ﰡ
شرح الكلمات:
الأنفال: جمع نفل١ بتحريك الفاء: ما يعطيه الإمام لأفراد الجيش تشجيعاً لهم.
ذات بينكم: أي حقيقة بينكم، والبين الوصلة والرابطة التي تربط بعضكم ببعض من المودة والإخاء.
إنما المؤمنون: أي الكاملون في إيمانهم.
وجلت قلوبهم: أي خافت إذ الوجل٢: هو الخوف لاسيما عند ذكر وعيده ووعده.
وعلى ربهم يتوكلون: على الله وحده يعتمدون وله أمرهم يفوضون.
ومما رزقناهم: أي أعطيناهم.
أولئك: أي الموصوفون بالصفات الخمس السابقة.
لهم درجات: منازل عالية في الجنة.
ورزق كريم: أي عطاء عظيم من سائر وجوه النعيم في الجنة.
معنى الآيات:
هذه الآيات نزلت في غزوة بدر وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نفل٣ بعض المجاهدين لبلائهم
٢ قيل لبعضهم: متى تعرف أنه استجيب دعاؤك؟ قال: إذا اقشعرّ جلدي ووجل قلبي، وفاضت عيناي بالدموع، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما الوجل في القلب إلا كضَرَمَة السَعفَة، فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك.
٣ هذا ما ذهب إليه ابن جرير ورجحه محتجاً عليه بشواهد اللغة والتاريخ والجمهور على أن المراد بالأنفال هنا غنائم بدر، والكل محتمل إذ حصل النفل، وحصلت الغنيمة، ولما اختلفوا ردت إلى الله ورسوله ثم حكم الله تعالى فيها بقوله: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء... ﴾ الآية.
٢ الأنفال: جمع نفلٌ بفتح النون والفاء معاً كعَمَلٌ وهو مشتق من النافلة التي هي الزيادة في العطاء، وقد أطلق العرب لفظ النفل على الغنائم في الحرب اعتباراً منهم لها على أنها زيادة عن المقصود الأهم الذي هو إبادة العدو، ولذا كان بعض صناديدهم لا يأخذونها وهذا عنترة يقول:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني | أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم |
٤ وجل: كضرب، يوجل كيضرب ويجل كيلد بإسقاط فاء الكلمة والمصدر: الوجل كالعسل، وموجل كموعد.
٥ لفظ (الكريم) يصف به العرب كل شيء حسن في بابه لا قبح فيه ولا شكوى منه.
من هداية الآيات:
١- الأمر بتقوى الله عز وجل وإصلاح ذات البين.
٢- الإيمان يزيد١ بالطاعة وينقص بالعصيان.
٣- من المؤمنين من هو كامل الإيمان، ومنهم من هو ناقصه.
٤- من صفات أهل الإيمان الكامل ما ورد في الآية الثانية من هذه السورة٢ وما بعدها.
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ٣ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
شرح الكلمات:
من بيتك: أي المدينة المنورة.
لكارهون: أي الخروج للقتال.
إحدى الطائفتين: العير "القافلة" أو النفير: نفير قريش وجيشها.
٢ وهما الآية الثالثة والرابعة.
٣ الباء للمصاحبة أي: أخرجه إخراجاً مصاحباً للحق ليس فيه من الباطل شيء قط.
يبطل الباطل: أي يظهر بطلانه بقمع أهله وكسر شوكتهم وهزيمتهم.
ولو كره المجرمون: كفار قريش المشركون.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿كما أخرجك ربك﴾ أيها الرسول ﴿من بيتك﴾ بالمدينة ﴿بالحق﴾ متلبساً به حيث خرجت بإذن الله ﴿وان فريقاً٢ من المؤمنين لكارهون﴾ لما علموا بخروج قريش لقتالهم، وكانت العاقبة خيراً عظيماً، هذه الحال مثل حالهم لما كرهوا نزع الغنائم من أيديهم وتوليك قسمتها بإذننا، على أعدل قسمة وأصحها وأنفعها فهذا الكلام في هذه الآية (٥) تضمنت تشبيه حال حاضرة بحال ماضيه حصلت في كل واحدة كراهة بعض المؤمنين، وكانت العاقبة في كل منهما خيراً والحمد لله، وقوله تعالى ﴿يجادلونك في الحق بعدما تبين﴾ أي يجادلونك في القتال بعدما أتضح لهم أن العير٣ نجت وأنه لم يبق إلا النفير٤ ولا بد من قتالها. وقوله تعالى ﴿كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون﴾ أي إلى الموت عياناً يشاهدونه أمامهم وذلك من شدة كراهيتهم لقتال لم يستعدوا له ولم يوطنوا أنفسهم لخوض معاركه. وقوله تعالى ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾ أي اذكر يا رسولنا لهم الوقت الذي يعدكم الله تعالى فيه إحدى الطائفتين العير والنفير، وهذا في المدينة وعند السير أيضاً ﴿أنها لكم﴾ أي تظفرون بها، ﴿وتودون﴾ أي تحبون أن تكون ﴿غير ذات الشوكة﴾ وهي عير أبي سفيان ﴿تكون لكم﴾، وذلك لأنها مغنم بلا مغرم لقلة عددها وعددها، والله يريد ﴿أن يحق الحق﴾ أي يظهره بنصر أوليائه وهزيمة أعدائه، وقوله ﴿بكلماته﴾ أي التي تتضمن أمره تعالى إياكم بقتال الكافرين، وأمره الملائكة بالقتال معكم، وقوله ﴿ويقطع دابر الكافرين﴾ أي بتسليطكم عليهم فتقتلوهم حتى لا
٢ هذه الجملة حالية: والعامل فيها: أخرجك ربّك.
٣ هي قافلة أبي سفيان التجارية التي يصحبها زهاء ثلاثين رجلاً من قريش.
٤ النفير: جيش قوى الذي استنفرت فيه قرابة ألف مقاتل.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة ﴿عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم﴾ وذكر نبذة عن غزوة بدر الكبرى وبيان ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغه أن عيراً لقريش تحمل تجارة قادمة من الشام في طريقها إلى مكة وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب فانتدب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه للخروج إليها عسى الله تعالى أن يغنمهم إياها، لأن قريشاً صادرت أموال بعضهم وبعضهم ترك ماله بمكة وهاجر. فلما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثناء مسيره أخبرهم أن الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، لا على التعيين جائز أن تكون العير، وجائز أن تكون النفير الذي خرج من مكة للذب عن العير ودفع الرسول وأصحابه عنها حتى لا يستولوا عليها، فلما بلغ الرسول نبأ نجاة العير١ وقدوم النفير استشار أصحابه فوافقوا على قتال المشركين ببدر وكره بعضهم ذلك، وقالوا: إنا لم نستعد للقتال فأنزل الله تعالى هذه الآيات ﴿يجادلونك في الحق بعد ما تبين﴾ إلى قوله ﴿... ولو كره المجرمون﴾.
٢- بيان ضعف الإنسان في رغبته في كل مالا كلفة فيه ولا مشقة.
٣- إنجاز الله تعالى وعده للمؤمنين إذ أغنمهم طائفة النفير وأعزهم بنصر لم يكونوا مستعدين له.
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (١٤)
شرح الكلمات:
تستغيثون١: أي تطلبون الغوث من الله تعالى وهو النصر على
مردفين: أي متتابعين بعضهم ردف بعض أي متلاحقين.
وما جعله الله إلا بشرى: أي الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر.
إذ يغشيكم النعاس: أي يغطيكم به والنعاس: نوم خفيف جداً.
أمنة.: أي أمناً من الخوف الذي أصابكم لقلتكم وكثرة عدوكم.
منه: أي من الله تعالى.
