللامِ الجارةِ وما الاستفهاميةِ قد حذفتْ ألفُها تخفيفا لكثرة استعمالها معاً كما في عَمَّ وفيما نظائرهما معنَاها لأيِّ شيءٍ تقولونَ نفعل مالا تفعلونَ من الخيرِ والمعروفِ على أنَّ مدارَ التعبيرِ والتوبيخِ في الحقيقةِ عدمُ فعلِهم وإنَّما وجها إلى قولِهِم تنبيهاً على تضاعفِ معصيتِهِم ببيانِ أنَّ المنكرَ ترك وليس تركَ الخيرِ الموعودِ فقط بلِ الوعدَ بهِ أيضاً وقد كانُوا يحسبونَهُ معروفاً ولو قيلَ لمَ لا تفعلوا ما تقولونَ لفُهم منهُ أنَّ المنكرَ هُو تركُ الموعودِ
﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ بيانٌ لغايةِ قُبحِ ما فعلوهُ وفرطِ سماجتِه وكبُرَ من بابِ نِعْمَ وبِئْسَ فيه ضميرٌ مبهمٌ مفسرٌ بالنكرةِ بعدهُ وأنْ تقولُوا هو المخصوصُ بالذمِّ وقيل قُصدَ فيهِ التعجبُ من غيرِ لفظِهِ وأُسْندَ إلى أنْ تقولُوا ونصبُ مقتاً على تفسيرِهِ دلالةٌ على أن قولهم مالا يفعلونَ مقتٌ خالصٌ لا شوبَ فيهِ كبُرَ عندَ من يحقرُ دونَهُ كلُّ عظيمٍ
242
٥ ٤
وقوله تعالى
243
﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ بيانٌ لِما هو مرضيٌّ عنده تعالى بعد بيانِ ما هو ممقوتٌ عندهُ وهذا صريحٌ في أنَّ ما قالُوه عبارةٌ عن الوعدِ بالقتالِ لا عما تقوله المتمدح أو انتحلَهُ المنتحِلُ أو أعاده المنافقُ وأنَّ مناطَ التعبيرِ والتوبيخِ هو إخلافُهم لا وعدُهم كما أشيرَ إليهِ وقُرِىءَ يقاتَلُونَ بفتح التاء ويقاتلون وصفا مصدرٌ وقعَ موقعَ الفاعلِ أو المفعول نصبه على الحاليةِ من فاعلِ يقاتلونَ أي صافِّينَ أنفسَهُم أو مصفوفِينَ وقولُه تعالى ﴿كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ﴾ حالٌ من المستكن في حال الأُولى أي مشبهينَ في تراصِّهِم من غيرِ فُرجةٍ وخللٍ ببنيانٍ رُصَّ بعضُهُ إلى بعضٍ ورُصفَ حتى صار شيئاً واحداً وقولُه تعالى
﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ﴾ كلامٌ مستأنفٌ مقرِّرٌ لما قبله من شناعة تركِ القتالِ وإذْ منصوبٌ على المفعوليةِ بمضمرِ خوطبَ به النبي عليه الصلاة والسلام بطريقِ التلوينِ أيْ واذكُر لهؤلاءِ المعرضينَ عن القتالِ وقتَ قولِ مُوسى لبني إسرائيلَ حينَ ندبَهُم إلى قتال الجبابرة بقوله يا قوم ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فتنقلبلوا خاسربن فلم يمتثلُوا بأمرِهِ وعَصوه أشدَّ عصيانٍ حيثُ قالُوا يا موسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون إلى قولِهِ تعالى فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إنا ههنا قاعدون وأصرُّوا على ذلكَ وآذُوه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كلُّ الآذية ﴿يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِى﴾ أي بالمخالفةِ والعصيانِ فيما أمرتكُم بهِ وقولُه تعالَى ﴿وَقَد تَّعْلَمُونَ إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ﴾ جملةٌ حاليةٌ مؤكدةٌ لإنكارِ الإيذاءِ ونفيِ سببِهِ وقدْ لتحقيقِ العلمِ وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على استمرارِهِ أي