تفسير سورة سورة البقرة من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
الم
سُورَة الْبَقَرَة : وَأَوَّل مَبْدُوء بِهِ الْكَلَام فِي نُزُولهَا وَفَضْلهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا ; وَهَكَذَا كُلّ سُورَة إِنْ وَجَدْنَا لَهَا ذَلِكَ ; فَنَقُول : سُورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة، نَزَلَتْ فِي مُدَد شَتَّى.
وَقِيلَ : هِيَ أَوَّل سُورَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، إِلَّا قَوْله تَعَالَى :" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٢٨١ ] فَإِنَّهُ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء، وَنَزَلَتْ يَوْم النَّحْر فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى ; وَآيَات الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن.
وَهَذِهِ السُّورَة فَضْلهَا عَظِيم وَثَوَابهَا جَسِيم.
وَيُقَال لَهَا : فُسْطَاط الْقُرْآن ; قَالَهُ خَالِد بْن مَعْدَان.
وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَبِهَائِهَا، وَكَثْرَة أَحْكَامهَا وَمَوَاعِظهَا.
وَتَعَلَّمَهَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة، وَابْنه عَبْد اللَّه فِي ثَمَانِي سِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت بَعْض أَشْيَاخِي يَقُول : فِيهَا أَلْف أَمْر وَأَلْف نَهْي وَأَلْف حُكْم وَأَلْف خَبَر.
وَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَد وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَحْدَثهمْ سِنًّا لِحِفْظِهِ سُورَة الْبَقَرَة، وَقَالَ لَهُ :( اِذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرهمْ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( اِقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّ أَخْذهَا بَرَكَة وَتَرْكهَا حَسْرَة وَلَا يَسْتَطِيعهَا الْبَطَلَة )، قَالَ مُعَاوِيَة : بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَة : السَّحَرَة.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر إِنَّ الشَّيْطَان يَنْفِر مِنْ الْبَيْت الَّذِي تُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة ).
وَرَوَى الدَّارِمِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا مِنْ بَيْت يُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط.
وَقَالَ : إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْء لُبَابًا وَإِنَّ لُبَاب الْقُرْآن الْمُفَصَّل.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ.
اللُّبَاب : الْخَالِص.
وَفِي صَحِيح الْبُسْتِيّ عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْته لَيْلًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاث لَيَالٍ وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ).
قَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ) أَرَادَ : مَرَدَة الشَّيَاطِين.
سُورَة الْبَقَرَة : وَأَوَّل مَبْدُوء بِهِ الْكَلَام فِي نُزُولهَا وَفَضْلهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا ; وَهَكَذَا كُلّ سُورَة إِنْ وَجَدْنَا لَهَا ذَلِكَ ; فَنَقُول : سُورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة، نَزَلَتْ فِي مُدَد شَتَّى.
وَقِيلَ : هِيَ أَوَّل سُورَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، إِلَّا قَوْله تَعَالَى :" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٢٨١ ] فَإِنَّهُ آخِر آيَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء، وَنَزَلَتْ يَوْم النَّحْر فِي حَجَّة الْوَدَاع بِمِنًى ; وَآيَات الرِّبَا أَيْضًا مِنْ أَوَاخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن.
وَهَذِهِ السُّورَة فَضْلهَا عَظِيم وَثَوَابهَا جَسِيم.
وَيُقَال لَهَا : فُسْطَاط الْقُرْآن ; قَالَهُ خَالِد بْن مَعْدَان.
وَذَلِكَ لِعِظَمِهَا وَبِهَائِهَا، وَكَثْرَة أَحْكَامهَا وَمَوَاعِظهَا.
وَتَعَلَّمَهَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة، وَابْنه عَبْد اللَّه فِي ثَمَانِي سِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت بَعْض أَشْيَاخِي يَقُول : فِيهَا أَلْف أَمْر وَأَلْف نَهْي وَأَلْف حُكْم وَأَلْف خَبَر.
وَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَد وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَحْدَثهمْ سِنًّا لِحِفْظِهِ سُورَة الْبَقَرَة، وَقَالَ لَهُ :( اِذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرهمْ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( اِقْرَءُوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّ أَخْذهَا بَرَكَة وَتَرْكهَا حَسْرَة وَلَا يَسْتَطِيعهَا الْبَطَلَة )، قَالَ مُعَاوِيَة : بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَة : السَّحَرَة.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر إِنَّ الشَّيْطَان يَنْفِر مِنْ الْبَيْت الَّذِي تُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة ).
وَرَوَى الدَّارِمِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا مِنْ بَيْت يُقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط.
وَقَالَ : إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْء لُبَابًا وَإِنَّ لُبَاب الْقُرْآن الْمُفَصَّل.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ.
اللُّبَاب : الْخَالِص.
وَفِي صَحِيح الْبُسْتِيّ عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِكُلِّ شَيْء سَنَامًا وَإِنَّ سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة وَمَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْته لَيْلًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاث لَيَالٍ وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ).
قَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمْ يَدْخُل الشَّيْطَان بَيْته ثَلَاثَة أَيَّام ) أَرَادَ : مَرَدَة الشَّيَاطِين.
وَرَوَى الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه : مَنْ قَرَأَ عَشْر آيَات مِنْ سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة لَمْ يَدْخُل ذَلِكَ الْبَيْت شَيْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يُصْبِح ; أَرْبَعًا مِنْ أَوَّلهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وَآيَتَيْنِ بَعْدهَا وَثَلَاثًا خَوَاتِيمهَا، أَوَّلهَا :" لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات " [ الْبَقَرَة : ٢٨٤ ].
وَعَنْ الشَّعْبِيّ عَنْهُ : لَمْ يَقْرَبهُ وَلَا أَهْله يَوْمئِذٍ شَيْطَان وَلَا شَيْء يَكْرَههُ، وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُون إِلَّا أَفَاقَ.
وَقَالَ الْمُغِيرَة بْن سُبَيْع - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه - : لَمْ يَنْسَ الْقُرْآن.
وَقَالَ إِسْحَاق بْن عِيسَى : لَمْ يَنْسَ مَا قَدْ حَفِظَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْمُغِيرَة بْن سَمِيع.
وَفِي كِتَاب الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عَبْد الْبَرّ : وَكَانَ لَبِيد بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كِلَاب بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن صَعْصَعَة مِنْ شُعَرَاء الْجَاهِلِيَّة، أَدْرَكَ الْإِسْلَام فَحَسُنَ إِسْلَامه وَتَرَكَ قَوْل الشِّعْر فِي الْإِسْلَام، وَسَأَلَهُ عُمَر فِي خِلَافَته عَنْ شِعْره وَاسْتَنْشَدَهُ ; فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة ; فَقَالَ : إِنَّمَا سَأَلْتُك عَنْ شِعْرك ; فَقَالَ : مَا كُنْت لِأَقُولَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْر بَعْد إِذْ عَلَّمَنِي اللَّه الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان ; فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ ; وَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ فَزَادَهُ خَمْسمِائَةٍ.
وَقَدْ قَالَ كَثِير مِنْ أَهْل الْأَخْبَار : إِنَّ لَبِيدًا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا مُنْذُ أَسْلَمَ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْلَام إِلَّا قَوْله :
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْت لِقَرَدَة بْن نُفَاثَة السَّلُولِيّ، وَهُوَ أَصَحّ عِنْدِي.
وَقَالَ غَيْره : بَلْ الْبَيْت الَّذِي قَالَ فِي الْإِسْلَام :
وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي آيَة الْكُرْسِيّ وَخَوَاتِيم الْبَقَرَة، وَيَأْتِي فِي أَوَّل سُورَة آل عِمْرَان زِيَادَة بَيَان لِفَضْلِ هَذِهِ السُّورَة ; إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
وَعَنْ الشَّعْبِيّ عَنْهُ : لَمْ يَقْرَبهُ وَلَا أَهْله يَوْمئِذٍ شَيْطَان وَلَا شَيْء يَكْرَههُ، وَلَا يُقْرَأْنَ عَلَى مَجْنُون إِلَّا أَفَاقَ.
وَقَالَ الْمُغِيرَة بْن سُبَيْع - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه - : لَمْ يَنْسَ الْقُرْآن.
وَقَالَ إِسْحَاق بْن عِيسَى : لَمْ يَنْسَ مَا قَدْ حَفِظَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدَّارِمِيّ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْمُغِيرَة بْن سَمِيع.
وَفِي كِتَاب الِاسْتِيعَاب لِابْنِ عَبْد الْبَرّ : وَكَانَ لَبِيد بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كِلَاب بْن رَبِيعَة بْن عَامِر بْن صَعْصَعَة مِنْ شُعَرَاء الْجَاهِلِيَّة، أَدْرَكَ الْإِسْلَام فَحَسُنَ إِسْلَامه وَتَرَكَ قَوْل الشِّعْر فِي الْإِسْلَام، وَسَأَلَهُ عُمَر فِي خِلَافَته عَنْ شِعْره وَاسْتَنْشَدَهُ ; فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة ; فَقَالَ : إِنَّمَا سَأَلْتُك عَنْ شِعْرك ; فَقَالَ : مَا كُنْت لِأَقُولَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْر بَعْد إِذْ عَلَّمَنِي اللَّه الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان ; فَأَعْجَبَ عُمَرَ قَوْلُهُ ; وَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ فَزَادَهُ خَمْسمِائَةٍ.
وَقَدْ قَالَ كَثِير مِنْ أَهْل الْأَخْبَار : إِنَّ لَبِيدًا لَمْ يَقُلْ شِعْرًا مُنْذُ أَسْلَمَ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْلَام إِلَّا قَوْله :
| الْحَمْد لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي | حَتَّى اِكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَام سِرْبَالَا |
وَقَالَ غَيْره : بَلْ الْبَيْت الَّذِي قَالَ فِي الْإِسْلَام :
| مَا عَاتَبَ الْمَرْء الْكَرِيم كَنَفْسِهِ | وَالْمَرْء يُصْلِحهُ الْقَرِين الصَّالِح |
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبَرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عِمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلَف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلَف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عِمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظُهَيْر عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَنَلْتَمِس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلَف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلَف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْصِل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ.
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ، قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا.
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُل : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه - تَعَالَى - بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا، وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ اِبْتَعَثَك فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيُفَقِّه النَّاس.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْصِل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
| بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ | وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا |
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
| نَادَوْهُمْ أَلَا اِلْجِمُوا أَلَا تَا | قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا |
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُل : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه - تَعَالَى - بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا، وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَا هُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ اِبْتَعَثَك فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيُفَقِّه النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
ذَلِكَ الْكِتَابُ
قِيلَ : الْمَعْنَى هَذَا الْكِتَاب.
وَ " ذَلِكَ " قَدْ تُسْتَعْمَل فِي الْإِشَارَة إِلَى حَاضِر، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى غَائِب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْإِخْبَار عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ :" ذَلِكَ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزِيز الرَّحِيم " [ السَّجْدَة : ٦ ] ; وَمِنْهُ قَوْل خُفَاف بْن نُدْبَة :
أَيْ أَنَا هَذَا.
فَـ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقُرْآن، مَوْضُوع مَوْضِع هَذَا، تَلْخِيصه : الم هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ.
وَهَذَا قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَعِكْرِمَة وَغَيْرهمَا ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم " [ الْأَنْعَام : ٨٣ ] " تِلْكَ آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ " [ الْبَقَرَة : ٢٥٢ ] أَيْ هَذِهِ ; لَكِنَّهَا لَمَّا اِنْقَضَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعُدَتْ فَقِيلَ تِلْكَ.
وَفِي الْبُخَارِيّ " وَقَالَ مَعْمَر ذَلِكَ الْكِتَاب هَذَا الْقُرْآن ".
" هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " بَيَان وَدَلَالَة ; كَقَوْلِهِ :" ذَلِكُمْ حُكْم اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ " [ الْمُمْتَحَنَة : ١٠ ] هَذَا حُكْم اللَّه.
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ " هَذَا " بِمَعْنَى " ذَلِكَ " ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث أُمّ حَرَام :( يَرْكَبُونَ ثَبَج هَذَا الْبَحْر ) أَيْ ذَلِكَ الْبَحْر ; وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : هُوَ عَلَى بَابه إِشَارَة إِلَى غَائِب.
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْغَائِب عَلَى أَقْوَال عَشَرَة ; فَقِيلَ :" ذَلِكَ الْكِتَاب " أَيْ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبْت عَلَى الْخَلَائِق بِالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَة وَالْأَجَل وَالرِّزْق لَا رَيْب فِيهِ ; أَيْ لَا مُبَدِّل لَهُ.
وَقِيلَ : ذَلِكَ الْكِتَاب ; أَيْ الَّذِي كَتَبْت عَلَى نَفْسِي فِي الْأَزَل ( أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَابه عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده أَنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ) فِي رِوَايَة :( سَبَقَتْ ).
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاء ; فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْوَعْد كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عِيَاض بْن حِمَار الْمُجَاشِعِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه نَظَرَ إِلَى أَهْل الْأَرْض فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُك لِأَبْتَلِيَك وَأَبْتَلِي بِك وَأَنْزَلْت عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلهُ الْمَاء تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَان ) الْحَدِيث.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى مَا قَدْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن بِمَكَّة.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة :" إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : ٥ ] لَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَشْرِفًا لِإِنْجَازِ هَذَا الْوَعْد مِنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ ; فَلَمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ :" الم.
قِيلَ : الْمَعْنَى هَذَا الْكِتَاب.
وَ " ذَلِكَ " قَدْ تُسْتَعْمَل فِي الْإِشَارَة إِلَى حَاضِر، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى غَائِب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْإِخْبَار عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ :" ذَلِكَ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزِيز الرَّحِيم " [ السَّجْدَة : ٦ ] ; وَمِنْهُ قَوْل خُفَاف بْن نُدْبَة :
| أَقُول لَهُ وَالرُّمْح يَأْطِر مَتْنه | تَأَمَّلْ خُفَافًا إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا |
فَـ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقُرْآن، مَوْضُوع مَوْضِع هَذَا، تَلْخِيصه : الم هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ.
وَهَذَا قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَعِكْرِمَة وَغَيْرهمَا ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم " [ الْأَنْعَام : ٨٣ ] " تِلْكَ آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ " [ الْبَقَرَة : ٢٥٢ ] أَيْ هَذِهِ ; لَكِنَّهَا لَمَّا اِنْقَضَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعُدَتْ فَقِيلَ تِلْكَ.
وَفِي الْبُخَارِيّ " وَقَالَ مَعْمَر ذَلِكَ الْكِتَاب هَذَا الْقُرْآن ".
" هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " بَيَان وَدَلَالَة ; كَقَوْلِهِ :" ذَلِكُمْ حُكْم اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ " [ الْمُمْتَحَنَة : ١٠ ] هَذَا حُكْم اللَّه.
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ " هَذَا " بِمَعْنَى " ذَلِكَ " ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث أُمّ حَرَام :( يَرْكَبُونَ ثَبَج هَذَا الْبَحْر ) أَيْ ذَلِكَ الْبَحْر ; وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : هُوَ عَلَى بَابه إِشَارَة إِلَى غَائِب.
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْغَائِب عَلَى أَقْوَال عَشَرَة ; فَقِيلَ :" ذَلِكَ الْكِتَاب " أَيْ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبْت عَلَى الْخَلَائِق بِالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَة وَالْأَجَل وَالرِّزْق لَا رَيْب فِيهِ ; أَيْ لَا مُبَدِّل لَهُ.
وَقِيلَ : ذَلِكَ الْكِتَاب ; أَيْ الَّذِي كَتَبْت عَلَى نَفْسِي فِي الْأَزَل ( أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَمَّا قَضَى اللَّه الْخَلْق كَتَبَ فِي كِتَابه عَلَى نَفْسه فَهُوَ مَوْضُوع عِنْده أَنَّ رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي ) فِي رِوَايَة :( سَبَقَتْ ).
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاء ; فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْوَعْد كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عِيَاض بْن حِمَار الْمُجَاشِعِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه نَظَرَ إِلَى أَهْل الْأَرْض فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُك لِأَبْتَلِيَك وَأَبْتَلِي بِك وَأَنْزَلْت عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلهُ الْمَاء تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَان ) الْحَدِيث.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى مَا قَدْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن بِمَكَّة.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة :" إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : ٥ ] لَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَشْرِفًا لِإِنْجَازِ هَذَا الْوَعْد مِنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ ; فَلَمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ :" الم.
ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " [ الْبَقَرَة :
١ - ٢ ] كَانَ فِيهِ مَعْنَى هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْته عَلَيْك بِالْمَدِينَةِ، ذَلِكَ الْكِتَاب الَّذِي وَعَدْتُك أَنْ أُوحِيه إِلَيْك بِمَكَّة.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَ " الم " اِسْم لِلْقُرْآنِ ; وَالتَّقْدِير هَذَا الْقُرْآن ذَلِكَ الْكِتَاب الْمُفَسَّر فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ; يَعْنِي أَنَّ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَشْهَدَانِ بِصِحَّتِهِ وَيَسْتَغْرِق مَا فِيهِمَا وَيَزِيد عَلَيْهِمَا مَا لَيْسَ فِيهِمَا.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ الْكِتَاب " إِشَارَة إِلَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كِلَيْهِمَا ; وَالْمَعْنَى : الم ذَانِك الْكِتَابَانِ أَوْ مِثْل ذَيْنِك الْكِتَابَيْنِ ; أَيْ هَذَا الْقُرْآن جَامِع لِمَا فِي ذَيْنِك الْكِتَابَيْنِ ; فَعَبَّرَ بِـ " ذَلِكَ " عَنْ الِاثْنَيْنِ بِشَاهِدٍ مِنْ الْقُرْآن ; قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى :" إِنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر عَوَان بَيْن ذَلِكَ " [ الْبَقَرَة : ٦٨ ] أَيْ عَوَان بَيْن تَيْنِك : الْفَارِض وَالْبِكْر ; وَسَيَأْتِي.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ :" ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقُرْآن الَّذِي فِي السَّمَاء لَمْ يَنْزِل بَعْد.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ وَعَدَ أَهْل الْكِتَاب أَنْ يُنَزِّل عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا ; فَالْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ الْوَعْد.
قَالَ الْمُبَرِّد : الْمَعْنَى هَذَا الْقُرْآن ذَلِكَ الْكِتَاب الَّذِي كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا.
وَقِيلَ : إِلَى حُرُوف الْمُعْجَم فِي قَوْل مَنْ قَالَ :" الم " الْحُرُوف الَّتِي تَحَدَّيْتُكُمْ بِالنَّظْمِ مِنْهَا.
وَالْكِتَاب مَصْدَر مِنْ كَتَبَ يَكْتُب إِذَا جَمَعَ ; وَمِنْهُ قِيلَ : كَتِيبَة ; لِاجْتِمَاعِهَا.
وَتَكَتَّبَتْ الْخَيْل صَارَتْ كَتَائِبِ.
وَكَتَبْت الْبَغْلَة : إِذَا جَمَعْتَ بَيْن شُفْرَيْ رَحِمَهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْر ; قَالَ :
وَالْكُتْبَة ( بِضَمِّ الْكَاف ) : الْخُرْزَة، وَالْجَمْع كُتَبٌ.
وَالْكَتْب : الْخَرْز.
قَالَ ذُو الرُّمَّة :
وَالْكِتَاب : هُوَ خَطّ الْكَاتِب حُرُوف الْمُعْجَم مَجْمُوعَة أَوْ مُتَفَرِّقَة ; وَسُمِّيَ كِتَابًا وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَالْكِتَاب : الْفَرْض وَالْحُكْم وَالْقَدَر ; قَالَ الْجَعْدِيّ :
١ - ٢ ] كَانَ فِيهِ مَعْنَى هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْته عَلَيْك بِالْمَدِينَةِ، ذَلِكَ الْكِتَاب الَّذِي وَعَدْتُك أَنْ أُوحِيه إِلَيْك بِمَكَّة.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى مَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَ " الم " اِسْم لِلْقُرْآنِ ; وَالتَّقْدِير هَذَا الْقُرْآن ذَلِكَ الْكِتَاب الْمُفَسَّر فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ; يَعْنِي أَنَّ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَشْهَدَانِ بِصِحَّتِهِ وَيَسْتَغْرِق مَا فِيهِمَا وَيَزِيد عَلَيْهِمَا مَا لَيْسَ فِيهِمَا.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ الْكِتَاب " إِشَارَة إِلَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كِلَيْهِمَا ; وَالْمَعْنَى : الم ذَانِك الْكِتَابَانِ أَوْ مِثْل ذَيْنِك الْكِتَابَيْنِ ; أَيْ هَذَا الْقُرْآن جَامِع لِمَا فِي ذَيْنِك الْكِتَابَيْنِ ; فَعَبَّرَ بِـ " ذَلِكَ " عَنْ الِاثْنَيْنِ بِشَاهِدٍ مِنْ الْقُرْآن ; قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى :" إِنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر عَوَان بَيْن ذَلِكَ " [ الْبَقَرَة : ٦٨ ] أَيْ عَوَان بَيْن تَيْنِك : الْفَارِض وَالْبِكْر ; وَسَيَأْتِي.
وَقِيلَ : إِنَّ " ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ :" ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقُرْآن الَّذِي فِي السَّمَاء لَمْ يَنْزِل بَعْد.
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ وَعَدَ أَهْل الْكِتَاب أَنْ يُنَزِّل عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا ; فَالْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ الْوَعْد.
قَالَ الْمُبَرِّد : الْمَعْنَى هَذَا الْقُرْآن ذَلِكَ الْكِتَاب الَّذِي كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا.
وَقِيلَ : إِلَى حُرُوف الْمُعْجَم فِي قَوْل مَنْ قَالَ :" الم " الْحُرُوف الَّتِي تَحَدَّيْتُكُمْ بِالنَّظْمِ مِنْهَا.
وَالْكِتَاب مَصْدَر مِنْ كَتَبَ يَكْتُب إِذَا جَمَعَ ; وَمِنْهُ قِيلَ : كَتِيبَة ; لِاجْتِمَاعِهَا.
وَتَكَتَّبَتْ الْخَيْل صَارَتْ كَتَائِبِ.
وَكَتَبْت الْبَغْلَة : إِذَا جَمَعْتَ بَيْن شُفْرَيْ رَحِمَهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْر ; قَالَ :
| لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًا حَلَلْت بِهِ | عَلَى قَلُوصك وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ |
وَالْكَتْب : الْخَرْز.
قَالَ ذُو الرُّمَّة :
| وَفْرَاء غَرْفِيَّة أَثَأَى خَوَارِزهَا | مُشَلْشِل ضَيَّعْته بَيْنهَا الْكُتَبُ |
| تُؤَمِّل رَجْعَة مِنِّي وَفِيهَا | كِتَاب مِثْل مَا لَصِقَ الْغِرَاء |
| يَا بْنَة عَمِّي كِتَاب اللَّه أَخْرَجَنِي | عَنْكُمْ وَهَلْ أَمْنَعَن اللَّه مَا فَعَلَا |
| لَيْسَ فِي الْحَقّ يَا أُمَيْمَة رَيْب | إِنَّمَا الرَّيْب مَا يَقُول الْجَهُول |
| بُثَيْنَة قَالَتْ يَا جَمِيل أَرَبْتنِي | فَقُلْت كِلَانَا يَا بُثَيْن مُرِيب |
| قَضَيْنَا مِنْ تَهَامَة كُلّ رَيْب | وَخَيْبَر ثُمَّ أَجْمَعنَا السُّيُوفَا |
وَقِيلَ : هُوَ خَبَر وَمَعْنَاهُ النَّهْي ; أَيْ لَا تَرْتَابُوا، وَتَمَّ الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الْكِتَاب حَقًّا.
وَتَقُول : رَابَنِي هَذَا الْأَمْر إِذَا أَدْخَلَ عَلَيْك شَكًّا وَخَوْفًا.
وَأَرَابَ : صَارَ ذَا رِيبَة ; فَهُوَ مُرِيب.
وَرَابَنِي أَمْره.
وَرِيَب الدَّهْر : صُرُوفه.
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى - قَوْله تَعَالَى :" فِيهِ " الْهَاء فِي " فِيهِ " فِي مَوْضِع خَفْض بِفِي، وَفِيهِ خَمْسَة أَوْجُه ; أَجْوَدهَا : فِيهِ هُدًى وَيَلِيه فِيهُ هُدًى ( بِضَمِّ الْهَاء بِغَيْرِ وَاو ) وَهِيَ قِرَاءَة الزُّهْرِيّ وَسَلَّام أَبِي الْمُنْذِر.
وَيَلِيه فِيهِي هُدًى ( بِإِثْبَاتِ الْيَاء ) وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن كَثِير.
وَيَجُوز فِيهُو هُدًى ( بِالْوَاوِ ).
وَيَجُوز فِيهِ هُدًى ( مُدْغَمًا ) وَارْتَفَعَ " هُدًى " عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر " فِيهِ ".
وَالْهُدَى فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الرُّشْد وَالْبَيَان ; أَيْ فِيهِ كَشْف لِأَهْلِ الْمَعْرِفَة وَرُشْد وَزِيَادَة بَيَان وَهُدًى.
الثَّانِيَة : الْهُدَى هُدَيَانِ : هُدَى دَلَالَة، وَهُوَ الَّذِي تَقْدِر عَلَيْهِ الرُّسُل وَأَتْبَاعهمْ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلِكُلِّ قَوْم هَادٍ " [ الرَّعْد : ٧ ].
وَقَالَ :" وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " [ الشُّورَى : ٥٢ ] فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ الدَّلَالَة وَالدَّعْوَة وَالتَّنْبِيه ; وَتَفَرَّدَ هُوَ سُبْحَانه بِالْهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْيِيد وَالتَّوْفِيق، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت " [ الْقَصَص : ٥٦ ] فَالْهُدَى عَلَى هَذَا يَجِيء بِمَعْنَى خَلْق الْإِيمَان فِي الْقَلْب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهمْ " [ الْبَقَرَة : ٥ ] وَقَوْله :" وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء " [ فَاطِر : ٨ ] وَالْهُدَى : الِاهْتِدَاء، وَمَعْنَاهُ رَاجِع إِلَى مَعْنَى الْإِرْشَاد كَيْفَمَا تَصَرَّفْت.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَقَدْ تَرِد الْهِدَايَة وَالْمُرَاد بِهَا إِرْشَاد الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَسَالِك الْجِنَان وَالطُّرُق الْمُفْضِيَة إِلَيْهَا ; مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي صِفَة الْمُجَاهِدِينَ :" فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالَهُمْ.
سَيَهْدِيهِمْ " [ مُحَمَّد :
٤ - ٥ ] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ٢٣ ] مَعْنَاهُ فَاسْلُكُوهُمْ إِلَيْهَا.
الثَّالِثَة : الْهُدَى لَفْظ مُؤَنَّث قَالَ الْفَرَّاء : بَعْض بَنِي أَسَد تُؤَنِّث الْهُدَى فَتَقُول : هَذِهِ هُدًى حَسَنَة.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ : هُوَ مُذَكَّر ; وَلَمْ يُعْرَب لِأَنَّهُ مَقْصُور وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك، وَيَتَعَدَّى بِحَرْفٍ وَبِغَيْرِ حَرْف وَقَدْ مَضَى فِي " الْفَاتِحَة "، تَقُول : هَدَيْته الطَّرِيق وَإِلَى الطَّرِيق وَالدَّار وَإِلَى الدَّار ; أَيْ عَرَّفْته.
الْأُولَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَالثَّانِيَة حَكَاهَا الْأَخْفَش.
وَفِي التَّنْزِيل :" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " وَ " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] وَقِيلَ : إِنَّ الْهُدَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّهَار، لِأَنَّ النَّاس يَهْتَدُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ وَجَمِيع مَآرِبهمْ ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل :
حَتَّى اِسْتَبَنْت الْهُدَى وَالْبِيد هَاجِمَة وَ يَخْشَعْنَ فِي الْآل غُلْفًا أَوْ يُصَلِّينَا
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" لِلْمُتَّقِينَ " خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْمُتَّقِينَ بِهِدَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ هُدًى لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ تَشْرِيفًا لَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا بِمَا فِيهِ.
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى - قَوْله تَعَالَى :" فِيهِ " الْهَاء فِي " فِيهِ " فِي مَوْضِع خَفْض بِفِي، وَفِيهِ خَمْسَة أَوْجُه ; أَجْوَدهَا : فِيهِ هُدًى وَيَلِيه فِيهُ هُدًى ( بِضَمِّ الْهَاء بِغَيْرِ وَاو ) وَهِيَ قِرَاءَة الزُّهْرِيّ وَسَلَّام أَبِي الْمُنْذِر.
وَيَلِيه فِيهِي هُدًى ( بِإِثْبَاتِ الْيَاء ) وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن كَثِير.
وَيَجُوز فِيهُو هُدًى ( بِالْوَاوِ ).
وَيَجُوز فِيهِ هُدًى ( مُدْغَمًا ) وَارْتَفَعَ " هُدًى " عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر " فِيهِ ".
وَالْهُدَى فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ الرُّشْد وَالْبَيَان ; أَيْ فِيهِ كَشْف لِأَهْلِ الْمَعْرِفَة وَرُشْد وَزِيَادَة بَيَان وَهُدًى.
الثَّانِيَة : الْهُدَى هُدَيَانِ : هُدَى دَلَالَة، وَهُوَ الَّذِي تَقْدِر عَلَيْهِ الرُّسُل وَأَتْبَاعهمْ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلِكُلِّ قَوْم هَادٍ " [ الرَّعْد : ٧ ].
وَقَالَ :" وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " [ الشُّورَى : ٥٢ ] فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ الدَّلَالَة وَالدَّعْوَة وَالتَّنْبِيه ; وَتَفَرَّدَ هُوَ سُبْحَانه بِالْهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْيِيد وَالتَّوْفِيق، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت " [ الْقَصَص : ٥٦ ] فَالْهُدَى عَلَى هَذَا يَجِيء بِمَعْنَى خَلْق الْإِيمَان فِي الْقَلْب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهمْ " [ الْبَقَرَة : ٥ ] وَقَوْله :" وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء " [ فَاطِر : ٨ ] وَالْهُدَى : الِاهْتِدَاء، وَمَعْنَاهُ رَاجِع إِلَى مَعْنَى الْإِرْشَاد كَيْفَمَا تَصَرَّفْت.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : وَقَدْ تَرِد الْهِدَايَة وَالْمُرَاد بِهَا إِرْشَاد الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَسَالِك الْجِنَان وَالطُّرُق الْمُفْضِيَة إِلَيْهَا ; مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي صِفَة الْمُجَاهِدِينَ :" فَلَنْ يُضِلّ أَعْمَالَهُمْ.
سَيَهْدِيهِمْ " [ مُحَمَّد :
٤ - ٥ ] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ٢٣ ] مَعْنَاهُ فَاسْلُكُوهُمْ إِلَيْهَا.
الثَّالِثَة : الْهُدَى لَفْظ مُؤَنَّث قَالَ الْفَرَّاء : بَعْض بَنِي أَسَد تُؤَنِّث الْهُدَى فَتَقُول : هَذِهِ هُدًى حَسَنَة.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ : هُوَ مُذَكَّر ; وَلَمْ يُعْرَب لِأَنَّهُ مَقْصُور وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك، وَيَتَعَدَّى بِحَرْفٍ وَبِغَيْرِ حَرْف وَقَدْ مَضَى فِي " الْفَاتِحَة "، تَقُول : هَدَيْته الطَّرِيق وَإِلَى الطَّرِيق وَالدَّار وَإِلَى الدَّار ; أَيْ عَرَّفْته.
الْأُولَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَالثَّانِيَة حَكَاهَا الْأَخْفَش.
وَفِي التَّنْزِيل :" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " وَ " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] وَقِيلَ : إِنَّ الْهُدَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّهَار، لِأَنَّ النَّاس يَهْتَدُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ وَجَمِيع مَآرِبهمْ ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل :
حَتَّى اِسْتَبَنْت الْهُدَى وَالْبِيد هَاجِمَة وَ يَخْشَعْنَ فِي الْآل غُلْفًا أَوْ يُصَلِّينَا
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" لِلْمُتَّقِينَ " خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْمُتَّقِينَ بِهِدَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ هُدًى لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ تَشْرِيفًا لَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا بِمَا فِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَوْق أَنَّهُ قَالَ :" هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " أَيْ كَرَامَة لَهُمْ ; يَعْنِي إِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمْ إِجْلَالًا لَهُمْ وَكَرَامَة لَهُمْ وَبَيَانًا لِفَضْلِهِمْ.
وَأَصْل " لِلْمُتَّقِينَ " : لِلْمُوتَقِيِينَ بِيَاءَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ، حُذِفَتْ الْكَسْرَة مِنْ الْيَاء الْأُولَى لِثِقَلِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَأُبْدِلَتْ الْوَاو تَاء عَلَى أَصْلهمْ فِي اِجْتِمَاع الْوَاو وَالتَّاء وَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي التَّاء فَصَارَ لِلْمُتَّقِينَ.
الْخَامِسَة : التَّقْوَى يُقَال أَصْلهَا فِي اللُّغَة قِلَّة الْكَلَام ; حَكَاهُ اِبْن فَارِس.
قُلْت وَمِنْهُ الْحَدِيث ( التَّقِيّ مُلْجَم وَالْمُتَّقِي فَوْق الْمُؤْمِن وَالطَّائِع ) وَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي بِصَالِحِ عَمَله وَخَالِص دُعَائِهِ عَذَاب اللَّه تَعَالَى، مَأْخُوذ مِنْ اِتِّقَاء الْمَكْرُوه بِمَا تَجْعَلهُ حَاجِزًا بَيْنك وَبَيْنه ; كَمَا قَالَ النَّابِغَة :
وَقَالَ آخَر :
وَخَرَّجَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ الْحَافِظ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن زَرْبِي أَبِي عُبَيْدَة عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ يَوْمًا لِابْنِ أَخِيهِ : يَا بْن أَخِي تَرَى النَّاس مَا أَكْثَرهمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ : لَا خَيْر فِيهِمْ إِلَّا تَائِب أَوْ تَقِيّ ثُمَّ قَالَ : يَا بْن أَخِي تَرَى النَّاس مَا أَكْثَرهمْ ؟ قُلْت : بَلَى ; قَالَ : لَا خَيْر فِيهِمْ إِلَّا عَالِم أَوْ مُتَعَلِّم.
وَقَالَ أَبُو يَزِيد الْبَسْطَامِيّ : الْمُتَّقِي مَنْ إِذَا قَالَ قَالَ لِلَّهِ، وَمَنْ إِذَا عَمِلَ عَمِلَ لِلَّهِ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ : الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ نَزَعَ اللَّه عَنْ قُلُوبهمْ حُبّ الشَّهَوَات.
وَقِيلَ : الْمُتَّقِي الَّذِي اِتَّقَى الشِّرْك وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاق.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون كَذَلِكَ وَهُوَ فَاسِق.
وَسَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيًّا عَنْ التَّقْوَى ; فَقَالَ : هَلْ أَخَذْت طَرِيقًا ذَا شَوْك ؟ قَالَ : نَعَمْ : قَالَ فَمَا عَمِلْت فِيهِ ؟ قَالَ : تَشَمَّرْت وَحَذِرْت ; قَالَ : فَذَاكَ التَّقْوَى.
وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى اِبْن الْمُعْتَزّ فَنَظَمَهُ :
السَّادِسَة : التَّقْوَى فِيهَا جِمَاع الْخَيْر كُلّه، وَهِيَ وَصِيَّة اللَّه فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ خَيْر مَا يَسْتَفِيدهُ الْإِنْسَان ; كَمَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء وَقَدْ قِيلَ لَهُ : إِنَّ أَصْحَابَكَ يَقُولُونَ الشِّعْرَ وَأَنْتَ مَا حُفِظَ عَنْكَ شَيْءٌ ; فَقَالَ :
وَأَصْل " لِلْمُتَّقِينَ " : لِلْمُوتَقِيِينَ بِيَاءَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ، حُذِفَتْ الْكَسْرَة مِنْ الْيَاء الْأُولَى لِثِقَلِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَأُبْدِلَتْ الْوَاو تَاء عَلَى أَصْلهمْ فِي اِجْتِمَاع الْوَاو وَالتَّاء وَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي التَّاء فَصَارَ لِلْمُتَّقِينَ.
الْخَامِسَة : التَّقْوَى يُقَال أَصْلهَا فِي اللُّغَة قِلَّة الْكَلَام ; حَكَاهُ اِبْن فَارِس.