رجز الشيطان: وسواسه لكم بما يؤلمكم ويحزنكم.
وليربط على قلوبكم: أي يشد عليها بالصبر واليقين.
ويثبت به الأقدام: أي بالمطر أقدامكم حتى لا تسوخ في الرمال.
الرعب: الخوف والفزع.
فاضربوا كل بنان: أي أطراف اليدين والرجلين حتى يعوقهم عن الضرب والمشي.
شاقوا الله ورسوله: أي خالفوه في مراده منهم فلم يطيعوه وخالفوا رسوله.
ذلكم فذوقوه: أي العذاب فذوقوه.
عذاب النار: أي في الآخرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث غزوة بدر، وبيان منن الله تعالى على رسوله والمؤمنين إذ يقول تعالى لرسوله ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ أي اذكر يا رسولنا حالكم لما كنتم خائفين لقلتكم وكثرة عدوكم فاستغثتم ربكم قائلين: اللهم نصرك، اللهم أنجز لي ما وعدتني ﴿فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين﴾ أي متتالين يتبع بعضهم بعضا ﴿وما جعله الله إلا بشرى﴾ أي لم يجعل ذلك الإمداد إلا مجرد بشرى لكم بالنصر على عدوكم ﴿ولتطمئن به قلوبكم﴾ أي تسكن ويذهب منها القلق والاضطراب، أما النصر فمن عند الله، ﴿إن الله عزيز حكيم﴾ عزيز غالب لا يحال بينه وبين ما يريده، حكيم بنصر من هو أهل للنصر، هذه نعمة، وثانية: اذكروا ﴿إذ يغشيكم﴾ ربكم
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
٢ هذا عائد على الماء الذي شدّ دهس أرض الوادي، ويصح أن يكون عائداً إلى ربط القلوب، فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في الحرب.
٣ هذا الأمر إرشادي للملائكة وللمؤمنين معاً.
٤ واحد البنان: بنانة، والمراد بها هتا الأصابع الممسكة بالسيف والرمح حتى تعجز عن قتال المسلمين وضربهم.
٥ ذلك: مبتدأ والخبر محذوف تقدير الكلام: الأمر ذلك، والجملة تعليلية لأنّ الباء في قوله: ﴿بأنهم﴾ سببية.
٢- تقرير عقيدة أن الملائكة عباد لله يسخرهم في فعل ما يشاء، وقد سخرهم للقتال مع المؤمنين فقاتلوا، ونصروا وثبتوا وذلك بأمر الله تعالى لهم بذلك.
٣- تعداد نعم الله تعالى على المؤمنين في غزوة بدر وهي كثيرة.
٤-مشاقة١ الله ورسوله كفر يستوجب صاحبها عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
٥- تعليم الله تعالى عباده كيف يقاتلون ويضربون أعداءهم، وهذا شرف كبير للمؤمنين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (١٥) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨) إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
شرح الكلمات:
زحفاً٢: أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على
٢ الزّحف: الدنوّ قليلاً قليلاً، وأصله، الاندفاع على الإلية، ثم سمي كل ماشٍ إلى حرب آخر زاحفاً، وازدحف القوم: إذا مشى بعضهم إلى بعض والزحاف: من علل الشعر وهو: أن يسقط من الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر.
فلا تولوهم الأدبار: أي لا تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم.
متحرفاً لقتال: أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله.
أو متحيزاً إلى فئة: أي يريد الانحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل.
فقد باء بغضب: أي رجع من المعركة مصحوباً بغضب من الله تعالى لمعصيته إياه.
وليبلي: أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا.
فئتكم: مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلائل النعم وخفى الحكم ففي أولى هذه الآيات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا١ لقيتم الذين كفروا زحفاً﴾ أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض ﴿فلا تولوهم الأدبار٢﴾ أي لا تنهزموا أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم، إنكم أحق بالنصر منهم، وأولى بالظفر والغلب إنكم مؤمنون وهم كافرون فلا يصح منكم انهزام أبداً ﴿ومن يولهم يومئذ دبره﴾ اللهم ﴿إلا متحرفاً لقتال﴾ أي مائلاً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال ﴿أو متحيزاً إلى فئة﴾ أي منحازاً إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها، من ولى الكافرين دبره في غير هاتين الحالتين ﴿فقد باء بغضب من الله﴾ أي رجع من جهاده مصحوباً بغضب من الله ﴿ومأواه جهنم وبئس المصير﴾ ٣
تأخرت أستبقي الحياة فلم | أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما |
٣ الحمد لله أنه لم يقل خالداً فيها بل قال: ﴿مأواه جهنم﴾ ولذا ورد أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف".
٢ {وليبلي﴾، الجملة متعلقة بمحذوف تقديره: فعل ذلك أي النصر، والهزيمة للكفار ليبلي المؤمنين... الخ.
٣ قالوا هذا وهم يتجهّزون للقتال في مكة، وقالوه في ساحة بدر قبل القتال.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
١- حرمة الفرار من العدو الكافر عند١ اللقاء لما توعد الله تعالى عليه من الغضب والعذاب ولعد الرسول له من الموبقات السبع في حديث مسلم "والتولي يوم الزحف".
٢- تقرير مبدأ أن الله تعالى خالق كل شيء وأنه خلق العبد وخلق فعله، إذ لما كان العبد مخلوقاً وقدرته مخلوقة، ومأموراً ومنهياً ولا يصدر منه فعل ولا قول إلا بإقدار الله تعالى له كان الفاعل الحقيقي هو الله، وما للعبد إلا الكسب بجوارحه٢ وبذلك يجزى الخير بالخير والشر بمثله. عدل الله ورحمته.
٣-آية وصول حثية التراب من كف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أغلب عيون المشركين في المعركة.
٤- إكرام الله تعالى وإبلاؤه لأولياءه البلاء الحسن فله الحمد وله المنة.
٥- ولاية الله للمؤمنين الصادقين هي أسباب نصرهم وكمالهم وإسعادهم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ
٢ مع ما وهبه الله من حرية الإرادة والقدرة على الاختيار ومع هذا فإنه لا يريد إلا ما أراده الله ولا يقع اختياره إلا على ما كتبه الله له أو عليه وقضى به أزلا وهنا تتجلى عظمة الرب تبارك وتعالى.
شرح الكلمات:
ولا تولوا عنه: أي لا تعرضوا عن طاعته إذا أمركم أو نهاكم كأنكم لا تسمعون.
إن شر الدواب: أي شر ما يدب على الأرض الكافرون.
لأسمعهم: لجعلهم يسمعون أو لرفع المانع عنهم فسمعوا واستجابوا.
معنى الآيات:
ينادي الله تعالى عباده المؤمنين١ الذين آمنوا به وبرسوله وصدقوا بوعده ووعيده يوم لقائه فيأمرهم بطاعته وطاعة رسوله، وينهاهم عن الإعراض عنه وهم يسمعون الآيات تتلى والعظات تتوالى في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن نصركم وتأييدكم كان ثمرة لإيمانكم وطاعتكم فإن أنتم أعرضتم وعصيتم فتركتم كل ولاية لله تعالى لكم أصبحتم كغيركم من أهل الكفر والعصيان هذا معنى قوله ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون﴾ وقوله ﴿ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون﴾ ينهاهم عز وجل أن يسلكوا مسلك الكافرين المشركين٢ في التصامم عن سماع الآيات الحاملة للحق والداعية إليه، والتعامي عن رؤية آيات الله الدالة على توحيده الذين قالوا إنا عما يقوله محمد في صمم، وفيما يذكر ويشير إليه في عمى، فهم يقولون سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون بقلوبهم لأنهم لا يتدبرون ولا يفكرون فلذا هم في سماعهم كمن لم يسمع إذ العبرة بالسماع الانتفاع٣ به لا مجرد سماع صوت وقوله تعالى ﴿إن شرّ٤ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون﴾ يعني بهم المشركين وكانوا شر الدواب لأنهم كفروا بربهم وأشركوا به فعبدوا غيره، وضلوا عن سبيله ففسقوا وظلموا وأجرموا الأمر الذي جعلهم حقاً شر الدواب في الأرض فهذا تنديد بالمشركين، وفي نفس الوقت هو تحذير للمؤمنين من
٢ واليهود والمنافقين أيضاً، إذ الكل كان هذا موقفهم مما يدعوهم إليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ في الآية دليل على أن المؤمن إذ أمر أو نهي فقال سمعاً وطاعةً أي: سمعت وأطعت ولم يفعل ولم يترك لا وزن ولا عبرة بقوله بل لابد من الفعل والترك.
