أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والمرسلات عرفا ١ فالعاصفات عصفا ٢ والنّاشرات نشرا ٣ فالفارقات فرقا ٤ فالملقيات ذكرا ٥ عذرا أو نذرا ٦ إنما ما توعدون لواقع ٧ فإذا النجوم طمست ٨ وإإذا السماء فرجت ٩ وإذا الجبال نسفت ١٠ وإذا الرسل أقّتت ١١ لأيّ يوم أجّلت ١٢ ليوم الفصل ١٣ وما أرداك ما يوم الفصل ١٤ ويل يومئذ للمكذبين ١٥ ﴾
المفردات :
المرسلات : الملائكة الذين أرسلهم الله لإيصال النعمة إلى قوم، والنقمة إلى آخرين، وقيل : الريح.
عرفا : متتابعة بعضها في إثر بعض كعرف الديك، وقيل : عرفا للمعروف والإحسان.
فالعاصفات : الريح الشديدة، أو المبعدات للباطل.
الناشرات نشرا : الملائكة الناشرات لأجنحتها، عند نزولها إلى الأرض.
تمهيد :
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
التفسير :
١، ٢، ٣- والمرسلات عرفا* فالعاصفات عصفا* والنّاشرات نشرا.
تعدّدت الآراء في المراد بالقسم في صدر سورة المرسلات، وأهم الآراء أربعة :
الأول : الرياح.
الثاني : الملائكة.
الثالث : طوائف الأنبياء الذين أرسلوا بالوحي المحقق لكل خير.
الرابع : أقسم في الآيات الثلاث الأولى الرياح، وفي الآيات التالية بالملائكة.
والمعنى على أن المقصود بالآيات الثلاث الأولى الرياح كالآتي :
أقسم بالرياح المرسلة متتابعة كعرف الفرس، إذا ذهبت شيئا فشيئا، وبالرياح التي ترسل عاصفة لما أمرت به من نعمة ونقمة.
قال تعالى : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها... ( الأنبياء : ٨١ ).
كما ترسل الريح للعذاب، قال تعالى : فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا... ( فصلت : ١٦ ).
والنّاشرات نشرا.
وأقسم بالرياح التي تنشر السحاب، وتفرّقه في آفاق السماء، كما يشاء الرب عز وجل.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
فالفارقات فرقا : الملائكة تفرق بين الحق والباطل.
فالملقيات ذكرا : الملائكة تلقي الوحي من عند الله، وتتنزّل به على أنبيائه.
عذرا أو نذرا : للإعذار أو الإنذار، من قولهم : عذره، إذا أزال الإساءة، وأنذر إذا خوّف.
التفسير :
٤، ٥، ٦- فالفارقات فرقا* فالملقيات ذكرا* عذرا أو نذرا.
الأظهر أن المراد هنا الملائكة الكرام، الذين ينزلون بأمر الله على الرسل، بما يفرق بين الحق والباطل، والهدى والغيّ، والحلال والحرام، وهذه الملائكة تلقى إلى الرسل وحيا مشتملا على ذكر الله وتوحيده، وبيان عظمته وقدرته، وبدائع خلقه، ونظام تشريعاته، ومشاهد القيامة والحساب.
عذرا أو نذرا.
وهذه الملائكة تلقى هذا الذكر ليكون إعذارا إلى الخلق، وإنذارا لهم وتخويفا من عقاب الله للمكذبين.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
التفسير :
٢- إنّما توعدون لواقع.
إن ما توعدون به من القيامة والحساب والجزاء، والجنة والنار – واقع وحاصل ومؤكد، وكائن لا محالة، ولا يستبعد بعض المفسرين أن تكون الآيات القرآنية تشير إلى معنى، وتستتبع معنى، وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
فالآيات صالحة لأن تكون قسما بالرياح المرسلة، وأن تكون بالملائكة المرسلة، وبأن تكون الآيات الثلاث الأولى قسما بالرياح، والآيات ( ٤-٦ ) قسما بالملائكة، أو بها وبغيرها، مثل الكتب السماوية التي تفرق بين الحق والباطل، وتشتمل على ذكر الله، عذرا للمؤمنين ونذرا للكافرين.
كما يمكن أن تكون فيها إشارة إلى رسل الله تعالى، التي تفرق بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، والحلال والحرام، وتلقى آيات الله على عباده ذكرا لهم، وتذكيرا بربهم، حتى يعذر الله إلى عباده، وينذر الكافرين.
قال تعالى : رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما. ( النساء : ١٦٥ ).
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
طمست : محقت وذهب نورها.
فرّجت : فتحت وشقّت.
نسفت : اقتلعت من أماكنها بسرعة، من قولهم : انتسفت الشيء، إذا اختطفته.
التفسير :
٨، ٩، ١٠- فإذا النجوم طمست* وإذا السماء فرجت* وإذا الجبال نسفت.
إذا ذهب ضوء النجوم، وصارت من النجوم القزمة، وإذا انشقت السماء على غلظها، وصارت واهية ضعيفة بعد أن كانت قوية متماسكة لا خلل فيها ولا تشقّق، وإذا قلعت الجبال من أماكنها وذهب بها، وطارت في الجوّ فلا يبقى لها عين ولا أثر، واستوى مكانها بالأرض.
وبهذا المعنى وردت آيات القرآن الكريم تشير إلى أنه عند نهاية الدنيا يختلّ نظام الكون.
قال تعالى : وإذا النجوم انكدرت. ( التكوير : ٢ ).
وقال سبحانه : وإذا الكواكب انتثرت. ( الانفطار : ٢ ).
وقال عز وشأنه : وانشقّت السماء فهي يومئذ واهية. ( الحاقة : ١٦ ).
وقال تعالى : ويوم تشقّق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا* الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا. ( الفرقان : ٥٢، ٢٦ ).
وقال تعالى : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا. ( طه : ١٠٥ ).
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
أقّتت : عيّن لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أممها.
أجّلت : أخّرت وأمهلت.
الفصل : القضاء بين الخلائق بأعمالهم : إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار.
التفسير :
١١، ١٢، ١٣، ١٤- وإذا الرّسل أقّتت* لأي يوم أجلت* ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
وإذا جمع الله الرسل، وجعل لهم وقتا محدّدا للفصل بين كل رسول وقومه، لتعذيب من كذّب الرسل، وإثابة من نصرهم وناصرهم.
قال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علاّم الغيوب. ( المائدة : ١٠٩ ).
ثم تساءل القرآن : لماذا لم يفصل الله بين الرسل وأقوامهم في الدنيا ؟ ولأي وقت أجّل هذا الفصل ؟
والاستفهام هنا للتهويل والتعظيم ليوم القيامة.
لأي يوم أجّلت : لأي وقت أجّل الفصل بين الرسل وأقوامهم ؟
ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
أي : أجّلت عقوبة المكذبين بالرسل، ومثوبة المصدّقين، ليوم الفصل بين الناس، ما أعلمك بالهول في يوم الفصل ؟ فالاستفهام للتهويل والتفخيم.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
أقّتت : عيّن لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أممها.
أجّلت : أخّرت وأمهلت.
الفصل : القضاء بين الخلائق بأعمالهم : إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار.
التفسير :
١١، ١٢، ١٣، ١٤- وإذا الرّسل أقّتت* لأي يوم أجلت* ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
وإذا جمع الله الرسل، وجعل لهم وقتا محدّدا للفصل بين كل رسول وقومه، لتعذيب من كذّب الرسل، وإثابة من نصرهم وناصرهم.
قال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علاّم الغيوب. ( المائدة : ١٠٩ ).
ثم تساءل القرآن : لماذا لم يفصل الله بين الرسل وأقوامهم في الدنيا ؟ ولأي وقت أجّل هذا الفصل ؟
والاستفهام هنا للتهويل والتعظيم ليوم القيامة.
لأي يوم أجّلت : لأي وقت أجّل الفصل بين الرسل وأقوامهم ؟
ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
أي : أجّلت عقوبة المكذبين بالرسل، ومثوبة المصدّقين، ليوم الفصل بين الناس، ما أعلمك بالهول في يوم الفصل ؟ فالاستفهام للتهويل والتفخيم.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
أقّتت : عيّن لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أممها.
أجّلت : أخّرت وأمهلت.
الفصل : القضاء بين الخلائق بأعمالهم : إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار.
التفسير :
١١، ١٢، ١٣، ١٤- وإذا الرّسل أقّتت* لأي يوم أجلت* ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
وإذا جمع الله الرسل، وجعل لهم وقتا محدّدا للفصل بين كل رسول وقومه، لتعذيب من كذّب الرسل، وإثابة من نصرهم وناصرهم.
قال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علاّم الغيوب. ( المائدة : ١٠٩ ).
ثم تساءل القرآن : لماذا لم يفصل الله بين الرسل وأقوامهم في الدنيا ؟ ولأي وقت أجّل هذا الفصل ؟
والاستفهام هنا للتهويل والتعظيم ليوم القيامة.