قُلْت وَمِنْهُ الْحَدِيث ( التَّقِيّ مُلْجَم وَالْمُتَّقِي فَوْق الْمُؤْمِن وَالطَّائِع ) وَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي بِصَالِحِ عَمَله وَخَالِص دُعَائِهِ عَذَاب اللَّه تَعَالَى، مَأْخُوذ مِنْ اِتِّقَاء الْمَكْرُوه بِمَا تَجْعَلهُ حَاجِزًا بَيْنك وَبَيْنه ; كَمَا قَالَ النَّابِغَة :
| سَقَطَ النَّصِيف وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطه | فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ |
| فَأَلْقَتْ قِنَاعًا دُونه الشَّمْس وَاتَّقَتْ | بِأَحْسَن مَوْصُولَيْنِ كَفّ وَمِعْصَم |
وَقَالَ أَبُو يَزِيد الْبَسْطَامِيّ : الْمُتَّقِي مَنْ إِذَا قَالَ قَالَ لِلَّهِ، وَمَنْ إِذَا عَمِلَ عَمِلَ لِلَّهِ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِيّ : الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ نَزَعَ اللَّه عَنْ قُلُوبهمْ حُبّ الشَّهَوَات.
وَقِيلَ : الْمُتَّقِي الَّذِي اِتَّقَى الشِّرْك وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاق.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون كَذَلِكَ وَهُوَ فَاسِق.
وَسَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أُبَيًّا عَنْ التَّقْوَى ; فَقَالَ : هَلْ أَخَذْت طَرِيقًا ذَا شَوْك ؟ قَالَ : نَعَمْ : قَالَ فَمَا عَمِلْت فِيهِ ؟ قَالَ : تَشَمَّرْت وَحَذِرْت ; قَالَ : فَذَاكَ التَّقْوَى.
وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى اِبْن الْمُعْتَزّ فَنَظَمَهُ :
| خَلِّ الذُّنُوب صَغِيرهَا | وَكَبِيرهَا ذَاكَ التُّقَى |
| وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْق أَرْ | ضِ الشَّوْك يَحْذَر مَا يَرَى |
| لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَة | إِنَّ الْجِبَال مِنْ الْحَصَى |
| يُرِيد الْمَرْء أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ | وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا مَا أَرَادَا |
| يَقُول الْمَرْء فَائِدَتِي وَمَالِي | وَتَقْوَى اللَّه أَفْضَل مَا اِسْتَفَادَا |
| وَبِالْغَيْبِ آمَنَّا وَقَدْ كَانَ قَوْمنَا | يُصَلُّونَ لِلْأَوْثَانِ قَبْل مُحَمَّد |
| وَإِذَا يُقَال أَتَيْتُمْ لَمْ يَبْرَحُوا | حَتَّى تُقِيم الْخَيْل سُوق طِعَان |
) إِقَامَة الصَّلَاة مَعْرُوفَة ; وَهِيَ سُنَّة عِنْد الْجُمْهُور، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَة عَلَى تَارِكهَا.
وَعِنْد الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى هِيَ وَاجِبَة، وَعَلَى مَنْ تَرَكَهَا الْإِعَادَة ; وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر، وَرُوِيَ عَنْ مَالِك، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : لِأَنَّ فِي حَدِيث الْأَعْرَابِيّ ( وَأَقِمْ ) فَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَال وَالْوُضُوء.
قَالَ : فَأَمَّا أَنْتُمْ الْآن وَقَدْ وَقَفْتُمْ عَلَى الْحَدِيث فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِإِحْدَى رِوَايَتَيْ مَالِك الْمُوَافِقَة لِلْحَدِيثِ، وَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَة فَرْض.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الصَّلَاة مَنْ لَمْ يُحْرِم، فَمَا كَانَ قَبْل الْإِحْرَام فَحُكْمه أَلَّا تُعَاد مِنْهُ الصَّلَاة إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْء فَيُسَلَّم لِلْإِجْمَاعِ كَالطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَة وَالْوَقْت وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاة، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِهَا إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاسْتَوَى سَهْوهَا وَعَمْدهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَنِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَة هَلْ يُسْرِع أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْرِع وَإِنْ خَافَ فَوْت الرَّكْعَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدكُمْ وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك ).
وَهَذَا نَصّ.
وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ اِنْبَهَرَ فَشَوَّشَ عَلَيْهِ دُخُوله فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَتهَا وَخُشُوعهَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوَاتهَا أَسْرَعَ.
وَقَالَ إِسْحَاق : يُسْرِع إِذَا خَافَ فَوَات الرَّكْعَة ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك نَحْوه، وَقَالَ : لَا بَأْس لِمَنْ كَانَ عَلَى فَرَس أَنْ يُحَرِّك الْفَرَس ; وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْمَاشِي وَالرَّاكِب ; لِأَنَّ الرَّاكِب لَا يَكَاد أَنْ يَنْبَهِر كَمَا يَنْبَهِر الْمَاشِي.
قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى، فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة، وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِل فِي الصَّلَاة يَلْزَم الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي، حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة، وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْن أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ).
فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمُعَة : ٩ ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَل وَالْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك.
وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله :( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاء قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] وَقَالَ :" فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٠ ].
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف، وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم - وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة، فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك، أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته، وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك.
قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى، فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة، وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِل فِي الصَّلَاة يَلْزَم الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي، حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة، وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْن أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ).
فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمُعَة : ٩ ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَل وَالْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك.
وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله :( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاء قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] وَقَالَ :" فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٠ ].
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف، وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم - وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة، فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك، أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته، وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَنْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته فَأَظُنّهُمْ رَاعَوْا الْإِحْرَام ; لِأَنَّهُ لَا يَكُون إِلَّا فِي أَوَّل الصَّلَاة، وَالتَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم لَا يَكُون إِلَّا فِي آخِرهَا ; فَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا : إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّل صَلَاته، مَعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّة مِنْ قَوْله :( فَأَتِمُّوا ) وَالتَّمَام هُوَ الْآخِر.
وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ :( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت، إِلَّا أَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَى " فَأَتِمُّوا " أَكْثَر، وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد، إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُونَ وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدهَا ; فَهَؤُلَاءِ اِطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ " [ مُحَمَّد : ٣٣ ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَة مِنْهَا.
وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَات رَكْعَة فَلْيَرْكَع خَارِج الْمَسْجِد، وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبّ إِلَيَّ وَأَفْضَل مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ، وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَة صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد، ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز رُكُوعهمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِد.
وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِج الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد.
وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ :( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت، إِلَّا أَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَى " فَأَتِمُّوا " أَكْثَر، وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد، إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُونَ وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدهَا ; فَهَؤُلَاءِ اِطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ " [ مُحَمَّد : ٣٣ ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَة مِنْهَا.
وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَات رَكْعَة فَلْيَرْكَع خَارِج الْمَسْجِد، وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبّ إِلَيَّ وَأَفْضَل مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ، وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَة صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد، ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز رُكُوعهمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِد.
وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِج الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد.
وَكَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَحُكِيَ عَنْ مَالِك ; وَهُوَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام.
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ).
وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة، وَإِمَّا فَضِيلَة، وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْد التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة.
وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَة، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام.
وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ فَتَضَيَّفُوهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد.
وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر، ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
قَالُوا :( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِج الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد )، رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم، فَقَالَ :( أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا ) ! وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي، وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء، مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَاد الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف، وَالْأَوَّل أَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر.
وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاء عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَيْ دَعَا لَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : ١٠٣ ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْشَى :
وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضًا :
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ).
وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة، وَإِمَّا فَضِيلَة، وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْد التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة.
وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَة، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام.
وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ فَتَضَيَّفُوهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد.
وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر، ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
قَالُوا :( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِج الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد )، رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم، فَقَالَ :( أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا ) ! وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي، وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء، مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَاد الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف، وَالْأَوَّل أَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر.
وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاء عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَيْ دَعَا لَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : ١٠٣ ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْشَى :
| تَقُول بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْتُ مُرْتَحِلًا | يَا رَبّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَاب وَالْوَجَعَا |
| عَلَيْك مِثْل الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي | نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْء مُضْطَجَعَا |
| وَقَابَلَهَا الرِّيح فِي دَنِّهَا | وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمَ |
| لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتهَا عَلِمَ اللَّه | وَإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَوْم صَال |
وَقِيلَ : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ صَلَيْت الْعُود بِالنَّارِ إِذَا قَوَّمْته وَلَيَّنْته بِالصِّلَاءِ.
وَالصِّلَاء : صِلَاء النَّار بِكَسْرِ الصَّاد مَمْدُود، فَإِنْ فَتَحْت الصَّاد قَصَرْت، فَقُلْت صَلَا النَّار، فَكَأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَوِّم نَفْسه بِالْمُعَانَاةِ فِيهَا وَيَلِينَ وَيَخْشَع، قَالَ نُجَيْد :
| فَلَا تَعْجَل بِأَمْرِك وَاسْتَدِمْهُ | فَمَا صَلَّى عَصَاك كَمُسْتَدِيمِ |
وَالصَّلَاة : الْعِبَادَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت " [ الْأَنْفَال : ٣٥ ] الْآيَة، أَيْ عِبَادَتهمْ.
وَالصَّلَاة : النَّافِلَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ " [ طَه : ١٣٢ ].
وَالصَّلَاة التَّسْبِيح، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ " [ الصَّافَّات : ١٤٣ ] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ.
وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى.
وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيل " نُسَبِّح بِحَمْدِك " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] نُصَلِّي.
وَالصَّلَاة : الْقِرَاءَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك " [ الْإِسْرَاء : ١١٠ ] فَهِيَ لَفْظ مُشْتَرَك.
وَالصَّلَاة : بَيْت يُصَلَّى فِيهِ، قَالَهُ اِبْن فَارِس.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الصَّلَاة اِسْم عَلَم وُضِعَ لِهَذِهِ الْعِبَادَة، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُخْلِ زَمَانًا مِنْ شَرْع، وَلَمْ يُخْلَ شَرْع مِنْ صَلَاة، حَكَاهُ أَبُو نَصْر وَحُكِيَ.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا الْقَوْل لَا اِشْتِقَاق لَهَا، وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُور وَهِيَ :- اِخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ هَلْ هِيَ مُبْقَاة عَلَى أَصْلهَا اللُّغَوِيّ الْوَضْعِيّ الِابْتِدَائِيّ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَان وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحَجّ، وَالشَّرْع إِنَّمَا تَصَرَّفَ بِالشُّرُوطِ وَالْأَحْكَام، أَوْ هَلْ تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ الشَّرْع تُصَيِّرهَا مَوْضُوعَة كَالْوَضْعِ الِابْتِدَائِيّ مِنْ قِبَل الشَّرْع.
هُنَا اِخْتِلَافهمْ وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ الشَّرِيعَة ثَبَتَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالْقُرْآن نَزَلَ بِهَا بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين، وَلَكِنْ لِلْعَرَبِ تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء، كَالدَّابَّةِ وُضِعَتْ لِكُلِّ مَا يَدِبّ، ثُمَّ خَصَّصَهَا الْعُرْف بِالْبَهَائِمِ فَكَذَلِكَ لِعُرْفِ الشَّرْع تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا، فَقِيلَ : الْفَرَائِض.
وَقِيلَ : الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل مَعًا، وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَالْمُتَّقِي يَأْتِي بِهِمَا.
الصَّلَاة سَبَب لِلرِّزْقِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ " [ طَه : ١٣٢ ] الْآيَة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " طَه " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَشِفَاء مِنْ وَجَع الْبَطْن وَغَيْره، رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : هَجَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَّرْت فَصَلَّيْت ثُمَّ جَلَسْت، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( أَشْكَمْتَ دَرْدَه ) قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه، قَالَ :( قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء ).
فِي رِوَايَة :( أَشْكَمْتَ دَرْد ) يَعْنِي تَشْتَكِي بَطْنك بِالْفَارِسِيَّةِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة.
الصَّلَاة لَا تَصِحّ إِلَّا بِشُرُوطٍ وَفُرُوض، فَمِنْ شُرُوطهَا : الطَّهَارَة، وَسَيَأْتِي بَيَان أَحْكَامهَا فِي سُورَة النِّسَاء وَالْمَائِدَة.
وَسَتْر الْعَوْرَة، يَأْتِي فِي الْأَعْرَاف الْقَوْل فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا فُرُوضهَا : فَاسْتِقْبَال الْقِبْلَة، وَالنِّيَّة، وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام لَهَا، وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا، وَالرُّكُوع وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَرَفْع الرَّأْس مِنْ الرُّكُوع وَالِاعْتِدَال فِيهِ، وَالسُّجُود وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَرَفْع الرَّأْس مِنْ السُّجُود، وَالْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَالسُّجُود الثَّانِي وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ.
وَالْأَصْل فِي هَذِهِ الْجُمْلَة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الرَّجُل الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة لَمَّا أَخَلَّ بِهَا، فَقَالَ لَهُ :( إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَأَسْبِغْ الْوُضُوء ثُمَّ اِسْتَقْبِلْ الْقِبْلَة ثُمَّ كَبِّرْ ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ اِرْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ رَاكِعًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِل قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنّ سَاجِدًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ جَالِسًا ثُمَّ اِفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا ) خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَمِثْلُهُ حَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع، أَخْرَجَهُ الْمَسْرُوقِيّ وَغَيْره.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَبَيَّنَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَان الصَّلَاة، وَسَكَتَ عَنْ الْإِقَامَة وَرَفْع الْيَدَيْنِ وَعَنْ حَدّ الْقِرَاءَة وَعَنْ تَكْبِير الِانْتِقَالَات، وَعَنْ التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَعَنْ الْجِلْسَة الْوُسْطَى، وَعَنْ التَّشَهُّد وَعَنْ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة وَعَنْ السَّلَام.
أَمَّا الْإِقَامَة وَتَعْيِين الْفَاتِحَة فَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِمَا.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا، فَقِيلَ : الْفَرَائِض.
وَقِيلَ : الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل مَعًا، وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَالْمُتَّقِي يَأْتِي بِهِمَا.
الصَّلَاة سَبَب لِلرِّزْقِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ " [ طَه : ١٣٢ ] الْآيَة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " طَه " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَشِفَاء مِنْ وَجَع الْبَطْن وَغَيْره، رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : هَجَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَّرْت فَصَلَّيْت ثُمَّ جَلَسْت، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( أَشْكَمْتَ دَرْدَه ) قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه، قَالَ :( قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء ).
فِي رِوَايَة :( أَشْكَمْتَ دَرْد ) يَعْنِي تَشْتَكِي بَطْنك بِالْفَارِسِيَّةِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة.
الصَّلَاة لَا تَصِحّ إِلَّا بِشُرُوطٍ وَفُرُوض، فَمِنْ شُرُوطهَا : الطَّهَارَة، وَسَيَأْتِي بَيَان أَحْكَامهَا فِي سُورَة النِّسَاء وَالْمَائِدَة.
وَسَتْر الْعَوْرَة، يَأْتِي فِي الْأَعْرَاف الْقَوْل فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَمَّا فُرُوضهَا : فَاسْتِقْبَال الْقِبْلَة، وَالنِّيَّة، وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام لَهَا، وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا، وَالرُّكُوع وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَرَفْع الرَّأْس مِنْ الرُّكُوع وَالِاعْتِدَال فِيهِ، وَالسُّجُود وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَرَفْع الرَّأْس مِنْ السُّجُود، وَالْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ، وَالسُّجُود الثَّانِي وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ.
وَالْأَصْل فِي هَذِهِ الْجُمْلَة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الرَّجُل الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة لَمَّا أَخَلَّ بِهَا، فَقَالَ لَهُ :( إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَأَسْبِغْ الْوُضُوء ثُمَّ اِسْتَقْبِلْ الْقِبْلَة ثُمَّ كَبِّرْ ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ اِرْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ رَاكِعًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِل قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنّ سَاجِدًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ جَالِسًا ثُمَّ اِفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا ) خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَمِثْلُهُ حَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع، أَخْرَجَهُ الْمَسْرُوقِيّ وَغَيْره.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَبَيَّنَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَان الصَّلَاة، وَسَكَتَ عَنْ الْإِقَامَة وَرَفْع الْيَدَيْنِ وَعَنْ حَدّ الْقِرَاءَة وَعَنْ تَكْبِير الِانْتِقَالَات، وَعَنْ التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَعَنْ الْجِلْسَة الْوُسْطَى، وَعَنْ التَّشَهُّد وَعَنْ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة وَعَنْ السَّلَام.
أَمَّا الْإِقَامَة وَتَعْيِين الْفَاتِحَة فَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِمَا.
وَأَمَّا رَفْع الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْد جَمَاعَة الْعُلَمَاء وَعَامَّة الْفُقَهَاء ; لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة وَحَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع.
وَقَالَ دَاوُد وَبَعْض أَصْحَابه بِوُجُوبِ ذَلِكَ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : الرَّفْع عِنْد الْإِحْرَام وَعِنْد الرُّكُوع وَعِنْد الرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَاجِب، وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرْفَع يَدَيْهِ فَصَلَاته بَاطِلَة، وَهُوَ قَوْل الْحُمَيْدِيّ، وَرِوَايَة عَنْ الْأَوْزَاعِيّ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ.
قَالُوا : فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَل كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَل ; لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغ عَنْ اللَّه مُرَاده.
وَأَمَّا التَّكْبِير مَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَمَسْنُون عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور.
وَكَانَ اِبْن قَاسِم صَاحِب مَالِك يَقُول : مَنْ أَسْقَطَ مِنْ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة ثَلَاث تَكْبِيرَات فَمَا فَوْقهَا سَجَدَ قَبْل السَّلَام، وَإِنْ لَمْ يَسْجُد بَطَلَتْ صَلَاته، وَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَة وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ سَجَدَ أَيْضًا لِلسَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَة الْوَاحِدَة لَا سَهْو عَلَى مَنْ سَهَا فِيهَا.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عِظَم التَّكْبِير وَجُمْلَته عِنْده فَرْض، وَأَنَّ الْيَسِير مِنْهُ مُتَجَاوَز عَنْهُ.
وَقَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم : لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَبِّر فِي الصَّلَاة مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا شَيْء إِذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، فَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك التَّكْبِير عَامِدًا ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الصَّلَاة، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَصَلَاته مَاضِيَة.
قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الشَّافِعِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث وَالْمَالِكِيِّينَ غَيْر مَنْ ذَهَبَ مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب إِتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ) وَسَاقَ حَدِيث مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه قَالَ : صَلَّيْت خَلْف عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَا وَعِمْرَان بْن حُصَيْن، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة أَخَذَ بِيَدَيْ عِمْرَان بْن حُصَيْن فَقَالَ : لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ : لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدِيث عِكْرِمَة قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا عِنْد الْمَقَام يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْت اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمّ لَك فَدَلَّك الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذَا الْبَاب عَلَى أَنَّ التَّكْبِير لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدهمْ.
وَقَالَ دَاوُد وَبَعْض أَصْحَابه بِوُجُوبِ ذَلِكَ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : الرَّفْع عِنْد الْإِحْرَام وَعِنْد الرُّكُوع وَعِنْد الرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَاجِب، وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرْفَع يَدَيْهِ فَصَلَاته بَاطِلَة، وَهُوَ قَوْل الْحُمَيْدِيّ، وَرِوَايَة عَنْ الْأَوْزَاعِيّ.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ.
قَالُوا : فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَل كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَل ; لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغ عَنْ اللَّه مُرَاده.
وَأَمَّا التَّكْبِير مَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَمَسْنُون عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور.
وَكَانَ اِبْن قَاسِم صَاحِب مَالِك يَقُول : مَنْ أَسْقَطَ مِنْ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة ثَلَاث تَكْبِيرَات فَمَا فَوْقهَا سَجَدَ قَبْل السَّلَام، وَإِنْ لَمْ يَسْجُد بَطَلَتْ صَلَاته، وَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَة وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ سَجَدَ أَيْضًا لِلسَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَة الْوَاحِدَة لَا سَهْو عَلَى مَنْ سَهَا فِيهَا.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عِظَم التَّكْبِير وَجُمْلَته عِنْده فَرْض، وَأَنَّ الْيَسِير مِنْهُ مُتَجَاوَز عَنْهُ.
وَقَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم : لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَبِّر فِي الصَّلَاة مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا شَيْء إِذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، فَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك التَّكْبِير عَامِدًا ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الصَّلَاة، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَصَلَاته مَاضِيَة.
قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الشَّافِعِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث وَالْمَالِكِيِّينَ غَيْر مَنْ ذَهَبَ مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب إِتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ) وَسَاقَ حَدِيث مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه قَالَ : صَلَّيْت خَلْف عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَا وَعِمْرَان بْن حُصَيْن، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة أَخَذَ بِيَدَيْ عِمْرَان بْن حُصَيْن فَقَالَ : لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ : لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدِيث عِكْرِمَة قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا عِنْد الْمَقَام يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْت اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمّ لَك فَدَلَّك الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذَا الْبَاب عَلَى أَنَّ التَّكْبِير لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدهمْ.
رَوَى أَبُو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ يَزِيد بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَلِيّ يَوْم الْجَمَل صَلَاة أَذْكَرَنَا بِهَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع، وَقِيَام وَقُعُود، قَالَ أَبُو مُوسَى : فَإِمَّا نَسِينَاهَا وَإِمَّا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا.
قُلْت : أَتَرَاهُمْ أَعَادُوا الصَّلَاة ! فَكَيْفَ يُقَال مَنْ تَرَكَ التَّكْبِير بَطَلَتْ صَلَاته ! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْق بَيْن السُّنَّة وَالْفَرْض، وَالشَّيْء إِذَا لَمْ يَجِب أَفْرَاده لَمْ يَجِب جَمِيعه، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَأَمَّا التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَغَيْر وَاجِب عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَأَوْجَبَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهُ أَعَادَ الصَّلَاة ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَمَّا الرُّكُوع فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُود فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاء فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَاب لَكُمْ ).
وَأَمَّا الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْجُلُوس الْأَوَّل وَالتَّشَهُّد لَهُ سُنَّتَانِ.
وَأَوْجَبَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء الْجُلُوس الْأَوَّل وَقَالُوا : هُوَ مَخْصُوص مِنْ بَيْن سَائِر الْفُرُوض بِأَنْ يَنُوب عَنْهُ السُّجُود كَالْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَة، وَالْقِرَاض مِنْ الْإِجَارَات، وَكَالْوُقُوفِ بَعْد الْإِحْرَام لِمَنْ وَجَدَ الْإِمَام رَاكِعًا.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّة مَا كَانَ الْعَامِد لِتَرْكِهِ تَبْطُل صَلَاته كَمَا لَا تَبْطُل بِتَرْكِ سُنَن الصَّلَاة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهُ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَ مِنْ فَرَائِض الصَّلَاة لَرَجَعَ السَّاهِي عَنْهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي بِهِ، كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَة أَوْ رَكْعَة، وَيُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مِنْ الْوَلَاء وَالرُّتْبَة، ثُمَّ يَسْجُد لِسَهْوِهِ كَمَا يَصْنَع مَنْ تَرَكَ رَكْعَة أَوْ سَجْدَة وَأَتَى بِهِمَا.
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُحَيْنَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَنَسِيَ أَنْ يَتَشَهَّد فَسَبَّحَ النَّاس خَلْفه كَيْمَا يَجْلِس فَثَبَتَ قَائِمًا فَقَامُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْو قَبْل التَّسْلِيم، فَلَوْ كَانَ الْجُلُوس فَرْضًا لَمْ يُسْقِطهُ النِّسْيَان وَالسَّهْو، لِأَنَّ الْفَرَائِض فِي الصَّلَاة يَسْتَوِي فِي تَرْكهَا السَّهْو وَالْعَمْد إِلَّا فِي الْمُؤْتَمّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْم الْجُلُوس الْأَخِير فِي الصَّلَاة وَمَا الْغَرَض مِنْ ذَلِكَ.
وَهِيَ :- عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : أَحَدهَا : أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالتَّشَهُّد فَرْض وَالسَّلَام فَرْض.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة، وَحَكَاهُ أَبُو مُصْعَب فِي مُخْتَصَره عَنْ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة، وَبِهِ قَالَ دَاوُد.
قَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْو لِتَرْكِهِ.
وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَخِير سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ.
قُلْت : أَتَرَاهُمْ أَعَادُوا الصَّلَاة ! فَكَيْفَ يُقَال مَنْ تَرَكَ التَّكْبِير بَطَلَتْ صَلَاته ! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْق بَيْن السُّنَّة وَالْفَرْض، وَالشَّيْء إِذَا لَمْ يَجِب أَفْرَاده لَمْ يَجِب جَمِيعه، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَأَمَّا التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَغَيْر وَاجِب عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَأَوْجَبَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهُ أَعَادَ الصَّلَاة ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَمَّا الرُّكُوع فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُود فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاء فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَاب لَكُمْ ).
وَأَمَّا الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْجُلُوس الْأَوَّل وَالتَّشَهُّد لَهُ سُنَّتَانِ.
وَأَوْجَبَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء الْجُلُوس الْأَوَّل وَقَالُوا : هُوَ مَخْصُوص مِنْ بَيْن سَائِر الْفُرُوض بِأَنْ يَنُوب عَنْهُ السُّجُود كَالْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَة، وَالْقِرَاض مِنْ الْإِجَارَات، وَكَالْوُقُوفِ بَعْد الْإِحْرَام لِمَنْ وَجَدَ الْإِمَام رَاكِعًا.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّة مَا كَانَ الْعَامِد لِتَرْكِهِ تَبْطُل صَلَاته كَمَا لَا تَبْطُل بِتَرْكِ سُنَن الصَّلَاة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهُ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَ مِنْ فَرَائِض الصَّلَاة لَرَجَعَ السَّاهِي عَنْهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي بِهِ، كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَة أَوْ رَكْعَة، وَيُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مِنْ الْوَلَاء وَالرُّتْبَة، ثُمَّ يَسْجُد لِسَهْوِهِ كَمَا يَصْنَع مَنْ تَرَكَ رَكْعَة أَوْ سَجْدَة وَأَتَى بِهِمَا.
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُحَيْنَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَنَسِيَ أَنْ يَتَشَهَّد فَسَبَّحَ النَّاس خَلْفه كَيْمَا يَجْلِس فَثَبَتَ قَائِمًا فَقَامُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْو قَبْل التَّسْلِيم، فَلَوْ كَانَ الْجُلُوس فَرْضًا لَمْ يُسْقِطهُ النِّسْيَان وَالسَّهْو، لِأَنَّ الْفَرَائِض فِي الصَّلَاة يَسْتَوِي فِي تَرْكهَا السَّهْو وَالْعَمْد إِلَّا فِي الْمُؤْتَمّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْم الْجُلُوس الْأَخِير فِي الصَّلَاة وَمَا الْغَرَض مِنْ ذَلِكَ.
وَهِيَ :- عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : أَحَدهَا : أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالتَّشَهُّد فَرْض وَالسَّلَام فَرْض.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة، وَحَكَاهُ أَبُو مُصْعَب فِي مُخْتَصَره عَنْ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة، وَبِهِ قَالَ دَاوُد.
قَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْو لِتَرْكِهِ.
وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَخِير سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ بَيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة فَرْض ; لِأَنَّ أَصْل فَرْضِهَا مُجْمَل يَفْتَقِر إِلَى الْبَيَان إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ).
الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد وَالسَّلَام لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ سُنَّة مَسْنُونَة، هَذَا قَوْل بَعْض الْبَصْرِيِّينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيم بْن عُلَيَّة، وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة عَلَى الْأُولَى، فَخَالَفَ الْجُمْهُور وَشَذَّ، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَة عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلّه.
وَمِنْ حُجَّتهمْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا رَفَعَ الْإِمَام رَأْسه مِنْ آخِر سَجْدَة فِي صَلَاته ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) وَهُوَ حَدِيث لَا يَصِحّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُمَر، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس.
وَهَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا يُسْقِط السَّلَام لَا الْجُلُوس.
الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّ الْجُلُوس مِقْدَار التَّشَهُّد فَرْض، وَلَيْسَ التَّشَهُّد وَلَا السَّلَام بِوَاجِبٍ فَرْضًا.
قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الْإِفْرِيقِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا جَلَسَ أَحَدكُمْ فِي آخِر صَلَاته فَأَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام يُنْشِدنَا فِي الدَّرْس :
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَسَلَكَ بَعْض عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَرْعَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، أَمَّا أَحَدهمَا : فَرَوَى عَبْد الْمَلِك عَنْ عَبْد الْمَلِك أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَلَاعِبًا، فَخَرَجَ الْبَيَان أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَع أَنَّهُ يُجْزِئهُ، وَهَذَا مَذْهَب أَهْل الْعِرَاق بِعَيْنِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي : فَوَقَعَ فِي الْكُتُب الْمَنْبُوذَة أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَحْدَثَ بَعْد التَّشَهُّد مُتَعَمِّدًا وَقَبْل السَّلَام أَنَّهُ يُجْزِئ مَنْ خَلْفه، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَت إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَإِنْ عَمَرَتْ بِهِ الْمَجَالِس لِلذِّكْرَى.
الْقَوْل الرَّابِع أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالسَّلَام فَرْض، وَلَيْسَ التَّشَهُّد بِوَاجِبٍ.
وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مَالِك بْن أَنَس وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة.
وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ شَيْء مِنْ الذِّكْر يَجِب إِلَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن.
الْقَوْل الْخَامِس أَنَّ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس وَاجِبَانِ، وَلَيْسَ السَّلَام بِوَاجِبٍ، قَالَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَاحْتَجَّ إِسْحَاق بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود حِين عَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّد وَقَالَ لَهُ :( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك وَقَضَيْت مَا عَلَيْك ).
الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد وَالسَّلَام لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ سُنَّة مَسْنُونَة، هَذَا قَوْل بَعْض الْبَصْرِيِّينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيم بْن عُلَيَّة، وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة عَلَى الْأُولَى، فَخَالَفَ الْجُمْهُور وَشَذَّ، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَة عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلّه.
وَمِنْ حُجَّتهمْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا رَفَعَ الْإِمَام رَأْسه مِنْ آخِر سَجْدَة فِي صَلَاته ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) وَهُوَ حَدِيث لَا يَصِحّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُمَر، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس.
وَهَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا يُسْقِط السَّلَام لَا الْجُلُوس.
الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّ الْجُلُوس مِقْدَار التَّشَهُّد فَرْض، وَلَيْسَ التَّشَهُّد وَلَا السَّلَام بِوَاجِبٍ فَرْضًا.
قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الْإِفْرِيقِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا جَلَسَ أَحَدكُمْ فِي آخِر صَلَاته فَأَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام يُنْشِدنَا فِي الدَّرْس :
| وَيَرَى الْخُرُوج مِنْ الصَّلَاة بِضَرْطَةٍ | أَيْنَ الضُّرَاط مِنْ السَّلَام عَلَيْكُمْ |
وَأَمَّا الثَّانِي : فَوَقَعَ فِي الْكُتُب الْمَنْبُوذَة أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَحْدَثَ بَعْد التَّشَهُّد مُتَعَمِّدًا وَقَبْل السَّلَام أَنَّهُ يُجْزِئ مَنْ خَلْفه، وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَت إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَإِنْ عَمَرَتْ بِهِ الْمَجَالِس لِلذِّكْرَى.
الْقَوْل الرَّابِع أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالسَّلَام فَرْض، وَلَيْسَ التَّشَهُّد بِوَاجِبٍ.
وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مَالِك بْن أَنَس وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة.
وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ شَيْء مِنْ الذِّكْر يَجِب إِلَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن.
الْقَوْل الْخَامِس أَنَّ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس وَاجِبَانِ، وَلَيْسَ السَّلَام بِوَاجِبٍ، قَالَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَاحْتَجَّ إِسْحَاق بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود حِين عَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّد وَقَالَ لَهُ :( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك وَقَضَيْت مَا عَلَيْك ).
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : قَوْله ( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك ) أَدْرَجَهُ بَعْضهمْ عَنْ زُهَيْر فِي الْحَدِيث، وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَصَلَهُ شَبَابَة عَنْ زُهَيْر وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود، وَقَوْله أَشْبَه بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَشَبَابَة ثِقَة.
وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّان بْن الرَّبِيع عَلَى ذَلِكَ، جَعَلَ آخِر الْحَدِيث مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود وَلَمْ يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّلَام، فَقِيلَ : وَاجِب، وَقِيلَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَالصَّحِيح وُجُوبه لِحَدِيثِ عَائِشَة وَحَدِيث عَلِيّ الصَّحِيح خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مِفْتَاح الصَّلَاة الطَّهُور وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي إِيجَاب التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئ عَنْهُمَا غَيْرهمَا كَمَا لَا يُجْزِئ عَنْ الطَّهَارَة غَيْرهَا بِاتِّفَاقٍ.
قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ : لَوْ اِفْتَتَحَ رَجُل صَلَاته بِسَبْعِينَ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُكَبِّر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا تَصْحِيح مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ لِحَدِيثِ عَلِيّ، وَهُوَ إِمَام فِي عِلْم الْحَدِيث وَمَعْرِفَة صَحِيحه مِنْ سَقِيمه.
وَحَسْبك بِهِ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب التَّكْبِير عِنْد الِافْتِتَاح وَهِيَ : فَقَالَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن وَطَائِفَة : تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الْمَأْمُوم مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل، وَالصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه إِيجَاب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَأَنَّهَا فَرْض وَرُكْن مِنْ أَرْكَان الصَّلَاة، وَهُوَ الصَّوَاب وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَكُلّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَمَحْجُوج بِالسُّنَّةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّفْظ الَّذِي يَدْخُل بِهِ فِي الصَّلَاة، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : لَا يُجْزِئ إِلَّا التَّكْبِير، لَا يُجْزِئ مِنْهُ تَهْلِيل وَلَا تَسْبِيح وَلَا تَعْظِيم وَلَا تَحْمِيد.
هَذَا قَوْل الْحِجَازِيِّينَ وَأَكْثَر الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِلَّا " اللَّه أَكْبَر " لَا غَيْر ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَزَادَ : وَيُجْزِئ " اللَّه الْأَكْبَر " وَ " اللَّه الْكَبِير " وَالْحُجَّة لِمَالِك حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَة بِـ " الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ".
وَحَدِيث عَلِيّ : وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير.
وَحَدِيث الْأَعْرَابِيّ : فَكَبِّرْ.
وَشَبَابَة ثِقَة.
وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّان بْن الرَّبِيع عَلَى ذَلِكَ، جَعَلَ آخِر الْحَدِيث مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود وَلَمْ يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّلَام، فَقِيلَ : وَاجِب، وَقِيلَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَالصَّحِيح وُجُوبه لِحَدِيثِ عَائِشَة وَحَدِيث عَلِيّ الصَّحِيح خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مِفْتَاح الصَّلَاة الطَّهُور وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي إِيجَاب التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئ عَنْهُمَا غَيْرهمَا كَمَا لَا يُجْزِئ عَنْ الطَّهَارَة غَيْرهَا بِاتِّفَاقٍ.
قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ : لَوْ اِفْتَتَحَ رَجُل صَلَاته بِسَبْعِينَ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُكَبِّر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا تَصْحِيح مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ لِحَدِيثِ عَلِيّ، وَهُوَ إِمَام فِي عِلْم الْحَدِيث وَمَعْرِفَة صَحِيحه مِنْ سَقِيمه.
وَحَسْبك بِهِ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب التَّكْبِير عِنْد الِافْتِتَاح وَهِيَ : فَقَالَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن وَطَائِفَة : تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الْمَأْمُوم مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل، وَالصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه إِيجَاب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَأَنَّهَا فَرْض وَرُكْن مِنْ أَرْكَان الصَّلَاة، وَهُوَ الصَّوَاب وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَكُلّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَمَحْجُوج بِالسُّنَّةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّفْظ الَّذِي يَدْخُل بِهِ فِي الصَّلَاة، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : لَا يُجْزِئ إِلَّا التَّكْبِير، لَا يُجْزِئ مِنْهُ تَهْلِيل وَلَا تَسْبِيح وَلَا تَعْظِيم وَلَا تَحْمِيد.
