تفسير سورة المرسلات

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
لمؤلفه الشنقيطي - أضواء البيان . المتوفي سنة 1393 هـ

قوله تعالى :﴿ وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً والنَّاشِرَاتِ نَشْراً فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً ﴾ [ ١ -٦ ].
يقسم تعالى بهذه المسمّيات، واختلف في ﴿ وَالْمُرْسَلاَتِ ﴾، ﴿ فَالْعَاصِفَاتِ ﴾، ﴿ والنَّاشِرَاتِ ﴾.
فقيل : هي الرِّياح، وقيل : الملائكة أو الرُّسل، و ﴿ عرفاً ﴾ أي : متتالية كعرف الفرس، واختار كونها الرياح ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة. واختار كونها الملائكة أبو صالح عن أبي هريرة والربيع بن أنس.
وعن أبي صالح : أنها الرسل قاله ابن كثير، واختار الأول وقال توقف ابن جرير، والواقع أن كلام ابن جرير يفيد أنه لا مانع عنده من إرادة الجميع، لأن المعنى محتمل ولا مانع عنده.
واستظهر ابن كثير أنها الرياح لقوله تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ﴾ [ الحجر : ٢٢ ] وقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ].
وهذا هو الذي اختاره الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الإملاء، أما ﴿ الفارقات ﴾، فقيل الملائكة، وقيل : آيات القرآن، ورجح الشيخ الأول، وأما ﴿ الملقيات ذكراً عذراً أو نذراً ﴾.
فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيانها في سورة الصافات عند قوله تعالى :﴿ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً ﴾ [ الصافات : ٣ ].
وفي مذكرة الإملاء. قوله :﴿ عُذْراً ﴾ : اسم مصدر بمعنى الإعذار، ومعناه قطع العذر.
ومنه المثل : من أعذر فقد أنذر، وهو مفعول لأجله والنذر اسم مصدر بمعنى الإنذار، وهو مفعول لأجله أيضاً، والإنذار الإعلام المقترن بتهديد، و } أو { في قوله :
﴿ أَوْ نُذْراً ﴾ بمعنى الواو أي لأجل الإعذار والإنذار : ومجيء أو بمعنى الواو، كمجيء ذلك في قول عمرو بن معد يكرب : أَوْ نُذْراً { بمعنى الواو أي لأجل الإعذار والإنذار : ومجيء أو بمعنى الواو، كمجيء ذلك في قول عمرو بن معد يكرب :
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ما بين ملجم مهره أو سافع
أي وسافع.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾.
هو المقسم عليه، والواقع أن نبين كل قسم ومقسم عليه مناسبة ارتباط في الجملة غالباً، والله تعالى يقسم بما شاء على ما شاء، لأن المقسم به من مخلوقاته فاختيار ما يقسم به هنا أو هناك غالباً يكون لنوع مناسبة، ولو تأملناه هنا، لوجدنا المقسم عليه هو يوم القيامة، وهم مكذبون به فأقسم لهم بما فيه إثبات القدرة عليه، فالرياح عرفاً تأتي بالسحاب تنشره ثم يأتي المطر، ويحيي الله الأرض بعد موتها.
وهذا من أدلة القدرة على البعث، والعاصفات منها بشدة، وقد تقتلع الأشجار وتهدم البيوت مما لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم عليها، وما فيها من الدلالة على الإهلاك والتدمير، وكلاهما دال على القدرة على البعث.
ثم تأتي الملائكة بالبيان والتوجيه والإعذار والإنذار، ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾.
والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾.
كلها تغييرات كونية من آثار ذلك اليوم الموعود. وطمس النجوم ذهاب نورها، كقوله :﴿ إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾ [ التكوير : ٢ ] ﴿ وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ ﴾ أي تشققت وتفطرت كما في قوله تعالى :﴿ إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ ﴾ [ الإنشقاق : ١ ]، ﴿ إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ ﴾ [ الإنفطار : ١ ]، ونسف الجبال تقدم بيانه في عدة محال. وما يكون لها من عدة أطوار من دك وتفتيت وبث وتسيير كالسحاب ثم كالسراب، وتقدم في سورة ق عند قوله تعالى } أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } [ ق : ٦ ]
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴾.
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيانه في سورة الواقعة عند قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٩ -٥٠ ].
قوله تعالى :﴿ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴾.
يوم الفصل هو يوم القيامة، يفصل فيه بين الخلائق، بين الظالم والمظلوم، والمحق والمبطل والدائن والمدين، كما بينه تعالى بقوله :﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ﴾ [ المرسلات : ٣٨ ]، وكقوله ﴿ ذلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:قوله تعالى :﴿ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴾.
يوم الفصل هو يوم القيامة، يفصل فيه بين الخلائق، بين الظالم والمظلوم، والمحق والمبطل والدائن والمدين، كما بينه تعالى بقوله :﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ﴾ [ المرسلات : ٣٨ ]، وكقوله ﴿ ذلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ].