والحالُ أنَّكم تعلمونَ علماً قطعياً مستمراً بمشاهدةِ ما ظهر بيديَّ من المعجزاتِ القاهرةِ التي معظمُها إهلاكُ عدوِّكُم وإنجاؤُكم من ملكتِهِ إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ لأرشدَكم إلى خيرِ الدُّنيا والآخرةِ ومن قضيةِ علمكم بذلكَ أن تبالغُوا في تعاظيمى وتسارعُوا إلى طاعتِي ﴿فَلَمَّا زَاغُواْ﴾ أي أصرُّوا على الزيغِ عن الحقُّ الذي جاءَ به موسَى عليهِ السلامُ واستمرُّوا عليهِ ﴿أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ أيْ صرفَها عن قبولِ الحقِّ والميلِ إلى الصوابِ لصرفِ اختيارِهِم نحو الغيِّ والضلالِ وقولُهُ تعالى ﴿والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين﴾ اعتراضٌ تذييليُّ مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغةِ ومؤذنٌ بعلتِهِ أيْ لا يهدِي القومَ الخارجينَ عن الطاعةِ ومنهاجِ الحقِّ المُصرِّين على الغَوايةِ هدايةً موصلةً إلى ما يوصل إليها فإنها شاملةٌ للكُلِّ والمرادُ بهم إما المذكرورن خاصَّة والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهم بالفسقِ وتعليلِ عدم الهدية بهِ أو جنسِ الفاسقينَ وهم داخلون ف حُكمه دخولاً أولياً وأيّاً ما كانَ فوصفُهم بالفسقِ ناظرٌ إلى ما في قولِهِ تعالى فافرق بَيْنَنَا وبين القوم الفاسقين هذا هُو الذي تقتضيهِ جزالةُ النظمِ
243
٨ ٦
الكريمِ ويرتضيهِ الذوقُ السليمُ وأما ما قيلَ بصددِ بيانِ أسبابِ الأذيةِ من أنهم كانُوا يؤذونَهُ عليهِ الصلاة اولسلام بانواع الأذى من انقاصه وعيبِهِ في نفسِهِ وجحودِ آياتِهِ وعصيانِهِ فيما تعودُ إليهِم منافعُهُ وعبادتِهِم البقرَ وطلبِهِم رؤيةَ الله جهرةً والتكذيبِ الذي هو تضييعُ حقِّ الله وحقِّه فممَّا لا تعلُّقَ له بالمقامِ وقوله تعالى
244
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ إمَّا معطوفٌ على إذ الأُولى معمولٌ لعاملِهَا وإما معمولٌ لمضمرٍ معطوفٍ على عاملها ﴿يا بني إسرائيل﴾ ناداهُم بذلكَ استمالةً لقلوبِهِم إلى تصديقه في قولِهِ ﴿إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة﴾ فإنَّ تصديقَهُ عيه الصلاةُ والسلامُ إيِّاها من أَقْوى الدَّواعي إلى تصديقِهِم إيَّاه وقولُهُ تعالَى ﴿وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى﴾ معطوف على مصدقا داع الى تصدقيه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مثلَه من حيثُ إن البشارةَ به واقعة في التوراة والعاملُ فيهما ما في الرسولِ من مَعْنَى الإرسالِ لا الجارُّ فإنَّه صلةٌ للرسولِ والصلاتُ بمعزلٍ من تضمنِ معنى الفعلِ وعليهِ يدورُ العملُ أي أرسلتُ إليكم حالَ كونِي مصدقاً لما تقدمنى من التوراة ومبشراً بمنْ يأتي من بعدِي من رسولٍ ﴿اسمه أحمد﴾ أى محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم يريدُ أنَّ دينيَ التصديقُ بكتبِ الله وأنبيائِهِ جميعاً ممن تقدمَ وتأخَّر وقُرِىءَ منْ بعديَ بفتحِ الياءِ ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بالبينات﴾ أي بالمعجزاتِ الظاهرةِ ﴿قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ مشيرينَ إلى ما جاءَ به أو إليه عليه الصلاة والسلام وتسميتُه سحراً للمبالغةِ ويُؤيده قراءةُ مَن قرأَ هَذا ساحرٌ