هَذَا قَوْل الْحِجَازِيِّينَ وَأَكْثَر الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِلَّا " اللَّه أَكْبَر " لَا غَيْر ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَزَادَ : وَيُجْزِئ " اللَّه الْأَكْبَر " وَ " اللَّه الْكَبِير " وَالْحُجَّة لِمَالِك حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَة بِـ " الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ".
وَحَدِيث عَلِيّ : وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير.
وَحَدِيث الْأَعْرَابِيّ : فَكَبِّرْ.
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَعَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ حَدَّثَنِي عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد اِبْن عَمْرو بْن عَطَاء، قَالَ سَمِعْت أَبَا حُمَيْد السَّاعِدِيّ يَقُول : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :" اللَّه أَكْبَر " وَهَذَا نَصّ صَرِيح وَحَدِيث صَحِيح فِي تَعْيِين لَفْظ التَّكْبِير، قَالَ الشَّاعِر :
ثُمَّ إِنَّهُ يَتَضَمَّن الْقِدَم، وَلَيْسَ يَتَضَمَّنهُ كَبِير وَلَا عَظِيم، فَكَانَ أَبْلَغ فِي الْمَعْنَى، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ اِفْتَتَحَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُجْزِيه، وَإِنْ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف : لَا يُجْزِئهُ إِذَا كَانَ يُحْسِن التَّكْبِير.
وَكَانَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة يَقُول : إِذَا ذَكَرَ اللَّه مَكَان التَّكْبِير أَجْزَأَهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَمهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَة فَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَلَمْ يَقْرَأ أَنَّ صَلَاته فَاسِدَة، فَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبه فَاللَّازِم لَهُ أَنْ يَقُول لَا يُجْزِيه مَكَان التَّكْبِير غَيْره، كَمَا لَا يُجْزِئ مَكَان الْقِرَاءَة غَيْرهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُجْزِئهُ التَّكْبِير بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِن الْعَرَبِيَّة.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ جَمَاعَات الْمُسْلِمِينَ، وَخِلَاف مَا عَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته، وَلَا نَعْلَم أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى مَا قَالَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى وُجُوب النِّيَّة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَابنَا يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آيَة الطَّهَارَة، وَحَقِيقَتهَا قَصْد التَّقَرُّب إِلَى الْآمِر بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوب مِنْهُ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَصْل فِي كُلّ نِيَّة أَنْ يَكُون عَقْدهَا مَعَ التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ الْمَنْوِيّ بِهَا، أَوْ قَبْل ذَلِكَ بِشَرْطِ اِسْتِصْحَابهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّة وَطَرَأَتْ غَفْلَة فَوَقَعَ التَّلَبُّس بِالْعِبَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَة لَمْ يُعْتَدّ بِهَا، كَمَا لَا يُعْتَدّ بِالنِّيَّةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْد التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ، وَقَدْ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمهَا فِي الصَّوْم لِعِظَمِ الْحَرَج فِي اِقْتِرَانهَا بِأَوَّلِهِ.
| رَأَيْت اللَّه أَكْبَر كُلّ شَيْء | مُحَاوَلَة وَأَعْظَمه جُنُودَا |
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ اِفْتَتَحَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُجْزِيه، وَإِنْ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف : لَا يُجْزِئهُ إِذَا كَانَ يُحْسِن التَّكْبِير.
وَكَانَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة يَقُول : إِذَا ذَكَرَ اللَّه مَكَان التَّكْبِير أَجْزَأَهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَمهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَة فَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَلَمْ يَقْرَأ أَنَّ صَلَاته فَاسِدَة، فَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبه فَاللَّازِم لَهُ أَنْ يَقُول لَا يُجْزِيه مَكَان التَّكْبِير غَيْره، كَمَا لَا يُجْزِئ مَكَان الْقِرَاءَة غَيْرهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُجْزِئهُ التَّكْبِير بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِن الْعَرَبِيَّة.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ جَمَاعَات الْمُسْلِمِينَ، وَخِلَاف مَا عَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته، وَلَا نَعْلَم أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى مَا قَالَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى وُجُوب النِّيَّة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَابنَا يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آيَة الطَّهَارَة، وَحَقِيقَتهَا قَصْد التَّقَرُّب إِلَى الْآمِر بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوب مِنْهُ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَصْل فِي كُلّ نِيَّة أَنْ يَكُون عَقْدهَا مَعَ التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ الْمَنْوِيّ بِهَا، أَوْ قَبْل ذَلِكَ بِشَرْطِ اِسْتِصْحَابهَا، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّة وَطَرَأَتْ غَفْلَة فَوَقَعَ التَّلَبُّس بِالْعِبَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَة لَمْ يُعْتَدّ بِهَا، كَمَا لَا يُعْتَدّ بِالنِّيَّةِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْد التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ، وَقَدْ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمهَا فِي الصَّوْم لِعِظَمِ الْحَرَج فِي اِقْتِرَانهَا بِأَوَّلِهِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَالَ لَنَا أَبُو الْحَسَن الْقَرَوِيّ بِثَغْرِ عَسْقَلَان : سَمِعْت إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول : يُحْضِر الْإِنْسَان عِنْد التَّلَبُّس بِالصَّلَاةِ النِّيَّة، وَيُجَرِّد النَّظَر فِي الصَّانِع وَحُدُوث الْعَالَم وَالنُّبُوَّات حَتَّى يَنْتَهِي نَظَره إِلَى نِيَّة الصَّلَاة، قَالَ : وَلَا يَحْتَاج ذَلِكَ إِلَى زَمَان طَوِيل، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ فِي أَوْحَى لَحْظَة ; لِأَنَّ تَعْلِيم الْجُمَل يَفْتَقِر إِلَى الزَّمَان الطَّوِيل، وَتَذْكَارهَا يَكُون فِي لَحْظَة، وَمِنْ تَمَام النِّيَّة أَنْ تَكُون مُسْتَصْحَبَة عَلَى الصَّلَاة كُلّهَا، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ سَمَحَ الشَّرْع فِي عُزُوب النِّيَّة فِي أَثْنَائِهَا.
سَمِعْت شَيْخنَا أَبَا بَكْر الْفِهْرِيّ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يَقُول قَالَ مُحَمَّد بْن سَحْنُون : رَأَيْت أَبِي سَحْنُون رُبَّمَا يُكْمِل الصَّلَاة فَيُعِيدهَا، فَقُلْت لَهُ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : عَزَبَتْ نِيَّتِي فِي أَثْنَائِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَعَدْتهَا.
قُلْت : فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ أَحْكَام الصَّلَاة، وَسَائِر أَحْكَامهَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا مِنْ هَذَا الْكِتَاب بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى، فَيَأْتِي ذِكْر الرُّكُوع وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَالْقِبْلَة وَالْمُبَادَرَة إِلَى الْأَوْقَات، وَبَعْض صَلَاة الْخَوْف فِي هَذِهِ السُّورَة، وَيَأْتِي ذِكْر قَصْر الصَّلَاة وَصَلَاة الْخَوْف، فِي " النِّسَاء " وَالْأَوْقَات فِي " هُود وَسُبْحَان وَالرُّوم " وَصَلَاة اللَّيْل فِي " الْمُزَّمِّل " وَسُجُود التِّلَاوَة فِي " الْأَعْرَاف " وَسُجُود الشُّكْر فِي " ص " كُلّ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
سَمِعْت شَيْخنَا أَبَا بَكْر الْفِهْرِيّ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يَقُول قَالَ مُحَمَّد بْن سَحْنُون : رَأَيْت أَبِي سَحْنُون رُبَّمَا يُكْمِل الصَّلَاة فَيُعِيدهَا، فَقُلْت لَهُ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : عَزَبَتْ نِيَّتِي فِي أَثْنَائِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَعَدْتهَا.
قُلْت : فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ أَحْكَام الصَّلَاة، وَسَائِر أَحْكَامهَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا مِنْ هَذَا الْكِتَاب بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى، فَيَأْتِي ذِكْر الرُّكُوع وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَالْقِبْلَة وَالْمُبَادَرَة إِلَى الْأَوْقَات، وَبَعْض صَلَاة الْخَوْف فِي هَذِهِ السُّورَة، وَيَأْتِي ذِكْر قَصْر الصَّلَاة وَصَلَاة الْخَوْف، فِي " النِّسَاء " وَالْأَوْقَات فِي " هُود وَسُبْحَان وَالرُّوم " وَصَلَاة اللَّيْل فِي " الْمُزَّمِّل " وَسُجُود التِّلَاوَة فِي " الْأَعْرَاف " وَسُجُود الشُّكْر فِي " ص " كُلّ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
رَزَقْنَاهُمْ : أَعْطَيْنَاهُمْ، وَالرِّزْق عِنْد أَهْل السُّنَّة مَا صَحَّ الِانْتِفَاع بِهِ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ : إِنَّ الْحَرَام لَيْسَ بِرِزْقٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحّ تَمَلُّكه، وَأَنَّ اللَّه لَا يَرْزُق الْحَرَام وَإِنَّمَا يَرْزُق الْحَلَال، وَالرِّزْق لَا يَكُون إِلَّا بِمَعْنَى الْمِلْك.
قَالُوا : فَلَوْ نَشَأَ صَبِيّ مَعَ اللُّصُوص وَلَمْ يَأْكُل شَيْئًا إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ اللُّصُوص إِلَى أَنْ بَلَغَ وَقَوِيَ وَصَارَ لِصًّا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَتَلَصَّص وَيَأْكُل مَا تَلَصَّصَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَرْزُقهُ شَيْئًا إِذْ لَمْ يُمَلِّكهُ، وَإِنَّهُ يَمُوت وَلَمْ يَأْكُل مِنْ رِزْق اللَّه شَيْئًا.
وَهَذَا فَاسِد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّ الرِّزْق لَوْ كَانَ بِمَعْنَى التَّمْلِيك لَوَجَبَ أَلَّا يَكُون الطِّفْل مَرْزُوقًا، وَلَا الْبَهَائِم الَّتِي تَرْتَع فِي الصَّحْرَاء، وَلَا السِّخَال مِنْ الْبَهَائِم ; لِأَنَّ لَبَن أُمَّهَاتهَا مِلْك لِصَاحِبِهَا دُون السِّخَال.
وَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الطِّفْل وَالسِّخَال وَالْبَهَائِم مَرْزُوقُونَ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْزُقهُمْ مَعَ كَوْنهمْ غَيْر مَالِكِينَ عُلِمَ أَنَّ الرِّزْق هُوَ الْغِذَاء وَلِأَنَّ الْأُمَّة مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء مَرْزُوقُونَ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْزُقهُمْ مَعَ كَوْنهمْ غَيْر مَالِكِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الرِّزْق مَا قُلْنَاهُ لَا مَا قَالُوهُ.
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا رَازِق سِوَاهُ قَوْله الْحَقّ :" هَلْ مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه يَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض " [ فَاطِر : ٣ ] وَقَالَ :" إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة الْمَتِين " [ الذَّارِيَات : ٥٨ ] وَقَالَ :" وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : ٦ ] وَهَذَا قَاطِع، فَاَللَّه تَعَالَى رَازِق حَقِيقَة وَابْن آدَم رَازِق تَجَوُّزًا ; لِأَنَّهُ يَمْلِك مِلْكًا مُنْتَزَعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْفَاتِحَة، مَرْزُوق حَقِيقَة كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا مِلْك لَهَا، إِلَّا أَنَّ الشَّيْء إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي تَنَاوُله فَهُوَ حَلَال حُكْمًا، وَمَا كَانَ مِنْهُ غَيْر مَأْذُون لَهُ فِي تَنَاوُله فَهُوَ حَرَام حُكْمًا، وَجَمِيع ذَلِكَ رِزْق.
وَقَدْ خَرَّجَ بَعْض النُّبَلَاء مِنْ قَوْله تَعَالَى :" كُلُوا مِنْ رِزْق رَبّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طَيِّبَة وَرَبّ غَفُور " [ سَبَأ : ١٥ ] فَقَالَ : ذِكْر الْمَغْفِرَة يُشِير إِلَى أَنَّ الرِّزْق قَدْ يَكُون فِيهِ حَرَام.
قَوْله تَعَالَى :" وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ " الرِّزْق مَصْدَر رَزَقَ يَرْزُق رَزْقًا وَرِزْقًا، فَالرَّزْق بِالْفَتْحِ الْمَصْدَر، وَبِالْكَسْرِ الِاسْم، وَجَمْعه أَرْزَاق، وَالرِّزْق : الْعَطَاء.
وَالرَّازِقِيَّة : ثِيَاب كَتَّان بِيض.
وَارْتَزَقَ الْجُنْد : أَخَذُوا أَرْزَاقهمْ.
وَالرَّزْقَة : الْمَرَّة الْوَاحِدَة، هَكَذَا قَالَ أَهْل اللُّغَة.
وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الرِّزْق بِلُغَةِ أَزْدِ شَنُوءَة : الشُّكْر، وَهُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " [ الْوَاقِعَة : ٨٢ ] أَيْ شُكْركُمْ التَّكْذِيب.
وَيَقُول : رَزَقَنِي أَيْ شَكَرَنِي.
رَزَقْنَاهُمْ : أَعْطَيْنَاهُمْ، وَالرِّزْق عِنْد أَهْل السُّنَّة مَا صَحَّ الِانْتِفَاع بِهِ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ : إِنَّ الْحَرَام لَيْسَ بِرِزْقٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحّ تَمَلُّكه، وَأَنَّ اللَّه لَا يَرْزُق الْحَرَام وَإِنَّمَا يَرْزُق الْحَلَال، وَالرِّزْق لَا يَكُون إِلَّا بِمَعْنَى الْمِلْك.
قَالُوا : فَلَوْ نَشَأَ صَبِيّ مَعَ اللُّصُوص وَلَمْ يَأْكُل شَيْئًا إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ اللُّصُوص إِلَى أَنْ بَلَغَ وَقَوِيَ وَصَارَ لِصًّا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَتَلَصَّص وَيَأْكُل مَا تَلَصَّصَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَرْزُقهُ شَيْئًا إِذْ لَمْ يُمَلِّكهُ، وَإِنَّهُ يَمُوت وَلَمْ يَأْكُل مِنْ رِزْق اللَّه شَيْئًا.
وَهَذَا فَاسِد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّ الرِّزْق لَوْ كَانَ بِمَعْنَى التَّمْلِيك لَوَجَبَ أَلَّا يَكُون الطِّفْل مَرْزُوقًا، وَلَا الْبَهَائِم الَّتِي تَرْتَع فِي الصَّحْرَاء، وَلَا السِّخَال مِنْ الْبَهَائِم ; لِأَنَّ لَبَن أُمَّهَاتهَا مِلْك لِصَاحِبِهَا دُون السِّخَال.
وَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الطِّفْل وَالسِّخَال وَالْبَهَائِم مَرْزُوقُونَ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْزُقهُمْ مَعَ كَوْنهمْ غَيْر مَالِكِينَ عُلِمَ أَنَّ الرِّزْق هُوَ الْغِذَاء وَلِأَنَّ الْأُمَّة مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء مَرْزُوقُونَ، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْزُقهُمْ مَعَ كَوْنهمْ غَيْر مَالِكِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الرِّزْق مَا قُلْنَاهُ لَا مَا قَالُوهُ.
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا رَازِق سِوَاهُ قَوْله الْحَقّ :" هَلْ مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه يَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض " [ فَاطِر : ٣ ] وَقَالَ :" إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة الْمَتِين " [ الذَّارِيَات : ٥٨ ] وَقَالَ :" وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : ٦ ] وَهَذَا قَاطِع، فَاَللَّه تَعَالَى رَازِق حَقِيقَة وَابْن آدَم رَازِق تَجَوُّزًا ; لِأَنَّهُ يَمْلِك مِلْكًا مُنْتَزَعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْفَاتِحَة، مَرْزُوق حَقِيقَة كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا مِلْك لَهَا، إِلَّا أَنَّ الشَّيْء إِذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي تَنَاوُله فَهُوَ حَلَال حُكْمًا، وَمَا كَانَ مِنْهُ غَيْر مَأْذُون لَهُ فِي تَنَاوُله فَهُوَ حَرَام حُكْمًا، وَجَمِيع ذَلِكَ رِزْق.
وَقَدْ خَرَّجَ بَعْض النُّبَلَاء مِنْ قَوْله تَعَالَى :" كُلُوا مِنْ رِزْق رَبّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَة طَيِّبَة وَرَبّ غَفُور " [ سَبَأ : ١٥ ] فَقَالَ : ذِكْر الْمَغْفِرَة يُشِير إِلَى أَنَّ الرِّزْق قَدْ يَكُون فِيهِ حَرَام.
قَوْله تَعَالَى :" وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ " الرِّزْق مَصْدَر رَزَقَ يَرْزُق رَزْقًا وَرِزْقًا، فَالرَّزْق بِالْفَتْحِ الْمَصْدَر، وَبِالْكَسْرِ الِاسْم، وَجَمْعه أَرْزَاق، وَالرِّزْق : الْعَطَاء.
وَالرَّازِقِيَّة : ثِيَاب كَتَّان بِيض.
وَارْتَزَقَ الْجُنْد : أَخَذُوا أَرْزَاقهمْ.
وَالرَّزْقَة : الْمَرَّة الْوَاحِدَة، هَكَذَا قَالَ أَهْل اللُّغَة.
وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : الرِّزْق بِلُغَةِ أَزْدِ شَنُوءَة : الشُّكْر، وَهُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَتَجْعَلُونَ رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " [ الْوَاقِعَة : ٨٢ ] أَيْ شُكْركُمْ التَّكْذِيب.
وَيَقُول : رَزَقَنِي أَيْ شَكَرَنِي.
قَوْله تَعَالَى :" يُنْفِقُونَ " يُنْفِقُونَ : يُخْرِجُونَ.
وَالْإِنْفَاق : إِخْرَاج الْمَال مِنْ الْيَد، وَمِنْهُ نَفَقَ الْبَيْع : أَيْ خَرَجَ مِنْ يَد الْبَائِع إِلَى الْمُشْتَرِي.
وَنَفَقَتْ الدَّابَّة : خَرَجَتْ رُوحهَا، وَمِنْهُ النَّافِقَاء لِجُحْرِ الْيَرْبُوع الَّذِي يَخْرُج مِنْهُ إِذَا أُخِذَ مِنْ جِهَة أُخْرَى.
وَمِنْهُ الْمُنَافِق ; لِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْ الْإِيمَان أَوْ يَخْرُج الْإِيمَان مِنْ قَلْبه.
وَنَيْفَق السَّرَاوِيل مَعْرُوفَة وَهُوَ مَخْرَج الرِّجْل مِنْهَا.
وَنَفِقَ الزَّاد : فَنِيَ وَأَنْفَقَهُ صَاحِبه.
وَأَنْفَقَ الْقَوْم : فَنِيَ زَادهمْ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَة الْإِنْفَاق " [ الْإِسْرَاء : ١٠٠ ].
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالنَّفَقَةِ هَاهُنَا، فَقِيلَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة - رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس - لِمُقَارَنَتِهَا الصَّلَاة.
وَقِيلَ : نَفَقَة الرَّجُل عَلَى أَهْله - رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود - لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَل النَّفَقَة.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( دِينَار أَنْفَقْته فِي سَبِيل اللَّه وَدِينَار أَنْفَقْته فِي رَقَبَة وَدِينَار تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِين وَدِينَار أَنْفَقْته عَلَى أَهْلك أَعْظَمهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلك ).
وَرُوِيَ عَنْ سَلَّام قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَفْضَل دِينَار يُنْفِقهُ الرَّجُل دِينَار يُنْفِقهُ عَلَى عِيَاله وَدِينَار يُنْفِقهُ الرَّجُل عَلَى دَابَّته فِي سَبِيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَدِينَار يُنْفِقهُ عَلَى أَصْحَابه فِي سَبِيل اللَّه ) قَالَ أَبُو قِلَابَة : وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ [ ثُمَّ ] قَالَ أَبُو قِلَابَة : وَأَيّ رَجُل أَعْظَم أَجْرًا مِنْ رَجُل يُنْفِق عَلَى عِيَال صِغَار يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعهُمْ اللَّه بِهِ وَيُغْنِيهِمْ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد صَدَقَة التَّطَوُّع - رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك نَظَرًا إِلَى أَنَّ الزَّكَاة لَا تَأْتِي إِلَّا بِلَفْظِهَا الْمُخْتَصّ بِهَا وَهُوَ الزَّكَاة، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظِ غَيْر الزَّكَاة اِحْتَمَلَتْ الْفَرْض وَالتَّطَوُّع، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِنْفَاق لَمْ تَكُنْ إِلَّا التَّطَوُّع.
قَالَ الضَّحَّاك : كَانَتْ النَّفَقَة قُرْبَانًا يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَدْر جِدَّتهمْ حَتَّى نَزَلَتْ فَرَائِض الصَّدَقَات وَالنَّاسِخَات فِي " بَرَاءَة ".
وَقِيلَ : إِنَّهُ الْحُقُوق الْوَاجِبَة الْعَارِضَة فِي الْأَمْوَال مَا عَدَا الزَّكَاة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ كَانَ فَرْضًا، وَلَمَّا عَدَلَ عَنْ لَفْظهَا كَانَ فَرْضًا سِوَاهَا.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح فِي الْإِنْفَاق مِمَّا رُزِقُوا، وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْحَلَال، أَيْ يُؤْتُونَ مَا أَلْزَمَهُمْ الشَّرْع مِنْ زَكَاة وَغَيْرهَا مِمَّا يَعِنّ فِي بَعْض الْأَحْوَال مَعَ مَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : الْإِيمَان بِالْغَيْبِ حَظّ الْقَلْب.
وَإِقَام الصَّلَاة حَظّ الْبَدَن.
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ حَظّ الْمَال، وَهَذَا ظَاهِر.
وَالْإِنْفَاق : إِخْرَاج الْمَال مِنْ الْيَد، وَمِنْهُ نَفَقَ الْبَيْع : أَيْ خَرَجَ مِنْ يَد الْبَائِع إِلَى الْمُشْتَرِي.
وَنَفَقَتْ الدَّابَّة : خَرَجَتْ رُوحهَا، وَمِنْهُ النَّافِقَاء لِجُحْرِ الْيَرْبُوع الَّذِي يَخْرُج مِنْهُ إِذَا أُخِذَ مِنْ جِهَة أُخْرَى.
وَمِنْهُ الْمُنَافِق ; لِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْ الْإِيمَان أَوْ يَخْرُج الْإِيمَان مِنْ قَلْبه.
وَنَيْفَق السَّرَاوِيل مَعْرُوفَة وَهُوَ مَخْرَج الرِّجْل مِنْهَا.
وَنَفِقَ الزَّاد : فَنِيَ وَأَنْفَقَهُ صَاحِبه.
وَأَنْفَقَ الْقَوْم : فَنِيَ زَادهمْ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَة الْإِنْفَاق " [ الْإِسْرَاء : ١٠٠ ].
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالنَّفَقَةِ هَاهُنَا، فَقِيلَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة - رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس - لِمُقَارَنَتِهَا الصَّلَاة.
وَقِيلَ : نَفَقَة الرَّجُل عَلَى أَهْله - رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود - لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَل النَّفَقَة.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( دِينَار أَنْفَقْته فِي سَبِيل اللَّه وَدِينَار أَنْفَقْته فِي رَقَبَة وَدِينَار تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِين وَدِينَار أَنْفَقْته عَلَى أَهْلك أَعْظَمهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلك ).
وَرُوِيَ عَنْ سَلَّام قَالَ، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَفْضَل دِينَار يُنْفِقهُ الرَّجُل دِينَار يُنْفِقهُ عَلَى عِيَاله وَدِينَار يُنْفِقهُ الرَّجُل عَلَى دَابَّته فِي سَبِيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَدِينَار يُنْفِقهُ عَلَى أَصْحَابه فِي سَبِيل اللَّه ) قَالَ أَبُو قِلَابَة : وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ [ ثُمَّ ] قَالَ أَبُو قِلَابَة : وَأَيّ رَجُل أَعْظَم أَجْرًا مِنْ رَجُل يُنْفِق عَلَى عِيَال صِغَار يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعهُمْ اللَّه بِهِ وَيُغْنِيهِمْ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد صَدَقَة التَّطَوُّع - رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك نَظَرًا إِلَى أَنَّ الزَّكَاة لَا تَأْتِي إِلَّا بِلَفْظِهَا الْمُخْتَصّ بِهَا وَهُوَ الزَّكَاة، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظِ غَيْر الزَّكَاة اِحْتَمَلَتْ الْفَرْض وَالتَّطَوُّع، فَإِذَا جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِنْفَاق لَمْ تَكُنْ إِلَّا التَّطَوُّع.
قَالَ الضَّحَّاك : كَانَتْ النَّفَقَة قُرْبَانًا يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَدْر جِدَّتهمْ حَتَّى نَزَلَتْ فَرَائِض الصَّدَقَات وَالنَّاسِخَات فِي " بَرَاءَة ".
وَقِيلَ : إِنَّهُ الْحُقُوق الْوَاجِبَة الْعَارِضَة فِي الْأَمْوَال مَا عَدَا الزَّكَاة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّلَاةِ كَانَ فَرْضًا، وَلَمَّا عَدَلَ عَنْ لَفْظهَا كَانَ فَرْضًا سِوَاهَا.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح فِي الْإِنْفَاق مِمَّا رُزِقُوا، وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْحَلَال، أَيْ يُؤْتُونَ مَا أَلْزَمَهُمْ الشَّرْع مِنْ زَكَاة وَغَيْرهَا مِمَّا يَعِنّ فِي بَعْض الْأَحْوَال مَعَ مَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : الْإِيمَان بِالْغَيْبِ حَظّ الْقَلْب.
وَإِقَام الصَّلَاة حَظّ الْبَدَن.
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ حَظّ الْمَال، وَهَذَا ظَاهِر.
وَقَالَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " أَيْ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يُعَلِّمُونَ، حَكَاهُ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم بْن عَبْد الْكَرِيم الْقُشَيْرِيّ.
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
قِيلَ : الْمُرَاد مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب، كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَفِيهِ نَزَلَتْ، وَنَزَلَتْ الْأُولَى فِي مُؤْمِنِي الْعَرَب.
وَقِيلَ : الْآيَتَانِ جَمِيعًا فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَيْهِ فَإِعْرَاب " الَّذِينَ " خَفْض عَلَى الْعَطْف، وَيَصِحّ أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي صِنْفَيْنِ فَإِعْرَاب " الَّذِينَ " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَره " أُولَئِكَ عَلَى هُدًى " وَيُحْتَمَل الْخَفْض عَطْفًا.
قِيلَ : الْمُرَاد مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب، كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَفِيهِ نَزَلَتْ، وَنَزَلَتْ الْأُولَى فِي مُؤْمِنِي الْعَرَب.
وَقِيلَ : الْآيَتَانِ جَمِيعًا فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَيْهِ فَإِعْرَاب " الَّذِينَ " خَفْض عَلَى الْعَطْف، وَيَصِحّ أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي صِنْفَيْنِ فَإِعْرَاب " الَّذِينَ " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَره " أُولَئِكَ عَلَى هُدًى " وَيُحْتَمَل الْخَفْض عَطْفًا.
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
يَعْنِي الْقُرْآن
يَعْنِي الْقُرْآن
وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يَعْنِي الْكُتُب السَّالِفَة، بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَسَب مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي قَوْله :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا " [ الْبَقَرَة : ٩١ ] الْآيَة.
وَيُقَال : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " قَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : نَحْنُ آمَنَّا بِالْغَيْبِ، فَلَمَّا قَالَ :" وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة " [ الْبَقَرَة : ٣ ] قَالُوا : نَحْنُ نُقِيم الصَّلَاة، فَلَمَّا قَالَ " وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " قَالُوا : نَحْنُ نُنْفِق وَنَتَصَدَّق، فَلَمَّا قَالَ :" وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك " نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه كَمْ كِتَابًا أَنْزَلَ اللَّه ؟ قَالَ :( مِائَة كِتَاب وَأَرْبَعَة كُتُب أَنْزَلَ اللَّه عَلَى شِيث خَمْسِينَ صَحِيفَة وَعَلَى أَخْنُوع ثَلَاثِينَ صَحِيفَة وَعَلَى إِبْرَاهِيم عَشْر صَحَائِف وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى قَبْل التَّوْرَاة عَشْر صَحَائِف وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان ).
الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْحُسَيْن الْآجُرِّيّ وَأَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ.
وَهُنَا مَسْأَلَة : إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْف يُمْكِن الْإِيمَان بِجَمِيعِهَا مَعَ تَنَافِي أَحْكَامهَا ؟ قِيلَ لَهُ فِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا - أَنَّ الْإِيمَان بِأَنَّ جَمِيعهَا نَزَلَ مِنْ عِنْد اللَّه، وَهُوَ قَوْل مَنْ أَسْقَطَ التَّعَبُّد بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِع.
الثَّانِي - أَنَّ الْإِيمَان بِمَا لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْل مَنْ أَوْجَبَ اِلْتِزَام الشَّرَائِع الْمُتَقَدِّمَة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
يَعْنِي الْكُتُب السَّالِفَة، بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَسَب مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ فِي قَوْله :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا " [ الْبَقَرَة : ٩١ ] الْآيَة.
وَيُقَال : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " قَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : نَحْنُ آمَنَّا بِالْغَيْبِ، فَلَمَّا قَالَ :" وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة " [ الْبَقَرَة : ٣ ] قَالُوا : نَحْنُ نُقِيم الصَّلَاة، فَلَمَّا قَالَ " وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " قَالُوا : نَحْنُ نُنْفِق وَنَتَصَدَّق، فَلَمَّا قَالَ :" وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك " نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه كَمْ كِتَابًا أَنْزَلَ اللَّه ؟ قَالَ :( مِائَة كِتَاب وَأَرْبَعَة كُتُب أَنْزَلَ اللَّه عَلَى شِيث خَمْسِينَ صَحِيفَة وَعَلَى أَخْنُوع ثَلَاثِينَ صَحِيفَة وَعَلَى إِبْرَاهِيم عَشْر صَحَائِف وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى قَبْل التَّوْرَاة عَشْر صَحَائِف وَأَنْزَلَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان ).
الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْحُسَيْن الْآجُرِّيّ وَأَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ.
وَهُنَا مَسْأَلَة : إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْف يُمْكِن الْإِيمَان بِجَمِيعِهَا مَعَ تَنَافِي أَحْكَامهَا ؟ قِيلَ لَهُ فِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا - أَنَّ الْإِيمَان بِأَنَّ جَمِيعهَا نَزَلَ مِنْ عِنْد اللَّه، وَهُوَ قَوْل مَنْ أَسْقَطَ التَّعَبُّد بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِع.
الثَّانِي - أَنَّ الْإِيمَان بِمَا لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْل مَنْ أَوْجَبَ اِلْتِزَام الشَّرَائِع الْمُتَقَدِّمَة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
أَيْ وَبِالْبَعْثِ وَالنَّشْر هُمْ عَالِمُونَ.
وَالْيَقِين : الْعِلْم دُون الشَّكّ، يُقَال مِنْهُ : يَقِنْت الْأَمْر ( بِالْكَسْرِ ) يَقْنًا، وَأَيْقَنْت وَاسْتَيْقَنْت وَتَيَقَّنْت كُلّه بِمَعْنًى، وَأَنَا عَلَى يَقِين مِنْهُ.
وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء وَاوًا فِي قَوْلك : مُوقِن، لِلضَّمَّةِ قَبْلهَا، وَإِذَا صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى الْأَصْل فَقُلْت مُيَيْقِن وَالتَّصْغِير يَرُدّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَكَذَلِكَ الْجَمْع.
وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالْيَقِينِ عَنْ الظَّنّ، وَمِنْهُ قَوْل عُلَمَائِنَا فِي الْيَمِين اللَّغْو : هُوَ أَنْ يَحْلِف بِاَللَّهِ عَلَى أَمْر يُوقِنهُ ثُمَّ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ خِلَاف ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر :
يَقُول : تَشَمَّمَ الْأَسَد نَاقَتِي، يَظُنّ أَنَّنِي مُفْتَدٍ بِهَا مِنْهُ، وَأَسْتَحْمِي نَفْسِي فَأَتْرُكهَا لَهُ وَلَا أَقْتَحِم الْمَهَالِك بِمُقَاتَلَتِهِ فَأَمَّا الظَّنّ بِمَعْنَى الْيَقِين فَوَرَدَ فِي التَّنْزِيل وَهُوَ فِي الشِّعْر كَثِير، وَسَيَأْتِي.
وَالْآخِرَة مُشْتَقَّة مِنْ التَّأَخُّر لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا وَتَأَخُّرنَا عَنْهَا، كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُشْتَقَّة مِنْ الدُّنُوّ، عَلَى مَا يَأْتِي.
أَيْ وَبِالْبَعْثِ وَالنَّشْر هُمْ عَالِمُونَ.
وَالْيَقِين : الْعِلْم دُون الشَّكّ، يُقَال مِنْهُ : يَقِنْت الْأَمْر ( بِالْكَسْرِ ) يَقْنًا، وَأَيْقَنْت وَاسْتَيْقَنْت وَتَيَقَّنْت كُلّه بِمَعْنًى، وَأَنَا عَلَى يَقِين مِنْهُ.
وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء وَاوًا فِي قَوْلك : مُوقِن، لِلضَّمَّةِ قَبْلهَا، وَإِذَا صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى الْأَصْل فَقُلْت مُيَيْقِن وَالتَّصْغِير يَرُدّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَكَذَلِكَ الْجَمْع.
وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالْيَقِينِ عَنْ الظَّنّ، وَمِنْهُ قَوْل عُلَمَائِنَا فِي الْيَمِين اللَّغْو : هُوَ أَنْ يَحْلِف بِاَللَّهِ عَلَى أَمْر يُوقِنهُ ثُمَّ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ خِلَاف ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر :
| تَحَسَّبَ هَوَّاس وَأَيْقَنَ أَنَّنِي | بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِد لَا أُغَامِرهُ |
وَالْآخِرَة مُشْتَقَّة مِنْ التَّأَخُّر لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا وَتَأَخُّرنَا عَنْهَا، كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُشْتَقَّة مِنْ الدُّنُوّ، عَلَى مَا يَأْتِي.
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
قَالَ النَّحَّاس أَهْل نَجْد يَقُولُونَ : أُلَاكَ، وَبَعْضهمْ يَقُول : أُلَالِكَ، الْكَاف لِلْخِطَابِ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِده ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أُلَاك فَوَاحِده ذَاكَ، وَأُلَالِكَ مِثْل أُولَئِكَ، وَأَنْشَدَ اِبْن السِّكِّيت :
وَرُبَّمَا قَالُوا : أُولَئِكَ فِي غَيْر الْعُقَلَاء، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ تَعَالَى :" إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " [ الْإِسْرَاء : ٣٦ ] وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى :" مِنْ رَبّهمْ " رَدًّا عَلَى الْقَدَرِيَّة فِي قَوْلهمْ : يَخْلُقُونَ إِيمَانهمْ وَهُدَاهُمْ، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقَالَ :" مِنْ أَنْفُسهمْ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِيهِ وَفِي الْهُدَى فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ.
قَالَ النَّحَّاس أَهْل نَجْد يَقُولُونَ : أُلَاكَ، وَبَعْضهمْ يَقُول : أُلَالِكَ، الْكَاف لِلْخِطَابِ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : مَنْ قَالَ أُولَئِكَ فَوَاحِده ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ أُلَاك فَوَاحِده ذَاكَ، وَأُلَالِكَ مِثْل أُولَئِكَ، وَأَنْشَدَ اِبْن السِّكِّيت :
| أُلَالِكَ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أُشَابَة | وَهَلْ يَعِظ الضِّلِّيل إِلَّا أُلَالِكَا |
| ذُمَّ الْمَنَازِل بَعْد مَنْزِلَة اللِّوَى | وَالْعَيْش بَعْد أُولَئِكَ الْأَيَّام |
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
" هُمْ " يَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ ثَانِيًا وَخَبَره " الْمُفْلِحُونَ "، وَالثَّانِي وَخَبَره خَبَر الْأَوَّل، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " زَائِدَة - يُسَمِّيهَا الْبَصْرِيُّونَ فَاصِلَة وَالْكُوفِيُّونَ عِمَادًا - وَ " الْمُفْلِحُونَ " خَبَر " أُولَئِكَ ".