لأي يوم أجّلت : لأي وقت أجّل الفصل بين الرسل وأقوامهم ؟
ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
أي : أجّلت عقوبة المكذبين بالرسل، ومثوبة المصدّقين، ليوم الفصل بين الناس، ما أعلمك بالهول في يوم الفصل ؟ فالاستفهام للتهويل والتفخيم.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
أقّتت : عيّن لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أممها.
أجّلت : أخّرت وأمهلت.
الفصل : القضاء بين الخلائق بأعمالهم : إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار.
التفسير :
١١، ١٢، ١٣، ١٤- وإذا الرّسل أقّتت* لأي يوم أجلت* ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
وإذا جمع الله الرسل، وجعل لهم وقتا محدّدا للفصل بين كل رسول وقومه، لتعذيب من كذّب الرسل، وإثابة من نصرهم وناصرهم.
قال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علاّم الغيوب. ( المائدة : ١٠٩ ).
ثم تساءل القرآن : لماذا لم يفصل الله بين الرسل وأقوامهم في الدنيا ؟ ولأي وقت أجّل هذا الفصل ؟
والاستفهام هنا للتهويل والتعظيم ليوم القيامة.
لأي يوم أجّلت : لأي وقت أجّل الفصل بين الرسل وأقوامهم ؟
ليوم الفصل* وما أدراك ما يوم الفصل.
أي : أجّلت عقوبة المكذبين بالرسل، ومثوبة المصدّقين، ليوم الفصل بين الناس، ما أعلمك بالهول في يوم الفصل ؟ فالاستفهام للتهويل والتفخيم.
أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسلون إلى الأنبياء بالإحسان والمعروف ليبلّغوه للناس، ومنهم الذين يعصفون ما سوى الحق ويبعدونه، كما تبعد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمته في النفوس الحيّة، ومنهم الذين يفرّقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقون العلم والحكمة للإعذار والإنذار من الله، ومن مشاهد القيامة ذهاب ضوء النجوم، وانشقاق السماء، واقتلاع الجبال وسيرها، وشهادة الرسل على أممها في يوم الفصل والقضاء بين الناس، وهو يوم عظيم الهول.
المفردات :
ويل : عذاب وخزي.
التفسير :
١- ويل يومئذ للمكذبين.
الويل : أكبر واد في جهنم، تجتمع قيه عصارة أهل النار من القيح والصديد.
يومئذ. الويل يوم القيامة والعذاب الشديد للمكذبين، وللكافرين بالله وباليوم الآخر.
﴿ ألم نهلك الأوّلين ١٦ ثم نتبعهم الآخرين ١٧ كذلك نفعل بالمجرمين ١٨ ويل يومئذ للمكذبين ١٩ ألم نخلقكم من ماء مهين ٢٠ فجعلناه في قرار مكين ٢١ إلى قدر معلوم ٢٢ فقدرنا فنعم القادرون ٢٣ ويل يومئذ للمكذبين ٢٤ ألم نجعل الأرض كفاتا ٢٥ أحياء وأموتا ٢٦ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيانكم ماء فراتا ٢٧ ويل يومئذ للمكذبين ٢٨ ﴾
المفردات :
ألم نهلك الأولين : كقوم نوح وعاد وثمود.
التفسير :
١٦، ١٧، ١٨، ١٩- ألم نهلك الأوّلين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين* ويل يومئذ للمكذبين.
لقد أهلكنا المكذبين بالرسل من عهد نوح، نزل بهم عذابنا المدمّر، والاستفهام هنا للتقرير والتأكيد، بمعنى : قد أهلكنا هلاكا مروعا كل من كذّب الرسل، مثل عاد وثمود وقارون وفرعون، وسنهلك كفار مكة ومن لفّ لفّهم وسار على شاكلتهم، وتلك سنتنا نطبّقها مع كل مجرم مظالم، يتعدى حدود لله، ولا يطيع أوامره، ولا يجتنب المحرمات.
ويل يومئذ للمكذبين.
تتكرر هذه الآية عشر مرات في هذه السورة، كالجرس الذي يرنّ في أعقاب كل فقرة، أي عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بالرسل، المخالفين لأوامر الله وسننه، ومن سنن الله إهلاك الظالمين.
﴿ ألم نهلك الأوّلين ١٦ ثم نتبعهم الآخرين ١٧ كذلك نفعل بالمجرمين ١٨ ويل يومئذ للمكذبين ١٩ ألم نخلقكم من ماء مهين ٢٠ فجعلناه في قرار مكين ٢١ إلى قدر معلوم ٢٢ فقدرنا فنعم القادرون ٢٣ ويل يومئذ للمكذبين ٢٤ ألم نجعل الأرض كفاتا ٢٥ أحياء وأموتا ٢٦ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيانكم ماء فراتا ٢٧ ويل يومئذ للمكذبين ٢٨ ﴾
المفردات :
ألم نهلك الأولين : كقوم نوح وعاد وثمود.
التفسير :
١٦، ١٧، ١٨، ١٩- ألم نهلك الأوّلين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين* ويل يومئذ للمكذبين.
لقد أهلكنا المكذبين بالرسل من عهد نوح، نزل بهم عذابنا المدمّر، والاستفهام هنا للتقرير والتأكيد، بمعنى : قد أهلكنا هلاكا مروعا كل من كذّب الرسل، مثل عاد وثمود وقارون وفرعون، وسنهلك كفار مكة ومن لفّ لفّهم وسار على شاكلتهم، وتلك سنتنا نطبّقها مع كل مجرم مظالم، يتعدى حدود لله، ولا يطيع أوامره، ولا يجتنب المحرمات.
ويل يومئذ للمكذبين.
تتكرر هذه الآية عشر مرات في هذه السورة، كالجرس الذي يرنّ في أعقاب كل فقرة، أي عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بالرسل، المخالفين لأوامر الله وسننه، ومن سنن الله إهلاك الظالمين.
﴿ ألم نهلك الأوّلين ١٦ ثم نتبعهم الآخرين ١٧ كذلك نفعل بالمجرمين ١٨ ويل يومئذ للمكذبين ١٩ ألم نخلقكم من ماء مهين ٢٠ فجعلناه في قرار مكين ٢١ إلى قدر معلوم ٢٢ فقدرنا فنعم القادرون ٢٣ ويل يومئذ للمكذبين ٢٤ ألم نجعل الأرض كفاتا ٢٥ أحياء وأموتا ٢٦ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيانكم ماء فراتا ٢٧ ويل يومئذ للمكذبين ٢٨ ﴾
المفردات :
ألم نهلك الأولين : كقوم نوح وعاد وثمود.
التفسير :
١٦، ١٧، ١٨، ١٩- ألم نهلك الأوّلين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين* ويل يومئذ للمكذبين.
لقد أهلكنا المكذبين بالرسل من عهد نوح، نزل بهم عذابنا المدمّر، والاستفهام هنا للتقرير والتأكيد، بمعنى : قد أهلكنا هلاكا مروعا كل من كذّب الرسل، مثل عاد وثمود وقارون وفرعون، وسنهلك كفار مكة ومن لفّ لفّهم وسار على شاكلتهم، وتلك سنتنا نطبّقها مع كل مجرم مظالم، يتعدى حدود لله، ولا يطيع أوامره، ولا يجتنب المحرمات.
ويل يومئذ للمكذبين.
تتكرر هذه الآية عشر مرات في هذه السورة، كالجرس الذي يرنّ في أعقاب كل فقرة، أي عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بالرسل، المخالفين لأوامر الله وسننه، ومن سنن الله إهلاك الظالمين.
﴿ ألم نهلك الأوّلين ١٦ ثم نتبعهم الآخرين ١٧ كذلك نفعل بالمجرمين ١٨ ويل يومئذ للمكذبين ١٩ ألم نخلقكم من ماء مهين ٢٠ فجعلناه في قرار مكين ٢١ إلى قدر معلوم ٢٢ فقدرنا فنعم القادرون ٢٣ ويل يومئذ للمكذبين ٢٤ ألم نجعل الأرض كفاتا ٢٥ أحياء وأموتا ٢٦ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيانكم ماء فراتا ٢٧ ويل يومئذ للمكذبين ٢٨ ﴾
المفردات :
ألم نهلك الأولين : كقوم نوح وعاد وثمود.
التفسير :
١٦، ١٧، ١٨، ١٩- ألم نهلك الأوّلين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين* ويل يومئذ للمكذبين.
لقد أهلكنا المكذبين بالرسل من عهد نوح، نزل بهم عذابنا المدمّر، والاستفهام هنا للتقرير والتأكيد، بمعنى : قد أهلكنا هلاكا مروعا كل من كذّب الرسل، مثل عاد وثمود وقارون وفرعون، وسنهلك كفار مكة ومن لفّ لفّهم وسار على شاكلتهم، وتلك سنتنا نطبّقها مع كل مجرم مظالم، يتعدى حدود لله، ولا يطيع أوامره، ولا يجتنب المحرمات.
ويل يومئذ للمكذبين.
تتكرر هذه الآية عشر مرات في هذه السورة، كالجرس الذي يرنّ في أعقاب كل فقرة، أي عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بالرسل، المخالفين لأوامر الله وسننه، ومن سنن الله إهلاك الظالمين.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم، ككفار مكة.