٤ شرّ أصلها: أشر اسم تفضيل، ولكثرة الاستعمال اكتفوا بلفظ شّر لأنه أخف على اللسان بنقص حرف الهمزة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما، وحرمة معصيتهما.
٢- حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلال وفي كل شيء من سلوكهم.
٣- بيان أن من الناس من هو شر من الكلاب والخنازير فضلاً عن الإبل والبقر والغنم أولئك البعض كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥) وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
استجيبوا ١: اسمعوا وأطيعوا.
لما يحييكم٢: أي لما فيه حياتكم ولما هو سبب في حياتكم كالإيمان والعمل الصالح والجهاد.
فتنة: أي عذاباً تفتنون به كالقحط أو المرض أو تسلط عدو.
مستضعفون: أي ضعفاء أمام أعدائكم يرونكم ضعفاء فينالون منكم.
ورزقكم من الطيبات: جمع طيب من سائر المحللات من المطاعم والمشارب وغيرها.
لعلكم تشكرون: رجاء أن تشكروه تعالى بصرف النعمة في مرضاته.
معنى الآيات:
هذا هو النداء الثالث بالكرامة للمؤمنين الرب تعالى يشرفهم بندائه ليكرمهم بما يأمرهم به أو ينهاهم عنه تربية لهم وإعداداً لهم لسعادة الدارين وكرامتهما فيقول ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ وهو بمعنى النداء الأول أطيعوا الله ورسوله. وقوله ﴿لما يحييكم﴾ إشعار بأن أوامر الله تعالى ورسوله كنواهيهما لا تخلوا أبداً مما يحيي المؤمنين٣ أو يزيد في حياتهم أو يحفظها عليهم، ولذا وجب أن يطاع الله ورسوله ما أمكنت طاعتهما. وقوله ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾ تنبيه عظيم للمؤمنين إذا سنحت لهم فرصة للخير ينبغي أن يفترصوها قبل الفوات لاسيما إذا كانت دعوة من الله أو رسوله، لأن الله تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهي وبين المرء وقلبه٤ فيقلب القلب ويوجهه إلى وجهة أخرى فيكره فيها الخير ويرغب في الشر قوله ﴿وأنه إليه
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى | فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
٣ في الآية دليل على أن الكفر والجهل موت معنوي للإنسان، إذ بالإيمان والعلم تكون الحياة وبضدهما تكون الممات.
٤ روى غير واحد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: "اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك" وروى مسلم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: " اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
٢ إعراب هذه الجملة مشكل نكتفي بعرض صورتين: الأولى أنها كقوله: ﴿ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم﴾ أي: إن تدخلوا لا يحطمنّكم فيكون معنى الآية: إن تتقوا... لا تصيبنّ فدخلت نون التوكيد لما في التركيب من معنى الجزاء، والثانية: تكون على حذف القول أي: اتقوا فتنة مقول فيها: لا تصيبنّ الذين ظلموا... كقول الشاعر:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط | جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط |
٣ روى أحمد عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده قالت. قلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال بلى. قالت: كيف يصنع أولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان".
٢- تعين اغتنام فرصة الخير قبل فواتها فمتى سنحت للمؤمن تعين عليه اغتنامها.
٣- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتقاء للفتن العامة التي يهلك فيها العادل والظالم.
٤- وجوب ذكر النعم لشكرها بطاعة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥- وجوب شكر النعم بحمد الله تعالى والثناء عليه والاعتراف بالنعمة له والتصرف فيها حسب مرضاته.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
شرح الكلمات:
لا تخونوا الله والرسول: أي بإظهار الإيمان والطاعة ومخالفتهما في الباطن.
وتخونوا أماناتكم: أي ولا تخونوا أماناتكم التي يأتمن عليها بعضكم بعضاً.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة: أي الاشتغال بذلك يفتنكم عن طاعة الله ورسوله.
إن تتقوا الله: أي بامتثال أمره واجتناب نهيه في المعتقد والقول والعمل.
ويكفر عنكم سيآتكم: أي يمحوا عنكم ما سلف من ذنوبكم التي بينكم وبينه.
ويغفر لكم ذنوبكم: أي يغطيها فيسترها عليكم فلا يفضحكم بها ولا يؤاخذكم عليها.
معنى الآيات:
هذا نداء رباني آخر يوجه إلى المؤمنين ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي يا من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً. ﴿لا تخونوا الله والرسول﴾ بأن يظهر أحدكم الطاعة لله ورسوله، ويستسر المعصية، ولا تخونوا أماناتكم التي يأتمن بعضكم بعضاً عليها ﴿وأنتم تعلمون﴾ عظيم جريمة الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع، هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا١ الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون﴾ وقوله تعالى ﴿واعلموا إنما٢ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم﴾ فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة غالباً وهو المال والأولاد فأخبرهم تعالى أن أموالهم وأولادهم فتنة تصرفهم عن الأمانة والطاعة، وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشيء بالنسبة إلى ما عند الله تعالى إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع الله ورسوله ومع عباد الله وقوله تعالى في الآية الثالثة ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله٣ يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئآتكم ويغفر لكم﴾ هذا حض على التقوى وترغيب فيها بذكر أعظم النتائج لها وهي أولاً إعطاء الفرقان وهو النصر والفصل بين كل مشتبه، والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع، والصحيح والفاسد، وثانياً تكفير السيئآت، وثالثاً مغفرة الذنوب ورابعاً الأجر العظيم الذي هو الجنة ونعيمها إذ قال تعالى
٢ وهذه الآية عامّة أيضاً وإن قيل إنها نزلت في أبي لبابة إذ كان له مال وولد في بني قريظة فلا يُتهم لأجل ذلك.
٣ قال بعضهم واصفاً للتقوى المورثة للفرقان فقال: هي امتثال الأوامر واجتناب المناهي، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وشحن القلب بالنية الخالصة، والجوارح بالأعمال الصالحة، والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تحريم الخيانة مطلقاً وأسوأها ما كان خيانة لله ورسوله.
٢- في المال والأولاد فتنة قد تحمل على خيانة الله ورسوله، فيلحذرها المؤمن.
٣- من ثمرات التقوى تكفير السيآت وغفران الذنوب، والفرقان وهو نور في القلب يفرق به المتقى بين الأمور المتشابهات والتي خفي فيها وجه الحق والخير.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (٣١)
شرح الكلمات:
وإذ يمكر بك: أي يبيتون لك ما يضرك.
ليثبتوك: أي ليحبسوك مثبتاً بوثاق حتى لا تفر من الحبس.
أو يخرجوك: أي ينفوك بعيداً عن ديارهم.
ويمكرون ويمكر الله: أي يدبرون لك السوء ويبيتون لك المكروه، والله تعالى يدبر لهم ما يضرهم أيضاً ويبيت لهم ما يسوءهم.