وَالْفَلْح أَصْله فِي اللُّغَة الشَّقّ وَالْقَطْع، قَالَ الشَّاعِر :
إِنَّ الْحَدِيد بِالْحَدِيدِ يُفْلَح
أَيْ يُشَقّ، وَمِنْهُ فِلَاحَة الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقّهَا لِلْحَرْثِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَلِذَلِك سُمِّيَ الْأَكَّار فَلَّاحًا.
وَيُقَال لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَته السُّفْلَى أَفْلَح، وَهُوَ بَيِّن الْفَلَحَة، فَكَأَنَّ الْمُفْلِح قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِب حَتَّى نَالَ مَطْلُوبه.
وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْفَوْز وَالْبَقَاء، وَهُوَ أَصْله أَيْضًا فِي اللُّغَة، وَمِنْهُ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : اِسْتَفْلِحِي بِأَمْرِك، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِك، وَقَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ الْأَضْبَط بْن قُرَيْع السَّعْدِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة الْجَهْلَاء :
يَقُول : لَيْسَ مَعَ كَرّ اللَّيْل وَالنَّهَار بَقَاء.
وَقَالَ آخَر :
أَيْ الْبَقَاء : وَقَالَ عُبَيْد :
أَيْ وَقَالَ بِمَا شِئْت مِنْ كَيْس وَحُمْق فَقَدْ يُرْزَق الْأَحْمَق وَيُحْرَم الْعَاقِل.
فَمَعْنَى " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " : أَيْ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق : الْمُفْلِحُونَ هُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِد.
وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْفَلَاح فِي السَّحُور، وَمِنْهُ الْحَدِيث : حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاح مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَمَا الْفَلَاح ؟ قَالَ : السَّحُور.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ السَّحُور بِهِ بَقَاء الصَّوْم فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا.
وَالْفَلَّاح ( بِتَشْدِيدِ اللَّام ) : الْمُكَارِي فِي قَوْل الْقَائِل :
ثُمَّ الْفَلَاح فِي الْعُرْف : الظَّفَر بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاة مِنْ الْمَرْهُوب.
مَسْأَلَة : إِنْ قَالَ كِيَف قَرَأَ حَمْزَة : عَلَيْهُمْ وَإِلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ، وَلَمْ يَقْرَأ مِنْ رَبُّهُمْ وَلَا فِيهُمْ وَلَا جَنَّتَيْهُمْ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمْ الْيَاء فِيهِ مُنْقَلِبَة مِنْ أَلِف، وَالْأَصْل عَلَاهُمْ وَلَدَاهُمْ وَإِلَاهُمْ فَأُقِرَّتْ الْهَاء عَلَى ضَمَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي فِيهِمْ وَلَا مِنْ رَبّهمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيّ فِي " عَلَيْهِمْ الذِّلَّة " وَ " إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ " عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ الْقِرَاءَة عَنْهُمَا.
" هُمْ " يَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ ثَانِيًا وَخَبَره " الْمُفْلِحُونَ "، وَالثَّانِي وَخَبَره خَبَر الْأَوَّل، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " زَائِدَة - يُسَمِّيهَا الْبَصْرِيُّونَ فَاصِلَة وَالْكُوفِيُّونَ عِمَادًا - وَ " الْمُفْلِحُونَ " خَبَر " أُولَئِكَ ".
وَالْفَلْح أَصْله فِي اللُّغَة الشَّقّ وَالْقَطْع، قَالَ الشَّاعِر :
إِنَّ الْحَدِيد بِالْحَدِيدِ يُفْلَح
أَيْ يُشَقّ، وَمِنْهُ فِلَاحَة الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقّهَا لِلْحَرْثِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَلِذَلِك سُمِّيَ الْأَكَّار فَلَّاحًا.
وَيُقَال لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَته السُّفْلَى أَفْلَح، وَهُوَ بَيِّن الْفَلَحَة، فَكَأَنَّ الْمُفْلِح قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِب حَتَّى نَالَ مَطْلُوبه.
وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْفَوْز وَالْبَقَاء، وَهُوَ أَصْله أَيْضًا فِي اللُّغَة، وَمِنْهُ قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : اِسْتَفْلِحِي بِأَمْرِك، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِك، وَقَالَ الشَّاعِر :
| لَوْ كَانَ حَيّ مُدْرِك الْفَلَاح | أَدْرَكَهُ مُلَاعِب الرِّمَاح |
| لِكُلِّ هَمّ مِنْ الْهُمُوم سَعَهْ | وَالْمُسْيُ وَالصُّبْح لَا فَلَاح مَعَهْ |
وَقَالَ آخَر :
| نَحِلّ بِلَادًا كُلّهَا حُلَّ قَبْلنَا | وَنَرْجُو الْفَلَاح بَعْد عَاد وَحِمْيَر |
| أَفْلِحْ بِمَا شِئْت فَقَدْ يُدْرَك بِالضَّ | عْف وَقَدْ يُخَدَّع الْأَرِيب |
فَمَعْنَى " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " : أَيْ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق : الْمُفْلِحُونَ هُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِد.
وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْفَلَاح فِي السَّحُور، وَمِنْهُ الْحَدِيث : حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاح مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَمَا الْفَلَاح ؟ قَالَ : السَّحُور.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ السَّحُور بِهِ بَقَاء الصَّوْم فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا.
وَالْفَلَّاح ( بِتَشْدِيدِ اللَّام ) : الْمُكَارِي فِي قَوْل الْقَائِل :
| لَهَا رِطْل تَكِيل الزَّيْت فِيهِ | وَفَلَّاح يَسُوق لَهَا حِمَارَا |
مَسْأَلَة : إِنْ قَالَ كِيَف قَرَأَ حَمْزَة : عَلَيْهُمْ وَإِلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ، وَلَمْ يَقْرَأ مِنْ رَبُّهُمْ وَلَا فِيهُمْ وَلَا جَنَّتَيْهُمْ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِمْ وَلَدَيْهِمْ الْيَاء فِيهِ مُنْقَلِبَة مِنْ أَلِف، وَالْأَصْل عَلَاهُمْ وَلَدَاهُمْ وَإِلَاهُمْ فَأُقِرَّتْ الْهَاء عَلَى ضَمَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي فِيهِمْ وَلَا مِنْ رَبّهمْ وَلَا جَنَّتَيْهِمْ، وَوَافَقَهُ الْكِسَائِيّ فِي " عَلَيْهِمْ الذِّلَّة " وَ " إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ " عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ الْقِرَاءَة عَنْهُمَا.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْوَالهمْ ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَآلهمْ.
وَالْكُفْر ضِدّ الْإِيمَان وَهُوَ الْمُرَاد فِي الْآيَة.
وَقَدْ يَكُون بِمَعْنَى جُحُود النِّعْمَة وَالْإِحْسَان، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي النِّسَاء فِي حَدِيث الْكُسُوف :( وَرَأَيْت النَّار فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَع وَرَأَيْت أَكْثَر أَهْلهَا النِّسَاء ) قِيلَ : بِمَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( بِكُفْرِهِنَّ )، قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ ؟ قَالَ :( يَكْفُرْنَ الْعَشِير وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَان لَوْ أَحْسَنْت إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْر كُلّه ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَغَيْره.
وَأَصْل الْكُفْر فِي كَلَام الْعَرَب : السَّتْر وَالتَّغْطِيَة، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
فِي لَيْلَة كَفَرَ النُّجُوم غَمَامهَا
أَيْ سَتَرَهَا.
وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْل كَافِرًا، لِأَنَّهُ يُغَطِّي كُلّ شَيْء بِسَوَادِهِ، قَالَ الشَّاعِر :
ذُكَاء ( بِضَمِّ الذَّال وَالْمَدّ ) : اِسْم لِلشَّمْسِ، وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر :
أَيْ فِي لَيْل.
وَالْكَافِر أَيْضًا : الْبَحْر وَالنَّهَر الْعَظِيم.
وَالْكَافِر : الزَّارِع، وَالْجَمْع كُفَّار، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كَمَثَلِ غَيْث أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته " [ الْحَدِيد : ٢٠ ].
يَعْنِي الزُّرَّاع لِأَنَّهُمْ يُغَطُّونَ الْحَبّ.
وَرَمَاد مَكْفُور : سَفَتْ الرِّيح عَلَيْهِ التُّرَاب.
وَالْكَافِر مِنْ الْأَرْض : مَا بَعُدَ عَنْ النَّاس لَا يَكَاد يَنْزِلهُ وَلَا يَمُرّ بِهِ أَحَد، وَمَنْ حَلَّ بِتِلْكَ الْمَوَاضِع فَهُمْ أَهْل الْكُفُور.
وَيُقَال الْكُفُور : الْقُرَى.
لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْوَالهمْ ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَآلهمْ.
وَالْكُفْر ضِدّ الْإِيمَان وَهُوَ الْمُرَاد فِي الْآيَة.
وَقَدْ يَكُون بِمَعْنَى جُحُود النِّعْمَة وَالْإِحْسَان، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي النِّسَاء فِي حَدِيث الْكُسُوف :( وَرَأَيْت النَّار فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَع وَرَأَيْت أَكْثَر أَهْلهَا النِّسَاء ) قِيلَ : بِمَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( بِكُفْرِهِنَّ )، قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ ؟ قَالَ :( يَكْفُرْنَ الْعَشِير وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَان لَوْ أَحْسَنْت إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْر كُلّه ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَغَيْره.
وَأَصْل الْكُفْر فِي كَلَام الْعَرَب : السَّتْر وَالتَّغْطِيَة، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
فِي لَيْلَة كَفَرَ النُّجُوم غَمَامهَا
أَيْ سَتَرَهَا.
وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْل كَافِرًا، لِأَنَّهُ يُغَطِّي كُلّ شَيْء بِسَوَادِهِ، قَالَ الشَّاعِر :
| فَتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيدًا بَعْدَمَا | أَلْقَتْ ذُكَاء يَمِينهَا فِي كَافِر |
| فَوَرَدْت قَبْل اِنْبِلَاج الْفَجْر | وَابْن ذُكَاء كَامِن فِي كَفْر |
وَالْكَافِر أَيْضًا : الْبَحْر وَالنَّهَر الْعَظِيم.
وَالْكَافِر : الزَّارِع، وَالْجَمْع كُفَّار، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كَمَثَلِ غَيْث أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته " [ الْحَدِيد : ٢٠ ].
يَعْنِي الزُّرَّاع لِأَنَّهُمْ يُغَطُّونَ الْحَبّ.
وَرَمَاد مَكْفُور : سَفَتْ الرِّيح عَلَيْهِ التُّرَاب.
وَالْكَافِر مِنْ الْأَرْض : مَا بَعُدَ عَنْ النَّاس لَا يَكَاد يَنْزِلهُ وَلَا يَمُرّ بِهِ أَحَد، وَمَنْ حَلَّ بِتِلْكَ الْمَوَاضِع فَهُمْ أَهْل الْكُفُور.
وَيُقَال الْكُفُور : الْقُرَى.
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
مَعْنَاهُ مُعْتَدِل عِنْدهمْ الْإِنْذَار وَتَرْكه، أَيْ سَوَاء عَلَيْهِمْ هَذَا.
وَجِيءَ بِالِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَجْل التَّسْوِيَة، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْت أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٣٦ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
مَعْنَاهُ مُعْتَدِل عِنْدهمْ الْإِنْذَار وَتَرْكه، أَيْ سَوَاء عَلَيْهِمْ هَذَا.
وَجِيءَ بِالِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَجْل التَّسْوِيَة، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْت أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٣٦ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
| وَلَيْل يَقُول النَّاس مِنْ ظُلُمَاته | سَوَاء صَحِيحَات الْعُيُون وَعُورهَا |
| أَنْذَرْت عَمْرًا وَهُوَ فِي مَهَل | قَبْل الصَّبَاح فَقَدْ عَصَى عَمْرو |
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة، فَقِيلَ : هِيَ عَامَّة وَمَعْنَاهَا الْخُصُوص فِيمَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب، وَسَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَمُوت عَلَى كُفْره.
أَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُعْلِم أَنَّ فِي النَّاس مَنْ هَذِهِ حَاله دُون أَنْ يُعَيِّن أَحَدًا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاء الْيَهُود، مِنْهُم حُيَيّ بْن أَخْطَب وَكَعْب بْن الْأَشْرَف وَنُظَرَاؤُهُمَا.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : نَزَلَتْ فِيمَنْ قُتِلَ يَوْم بَدْر مِنْ قَادَة الْأَحْزَاب، وَالْأَوَّل أَصَحّ، فَإِنَّ مَنْ عَيَّنَ أَحَدًا فَإِنَّمَا مَثَّلَ بِمَنْ كَشَفَ الْغَيْب عَنْهُ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْر، وَذَلِكَ دَاخِل فِي ضِمْن الْآيَة.
قَوْله تَعَالَى " لَا يُؤْمِنُونَ " مَوْضِعه رَفْع خَبَر " إِنَّ " أَيْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يُؤْمِنُونَ.
وَقِيلَ : خَبَر " إِنَّ " " سَوَاء " وَمَا بَعْده يَقُوم مَقَام الصِّلَة، قَالَهُ اِبْن كَيْسَان.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد :" سَوَاء " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، " أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ " الْخَبَر، وَالْجُمْلَة خَبَر " إِنَّ ".
قَالَ النَّحَّاس : أَيْ إِنَّهُمْ تَبَالَهُوا فَلَمْ تُغْنِ فِيهِمْ النِّذَارَة شَيْئًا.
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة " أَأَنْذَرْتهمْ " فَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَبُو عَمْرو وَالْأَعْمَش وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق :" آنْذَرْتهمْ " بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيل الثَّانِيَة، وَاخْتَارَهَا الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ، وَهِيَ لُغَة قُرَيْش وَسَعْد بْن بَكْر، وَعَلَيْهَا قَوْل الشَّاعِر :
| أَيَا ظَبْيَة الْوَعْسَاء بَيْن جُلَاجِل | وَبَيْن النَّقَا آنْت أَمْ أُمّ سَالِم |
وَقَالَ آخَر :
| تَطَالَلْت فَاسْتَشْرَفْته فَعَرَفْته | فَقُلْت لَهُ آنْتَ زَيْد الْأَرَانِب |
| تَرُوح مِنْ الْحَيّ أَمْ تَبْتَكِر | وَمَاذَا يَضِيرك لَوْ تَنْتَظِر |
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن أَبِي إِسْحَاق أَنَّهُ قَرَأَ :" أَأَنْذَرْتهمْ " فَحَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنهمَا أَلِفًا لِئَلَّا يُجْمَع بَيْنهمَا.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَيَجُوز أَنْ تُدْخِل بَيْنهمَا أَلِفًا وَتُخَفِّف الثَّانِيَة، وَأَبُو عَمْرو وَنَافِع يَفْعَلَانِ ذَلِكَ كَثِيرًا.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَعَاصِم وَالْكِسَائِيّ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ :" أَأَنْذَرْتَهُمْ " وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد، وَذَلِكَ بَعِيد عِنْد الْخَلِيل.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : يُشْبِه فِي الثِّقَل ضَنِنُوا.
قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز تَخْفِيف الْأُولَى مِنْ الْهَمْزَتَيْنِ وَذَلِكَ رَدِيء ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَفِّفُونَ بَعْد الِاسْتِثْقَال، وَبَعْد حُصُول الْوَاحِدَة.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَيَجُوز تَخْفِيف الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا.
فَهَذِهِ سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْقِرَاءَات، وَوَجْه ثَامِن يَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن ; لِأَنَّهُ مُخَالِف لِلسَّوَادِ.
قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : تُبْدَل مِنْ الْهَمْزَة هَاء تَقُول : هَأَنْذَرْتَهُمْ، كَمَا يُقَال هَيَّاك وَإِيَّاكَ، وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى :" هَا أَنْتُمْ " [ آل عِمْرَان : ٦٦ ] إِنَّمَا هُوَ أَأَنْتُمْ.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَيَجُوز تَخْفِيف الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا.
فَهَذِهِ سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْقِرَاءَات، وَوَجْه ثَامِن يَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن ; لِأَنَّهُ مُخَالِف لِلسَّوَادِ.
قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : تُبْدَل مِنْ الْهَمْزَة هَاء تَقُول : هَأَنْذَرْتَهُمْ، كَمَا يُقَال هَيَّاك وَإِيَّاكَ، وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى :" هَا أَنْتُمْ " [ آل عِمْرَان : ٦٦ ] إِنَّمَا هُوَ أَأَنْتُمْ.
خَتَمَ اللَّهُ
بَيَّنَ سُبْحَانه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَانِع لَهُمْ مِنْ الْإِيمَان بِقَوْلِهِ :" خَتَمَ اللَّه ".
وَالْخَتْم مَصْدَر خَتَمْت الشَّيْء خَتْمًا فَهُوَ مَخْتُوم وَمُخَتَّم، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُ التَّغْطِيَة عَلَى الشَّيْء وَالِاسْتِيثَاق مِنْهُ حَتَّى لَا يَدْخُلهُ شَيْء، وَمِنْهُ : خَتَمَ الْكِتَاب وَالْبَاب وَمَا يُشْبِه ذَلِكَ، حَتَّى لَا يُوصَل إِلَى مَا فِيهِ، وَلَا يُوضَع فِيهِ غَيْر مَا فِيهِ.
وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : وَصَفَ اللَّه تَعَالَى قُلُوب الْكُفَّار بِعَشَرَةِ أَوْصَاف : بِالْخَتْمِ وَالطَّبْع وَالضِّيق وَالْمَرَض وَالرَّيْن وَالْمَوْت وَالْقَسَاوَة وَالِانْصِرَاف وَالْحَمِيَّة وَالْإِنْكَار.
فَقَالَ فِي الْإِنْكَار :" قُلُوبهمْ مُنْكِرَة وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ " [ النَّحْل : ٢٢ ].
وَقَالَ فِي الْحَمِيَّة :" إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة ".
[ الْفَتْح : ٢٦ ] وَقَالَ فِي الِانْصِرَاف :" ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ " [ التَّوْبَة : ١٢٧ ].
وَقَالَ فِي الْقَسَاوَة :" فَوَيْل لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه " [ الزُّمَر : ٢٢ ].
وَقَالَ :" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ].
وَقَالَ فِي الْمَوْت :" أَوَ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ " [ الْأَنْعَام : ١٢٢ ].
وَقَالَ :" إِنَّمَا يَسْتَجِيب الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثهُمْ اللَّه " [ الْأَنْعَام : ٣٦ ].
وَقَالَ فِي الرَّيْن :" كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ".
[ الْمُطَفِّفِينَ : ١٤ ].
وَقَالَ فِي الْمَرَض :" فِي قُلُوبهمْ مَرَض ".
[ مُحَمَّد : ٢٩ ] وَقَالَ فِي الضِّيق :" وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا ".
[ الْأَنْعَام : ١٢٥ ].
وَقَالَ فِي الطَّبْع :" فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ " [ الْمُنَافِقُونَ : ٣ ].
وَقَالَ :" بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
وَقَالَ فِي الْخَتْم :" خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ ".
[ الْبَقَرَة : ٧ ].
وَسَيَأْتِي بَيَانهَا كُلّهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَتْم يَكُون مَحْسُوسًا كَمَا بَيَّنَّا، وَمَعْنًى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة.
فَالْخَتْم عَلَى الْقُلُوب : عَدَم الْوَعْي عَنْ الْحَقّ - سُبْحَانه - مَفْهُوم مُخَاطَبَاته وَالْفِكْر فِي آيَاته.
وَعَلَى السَّمْع : عَدَم فَهْمهمْ لِلْقُرْآنِ إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ دُعُوا إِلَى وَحْدَانِيّته.
وَعَلَى الْأَبْصَار : عَدَم هِدَايَتهَا لِلنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاته وَعَجَائِب مَصْنُوعَاته، هَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ.
بَيَّنَ سُبْحَانه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَانِع لَهُمْ مِنْ الْإِيمَان بِقَوْلِهِ :" خَتَمَ اللَّه ".
وَالْخَتْم مَصْدَر خَتَمْت الشَّيْء خَتْمًا فَهُوَ مَخْتُوم وَمُخَتَّم، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُ التَّغْطِيَة عَلَى الشَّيْء وَالِاسْتِيثَاق مِنْهُ حَتَّى لَا يَدْخُلهُ شَيْء، وَمِنْهُ : خَتَمَ الْكِتَاب وَالْبَاب وَمَا يُشْبِه ذَلِكَ، حَتَّى لَا يُوصَل إِلَى مَا فِيهِ، وَلَا يُوضَع فِيهِ غَيْر مَا فِيهِ.
وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : وَصَفَ اللَّه تَعَالَى قُلُوب الْكُفَّار بِعَشَرَةِ أَوْصَاف : بِالْخَتْمِ وَالطَّبْع وَالضِّيق وَالْمَرَض وَالرَّيْن وَالْمَوْت وَالْقَسَاوَة وَالِانْصِرَاف وَالْحَمِيَّة وَالْإِنْكَار.
فَقَالَ فِي الْإِنْكَار :" قُلُوبهمْ مُنْكِرَة وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ " [ النَّحْل : ٢٢ ].
وَقَالَ فِي الْحَمِيَّة :" إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبهمْ الْحَمِيَّة ".
[ الْفَتْح : ٢٦ ] وَقَالَ فِي الِانْصِرَاف :" ثُمَّ اِنْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ " [ التَّوْبَة : ١٢٧ ].
وَقَالَ فِي الْقَسَاوَة :" فَوَيْل لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه " [ الزُّمَر : ٢٢ ].
وَقَالَ :" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ].
وَقَالَ فِي الْمَوْت :" أَوَ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ " [ الْأَنْعَام : ١٢٢ ].
وَقَالَ :" إِنَّمَا يَسْتَجِيب الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثهُمْ اللَّه " [ الْأَنْعَام : ٣٦ ].
وَقَالَ فِي الرَّيْن :" كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ".
[ الْمُطَفِّفِينَ : ١٤ ].
وَقَالَ فِي الْمَرَض :" فِي قُلُوبهمْ مَرَض ".
[ مُحَمَّد : ٢٩ ] وَقَالَ فِي الضِّيق :" وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا حَرَجًا ".
[ الْأَنْعَام : ١٢٥ ].
وَقَالَ فِي الطَّبْع :" فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ " [ الْمُنَافِقُونَ : ٣ ].
وَقَالَ :" بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
وَقَالَ فِي الْخَتْم :" خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ ".
[ الْبَقَرَة : ٧ ].
وَسَيَأْتِي بَيَانهَا كُلّهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَتْم يَكُون مَحْسُوسًا كَمَا بَيَّنَّا، وَمَعْنًى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة.
فَالْخَتْم عَلَى الْقُلُوب : عَدَم الْوَعْي عَنْ الْحَقّ - سُبْحَانه - مَفْهُوم مُخَاطَبَاته وَالْفِكْر فِي آيَاته.
وَعَلَى السَّمْع : عَدَم فَهْمهمْ لِلْقُرْآنِ إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ دُعُوا إِلَى وَحْدَانِيّته.
وَعَلَى الْأَبْصَار : عَدَم هِدَايَتهَا لِلنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاته وَعَجَائِب مَصْنُوعَاته، هَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ.
فِي هَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيل وَأَوْضَح سَبِيل عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَالِق الْهُدَى وَالضَّلَال، وَالْكُفْر وَالْإِيمَان، فَاعْتَبِرُوا أَيّهَا السَّامِعُونَ، وَتَعَجَّبُوا أَيّهَا الْمُفَكِّرُونَ مِنْ عُقُول الْقَدَرِيَّة الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ إِيمَانهمْ وَهُدَاهُمْ، فَإِنَّ الْخَتْم هُوَ الطَّبْع فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْإِيمَان وَلَوْ جَهَدُوا، وَقَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ، وَعَلَى سَمْعهمْ وَجُعِلَ عَلَى أَبْصَارهمْ غِشَاوَة، فَمَتَى يَهْتَدُونَ، أَوْ مَنْ يَهْدِيهِمْ مِنْ بَعْد اللَّه إِذَا أَضَلَّهُمْ وَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارهمْ " وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " [ الزُّمَر : ٢٣ ] وَكَانَ فِعْل اللَّه ذَلِكَ عَدْلًا فِيمَنْ أَضَلَّهُ وَخَذَلَهُ، إِذْ لَمْ يَمْنَعهُ حَقًّا وَجَبَ لَهُ فَتَزُول صِفَة الْعَدْل، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَفَضَّل بِهِ عَلَيْهِمْ لَا مَا وَجَبَ لَهُمْ.
فَإِنْ قَالُوا : إِنَّ مَعْنَى الْخَتْم وَالطَّبْع وَالْغِشَاوَة التَّسْمِيَة وَالْحُكْم وَالْإِخْبَار بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، لَا الْفِعْل.
قُلْنَا : هَذَا فَاسِد ; لِأَنَّ حَقِيقَة الْخَتْم وَالطَّبْع إِنَّمَا هُوَ فِعْل مَا يَصِير بِهِ الْقَلْب مَطْبُوعًا مَخْتُومًا، لَا يَجُوز أَنْ تَكُون حَقِيقَته التَّسْمِيَة وَالْحُكْم، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قِيلَ : فُلَان طَبَعَ الْكِتَاب وَخَتَمَهُ، كَانَ حَقِيقَة أَنَّهُ فَعَلَ مَا صَارَ بِهِ الْكِتَاب مَطْبُوعًا وَمَخْتُومًا، لَا التَّسْمِيَة وَالْحُكْم.
هَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل اللُّغَة، وَلِأَنَّ الْأُمَّة مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ وَصَفَ نَفْسه بِالْخَتْمِ وَالطَّبْع عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ مُجَازَاة لِكُفْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الطَّبْع وَالْخَتْم عَلَى قُلُوبهمْ مِنْ جِهَة النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنِينَ مُمْتَنِع، فَلَوْ كَانَ الْخَتْم وَالطَّبْع هُوَ التَّسْمِيَة وَالْحُكْم لَمَا اِمْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ ; لِأَنَّهُمْ كُلّهمْ يُسَمُّونَ الْكُفَّار بِأَنَّهُمْ مَطْبُوع عَلَى قُلُوبهمْ، وَأَنَّهُمْ مَخْتُوم عَلَيْهَا وَأَنَّهُمْ فِي ضَلَال لَا يُؤْمِنُونَ، وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
فَثَبَتَ أَنَّ الْخَتْم وَالطَّبْع هُوَ مَعْنًى غَيْر التَّسْمِيَة وَالْحُكْم، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى يَخْلُقهُ اللَّه فِي الْقَلْب يَمْنَع مِنْ الْإِيمَان بِهِ، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" كَذَلِكَ نَسْلُكهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ.
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ " [ الْحِجْر : ١٢ ].
وَقَالَ :" وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ " [ الْأَنْعَام : ٢٥ ].
أَيْ لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ، وَمَا كَانَ مِثْله.
فَإِنْ قَالُوا : إِنَّ مَعْنَى الْخَتْم وَالطَّبْع وَالْغِشَاوَة التَّسْمِيَة وَالْحُكْم وَالْإِخْبَار بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، لَا الْفِعْل.
قُلْنَا : هَذَا فَاسِد ; لِأَنَّ حَقِيقَة الْخَتْم وَالطَّبْع إِنَّمَا هُوَ فِعْل مَا يَصِير بِهِ الْقَلْب مَطْبُوعًا مَخْتُومًا، لَا يَجُوز أَنْ تَكُون حَقِيقَته التَّسْمِيَة وَالْحُكْم، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قِيلَ : فُلَان طَبَعَ الْكِتَاب وَخَتَمَهُ، كَانَ حَقِيقَة أَنَّهُ فَعَلَ مَا صَارَ بِهِ الْكِتَاب مَطْبُوعًا وَمَخْتُومًا، لَا التَّسْمِيَة وَالْحُكْم.
هَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل اللُّغَة، وَلِأَنَّ الْأُمَّة مُجْمِعَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ وَصَفَ نَفْسه بِالْخَتْمِ وَالطَّبْع عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ مُجَازَاة لِكُفْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" بَلْ طَبَعَ اللَّه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ " [ النِّسَاء : ١٥٥ ].
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الطَّبْع وَالْخَتْم عَلَى قُلُوبهمْ مِنْ جِهَة النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنِينَ مُمْتَنِع، فَلَوْ كَانَ الْخَتْم وَالطَّبْع هُوَ التَّسْمِيَة وَالْحُكْم لَمَا اِمْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ ; لِأَنَّهُمْ كُلّهمْ يُسَمُّونَ الْكُفَّار بِأَنَّهُمْ مَطْبُوع عَلَى قُلُوبهمْ، وَأَنَّهُمْ مَخْتُوم عَلَيْهَا وَأَنَّهُمْ فِي ضَلَال لَا يُؤْمِنُونَ، وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
فَثَبَتَ أَنَّ الْخَتْم وَالطَّبْع هُوَ مَعْنًى غَيْر التَّسْمِيَة وَالْحُكْم، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى يَخْلُقهُ اللَّه فِي الْقَلْب يَمْنَع مِنْ الْإِيمَان بِهِ، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" كَذَلِكَ نَسْلُكهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ.
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ " [ الْحِجْر : ١٢ ].
وَقَالَ :" وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة أَنْ يَفْقَهُوهُ " [ الْأَنْعَام : ٢٥ ].
أَيْ لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ، وَمَا كَانَ مِثْله.
عَلَى قُلُوبِهِمْ
فِيهِ دَلِيل عَلَى فَضْل الْقَلْب عَلَى جَمِيع الْجَوَارِح.
وَالْقَلْب لِلْإِنْسَانِ وَغَيْره.
وَخَالِص كُلّ شَيْء وَأَشْرَفه قَلْبه، فَالْقَلْب مَوْضِع الْفِكْر.
وَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر قَلَبْت الشَّيْء أَقْلِبهُ قَلْبًا إِذَا رَدَدْته عَلَى بُدَاءَته.
وَقَلَبْت الْإِنَاء : رَدَدْته عَلَى وَجْهه.
ثُمَّ نُقِلَ هَذَا اللَّفْظ فَسُمِّيَ بِهِ هَذَا الْعُضْو الَّذِي هُوَ أَشْرَف الْحَيَوَان، لِسُرْعَةِ الْخَوَاطِر إِلَيْهِ، وَلِتَرَدُّدِهَا عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ :
ثُمَّ لَمَّا نَقَلَتْ الْعَرَب هَذَا الْمَصْدَر لِهَذَا الْعُضْو الشَّرِيف اِلْتَزَمَتْ فِيهِ تَفْخِيم قَافه، تَفْرِيقًا بَيْنه وَبَيْن أَصْله.
رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَثَل الْقَلْب مَثَل رِيشَة تُقَلِّبهَا الرِّيَاح بِفَلَاةٍ ).
وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول :( اللَّهُمَّ يَا مُثَبِّت الْقُلُوب ثَبِّتْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتك ).
فَإِذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولهُ مَعَ عَظِيم قَدْره وَجَلَال مَنْصِبه فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ اِقْتِدَاء بِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه " [ الْأَنْفَال : ٢٤ ].
وَسَيَأْتِي.
الْجَوَارِح وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَة لِلْقَلْبِ فَقَدْ يَتَأَثَّر الْقَلْب - وَإِنْ كَانَ رَئِيسهَا وَمَلِكهَا - بِأَعْمَالِهَا لِلِارْتِبَاطِ الَّذِي بَيْن الظَّاهِر وَالْبَاطِن، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الرَّجُل لَيَصْدُق فَتُنْكَت فِي قَلْبه نُكْتَة بَيْضَاء وَإِنَّ الرَّجُل لَيَكْذِب الْكَذْبَة فَيَسْوَدّ قَلْبه ).
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة :( إِنَّ الرَّجُل لَيُصِيب الذَّنْب فَيَسْوَدّ قَلْبه فَإِنْ هُوَ تَابَ صُقِلَ قَلْبه ).
قَالَ : وَهُوَ الرَّيْن الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن فِي قَوْله :" كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ١٤ ].
وَقَالَ مُجَاهِد : الْقَلْب كَالْكَفِّ يُقْبَض مِنْهُ بِكُلِّ ذَنْب إِصْبَع، ثُمَّ يُطْبَع.
قُلْت : وَفِي قَوْل مُجَاهِد هَذَا، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَد كُلّه وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كُلّه أَلَا وَهِيَ الْقَلْب ) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَتْم يَكُون حَقِيقِيًّا، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقَلْب يُشْبِه الصَّنَوْبَرَة، وَهُوَ يَعْضُد قَوْل مُجَاهِد، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ حُذَيْفَة قَالَ حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْت أَحَدهمَا وَأَنَا أَنْتَظِر الْآخَر : حَدَّثَنَا أَنَّ ( الْأَمَانَة نَزَلَتْ فِي جَذْر قُلُوب الرِّجَال ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآن فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآن وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَة ).
فِيهِ دَلِيل عَلَى فَضْل الْقَلْب عَلَى جَمِيع الْجَوَارِح.
وَالْقَلْب لِلْإِنْسَانِ وَغَيْره.
وَخَالِص كُلّ شَيْء وَأَشْرَفه قَلْبه، فَالْقَلْب مَوْضِع الْفِكْر.
وَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر قَلَبْت الشَّيْء أَقْلِبهُ قَلْبًا إِذَا رَدَدْته عَلَى بُدَاءَته.
وَقَلَبْت الْإِنَاء : رَدَدْته عَلَى وَجْهه.
ثُمَّ نُقِلَ هَذَا اللَّفْظ فَسُمِّيَ بِهِ هَذَا الْعُضْو الَّذِي هُوَ أَشْرَف الْحَيَوَان، لِسُرْعَةِ الْخَوَاطِر إِلَيْهِ، وَلِتَرَدُّدِهَا عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ :
| مَا سُمِّيَ الْقَلْب إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ | فَاحْذَرْ عَلَى الْقَلْب مِنْ قَلْب وَتَحْوِيل |
رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَثَل الْقَلْب مَثَل رِيشَة تُقَلِّبهَا الرِّيَاح بِفَلَاةٍ ).
وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول :( اللَّهُمَّ يَا مُثَبِّت الْقُلُوب ثَبِّتْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتك ).
فَإِذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولهُ مَعَ عَظِيم قَدْره وَجَلَال مَنْصِبه فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ اِقْتِدَاء بِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَحُول بَيْن الْمَرْء وَقَلْبه " [ الْأَنْفَال : ٢٤ ].
وَسَيَأْتِي.
الْجَوَارِح وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَة لِلْقَلْبِ فَقَدْ يَتَأَثَّر الْقَلْب - وَإِنْ كَانَ رَئِيسهَا وَمَلِكهَا - بِأَعْمَالِهَا لِلِارْتِبَاطِ الَّذِي بَيْن الظَّاهِر وَالْبَاطِن، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الرَّجُل لَيَصْدُق فَتُنْكَت فِي قَلْبه نُكْتَة بَيْضَاء وَإِنَّ الرَّجُل لَيَكْذِب الْكَذْبَة فَيَسْوَدّ قَلْبه ).
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة :( إِنَّ الرَّجُل لَيُصِيب الذَّنْب فَيَسْوَدّ قَلْبه فَإِنْ هُوَ تَابَ صُقِلَ قَلْبه ).
قَالَ : وَهُوَ الرَّيْن الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن فِي قَوْله :" كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ١٤ ].
وَقَالَ مُجَاهِد : الْقَلْب كَالْكَفِّ يُقْبَض مِنْهُ بِكُلِّ ذَنْب إِصْبَع، ثُمَّ يُطْبَع.
قُلْت : وَفِي قَوْل مُجَاهِد هَذَا، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَد كُلّه وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كُلّه أَلَا وَهِيَ الْقَلْب ) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَتْم يَكُون حَقِيقِيًّا، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقَلْب يُشْبِه الصَّنَوْبَرَة، وَهُوَ يَعْضُد قَوْل مُجَاهِد، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ حُذَيْفَة قَالَ حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْت أَحَدهمَا وَأَنَا أَنْتَظِر الْآخَر : حَدَّثَنَا أَنَّ ( الْأَمَانَة نَزَلَتْ فِي جَذْر قُلُوب الرِّجَال ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآن فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآن وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَة ).
ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْع الْأَمَانَة قَالَ :( يَنَام الرَّجُل النَّوْمَة فَتُقْبَض الْأَمَانَة مِنْ قَلْبه فَيَظَلّ أَثَرهَا مِثْل الْوَكْت ثُمَّ يَنَام النَّوْمَة فَتُقْبَض الْأَمَانَة مِنْ قَلْبه فَيَظَلّ أَثَرهَا مِثْل الْمَجْل كَجَمْرٍ دَحْرَجْته عَلَى رِجْلك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء - ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْله فَيُصْبِح النَّاس يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَاد أَحَد يُؤَدِّي الْأَمَانَة حَتَّى يُقَال إِنَّ فِي بَنِي فُلَان رَجُلًا أَمِينًا حَتَّى يُقَال لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَده مَا أَظْرَفه مَا أَعْقَله وَمَا فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمَان وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَان وَمَا أُبَالِي أَيّكُمْ بَايَعْت لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا، الْمَرْء عَلَى دِينه وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا الْمَرْء عَلَى سَاعِيه وَأَمَّا الْيَوْم فَمَا كُنْت لِأُبَايِع مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ).
فَفِي قَوْله :( الْوَكْت ) وَهُوَ الْأَثَر الْيَسِير.
وَيُقَال لِلْبُسْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نُكْتَة مِنْ الْإِرْطَاب : قَدْ وَكَّتَ، فَهُوَ مُوَكِّت.
وَقَوْله :( الْمَجْل )، وَهُوَ أَنْ يَكُون بَيْن الْجِلْد وَاللَّحْم مَاء، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ :( كَجَمْرٍ دَحْرَجْته ) أَيْ دَوَّرْته عَلَى رِجْلك فَنَفِطَ.
( فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا ) أَيْ مُرْتَفِعًا - مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلّه مَحْسُوس فِي الْقَلْب يَفْعَل فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخَتْم وَالطَّبْع، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( تُعْرَض الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيّ قَلْب أُشْرِبهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء وَأَيّ قَلْب أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء حَتَّى يَصِير عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَض مِثْل الصَّفَا فَلَا تَضُرّهُ فِتْنَة مَا دَامَتْ يَحْمِلَنَّكُمْ وَالْأَرْض وَالْآخَر أَسْوَد مُرْبَادّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِف مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِر مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِب مِنْ هَوَاهُ.
) وَذَكَر الْحَدِيث ( مُجَخِّيًا ) : يَعْنِي مَائِلًا.
الْقَلْب قَدْ يُعَبَّر عَنْهُ بِالْفُؤَادِ وَالصَّدْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك " [ الْفُرْقَان : ٣٢ ] وَقَالَ :" أَلَمْ نَشْرَح لَك صَدْرك " [ الشَّرْح : ١ ] يَعْنِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَلْبك.
وَقَدْ يُعَبَّر بِهِ عَنْ الْعَقْل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب " [ ق : ٣٧ ] أَيْ عَقْل ; لِأَنَّ الْقَلْب مَحَلّ الْعَقْل فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ.
وَالْفُؤَاد مَحَلّ الْقَلْب، وَالصَّدْر مَحَلّ الْفُؤَاد، وَاَللَّه أَعْلَم.
فَفِي قَوْله :( الْوَكْت ) وَهُوَ الْأَثَر الْيَسِير.
وَيُقَال لِلْبُسْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نُكْتَة مِنْ الْإِرْطَاب : قَدْ وَكَّتَ، فَهُوَ مُوَكِّت.
وَقَوْله :( الْمَجْل )، وَهُوَ أَنْ يَكُون بَيْن الْجِلْد وَاللَّحْم مَاء، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ :( كَجَمْرٍ دَحْرَجْته ) أَيْ دَوَّرْته عَلَى رِجْلك فَنَفِطَ.
( فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا ) أَيْ مُرْتَفِعًا - مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلّه مَحْسُوس فِي الْقَلْب يَفْعَل فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخَتْم وَالطَّبْع، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( تُعْرَض الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيّ قَلْب أُشْرِبهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء وَأَيّ قَلْب أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء حَتَّى يَصِير عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَض مِثْل الصَّفَا فَلَا تَضُرّهُ فِتْنَة مَا دَامَتْ يَحْمِلَنَّكُمْ وَالْأَرْض وَالْآخَر أَسْوَد مُرْبَادّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِف مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِر مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِب مِنْ هَوَاهُ.
) وَذَكَر الْحَدِيث ( مُجَخِّيًا ) : يَعْنِي مَائِلًا.
الْقَلْب قَدْ يُعَبَّر عَنْهُ بِالْفُؤَادِ وَالصَّدْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كَذَلِكَ لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك " [ الْفُرْقَان : ٣٢ ] وَقَالَ :" أَلَمْ نَشْرَح لَك صَدْرك " [ الشَّرْح : ١ ] يَعْنِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَلْبك.
وَقَدْ يُعَبَّر بِهِ عَنْ الْعَقْل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْب " [ ق : ٣٧ ] أَيْ عَقْل ; لِأَنَّ الْقَلْب مَحَلّ الْعَقْل فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ.
وَالْفُؤَاد مَحَلّ الْقَلْب، وَالصَّدْر مَحَلّ الْفُؤَاد، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ
اِسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ فَضَّلَ السَّمْع عَلَى الْبَصَر لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ تَعَالَى :" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّه سَمْعكُمْ وَأَبْصَاركُمْ " [ الْأَنْعَام : ٤٦ ].
وَقَالَ :" وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة " [ السَّجْدَة : ٩ ].
قَالَ : وَالسَّمْع يُدْرَك بِهِ مِنْ الْجِهَات السِّتّ، وَفِي النُّور وَالظُّلْمَة، وَلَا يُدْرَك بِالْبَصَرِ إِلَّا مِنْ الْجِهَة الْمُقَابِلَة، وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاء وَشُعَاع وَقَالَ أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَر عَلَى السَّمْع ; لِأَنَّ السَّمْع لَا يُدْرَك بِهِ إِلَّا الْأَصْوَات وَالْكَلَام، وَالْبَصَر يُدْرَك بِهِ الْأَجْسَام وَالْأَلْوَان وَالْهَيْئَات كُلّهَا.
قَالُوا : فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاته أَكْثَر كَانَ أَفْضَل، وَأَجَازُوا الْإِدْرَاك بِالْبَصَرِ مِنْ الْجِهَات السِّتّ.
إِنْ قَالَ قَائِل : لِمَ جَمَعَ الْأَبْصَار وَوَحَّدَ السَّمْع ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَر يَقَع لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير، يُقَال : سَمِعْت الشَّيْء أَسْمَعهُ سَمْعًا وَسَمَاعًا، فَالسَّمْع مَصْدَر سَمِعْت، وَالسَّمْع أَيْضًا اِسْم لِلْجَارِحَةِ الْمَسْمُوع بِهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ السَّمْع إِلَى الْجَمَاعَة دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاد بِهِ أَسْمَاع الْجَمَاعَة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
إِنَّمَا يُرِيد جُلُودهَا فَوَحَّدَ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُون لِلْجَمَاعَةِ جِلْد وَاحِد.
وَقَالَ آخَر فِي مِثْله :
يُرِيد فِي حُلُوقكُمْ، وَمِثْله قَوْل الْآخَر :
وَإِنَّمَا يُرِيد وَجْهَيْنِ، فَقَالَ وَجْه تُرْكِيَّيْنِ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُون لِلِاثْنَيْنِ وَجْه وَاحِد، وَمِثْله كَثِير جِدًّا.
وَقُرِئَ :" وَعَلَى أَسْمَاعهمْ " وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَعَلَى مَوَاضِع سَمْعهمْ ; لِأَنَّ السَّمْع لَا يُخْتَم وَإِنَّمَا يُخْتَم مَوْضِع السَّمْع، فَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه.
وَقَدْ يَكُون السَّمْع بِمَعْنَى الِاسْتِمَاع، يُقَال : سَمْعك حَدِيثِي - أَيْ اِسْتِمَاعك إِلَى حَدِيثِي - يُعْجِبنِي، وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة يَصِف ثَوْرًا تَسَمَّعَ إِلَى صَوْت صَائِد وَكِلَاب :
أَيْ مَا فِي اِسْتِمَاعه كَذِب، أَيْ هُوَ صَادِق الِاسْتِمَاع.
وَالنَّدُس : الْحَاذِق.
وَالنَّبْأَة : الصَّوْت الْخَفِيّ، وَكَذَلِكَ الرِّكْز.
وَالسِّمْع ( بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْمِيم ) : ذِكْر الْإِنْسَان بِالْجَمِيلِ، يُقَال : ذَهَبَ سِمْعه فِي النَّاس أَيْ ذِكْره.
وَالسِّمْع أَيْضًا : وَلَد الذِّئْب مِنْ الضَّبُع.
وَالْوَقْف هُنَا :" وَعَلَى سَمْعهمْ ".
وَ " غِشَاوَة " رَفْع عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَر.
اِسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ فَضَّلَ السَّمْع عَلَى الْبَصَر لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ تَعَالَى :" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّه سَمْعكُمْ وَأَبْصَاركُمْ " [ الْأَنْعَام : ٤٦ ].
وَقَالَ :" وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة " [ السَّجْدَة : ٩ ].
قَالَ : وَالسَّمْع يُدْرَك بِهِ مِنْ الْجِهَات السِّتّ، وَفِي النُّور وَالظُّلْمَة، وَلَا يُدْرَك بِالْبَصَرِ إِلَّا مِنْ الْجِهَة الْمُقَابِلَة، وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاء وَشُعَاع وَقَالَ أَكْثَر الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَر عَلَى السَّمْع ; لِأَنَّ السَّمْع لَا يُدْرَك بِهِ إِلَّا الْأَصْوَات وَالْكَلَام، وَالْبَصَر يُدْرَك بِهِ الْأَجْسَام وَالْأَلْوَان وَالْهَيْئَات كُلّهَا.
قَالُوا : فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاته أَكْثَر كَانَ أَفْضَل، وَأَجَازُوا الْإِدْرَاك بِالْبَصَرِ مِنْ الْجِهَات السِّتّ.
إِنْ قَالَ قَائِل : لِمَ جَمَعَ الْأَبْصَار وَوَحَّدَ السَّمْع ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَر يَقَع لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير، يُقَال : سَمِعْت الشَّيْء أَسْمَعهُ سَمْعًا وَسَمَاعًا، فَالسَّمْع مَصْدَر سَمِعْت، وَالسَّمْع أَيْضًا اِسْم لِلْجَارِحَةِ الْمَسْمُوع بِهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ السَّمْع إِلَى الْجَمَاعَة دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاد بِهِ أَسْمَاع الْجَمَاعَة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| بِهَا جِيَف الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامهَا | فَبِيض وَأَمَّا جِلْدهَا فَصَلِيب |
وَقَالَ آخَر فِي مِثْله :
| لَا تُنْكِر الْقَتْل وَقَدْ سُبِينَا | فِي حَلْقكُمْ عَظْم وَقَدْ شَجِينَا |
| كَأَنَّهُ وَجْه تُرْكِيَّيْنِ قَدْ غَضِبَا | مُسْتَهْدَف لِطِعَانٍ غَيْر تَذْبِيب |
وَقُرِئَ :" وَعَلَى أَسْمَاعهمْ " وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَعَلَى مَوَاضِع سَمْعهمْ ; لِأَنَّ السَّمْع لَا يُخْتَم وَإِنَّمَا يُخْتَم مَوْضِع السَّمْع، فَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه.
وَقَدْ يَكُون السَّمْع بِمَعْنَى الِاسْتِمَاع، يُقَال : سَمْعك حَدِيثِي - أَيْ اِسْتِمَاعك إِلَى حَدِيثِي - يُعْجِبنِي، وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة يَصِف ثَوْرًا تَسَمَّعَ إِلَى صَوْت صَائِد وَكِلَاب :
| وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزًا مُقْفِر نَدُس | بِنَبْأَةِ الصَّوْت مَا فِي سِمْعه كَذِب |
وَالنَّدُس : الْحَاذِق.
وَالنَّبْأَة : الصَّوْت الْخَفِيّ، وَكَذَلِكَ الرِّكْز.
وَالسِّمْع ( بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْمِيم ) : ذِكْر الْإِنْسَان بِالْجَمِيلِ، يُقَال : ذَهَبَ سِمْعه فِي النَّاس أَيْ ذِكْره.
وَالسِّمْع أَيْضًا : وَلَد الذِّئْب مِنْ الضَّبُع.
وَالْوَقْف هُنَا :" وَعَلَى سَمْعهمْ ".
وَ " غِشَاوَة " رَفْع عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَر.
وَالضَّمَائِر فِي " قُلُوبهمْ " وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ لَا يُؤْمِن مِنْ كُفَّار قُرَيْش، وَقِيلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ مِنْ الْيَهُود، وَقِيلَ مِنْ الْجَمِيع، وَهُوَ أَصْوَب ; لِأَنَّهُ يَعُمّ.
فَالْخَتْم عَلَى الْقُلُوب وَالْأَسْمَاع.
وَالْغِشَاوَة عَلَى الْأَبْصَار.
وَالْغِشَاء : الْغِطَاء.
وَهِيَ : وَمِنْهُ غَاشِيَة السَّرْج، وَغَشِيت الشَّيْء أُغْشِيه.
قَالَ النَّابِغَة :
وَقَالَ آخَر :
قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَإِنْ جَمَعْت غِشَاوَة قُلْت : غِشَاء بِحَذْفِ الْهَاء.
وَحَكَى الْفَرَّاء : غَشَاوِي مِثْل أَدَاوِي.
وَقُرِئَ :" غِشَاوَة " بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى وَجَعَلَ، فَيَكُون مِنْ بَاب قَوْله :
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا
وَقَوْل الْآخَر :
الْمَعْنَى وَأَسْقَيْتهَا مَاء، وَحَامِلًا رُمْحًا ; لِأَنَّ الرُّمْح لَا يُتَقَلَّد.
قَالَ الْفَارِسِيّ : وَلَا تَكَاد تَجِد هَذَا الِاسْتِعْمَال فِي حَال سَعَة وَاخْتِيَار، فَقِرَاءَة الرَّفْع أَحْسَن، وَتَكُون الْوَاو عَاطِفَة جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
قَالَ : وَلَمْ أَسْمَع مِنْ الْغِشَاوَة فِعْلًا مُتَصَرِّفًا بِالْوَاوِ.
وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : الْغِشَاوَة عَلَى الْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار، وَالْوَقْف عَلَى " قُلُوبهمْ ".
وَقَالَ آخَرُونَ : الْخَتْم فِي الْجَمِيع، وَالْغِشَاوَة هِيَ الْخَتْم، فَالْوَقْف عَلَى هَذَا عَلَى " غِشَاوَة ".
وَقَرَأَ الْحَسَن " غُشَاوَة " بِضَمِّ الْغَيْن، وَقَرَأَ أَبُو جُوَيْبِر بِفَتْحِهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو : غِشْوَة، رَدَّهُ إِلَى أَصْل الْمَصْدَر.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : وَيَجُوز لِشَيْبَة وَغِشْوَة وَأَجْوَدهَا غِشَاوَة، كَذَلِكَ تَسْتَعْمِل الْعَرَب فِي كُلّ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الشَّيْء، نَحْو عِمَامَة وَكِنَانَة وَقِلَادَة وَعِصَابَة وَغَيْر ذَلِكَ.
فَالْخَتْم عَلَى الْقُلُوب وَالْأَسْمَاع.
وَالْغِشَاوَة عَلَى الْأَبْصَار.
وَالْغِشَاء : الْغِطَاء.
وَهِيَ : وَمِنْهُ غَاشِيَة السَّرْج، وَغَشِيت الشَّيْء أُغْشِيه.
قَالَ النَّابِغَة :
| هَلَّا سَأَلْت بَنِي الصِّلَاب مَا حَسْبِي | إِذَا الدُّخَان تَغَشَّى الْأَشْمَط الْبَرَمَا |
| صَحِبْتُك إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَة | فَلَمَّا اِنْجَلَتْ قَطَّعْت نَفْسِي أَلُومهَا |
وَحَكَى الْفَرَّاء : غَشَاوِي مِثْل أَدَاوِي.
وَقُرِئَ :" غِشَاوَة " بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى وَجَعَلَ، فَيَكُون مِنْ بَاب قَوْله :
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا
وَقَوْل الْآخَر :
| يَا لَيْتَ زَوْجك قَدْ غَدَا | مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا |
قَالَ الْفَارِسِيّ : وَلَا تَكَاد تَجِد هَذَا الِاسْتِعْمَال فِي حَال سَعَة وَاخْتِيَار، فَقِرَاءَة الرَّفْع أَحْسَن، وَتَكُون الْوَاو عَاطِفَة جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
قَالَ : وَلَمْ أَسْمَع مِنْ الْغِشَاوَة فِعْلًا مُتَصَرِّفًا بِالْوَاوِ.
وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : الْغِشَاوَة عَلَى الْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار، وَالْوَقْف عَلَى " قُلُوبهمْ ".
وَقَالَ آخَرُونَ : الْخَتْم فِي الْجَمِيع، وَالْغِشَاوَة هِيَ الْخَتْم، فَالْوَقْف عَلَى هَذَا عَلَى " غِشَاوَة ".
وَقَرَأَ الْحَسَن " غُشَاوَة " بِضَمِّ الْغَيْن، وَقَرَأَ أَبُو جُوَيْبِر بِفَتْحِهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو : غِشْوَة، رَدَّهُ إِلَى أَصْل الْمَصْدَر.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : وَيَجُوز لِشَيْبَة وَغِشْوَة وَأَجْوَدهَا غِشَاوَة، كَذَلِكَ تَسْتَعْمِل الْعَرَب فِي كُلّ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الشَّيْء، نَحْو عِمَامَة وَكِنَانَة وَقِلَادَة وَعِصَابَة وَغَيْر ذَلِكَ.
وَلَهُمْ
أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ
أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ
عَذَابٌ عَظِيمٌ
نَعْته.
وَالْعَذَاب مِثْل الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَالْحَرْق بِالنَّارِ وَالْقَطْع بِالْحَدِيدِ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُؤْلِم الْإِنْسَان.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [ النُّور : ٢ ] وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْحَبْس وَالْمَنْع، يُقَال فِي اللُّغَة : أَعْذِبْهُ عَنْ كَذَا أَيْ اِحْبِسْهُ وَامْنَعْهُ، وَمَنّهُ سُمِّيَ عُذُوبَة الْمَاء ; لِأَنَّهَا قَدْ أُعْذِبَتْ.
وَاسْتُعْذِبَ بِالْحَبْسِ فِي الْوِعَاء لِيَصْفُوَ وَيُفَارِقهُ مَا خَالَطَهُ، وَمِنْهُ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَعْذِبُوا نِسَاءَكُمْ عَنْ الْخُرُوج، أَيْ الْأَبْطَح.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ شَيَّعَ سَرِيَّة فَقَالَ : أَعْذِبُوا عَنْ ذِكْر النِّسَاء [ أَنْفُسكُمْ ] فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْسِركُمْ عَنْ الْغَزْو، وَكُلّ مَنْ مَنَعْته شَيْئًا فَقَدْ أَعْذَبْته، وَفِي الْمَثَل :" لَأُلْجِمَنَّكَ لِجَامًا مُعْذِبًا " أَيْ مَانِعًا عَنْ رُكُوب النَّاس.
وَيُقَال : أَعْذَبَ أَيْ اِمْتَنَعَ.
وَأَعْذَبَ غَيْره، فَهُوَ لَازِم وَمُتَعَدٍّ، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّ صَاحِبه يُحْبَس وَيُمْنَع عَنْهُ جَمِيع مَا يُلَائِم الْجَسَد مِنْ الْخَيْر وَيُهَال عَلَيْهِ أَضْدَادهَا.
نَعْته.
وَالْعَذَاب مِثْل الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَالْحَرْق بِالنَّارِ وَالْقَطْع بِالْحَدِيدِ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُؤْلِم الْإِنْسَان.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [ النُّور : ٢ ] وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْحَبْس وَالْمَنْع، يُقَال فِي اللُّغَة : أَعْذِبْهُ عَنْ كَذَا أَيْ اِحْبِسْهُ وَامْنَعْهُ، وَمَنّهُ سُمِّيَ عُذُوبَة الْمَاء ; لِأَنَّهَا قَدْ أُعْذِبَتْ.
وَاسْتُعْذِبَ بِالْحَبْسِ فِي الْوِعَاء لِيَصْفُوَ وَيُفَارِقهُ مَا خَالَطَهُ، وَمِنْهُ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَعْذِبُوا نِسَاءَكُمْ عَنْ الْخُرُوج، أَيْ الْأَبْطَح.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ شَيَّعَ سَرِيَّة فَقَالَ : أَعْذِبُوا عَنْ ذِكْر النِّسَاء [ أَنْفُسكُمْ ] فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْسِركُمْ عَنْ الْغَزْو، وَكُلّ مَنْ مَنَعْته شَيْئًا فَقَدْ أَعْذَبْته، وَفِي الْمَثَل :" لَأُلْجِمَنَّكَ لِجَامًا مُعْذِبًا " أَيْ مَانِعًا عَنْ رُكُوب النَّاس.
وَيُقَال : أَعْذَبَ أَيْ اِمْتَنَعَ.
وَأَعْذَبَ غَيْره، فَهُوَ لَازِم وَمُتَعَدٍّ، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّ صَاحِبه يُحْبَس وَيُمْنَع عَنْهُ جَمِيع مَا يُلَائِم الْجَسَد مِنْ الْخَيْر وَيُهَال عَلَيْهِ أَضْدَادهَا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
فِيهِ سَبْع مَسَائِل :
الْأُولَى : رَوَى اِبْن زُرَيْع عَنْ مُجَاهِد قَالَ : نَزَلَتْ أَرْبَع آيَات مِنْ سُورَة الْبَقَرَة فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَاثْنَتَانِ فِي نَعْت الْكَافِرِينَ، وَثَلَاث عَشْرَة فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَرَوَى أَسْبَاط عَنْ جُرَيْج فِي قَوْله :" وَمِنْ النَّاس " قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ.
وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : النَّاس اِسْم جِنْس، وَاسْم الْجِنْس لَا يُخَاطَب بِهِ الْأَوْلِيَاء.
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي لَفْظ النَّاس، فَقِيلَ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْجُمُوع، جَمْع إِنْسَان وَإِنْسَانَة، عَلَى غَيْر اللَّفْظ، وَتَصْغِيره نُوَيْس.
فَالنَّاس مِنْ النَّوْس وَهُوَ الْحَرَكَة، يُقَال : نَاس يَنُوس أَيْ تَحَرَّكَ، وَمِنْهُ حَدِيث أُمّ زَرْع :" أُنَاس مِنْ حُلِيّ أُذُنِي ".
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ نَسِيَ، فَأَصْل نَاس نَسِيَ قُلِبَ فَصَارَ نِيسَ تَحَرَّكَتْ الْيَاء فَانْفَتَحَ مَا قَبْلهَا فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا، ثُمَّ دَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام فَقِيلَ : النَّاس.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسِيَ آدَم عَهْد اللَّه فَسُمِّيَ إِنْسَانًا.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( نَسِيَ آدَم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّته ).
وَفِي التَّنْزِيل :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ " [ طَه : ١١٥ ] وَسَيَأْتِي وَعَلَى هَذَا فَالْهَمْزَة زَائِدَة، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ آخَر :
وَقِيلَ : سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأُنْسِهِ بِحَوَّاء.
وَقِيلَ : لِأُنْسِهِ بِرَبِّهِ، فَالْهَمْزَة أَصْلِيَّة، قَالَ الشَّاعِر :
الثَّالِثَة : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه جَلَّ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا، وَبَدَأَ بِهِمْ لِشَرَفِهِمْ وَفَضْلهمْ، ذَكَرَ الْكَافِرِينَ فِي مُقَابَلَتهمْ، إِذْ الْكُفْر وَالْإِيمَان طَرَفَانِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدهمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْكَافِرِينَ قَبْلهمْ، لِنَفْيِ الْإِيمَان عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ الْحَقّ :" وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ".
فَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْكَرَامِيَّة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ الْإِيمَان قَوْل بِاللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِد بِالْقَلْبِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِمَا قَالُوا " [ الْمَائِدَة : ٨٥ ].
وَلَمْ يَقُلْ : بِمَا قَالُوا وَأَضْمَرُوا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ ).
وَهَذَا مِنْهُمْ قُصُور وَجُمُود، وَتَرْك نَظَر لِمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة مِنْ الْعَمَل مَعَ الْقَوْل وَالِاعْتِقَاد، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِيمَان مَعْرِفَة بِالْقَلْبِ وَقَوْل بِاللِّسَانِ وَعَمَل بِالْأَرْكَانِ ).
أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
فِيهِ سَبْع مَسَائِل :
الْأُولَى : رَوَى اِبْن زُرَيْع عَنْ مُجَاهِد قَالَ : نَزَلَتْ أَرْبَع آيَات مِنْ سُورَة الْبَقَرَة فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَاثْنَتَانِ فِي نَعْت الْكَافِرِينَ، وَثَلَاث عَشْرَة فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَرَوَى أَسْبَاط عَنْ جُرَيْج فِي قَوْله :" وَمِنْ النَّاس " قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ.
وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : النَّاس اِسْم جِنْس، وَاسْم الْجِنْس لَا يُخَاطَب بِهِ الْأَوْلِيَاء.
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي لَفْظ النَّاس، فَقِيلَ : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْجُمُوع، جَمْع إِنْسَان وَإِنْسَانَة، عَلَى غَيْر اللَّفْظ، وَتَصْغِيره نُوَيْس.
فَالنَّاس مِنْ النَّوْس وَهُوَ الْحَرَكَة، يُقَال : نَاس يَنُوس أَيْ تَحَرَّكَ، وَمِنْهُ حَدِيث أُمّ زَرْع :" أُنَاس مِنْ حُلِيّ أُذُنِي ".
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ نَسِيَ، فَأَصْل نَاس نَسِيَ قُلِبَ فَصَارَ نِيسَ تَحَرَّكَتْ الْيَاء فَانْفَتَحَ مَا قَبْلهَا فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا، ثُمَّ دَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام فَقِيلَ : النَّاس.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَسِيَ آدَم عَهْد اللَّه فَسُمِّيَ إِنْسَانًا.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( نَسِيَ آدَم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّته ).
وَفِي التَّنْزِيل :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ " [ طَه : ١١٥ ] وَسَيَأْتِي وَعَلَى هَذَا فَالْهَمْزَة زَائِدَة، قَالَ الشَّاعِر :
| لَا تَنْسَيَنْ تِلْكَ الْعُهُود فَإِنَّمَا | سُمِّيت إِنْسَانًا لِأَنَّك نَاسِي |
| فَإِنْ نَسِيت عُهُودًا مِنْك سَالِفَة | فَاغْفِرْ فَأَوَّل نَاس أَوَّل النَّاس |
وَقِيلَ : لِأُنْسِهِ بِرَبِّهِ، فَالْهَمْزَة أَصْلِيَّة، قَالَ الشَّاعِر :
| وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَان إِلَّا لِأُنْسِهِ | وَلَا الْقَلْب إِلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّب |
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدهمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْكَافِرِينَ قَبْلهمْ، لِنَفْيِ الْإِيمَان عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ الْحَقّ :" وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ".
فَفِي هَذَا رَدّ عَلَى الْكَرَامِيَّة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ الْإِيمَان قَوْل بِاللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِد بِالْقَلْبِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِمَا قَالُوا " [ الْمَائِدَة : ٨٥ ].
وَلَمْ يَقُلْ : بِمَا قَالُوا وَأَضْمَرُوا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ ).
وَهَذَا مِنْهُمْ قُصُور وَجُمُود، وَتَرْك نَظَر لِمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة مِنْ الْعَمَل مَعَ الْقَوْل وَالِاعْتِقَاد، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِيمَان مَعْرِفَة بِالْقَلْبِ وَقَوْل بِاللِّسَانِ وَعَمَل بِالْأَرْكَانِ ).
أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
فَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن كَرَّام السِّجِسْتَانِيّ وَأَصْحَابه هُوَ النِّفَاق وَعَيْن الشِّقَاق، وَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَان وَسُوء الِاعْتِقَاد.
الرَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : الْمُؤْمِن ضَرْبَانِ : مُؤْمِن يُحِبّهُ اللَّه وَيُوَالِيه، وَمُؤْمِن لَا يُحِبّهُ اللَّه وَلَا يُوَالِيه، بَلْ يُبْغِضهُ وَيُعَادِيه، فَكُلّ مَنْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّه مُحِبّ لَهُ، مُوَالٍ لَهُ، رَاضٍ عَنْهُ.
وَكُلّ مَنْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ يُوَافِي بِالْكُفْرِ، فَاَللَّه مُبْغِض لَهُ، سَاخِط عَلَيْهِ، مُعَادٍ لَهُ، لَا لِأَجْلِ إِيمَانه، وَلَكِنْ لِكُفْرِهِ وَضَلَاله الَّذِي يُوَافِي بِهِ.
وَالْكَافِر ضَرْبَانِ : كَافِر يُعَاقَب لَا مَحَالَة، وَكَافِر لَا يُعَاقَب.
فَاَلَّذِي يُعَاقَب هُوَ الَّذِي يُوَافِي بِالْكُفْرِ، فَاَللَّه سَاخِط عَلَيْهِ مُعَادٍ لَهُ.
وَاَلَّذِي لَا يُعَاقَب هُوَ الْمُوَافِي بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّه غَيْر سَاخِط عَلَى هَذَا وَلَا مُبْغِض لَهُ، بَلْ مُحِبّ لَهُ مُوَالٍ، لَا لِكُفْرِهِ لَكِنْ لِإِيمَانِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
فَلَا يَجُوز أَنْ يُطْلِق الْقَوْل وَهِيَ : الْخَامِسَة : بِأَنَّ الْمُؤْمِن يَسْتَحِقّ الثَّوَاب، وَالْكَافِر يَسْتَحِقّ الْعِقَاب، بَلْ يَجِب تَقْيِيده بِالْمُوَافَاةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا قُلْنَا : إِنَّ اللَّه رَاضٍ عَنْ عُمَر فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ يَعْبُد الْأَصْنَام، وَمُرِيد لِثَوَابِهِ وَدُخُوله الْجَنَّة، لَا لِعِبَادَتِهِ الصَّنَم، لَكِنْ لِإِيمَانِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى سَاخِط عَلَى إِبْلِيس فِي حَال عِبَادَته، لِكُفْرِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
وَخَالَفَتْ الْقَدَرِيَّة فِي هَذَا وَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه لَمْ يَكُنْ سَاخِطًا عَلَى إِبْلِيس وَقْت عِبَادَته، وَلَا رَاضِيًا عَنْ عُمَر وَقْت عِبَادَته لِلصَّنَمِ.
وَهَذَا فَاسِد، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانه عَالِم بِمَا يُوَافِي بِهِ إِبْلِيس لَعَنَهُ اللَّه، وَبِمَا يُوَافِي بِهِ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ سَاخِطًا عَلَى إِبْلِيس مُحِبًّا لِعُمَر.
وَيَدُلّ عَلَيْهِ إِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى غَيْر مُحِبّ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار، بَلْ هُوَ سَاخِط عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُحِبّ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ) وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : لَيْسَ الْإِيمَان مَا يَتَزَيَّن بِهِ الْعَبْد قَوْلًا وَفِعْلًا، لَكِنَّ الْإِيمَان جَرْي السَّعَادَة فِي سَوَابِق الْأَزَل، وَأَمَّا ظُهُوره عَلَى الْهَيَاكِل فَرُبَّمَا يَكُون عَارِيًا، وَرُبَّمَا يَكُون حَقِيقَة.
الرَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : الْمُؤْمِن ضَرْبَانِ : مُؤْمِن يُحِبّهُ اللَّه وَيُوَالِيه، وَمُؤْمِن لَا يُحِبّهُ اللَّه وَلَا يُوَالِيه، بَلْ يُبْغِضهُ وَيُعَادِيه، فَكُلّ مَنْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّه مُحِبّ لَهُ، مُوَالٍ لَهُ، رَاضٍ عَنْهُ.
وَكُلّ مَنْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ يُوَافِي بِالْكُفْرِ، فَاَللَّه مُبْغِض لَهُ، سَاخِط عَلَيْهِ، مُعَادٍ لَهُ، لَا لِأَجْلِ إِيمَانه، وَلَكِنْ لِكُفْرِهِ وَضَلَاله الَّذِي يُوَافِي بِهِ.
وَالْكَافِر ضَرْبَانِ : كَافِر يُعَاقَب لَا مَحَالَة، وَكَافِر لَا يُعَاقَب.
فَاَلَّذِي يُعَاقَب هُوَ الَّذِي يُوَافِي بِالْكُفْرِ، فَاَللَّه سَاخِط عَلَيْهِ مُعَادٍ لَهُ.
وَاَلَّذِي لَا يُعَاقَب هُوَ الْمُوَافِي بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّه غَيْر سَاخِط عَلَى هَذَا وَلَا مُبْغِض لَهُ، بَلْ مُحِبّ لَهُ مُوَالٍ، لَا لِكُفْرِهِ لَكِنْ لِإِيمَانِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
فَلَا يَجُوز أَنْ يُطْلِق الْقَوْل وَهِيَ : الْخَامِسَة : بِأَنَّ الْمُؤْمِن يَسْتَحِقّ الثَّوَاب، وَالْكَافِر يَسْتَحِقّ الْعِقَاب، بَلْ يَجِب تَقْيِيده بِالْمُوَافَاةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا قُلْنَا : إِنَّ اللَّه رَاضٍ عَنْ عُمَر فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ يَعْبُد الْأَصْنَام، وَمُرِيد لِثَوَابِهِ وَدُخُوله الْجَنَّة، لَا لِعِبَادَتِهِ الصَّنَم، لَكِنْ لِإِيمَانِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى سَاخِط عَلَى إِبْلِيس فِي حَال عِبَادَته، لِكُفْرِهِ الْمُوَافِي بِهِ.
وَخَالَفَتْ الْقَدَرِيَّة فِي هَذَا وَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه لَمْ يَكُنْ سَاخِطًا عَلَى إِبْلِيس وَقْت عِبَادَته، وَلَا رَاضِيًا عَنْ عُمَر وَقْت عِبَادَته لِلصَّنَمِ.
وَهَذَا فَاسِد، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانه عَالِم بِمَا يُوَافِي بِهِ إِبْلِيس لَعَنَهُ اللَّه، وَبِمَا يُوَافِي بِهِ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ سَاخِطًا عَلَى إِبْلِيس مُحِبًّا لِعُمَر.
وَيَدُلّ عَلَيْهِ إِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى غَيْر مُحِبّ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار، بَلْ هُوَ سَاخِط عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُحِبّ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة، وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ) وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : لَيْسَ الْإِيمَان مَا يَتَزَيَّن بِهِ الْعَبْد قَوْلًا وَفِعْلًا، لَكِنَّ الْإِيمَان جَرْي السَّعَادَة فِي سَوَابِق الْأَزَل، وَأَمَّا ظُهُوره عَلَى الْهَيَاكِل فَرُبَّمَا يَكُون عَارِيًا، وَرُبَّمَا يَكُون حَقِيقَة.
قُلْت : هَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِق الْمَصْدُوق :( إِنَّ أَحَدكُمْ يُجْمَع خَلْقه فِي بَطْن أُمّه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُون فِي ذَلِكَ عَلَقَة مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ يَكُون فِي ذَلِكَ مُضْغَة مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسِل اللَّه الْمَلَك فَيَنْفُخ فِيهِ الرُّوح وَيُؤْمَر بِأَرْبَعِ كَلِمَات بِكَتْبِ رِزْقه وَأَجَله وَعَمَله وَشَقِيّ أَوْ سَعِيد فَوَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُلهَا وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُلهَا ).
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ :- السَّادِسَة : فَقَدْ خَرَّجَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن سَعِيد الشَّامِيّ الْمَصْلُوب فِي الزَّنْدَقَة، وَهُوَ مُحَمَّد بْن أَبِي قَيْس، عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى وَهُوَ الْأَشْدَق، عَنْ مُجَاهِد بْن جَبْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَخْبَرَنَا أَبُو رَزِين الْعُقَيْلِيّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَأَشْرَبَنَّ أَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا رَزِين مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه ) قَالَ قُلْت : كَيْف يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى ؟ قَالَ :( أَمَا مَرَرْت بِأَرْضٍ لَك مُجْدِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُخْصِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُجْدِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُخْصِبَة ) قُلْت : بَلَى.