ماء مهين : مني ضعيف ذليل، وهو النطفة.
قرار مكين : مكان حصين حريز، وهو الرحم.
إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة.
فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه.
التفسير :
٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين.
يخاطب القرآن الخلق، ويلوّن في أسلوب الخطاب، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف، نطفة مزرة ؟
وكلمة : مهين. بزنة فعيل، ومادته : مهن، أي ضعف، والميم فيها أصلية.
وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين. وضيع حقير، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف. اه.
وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية.
وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان، ومهن معناه ضعف، ومهين معناه ضعيف، وليس المعنى أنه حقير، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟
قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا. ( الإنسان : ١ ).
عود إلى التفسير
ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟
فجعلناه في قرار مكين.
فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين، وهو رحم المرأة، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة، حيث تمسك بجدار الرحم، وتعلق به وتتشبت به، فلا تفلت منه، ثم تتحول إلى مراحل متعددة.
إلى قرار معلوم. زمن مقدّر، وهو وقت الولادة.
فقدرنا فنعم القادرون.
فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم، معه العقل والإرادة والسمع والصبر، ومزود بالأجهزة البديعة، مثل : الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي.
فنعم القادرون.
أنعم وأكرم بقدرة الله وحده، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويل يومئذ للمكذبين.
أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته، بل الإعادة أهون من البدء، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ، أي يوم القيامة.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم، ككفار مكة.
ماء مهين : مني ضعيف ذليل، وهو النطفة.
قرار مكين : مكان حصين حريز، وهو الرحم.
إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة.
فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه.
التفسير :
٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين.
يخاطب القرآن الخلق، ويلوّن في أسلوب الخطاب، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف، نطفة مزرة ؟
وكلمة : مهين. بزنة فعيل، ومادته : مهن، أي ضعف، والميم فيها أصلية.
وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين. وضيع حقير، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف. اه.
وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية.
وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان، ومهن معناه ضعف، ومهين معناه ضعيف، وليس المعنى أنه حقير، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟
قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا. ( الإنسان : ١ ).
عود إلى التفسير
ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟
فجعلناه في قرار مكين.
فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين، وهو رحم المرأة، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة، حيث تمسك بجدار الرحم، وتعلق به وتتشبت به، فلا تفلت منه، ثم تتحول إلى مراحل متعددة.
إلى قرار معلوم. زمن مقدّر، وهو وقت الولادة.
فقدرنا فنعم القادرون.
فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم، معه العقل والإرادة والسمع والصبر، ومزود بالأجهزة البديعة، مثل : الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي.
فنعم القادرون.
أنعم وأكرم بقدرة الله وحده، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويل يومئذ للمكذبين.
أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته، بل الإعادة أهون من البدء، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ، أي يوم القيامة.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم، ككفار مكة.
ماء مهين : مني ضعيف ذليل، وهو النطفة.
قرار مكين : مكان حصين حريز، وهو الرحم.
إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة.
فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه.
التفسير :
٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين.
يخاطب القرآن الخلق، ويلوّن في أسلوب الخطاب، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف، نطفة مزرة ؟
وكلمة : مهين. بزنة فعيل، ومادته : مهن، أي ضعف، والميم فيها أصلية.
وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين. وضيع حقير، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف. اه.
وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية.
وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان، ومهن معناه ضعف، ومهين معناه ضعيف، وليس المعنى أنه حقير، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟
قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا. ( الإنسان : ١ ).
عود إلى التفسير
ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟
فجعلناه في قرار مكين.
فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين، وهو رحم المرأة، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة، حيث تمسك بجدار الرحم، وتعلق به وتتشبت به، فلا تفلت منه، ثم تتحول إلى مراحل متعددة.
إلى قرار معلوم. زمن مقدّر، وهو وقت الولادة.
فقدرنا فنعم القادرون.
فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم، معه العقل والإرادة والسمع والصبر، ومزود بالأجهزة البديعة، مثل : الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي.
فنعم القادرون.
أنعم وأكرم بقدرة الله وحده، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويل يومئذ للمكذبين.
أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته، بل الإعادة أهون من البدء، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ، أي يوم القيامة.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم، ككفار مكة.
ماء مهين : مني ضعيف ذليل، وهو النطفة.
قرار مكين : مكان حصين حريز، وهو الرحم.
إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة.
فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه.
التفسير :
٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين.
يخاطب القرآن الخلق، ويلوّن في أسلوب الخطاب، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف، نطفة مزرة ؟
وكلمة : مهين. بزنة فعيل، ومادته : مهن، أي ضعف، والميم فيها أصلية.
وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين. وضيع حقير، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف. اه.
وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية.
وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان، ومهن معناه ضعف، ومهين معناه ضعيف، وليس المعنى أنه حقير، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟
قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا. ( الإنسان : ١ ).
عود إلى التفسير
ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟
فجعلناه في قرار مكين.
فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين، وهو رحم المرأة، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة، حيث تمسك بجدار الرحم، وتعلق به وتتشبت به، فلا تفلت منه، ثم تتحول إلى مراحل متعددة.
إلى قرار معلوم. زمن مقدّر، وهو وقت الولادة.
فقدرنا فنعم القادرون.
فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم، معه العقل والإرادة والسمع والصبر، ومزود بالأجهزة البديعة، مثل : الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي.
فنعم القادرون.
أنعم وأكرم بقدرة الله وحده، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويل يومئذ للمكذبين.
أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته، بل الإعادة أهون من البدء، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ، أي يوم القيامة.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
ثم نتبعهم الآخرين : نحن نتبعهم نظراءهم، ككفار مكة.
ماء مهين : مني ضعيف ذليل، وهو النطفة.
قرار مكين : مكان حصين حريز، وهو الرحم.
إلى قدر معلوم : إلى وقت الولادة.
فقدرنا : قدّرنا ذلك وأحكمناه.
التفسير :
٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤- ألم نخلقكم من ماء مهين* فجعلناه في قرار مكين* إلى قدر معلوم* فقدرنا فنعم القادرون* ويل يومئذ للمكذبين.
يخاطب القرآن الخلق، ويلوّن في أسلوب الخطاب، ويدعو الإنسان إلى التفكّر في أصله فيقول : ألم نخلقكم أيها الخلق من ماء ضعيف، نطفة مزرة ؟
وكلمة : مهين. بزنة فعيل، ومادته : مهن، أي ضعف، والميم فيها أصلية.
وأكثر المفسرين ذهب إلى أن معنى : مهين. وضيع حقير، أما الطبري شيخ المفسرين فقال : المهين هو الضعيف. اه.
وإذا تأملنا أن الله تعالى كرّم بني آدم، رجحنا أن يكون معنى مهين : ضعيف، أبعد ما يكون عن الحياة والقوّة والحركة، لولا أن تلقفته يد القدرة الإلهية.
وأتمنى أن نبتعد عن تسمية المنيّ بأنه مهين بمعنى حقير أو ذليل، بل معناه اللغويّ من مادة مهن لا هان، ومهن معناه ضعف، ومهين معناه ضعيف، وليس المعنى أنه حقير، وليس معناها هان بمعنى ذلّ والمنيّ مهين بمعنى ضعيف، أي لولا وضعه في الرحم في قرار مكين، لما كان له وجود ولا حياة ولا شموخ وتعال، فلماذا تتكبّر أيها الإنسان على خالقك، ولولا يد القدرة ما كنت شيئا مذكورا ؟
قال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدّهر لم يكن شيئا مذكورا. ( الإنسان : ١ ).
عود إلى التفسير
ألم تخلقكم يد القدرة الإلهية من ماء مهين، هو المنيّ الذي يخرج من صلب الرجل فيصب في رحم المرأة ؟
فجعلناه في قرار مكين.
فجعلنا هذا الماء المهين في مكان حريز حصين، وهو رحم المرأة، المؤهل للمحافظة على هذه النطفة، حيث تمسك بجدار الرحم، وتعلق به وتتشبت به، فلا تفلت منه، ثم تتحول إلى مراحل متعددة.
إلى قرار معلوم. زمن مقدّر، وهو وقت الولادة.
فقدرنا فنعم القادرون.
فقدرنا على خلقه بشرا سويّا في أحسن تقويم، معه العقل والإرادة والسمع والصبر، ومزود بالأجهزة البديعة، مثل : الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي.
فنعم القادرون.
أنعم وأكرم بقدرة الله وحده، الذي خلق الإنسان من منيّ يمنى، ثم أنشأه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويل يومئذ للمكذبين.
أي : في يوم القيامة الويل والعذاب الأليم للمكذبين بقدرة الله، فهو الذي خلق الإنسان من مني يمنى، ومن بدأ الخلق قادر على إعادته، بل الإعادة أهون من البدء، فمن كذّب بالبعث والجزاء فله الويل والعذاب يومئذ، أي يوم القيامة.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
الأرض كفاتا : وعاء، تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها.
رواسي شامخات : جبالا ثوابت مرتفعات.