آياتنا: آيات القرآن الكريم.
أساطير الأولين: الأساطير جمع أسطورة ما يدرن ويسطر من أخبار الأولين.
يذكر تعالى رسوله والمؤمنين بنعمة من نعمه تعالى عليهم فيقول لرسوله واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ﴿ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك﴾ إذا اجتمعت قريش في دار الندوة وأتمرت في شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفكرت ومكرت فأصدروا١ حكماً بقتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعثوا من ينفذ جريمة القتل فطوقوا منزلة فخرج النبي ٢ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن رماهم بحثية من تراب قائلاً شاهت الوجوه، فلم يره أحد ونفذ وهاجر إلى المدينة وهذا معنى ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ فكان في نجاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يد قريش نعمة عظمى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى سائر المؤمنين والحمد لله رب العالمين.
وقوله تعالى في الآية الثانية ﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا٣ مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ هذا الخبر تنديد بموقف المشركين ذكر بعد ذكر مؤامراتهم الدنية ومكرهم الخبيث حيث قرروا قتله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر تعالى أنهم إذا قرأ عليهم الرسول آيات الله المبينة للحق والمقررة للإيمان به ورسالته بذكر قصص الأولين قالوا ﴿سمعنا﴾ ما تقرأ علينا، ﴿ولو شئنا لقلنا مثل هذا﴾ أي الذي تقول ﴿إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ أي أخبار السابقين من الأمم سطرت وكتبت فهي تملى عليك فتحفظها وتقرأها علينا وكان قائل هذه المقالة الكاذبة النضر بن الحارث عليه لعائن الله إذ مات كافراً.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- التذكير بنعم الله تعالى على البعد ليجد العبد في نفسه داعية الشكر فيشكر.
٢- بيان مدى ما قاومت به قريش دعوة الإسلام حتى إنها أصدرت حكمها بقتل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣- بيان موقف المشركين من الدعوة الإسلامية، وأنهم بذلوا كل جهد في سبيل إنهائها والقضاء عليها.
٢ بعد أن ترك علياً نائماً على فراشه مسجىً ببرد أخضر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ من بين القائلين: النضر بن الحارث إذ كان قد خرج إلى الحيرة في تجارة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة وكسرى، وقيصر، وأخذ يقصّ تلك الأخبار ويقول: هذه مثل الذي يقصّ محمد من أخبار الماضين. وكذب فأين ما يقصه القرآن وما يوسوس به الشيطان.
شرح الكلمات:
اللهم: أي يا الله حذفت ياء النداء من أوله وعوض عنها الميم من آخره.
إن كان هذا: أي الذي جاء به محمد ويخبر به.
فأمطر: أنزل علينا حجارة.
يصدون عن المسجد الحرام: يمنعون الناس من الدخول إليه للاعتمار.
مكاء وتصدية: المكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.
معنى الآيات:
ما زال السياق في التنديد ببعض أقوال المشركين وأفعالهم فهذا النضر١ بن الحارث القائل في الآيات السابقة ﴿لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين﴾ يخبر تعالى عنه أنه قال ﴿اللهم إن كان هذا﴾ أي القرآن {هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للحق وكراهية له حتى سألوا العذاب العام ولا يرون راية الحق تظهر ودين الله ينتصر.
٢ روى مسلم انه لما قال أبو جهل. اللهم إن كان هذا هو الحق.. الآية نزلت هذه الآية: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾.
٣ دليله إنهم لما خرج من بينهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذبهم الله بالقتل في بدر وسني القحط الجدب.
٤ أي أنهم مستحقون العذاب ولكن لكل أجل كتاب فإذا حان أوانه عذّبوا.
٣- فضيلة الاستغفار وأنه ينجى من عذاب الدنيا والآخرة.
٤- بيان عظم جرم من يصد عن المسجد الحرام للعبادة الشرعية فيه.
٥- بيان أولياء الله تعالى والذين يحق لهم أن يلوا المسجد الحرام وهو المتقون.
٦- كراهية الصفير١ والتصفيق، وبطلان الرقص في التعبد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٣٧)
شرح الكلمات:
إن الذين كفروا: أي كذبوا بآيات الله ورسالة رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش
ثم تكون عليهم حسرة: أي شدة ندامة.
ثم يغلبون: أي يهزمون.
ليميز: أي ليميز كل صنف من الصنف الأخر.
الخبيث: هم أهل الشرك والمعاصي.
من الطيب: هم أهل التوحيد والأعمال الصالحة.
فيركمه: أي يجعل بعضه فوق بعض في جهنم.
إذا غرّد المكاء في غير روضة...
فويل لأهل الشاء والحُمُرات
ما زال السياق في التنديد بالمشركين وأعمالهم الخاسرة يخبر تعالى ﴿إن الذين كفروا﴾ وهم أهل مكة من زعماء قريش ﴿ينفقون أموالهم﴾ في١ حرب رسول الله والمؤمنين للصد عن الإسلام المعبر عنه بسبيل الله يقول تعالى (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة٢} أي ندامة شديدة لسوء العاقبة التي كانت لهم في بدر وأحد والخندق إذ أنفقوا على هذه الحملات الثلاث من الأموال ما الله به عليم، ثم خابوا فيها وخسروا وبالتالي غلبوا وانتهى سلطانهم الكافر وفتح الله على رسوله والمؤمنين مكة وقوله تعالى ﴿والذين كفروا﴾ أي من مات منهم على الكفر ﴿إلى جهنم يحشرون﴾ أي يجمعون، وعلة هذا الجمع أن يميز الله تعالى الخبيث من الطيب فالطيبون وهم المؤمنون الصالحون يعبرون الصراط إلى الجنة دار النعيم، وأما الخبيث وهم فريق المشركين فيجعل بعضه إلى بعض فيركمه جميعاً كوماً واحداً فيجعله في جهنم. وقوله تعالى ﴿أولئك هم الخاسرون﴾ إشارة إلى الذين أنفقوا أموالهم للصد عن سبيل الله وماتوا على الكفر فحشروا إلى جهنم وجعل بعضهم إلى بعض ثم صيروا كوماً واحداً ثم جعلوا في نار جهنم هم الخاسرون بحق حيث خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم وكل شيء وأمسوا في قعر جهنم مبلسين والعياذ بالله من الخسران المبين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كل نفقة ينفقها العبد للصد عن سبيل الله بأي وجه من الوجوه تكون عليه حسرة عظيمة يوم القيامة.
٢- كل كافر خبيث وكل مؤمن طيب.
٣- صدق وعد الله تعالى لرسوله والمؤمنين بهزيمة المشركين وغلبتهم وحسرتهم على ما أنفقوا في حرب الإسلام وضياع ذلك كله وخيبتهم فيه.
٢ والآية يدخل فيها المطعمون ببدر إذ كانوا اثني عشر رجلاً فكان الواحد منهم يطعم جيش قريش عشرة من الإبل يومياً طيلة ما هم في بدر، فخابوا في نفقاتهم وهلكوا.
شرح الكلمات:
إن ينتهوا: عن الكفر بالله ورسوله وحرب الرسول والمؤمنين.
ما قد سلف: أي مضى من ذنوبهم من الشرك وحرب الرسول والمؤمنين.
مضت سنة الأولين: في إهلاك الظالمين.
لا تكون فتنة: أي شرك بالله واضطهاد وتعذيب في سبيل الله.
ويكون الدين كله لله: أي حتى لا يعبد غير الله.