قوله تعالى :﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾.
وعيد شديد من الله تعالى للمكذبين. وقد تقدم معنى ذلك للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند آخر سورة الذاريات، عند قوله تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [ الذاريات : ٦٠ ].
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾. الماء المهين : هو النطفة الأمشاج، والقرار المكين : هو الرحم، وقد مكنه الله وصانه حتّى من نسمة الهواء.
والآيات الباهرات في هذا القرار فوق أن توصف، وقد بين تعالى أنه الرحم بقوله تعالى :﴿ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الحج : ٥ ] والقدر المعلوم هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة.
وتقدم للشيخ التنويه عن ذلك في أول سورة الحج، وأنها أقدار مختلفة وآجال مسماة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾. الماء المهين : هو النطفة الأمشاج، والقرار المكين : هو الرحم، وقد مكنه الله وصانه حتّى من نسمة الهواء.
والآيات الباهرات في هذا القرار فوق أن توصف، وقد بين تعالى أنه الرحم بقوله تعالى :﴿ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الحج : ٥ ] والقدر المعلوم هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة.
وتقدم للشيخ التنويه عن ذلك في أول سورة الحج، وأنها أقدار مختلفة وآجال مسماة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٠:قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾. الماء المهين : هو النطفة الأمشاج، والقرار المكين : هو الرحم، وقد مكنه الله وصانه حتّى من نسمة الهواء.
والآيات الباهرات في هذا القرار فوق أن توصف، وقد بين تعالى أنه الرحم بقوله تعالى :﴿ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الحج : ٥ ] والقدر المعلوم هو مدة الحمل إلى السقط أو الولادة.
وتقدم للشيخ التنويه عن ذلك في أول سورة الحج، وأنها أقدار مختلفة وآجال مسماة.


قوله تعالى :﴿ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ﴾.
فيه التمدح بالقدرة على ذلك وهو حق، ولا يقدر عليه إلا الله كما جاء في قوله :﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾ [ الواقعة : ٥٨ -٥٩ ].
وقد بينه تعالى في أول سورة الحج : ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة إلى آخر السياق.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً ﴾.
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة طه عند قوله تعالى :﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً ﴾ [ طه : ٥٣ ]، والكفات : الموضع الذي يكفتون فيه، والكفت الضم أحياء على ظهرها، وأمواتاً في بطونها، كما في قوله :﴿ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ [ طه : ٥٥ ]، وقد جمع المعنيين في قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٧ -١٨ ].
قوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
بينه بعد بقوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:قوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
بينه بعد بقوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:قوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
بينه بعد بقوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:قوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
بينه بعد بقوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:قوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
بينه بعد بقوله تعالى :﴿ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ﴾، أي وهي جهنم.
وقد بين تعالى في موضع آخر أنهم يدفعون إليها دفعاً في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].

قوله تعالى :﴿ هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ ﴾.
نص على أنهم لا ينطقون في ذلك اليوم مع أنهم ينطقون ويجيبون على ما يسألون، كما في قوله تعالى :﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسؤُلُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٤ ].
وقوله :﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ ﴾. [ القلم : ٣٠ ]
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هذه المسألة في سورة النمل عند قوله تعالى :﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ ﴾. [ النمل : ٨٥ ]
وبين وجه الجمع بالإحالة على دفع إيهام الاضطراب عند سورة المرسلات هذه، وأن ذلك في منازل وحالات.
قوله تعالى :﴿ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
فيه النص على أن عملهم في الدنيا سبب في تمتعهم بنعيم الجنة في الآخرة، ومثله قوله تعالى :﴿ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ].
وجاء في الحديث : " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله "، ولا معارضة بين النصين، إذ الدخول بفضل من الله وبعد الدخول يكون التوارث وتكون الدرجات ويكون التمتع بسبب الأعمال. فكلهم يشتركون في التفضل من الله عليهم بدخول الجنة، ولكنهم بعد الدخول يتفاوتون في الدرجات بسبب الأعمال.
قوله تعالى :﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾.
في الآية التي قبلها قال تعالى :﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ المرسلات : ٤٣ ].
وهنا قال :﴿ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾، ولم يقل نجزي العاملين، مما يشعر بأن الجزاء إنما هو على الإحسان في العمل لا مجرد العمل فقط، وتقدم أن الغاية من التكليف، إنما هي الإحسان في العمل ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [ الملك : ١ -٢ ].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك في سورة الكهف عند قوله تعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [ الكهف : ٧ ].
قوله تعالى :﴿ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ ﴾.
هذه الآية الكريمة من آيات الاستدلال على أن الكفار مؤاخذون بترك الفروع، وتقدم التنبيه على ذلك مراراً، والمهم هنا أن أكثر ما يأتي ذكره من الفروع هي الصلاة مما يؤكد أنها هي بحق عماد الدين.
قوله تعالى :﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾.
أي بعد هذا القرآن الكريم لما فيه من آيات ودلائل ومواعظ كقوله تعالى :﴿ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ الجاثية : ٦ ].
وقد بين تعالى أنه نزله أحسن الحديث هدى في قوله تعالى :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [ الزمر : ٢٣ ].
وذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم إلى أبي هريرة يرويه : إذا قرأ ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً ﴾ فقرأ ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ فليقل : آمنت بالله وبما أنزل.
وذكر في سورة القيامة عن أبي داود وأحمد عدة أحاديث بعدة طرق أنه صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ في سورة الإنسان ﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ [ القيامة : ٤٠ ] قال : سبحانك اللهم فبلى، وإذا قرأ سورة ( والتين ) فانتهى إلى قوله :﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ [ التين : ٨ ] فليقل : بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين ".
ومن قرأ ﴿ وَالْمُرْسَلاَتِ ﴾، فبلغ ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ فليقل : آمنا بالله
ا ه.
وإنا نقول : آمنا بالله كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Icon