ماء فراتا : حلوا عذبا.
التفسير :
٢٨- ألم نجعل الأرض كفاتا* أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناهم ماء فراتا* ويل يومئذ للمكذبين.
كفاتا : وعاء.
جعلنا الأرض وعاء لكم منها تأكلون وتشربون، وعلى طرقها تسيرون، وتسكنون دورها ومنازلها، وجعل الأرض جامعة لأمر معاشكم وتجاركم وتنقلاتكم، فهي ضامة وجامعة للأحياء على ظهرها، وللأموات في بطنها، حيث يدفنون في بطنها، وتستر الأموات من رؤوسهم إلى أقدمهم.
قال تعالى : ثم أماته، فأقبره. ( عبس : ٢١ ).
أي : أسكنه القبر، وهي نعمة أيّ نعمة.
قال الشعبي : بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. ( طه : ٥٥ ).
قال المفسرون : الكفت : الجمع والضمّ، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر، فهي كالأمّ لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدّور، والأموات يسكنون في بطونها في القبور. اه.
وجاء التنكير للتفخيم كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون على ظهرها، وتكفت أمواتا لا يحصرون في بطنها.
وجعلنا فيها رواسي شامخات...
جعلنا فيها ثوابت مرتفعات، فالجبال تثبت الأرض، وتمسكها من الفوران بسبب الزلازل والبراكين والحمم التي بداخلها.
قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم... ( النحل : ١٥ ).
وأسقيناكم ماء فراتا.
وأسقيناكم ماء عذبا لذيذا، والقرآن يمتن علينا بالماء والبساتين والزروع والثمار عقب ذكر الجبال.
قال تعالى : والجبال أرساها* متاعا لكم ولأنعامكم. ( النازعات : ٣٢، ٣٣ ).
فالجبال تثبّت الأرض وتحفظ توازنها، وإليها يلجأ العبّاد والزهاد، والراغبون في الخلوة، والهاربون من الحياة.
وفي قللها ورؤوسها نجد الثلوج والمياه، مثل جبل الشيخ في سوريا الذي تعلوه طبقة بيضاء من الثلج، تذوب في الصيف وتنزل على الوديان فتسقي الزرع، وتفيد الإنسان والحيوان.
قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حيّ... ( الأنبياء : ٣٠ ).
فالماء في البحار وفي الأنهار، وفي العيون والآبار، مصدر حياة ونعمة للإنسان والحيوان والزروع وسائر الأحياء.
ويل يومئذ للمكذبين.
هلاك في يوم القيامة للمكذبين برسل الله، والكافرين بنعم الله رب العالمين.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
الأرض كفاتا : وعاء، تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها.
رواسي شامخات : جبالا ثوابت مرتفعات.
ماء فراتا : حلوا عذبا.
التفسير :
٢٨- ألم نجعل الأرض كفاتا* أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناهم ماء فراتا* ويل يومئذ للمكذبين.
كفاتا : وعاء.
جعلنا الأرض وعاء لكم منها تأكلون وتشربون، وعلى طرقها تسيرون، وتسكنون دورها ومنازلها، وجعل الأرض جامعة لأمر معاشكم وتجاركم وتنقلاتكم، فهي ضامة وجامعة للأحياء على ظهرها، وللأموات في بطنها، حيث يدفنون في بطنها، وتستر الأموات من رؤوسهم إلى أقدمهم.
قال تعالى : ثم أماته، فأقبره. ( عبس : ٢١ ).
أي : أسكنه القبر، وهي نعمة أيّ نعمة.
قال الشعبي : بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. ( طه : ٥٥ ).
قال المفسرون : الكفت : الجمع والضمّ، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر، فهي كالأمّ لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدّور، والأموات يسكنون في بطونها في القبور. اه.
وجاء التنكير للتفخيم كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون على ظهرها، وتكفت أمواتا لا يحصرون في بطنها.
وجعلنا فيها رواسي شامخات...
جعلنا فيها ثوابت مرتفعات، فالجبال تثبت الأرض، وتمسكها من الفوران بسبب الزلازل والبراكين والحمم التي بداخلها.
قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم... ( النحل : ١٥ ).
وأسقيناكم ماء فراتا.
وأسقيناكم ماء عذبا لذيذا، والقرآن يمتن علينا بالماء والبساتين والزروع والثمار عقب ذكر الجبال.
قال تعالى : والجبال أرساها* متاعا لكم ولأنعامكم. ( النازعات : ٣٢، ٣٣ ).
فالجبال تثبّت الأرض وتحفظ توازنها، وإليها يلجأ العبّاد والزهاد، والراغبون في الخلوة، والهاربون من الحياة.
وفي قللها ورؤوسها نجد الثلوج والمياه، مثل جبل الشيخ في سوريا الذي تعلوه طبقة بيضاء من الثلج، تذوب في الصيف وتنزل على الوديان فتسقي الزرع، وتفيد الإنسان والحيوان.
قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حيّ... ( الأنبياء : ٣٠ ).
فالماء في البحار وفي الأنهار، وفي العيون والآبار، مصدر حياة ونعمة للإنسان والحيوان والزروع وسائر الأحياء.
ويل يومئذ للمكذبين.
هلاك في يوم القيامة للمكذبين برسل الله، والكافرين بنعم الله رب العالمين.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
الأرض كفاتا : وعاء، تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها.
رواسي شامخات : جبالا ثوابت مرتفعات.
ماء فراتا : حلوا عذبا.
التفسير :
٢٨- ألم نجعل الأرض كفاتا* أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناهم ماء فراتا* ويل يومئذ للمكذبين.
كفاتا : وعاء.
جعلنا الأرض وعاء لكم منها تأكلون وتشربون، وعلى طرقها تسيرون، وتسكنون دورها ومنازلها، وجعل الأرض جامعة لأمر معاشكم وتجاركم وتنقلاتكم، فهي ضامة وجامعة للأحياء على ظهرها، وللأموات في بطنها، حيث يدفنون في بطنها، وتستر الأموات من رؤوسهم إلى أقدمهم.
قال تعالى : ثم أماته، فأقبره. ( عبس : ٢١ ).
أي : أسكنه القبر، وهي نعمة أيّ نعمة.
قال الشعبي : بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. ( طه : ٥٥ ).
قال المفسرون : الكفت : الجمع والضمّ، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر، فهي كالأمّ لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدّور، والأموات يسكنون في بطونها في القبور. اه.
وجاء التنكير للتفخيم كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون على ظهرها، وتكفت أمواتا لا يحصرون في بطنها.
وجعلنا فيها رواسي شامخات...
جعلنا فيها ثوابت مرتفعات، فالجبال تثبت الأرض، وتمسكها من الفوران بسبب الزلازل والبراكين والحمم التي بداخلها.
قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم... ( النحل : ١٥ ).
وأسقيناكم ماء فراتا.
وأسقيناكم ماء عذبا لذيذا، والقرآن يمتن علينا بالماء والبساتين والزروع والثمار عقب ذكر الجبال.
قال تعالى : والجبال أرساها* متاعا لكم ولأنعامكم. ( النازعات : ٣٢، ٣٣ ).
فالجبال تثبّت الأرض وتحفظ توازنها، وإليها يلجأ العبّاد والزهاد، والراغبون في الخلوة، والهاربون من الحياة.
وفي قللها ورؤوسها نجد الثلوج والمياه، مثل جبل الشيخ في سوريا الذي تعلوه طبقة بيضاء من الثلج، تذوب في الصيف وتنزل على الوديان فتسقي الزرع، وتفيد الإنسان والحيوان.
قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حيّ... ( الأنبياء : ٣٠ ).
فالماء في البحار وفي الأنهار، وفي العيون والآبار، مصدر حياة ونعمة للإنسان والحيوان والزروع وسائر الأحياء.
ويل يومئذ للمكذبين.
هلاك في يوم القيامة للمكذبين برسل الله، والكافرين بنعم الله رب العالمين.
أهداف سورة المرسلات
( سورة المرسلات مكية، وآياتها ٥٠ آية، نزلت بعد سورة الهمزة )
سورة المرسلات قصيرة الآيات، عاصفة الملامح، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة تلهب صدور المنكرين، وهي توقف القلب البشري وقفة المحاكمة الرهيبة، حيث تواجهه بسيل من الاستفهامات والاستذكارات والتهديدات، تنفذ إليه كالسهام المسنونة.
( وتعرض السورة عددا من المشاهد المتنوعة، عن الكون وخلق الإنسان، واليوم الآخر، وعذاب المجرمين ونعيم المتقين، وعقب كل مشهد تلفح القلب المذنب لفحة من التهديد والوعيد، حين تقول : ويل يومئذ للمكذبين. ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد.
وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة الرحمان، عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : فبأي آلاء ربكما تكذّبان.
كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة القمر، عقب كل حلقة من حلقات العذاب : فكيف كان عذابي ونذر. وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة، وطعما مميزا حادّا )١.
تسلسل أفكار السورة
تبدأ السورة بقسم عاصف ثائر، بمشهد الرياح أو الملائكة، يتبعه عشر جولات متتابعة، تثير في النفس طائفة من التأملات والمشاعر والخواطر، والتأثرات والاستجابات.