مولاكم: متولي أمركم بالنصر والتأييد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في بيان الإجراءات الواجب اتخاذها إزاء الكافرين فيقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قل للذين كفروا﴾ ١ مبلغاً عنا ﴿إن ينتهوا﴾ أي عن الشرك والكفر والعصيان وترك حرب الإسلام وأهله ﴿يغفر لهم ما قد سلف﴾ يغفر الله لهم ما قد مضى٢ من ذنوبهم العظام وهي الشرك والظلم، وهذا وعد صدق ممن لا يخلف الوعد سبحانه وتعالى. ﴿وإن يعودوا﴾ إلى الظلم والاضطهاد والحرب فسوف يحل بهم ما حل بالأمم السابقة قبلهم لما ظلموا فكذبوا الرسل وآذوا المؤمنين وهو معنى قوله تعالى {فقد مضت سنة
٢ في الصحيح: "الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سعة فضل الله ورحمته.
٢- الإسلام يجبّ أي يقطع ما قبله، فيغفر لمن أسلم كل ذنب قارفه من الكفر وغيره.
٣- بيان سنة الله في الظالمين وهي إهلاكهم وإن طالت مدة الإملاء والإِنظار.
٤- وجوب قتال المشركين على المسلمين ما بقي في الأرض مشرك.
٥- نعم المولى الله جل جلاله لمن تولاه، ونعم النصير لمن نصره.
٢ الاضطهاد: هو فتنة قريش للمؤمنين حيث فتنوهم حتى هاجروا إلى الحبشة وفتنوهم حتى هاجروا إلى المدينة ومعنى: فتنوهم. عذّبوهم ليردّوهم إلى الشرك والكفر.
٣ يشهد له قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله عز وجل" في الصحيحين.
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (٤٤)
شرح الكلمات:
أنما غنمتم من شيء: أي ما أخذتموه من مال الكافر قهراً لهم وغلبة قليلاً كان أو كثيراً.
فأن لله خمسه: أي خمس الخمسة أقسام، يكون لله والرسول ومن ذكر بعدهما.
ولذى القربى: هم قرابة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني هاشم وبني المطلب.
وما أنزلنا على عبدنا: أي من الملائكة والآيات.
التقى الجمعان.: جمع المؤمنين وجمع الكافرين ببدر.
العدوة الدنيا: العدوة حافة الوادي، وجانبه والدنيا أي القريبة إلى المدينة.
بالعدوة القصوى: أي البعيد من المدينة إذ هي حافة الوادي من الجهة الأخرى.
والركب أسفل منكم: أي ركب أبى سفيان وهي العير التي خرجوا من أجلها. أسفل منكم مما يلي البحر.
عن بينة: أي حجة ظاهرة.
لتنازعتم في الأمر: أي اختلفتم.
ويقللكم في أعينهم: هذا قبل الالتحام أما بعد فقد رأوهم مثليهم حتى تتم الهزيمة لهم.
معنى الآيات:
هذه الآيات لا شك أنها نزلت في بيان قسمة الغنائم بعدما حصل فيها من نزاع فافتكها الله تعالى منهم ثم قسمها عليهم فقال الأنفال لله وللرسول في أول الآية ثم قال هنا ﴿واعلموا﴾ أيها المسلمون ﴿أنما غنمتم١ من شيء٢﴾ حتى الخيط والمخيط، ومعنى غنمتم أخذتموه من المال من أيدي الكفار المحاربين لكم غلبة وقهراً لهم فقسمته هي أن ﴿لله خمسه وللرسول ولذي القربى٣ واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ والأربعة أخماس٤ الباقية هي لكم أيها المجاهدون للراجل قسمة وللفارس قسمان لما له من تأثير
وقد طوّفت في الآفاق حتى | رضيت من الغنيمة بالإياب |
٣ المراد بذي القربى: قرابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم بنو هاشم، وهو مذهب مالك، وزاد الشافعي وأحمد: بني المطلب لأن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، ولأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبين عبد المطلب قال: "إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبّك بين أصابعه" رواه البخاري.
٤ من باب الإطلاع لا غير أذكر أنّ بعضاً قال: الغنيمة خمسها لله والأربعة أخماس للإمام إن شاء حبسها وإن شاء قسمها على الغانمين وهو قول مخالف لما عليه جمهور الفقهاء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان قسمة الغنائم على الوجه الذي رضيه الله تعالى.
٢- التذكير بالإيمان، إذ هو الطاقة الموجهة باعتبار أن المؤمن حي بإيمانه يقدر على الفعل والترك، والكافر ميت فلا يكلف.
٣- فضيلة غزوة بدر وفضل أهلها.
٤- بيان تدبير الله تعالى في نصر أوليائه وهزيمة أعدائه.
٥- بيان أن مرد الأمور نجاحاً وخيبة لله تعالى ليس لأحد فيها تأثير إلا بإذنه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (٤٥)
شرح الكلمات:
فئة: طائفة مقاتلة.
فاثبتوا: لقتالها واصمدوا.
واذكروا لله كثيراً: مهللين مكبرين راجين النصر طامعين فيه سائلين الله تعالى ذلك.
تفلحون: تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة في الدنيا والنار في الآخرة.
ولا تنازعوا.: أي لا تختلفوا وأنتم في مواجهة العدو أبداً.
وتذهب ريحكم١: أي قوتكم بسبب الخلاف.
وقال إني جار لكم: أي مجير لكم ومعين على عدوكم.
تراءت الفئتان: أي التقتا ورأت كل منهما عدوها.
نكص على عقبيه: أي رجع إلى الوراء هارباً، لأنه جاءهم في صورة سراقة بن مالك.
إني أرى ما لا ترون: من الملائكة.
والذين في قلوبهم مرض: أي ضعف في إيمانهم وخلل في اعتقادهم.
معنى الآيات:
هذا النداء الكريم موجه إلى المؤمنين وقد أذن لهم في قتال الكافرين، وبدأ بسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه وثنى بهذه الغزوة غزوة بدر الكبرى فلذا هم في حاجة إلى تعليم رباني وهداية إلهية يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك وينتصرون فيها وفي هذه الآيات الأربع تعليم عال جداً لخوض المعارك والانتصار فيها وهذا بيانها:
١- الثبات في وجه العدو والصمود في القتال حتى لكان المجاهدين جبل شامخ لا يتحرك ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة﴾ أي جماعة مقاتلة ﴿فاثبتوا﴾.
٢- ذكر الله تعالى تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ودعاء١ وضراعة ووعداً ووعيداً. ﴿واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون﴾ أي تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في الدنيا، والنار والعذاب في الآخرة.
٣- طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما ومنه طاعة قائد المعركة ومديرها وهذا من أكبر عوامل النصر حسب سنة الله تعالى في الكون ﴿وأطيعوا الله ورسوله﴾.
٤- عدم التنازع والخلاف عند التدبير للمعركة وعند دخولها وأثناء خوضها.
٥- بيان نتائج التنازع والخلاف وإنها: الفشل الذريع، وذهاب القوة المعبر عنها بالريح
٦- الصبر على مواصلة القتال والإعداد له وتوطين النفس وإعدادها لذلك. ﴿واصبروا إن الله مع الصابرين﴾.
٧- الإخلاص في القتال والخروج له لله تعالى فلا ينبغي أن يكون لأي اعتبار سرى مرضاة الله تعالى ﴿ولا تكونوا كالذين٢ خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط﴾.