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام﴾ أيْ أيُّ الناسِ أشدُّ ظُلماً ممن يُدعى إلى الإسلامِ الذى ويولصله إلى سعادةِ الدارينِ فيضعَ موضعَ الإجابةِ الافتراءَ على الله عزَّ وجلَّ بقولِهِ لكلامِهِ الذي هو دعاءُ عبادِهِ إلى الحقِّ هذا سحرٌ أيْ هُو أظلمَ منْ كلِّ ظالمٍ وإنْ لم يتعرضْ ظاهرُ الكلامِ لنفيِ المُساوي وقد مرَّ بيانُهُ غيرَ مرةٍ وقُرِىءَ يُدّعى يقال دَعَاهُ وادَّعاهُ مثلُ لمسَهُ والتمسَهُ ﴿والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين﴾ أي لا يرشدهُم إلى ما فيهِ فلاحُهم لعدمِ توجههم إليهِ
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله﴾ أي يريدونَ أنْ يطفئُوا دينَهُ أو كتابَهُ أو حجتَهُ النيرةَ واللامُ مزيدةٌ لما فيها من معنى الإرادةِ تأكيداً لها كما زيدَتْ لِما فيها من مَعْنَى الإضافةِ تأكيداً لها في لا أبالك أو يريدون لافتراء ليطفئُوا نورَ الله ﴿بأفواههم﴾ بطعهم فيه مثلتْ حالهُم بحالِ من ينفخُ في نورِ الشمسِ بفيةِ ليطفئَهُ ﴿والله مُتِمُّ نُورِهِ﴾ أي مبلِغُهُ إلى غايتِه بنشرِه في الآفاقِ وإعلائِهِ وقُرِىءَ متمٌّ نورَهُ بلا إضافة ﴿وَلَوْ كره الكافرون﴾ اإرغاما
244
} ٣ ٩
لهم والجملةُ في حيزِ الحالِ على ما بُينَ مراراً
245
﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى﴾ بالقرآن أو بالمعجزة ﴿ودين الحق﴾ والملة الحنيفة ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ﴾ ليُعلِيَه على جميعِ الأديانِ المخالفةِ لهُ ولقد أنجزَ اللَّهُ عزَّ وجل وعلاَ وعدَهُ حيثُ جعلَهُ بحيثُ لم يبقَ دينٌ من الأديانِ إلا وهُو مغلوبٌ مقهورٌ بدينِ الإسلامِ ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾ ذلكَ وقُرِىءَ هُو الذي أرسلَ نبيه
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقُرِىءَ تنجِّيكُم بالتشديدِ وقولُهُ تعالَى
﴿تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وتجاهدون فِى سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ﴾ استئنافٌ وقعَ جواباً عما نشأ مما قبله كأنَّهم قالوا كيفَ نعملُ أو ماذَا نصنعُ فقيلَ تؤمنونَ بالله الخ وهو خبرٌ في مَعْنى الأمرِ جىء للإيذان بوجوب الامتثال فكان فقد وقعَ فأخبرَ بوقوعِهِ ويُؤيده قراءةُ مَن قرأَ آمنوا بالله وَرَسُولِهِ وجاهدوا وقُرِىءَ تُؤمِنُوا وتُجاهِدُوا على إضمارِ لامِ الأمرِ ﴿ذلكم﴾ إشارةٌ إلى ما ذكر من الإيمانِ والجهادِ بقسميه وما فيه من معنى البُعد لما مر غيرَ مرة ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ على الإطلاقِ أو من أموالكم أو أنفسكم ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إنْ كنتُم من أهلِ العلمِ فإنَّ الجهلةَ لا يعتدُّ بأفعالِهِم أو إنْ كنتُم تعلمونَ أنَّه خيرٌ لكم كان خيرا لكُم حينئذٍ لأنكُم إذَا علمتم ذلك واعتفدتموه أحببتُم الإيمانَ والجهادَ فوقَ مال تحبونَ أنفسَكُم وأموالَكُم فتُخلِصونَ وتفلحُونَ