١- فالآيات من ( ٨-١٥ ) تصف مشاهد القيامة، وتصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وفي هذا اليوم تنتهي حسابات الرسل مع البشر، ويتبين الصادق من الكاذب.
٢- والآيات من ( ١٦-١٩ ) تصف مصارع الغابرين، وتشير إلى سنن الله في المكذبين، فكما أهلك قوم نوح بالغرق، وأهلك أمم عاد وثمود وفرعون، فهو يفعل ذلك بكل مكذّب برسالات السماء، وهدي الأنبياء.
٣- والآيات من ( ٢٠-٢٤ ) تصف النشأة الأولى، وما تشير إليه من تقدير وتدبير.
٤- والآيات من ( ٢٥-٢٨ ) تصف الأرض التي تضم أبناءها إليها، أحياء وأمواتا، وقد جهزت لهم بالاستقرار والجبال والمياه.
٥- والآيات ( ٢٩-٣٤ ) تصف حال المكذبين يوم القيامة، وما يلقونه من تقريع وتأنيب.
٦- والآيات من ( ٣٥-٣٧ ) استطراد مع موقف المكذبين، وبيان ألوان العذاب والهوان الذي يتعرضون له.
٧- والآيات من ( ٣٨-٤٠ ) تصف ضعف الإنسان، وفقدان حيلته أمام الجمع والحشر والحساب والجزاء.
٨- والآيات من ( ٤١-٤٥ ) تصف نعيم المتقين، وطعامهم وشرابهم وتكريمهم.
٩- والآيتان ( ٤٦، ٤٧ ) خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب.
١٠- والآيتان من ( ٤٨-٥٠ ) وصف لحال المكذبين، وامتناعهم عن الإيمان وعن الاستجابة لآيات القرآن.
وبعض هذه المشاهد قد سبق ذكرها، وتكرّر ورودها في القرآن الكريم، وفي السور المكية بوجه خاص، ولكنها تعرض هنا سريعة أخاذة، لها رنين وجدة في مشاهد جهنم، وفي مواجهة المكذبين بهذه المشاهد، وفي أسلوب العرض والخطاب كله، ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة : حادة الملامح، متنوعة في أساليب الخطاب، متنقلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر، فذلك كلام الله، ومن أحسن من الله حديثا ؟
مع آيات السورة
١- ٧- يقسم الله بطوائف الملائكة، يرسلها بالمعروف والإحسان، وأوامره الكريمة، فتعصف عصف الرياح مسرعة، وتنشر شرائعه في الأرض، فتفرق بين الحق والباطل، ويلقى الملائكة إلى أنبياء الله ذكرا يريد الله تبليغهم إياه، عذرا للمحقين، ونذرا للمبطلين، يقسم الله بهؤلاء الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل : إن القسم في هذه الآيات بالرياح وآثارها في الكون، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس، فالعاصفات عصفا. الشديدة المهلكة، والناشرات نشرا. التي تنشر المطر، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات ( ٤-٦ ) بالملائكة، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، وتلقى إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أن الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى، وتستتبع معنى آخر، ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات، وعند تفسير : والناشرات نشرا. بيّن أن بعض المفسرين قال : هي الرياح، وبعضهم قال : هي المطر، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقب الطبري بقوله : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أقسم بالناشرات نشرا، ولم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، فالرياح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فدلّ ذلك على أن المراد بالآية كل ما كان ناشرا. ٢.
٨-١٥- يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء، أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء، وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون، تعرض السورة أمرا مؤجلا، هو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة والشهادة على الأمم، والقضاء والفصل بين كل رسول وقومه : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم... ( المائدة : ١٠٩ ). وفي هذا اليوم عذاب وخزي لمن كذب بالله ورسله وكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
١٦-١٩- تجول هذه الآيات في مصارع الأولين والآخرين، وفي ضربة واحدة تكشف مصارع الأولين، من قوم نوح ومن بعدهم، وتكشف مصارع الآخرين، ومن لفّ لفهم، وعلى مد البصر تتبدى المصارع والأشلاء، فهي سنة الله التي لا تتبدل، من سيادة الصالحين، وهلاك المجرمين، وفي الآخرة هلاك وعذاب شديد للمكذبين.
٢٠- ٢٤- هذه الآيات جولة في الإنشاء والإحياء، مع التقدير والتدبير، فهي تصف خلق الإنسان من نطفة مراقة، تستقر في حرز مكين وهو الرحم، حيث تصير جنينا مكتملا، فقدرنا. وقت ولادته. فنعم القادرون. نحن على التدبير وإحكام الصنعة، وفي الآخرة عذاب شديد للمكذبين بآيات الله وقدرته وحكمته.
٢٥- ٢٨- وهذه الآيات جولة في خصائص الأرض، وتقدير الله فيها لحياة البشر، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة، ألم نجعل الأرض كفاتا. ٣ تحتضن بنيها وتجمعهم. أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات... ثابتات سامقات، تتجمع على قممها السحب، وتنحدر عنها مساقط الماء العذب، أفيكون هذا إلا عن قدرة وتقدير، وحكمة وتدبير ؟ أفبعد هذا يكذب المكذبون ؟ ويل يومئذ للمكذبين.
٢٩- ٣٤- تنتقل الآيات إلى وصف مشهد من مشاهد القيامة، والكفار ينطلقون بعد طول احتباس إلى العذاب الذي كانوا يكذبون به في الدنيا.
إنه انطلاق خير منه الارتهان والاحتباس : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. وهو دخان جهنم يتشعب لعظمه ثلاث شعب، وتمتد ألسنته إلى أقسام ثلاثة كلها أشد من بعض، ولكنه ظل خير منه الوهج : لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنه ظل خانق حار لافح، وتسميته بالظل من باب التهكم والسخرية، فهو لا يظل من حر ذلك اليوم، ولا يقي من لهب جهنم. ٤.
إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالات صفر. أي أن هذه النار يتطاير منها شرر متفرق في جهات كثيرة، كأنه القصر عظما وارتفاعا، وكأنه الجمال الصفر لونا وكثرة وتتابعا وسرعة حركة، وفي اللحظة التي يستغرق فيها الحس بهذا الهول، يجيء التعقيب المعهود : ويل يومئذ للمكذبين.
٣٥-٣٧- هذا يوم لا يتكلمون فيه بحجة نافعة تنقذهم مما هم فيه، ولو كانت لهم حجة لما عذبوا هذا العذاب، ولا يؤذن لهم بالاعتذار ولا يقبل منهم، فالهلاك لمن كذّب بعذاب يوم القيامة.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآية وعن قوله تعالى : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ). فقال : في ذلك اليوم مواقف، في بعضها يختصمون، وفي بعضها لا ينطقون، أو لا ينطقون بما ينفعهم فجعل نطقهم كلا نطق. ٥. والعرب تقول لمن ذكر ما لا يفيد : ما قلت شيئا.
٣٧- ٤٠- هذا يوم الفصل لا يوم الاعتذار، وقد جمعناكم والأولين أجمعين، فإن كان لكم تدبير فدبّروه، وإن كانت لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخليص أنفسكم من العذاب، وفي هذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا، وإظهار لعجزهم وقصورهم حينئذ، فهم في صمت كظيم، وتأنيب أليم. والويل الشديد في ذلك اليوم للمكذبين بالبعث والجزاء.
٤١-٤٥- إن المتقين في ظلال حقيقية، هي ظلال الأشجار على شواطئ الأنهار، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويتمتعون بما تشتهيه أنفسهم من الفواكه والمآكل الطيبة، ومع التكريم الحسي يلقون ألوان التكريم المعنوي، فيقال لهم على مرأى ومسمع من الجموع : كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. جزاء بما عملتم في الدنيا من طاعة ربكم، واجتهدتم فيما يقربكم من رضوانه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان في الجنة ؟
وبمثل هذا الجزاء نجزي كل الذي يحسنون في أعمالهم وأقوالهم، وشأنهم الإحسان، ويقابل هذا النعيم الويل للمكذبين.
٤٠- ٤٧- كلوا وتمتعوا قليلا في هذه الدار بقية أعماركم، وهي قليلة المدى بالنسبة للآخرة، وهناك ستحرمون وتعذبون طويلا : ويل يومئذ للمكذبين.
٤٨- ٥٠- وإذا قيل لهؤلاء المكذبين : اعبدوا الله وأطيعوه، لا يستجيبون ولا يمتثلون، ويل يومئذ للمكذبين. بأوامر الله ونواهيه. فبأي حديث بعده يؤمنون. أي إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل على تجلّيها ووضوحها، فبأي كلام بعد هذا يصدقون ؟ والذي لا يؤمن بهذا الحديث الذي يهز الرواسي، وبهذه الهزات التي تزلزل الجبال، لا يؤمن بحديث بعده أبدا، إنما هو الشقاء والتعاسة والمصير البائس، والويل المدّخر لهذا الشقي المتعوس.