هذه عوامل النصر وشروط الجهاد في سبيل الله تضمنتها ثلاث آيات من هذه الآيات الخمس وقوله تعالى في الآية الرابعة (٤٨) ﴿وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب﴾ يذكِّر تعالى المؤمنين بحادثة حدثت يوم بدر من أغرب الحوادث لتكون عبرة وموعظة للمؤمنين فيقول عز وجل واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين الذين نهيتكم أن تتشبهوا بهم في سيرهم وقتالهم وفي كل حياتهم، فقال لهم: أقدموا على قتال محمد والمؤمنين، ولا ترهبوا ولا تخافوا إنه لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم أي مجير لكم وناصر ومعين. وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف قبيلته يقال له سراقة بن مالك٣ فلما تراءت الفئتان لبعضهما البعض وتقدموا للقتال رأى الشيطان جبريل في صفوف الملائكة، فنكص على عقبيه، وكان آخذاً بيد الحارث بن هشام يحدثه يعده ويمنيه بعد ما زين لهم خوض المعركة وشجعهم على ذلك، وولى هارباً فقال له الحارث: ما بك ما أصابك تعال فقال وهو هارب ﴿إني أرى ما لا ترون﴾ يعني الملائكة ﴿إني أخاف٤ الله والله شديد العقاب﴾
إذا هبّت رياحك فاغتنمها | فإنّ لكل خافتة سكون |
٢ هم أبو جهل وأصحابه الخارجون يوم بدر لنصرة العير حيث خرجوا بالقينات والمغنيات والمعازف.
٣ هو سراقة بن مالك بن جعشم من بني بكر بن كنانة، وكانت قريش تخاف س بني بكر أن يأتوهم من ورائهم لأنهم قتلوا رجلاً منهم فلّما تمثل لهم الشيطان في صورة سراقة سكنوا لذلك.
٤ قيل: إن الشيطان خاف أن يكون يوم بدر هو اليوم الذي انظر إليه، وقيل: كذب وهو كذوب.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الأخذ بها في كل معركة وهي: الثبات وذكر الله تعالى، وطاعة الله ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلاف والصبر والإخلاص.
٢- بيان عوامل الفشل والخيبة وهي النزاع والاختلاف والبطر والرياء والاغترار.
٣- بيان عمل الشيطان في نفوس الكافرين بتزيينه لهم الحرب ووعده وتمنيته لهم.
٤- بيان حال المنافقين وضعفة الإيمان عند وجود٢ القتال ونشوب الحروب.
٥- وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه مهما كانت دعاوى المبطلين والمثبطين والمنهزمين.
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (٥١)
٢ لا يتعارض هذا القول مع ما رجحناه من أن القائلين هذه المقولة هم منافقون وضعاف إيمان بالمدينة، إذ هذه الحال تنطبق عليهم.
شرح الكلمات:
إذ يتوفى.: أي يقبض أرواحهم لإماتتهم.
وجوههم وأدبارهم: أي يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم.
بظلام للعبيد: أي ليس بذي ظلم للعبيد كقوله ﴿ولا يظلم ربك أحداً﴾.
كدأب آل فرعون: أي دأب كفار قريش كدأب آل فرعون في الكفر والتكذيب والدأب العادة.
لم يك مغيراً نعمة: تغيير النعمة تبديلها بنقمة بالسلب لها أو تعذيب أهلها.
آل فرعون: هم كل من كان على دينه من الأقباط مشاركاً له في ظلمه وكفره.
معنى الآيات:
ما زال السياق مع كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس فيقول تعالى لرسوله ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين١ كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم٢﴾ وهم يقولون لهم ﴿وذوقوا عذاب٣ الحريق﴾ وجواب لولا محذوف تقديره (لرأيت أمراً فظيعاً) وقوله تعالى
٢ قال الحس البصري: المراد من أدبارهم: ظهورهم وقال: "إن رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله: إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك "أي: سير النعل"؟ قال: ذلك ضرب الملائكة".
٣ يقال لهم عند قبض أرواحهم، إذ بمجرد أن تقبض الروح يلقى بها في جهنم، كما يقال لهم يوم القيامة ذلك من قبل الملائكة.
٢ ﴿لم يك﴾ أي: لم ينبغ له، ولم يصحّ منه لبالغ حكمته وعدله ورحمته.
٣ ﴿كدأب﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: دأب هؤلاء كدأب آل فرعون، والدأب: العادة المستمرة.
٤ ﴿كذبوا﴾ الخ.. تفسير دأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم.
٥ وجائز أن يكون المراد: كدأب آل فرعون أي: في تعذيبهم عند قبض أرواحهم، وفي قبورهم ويوم القيامة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عذاب القبر بتقرير العذاب عند النزع.
٢- هذه الآية نظيرها آية الأنعام ﴿ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم﴾ أي بالضرب.
٣- تنزه الخالق عز وجل عن الظلم لأحد١.
٤- سنة الله تعالى في أخذ الظالمين وإبدال النعم بالنقم.
٥- لم يكن من سنة الله تعالى في الخلق تغيير ما عليه الناس من خير أو شر حتى يكونوا هم البادئين.
٦- التنديد بالظلم وأهله، وأنه الذنب الذي يطلق على سائر الذنوب.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (٥٨) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (٥٩)
شرح الكلمات:
شر الدواب٢: من إنسان أو حيوان الذين ذكر الله وصفهم وهم بنو قريظة.
٢ الدواب: كل ما يدب على وجه الأرض من حيوان، و ﴿عند الله﴾ : أي: في علمه وحكمه.
ينقضون عهدهم: أي يحلونه ويخرجون منه فلا يلتزموا بما فيه.
في كل مرة: أي عاهدوا فيها.
فإما تثقفنّهم: أي أن تجدنّهم، وما مزيدة أدغمت في إن الشرطية.
فشرد: أي فرق وشتت.
يذكرون: أي يتعظون.
فانبذ إليهم: أي اطرح عهدهم.
على سواء ١: أي على حال من العلم تكون أنت وإياهم فيها سواء، أي كل منكم عالم بنقض المعاهدة.
الخائنين: الغادرين بعهودهم.
سبقوا: أي فاتوا الله ولم يتمكن منهم.
معنى الآيات:
بمناسبة ذكر خصوم الدعوة الإسلامية والقائم عليها وهو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر تعالى خصوماً لها آخرين غير المشركين من كفار قريش وهم بنو٢ قريظة من اليهود. فأخبر تعالى عنهم أنهم شر الدواب من الإنسان والحيوان ووصفهم محدداً لهم ليعرفوا، وأخبر أنهم لا يؤمنون لتوغلهم في الشر والفساد، فقال: ﴿إن شر الدواب عند الله﴾ أي في حكمه وعلمه. ﴿الذين كفروا فهم لا يؤمنون﴾ وخصصهم بوصف آخر خاص بهم فقال: ﴿الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون﴾ وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاهدهم أول مرة على أن لا يحاربوه ولا يعينوا أحداً على حربه فإذا بهم يعينون قريشاً بالسلاح، ولما انكشف أمرهم اعتذروا معترفين بخطإهم، وعاهدوا مرة أخرى على أن لا يحاربوا الرسول ولا يعينوا من يحاربه فإذا بهم ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون في حرب ضده حيث انضموا إلى الأحزاب في غزوة الخندق هذا ما دل عليه قوله تعالى {إن شر
٢ وبنو النضير كذلك إذ أعانوا قريشاً بالسلاح ثم لمّا انكشف أمرهم اعتذروا، وأما قريظة، فقد نقضوا عهدهم مرتين إذ انضموا إلى الأحزاب في حربهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.
٢ يقال: شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها، وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب، وشردت بني فلان: إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر:
أطوّف ني الأباطح كل يوم | مخافة أن يُشرّد بي حكيم |
٤ أي: من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة، وقوله تعالى: ﴿إنهم لا يعجزون﴾ أي: في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن شر الدواب هم الكفار من أهل الكتاب والمشركين بل هم شر البرية.
٢- سنة الله فيمن توغل في الظلم والشر والفساد يُحرم التوبة فلا يموت إلا كافراً.
٣- من السياسة الحربية النافعة أن يضرب القائد عدوه بعنف وشدة ليكون نكالاً لغيره من الأعداء.