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ جوابٌ للأمرِ المدلولِ عليه بلفظ الخبرِ أو لشرطٍ أو استفهامٍ دلَّ عليهِ الكلامُ تقديرُهُ أنْ تؤمنُوا وتُجاهِدوا أو هَلْ تقبلُونَ أن أدلكُم يغفرْ لكُمْ وجعلُه جواباً لهَلْ أدلكُم بعيدٌ لأنَّ مجردَ الدلالةِ لا يوجبُ المغفرةَ ﴿وَيُدْخِلْكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ومساكن طَيّبَةً فِى جنات عَدْنٍ ذَلِكَ﴾ أي ما ذكرَ من المغفرةِ وإدخالِ الجناتِ الموصوفةِ بما ذكرَ من الأوصاف الجليل ﴿الفوز العظيم﴾ الذِي لاَ فوزَ وراءَهُ
﴿وأخرى﴾ ولكُم إلى هذه النعمِ العظيمةِ نعمةٌ أُخرى عاجلة ﴿تحبونها﴾ وترغبون فيه وفيهِ تعريضٌ بأنهم يؤثرونَ العاجلَ على الآجلِ وقيلَ أُخرى منصوبةٌ بإضمارِ يعطكُمْ أو تحبونَ أو مبتدأٌ خبرُهُ ﴿نَصْرٌ مّن الله﴾ وهو عَلى الأولِ بدلٌ أو بيانٌ وعلى تقديرِ النصبِ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ أي عاجلٌ عطفٌ على
245
} ٤
نصرٌ على الوجوهِ المذكورةِ وقُرِىءَ نصراً وفتحاً قريباً على الاختصاصِ أو على المصدرِ أيْ تُنصرونَ نصراً ويُفتحُ لكم فَتْحاً أو عَلى البدليةِ من أُخرى على تقدير نصبِهَا أي يعطكُم نعمةً أُخرى نصراً وفتحاً ﴿وَبَشّرِ المؤمنين﴾ عطفٌ على محذوفٍ مثل قُل يأيها الذين وبشر أو على تؤمنونَ فإنَّه في معنى آمِنُوا كأنَّه قيلَ آمِنُوا وجاهِدُوا أيُّها المؤمنونَ وبشرْهُم يأيها الرسولُ بما وعدتَهُم على ذلك عاجلا وآجلا
246
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ كُونُواْ أنصار الله﴾ وقُرِىءَ أنصار الله بلاَ إضافةٍ لأن المَعْنَى كونُوا بعضَ أنصارِ الله وقُرِىءَ كونُوا أنتُم أنصارَ الله ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أنصارى إِلَى الله﴾ أي مَنْ جُندي متوجهاً إلى الله كما يقتضه قولُهُ تعالى ﴿قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله﴾ والإضافةُ الأُولى إضافةُ أحدِ المتشاركينِ إلى الآخرِ لما بينهُما من الاختصاصِ والثانيةُ إضافةُ الفاعلِ إلى المفعولِ والتشبيهُ باعتبارِ المَعْنَى أي كُونُواْ أنصارَ الله كَمَا كانَ الحواريونَ أنصارَهُ حينَ قال لهُم عيسى مَن أنصارِي إلى الله أو قُل لَهُم كونُوا كما قالَ عيسى للحواريينَ والحواريونَ أصفياؤُه وهم أولُ من آمنَ به وكانوا اثنيْ عشَرَ رجلاً ﴿فآمنت طائفة من بني إسرائيل﴾ أى بعيسى وطاعوه فيما أمرهم من نصرة الدين ﴿وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ﴾ أُخرى به وقاتلوهم ﴿فأيدنا الذين آمنوا على عَدُوِّهِمْ﴾ أي قوَّيناهُم بالحجة أو بالسيفِ وذلكَ بعد رفع عيسى عليه السلامُ ﴿فَأَصْبَحُواْ ظاهرين﴾ غالبينَ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الصفِّ كانَ عيسى مصلياً عليهِ مستغفراً له مادام في الدُّنيا وهُو يومَ القيامة رفيقه
246
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
247
Icon