إن هذه السورة ببنائها التعبيري، وإيقاعها الموسيقي، ومشاهدها العنيفة، ولذعها الحاد، حملة لا يثبت لها كيان، ولا يتماسك أمامها إنسان، فسبحان الذي نزّل القرآن وأودعه ذلك السلطان.
مقاصد السورة
من مقاصد سورة المرسلات ما يأتي :
١- القسم بالملائكة على أن البعث حق، وأن القيامة آتية.
٢- الإخبار عن هلاك القرون الماضية، ووعيد المكذبين بنفس المصير.
٣- المنّة على الخلائق بنعمة الخلق والتكوين، وسائر النعم في الأنفس والآفاق.
٤- وصف عذاب المكذبين بما تشيب من هوله الولدان.
٥- وصف نعيم المتقين وما يلقونه من الكرامة في جنات النعيم، وبيان عظمة الخالق وكمال قدرته.
المفردات :
الأرض كفاتا : وعاء، تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها.
رواسي شامخات : جبالا ثوابت مرتفعات.
ماء فراتا : حلوا عذبا.
التفسير :
٢٨- ألم نجعل الأرض كفاتا* أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناهم ماء فراتا* ويل يومئذ للمكذبين.
كفاتا : وعاء.
جعلنا الأرض وعاء لكم منها تأكلون وتشربون، وعلى طرقها تسيرون، وتسكنون دورها ومنازلها، وجعل الأرض جامعة لأمر معاشكم وتجاركم وتنقلاتكم، فهي ضامة وجامعة للأحياء على ظهرها، وللأموات في بطنها، حيث يدفنون في بطنها، وتستر الأموات من رؤوسهم إلى أقدمهم.
قال تعالى : ثم أماته، فأقبره. ( عبس : ٢١ ).
أي : أسكنه القبر، وهي نعمة أيّ نعمة.
قال الشعبي : بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. ( طه : ٥٥ ).
قال المفسرون : الكفت : الجمع والضمّ، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر، فهي كالأمّ لهم، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدّور، والأموات يسكنون في بطونها في القبور. اه.
وجاء التنكير للتفخيم كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون على ظهرها، وتكفت أمواتا لا يحصرون في بطنها.
وجعلنا فيها رواسي شامخات...
جعلنا فيها ثوابت مرتفعات، فالجبال تثبت الأرض، وتمسكها من الفوران بسبب الزلازل والبراكين والحمم التي بداخلها.
قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم... ( النحل : ١٥ ).
وأسقيناكم ماء فراتا.
وأسقيناكم ماء عذبا لذيذا، والقرآن يمتن علينا بالماء والبساتين والزروع والثمار عقب ذكر الجبال.
قال تعالى : والجبال أرساها* متاعا لكم ولأنعامكم. ( النازعات : ٣٢، ٣٣ ).
فالجبال تثبّت الأرض وتحفظ توازنها، وإليها يلجأ العبّاد والزهاد، والراغبون في الخلوة، والهاربون من الحياة.
وفي قللها ورؤوسها نجد الثلوج والمياه، مثل جبل الشيخ في سوريا الذي تعلوه طبقة بيضاء من الثلج، تذوب في الصيف وتنزل على الوديان فتسقي الزرع، وتفيد الإنسان والحيوان.
قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حيّ... ( الأنبياء : ٣٠ ).
فالماء في البحار وفي الأنهار، وفي العيون والآبار، مصدر حياة ونعمة للإنسان والحيوان والزروع وسائر الأحياء.
ويل يومئذ للمكذبين.
هلاك في يوم القيامة للمكذبين برسل الله، والكافرين بنعم الله رب العالمين.
﴿ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون ٢٩ انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب ٣٠ لا ظليل ولا يغني من اللهب ٣١ إنها ترمي بشرر كالقصر ٣٢ كأنه جمالة صفر ٣٣ ويل يومئذ للمكذبين ٣٤ هذا يوم لا ينطقون ٣٥ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ٣٦ ويل يومئذ للمكذبين٣٧ هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين ٣٨ فإن كان لكم كيد فكيدون ٣٩ ويل يومئذ للمكذبين ٤٠ ﴾
المفردات :
ظل : هو دخان جهنم.
ثلاث شعب : فرق ثلاث كالذوائب.
لا ظليل : غير مظل من الحرّ.
لا يغني من اللهب : لا يدفع شيئا من لهب جهنم.
التفسير :
٣١- انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون* انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب* لا ظليل ولا يغني من اللهب.
أي : سيروا إلى عذاب جهنم التي كنتم تكذّبون بها، وتستبعدون أن تنالكم، وتدّعون أنكم قادرون على أن تهزموا حرّاس جهنم التسعة عشر وتخرجوا منها، فأخبركم الله أنهم ملائكة، وإذا كلفكم الله بأمر أعطاهم القدرة على تنفيذه.
انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب.
هناك في يوم القيامة مواقف متعددة، ومن هذه المواقف العذاب تحت ظلّ في جهنم، هذا الظل ليس باردا مريحا، ولا واقيا من حر الشمس، وليس له حيطان وستور تحمي من لهب النار.
كما قال تعالى : لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٤ ).
فتسميته بالظل من باب التهكم أو المقابلة، حيث يتمتع المؤمنون بظل ظليل.
قال تعالى : ودانية عليهم ظلالها... ( الإنسان : ١٤ ).
أما الكفار فقال الله عنهم : وظلّ من يحموم* لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٣، ٤٤ ).
إن الظل ألوان من العذاب، فأحيانا يكون الظل تحتهم وفوقهم، قال تعالى : لهم من فوقهم ظلال من النار ومن تحتهم ظلل... ( الزمر : ١٦ ).
والظل في جهنم من كثرته وطوله وقوّته يتشعب إلى ثلاث شعب، ربما كانت واحدة فوقهم، وأخرى تحت رجلهم، وثالثة عن يسارهم، كفانا الله شر النار وعذاب النار.
قال تعالى : يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم... ( العنكبوت : ٥٥ ).
لا ظليل ولا يغني من اللهب.
إنه ظل خانق يأخذ بالأنفاس، ويتسبّب في شدة العطش، ولا يحمي من لهب جهنم، والشمس تلفح الكافرين وتسفعهم، وتأخذ بأنفاسهم، أما المؤمنون فيظلّون في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظله.
وذهب بعض المفسرين إلى أن ظل جهنم ينقسم إلى ثلاث شعب : شعبة للمنافقين، وشعبة للكافرين، وشعبة لعصاة المؤمنين، وكل شعبة تناسب أصحابها، وتناسب حجم العذاب الذي يستحقونه منها.
﴿ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون ٢٩ انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب ٣٠ لا ظليل ولا يغني من اللهب ٣١ إنها ترمي بشرر كالقصر ٣٢ كأنه جمالة صفر ٣٣ ويل يومئذ للمكذبين ٣٤ هذا يوم لا ينطقون ٣٥ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ٣٦ ويل يومئذ للمكذبين٣٧ هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين ٣٨ فإن كان لكم كيد فكيدون ٣٩ ويل يومئذ للمكذبين ٤٠ ﴾
المفردات :
ظل : هو دخان جهنم.
ثلاث شعب : فرق ثلاث كالذوائب.
لا ظليل : غير مظل من الحرّ.
لا يغني من اللهب : لا يدفع شيئا من لهب جهنم.
التفسير :
٣١- انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون* انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب* لا ظليل ولا يغني من اللهب.
أي : سيروا إلى عذاب جهنم التي كنتم تكذّبون بها، وتستبعدون أن تنالكم، وتدّعون أنكم قادرون على أن تهزموا حرّاس جهنم التسعة عشر وتخرجوا منها، فأخبركم الله أنهم ملائكة، وإذا كلفكم الله بأمر أعطاهم القدرة على تنفيذه.
انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب.
هناك في يوم القيامة مواقف متعددة، ومن هذه المواقف العذاب تحت ظلّ في جهنم، هذا الظل ليس باردا مريحا، ولا واقيا من حر الشمس، وليس له حيطان وستور تحمي من لهب النار.
كما قال تعالى : لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٤ ).
فتسميته بالظل من باب التهكم أو المقابلة، حيث يتمتع المؤمنون بظل ظليل.
قال تعالى : ودانية عليهم ظلالها... ( الإنسان : ١٤ ).
أما الكفار فقال الله عنهم : وظلّ من يحموم* لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٣، ٤٤ ).
إن الظل ألوان من العذاب، فأحيانا يكون الظل تحتهم وفوقهم، قال تعالى : لهم من فوقهم ظلال من النار ومن تحتهم ظلل... ( الزمر : ١٦ ).
والظل في جهنم من كثرته وطوله وقوّته يتشعب إلى ثلاث شعب، ربما كانت واحدة فوقهم، وأخرى تحت رجلهم، وثالثة عن يسارهم، كفانا الله شر النار وعذاب النار.
قال تعالى : يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم... ( العنكبوت : ٥٥ ).
لا ظليل ولا يغني من اللهب.
إنه ظل خانق يأخذ بالأنفاس، ويتسبّب في شدة العطش، ولا يحمي من لهب جهنم، والشمس تلفح الكافرين وتسفعهم، وتأخذ بأنفاسهم، أما المؤمنون فيظلّون في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظله.