٤- حرمة الغدر والخيانة.
٥- جواز إعلان إلغاء المعاهدة وضرب العدو فوراً إن بدرت منه بوادر واضحة بأنه عازم على نقض المعاهدة١ وذلك لتفويت عنصر المباغتة عليه.
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)
أعدوا: هيئوا وأحضروا.
ما استطعتم: ما قدرتم عليه.
من قوة: أي حربية من سلاح على اختلاف أنواعه.
يوفَّ إليكم: أي أجره وثوابه.
وإن جنحوا للسلم: أي مالوا إلى عدم الحرب ورغبوا في ذلك.
فإن حسبك الله: أي يكفيك شرهم، وينصرك عليهم.
ألف بين قلوبهم: أي جمع بين قلوب الأنصار بعدما كانت متنافرة مختلفة.
إنه عزيز حكيم: أي غالب على أمره، حكيم في فعله وتدبير أمور خلقه.
معنى الآيات:
بمناسبة انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها، وعودتهم إلى مكة وكلهم تغيظ على المؤمنين وفعلاً أخذ أبو سفيان يعد العدة للانتقام. وما كانت غزوة أحد إلا نتيجة لذلك هنا أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبذل ما في الوسع والطاقة لذلك فقال تعالى ﴿واعدوا لهم١ ما استطعتم من قوة﴾ وقد فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القوة بالرمي بقوله "ألا إن القوة٢ الرمي" قالها ثلاثاً وقوله تعالى ﴿ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم﴾ يخبر تعالى عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بإعداد القوة على اختلافها بأن رباطهم للخيل وحبسها أمام دورهم معدة للغزو والجهاد عليها يرهب أعداء الله من الكافرين والمنافقين أي يخوفهم حتى لا يفكروا في غزو المسلمين وقتالهم، وهذا ما يعرف بالسلم المسلح، وهو أن الأمة إذا كانت مسلحة قادرة على القتال يرهبها أعداؤها فلا يحاربونها، وإن رأوها لا عدة لها ولا عتاد ولا قدرة على رد أعدائها أغراهم ذلك بقتالها فقاتلوها. وقوله تعالى ﴿وآخرين من دونهم﴾ أي من دون كفار
٢ ومما يدل على فضل الرمي في سبيل الله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي داود والترمذي والنسائي: "إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي ومُنبْلُه".
٢ السلم: مؤنثه ولذا عاد الضمير إليها مؤنثاً في قوله: ﴿فاجنح لها﴾.
٣ وهم يضمرون في نفوسهم نية الغدر بك والمكر ليخدعوك بذلك فامض في صلحك والله حسبك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب إعداد القوة وهي في كل زمان بحسبه إن كانت في الماضي الرمح والسيف ورباط الخيل فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ، والهدروجين والدبابة والغواصة، والبارجة.
٢- تقرير مبدأ: السلم المسلح، إرجع إلى شرح الآيات.
٣- لا يخلو المسلمون من أعداء ما داموا بحق مسلمين، لأن قوى الشر من إنس وجن كلها عدو لهم.
٤- نفقة الجهاد خير نفقة وهي مضمونة التضعيف.
٥- جواز قبول١ السلم في ظروف معينه، وعدم قبوله في أخرى وذلك بحسب حال المسلمين قوة وضعفاً.
ياأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (٦٥) الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)
حسبك الله١: أي كافيك الله كل ما يهمك من شأن أعدائك وغيرهم.
ومن اتبعك من المؤمنين: أي الله حسبهم كذلك أي كافيهم ما يهمهم من أمر أعدائهم.
حرض المؤمنين على القتال: أي حثهم على القتال مرغباً لهم مرهباً.
صابرون: أي على القتال فلا يضعفون ولا ينهزمون بل يثبتون ويقاتلون.
لا يفقهون.: أي لا يعرفون أسرار القتال ونتائجه بعد فنونه وحذق أساليبه.
معنى الآيات:
ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله بعنوان النبوة التي شرفه الله بها على سائر الناس فيقول ﴿يا أيها النبي﴾ ويخبره بنعم الخبر مطمئناً إياه وأتباعه من المؤمنين بأنه كافيهم أمر أعدائهم فما عليهم إلا أن يقاتلوهم ما دام الله تعالى ناصرهم ومؤيدهم عليهم، فيقول: ﴿حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين﴾ ثم يُنَاديه ثانية قائلاً ﴿يا أيها النبي﴾ ليأمره بالأخذ بالأسباب الموجبة للنصر بإذن الله تعالى وهي تحريض المؤمنين على القتال وحثهم عليه وترغيبهم فيه فيقول ﴿حرض٢ المؤمنين على القتال﴾ ويخبره آمراً له ولأتباعه المؤمنين بأنه ﴿إن يكن﴾ أي يوجد منهم في المعركة ﴿عشرون٣ صابرون يغلبوا مائتين﴾، وإن يكن منهم مائة صابرة يغلبوا ألفاً من الكافرين، ويعلل لذلك فيقول ﴿بأنهم قوم لا يفقهون﴾ أي لا يفقهون أسرار القتال وهي أن يعبد الله تعالى ويرفع الظلم من الأرض ويتخذ الله من المؤمنين شهداء فينزلهم منازل الشهداء عنده، فالكافرون لا يفقهون هذا فلذا
٢ يقال: حرّضه على كذا: حثه وحضّه وحارض على الأمر وواظب وواصب وأكب بمعنى، والحارض: الذي أشرف على الهلاك ومنه: (حتى تكون حرضاً) أي: تذوب عمّا فتقارب الهلاك فتكون من الهالكين.
٣ ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون... ﴾ الخ لفظ مضمّن وعداً إلهياً مشروط بشرط الصبر، إذ تقدير الكلام: إن يصبر منكم عشرون صابرون الخ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- لا كافي إلا الله تعالى، ومن زعم أن هناك من يكفي سوى الله تعالى فقد أشرك.
٢- وجوب تحريض. المؤمنين على الجهاد وحثهم عليه في كل زمان ومكان.
٣- حرمة هزيمة الواحد من الواحد والواحد من الاثنين، ويجوز ما فوق ذلك.
٢ قرىء ضعفاً بفتح الضاد وضمها، وقيل إن الفتح في ضعف العقول والضم في ضعف الأجسام، والصحيح أنهما لغتان فصيحتان.
٣ لا بأس أن يسمى هذا نسخاً لأنه حكم جديد غاير الأوّل ويسمى تخفيفاً وهو حسن أيضاً.
٥- وجوب الصبر في ساحة المعارك ويحرم الهزيمة إذا كان عدد المؤمنين اثنى عشر ألف مقاتل أو أكثر إذ هذا العدد لا يغلب١ من قلة بإذن الله تعالى.
٦- معية الله بالعلم والتأييد والنصر للصابرين دون الجزعين.
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٦٩)
شرح الكلمات:
أسرى: جمع أسير وهو من أخذ في الحرب يشد عادة بإسار وهو قيد من جلد فأطلق لفظ الأسير٢ على كل من أخذ في الحرب.
حتى يثخن في الأرض: أي تكون له قوة وشدة يرهب بها العدو.
عرض الدنيا: أي المال لأنه عارض ويزول فلا يبقى.
لولا كتاب من الله سبق: وهو كتاب المقادير بأن الله تعالى أحل لنبّي هذه الأمة الغنائم.
فيما أخذتم: أي بسبب ما أخذتم من فداء أسرى بدر.
حلالاً طيباً.: الحلال هو الطيب فكلمة طيباً تأكيد لحليّة اقتضاها المقام.