وذهب بعض المفسرين إلى أن ظل جهنم ينقسم إلى ثلاث شعب : شعبة للمنافقين، وشعبة للكافرين، وشعبة لعصاة المؤمنين، وكل شعبة تناسب أصحابها، وتناسب حجم العذاب الذي يستحقونه منها.
﴿ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون ٢٩ انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب ٣٠ لا ظليل ولا يغني من اللهب ٣١ إنها ترمي بشرر كالقصر ٣٢ كأنه جمالة صفر ٣٣ ويل يومئذ للمكذبين ٣٤ هذا يوم لا ينطقون ٣٥ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ٣٦ ويل يومئذ للمكذبين٣٧ هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين ٣٨ فإن كان لكم كيد فكيدون ٣٩ ويل يومئذ للمكذبين ٤٠ ﴾
المفردات :
ظل : هو دخان جهنم.
ثلاث شعب : فرق ثلاث كالذوائب.
لا ظليل : غير مظل من الحرّ.
لا يغني من اللهب : لا يدفع شيئا من لهب جهنم.
التفسير :
٣١- انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون* انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب* لا ظليل ولا يغني من اللهب.
أي : سيروا إلى عذاب جهنم التي كنتم تكذّبون بها، وتستبعدون أن تنالكم، وتدّعون أنكم قادرون على أن تهزموا حرّاس جهنم التسعة عشر وتخرجوا منها، فأخبركم الله أنهم ملائكة، وإذا كلفكم الله بأمر أعطاهم القدرة على تنفيذه.
انطلقوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب.
هناك في يوم القيامة مواقف متعددة، ومن هذه المواقف العذاب تحت ظلّ في جهنم، هذا الظل ليس باردا مريحا، ولا واقيا من حر الشمس، وليس له حيطان وستور تحمي من لهب النار.
كما قال تعالى : لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٤ ).
فتسميته بالظل من باب التهكم أو المقابلة، حيث يتمتع المؤمنون بظل ظليل.
قال تعالى : ودانية عليهم ظلالها... ( الإنسان : ١٤ ).
أما الكفار فقال الله عنهم : وظلّ من يحموم* لا بارد ولا كريم. ( الواقعة : ٤٣، ٤٤ ).
إن الظل ألوان من العذاب، فأحيانا يكون الظل تحتهم وفوقهم، قال تعالى : لهم من فوقهم ظلال من النار ومن تحتهم ظلل... ( الزمر : ١٦ ).
والظل في جهنم من كثرته وطوله وقوّته يتشعب إلى ثلاث شعب، ربما كانت واحدة فوقهم، وأخرى تحت رجلهم، وثالثة عن يسارهم، كفانا الله شر النار وعذاب النار.
قال تعالى : يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم... ( العنكبوت : ٥٥ ).
لا ظليل ولا يغني من اللهب.
إنه ظل خانق يأخذ بالأنفاس، ويتسبّب في شدة العطش، ولا يحمي من لهب جهنم، والشمس تلفح الكافرين وتسفعهم، وتأخذ بأنفاسهم، أما المؤمنون فيظلّون في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظله.
وذهب بعض المفسرين إلى أن ظل جهنم ينقسم إلى ثلاث شعب : شعبة للمنافقين، وشعبة للكافرين، وشعبة لعصاة المؤمنين، وكل شعبة تناسب أصحابها، وتناسب حجم العذاب الذي يستحقونه منها.
ترمي بشرر : هو ما تطاير من النار متفرقا.
كالقصر : كل شررة كالبناء المشيّد في العظم والارتفاع.
التفسير :
٣٢- إنها ترمي بشرر كالقصر.
الضمير في : إنها، لجهنم، وصح عود الضمير عليها مع عدم ذكرها صراحة لأنها تفهم من السياق، فالمكذبون لا ينطلقون إلا إلى النار، أو إلى ألوان من عذابها، وجهنم ينطلق منها شرر كبير في حجم القصر، وهو البناء العالي العظيم، أو الحصن المنيع.
كأنه جمالة صفر : كأن الشرر إبل سود ( وتسمّيها العرب صفرا ) في الكثرة والتتابع وسرعة الحركة واللّون.
التفسير :
٣٣- كأنه جمالة صفر.
شبّه الشرر في كبره وضخامته بالقصر، وقد كان العرب يطلقون القصر على كل بيت من حجر، وليس من الضروري أن يكون في ضخامة ما نعهد الآن من قصور.
وإذا تتابع الشرر أشبه الجمالة الصفر في سرعتها وتتابعها وكثرة حركتها.
ومن المفسرين من قال : إن المراد الإبل السود التي تضرب إلى الصفرة.
ورجّح الفخر الرازي أن المراد : الإبل الصفراء، لأن الشرر إنما يسمى شررا ما دام يكون نارا، ومتى كان نارا كان أصفر، وإنما يصير أسود إذا انطفأ، وعندئذ لا يسمى شررا، ولعل هذا الرأي أقرب إلى الصواب.
والجمالة : جمع جمل، لحقت بها التاء لتأنيث الجمع.
والمقصود بتشبيه الشرر بالقصر : بيان أن النار عظيمة جدّا.
والمقصود بالتشبيه الثاني : شدة اشتعالها وسرعة أفعالها.
وقانا الله جميعا شر النار، وعذاب النار، آمين.
٣٤- ويل يومئذ للمكذبين.
عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين برسل الله وآياته.
٣٥، ٣٦- هذا يوم لا ينطقون* ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
في يوم القيامة ساعات متعددة، في ساعات يسمح لهم بالكلام، أو الاعتذار عما فعلوه في الدنيا، وفي ساعات يعم الصمت الرهيب ولا يسمح لهم بالكلام، أو هم من تلقاء أنفسهم قد اشتدت رهبتهم، وأهوالهم من شدة ما رأوا، فلاذوا بالصمت.
قال تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون. ( النمل : ٨٥ ).
قال ابن كثير :
وعرصات القيامة حالات، والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة، وعن هذه الحالة تارة، ليدلّ على شدة الأهوال والزلازل يومئذ.
وقال القاسمي :
هذا يوم لا ينطقون.
أي : بحجة، أو في وقت من أوقاته، لأنه يوم طويل، ذو مواقف، ومواقيت، أو جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا ينفع لا يسمع. اه.
وقال الحسن : لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون، والعرب تقول : أنت لم تقل شيئا، لمن تكلم بكلام غير مفيد.
فلا ينافي ذلك قوله تعالى على لسان المشركين : والله ربنا كنا مشركين. ( الأنعام : ٢٣ ).
وقوله تعالى : ولا يكتمون الله حديثا. ( النساء : ٤٢ ).
وقوله سبحانه : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ).
ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
لا يسمح لهم بإبداء العذر عما ارتكبوه في الدنيا، لأنها أعذار مرفوضة، أو هي كاذبة، أو أعذار غير موضوعية، بعد أن قامت الحجة عليهم وثبتت عليهم التهمة.
قال تعالى : لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... ( التوبة : ٦٦ ).
وقال سبحانه : يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون. ( التحريم : ٧ ).
والمراد أنهم ليس لهم عذر ولا حجة فيما ارتكبوا من المفاسد والمنكرات، وأنه لا قدرة لهم على دفع العذاب عن أنفسهم.
٣٥، ٣٦- هذا يوم لا ينطقون* ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
في يوم القيامة ساعات متعددة، في ساعات يسمح لهم بالكلام، أو الاعتذار عما فعلوه في الدنيا، وفي ساعات يعم الصمت الرهيب ولا يسمح لهم بالكلام، أو هم من تلقاء أنفسهم قد اشتدت رهبتهم، وأهوالهم من شدة ما رأوا، فلاذوا بالصمت.
قال تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون. ( النمل : ٨٥ ).
قال ابن كثير :
وعرصات القيامة حالات، والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة، وعن هذه الحالة تارة، ليدلّ على شدة الأهوال والزلازل يومئذ.
وقال القاسمي :
هذا يوم لا ينطقون.
أي : بحجة، أو في وقت من أوقاته، لأنه يوم طويل، ذو مواقف، ومواقيت، أو جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا ينفع لا يسمع. اه.
وقال الحسن : لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون، والعرب تقول : أنت لم تقل شيئا، لمن تكلم بكلام غير مفيد.
فلا ينافي ذلك قوله تعالى على لسان المشركين : والله ربنا كنا مشركين. ( الأنعام : ٢٣ ).
وقوله تعالى : ولا يكتمون الله حديثا. ( النساء : ٤٢ ).
وقوله سبحانه : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون. ( الزمر : ٣١ ).
ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
لا يسمح لهم بإبداء العذر عما ارتكبوه في الدنيا، لأنها أعذار مرفوضة، أو هي كاذبة، أو أعذار غير موضوعية، بعد أن قامت الحجة عليهم وثبتت عليهم التهمة.
قال تعالى : لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... ( التوبة : ٦٦ ).
وقال سبحانه : يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون. ( التحريم : ٧ ).
والمراد أنهم ليس لهم عذر ولا حجة فيما ارتكبوا من المفاسد والمنكرات، وأنه لا قدرة لهم على دفع العذاب عن أنفسهم.
٣٧- ويل يومئذ للمكذبين.
عذاب شديد للمكذبين بالوحي والرسل والبعث والقيامة.
يجمع الله الأولين والآخرين في عرصات القيامة، في وقت واحد، ومشهد واحد، وجمعهم الحق سبحانه بقدرته.
قال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة... ( الأنعام : ٩٤ ).
ويسمى يوم القيامة يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين الخلائق، ويتميز فيه الحق من الباطل.
جمعناكم والأوّلين.
أي : جمعناكم بقدرتنا يا كفار قريش، وأمثالكم من المتأخرين على مرّ الدهور في يوم الفصل، مع الكفار الأولين، وهم كفار الأمم الماضية، في صعيد واحد، ولجزاء واحد.
لكم كيد : حيلة لاتقاء العذاب.
التفسير :
٣٩- فإن كان لكم كيد فكيدون.
أي : افعلوا ما بدا لكم، أو إن استطعتم أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا، أو إن قدرتم على المكر والتلبيس والحيل فافعلوا، وأنّى لكم ذلك وقد انقطعت الحيل في الدنيا، وأصبحتم أمام أعين الله الباصرة، وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وفي ذلك تهديد شديد، ووعيد أكيد.
هلاك شديد في ذلك اليوم للمكذبين بآيات الله ووعده ووعيده.
جاء في مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ما يأتي :
أخرج ابن أبي حاتم، عن عبادة بن الصامت أنه قال : إذا كان يوم القيامة، جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، ويقول الله : هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين* فإن كان لكم كيد فكيدون. اليوم لا ينجو منّي جبار عنيد ولا شيطان مريد.
﴿ إن المتقين في ظلال وعيون ٤١ وفواكه ممّا يشتهون ٤٢ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ٤٣ إنّا كذلك نجزي المحسنين ٤٤ ويل يومئذ للمكذبين ٤٥ كلوا وتمتّعوا قليلا إنكم مجرمون ٤٦ ويل يومئذ للمكذبين ٤٧ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ٤٨ ويل يومئذ للمكذبين ٤٩ فبأي حديث بعده يؤمنون ٥٠ ﴾
المفردات :
ظلال : واحدها ظلّ، وهو أعمّ من الفيء، فإنه يقال : ظل الليل، وظل الجنة، ولكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل، ولا يقال فيء إلا لما زالت عنه الشمس، ويعبر بالظلّ أيضا عن الرفاهية، وعن العزّة.
عيون : أنهار.
تمهيد :
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
التفسير :
٤١- إن المتقين في ظلال وعيون.
يتمتع المتقون بظلال الأشجار وظلال القصور، فلا يصيبهم حرّ ولا قرّ، ويمتعون بالعيون والأنهار، ويتنعّمون في دار الخلد والكرامة، بعكس الكافرين الذين هم في ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب.
وفي سورة يس يقول الله تعالى : إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون* هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون* لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون. ( يس : ٥٥-٥٧ ).
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
المفردات :
مما يشتهون : مما يتمنون.
التفسير :
٤٢- وفواكه ممّا يشتهون.
وفواكه متنوعة، مما يستطيبون ويستلذون.
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
المفردات :
هنيئا : لا يشوبه سقم ولا تنغيص.
التفسير :
٤٣- كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون.
أي : يقال للمتقين : كلوا هنيئا، واشربوا من هذه العيون كلما شئتم، شربا هنيئا خالص اللذة، لا يشوبه سقم ولا يكدره تنغيص، وهو دائم لكم، لا يزول ولا يورثكم أذى في أبدانكم، وكل ذلك بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا، وطاعتكم لله واجتهادكم في مرضاته.
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
التفسير :
٤٤- إنّا كذلك نجزي المحسنين.
إنّا مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي كل من أحسن عمله، واتقى ربه.
قال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا. ( الكهف : ٣٠ ).
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
٤٥- ويل يومئذ للمكذبين.
عذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بالقرآن، وبما وعد الله المتقين من تكريم مادّي ومعنوي.
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
التفسير :
٤٦- كلوا وتمتّعوا قليلا إنكم مجرمون.
أي : كلوا أيها الكفار ملء بطونكم، وتمتعوا بشهواتكم في أيام الدنيا، وهي قليلة بالنسبة للآخرة.
إنكم مجرمون.
لا تستحقون التكريم في الآخرة، فقد بعتم آخرتكم واشتريتم دنياكم وحظوظكم العاجلة، فكنتم أشبه بالأنعام التي لا يهمها إلا ملء بطونها وإشباع شهواتها.
قال تعالى : إن شرّ الدّواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون. ( الأنفال : ٥٥ ).
وقال عز شأنه : قل متاع الدنيا قليلا والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. ( النساء : ٧٧ ).
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
٤٧- ويل يومئذ للمكذبين.
عذاب شديد للمكذبين بأوامر الله، قال تعالى : نمتعهم قليلا ثم نضطرّهم إلى عذاب غليظ. ( لقمان : ٢٤ ).
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
المفردات :
اركعوا : صلّوا.
التفسير :
٤٨- وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.
وإذا قيل لهؤلاء الكفار : صلّوا مع المصلين، واخضعوا لأوامر الله، وادخلوا في دين الإسلام، أبوا وامتنعوا.
روي هذه الآية نزلت في ثقيف حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقالوا : لا نحبو ( لا نركع ) فإنها سبة علينا، فقال صلى الله عليه وسلم :( لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ).
وروى ابن جرير، عن ابن عباس أنه قال : إنما يقال هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون، من جرّاء أنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا.
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
٤٩- ويل يومئذ للمكذبين.
أي : بأوامر الله نواهيه.
في ختام السورة التي هدّدت الكافرين، وقدّمت عدة فقرات تحدثت عن أهوال القيامة وهلاك الظالمين، وخلق الإنسان، ومشاهد الكون، وألون العذاب في جهنم للكافرين، وتستعرض هنا نعيم المتقين، وما يتمتعون به من الظلال والفواكه، وألوان التكريم والنعيم.
ثم نعت على الكفار استكبارهم وعنادهم، وإذا لم يؤمنوا بالقرآن مع نصوع حجّته، ووضوح بيانه، فبأي كلام بعده يصدّقون ؟
المفردات :
حديث : كلام.
التفسير :
٥٠- فبأيّ حديث بعده يؤمنون.
أي : إذا لم يؤمنوا بالقرآن الكريم مع وضوح حجته واكتمال فصاحته وبلاغته، فبأي كلام يؤمنون ؟
وذلك كقوله تعالى : فبأيّ حديث بعد الله وآياته يؤمنون. ( الجاثية : ٦ ).
جاء في تفسير ابن كثير :
روي عن أبي هريرة : إذا قرأ : والمرسلات عرفا. فقرأ : فبأيّ حديث بعده يؤمنون. فلقيل : آمنت بالله وبما أنزل. أخرجه ابن أبي حاتم.
فضل سورة المرسلات.
عن ابن عباس أن أمّ الفضل سمعته يقرأ : والمرسلات عرفا. فقالت : يا بنيّ : ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب٦.
وقد أخرجه الشيخان من طريق مالك عن الزهري.
***
وكان الفراغ من تفسير الجزء ( التاسع والعشرين ) من القرآن الكريم عصر يوم الإثنين ٢٩ من المحرم ١٤٢٢ ه، الموافق ٢٣/٤/٢٠٠١ م، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
***
تخريج أحاديث وهوامش
تفسير القرآن الكريم
( الجزء التاسع والعشرون )
خرّج أحاديثه
الأستاذ
كمال سعيد فهمي
١ في ظلال القرآن ٢٩/ ٢٣١، بتصرف.
٢ تفسير الطبري ٢٩/١٤٢ مطبعة بولاق، الطبعة الأولى، ١٣٢٩ ه.
٣ الكفات : ما يكفت، أي يضم ويجمع.
٤ في الشعر العربي :
والمستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
والرمضاء هي الرمل الساخن من شدة الحر، أي من قصد عمرا وهو في كربة فلن يجد ما يخفف عنه، بل سيجد ما يزيده ألما، وينقله إلى ما هو أشد، كمن ينتقل من حرارة الرمال إلى حرارة النار. وكذلك الكفار ينتقلون من حرارة المحشر إلى ظل خانق لا يحمى من الحرّ ولا يقي من النار، وهو ظل مؤلم لا مريح.
٥ تفسير النسفي ٤/٢٤٢، ٢٤٣.
٦ يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة :
رواه البخاري في الآذان ( ٧٦٣ ) ومسلم في الصلاة ( ٤٦٢ ) وأبو داود في الصلاة ( ٨١٠ ) وأحمد في مسنده ( ٢٦٣٤٤ ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ :﴿ والمرسلات عرفا ﴾ فقالت : يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.
***
تم بحمد الله تخريج أحاديث وهوامش
الجزء ( التاسع والعشرين )