واتقوا الله: أي بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث غزوة بدر من ذلك أن أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عمر وسعد
٢ أسير: كقتيل وجريح، ويجمع على أسرى كقتلى وجرحى، وعلى أُسارى بضم الهمزة وفتحها، والضم أشهر.
وقوله تعالى ﴿فكلو مما غنمتم٥ حلالاً طيباً﴾ إذن منه تعالى لأهل بدر أن يأكلوا مما
٢ الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه والمراد به هنا: المبالغة في قتل المشركين حتى لا يبقى منهم أسير في ساحة المعركة.
٣ روى مسلم أن الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبعض أصحابه ومن بينهم أبو بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن يؤخذ منهم فدية فنكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال. لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر قاعدين يبكيان.. إلى أن قال: وأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿ما كان لنبي﴾ إلى قوله: ﴿حلالاً طيياً﴾.
٤ من ذلك أن الله تعالى لا يعذب قوماً حتى يبين لهم ما يتقون.
٥ هذا الإذن واقع بعد تخميس الغنيمة لا على إطلاقه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إرشاد الله تعالى لقادة الأمة الإسلامية في الجهاد أن لا يفادوا الأسرى وأن لا يمنوا عليهما بإطلاقهم إلا بعد أن يخنثوا في أرض العدو قتلاً وتشريداً فإذا خافهم العدو ورهبهم عندئذ يمكنهم أن يفادوا الأسرى أو يمنوا عليهم.
٢- التزهيد في الرغبة في الدنيا لحقارتها، والترغيب في الآخرة لعظم أجرها.
٣- إباحة الغنائم.
٤ ب وجوب تقوى الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٧٠) وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
شرح الكلمات:
من الأسرى: أسرى بدر الذين أخذ منهم الفداء كالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
إن يعلم الله في قلوبكم خيراً: أي إيماناً صادقاً وإخلاصاً تاماً.
مما أخذ منكم: من مال الفداء.
فقد خانوا الله من قبل: أي من قبل وقوعهم في الأسر وذلك بكفرهم في مكة.
فأمكن منهم: أي أمكنكم أنتم أيها المؤمنون منهم فقتلتموهم وأسرتموهم.
والله عليم حكيم: عليم بخلقه حكيم في صنعه وتدبيره.
معنى الآيتين:
هذه الآية الكريمة نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إذ كان يقول هذه الآية نزلت في وذلك أنه بعد أن وقع في الأسر١ أسلم وأظهر إسلامه وطلب من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد عليه ما أخذ منه من فدية فأبى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فأنزل الله تعالى قوله ﴿يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً﴾ أي إسلاماً حقيقياً ﴿يؤتكم خيراً﴾ أي مالاً خيراً ﴿مما أخذ منكم٢، ويغفر لكم﴾ ذنوبكم التي كانت كفراً بالله ورسوله، ثم حرباً على الله ورسوله، ﴿والله غفور﴾ يغفر ذنوب عباده التائبين ﴿رحيم﴾ بعباده المؤمنين فلا يؤاخذهم بعد التوبة عليها بل يرحمهم برحمته في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى ﴿وإن يريدوا٣ خيانتك﴾ أي وإن يُرد هؤلاء الأسرى الذين أخذ منهم الفداء ونطقوا بالشهادتين مظهرين إسلامهم خيانتك والغدر بك بإظهار إسلامهم ثم إذا عادوا إلى ديارهم عادوا إلى كفرهم، فلا تبال٤ بهم ولا ترهب جانبهم فإنهم قد خانوا الله من قبل بكفرهم وشركهم ﴿فأمكن منهم﴾ المؤمنين وجعلهم في قبضتهم وتحت إمْرَتِهم، ولو عادوا لعاد الله تعالى فسلطكم عليهم وأمكنكم منهم وقوله تعالى ﴿والله عليم حكيم﴾ أي عليم بنيات القوم وتحركاتهم حكيم فيما يحكم به عليهم ألا فليتقوه عزّ وجل وليحسنوا
٢ روى مسلم أنه لما قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مال من البحرين قال له العباس إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "خذ فبسط ثوبه وأخذ ما استطاع أن يحمله، وقال: هذا خير مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر الله لي".
٣ في هذه الآية تطمين لنفس الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليبلغ مضمونه إلى الأسرى فيعلموا أنهم لا يغلبون الله ورسوله. والخيانة: نقض العهد، وما في معنى العهد كالأمانة ونحوها.
٤ هذا هو جواب إن الشرطية المحذوف، وقد دلّ عليه؟ :{فقد خانوا الله من قبل﴾.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- فضل العباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنزول الآية في حقه وشأنه.
٢- فضل إضمار الخير والنيات الصالحة.
٣- إطلاق لفظ الخير على الإسلام والقرآن وحقاً هما الخير والخير كله.
٤- ماترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه خيراً منه.
٥- الله جل جلاله: لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب ألا فليتق وليتوكل عليه.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
آمنوا: صدقوا الله ورسوله وآمنوا بلقاء الله وصدقوا بوعده ووعيده.
وهاجروا: أي تركوا ديارهم والتحقوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة المنورة.
في سبيل الله: أي من أجل أن يعبد الله ولا يعبد معه غيره وهو الإسلام.
آووا: أي آووا المهاجرين فضموهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم.
وإن استنصروكم: أي طلبوا منكم نصرتهم على أعدائهم.
ميثاق: عهد أي معاهدة سلم وعدم اعتداء.
إلاَّ تفعلوه: أي إن لم توالوا المسلمين، وتقاطعوا الكافرين تكن فتنة١.
أولوا الأرحام: أي الأقارب من ذوي النسب.
بعضهم أولى ببعض: في التوارث أي يرث بعضهم بعضاً.
معنى الآيات:
بمناسبة انتهاء الحديث عن أحداث غزوة بدر الكبرى ذكر تعالى حال المؤمنين في تلك الفترة من الزمن وأنهم مختلفون في الكمال، فقال وقوله الحق ﴿إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم﴾ فهذا صنف: جمع أهله بين الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس، والصنف الثاني في قوله تعالى ﴿والذين آووا ونصروا٢﴾ أي آووا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرين في ديارهم ونصروهم. فهذان صنفا المهاجرين والأنصار وهما أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة، وسيذكرون في آخر السياق مرة أخرى ليذكر لهم جزاؤهم عند ربهم، وقوله تعالى فيهم ﴿أولئك بعضهم أولياء بعض﴾ أي في النصرة والموالاة والتوارث إلا أن التوارث نسخ بقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق ﴿وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾ والصنف الثالث من أصناف المؤمنين المذكور في قوله تعالى ﴿والذين آمنوا ولم يهاجروا﴾ أي آمنوا بالله ورسوله والدار الآخرة ثم رضوا بالبقاء بين
٢ قوله: ﴿والذين آووا ونصروا﴾ معطوف على اسم إنّ والخبر: جملة ﴿أولئك بعضهم أولياء بعض﴾.
٢ روى الترمذي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالها ثلاثاً) وقال الترمذي هو حديث غريب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان تفاوت المؤمنين في كمالاتهم وعلو درجاتهم عند ربهم.
٢- أكمل المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والهجرة والجهاد وسبقوا لذلك وهم المهاجرون الأولون والذين جمعوا بين الإيمان والإيواء والنصرة والجهاد وهم الأنصار.
٣- دون ذلك من آمنوا وهاجروا وجاهدوا ولكن بعد صلح الحدبيبة.
٤- وأدنى أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلاء على خطر عظيم.
٥- وجوب نصرة المؤمنين بموالاتهم ومحبتهم ووجوب معاداة الكافرين وخذلانهم وبغضهم.
٦- نسخ التوارث بغير المصاهرة والنسب والولاء.
مدنية
وآياتها مائة وثلاثون آية
بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (١)