قَالَ :( كَذَلِكَ النُّشُور ) قَالَ قُلْت : كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَم أَنِّي مُؤْمِن ؟ قَالَ :( لَيْسَ أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة - قَالَ اِبْن أَبِي قَيْس : أَوْ قَالَ مِنْ أُمَّتِي - عَمِلَ حَسَنَة وَعَلِمَ أَنَّهَا حَسَنَة وَأَنَّ اللَّه جَازِيه بِهَا خَيْرًا أَوْ عَمِلَ سَيِّئَة وَعَلِمَ أَنَّهَا سَيِّئَة وَأَنَّ اللَّه جَازِيه بِهَا شَرًّا أَوْ يَغْفِرهَا إِلَّا مُؤْمِن ).
قُلْت : وَهَذَا الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ سَنَده لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيح وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود، فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْقُوف عَلَى الْخَاتِمَة، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ).
وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِن فِي الْحَال، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاء اللُّغَة : إِنَّمَا سُمِّيَ الْمُنَافِق مُنَافِقًا لِإِظْهَارِهِ غَيْر مَا يُضْمِر، تَشْبِيهًا بِالْيَرْبُوعِ، لَهُ جُحْر يُقَال لَهُ : النَّافِقَاء، وَآخَر يُقَال لَهُ : الْقَاصِعَاء.
وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرِق الْأَرْض حَتَّى إِذَا كَادَ يَبْلُغ ظَاهِر الْأَرْض أَرَقَّ التُّرَاب، فَإِذَا رَابَهُ رَيْب دَفَعَ ذَلِكَ التُّرَاب بِرَأْسِهِ فَخَرَجَ، فَظَاهِر جُحْره تُرَاب، وَبَاطِنه حَفْر.
وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق ظَاهِره إِيمَان، وَبَاطِنه كُفْر، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ :- السَّادِسَة : فَقَدْ خَرَّجَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيّ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن سَعِيد الشَّامِيّ الْمَصْلُوب فِي الزَّنْدَقَة، وَهُوَ مُحَمَّد بْن أَبِي قَيْس، عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى وَهُوَ الْأَشْدَق، عَنْ مُجَاهِد بْن جَبْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَخْبَرَنَا أَبُو رَزِين الْعُقَيْلِيّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَأَشْرَبَنَّ أَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا رَزِين مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه ) قَالَ قُلْت : كَيْف يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى ؟ قَالَ :( أَمَا مَرَرْت بِأَرْضٍ لَك مُجْدِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُخْصِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُجْدِبَة ثُمَّ مَرَرْت بِهَا مُخْصِبَة ) قُلْت : بَلَى.
قَالَ :( كَذَلِكَ النُّشُور ) قَالَ قُلْت : كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَم أَنِّي مُؤْمِن ؟ قَالَ :( لَيْسَ أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة - قَالَ اِبْن أَبِي قَيْس : أَوْ قَالَ مِنْ أُمَّتِي - عَمِلَ حَسَنَة وَعَلِمَ أَنَّهَا حَسَنَة وَأَنَّ اللَّه جَازِيه بِهَا خَيْرًا أَوْ عَمِلَ سَيِّئَة وَعَلِمَ أَنَّهَا سَيِّئَة وَأَنَّ اللَّه جَازِيه بِهَا شَرًّا أَوْ يَغْفِرهَا إِلَّا مُؤْمِن ).
قُلْت : وَهَذَا الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ سَنَده لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيح وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود، فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْقُوف عَلَى الْخَاتِمَة، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ).
وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِن فِي الْحَال، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : قَالَ عُلَمَاء اللُّغَة : إِنَّمَا سُمِّيَ الْمُنَافِق مُنَافِقًا لِإِظْهَارِهِ غَيْر مَا يُضْمِر، تَشْبِيهًا بِالْيَرْبُوعِ، لَهُ جُحْر يُقَال لَهُ : النَّافِقَاء، وَآخَر يُقَال لَهُ : الْقَاصِعَاء.
وَذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرِق الْأَرْض حَتَّى إِذَا كَادَ يَبْلُغ ظَاهِر الْأَرْض أَرَقَّ التُّرَاب، فَإِذَا رَابَهُ رَيْب دَفَعَ ذَلِكَ التُّرَاب بِرَأْسِهِ فَخَرَجَ، فَظَاهِر جُحْره تُرَاب، وَبَاطِنه حَفْر.
وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق ظَاهِره إِيمَان، وَبَاطِنه كُفْر، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : مَعْنَى " يُخَادِعُونَ اللَّه " أَيْ يُخَادِعُونَهُ عِنْد أَنْفُسهمْ وَعَلَى ظَنّهمْ.
وَقِيلَ : قَالَ ذَلِكَ لِعَمَلِهِمْ عَمَل الْمُخَادِع.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف، تَقْدِيره : يُخَادِعُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الْحَسَن وَغَيْره.
وَجَعَلَ خِدَاعهمْ لِرَسُولِهِ خِدَاعًا لَهُ، لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ بِرِسَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَادَعُوا الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ خَادَعُوا اللَّه.
وَمُخَادَعَتهمْ : مَا أَظْهَرُوهُ مِنْ الْإِيمَان خِلَاف مَا أَبْطَنُوهُ مِنْ الْكُفْر، لِيَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَخَدَعُوا، قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ.
وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : أَصْل الْخَدْع فِي كَلَام الْعَرَب الْفَسَاد، حَكَاهُ ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ.
وَأَنْشَدَ :
قُلْت : فَـ " يُخَادِعُونَ اللَّه " عَلَى هَذَا، أَيْ يُفْسِدُونَ إِيمَانهمْ وَأَعْمَالهمْ فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى بِالرِّيَاءِ.
وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِي التَّنْزِيل :" يُرَاءُونَ النَّاس ".
[ النِّسَاء : ١٤٢ ] وَقِيلَ : أَصْله الْإِخْفَاء، وَمِنْهُ مَخْدَع الْبَيْت الَّذِي يُحْرَز فِيهِ الشَّيْء، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَغَيْره.
وَتَقُول الْعَرَب : اِنْخَدَعَ الضَّبّ فِي جُحْره.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : مَعْنَى " يُخَادِعُونَ اللَّه " أَيْ يُخَادِعُونَهُ عِنْد أَنْفُسهمْ وَعَلَى ظَنّهمْ.
وَقِيلَ : قَالَ ذَلِكَ لِعَمَلِهِمْ عَمَل الْمُخَادِع.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف، تَقْدِيره : يُخَادِعُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الْحَسَن وَغَيْره.
وَجَعَلَ خِدَاعهمْ لِرَسُولِهِ خِدَاعًا لَهُ، لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ بِرِسَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَادَعُوا الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ خَادَعُوا اللَّه.
وَمُخَادَعَتهمْ : مَا أَظْهَرُوهُ مِنْ الْإِيمَان خِلَاف مَا أَبْطَنُوهُ مِنْ الْكُفْر، لِيَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَخَدَعُوا، قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ.
وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : أَصْل الْخَدْع فِي كَلَام الْعَرَب الْفَسَاد، حَكَاهُ ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ.
وَأَنْشَدَ :
| أَبْيَض اللَّوْن لَذِيذ طَعْمه | طَيِّب الرِّيق إِذَا الرِّيق خَدَعْ |
وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِي التَّنْزِيل :" يُرَاءُونَ النَّاس ".
[ النِّسَاء : ١٤٢ ] وَقِيلَ : أَصْله الْإِخْفَاء، وَمِنْهُ مَخْدَع الْبَيْت الَّذِي يُحْرَز فِيهِ الشَّيْء، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَغَيْره.
وَتَقُول الْعَرَب : اِنْخَدَعَ الضَّبّ فِي جُحْره.
وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
نَفْي وَإِيجَاب، أَيْ مَا تَحِلّ عَاقِبَة الْخَدْع إِلَّا بِهِمْ.
وَمِنْ كَلَامهمْ : مَنْ خَدَعَ مَنْ لَا يُخْدَع فَإِنَّمَا يَخْدَع نَفْسه.
وَهَذَا صَحِيح، لِأَنَّ الْخِدَاع إِنَّمَا يَكُون مَعَ مَنْ لَا يَعْرِف الْبَوَاطِن، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الْبَوَاطِن فَمَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْخِدَاع فَإِنَّمَا يَخْدَع نَفْسه.
وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّه ; إِذْ لَوْ عَرَفُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُخْدَع، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( لَا تُخَادِع اللَّه فَإِنَّهُ مَنْ يُخَادِع اللَّه يَخْدَعهُ اللَّه وَنَفْسه يَخْدَع لَوْ يَشْعُر ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، وَكَيْف يُخَادِع اللَّه ؟ قَالَ :( تَعْمَل بِمَا أَمَرَك اللَّه بِهِ وَتَطْلُب بِهِ غَيْره ).
وَسَيَأْتِي بَيَان الْخَدْع مِنْ اللَّه تَعَالَى كَيْفَ هُوَ عِنْد قَوْله تَعَالَى :" اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ " [ الْبَقَرَة : ١٥ ].
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو :" يُخَادِعُونَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، لِيَتَجَانَس اللَّفْظَانِ.
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَابْن عَامِر :" يَخْدَعُونَ " الثَّانِي.
وَالْمَصْدَر خِدْع ( بِكَسْرِ الْخَاء ) وَخَدِيعَة، حَكَى ذَلِكَ أَبُو زَيْد.
وَقَرَأَ مُوَرِّق الْعِجْلِيّ :" يُخَدِّعُونَ اللَّه " ( بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْخَاء وَتَشْدِيد الدَّال ) عَلَى التَّكْثِير.
وَقَرَأَ أَبُو طَالُوت عَبْد السَّلَام بْن شَدَّاد وَالْجَارُود بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الْخَاء وَفَتْح الدَّال، عَلَى مَعْنَى وَمَا يُخْدَعُونَ إِلَّا عَنْ أَنْفُسهمْ، فَحَذَفَ حَرْف الْجَرّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ " [ الْأَعْرَاف : ١٥٥ ] أَيْ مِنْ قَوْمِهِ.
نَفْي وَإِيجَاب، أَيْ مَا تَحِلّ عَاقِبَة الْخَدْع إِلَّا بِهِمْ.
وَمِنْ كَلَامهمْ : مَنْ خَدَعَ مَنْ لَا يُخْدَع فَإِنَّمَا يَخْدَع نَفْسه.
وَهَذَا صَحِيح، لِأَنَّ الْخِدَاع إِنَّمَا يَكُون مَعَ مَنْ لَا يَعْرِف الْبَوَاطِن، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الْبَوَاطِن فَمَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْخِدَاع فَإِنَّمَا يَخْدَع نَفْسه.
وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّه ; إِذْ لَوْ عَرَفُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُخْدَع، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( لَا تُخَادِع اللَّه فَإِنَّهُ مَنْ يُخَادِع اللَّه يَخْدَعهُ اللَّه وَنَفْسه يَخْدَع لَوْ يَشْعُر ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، وَكَيْف يُخَادِع اللَّه ؟ قَالَ :( تَعْمَل بِمَا أَمَرَك اللَّه بِهِ وَتَطْلُب بِهِ غَيْره ).
وَسَيَأْتِي بَيَان الْخَدْع مِنْ اللَّه تَعَالَى كَيْفَ هُوَ عِنْد قَوْله تَعَالَى :" اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ " [ الْبَقَرَة : ١٥ ].
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو :" يُخَادِعُونَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، لِيَتَجَانَس اللَّفْظَانِ.
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَابْن عَامِر :" يَخْدَعُونَ " الثَّانِي.
وَالْمَصْدَر خِدْع ( بِكَسْرِ الْخَاء ) وَخَدِيعَة، حَكَى ذَلِكَ أَبُو زَيْد.
وَقَرَأَ مُوَرِّق الْعِجْلِيّ :" يُخَدِّعُونَ اللَّه " ( بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْخَاء وَتَشْدِيد الدَّال ) عَلَى التَّكْثِير.
وَقَرَأَ أَبُو طَالُوت عَبْد السَّلَام بْن شَدَّاد وَالْجَارُود بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الْخَاء وَفَتْح الدَّال، عَلَى مَعْنَى وَمَا يُخْدَعُونَ إِلَّا عَنْ أَنْفُسهمْ، فَحَذَفَ حَرْف الْجَرّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ " [ الْأَعْرَاف : ١٥٥ ] أَيْ مِنْ قَوْمِهِ.
وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيْ يَفْطِنُونَ أَنَّ وَبَال خَدْعهمْ رَاجِع عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا بِخَدْعِهِمْ وَفَازُوا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَة يُقَال لَهُمْ :" اِرْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا " [ الْحَدِيد : ١٣ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ أَهْل اللُّغَة : شَعَرْت بِالشَّيْءِ أَيْ فَطِنْت لَهُ، وَمِنْهُ الشَّاعِر لِفِطْنَتِهِ ; لِأَنَّهُ يَفْطِن لِمَا لَا يَفْطِن لَهُ غَيْره مِنْ غَرِيب الْمَعَانِي.
وَمِنْهُ قَوْلهمْ : لَيْتَ شِعْرِي، أَيْ لَيْتَنِي عَلِمْت.
أَيْ يَفْطِنُونَ أَنَّ وَبَال خَدْعهمْ رَاجِع عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا بِخَدْعِهِمْ وَفَازُوا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَة يُقَال لَهُمْ :" اِرْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا " [ الْحَدِيد : ١٣ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ أَهْل اللُّغَة : شَعَرْت بِالشَّيْءِ أَيْ فَطِنْت لَهُ، وَمِنْهُ الشَّاعِر لِفِطْنَتِهِ ; لِأَنَّهُ يَفْطِن لِمَا لَا يَفْطِن لَهُ غَيْره مِنْ غَرِيب الْمَعَانِي.
وَمِنْهُ قَوْلهمْ : لَيْتَ شِعْرِي، أَيْ لَيْتَنِي عَلِمْت.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْمَرَض عِبَارَة مُسْتَعَارَة لِلْفَسَادِ الَّذِي فِي عَقَائِدهمْ.
وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُون شَكًّا وَنِفَاقًا، وَإِمَّا جَحْدًا وَتَكْذِيبًا.
وَالْمَعْنَى : قُلُوبهمْ مَرْضَى لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِصْمَة وَالتَّوْفِيق وَالرِّعَايَة وَالتَّأْيِيد.
قَالَ اِبْن فَارِس اللُّغَوِيّ : الْمَرَض كُلّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَان عَنْ حَدّ الصِّحَّة مِنْ عِلَّة أَوْ نِفَاق أَوْ تَقْصِير فِي أَمْر.
وَالْقُرَّاء مُجْمِعُونَ عَلَى فَتْح الرَّاء مِنْ " مَرَض " إِلَّا مَا رَوَى الْأَصْمَعِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ سَكَّنَ الرَّاء.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْمَرَض عِبَارَة مُسْتَعَارَة لِلْفَسَادِ الَّذِي فِي عَقَائِدهمْ.
وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُون شَكًّا وَنِفَاقًا، وَإِمَّا جَحْدًا وَتَكْذِيبًا.
وَالْمَعْنَى : قُلُوبهمْ مَرْضَى لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِصْمَة وَالتَّوْفِيق وَالرِّعَايَة وَالتَّأْيِيد.
قَالَ اِبْن فَارِس اللُّغَوِيّ : الْمَرَض كُلّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَان عَنْ حَدّ الصِّحَّة مِنْ عِلَّة أَوْ نِفَاق أَوْ تَقْصِير فِي أَمْر.
وَالْقُرَّاء مُجْمِعُونَ عَلَى فَتْح الرَّاء مِنْ " مَرَض " إِلَّا مَا رَوَى الْأَصْمَعِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ سَكَّنَ الرَّاء.
فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا
قِيلَ : هُوَ دُعَاء عَلَيْهِمْ.
وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : زَادَهُمْ اللَّه شَكًّا وَنِفَاقًا جَزَاء عَلَى كُفْرهمْ وَضَعْفًا عَنْ الِانْتِصَار وَعَجْزًا عَنْ الْقُدْرَة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
أَيْ لَا تَهُدّهَا عَلَى الِانْتِصَار فِيمَا غَضِبَتْ مِنْهُ.
وَعَلَى هَذَا يَكُون فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز الدُّعَاء عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالطَّرْد لَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ شَرّ خَلْق اللَّه.
وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ زِيَادَة مَرَضهمْ، أَيْ فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا إِلَى مَرَضهمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى :" فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ " [ التَّوْبَة : ١٢٥ ].
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي :" فِي قُلُوبهمْ مَرَض " أَيْ بِسُكُونِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا وَحُبّهمْ لَهَا وَغَفَلَتهمْ عَنْ الْآخِرَة وَإِعْرَاضهمْ عَنْهَا.
وَقَوْله :" فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا " أَيْ وَكَلَهُمْ إِلَى أَنْفُسهمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ هُمُوم الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَى اِهْتِمَام بِالدِّينِ.
" وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم " بِمَا يَفْنَى عَمَّا يَبْقَى.
وَقَالَ الْجُنَيْد : عِلَل الْقُلُوب مِنْ اِتِّبَاع الْهَوَى، كَمَا أَنَّ عِلَل الْجَوَارِح مِنْ مَرَض الْبَدَن.
قِيلَ : هُوَ دُعَاء عَلَيْهِمْ.
وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : زَادَهُمْ اللَّه شَكًّا وَنِفَاقًا جَزَاء عَلَى كُفْرهمْ وَضَعْفًا عَنْ الِانْتِصَار وَعَجْزًا عَنْ الْقُدْرَة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| يَا مُرْسِل الرِّيح جَنُوبًا وَصَبَا | إِذْ غَضِبَتْ زَيْد فَزِدْهَا غَضَبَا |
وَعَلَى هَذَا يَكُون فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز الدُّعَاء عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالطَّرْد لَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ شَرّ خَلْق اللَّه.
وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ زِيَادَة مَرَضهمْ، أَيْ فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا إِلَى مَرَضهمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى :" فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ " [ التَّوْبَة : ١٢٥ ].
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي :" فِي قُلُوبهمْ مَرَض " أَيْ بِسُكُونِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا وَحُبّهمْ لَهَا وَغَفَلَتهمْ عَنْ الْآخِرَة وَإِعْرَاضهمْ عَنْهَا.
وَقَوْله :" فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا " أَيْ وَكَلَهُمْ إِلَى أَنْفُسهمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ هُمُوم الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَى اِهْتِمَام بِالدِّينِ.
" وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم " بِمَا يَفْنَى عَمَّا يَبْقَى.
وَقَالَ الْجُنَيْد : عِلَل الْقُلُوب مِنْ اِتِّبَاع الْهَوَى، كَمَا أَنَّ عِلَل الْجَوَارِح مِنْ مَرَض الْبَدَن.
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
" أَلِيم " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع، مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع، قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا :
وَآلَمَ إِذَا أَوْجَعَ.
وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع.
وَالْأَلَم : الْوَجَع، وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا.
وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع.
وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء، وَآلَام مِثْل أَشْرَاف.
" أَلِيم " فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ مُؤْلِم أَيْ مُوجِع، مِثْل السَّمِيع بِمَعْنَى الْمُسْمِع، قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا :
| وَنَرْفُع مِنْ صُدُور شَمَرْدَلَات | يَصُكّ وُجُوههَا وَهَج أَلِيم |
وَالْإِيلَام : الْإِيجَاع.
وَالْأَلَم : الْوَجَع، وَقَدْ أَلِمَ يَأْلَم أَلَمًا.
وَالتَّأَلُّم : التَّوَجُّع.
وَيُجْمَع أَلِيم عَلَى أُلَمَاء مِثْل كَرِيم وَكُرَمَاء، وَآلَام مِثْل أَشْرَاف.
بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
مَا مَصْدَرِيَّة، أَيْ بِتَكْذِيبِهِمْ الرُّسُل وَرَدّهمْ عَلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَتَكْذِيبهمْ بِآيَاتِهِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِم.
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ بِكَذِبِهِمْ وَقَوْلهمْ آمَنَّا وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِمْسَاك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل الْمُنَافِقِينَ مَعَ عِلْمه بِنِفَاقِهِمْ عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : الْقَوْل الْأَوَّل : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلهُمْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم حَالهمْ أَحَد سِوَاهُ.
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى بَكْرَة أَبِيهِمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْتُل بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي سَائِر الْأَحْكَام.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مُنْتَقَض، فَقَدْ قُتِلَ بِالْمُجَذَّرِ بْن زِيَاد الْحَارِثُ بْن سُوَيْد بْن الصَّامِت ; لِأَنَّ الْمُجَذَّر قَتَلَ أَبَاهُ بِالصَّبَا يَوْم بُعَاث، فَأَسْلَمَ الْحَارِث وَأَغْفَلَهُ يَوْم أُحُد فَقَتَلَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بِهِ ; لِأَنَّ قَتْله كَانَ غِيلَة، وَقَتْل الْغِيلَة حَدّ مِنْ حُدُود اللَّه.
قُلْت : وَهَذِهِ غَفْلَة مِنْ هَذَا الْإِمَام ; لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاع الْمَذْكُور فَلَيْسَ بِمُنْتَقَضٍ بِمَا ذُكِرَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاع لَا يَنْعَقِد وَلَا يَثْبُت إِلَّا بَعْد مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْقِطَاع الْوَحْي، وَعَلَى هَذَا فَتَكُون تِلْكَ قَضِيَّة فِي عَيْن بِوَحْيٍ، فَلَا يُحْتَجّ بِهَا أَوْ مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاعِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْقَوْل الثَّانِي : قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلهُمْ لِأَنَّ الزِّنْدِيق وَهُوَ الَّذِي يُسِرّ الْكُفْر وَيُظْهِر الْإِيمَان يُسْتَتَاب وَلَا يُقْتَل.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا وَهْم، فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَتِبْهُمْ وَلَا نَقَلَ ذَلِكَ أَحَد، وَلَا يَقُول أَحَد إِنَّ اِسْتِتَابَة الزِّنْدِيق وَاجِبَة، وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ مَعَ عِلْمه بِهِمْ.
فَهَذَا الْمُتَأَخِّر مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ الَّذِي قَالَ : إِنَّ اِسْتِتَابَة الزِّنْدِيق جَائِزَة قَالَ قَوْلًا لَمْ يَصِحّ لِأَحَدٍ.
الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ مَصْلَحَة لِتَأْلِيفِ الْقُلُوب عَلَيْهِ لِئَلَّا تَنْفِر عَنْهُ، وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ لِعُمَر :( مَعَاذ اللَّه أَنْ يَتَحَدَّث النَّاس أَنِّي أَقْتُل أَصْحَابِي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَقَدْ كَانَ يُعْطِي لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبهمْ مَعَ عِلْمه بِسُوءِ اِعْتِقَادهمْ تَأَلُّفًا، وَهَذَا هُوَ قَوْل عُلَمَائِنَا وَغَيْرهمْ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة.
مَا مَصْدَرِيَّة، أَيْ بِتَكْذِيبِهِمْ الرُّسُل وَرَدّهمْ عَلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَتَكْذِيبهمْ بِآيَاتِهِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِم.
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ بِكَذِبِهِمْ وَقَوْلهمْ آمَنَّا وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِمْسَاك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل الْمُنَافِقِينَ مَعَ عِلْمه بِنِفَاقِهِمْ عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : الْقَوْل الْأَوَّل : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلهُمْ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم حَالهمْ أَحَد سِوَاهُ.
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى بَكْرَة أَبِيهِمْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْتُل بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي سَائِر الْأَحْكَام.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مُنْتَقَض، فَقَدْ قُتِلَ بِالْمُجَذَّرِ بْن زِيَاد الْحَارِثُ بْن سُوَيْد بْن الصَّامِت ; لِأَنَّ الْمُجَذَّر قَتَلَ أَبَاهُ بِالصَّبَا يَوْم بُعَاث، فَأَسْلَمَ الْحَارِث وَأَغْفَلَهُ يَوْم أُحُد فَقَتَلَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بِهِ ; لِأَنَّ قَتْله كَانَ غِيلَة، وَقَتْل الْغِيلَة حَدّ مِنْ حُدُود اللَّه.
قُلْت : وَهَذِهِ غَفْلَة مِنْ هَذَا الْإِمَام ; لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاع الْمَذْكُور فَلَيْسَ بِمُنْتَقَضٍ بِمَا ذُكِرَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاع لَا يَنْعَقِد وَلَا يَثْبُت إِلَّا بَعْد مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْقِطَاع الْوَحْي، وَعَلَى هَذَا فَتَكُون تِلْكَ قَضِيَّة فِي عَيْن بِوَحْيٍ، فَلَا يُحْتَجّ بِهَا أَوْ مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاعِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْقَوْل الثَّانِي : قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلهُمْ لِأَنَّ الزِّنْدِيق وَهُوَ الَّذِي يُسِرّ الْكُفْر وَيُظْهِر الْإِيمَان يُسْتَتَاب وَلَا يُقْتَل.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا وَهْم، فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَتِبْهُمْ وَلَا نَقَلَ ذَلِكَ أَحَد، وَلَا يَقُول أَحَد إِنَّ اِسْتِتَابَة الزِّنْدِيق وَاجِبَة، وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ مَعَ عِلْمه بِهِمْ.
فَهَذَا الْمُتَأَخِّر مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ الَّذِي قَالَ : إِنَّ اِسْتِتَابَة الزِّنْدِيق جَائِزَة قَالَ قَوْلًا لَمْ يَصِحّ لِأَحَدٍ.
الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ مَصْلَحَة لِتَأْلِيفِ الْقُلُوب عَلَيْهِ لِئَلَّا تَنْفِر عَنْهُ، وَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ لِعُمَر :( مَعَاذ اللَّه أَنْ يَتَحَدَّث النَّاس أَنِّي أَقْتُل أَصْحَابِي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم.
وَقَدْ كَانَ يُعْطِي لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبهمْ مَعَ عِلْمه بِسُوءِ اِعْتِقَادهمْ تَأَلُّفًا، وَهَذَا هُوَ قَوْل عُلَمَائِنَا وَغَيْرهمْ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة.
وَهِيَ طَرِيقَة أَصْحَاب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي كَفّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، نَصَّ عَلَى هَذَا مُحَمَّد بْن الْجَهْم وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيل الْأَبْهَرِيّ وَابْن الْمَاجِشُون، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض " [ الْأَحْزَاب : ٦٠ ] إِلَى قَوْله :" وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا " [ الْأَحْزَاب : ٦١ ].
قَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ إِذَا هُمْ أَعْلَنُوا النِّفَاق.
قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : النِّفَاق فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الزَّنْدَقَة فِينَا الْيَوْم، فَيُقْتَل الزِّنْدِيق إِذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا دُون اِسْتِتَابَة، وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
قَالَ مَالِك : وَإِنَّمَا كَفَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ الْحَاكِم لَا يَحْكُم بِعِلْمِهِ ; إِذْ لَمْ يُشْهَد عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل : لَمْ يَشْهَد عَلَى عَبْد اللَّه اِبْن أُبَيّ إِلَّا زَيْد بْن أَرْقَم وَحْده، وَلَا عَلَى الْجُلَاس بْن سُوَيْد إِلَّا عُمَيْر بْن سَعْد رَبِيبه، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِكُفْرِهِ وَنِفَاقه لَقُتِلَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه مُحْتَجًّا لِلْقَوْلِ الْآخَر : السُّنَّة فِيمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ فَجَحَدَ وَأَعْلَنَ بِالْإِيمَانِ وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلّ دِين سِوَى الْإِسْلَام أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَع مِنْ إِرَاقَة دَمه.
وَبِهِ قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَأَحْمَد الطَّبَرِيّ وَغَيْرهمْ.
قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه.
وَإِنَّمَا مَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتْل الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الْإِسْلَام مَعَ الْعِلْم بِنِفَاقِهِمْ ; لِأَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ يَجُبّ مَا قَبْله.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْأَحْكَام بَيْن عِبَاده عَلَى الظَّاهِر، وَتَوَلَّى الْحُكْم فِي سَرَائِرهمْ دُون أَحَد مِنْ خَلْقه، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ ; لِأَنَّهُ حُكْم بِالظُّنُونِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ كَانَ أَوْلَى النَّاس بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَكَمَ لِلْمُنَافِقِينَ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَظْهَرُوا، وَوَكَلَ سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه.
وَقَدْ كَذَّبَ اللَّه ظَاهِرهمْ فِي قَوْله :" وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " [ الْمُنَافِقُونَ : ١ ] قَالَ اِبْن عَطِيَّة : يَنْفَصِل الْمَالِكِيُّونَ عَمَّا لَزِمُوهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَة بِأَنَّهَا لَمْ تُعَيَّنْ أَشْخَاصهمْ فِيهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا تَوْبِيخ لِكُلِّ مَغْمُوص عَلَيْهِ بِالنِّفَاقِ، وَبَقِيَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يَقُول : لَمْ أُرَد بِهَا وَمَا أَنَا إِلَّا مُؤْمِن، وَلَوْ عُيِّنَ أَحَد لَمَا جَبَّ كَذِبه شَيْئًا.
قَالَ قَتَادَة : مَعْنَاهُ إِذَا هُمْ أَعْلَنُوا النِّفَاق.
قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : النِّفَاق فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الزَّنْدَقَة فِينَا الْيَوْم، فَيُقْتَل الزِّنْدِيق إِذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا دُون اِسْتِتَابَة، وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
قَالَ مَالِك : وَإِنَّمَا كَفَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ الْحَاكِم لَا يَحْكُم بِعِلْمِهِ ; إِذْ لَمْ يُشْهَد عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل : لَمْ يَشْهَد عَلَى عَبْد اللَّه اِبْن أُبَيّ إِلَّا زَيْد بْن أَرْقَم وَحْده، وَلَا عَلَى الْجُلَاس بْن سُوَيْد إِلَّا عُمَيْر بْن سَعْد رَبِيبه، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِكُفْرِهِ وَنِفَاقه لَقُتِلَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه مُحْتَجًّا لِلْقَوْلِ الْآخَر : السُّنَّة فِيمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ فَجَحَدَ وَأَعْلَنَ بِالْإِيمَانِ وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلّ دِين سِوَى الْإِسْلَام أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَع مِنْ إِرَاقَة دَمه.
وَبِهِ قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَأَحْمَد الطَّبَرِيّ وَغَيْرهمْ.
قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه.
وَإِنَّمَا مَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتْل الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الْإِسْلَام مَعَ الْعِلْم بِنِفَاقِهِمْ ; لِأَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ يَجُبّ مَا قَبْله.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْأَحْكَام بَيْن عِبَاده عَلَى الظَّاهِر، وَتَوَلَّى الْحُكْم فِي سَرَائِرهمْ دُون أَحَد مِنْ خَلْقه، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ ; لِأَنَّهُ حُكْم بِالظُّنُونِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ كَانَ أَوْلَى النَّاس بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَكَمَ لِلْمُنَافِقِينَ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَظْهَرُوا، وَوَكَلَ سَرَائِرهمْ إِلَى اللَّه.
وَقَدْ كَذَّبَ اللَّه ظَاهِرهمْ فِي قَوْله :" وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " [ الْمُنَافِقُونَ : ١ ] قَالَ اِبْن عَطِيَّة : يَنْفَصِل الْمَالِكِيُّونَ عَمَّا لَزِمُوهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَة بِأَنَّهَا لَمْ تُعَيَّنْ أَشْخَاصهمْ فِيهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا تَوْبِيخ لِكُلِّ مَغْمُوص عَلَيْهِ بِالنِّفَاقِ، وَبَقِيَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يَقُول : لَمْ أُرَد بِهَا وَمَا أَنَا إِلَّا مُؤْمِن، وَلَوْ عُيِّنَ أَحَد لَمَا جَبَّ كَذِبه شَيْئًا.
قُلْت : هَذَا الِانْفِصَال فِيهِ نَظَر، فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْيَانهمْ بِإِعْلَامِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ، وَكَانَ حُذَيْفَة يَعْلَم ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاهُ حَتَّى كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول لَهُ : يَا حُذَيْفَة هَلْ أَنَا مِنْهُمْ ؟ فَيَقُول لَهُ : لَا.
الْقَوْل الرَّابِع : وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ قَدْ حَفِظَ أَصْحَاب نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام بِكَوْنِهِ ثَبَّتَهُمْ أَنْ يُفْسِدهُمْ الْمُنَافِقُونَ أَوْ يُفْسِدُوا دِينهمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَبْقِيَتهمْ ضَرَر، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْيَوْم ; لِأَنَّا لَا نَأْمَن مِنْ الزَّنَادِقَة أَنْ يُفْسِدُوا عَامَّتنَا وَجُهَّالنَا.
الْقَوْل الرَّابِع : وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى كَانَ قَدْ حَفِظَ أَصْحَاب نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام بِكَوْنِهِ ثَبَّتَهُمْ أَنْ يُفْسِدهُمْ الْمُنَافِقُونَ أَوْ يُفْسِدُوا دِينهمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَبْقِيَتهمْ ضَرَر، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْيَوْم ; لِأَنَّا لَا نَأْمَن مِنْ الزَّنَادِقَة أَنْ يُفْسِدُوا عَامَّتنَا وَجُهَّالنَا.
وَإِذَا
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف وَالْعَامِل فِيهَا " قَالُوا " وَهِيَ تُؤْذِن بِوُقُوعِ الْفِعْل الْمُنْتَظَر.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" إِذَا " اِسْم يَدُلّ عَلَى زَمَان مُسْتَقْبَل، وَلَمْ تُسْتَعْمَل إِلَّا مُضَافَة إِلَى جُمْلَة، تَقُول : أَجِيئك إِذَا اِحْمَرَّ الْبُسْر، وَإِذَا قَدِمَ فُلَان.
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا اِسْم وُقُوعهَا مَوْقِع قَوْلك : آتِيك يَوْم يَقْدَم فُلَان، فَهِيَ ظَرْف وَفِيهَا مَعْنَى الْمُجَازَاة.
وَجَزَاء الشَّرْط ثَلَاثَة : الْفِعْل وَالْفَاء وَإِذَا، فَالْفِعْل قَوْلك : إِنْ تَأْتِنِي آتِك.
وَالْفَاء : إِنْ تَأْتِنِي فَأَنَا أُحْسِن إِلَيْك.
وَإِذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ " [ الرُّوم : ٣٦ ].
وَمِمَّا جَاءَ مِنْ الْمُجَازَاة بِإِذَا فِي الشِّعْر قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
فَعَطَفَ " فَنُضَارِب " بِالْجَزْمِ عَلَى " كَانَ " لِأَنَّهُ مَجْزُوم، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَجْزُومًا لَقَالَ : فَنُضَارِبَ، بِالنَّصْبِ.
وَقَدْ تُزَاد عَلَى " إِذَا " " مَا " تَأْكِيدًا، فَيُجْزَم بِهَا أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَالْجَيِّد مَا قَالَ كَعْب بْن زُهَيْر :
يَعْنِي أَنَّ الْجَيِّد أَلَّا يُجْزَم بِإِذَا، كَمَا لَمْ يُجْزَم فِي هَذَا الْبَيْت.
وَحُكِيَ عَنْ الْمُبَرِّد أَنَّهَا فِي قَوْلِكَ فِي الْمُفَاجَأَة : خَرَجْت فَإِذَا زَيْد، ظَرْف مَكَان، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ جُثَّة.
وَهَذَا مَرْدُود ; لِأَنَّ الْمَعْنَى خَرَجْت فَإِذَا حُضُور زَيْد، فَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْمَصْدَر كَمَا يَقْتَضِيه سَائِر ظُرُوف الزَّمَان، وَمِنْهُ قَوْلهمْ :" الْيَوْم خَمْر وَغَدًا أَمْر " فَمَعْنَاهُ وُجُود خَمْر وَوُقُوع أَمْر.
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف وَالْعَامِل فِيهَا " قَالُوا " وَهِيَ تُؤْذِن بِوُقُوعِ الْفِعْل الْمُنْتَظَر.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" إِذَا " اِسْم يَدُلّ عَلَى زَمَان مُسْتَقْبَل، وَلَمْ تُسْتَعْمَل إِلَّا مُضَافَة إِلَى جُمْلَة، تَقُول : أَجِيئك إِذَا اِحْمَرَّ الْبُسْر، وَإِذَا قَدِمَ فُلَان.
وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا اِسْم وُقُوعهَا مَوْقِع قَوْلك : آتِيك يَوْم يَقْدَم فُلَان، فَهِيَ ظَرْف وَفِيهَا مَعْنَى الْمُجَازَاة.
وَجَزَاء الشَّرْط ثَلَاثَة : الْفِعْل وَالْفَاء وَإِذَا، فَالْفِعْل قَوْلك : إِنْ تَأْتِنِي آتِك.
وَالْفَاء : إِنْ تَأْتِنِي فَأَنَا أُحْسِن إِلَيْك.
وَإِذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ " [ الرُّوم : ٣٦ ].
وَمِمَّا جَاءَ مِنْ الْمُجَازَاة بِإِذَا فِي الشِّعْر قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
| إِذَا قَصُرَتْ أَسْيَافنَا كَانَ وَصْلهَا | خُطَانَا إِلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبْ |
وَقَدْ تُزَاد عَلَى " إِذَا " " مَا " تَأْكِيدًا، فَيُجْزَم بِهَا أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق.
| فَقَامَ أَبُو لَيْلَى إِلَيْهِ اِبْن ظَالِم | وَكَانَ إِذَا مَا يَسْلُل السَّيْف يَضْرِب |
| وَإِذَا مَا تَشَاء تَبْعَث مِنْهَا | مَغْرِب الشَّمْس نَاشِطًا مَذْعُورَا |
وَحُكِيَ عَنْ الْمُبَرِّد أَنَّهَا فِي قَوْلِكَ فِي الْمُفَاجَأَة : خَرَجْت فَإِذَا زَيْد، ظَرْف مَكَان، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ جُثَّة.
وَهَذَا مَرْدُود ; لِأَنَّ الْمَعْنَى خَرَجْت فَإِذَا حُضُور زَيْد، فَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْمَصْدَر كَمَا يَقْتَضِيه سَائِر ظُرُوف الزَّمَان، وَمِنْهُ قَوْلهمْ :" الْيَوْم خَمْر وَغَدًا أَمْر " فَمَعْنَاهُ وُجُود خَمْر وَوُقُوع أَمْر.
قِيلَ لَهُمْ
مِنْ الْقَوْل وَأَصْله قَوِل، نُقِلَتْ كَسْرَة الْوَاو إِلَى الْقَاف فَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء.
وَيَجُوز :" قِيلَ لَهُمْ " بِإِدْغَامِ اللَّام فِي اللَّام وَجَازَ الْجَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ ; لِأَنَّ الْيَاء حَرْف مَدّ وَلِين.
قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز " قُيُل " بِضَمِّ الْقَاف وَالْيَاء.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَيَجُوز إِشْمَام الْقَاف الضَّمّ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَهِيَ لُغَة قَيْس، وَكَذَلِكَ جِيءَ وَغِيضَ وَحِيلَ وَسِيقَ وَسِيءَ وَسِيئَتْ.
وَكَذَلِكَ رَوَى هِشَام عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب.
وَأَشَمَّ مِنْهَا نَافِع سِيءَ وَسِيئَتْ خَاصَّة.
وَزَادَ اِبْن ذَكْوَان : حِيلَ وَسِيقَ، وَكَسَرَ الْبَاقُونَ فِي الْجَمِيع.
فَأَمَّا هُذَيْل وَبَنُو دُبَيْر مِنْ أَسَد وَبَنِي فَقْعَس فَيَقُولُونَ :" قَوْل " بِوَاوٍ سَاكِنَة.
مِنْ الْقَوْل وَأَصْله قَوِل، نُقِلَتْ كَسْرَة الْوَاو إِلَى الْقَاف فَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء.
وَيَجُوز :" قِيلَ لَهُمْ " بِإِدْغَامِ اللَّام فِي اللَّام وَجَازَ الْجَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ ; لِأَنَّ الْيَاء حَرْف مَدّ وَلِين.
قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز " قُيُل " بِضَمِّ الْقَاف وَالْيَاء.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَيَجُوز إِشْمَام الْقَاف الضَّمّ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَهِيَ لُغَة قَيْس، وَكَذَلِكَ جِيءَ وَغِيضَ وَحِيلَ وَسِيقَ وَسِيءَ وَسِيئَتْ.
وَكَذَلِكَ رَوَى هِشَام عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب.
وَأَشَمَّ مِنْهَا نَافِع سِيءَ وَسِيئَتْ خَاصَّة.
وَزَادَ اِبْن ذَكْوَان : حِيلَ وَسِيقَ، وَكَسَرَ الْبَاقُونَ فِي الْجَمِيع.
فَأَمَّا هُذَيْل وَبَنُو دُبَيْر مِنْ أَسَد وَبَنِي فَقْعَس فَيَقُولُونَ :" قَوْل " بِوَاوٍ سَاكِنَة.
لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
" لَا " نَهْي.
وَالْفَسَاد ضِدّ الصَّلَاح، وَحَقِيقَته الْعُدُول عَنْ الِاسْتِقَامَة إِلَى ضِدّهَا.
فَسَدَ الشَّيْء يَفْسِد فَسَادًا وَفُسُودًا وَهُوَ فَاسِد وَفَسِيد.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة : لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِالْكُفْرِ وَمُوَالَاة أَهْلِهِ، وَتَفْرِيق النَّاس عَنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن.
وَقِيلَ : كَانَتْ الْأَرْض قَبْل أَنْ يُبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الْفَسَاد، وَيُفْعَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَفَعَ الْفَسَاد وَصَلَحَتْ الْأَرْض.
فَإِذَا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي فَقَدْ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحِهَا، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى :" وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْدَ إِصْلَاحِهَا " [ الْأَعْرَاف : ٥٦ ].
قَوْلُهُ :" فِي الْأَرْض " الْأَرْض مُؤَنَّثَة، وَهِيَ اِسْم جِنْس، وَكَانَ حَقّ الْوَاحِدَة مِنْهَا أَنْ يُقَال أَرْضَة، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا.
وَالْجَمْع أَرَضَات ; لِأَنَّهُمْ قَدْ يَجْمَعُونَ الْمُؤَنَّث الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ هَاء التَّأْنِيث بِالتَّاءِ كَقَوْلِهِمْ : عُرُسَات.
ثُمَّ قَالُوا أَرَضُونَ فَجَمَعُوا بِالْوَاوِ وَالنُّون، وَالْمُؤَنَّث لَا يُجْمَع بِالْوَاوِ وَالنُّون إِلَّا أَنْ يَكُون مَنْقُوصًا كَثُبَة وَظُبَة، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَاو وَالنُّون عِوَضًا مِنْ حَذْفهمْ الْأَلِف وَالتَّاء وَتَرَكُوا فَتْحَة الرَّاء عَلَى حَالهَا، وَرُبَّمَا سُكِّنَتْ.
وَقَدْ تُجْمَع عَلَى أُرُوض.
وَزَعَمَ أَبُو الْخَطَّاب أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : أَرْض وَآرَاض، كَمَا قَالُوا : أَهْل وَآهَال.
وَالْأَرَاضِي أَيْضًا عَلَى غَيْر قِيَاس، كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا آرُضًا.
وَكُلّ مَا سَفَلَ فَهُوَ أَرْض.
وَأَرْض أَرِيضَة، أَيْ زَكِيَّة بَيِّنَة الْأَرَاضَة.
وَقَدْ أُرِضَت بِالضَّمِّ، أَيْ زُكَّتْ.
قَالَ أَبُو عَمْرو : نَزَلْنَا أَرْضًا أَرِيضَة، أَيْ مُعْجِبَة لِلْعَيْنِ، وَيُقَال : لَا أَرْض لَك، كَمَا يُقَال : لَا أُمّ لَك.
وَالْأَرْض : أَسْفَل قَوَائِم الدَّابَّة، قَالَ عَدِيّ يَصِف فَرَسًا :
أَيْ أَثَر وَالْأَرْض : النَّفْضَة وَالرِّعْدَة.
رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ قَتَادَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث قَالَ : زُلْزِلَتْ الْأَرْض بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَاَللَّه مَا أَدْرِي أَزُلْزِلَتْ الْأَرْض أَمْ بِي أَرْض ؟ أَيْ أَمْ بِي رِعْدَة، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف صَائِدًا :
وَالْأَرْض : الزُّكَام.
وَقَدْ آرَضَهُ اللَّه إِيرَاضًا، أَيْ أَزْكَمَهُ فَهُوَ مَأْرُوض.
وَفَسِيل مُسْتَأْرِض، وَوَدِيَّة مُسْتَأْرِضَة ( بِكَسْرِ الرَّاء ) وَهُوَ أَنْ يَكُون لَهُ عِرْق فِي الْأَرْض، فَأَمَّا إِذَا نَبَتَ عَلَى جِذْع النَّخْل فَهُوَ الرَّاكِب.
وَالْإِرَاض ( بِالْكَسْرِ ) : بِسَاط ضَخْم مِنْ صُوف أَوْ وَبَر.
وَرَجُل أَرِيض، أَيْ مُتَوَاضِع خَلِيق لِلْخَيْرِ.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ يُقَال : هُوَ آرَضُهم أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، أَيْ أَخَلَقهمْ.
وَشَيْء عَرِيض أَرِيض إِتْبَاع لَهُ، وَبَعْضهمْ يُفْرِدهُ وَيَقُول : جَدْي أَرِيض أَيْ سَمِين.
" لَا " نَهْي.
وَالْفَسَاد ضِدّ الصَّلَاح، وَحَقِيقَته الْعُدُول عَنْ الِاسْتِقَامَة إِلَى ضِدّهَا.
فَسَدَ الشَّيْء يَفْسِد فَسَادًا وَفُسُودًا وَهُوَ فَاسِد وَفَسِيد.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة : لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بِالْكُفْرِ وَمُوَالَاة أَهْلِهِ، وَتَفْرِيق النَّاس عَنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن.
وَقِيلَ : كَانَتْ الْأَرْض قَبْل أَنْ يُبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الْفَسَاد، وَيُفْعَل فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَفَعَ الْفَسَاد وَصَلَحَتْ الْأَرْض.
فَإِذَا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي فَقَدْ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحِهَا، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى :" وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْدَ إِصْلَاحِهَا " [ الْأَعْرَاف : ٥٦ ].
قَوْلُهُ :" فِي الْأَرْض " الْأَرْض مُؤَنَّثَة، وَهِيَ اِسْم جِنْس، وَكَانَ حَقّ الْوَاحِدَة مِنْهَا أَنْ يُقَال أَرْضَة، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا.
وَالْجَمْع أَرَضَات ; لِأَنَّهُمْ قَدْ يَجْمَعُونَ الْمُؤَنَّث الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ هَاء التَّأْنِيث بِالتَّاءِ كَقَوْلِهِمْ : عُرُسَات.
ثُمَّ قَالُوا أَرَضُونَ فَجَمَعُوا بِالْوَاوِ وَالنُّون، وَالْمُؤَنَّث لَا يُجْمَع بِالْوَاوِ وَالنُّون إِلَّا أَنْ يَكُون مَنْقُوصًا كَثُبَة وَظُبَة، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَاو وَالنُّون عِوَضًا مِنْ حَذْفهمْ الْأَلِف وَالتَّاء وَتَرَكُوا فَتْحَة الرَّاء عَلَى حَالهَا، وَرُبَّمَا سُكِّنَتْ.
وَقَدْ تُجْمَع عَلَى أُرُوض.
وَزَعَمَ أَبُو الْخَطَّاب أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : أَرْض وَآرَاض، كَمَا قَالُوا : أَهْل وَآهَال.
وَالْأَرَاضِي أَيْضًا عَلَى غَيْر قِيَاس، كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا آرُضًا.
وَكُلّ مَا سَفَلَ فَهُوَ أَرْض.
وَأَرْض أَرِيضَة، أَيْ زَكِيَّة بَيِّنَة الْأَرَاضَة.
وَقَدْ أُرِضَت بِالضَّمِّ، أَيْ زُكَّتْ.
قَالَ أَبُو عَمْرو : نَزَلْنَا أَرْضًا أَرِيضَة، أَيْ مُعْجِبَة لِلْعَيْنِ، وَيُقَال : لَا أَرْض لَك، كَمَا يُقَال : لَا أُمّ لَك.
وَالْأَرْض : أَسْفَل قَوَائِم الدَّابَّة، قَالَ عَدِيّ يَصِف فَرَسًا :
| وَلَمْ يُقَلِّب أَرْضهَا الْبَيْطَار | وَلَا لِحَبْلَيْهِ بِهَا حَبَار |
رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ قَتَادَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث قَالَ : زُلْزِلَتْ الْأَرْض بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَاَللَّه مَا أَدْرِي أَزُلْزِلَتْ الْأَرْض أَمْ بِي أَرْض ؟ أَيْ أَمْ بِي رِعْدَة، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف صَائِدًا :
| إِذَا تَوَجَّسَ رِكْزًا مِنْ سَنَابِكِهَا | أَوْ كَانَ صَاحِب أَرْض أَوْ بِهِ الْمُومُ |
وَقَدْ آرَضَهُ اللَّه إِيرَاضًا، أَيْ أَزْكَمَهُ فَهُوَ مَأْرُوض.
وَفَسِيل مُسْتَأْرِض، وَوَدِيَّة مُسْتَأْرِضَة ( بِكَسْرِ الرَّاء ) وَهُوَ أَنْ يَكُون لَهُ عِرْق فِي الْأَرْض، فَأَمَّا إِذَا نَبَتَ عَلَى جِذْع النَّخْل فَهُوَ الرَّاكِب.
وَالْإِرَاض ( بِالْكَسْرِ ) : بِسَاط ضَخْم مِنْ صُوف أَوْ وَبَر.
وَرَجُل أَرِيض، أَيْ مُتَوَاضِع خَلِيق لِلْخَيْرِ.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ يُقَال : هُوَ آرَضُهم أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، أَيْ أَخَلَقهمْ.
وَشَيْء عَرِيض أَرِيض إِتْبَاع لَهُ، وَبَعْضهمْ يُفْرِدهُ وَيَقُول : جَدْي أَرِيض أَيْ سَمِين.
قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
" نَحْنُ " أَصْل " نَحْنُ " نَحُنْ قُلِبَتْ حَرَكَة الْحَاء عَلَى النُّون وَأُسْكِنَتْ الْحَاء، قَالَهُ هِشَام بْن مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" نَحْنُ " لِجَمَاعَةٍ، وَمِنْ عَلَامَة الْجَمَاعَة الْوَاو، وَالضَّمَّة مِنْ جِنْس الْوَاو، فَلَمَّا اُضْطُرُّوا إِلَى حَرَكَة " نَحْنُ " لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حَرَّكُوهَا بِمَا يَكُون لِلْجَمَاعَةِ.
قَالَ : لِهَذَا ضَمُّوا وَاو الْجَمْع فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" أُولَئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلَالَة " [ الْبَقَرَة : ١٦ ] وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد :" نَحْنُ " مِثْل قَبْل وَبَعْد ; لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالْإِخْبَارِ عَنْ اِثْنَيْنِ وَأَكْثَر، فَـ " أَنَا " لِلْوَاحِدِ " نَحْنُ " لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْع، وَقَدْ يُخْبِر بِهِ الْمُتَكَلِّم عَنْ نَفْسه فِي قَوْله : نَحْنُ قُمْنَا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ " [ الزُّخْرُف : ٣٢ ] وَالْمُؤَنَّث فِي هَذَا إِذَا كَانَتْ مُتَكَلِّمَة بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكَّر، تَقُول الْمَرْأَة : قُمْت وَذَهَبْت، وَقُمْنَا وَذَهَبْنَا، وَأَنَا فَعَلْت ذَاكَ، وَنَحْنُ فَعَلْنَا.
هَذَا كَلَام الْعَرَب فَاعْلَمْ.
قَوْله تَعَالَى :" مُصْلِحُونَ " اِسْم فَاعِل مِنْ أَصْلَحَ.
وَالصَّلَاح : ضِدّ الْفَسَاد.
وَصَلُحَ الشَّيْء ( بِضَمِّ اللَّام وَفَتْحهَا ) لُغَتَانِ، قَالَ اِبْن السِّكِّيت.
وَالصُّلُوح ( بِضَمِّ الصَّاد ) مَصْدَر صَلُحَ ( بِضَمِّ اللَّام )، قَالَ الشَّاعِر :
وَصَلَاح مِنْ أَسْمَاء مَكَّة.
وَالصِّلْح ( بِكَسْرِ الصَّاد ) : نَهَر.
وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهمْ ; لِأَنَّ إِفْسَادهمْ عِنْدهمْ إِصْلَاح، أَيْ أَنَّ مُمَالَأَتنَا لِلْكُفَّارِ إِنَّمَا نُرِيد بِهَا الْإِصْلَاح بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
" نَحْنُ " أَصْل " نَحْنُ " نَحُنْ قُلِبَتْ حَرَكَة الْحَاء عَلَى النُّون وَأُسْكِنَتْ الْحَاء، قَالَهُ هِشَام بْن مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" نَحْنُ " لِجَمَاعَةٍ، وَمِنْ عَلَامَة الْجَمَاعَة الْوَاو، وَالضَّمَّة مِنْ جِنْس الْوَاو، فَلَمَّا اُضْطُرُّوا إِلَى حَرَكَة " نَحْنُ " لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حَرَّكُوهَا بِمَا يَكُون لِلْجَمَاعَةِ.
قَالَ : لِهَذَا ضَمُّوا وَاو الْجَمْع فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" أُولَئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلَالَة " [ الْبَقَرَة : ١٦ ] وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد :" نَحْنُ " مِثْل قَبْل وَبَعْد ; لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالْإِخْبَارِ عَنْ اِثْنَيْنِ وَأَكْثَر، فَـ " أَنَا " لِلْوَاحِدِ " نَحْنُ " لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْع، وَقَدْ يُخْبِر بِهِ الْمُتَكَلِّم عَنْ نَفْسه فِي قَوْله : نَحْنُ قُمْنَا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ " [ الزُّخْرُف : ٣٢ ] وَالْمُؤَنَّث فِي هَذَا إِذَا كَانَتْ مُتَكَلِّمَة بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكَّر، تَقُول الْمَرْأَة : قُمْت وَذَهَبْت، وَقُمْنَا وَذَهَبْنَا، وَأَنَا فَعَلْت ذَاكَ، وَنَحْنُ فَعَلْنَا.
هَذَا كَلَام الْعَرَب فَاعْلَمْ.
قَوْله تَعَالَى :" مُصْلِحُونَ " اِسْم فَاعِل مِنْ أَصْلَحَ.
وَالصَّلَاح : ضِدّ الْفَسَاد.
وَصَلُحَ الشَّيْء ( بِضَمِّ اللَّام وَفَتْحهَا ) لُغَتَانِ، قَالَ اِبْن السِّكِّيت.
وَالصُّلُوح ( بِضَمِّ الصَّاد ) مَصْدَر صَلُحَ ( بِضَمِّ اللَّام )، قَالَ الشَّاعِر :
| فَكَيْف بِإِطْرَاقِي إِذَا مَا شَتَمْتنِي | وَمَا بَعْد شَتْم الْوَالِدَيْنِ صُلُوح |
وَالصِّلْح ( بِكَسْرِ الصَّاد ) : نَهَر.
وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهمْ ; لِأَنَّ إِفْسَادهمْ عِنْدهمْ إِصْلَاح، أَيْ أَنَّ مُمَالَأَتنَا لِلْكُفَّارِ إِنَّمَا نُرِيد بِهَا الْإِصْلَاح بَيْنهمْ وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِمْ.
قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : مَنْ أَظْهَرَ الدَّعْوَى كَذَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : أَلَّا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَهَذَا صَحِيح.
وَكُسِرَتْ " إِنَّ " لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَة، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان.
يَجُوز فَتْحهَا، كَمَا أَجَازَ سِيبَوَيْهِ : حَقًّا أَنَّك مُنْطَلِق، بِمَعْنَى أَلَا.
وَ " هُمْ " يَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ وَ " الْمُفْسِدُونَ " خَبَره وَالْمُبْتَدَأ وَخَبَره خَبَر " إِنَّ ".
وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " تَوْكِيدًا لِلْهَاءِ وَالْمِيم فِي " إِنَّهُمْ ".
وَيَجُوز أَنْ تَكُون فَاصِلَة - وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ عِمَادًا - وَ " الْمُفْسِدُونَ " خَبَر " إِنَّ "، وَالتَّقْدِير أَلَا إِنَّهُمْ الْمُفْسِدُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله :" وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " [ لُقْمَان : ٥ ].
رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِمْ.
قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : مَنْ أَظْهَرَ الدَّعْوَى كَذَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : أَلَّا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَهَذَا صَحِيح.
وَكُسِرَتْ " إِنَّ " لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَة، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان.
يَجُوز فَتْحهَا، كَمَا أَجَازَ سِيبَوَيْهِ : حَقًّا أَنَّك مُنْطَلِق، بِمَعْنَى أَلَا.
وَ " هُمْ " يَجُوز أَنْ يَكُون مُبْتَدَأ وَ " الْمُفْسِدُونَ " خَبَره وَالْمُبْتَدَأ وَخَبَره خَبَر " إِنَّ ".
وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " تَوْكِيدًا لِلْهَاءِ وَالْمِيم فِي " إِنَّهُمْ ".
وَيَجُوز أَنْ تَكُون فَاصِلَة - وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ عِمَادًا - وَ " الْمُفْسِدُونَ " خَبَر " إِنَّ "، وَالتَّقْدِير أَلَا إِنَّهُمْ الْمُفْسِدُونَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله :" وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " [ لُقْمَان : ٥ ].
وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
قَالَ اِبْن كَيْسَان يُقَال : مَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ مُفْسِد مِنْ الذَّمّ، إِنَّمَا يُذَمّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُفْسِد ثُمَّ أَفْسَدَ عَلَى عِلْم، قَالَ : فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا - أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ الْفَسَاد سِرًّا وَيُظْهِرُونَ الصَّلَاح وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ أَمْرَهُمْ يَظْهَر عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون فَسَادهمْ عِنْدهمْ صَلَاحًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ ذَلِكَ فَسَاد، وَقَدْ عَصَوْا اللَّه وَرَسُوله فِي تَرْكهمْ تَبْيِين الْحَقّ وَاتِّبَاعه " وَلَكِنَّ " حَرْف تَأْكِيد وَاسْتِدْرَاك وَلَا بُدّ فِيهِ مِنْ نَفْي وَإِثْبَات، إِنْ كَانَ قَبْله نَفْي كَانَ بَعْده إِيجَاب، وَإِنْ كَانَ قَبْله إِيجَاب كَانَ بَعْده نَفْي.
وَلَا يَجُوز الِاقْتِصَار بَعْده عَلَى اِسْم وَاحِد إِذَا تَقَدَّمَ الْإِيجَاب، وَلَكِنَّك تَذْكُر جُمْلَة مُضَادَّة لِمَا قَبْلهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَقَوْلك : جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو لَمْ يَجِئْ، وَلَا يَجُوز جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو ثُمَّ تَسْكُت ; لِأَنَّهُمْ قَدْ اِسْتَغْنَوْا بِبَلْ فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع عَنْ لَكِنْ، وَإِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ إِذَا تَقَدَّمَ النَّفْي كَقَوْلِك : مَا جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو.
قَالَ اِبْن كَيْسَان يُقَال : مَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ مُفْسِد مِنْ الذَّمّ، إِنَّمَا يُذَمّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُفْسِد ثُمَّ أَفْسَدَ عَلَى عِلْم، قَالَ : فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا - أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ الْفَسَاد سِرًّا وَيُظْهِرُونَ الصَّلَاح وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ أَمْرَهُمْ يَظْهَر عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون فَسَادهمْ عِنْدهمْ صَلَاحًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ ذَلِكَ فَسَاد، وَقَدْ عَصَوْا اللَّه وَرَسُوله فِي تَرْكهمْ تَبْيِين الْحَقّ وَاتِّبَاعه " وَلَكِنَّ " حَرْف تَأْكِيد وَاسْتِدْرَاك وَلَا بُدّ فِيهِ مِنْ نَفْي وَإِثْبَات، إِنْ كَانَ قَبْله نَفْي كَانَ بَعْده إِيجَاب، وَإِنْ كَانَ قَبْله إِيجَاب كَانَ بَعْده نَفْي.
وَلَا يَجُوز الِاقْتِصَار بَعْده عَلَى اِسْم وَاحِد إِذَا تَقَدَّمَ الْإِيجَاب، وَلَكِنَّك تَذْكُر جُمْلَة مُضَادَّة لِمَا قَبْلهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَقَوْلك : جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو لَمْ يَجِئْ، وَلَا يَجُوز جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو ثُمَّ تَسْكُت ; لِأَنَّهُمْ قَدْ اِسْتَغْنَوْا بِبَلْ فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع عَنْ لَكِنْ، وَإِنَّمَا يَجُوز ذَلِكَ إِذَا تَقَدَّمَ النَّفْي كَقَوْلِك : مَا جَاءَنِي زَيْد لَكِنْ عَمْرو.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ
قَوْله تَعَالَى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ " يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْل مُقَاتِل وَغَيْره.
" آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس " أَيْ صَدِّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْعه، كَمَا صَدَقَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل يَثْرِب.
وَأَلِف " آمِنُوا " أَلِف قَطْع ; لِأَنَّك تَقُول : يُؤْمِن، وَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ إِيمَانًا كَإِيمَانِ النَّاس.
قَوْله تَعَالَى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ " يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْل مُقَاتِل وَغَيْره.
" آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس " أَيْ صَدِّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْعه، كَمَا صَدَقَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل يَثْرِب.
وَأَلِف " آمِنُوا " أَلِف قَطْع ; لِأَنَّك تَقُول : يُؤْمِن، وَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ إِيمَانًا كَإِيمَانِ النَّاس.
قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ
يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْهُ أَيْضًا : مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب.
وَهَذَا الْقَوْل مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي خَفَاء وَاسْتِهْزَاء فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَرَّرَ أَنَّ السَّفَهَ وَرِقَّة الْحُلُوم وَفَسَاد الْبَصَائِر إِنَّمَا هِيَ فِي حَيِّزهمْ وَصِفَة لَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ لِلرَّيْنِ الَّذِي عَلَى قُلُوبهمْ.
وَرَوَى الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن الْيَهُود، أَيْ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ - يَعْنِي الْيَهُود - آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس : عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه، قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء يَعْنِي الْجُهَّال وَالْخُرَقَاء.
وَأَصْل السَّفَه فِي كَلَام الْعَرَب : الْخِفَّة وَالرِّقَّة، يُقَال : ثَوْب سَفِيه إِذَا كَانَ رَدِيء النَّسْج خَفِيفه، أَوْ كَانَ بَالِيًا رَقِيقًا.
وَتَسَفَّهَتْ الرِّيح الشَّجَر : مَالَتْ بِهِ، قَالَ ذُو الرُّمَّة :
وَتَسَفَّهْت الشَّيْء : اِسْتَحْقَرْته.
وَالسَّفَه : ضِدّ الْحِلْم.
وَيُقَال : إِنَّ السَّفَه أَنْ يُكْثِر الرَّجُل شُرْب الْمَاء فَلَا يَرْوَى.
وَيَجُوز فِي هَمْزَتَيْ السُّفَهَاء أَرْبَعَة أَوْجُه، أَجْوَدهَا أَنْ تُحَقَّق الْأُولَى وَتُقْلَب الثَّانِيَة وَاوًا خَالِصَة، وَهِيَ قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو.
وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهُمَا جَمِيعًا فَجَعَلْت الْأُولَى بَيْن الْهَمْزَة وَالْوَاو وَجَعَلْت الثَّانِيَة وَاوًا خَالِصَة.
وَإِنْ شِئْت خَفَّفْت الْأُولَى وَحَقَّقْت الثَّانِيَة.
وَإِنْ شِئْت حَقَّقْتهمَا جَمِيعًا.
يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْهُ أَيْضًا : مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب.
وَهَذَا الْقَوْل مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي خَفَاء وَاسْتِهْزَاء فَأَطْلَعَ اللَّه نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَرَّرَ أَنَّ السَّفَهَ وَرِقَّة الْحُلُوم وَفَسَاد الْبَصَائِر إِنَّمَا هِيَ فِي حَيِّزهمْ وَصِفَة لَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ لِلرَّيْنِ الَّذِي عَلَى قُلُوبهمْ.
وَرَوَى الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن الْيَهُود، أَيْ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ - يَعْنِي الْيَهُود - آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس : عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه، قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء يَعْنِي الْجُهَّال وَالْخُرَقَاء.
وَأَصْل السَّفَه فِي كَلَام الْعَرَب : الْخِفَّة وَالرِّقَّة، يُقَال : ثَوْب سَفِيه إِذَا كَانَ رَدِيء النَّسْج خَفِيفه، أَوْ كَانَ بَالِيًا رَقِيقًا.
وَتَسَفَّهَتْ الرِّيح الشَّجَر : مَالَتْ بِهِ، قَالَ ذُو الرُّمَّة :
| مَشَيْنَ كَمَا اِهْتَزَّتْ رِمَاح تَسَفَّهَتْ | أَعَالِيهَا مَرّ الرِّيَاح النَّوَاسِم |
وَالسَّفَه : ضِدّ الْحِلْم.
وَيُقَال : إِنَّ السَّفَه أَنْ يُكْثِر الرَّجُل شُرْب الْمَاء فَلَا يَرْوَى.
وَيَجُوز فِي هَمْزَتَيْ السُّفَهَاء أَرْبَعَة أَوْجُه، أَجْوَدهَا أَنْ تُحَقَّق الْأُولَى وَتُقْلَب الثَّانِيَة وَاوًا خَالِصَة، وَهِيَ قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالْمَعْرُوف مِنْ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو.
وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهُمَا جَمِيعًا فَجَعَلْت الْأُولَى بَيْن الْهَمْزَة وَالْوَاو وَجَعَلْت الثَّانِيَة وَاوًا خَالِصَة.
وَإِنْ شِئْت خَفَّفْت الْأُولَى وَحَقَّقْت الثَّانِيَة.
وَإِنْ شِئْت حَقَّقْتهمَا جَمِيعًا.
وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
مِثْل " وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْعِلْم مَعْرِفَة الْمَعْلُوم عَلَى مَا هُوَ بِهِ، تَقُول : عَلِمْت الشَّيْء أَعْلَمهُ عِلْمًا عَرَفْته، وَعَالَمْت الرَّجُل فَعَلَمْته أَعْلُمُه ( بِالضَّمِّ فِي الْمُسْتَقْبَل ).
غَلَبْته بِالْعِلْمِ.
مِثْل " وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْعِلْم مَعْرِفَة الْمَعْلُوم عَلَى مَا هُوَ بِهِ، تَقُول : عَلِمْت الشَّيْء أَعْلَمهُ عِلْمًا عَرَفْته، وَعَالَمْت الرَّجُل فَعَلَمْته أَعْلُمُه ( بِالضَّمِّ فِي الْمُسْتَقْبَل ).
غَلَبْته بِالْعِلْمِ.
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا
أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ.
أَصْل لَقُوا : لَقِيُوا، نُقِلَتْ الضَّمَّة إِلَى الْقَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع الْيَمَانِيّ :" لَاقَوُا الَّذِينَ آمَنُوا ".
وَالْأَصْل لَاقَيُوا، تَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة اِنْقَلَبَتْ أَلِفًا، اِجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِف وَالْوَاو فَحُذِفَتْ الْأَلِف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ.
وَإِنْ قِيلَ : لِمَ ضُمَّتْ الْوَاو فِي لَاقُوا فِي الْإِدْرَاج وَحُذِفَتْ مِنْ لَقُوا ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ قَبْل الْوَاو الَّتِي فِي لَقُوا ضَمَّة فَلَوْ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ لَثَقُلَ عَلَى اللِّسَان النُّطْق بِهَا فَحُذِفَتْ لِثِقَلِهَا، وَحُرِّكَتْ فِي لَاقَوُا لِأَنَّ قَبْلهَا فَتْحَة.
أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ.
أَصْل لَقُوا : لَقِيُوا، نُقِلَتْ الضَّمَّة إِلَى الْقَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع الْيَمَانِيّ :" لَاقَوُا الَّذِينَ آمَنُوا ".
وَالْأَصْل لَاقَيُوا، تَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة اِنْقَلَبَتْ أَلِفًا، اِجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِف وَالْوَاو فَحُذِفَتْ الْأَلِف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ.
وَإِنْ قِيلَ : لِمَ ضُمَّتْ الْوَاو فِي لَاقُوا فِي الْإِدْرَاج وَحُذِفَتْ مِنْ لَقُوا ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ قَبْل الْوَاو الَّتِي فِي لَقُوا ضَمَّة فَلَوْ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ لَثَقُلَ عَلَى اللِّسَان النُّطْق بِهَا فَحُذِفَتْ لِثِقَلِهَا، وَحُرِّكَتْ فِي لَاقَوُا لِأَنَّ قَبْلهَا فَتْحَة.
وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ
إِنْ قِيلَ : لِمَ وُصِلَتْ " خَلَوْا " بِـ " إِلَى " وَعُرْفهَا أَنْ تُوصَل بِالْبَاءِ ؟ قِيلَ لَهُ :" خَلَوْا " هُنَا بِمَعْنَى ذَهَبُوا وَانْصَرَفُوا، وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق :
قَدْ قَتَلَ اللَّه زِيَادًا عَنِّي
لِمَا أَنْزَلَهُ مَنْزِلَة صَرَفَ.
وَقَالَ قَوْم :" إِلَى " بِمَعْنَى مَعَ، وَفِيهِ ضَعْف.
وَقَالَ قَوْم :" إِلَى " بِمَعْنَى الْبَاء، وَهَذَا يَأْبَاهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَإِذَا خَلَوْا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى شَيَاطِينهمْ، فَـ " إِلَى " عَلَى بَابهَا.
وَالشَّيَاطِين جَمْع شَيْطَان عَلَى التَّكْسِير، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي اِشْتِقَاقه وَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِعَاذَة.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَاد بِالشَّيَاطِينِ هُنَا، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : هُمْ رُؤَسَاء الْكُفْر.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُمْ شَيَاطِين الْجِنّ.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : هُمْ الْكُهَّان.
وَلَفْظ الشَّيْطَنَة الَّذِي مَعْنَاه الْبُعْد عَنْ الْإِيمَان وَالْخَبَر يَعُمّ جَمِيع مَنْ ذُكِرَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
إِنْ قِيلَ : لِمَ وُصِلَتْ " خَلَوْا " بِـ " إِلَى " وَعُرْفهَا أَنْ تُوصَل بِالْبَاءِ ؟ قِيلَ لَهُ :" خَلَوْا " هُنَا بِمَعْنَى ذَهَبُوا وَانْصَرَفُوا، وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق :
| كَيْف تَرَانِي قَالِبًا مِجَنِّي | أَضْرِب أَمْرِي ظَهْره لِبَطْنِ |
لِمَا أَنْزَلَهُ مَنْزِلَة صَرَفَ.
وَقَالَ قَوْم :" إِلَى " بِمَعْنَى مَعَ، وَفِيهِ ضَعْف.
وَقَالَ قَوْم :" إِلَى " بِمَعْنَى الْبَاء، وَهَذَا يَأْبَاهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَإِذَا خَلَوْا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى شَيَاطِينهمْ، فَـ " إِلَى " عَلَى بَابهَا.
وَالشَّيَاطِين جَمْع شَيْطَان عَلَى التَّكْسِير، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي اِشْتِقَاقه وَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِعَاذَة.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَاد بِالشَّيَاطِينِ هُنَا، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : هُمْ رُؤَسَاء الْكُفْر.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُمْ شَيَاطِين الْجِنّ.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : هُمْ الْكُهَّان.
وَلَفْظ الشَّيْطَنَة الَّذِي مَعْنَاه الْبُعْد عَنْ الْإِيمَان وَالْخَبَر يَعُمّ جَمِيع مَنْ ذُكِرَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
أَيْ مُكَذِّبُونَ بِمَا نُدْعَى إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : سَاخِرُونَ.
وَالْهُزْء : السُّخْرِيَة وَاللَّعِب، يُقَال : هَزِئَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ، قَالَ الرَّاجِز :
وَقِيلَ : أَصْل الِاسْتِهْزَاء : الِانْتِقَام، كَمَا قَالَ الْآخَر :
أَيْ مُكَذِّبُونَ بِمَا نُدْعَى إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : سَاخِرُونَ.
وَالْهُزْء : السُّخْرِيَة وَاللَّعِب، يُقَال : هَزِئَ بِهِ وَاسْتَهْزَأَ، قَالَ الرَّاجِز :
| قَدْ هَزِئَتْ مِنِّي أُمّ طَيْسَلَهْ | قَالَتْ أَرَاهُ مُعْدِمًا لَا مَال لَهْ |
| قَدْ اِسْتَهْزَءُوا مِنْهُمْ بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ | سَرَاتهمْ وَسْط الصَّحَاصِح جُثَّم |
| أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَد عَلَيْنَا | فَنَجْهَل فَوْق جَهْل الْجَاهِلَيْنَا |
وَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا وَضَعُوا لَفْظًا بِإِزَاءِ لَفْظ جَوَابًا لَهُ وَجَزَاء ذَكَرُوهُ بِمِثْلِ لَفْظه، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي مَعْنَاهُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآن وَالسُّنَّة.
وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا " [ الشُّورَى : ٤٠ ].
وَقَالَ :" فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٩٤ ] وَالْجَزَاء لَا يَكُون سَيِّئَة.
وَالْقِصَاص لَا يَكُون اِعْتِدَاء ; لِأَنَّهُ حَقّ وَجَبَ، وَمِثْله :" وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه " [ آل عِمْرَانَ : ٥٤ ].
وَ " إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيد كَيْدًا " [ الطَّارِق :
١٥ - ١٦ ].
وَ " إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ.
اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ " وَلَيْسَ مِنْهُ سُبْحَانه مَكْر وَلَا هُزْء إِنَّمَا هُوَ جَزَاء لِمَكْرِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَجَزَاء كَيَدِهِمْ، وَكَذَلِكَ " يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ " [ النِّسَاء : ١٤٢ ].
" فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ " [ التَّوْبَة : ٧٩ ].
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا وَلَا يَسْأَم حَتَّى تَسْأَمُوا ).
قِيلَ : حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاو أَيْ وَتَمَلُّوا.
وَقِيلَ الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ تَمَلُّونَ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا يَقْطَع عَنْكُمْ ثَوَاب أَعْمَالكُمْ حَتَّى تَقْطَعُوا الْعَمَل.
وَقَالَ قَوْم : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَفْعَل بِهِمْ أَفْعَالًا هِيَ فِي تَأَمُّل الْبَشَر هُزْء وَخَدْع وَمَكْر، حَسَب مَا رُوِيَ :( إِنَّ النَّار تَجْمُد كَمَا تَجْمُد الْإِهَالَة فَيَمْشُونَ عَلَيْهَا وَيَظُنُّونَهَا مَنْجَاة فَتُخْسَف بِهِمْ ).
وَرَوَى الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَا " هُمْ مُنَافِقُو أَهْل الْكِتَاب، فَذَكَرَهُمْ وَذَكَرَ اِسْتِهْزَاءَهُمْ، وَأَنَّهُمْ إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ فِي الْكُفْر - عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ عَلَى دِينكُمْ " إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ " بِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ " فِي الْآخِرَة، يُفْتَح لَهُمْ بَاب جَهَنَّم مِنْ الْجَنَّة، ثُمَّ يُقَال لَهُمْ : تَعَالَوْا، فَيُقْبِلُونَ يَسْبَحُونَ فِي النَّار، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْأَرَائِك - وَهِيَ السُّرُر - فِي الْحِجَال يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى الْبَاب سُدَّ عَنْهُمْ، فَيَضْحَك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ " أَيْ فِي الْآخِرَة، وَيَضْحَك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ حِين غُلِّقَتْ دُونهمْ الْأَبْوَاب، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ.
عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ :
٣٤ - ٣٥ ] إِلَى أَهْل النَّار " هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ٣٦ ].
وَقَالَ قَوْم : الْخِدَاع مِنْ اللَّه وَالِاسْتِهْزَاء هُوَ اِسْتِدْرَاجهمْ بِدُرُورِ النِّعَم الدُّنْيَوِيَّة عَلَيْهِمْ، فَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى يُظْهِر لَهُمْ مِنْ الْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا خِلَاف مَا يَغِيب عَنْهُمْ، وَيَسْتُر عَنْهُمْ مِنْ عَذَاب الْآخِرَة، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ حَتَّمَ عَذَابهمْ، فَهَذَا عَلَى تَأَمُّل الْبَشَر كَأَنَّهُ اِسْتِهْزَاء وَمَكْر وَخِدَاع، وَدَلَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْد مَا يُحِبّ وَهُوَ مُقِيم عَلَى مَعَاصِيه فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اِسْتِدْرَاج ).
ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَة :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " [ الْأَنْعَام :
٤٤ - ٤٥ ].
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " :[ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثَ لَهُمْ نِعْمَة.
عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ :
٣٤ - ٣٥ ] إِلَى أَهْل النَّار " هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ٣٦ ].
وَقَالَ قَوْم : الْخِدَاع مِنْ اللَّه وَالِاسْتِهْزَاء هُوَ اِسْتِدْرَاجهمْ بِدُرُورِ النِّعَم الدُّنْيَوِيَّة عَلَيْهِمْ، فَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى يُظْهِر لَهُمْ مِنْ الْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا خِلَاف مَا يَغِيب عَنْهُمْ، وَيَسْتُر عَنْهُمْ مِنْ عَذَاب الْآخِرَة، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ حَتَّمَ عَذَابهمْ، فَهَذَا عَلَى تَأَمُّل الْبَشَر كَأَنَّهُ اِسْتِهْزَاء وَمَكْر وَخِدَاع، وَدَلَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْد مَا يُحِبّ وَهُوَ مُقِيم عَلَى مَعَاصِيه فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اِسْتِدْرَاج ).
ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَة :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " [ الْأَنْعَام :
٤٤ - ٤٥ ].
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " :[ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثَ لَهُمْ نِعْمَة.
وَيَمُدُّهُمْ
أَيْ يُطِيل لَهُمْ الْمُدَّة وَيُمْهِلهُمْ وَيُمْلِي لَهُمْ، كَمَا قَالَ :" إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا " [ آل عِمْرَانَ : ١٧٨ ] وَأَصْله الزِّيَادَة.
قَالَ يُونُس بْن حَبِيب : يُقَال مَدَّ لَهُمْ فِي الشَّرّ، وَأَمَدَّ فِي الْخَيْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ".
[ الْإِسْرَاء : ٦ ].
وَقَالَ :" وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْم مِمَّا يَشْتَهُونَ " [ الطُّور : ٢٢ ].
وَحُكِيَ عَنْ الْأَخْفَش : مَدَدْت لَهُ إِذَا تَرَكْته، وَأَمْدَدْته إِذَا أَعْطَيْته.
وَعَنْ الْفَرَّاء وَاللِّحْيَانِيّ : مَدَدْت، فِيمَا كَانَتْ زِيَادَته مِنْ مِثْله، يُقَال : مَدَّ النَّهَر النَّهَر، وَفِي التَّنْزِيل :" وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر " [ لُقْمَان : ٢٧ ].
وَأَمْدَدْت، فِيمَا كَانَتْ زِيَادَته مِنْ غَيْره، كَقَوْلِك : أَمْدَدْت الْجَيْش بِمَدَدٍ، وَمِنْهُ :" يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة ".
[ آل عِمْرَانَ : ١٢٥ ].
وَأَمَدَّ الْجُرْح ; لِأَنَّ الْمِدَّة مِنْ غَيْره، أَيْ صَارَتْ فِيهِ مِدَّة.
أَيْ يُطِيل لَهُمْ الْمُدَّة وَيُمْهِلهُمْ وَيُمْلِي لَهُمْ، كَمَا قَالَ :" إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا " [ آل عِمْرَانَ : ١٧٨ ] وَأَصْله الزِّيَادَة.
قَالَ يُونُس بْن حَبِيب : يُقَال مَدَّ لَهُمْ فِي الشَّرّ، وَأَمَدَّ فِي الْخَيْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ".
[ الْإِسْرَاء : ٦ ].
وَقَالَ :" وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْم مِمَّا يَشْتَهُونَ " [ الطُّور : ٢٢ ].
وَحُكِيَ عَنْ الْأَخْفَش : مَدَدْت لَهُ إِذَا تَرَكْته، وَأَمْدَدْته إِذَا أَعْطَيْته.
وَعَنْ الْفَرَّاء وَاللِّحْيَانِيّ : مَدَدْت، فِيمَا كَانَتْ زِيَادَته مِنْ مِثْله، يُقَال : مَدَّ النَّهَر النَّهَر، وَفِي التَّنْزِيل :" وَالْبَحْر يَمُدّهُ مِنْ بَعْده سَبْعَة أَبْحُر " [ لُقْمَان : ٢٧ ].
وَأَمْدَدْت، فِيمَا كَانَتْ زِيَادَته مِنْ غَيْره، كَقَوْلِك : أَمْدَدْت الْجَيْش بِمَدَدٍ، وَمِنْهُ :" يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَاف مِنْ الْمَلَائِكَة ".
[ آل عِمْرَانَ : ١٢٥ ].
وَأَمَدَّ الْجُرْح ; لِأَنَّ الْمِدَّة مِنْ غَيْره، أَيْ صَارَتْ فِيهِ مِدَّة.
فِي طُغْيَانِهِمْ
كُفْرهمْ وَضَلَالهمْ.
وَأَصْل الطُّغْيَان مُجَاوَزَة الْحَدّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء " [ الْحَاقَّة : ١١ ] أَيْ اِرْتَفَعَ وَعَلَا وَتَجَاوَزَ الْمِقْدَار الَّذِي قَدَّرَتْهُ الْخُزَّان.
وَقَوْله فِي فِرْعَوْن :" إِنَّهُ طَغَى " [ طَه : ٢٤ ] أَيْ أَسْرَفَ فِي الدَّعْوَى حَيْثُ قَالَ :" أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى " [ النَّازِعَات : ٢٤ ].
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة : يَمُدّهُمْ بِطُولِ الْعُمْر حَتَّى يَزِيدُوا فِي الطُّغْيَان فَيَزِيدهُمْ فِي عَذَابهمْ.
كُفْرهمْ وَضَلَالهمْ.
وَأَصْل الطُّغْيَان مُجَاوَزَة الْحَدّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء " [ الْحَاقَّة : ١١ ] أَيْ اِرْتَفَعَ وَعَلَا وَتَجَاوَزَ الْمِقْدَار الَّذِي قَدَّرَتْهُ الْخُزَّان.
وَقَوْله فِي فِرْعَوْن :" إِنَّهُ طَغَى " [ طَه : ٢٤ ] أَيْ أَسْرَفَ فِي الدَّعْوَى حَيْثُ قَالَ :" أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى " [ النَّازِعَات : ٢٤ ].
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة : يَمُدّهُمْ بِطُولِ الْعُمْر حَتَّى يَزِيدُوا فِي الطُّغْيَان فَيَزِيدهُمْ فِي عَذَابهمْ.
يَعْمَهُونَ
يَعْمَوْنَ.
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ فِي الْكُفْر.
وَحَكَى أَهْل اللُّغَة : عَمِهَ الرَّجُل يَعْمَهُ عُمُوهًا وَعَمَهًا فَهُوَ عَمِه وَعَامِه إِذَا حَارَ، وَيُقَال رَجُل عَامِه وَعَمِه : حَائِر مُتَرَدِّد، وَجَمْعه عُمْه.
وَذَهَبَتْ إِبِله الْعُمَّهَى إِذَا لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ.
وَالْعَمَى فِي الْعَيْن، وَالْعَمَه فِي الْقَلْب، وَفِي التَّنْزِيل :" فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " [ الْحَجّ : ٤٦ ]
يَعْمَوْنَ.
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيِّرِينَ فِي الْكُفْر.
وَحَكَى أَهْل اللُّغَة : عَمِهَ الرَّجُل يَعْمَهُ عُمُوهًا وَعَمَهًا فَهُوَ عَمِه وَعَامِه إِذَا حَارَ، وَيُقَال رَجُل عَامِه وَعَمِه : حَائِر مُتَرَدِّد، وَجَمْعه عُمْه.
وَذَهَبَتْ إِبِله الْعُمَّهَى إِذَا لَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ.
وَالْعَمَى فِي الْعَيْن، وَالْعَمَه فِي الْقَلْب، وَفِي التَّنْزِيل :" فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " [ الْحَجّ : ٤٦ ]
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى
قَالَ سِيبَوَيْهِ : ضُمَّتْ الْوَاو فِي " اِشْتَرَوُا " فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن الْوَاو الْأَصْلِيَّة، نَحْو :" وَأَنْ لَوْ اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة ".
[ الْجِنّ : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : الضَّمَّة فِي الْوَاو أَخَفّ مِنْ غَيْرهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج : حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا فُعِلَ فِي " نَحْنُ ".
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَيَحْيَى بْن يَعْمُر بِكَسْرِ الْوَاو عَلَى أَصْل اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ.
وَرَوَى أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ عَنْ قَعْنَب أَبِي السَّمَّال الْعَدَوِيّ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاو لِخِفَّةِ الْفَتْحَة وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلهَا مَفْتُوحًا.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ هَمْز الْوَاو وَضَمَّهَا كَأَدْؤُر وَاشْتَرَوْا : مِنْ الشِّرَاء.
وَالشِّرَاء هُنَا مُسْتَعَار.
وَالْمَعْنَى اِسْتَحَبُّوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان، كَمَا قَالَ :" فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ ; لِأَنَّ الشِّرَاء إِنَّمَا يَكُون فِيمَا يُحِبّهُ مُشْتَرِيه.
فَأَمَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى شِرَاء الْمُعَاوَضَة فَلَا ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُونَ إِيمَانهمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى.
وَمَعْنَاهُ اِسْتَبْدَلُوا وَاخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاء تَوَسُّعًا ; لِأَنَّ الشِّرَاء وَالتِّجَارَة رَاجِعَانِ إِلَى الِاسْتِبْدَال، وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ فِي كُلّ مَنْ اِسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
وَأَصْل الضَّلَالَة : الْحَيْرَة.
وَيُسَمَّى النِّسْيَان ضَلَالَة لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْرَة، قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " [ الشُّعَرَاء : ٢٠ ] أَيْ النَّاسِينَ.
وَيُسَمَّى الْهَلَاك ضَلَالَة، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض " [ السَّجْدَة : ١٠ ].
قَالَ سِيبَوَيْهِ : ضُمَّتْ الْوَاو فِي " اِشْتَرَوُا " فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن الْوَاو الْأَصْلِيَّة، نَحْو :" وَأَنْ لَوْ اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة ".
[ الْجِنّ : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : الضَّمَّة فِي الْوَاو أَخَفّ مِنْ غَيْرهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج : حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا فُعِلَ فِي " نَحْنُ ".
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَيَحْيَى بْن يَعْمُر بِكَسْرِ الْوَاو عَلَى أَصْل اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ.
وَرَوَى أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ عَنْ قَعْنَب أَبِي السَّمَّال الْعَدَوِيّ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاو لِخِفَّةِ الْفَتْحَة وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلهَا مَفْتُوحًا.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ هَمْز الْوَاو وَضَمَّهَا كَأَدْؤُر وَاشْتَرَوْا : مِنْ الشِّرَاء.
وَالشِّرَاء هُنَا مُسْتَعَار.
وَالْمَعْنَى اِسْتَحَبُّوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان، كَمَا قَالَ :" فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ ; لِأَنَّ الشِّرَاء إِنَّمَا يَكُون فِيمَا يُحِبّهُ مُشْتَرِيه.
فَأَمَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى شِرَاء الْمُعَاوَضَة فَلَا ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُونَ إِيمَانهمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى.
وَمَعْنَاهُ اِسْتَبْدَلُوا وَاخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاء تَوَسُّعًا ; لِأَنَّ الشِّرَاء وَالتِّجَارَة رَاجِعَانِ إِلَى الِاسْتِبْدَال، وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ فِي كُلّ مَنْ اِسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
| فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْت أَجْهَل فِيكُمْ | فَإِنِّي شَرَيْت الْحِلْم بَعْدك بِالْجَهْلِ |
وَيُسَمَّى النِّسْيَان ضَلَالَة لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْرَة، قَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" فَعَلْتهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ " [ الشُّعَرَاء : ٢٠ ] أَيْ النَّاسِينَ.
وَيُسَمَّى الْهَلَاك ضَلَالَة، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض " [ السَّجْدَة : ١٠ ].
فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ
أَسْنَدَ تَعَالَى الرِّبْح إِلَى التِّجَارَة عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : رَبِحَ بَيْعك، وَخَسِرَتْ صَفْقَتك، وَقَوْلهمْ : لَيْل قَائِم، وَنَهَار صَائِم، وَالْمَعْنَى : رَبِحْت وَخَسِرْت فِي بَيْعك، وَقُمْت فِي لَيْلك وَصُمْت فِي نَهَارك، أَيْ فَمَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتهمْ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
اِبْن كَيْسَان : وَيَجُوز تِجَارَة وَتَجَائِر، وَضَلَالَة وَضَلَائِل.
أَسْنَدَ تَعَالَى الرِّبْح إِلَى التِّجَارَة عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : رَبِحَ بَيْعك، وَخَسِرَتْ صَفْقَتك، وَقَوْلهمْ : لَيْل قَائِم، وَنَهَار صَائِم، وَالْمَعْنَى : رَبِحْت وَخَسِرْت فِي بَيْعك، وَقُمْت فِي لَيْلك وَصُمْت فِي نَهَارك، أَيْ فَمَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتهمْ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| نَهَارك هَائِم وَلَيْلك نَائِم | كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيش الْبَهَائِم |
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
فِي اِشْتِرَائِهِمْ الضَّلَالَة.
وَقِيلَ : فِي سَابِق عِلْم اللَّه.
وَالِاهْتِدَاء ضِدّ الضَّلَال، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فِي اِشْتِرَائِهِمْ الضَّلَالَة.
وَقِيلَ : فِي سَابِق عِلْم اللَّه.
وَالِاهْتِدَاء ضِدّ الضَّلَال، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا
فَمَثَلهمْ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْكَاف، فَهِيَ اِسْم، كَمَا هِيَ فِي قَوْل الْأَعْشَى :
وَقَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس :
أَرَادَ مِثْل الطَّعْن، وَبِمِثْلِ اِبْن الْمَاء.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا، تَقْدِيره مِثْلهمْ مُسْتَقِرّ كَمِثْل، فَالْكَاف عَلَى هَذَا حَرْف.
وَالْمِثْل وَالْمِثْل وَالْمَثِيل وَاحِد وَمَعْنَاهُ الشَّبِيه.
وَالْمُتَمَاثِلَانِ : الْمُتَشَابِهَانِ، هَكَذَا قَالَ أَهْل اللُّغَة.
قَوْله " الَّذِي " يَقَع لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْع.
قَالَ اِبْن الشَّجَرِيّ هِبَة اللَّه بْن عَلِيّ : وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَأْتِي بِالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْوَاحِد، كَمَا قَالَ :
وَقِيلَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى " وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ " [ الزُّمَر : ٣٣ ] : إِنَّهُ بِهَذِهِ اللُّغَة، وَكَذَلِكَ قَوْله :" مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي " قِيلَ : الْمَعْنَى كَمَثَلِ الَّذِينَ اِسْتَوْقَدُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ :" ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ "، فَحَمَلَ أَوَّل الْكَلَام عَلَى الْوَاحِد، وَآخِره عَلَى الْجَمْع.
فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" وَخُضْتُمْ كَاَلَّذِي خَاضُوا " [ التَّوْبَة : ٦٩ ] فَإِنَّ الَّذِي هَا هُنَا وَصْف لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف تَقْدِيره وَخُضْتُمْ كَالْخُوَّضِ الَّذِي خَاضُوا.
وَقِيلَ : إِنَّمَا وَحَّدَ " الَّذِي " وَ " اِسْتَوْقَدَ " لِأَنَّ الْمُسْتَوْقِد كَانَ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَة تَوَلَّى الْإِيقَاد لَهُمْ، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّوْء رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَقَالَ " بِنُورِهِمْ ".
وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ، مِثْل اِسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، فَالسِّين وَالتَّاء زَائِدَتَانِ، قَالَهُ الْأَخْفَش، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَيْ يُجِبْهُ.
وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي جَوَاب لَمَّا، وَفِي عَوْد الضَّمِير مِنْ " نُورهمْ "، فَقِيلَ : جَوَاب لَمَّا مَحْذُوف وَهُوَ طَفِئَتْ، وَالضَّمِير فِي " نُورهمْ " عَلَى هَذَا لِلْمُنَافِقِينَ، وَالْإِخْبَار بِهَذَا عَنْ حَال تَكُون فِي الْآخِرَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُوَرٍ لَهُ بَاب " [ الْحَدِيد : ١٣ ].
وَقِيلَ : جَوَابه " ذَهَبَ "، وَالضَّمِير فِي " نُورهمْ " عَائِد عَلَى " الَّذِي "، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَتِمّ تَمْثِيل الْمُنَافِق بِالْمُسْتَوْقِدِ ; لِأَنَّ بَقَاء الْمُسْتَوْقِد فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِر كَبَقَاءِ الْمُنَافِق فِي حِيرَته وَتَرَدُّده.
فَمَثَلهمْ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْكَاف، فَهِيَ اِسْم، كَمَا هِيَ فِي قَوْل الْأَعْشَى :
| أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَط | كَالطَّعْنِ يَذْهَب فِيهِ الزَّيْت وَالْفُتُلُ |
| وَرُحْنَا مِن الْمَاء يُجْنَب وَسْطنَا | وَلَاثٍ فِيهِ الْعَيْن طُورًا وَتَرْتَقِي |
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر مَحْذُوفًا، تَقْدِيره مِثْلهمْ مُسْتَقِرّ كَمِثْل، فَالْكَاف عَلَى هَذَا حَرْف.
وَالْمِثْل وَالْمِثْل وَالْمَثِيل وَاحِد وَمَعْنَاهُ الشَّبِيه.
وَالْمُتَمَاثِلَانِ : الْمُتَشَابِهَانِ، هَكَذَا قَالَ أَهْل اللُّغَة.
قَوْله " الَّذِي " يَقَع لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْع.
قَالَ اِبْن الشَّجَرِيّ هِبَة اللَّه بْن عَلِيّ : وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَأْتِي بِالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْوَاحِد، كَمَا قَالَ :
| وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفِلْجٍ دِمَاؤُهُمْ | هُمْ الْقَوْم كُلّ الْقَوْم يَا أُمّ خَالِد |
فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" وَخُضْتُمْ كَاَلَّذِي خَاضُوا " [ التَّوْبَة : ٦٩ ] فَإِنَّ الَّذِي هَا هُنَا وَصْف لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف تَقْدِيره وَخُضْتُمْ كَالْخُوَّضِ الَّذِي خَاضُوا.
وَقِيلَ : إِنَّمَا وَحَّدَ " الَّذِي " وَ " اِسْتَوْقَدَ " لِأَنَّ الْمُسْتَوْقِد كَانَ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَة تَوَلَّى الْإِيقَاد لَهُمْ، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّوْء رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَقَالَ " بِنُورِهِمْ ".
وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ، مِثْل اِسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، فَالسِّين وَالتَّاء زَائِدَتَانِ، قَالَهُ الْأَخْفَش، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيب إِلَى النِّدَى | فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب |
وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي جَوَاب لَمَّا، وَفِي عَوْد الضَّمِير مِنْ " نُورهمْ "، فَقِيلَ : جَوَاب لَمَّا مَحْذُوف وَهُوَ طَفِئَتْ، وَالضَّمِير فِي " نُورهمْ " عَلَى هَذَا لِلْمُنَافِقِينَ، وَالْإِخْبَار بِهَذَا عَنْ حَال تَكُون فِي الْآخِرَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُوَرٍ لَهُ بَاب " [ الْحَدِيد : ١٣ ].
وَقِيلَ : جَوَابه " ذَهَبَ "، وَالضَّمِير فِي " نُورهمْ " عَائِد عَلَى " الَّذِي "، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَتِمّ تَمْثِيل الْمُنَافِق بِالْمُسْتَوْقِدِ ; لِأَنَّ بَقَاء الْمُسْتَوْقِد فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِر كَبَقَاءِ الْمُنَافِق فِي حِيرَته وَتَرَدُّده.
وَالْمَعْنَى الْمُرَاد بِالْآيَةِ ضَرْب مَثَل لِلْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ الْإِيمَان الَّذِي تَثْبُت لَهُمْ بِهِ أَحْكَام الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَنَائِح وَالتَّوَارُث وَالْغَنَائِم وَالْأَمْن عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَثَابَةِ مَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَة مُظْلِمَة فَاسْتَضَاءَ بِهَا وَرَأَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّقِيه وَأَمِنَ مِنْهُ، فَإِذَا طَفِئَتْ عَنْهُ أَوْ ذَهَبَتْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَذَى وَبَقِيَ مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ لَمَّا آمَنُوا اِغْتَرُّوا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَام، ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْد الْمَوْت إِلَى الْعَذَاب الْأَلِيم - كَمَا أَخْبَرَ التَّنْزِيل :" إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار " [ النِّسَاء : ١٤٥ ] - وَيَذْهَب نُورهمْ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ :" اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ " [ الْحَدِيد : ١٣ ].
وَقِيلَ : إِنَّ إِقْبَال الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَلَامهمْ مَعَهُمْ كَالنَّارِ، وَانْصِرَافهمْ عَنْ مَوَدَّتهمْ وَارْتِكَاسهمْ عِنْدهمْ كَذَهَابِهَا.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا.
قَوْله :" نَارًا " النَّار مُؤَنَّثَة وَهِيَ مِنْ النُّور وَهُوَ أَيْضًا الْإِشْرَاق.
وَهِيَ مِنْ الْوَاو ; لِأَنَّك تَقُول فِي التَّصْغِير : نُوَيْرَة، وَفِي الْجَمْع نُور وَأَنْوَار وَنِيرَان، اِنْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا.
وَضَاءَتْ وَأَضَاءَتْ لُغَتَانِ، يُقَال : ضَاءَ الْقَمَر يَضُوء ضَوْءًا وَأَضَاءَ يُضِيء، يَكُون لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : ضَاءَتْ بِغَيْرِ أَلِف، وَالْعَامَّة بِالْأَلِفِ، قَالَ الشَّاعِر :
وَقِيلَ : إِنَّ إِقْبَال الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَلَامهمْ مَعَهُمْ كَالنَّارِ، وَانْصِرَافهمْ عَنْ مَوَدَّتهمْ وَارْتِكَاسهمْ عِنْدهمْ كَذَهَابِهَا.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا.
قَوْله :" نَارًا " النَّار مُؤَنَّثَة وَهِيَ مِنْ النُّور وَهُوَ أَيْضًا الْإِشْرَاق.
وَهِيَ مِنْ الْوَاو ; لِأَنَّك تَقُول فِي التَّصْغِير : نُوَيْرَة، وَفِي الْجَمْع نُور وَأَنْوَار وَنِيرَان، اِنْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرِ مَا قَبْلهَا.
وَضَاءَتْ وَأَضَاءَتْ لُغَتَانِ، يُقَال : ضَاءَ الْقَمَر يَضُوء ضَوْءًا وَأَضَاءَ يُضِيء، يَكُون لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : ضَاءَتْ بِغَيْرِ أَلِف، وَالْعَامَّة بِالْأَلِفِ، قَالَ الشَّاعِر :
| أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابهمْ وَوُجُوههمْ | دُجَى اللَّيْل حَتَّى نَظَّمَ الْجِزَع ثَاقِبه |
| سَقَوْنِي الْخَمْر ثُمَّ تَكَنَّفُونِي | عُدَاة اللَّه مِنْ كَذِب وَزُور |
فَالْوَقْف عَلَى " يُبْصِرُونَ " عَلَى هَذَا الْمَذْهَب صَوَاب حَسَن.
وَيَجُوز أَنْ يُنْصَب صُمًّا بِـ " تَرَكَهُمْ "، كَأَنَّهُ قَالَ : وَتَرَكَهُمْ صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَب لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى " يُبْصِرُونَ ".
وَالصَّمَم فِي كَلَام الْعَرَب : الِانْسِدَاد، يُقَال : قَنَاة صَمَّاء إِذَا لَمْ تَكُنْ مُجَوَّفَة.
وَصَمَمْت الْقَارُورَة إِذَا سَدَدْتهَا.
فَالْأَصَمّ : مَنْ اِنْسَدَّتْ خُرُوق مَسَامِعه.
وَالْأَبْكَم : الَّذِي لَا يَنْطِق وَلَا يَفْهَم، فَإِذَا فَهِمَ فَهُوَ الْأَخْرَس.
وَقِيلَ : الْأَخْرَس وَالْأَبْكَم وَاحِد.
وَيُقَال : رَجُل أَبْكَم وَبَكِيم، أَيْ أَخْرَس بَيْن الْخَرَس وَالْبُكْم، قَالَ :
| فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا | بَكِيم وَنِصْف عِنْد مَجْرَى الْكَوَاكِب |
وَتَعَامَى الرَّجُل : أَرَى ذَلِكَ مِنْ نَفْسه.
وَعَمِيَ عَلَيْهِ الْأَمْر إِذَا اِلْتَبَسَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الْأَنْبَاء يَوْمئِذٍ " [ الْقَصَص : ٦٦ ].
وَلَيْسَ الْغَرَض مِمَّا ذَكَرْنَاهُ نَفْي الْإِدْرَاكَات عَنْ حَوَاسّهمْ جُمْلَة، وَإِنَّمَا الْغَرَض نَفْيهَا مِنْ جِهَة مَا، تَقُول : فُلَان أَصَمّ عَنْ الْخَنَا.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشَّاعِر حَيْثُ قَالَ :
أَصَمّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيع
وَقَالَ آخَر :
| وَعَوْرَاء الْكَلَام صَمَمْت عَنْهَا | وَلَوْ أَنِّي أَشَاء بِهَا سَمِيع |
| أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ | حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي الْجُدْرُ |
| هَفَّان إِذَا مَا دَخَلْت أَعْمَى | وَاخَرْج إِذَا مَا خَرَجْت أَخْرَس |
قُلْت : وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَاد فِي وَصْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلَاة آخِر الزَّمَان فِي حَدِيث جِبْرِيل ( وَإِذَا رَأَيْت الْحُفَاة الْعُرَاة الصُّمّ الْبُكْم مُلُوك الْأَرْض فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
أَيْ إِلَى الْحَقّ لِسَابِقِ عِلْم اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ.
يُقَال : رَجَعَ بِنَفْسِهِ رُجُوعًا، وَرَجَعَهُ غَيْره، وَهُذَيْل تَقُول : أَرْجَعَهُ غَيْره.
وَقَوْله تَعَالَى :" يَرْجِع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْقَوْل " [ سَبَأ : ٣١ ] أَيْ يَتَلَاوَمُونَ فِيمَا بَيْنهمْ، حَسَب مَا بَيَّنَهُ التَّنْزِيل فِي سُورَة " سَبَأ ".
أَيْ إِلَى الْحَقّ لِسَابِقِ عِلْم اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ.
يُقَال : رَجَعَ بِنَفْسِهِ رُجُوعًا، وَرَجَعَهُ غَيْره، وَهُذَيْل تَقُول : أَرْجَعَهُ غَيْره.
وَقَوْله تَعَالَى :" يَرْجِع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض الْقَوْل " [ سَبَأ : ٣١ ] أَيْ يَتَلَاوَمُونَ فِيمَا بَيْنهمْ، حَسَب مَا بَيَّنَهُ التَّنْزِيل فِي سُورَة " سَبَأ ".
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ
قَالَ الطَّبَرِيّ :" أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاو، وَقَالَهُ الْفَرَّاء.
وَأَنْشَدَ :
وَقَالَ آخَر :
أَيْ وَكَانَتْ.
وَقِيلَ :" أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ أَيْ مَثَّلُوهُمْ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، لَا عَلَى الِاقْتِصَار عَلَى أَحَد الْأَمْرَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَوْ كَأَصْحَابِ صَيِّب.
وَالصَّيِّب : الْمَطَر.
وَاشْتِقَاقه مِنْ صَابَ يَصُوب إِذَا نَزَلَ، قَالَ عَلْقَمَة :
وَأَصْله : صَيْوِب، اِجْتَمَعَتْ الْيَاء وَالْوَاو وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء وَأُدْغِمَتْ، كَمَا فَعَلُوا فِي مَيِّت وَسَيِّد وَهَيِّن وَلَيِّن.
وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : أَصْله صَوِيب عَلَى مِثَال فَعِيل.
قَالَ النَّحَّاس :" لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَمَا جَازَ إِدْغَامه، كَمَا لَا يَجُوز إِدْغَام طَوِيل.
وَجَمْع صَيِّب صَيَايِب.
وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة : مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا أَوْ كَمَثَلِ صَيِّب ".
قَوْله تَعَالَى :" مِنْ السَّمَاء " السَّمَاء تُذَكَّر وَتُؤَنَّث، وَتُجْمَع عَلَى أَسْمِيَة وَسَمَوَات وَسُمِيّ، عَلَى فُعُول، قَالَ الْعَجَّاج :
تَلُفّهُ الرِّيَاح وَالسُّمِيّ
وَالسَّمَاء : كُلّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك، وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْت : سَمَاء.
وَالسَّمَاء : الْمَطَر، سُمِّيَ بِهِ لِنُزُولِهِ مِنْ السَّمَاء.
قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت :
وَقَالَ آخَر :
وَيُسَمَّى الطِّين وَالْكَلَأ أَيْضًا سَمَاء، يُقَال : مَا زِلْنَا نَطَأ السَّمَاء حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ.
يُرِيدُونَ الْكَلَأ وَالطِّين.
وَيُقَال لِظَهْرِ الْفَرَس أَيْضًا سَمَاء لِعُلُوِّهِ، قَالَ :
وَالسَّمَاء : مَا عَلَا.
وَالْأَرْض : مَا سَفَلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الطَّبَرِيّ :" أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاو، وَقَالَهُ الْفَرَّاء.
وَأَنْشَدَ :
| وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِر | لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورهَا |
| نَالَ الْخِلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا | كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر |
وَقِيلَ :" أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ أَيْ مَثَّلُوهُمْ بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، لَا عَلَى الِاقْتِصَار عَلَى أَحَد الْأَمْرَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَوْ كَأَصْحَابِ صَيِّب.
وَالصَّيِّب : الْمَطَر.
وَاشْتِقَاقه مِنْ صَابَ يَصُوب إِذَا نَزَلَ، قَالَ عَلْقَمَة :
| فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْن مُغَمَّر | سَقَتْك رَوَايَا الْمُزْن حَيْثُ تَصُوب |
وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : أَصْله صَوِيب عَلَى مِثَال فَعِيل.
قَالَ النَّحَّاس :" لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَمَا جَازَ إِدْغَامه، كَمَا لَا يَجُوز إِدْغَام طَوِيل.
وَجَمْع صَيِّب صَيَايِب.
وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة : مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا أَوْ كَمَثَلِ صَيِّب ".
قَوْله تَعَالَى :" مِنْ السَّمَاء " السَّمَاء تُذَكَّر وَتُؤَنَّث، وَتُجْمَع عَلَى أَسْمِيَة وَسَمَوَات وَسُمِيّ، عَلَى فُعُول، قَالَ الْعَجَّاج :
تَلُفّهُ الرِّيَاح وَالسُّمِيّ
وَالسَّمَاء : كُلّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك، وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْت : سَمَاء.
وَالسَّمَاء : الْمَطَر، سُمِّيَ بِهِ لِنُزُولِهِ مِنْ السَّمَاء.
قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت :
| دِيَار مِنْ بَنِي الْحَسْحَاس قَفْر | تُعَفِّيهَا الرَّوَامِس وَالسَّمَاء |
| إِذَا سَقَطَ السَّمَاء بِأَرْضِ قَوْم | رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا |
يُرِيدُونَ الْكَلَأ وَالطِّين.
وَيُقَال لِظَهْرِ الْفَرَس أَيْضًا سَمَاء لِعُلُوِّهِ، قَالَ :
| وَأَحْمَر كَالدِّيبَاجِ أَمَّا سَمَاؤُهُ | فَرَيَّا وَأَمَّا أَرْضه فَمُحُول |
وَالْأَرْض : مَا سَفَلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
قَوْله تَعَالَى :" فِيهِ ظُلُمَات " اِبْتِدَاء وَخَبَر " وَرَعْد وَبَرْق " مَعْطُوف عَلَيْهِ.
وَقَالَ ظُلُمَات بِالْجَمْعِ إِشَارَة إِلَى ظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الدَّجْن، وَهُوَ الْغَيْم، وَمِنْ حَيْثُ تَتَرَاكَب وَتَتَزَايَد جُمِعَتْ.
وَقَدْ مَضَى مَا فِيهِ مِنْ اللُّغَات فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ، وَكَذَا كُلّ مَا تَقَدَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الرَّعْد، فَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : سَأَلَتْ الْيَهُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّعْد مَا هُوَ ؟ قَالَ :( مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة مُوَكَّل بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيق مِنْ نَار يَسُوق بِهَا السَّحَاب حَيْثُ شَاءَ اللَّه ).
فَقَالُوا : فَمَا هَذَا الصَّوْت الَّذِي نَسْمَع ؟ قَالَ :( زَجْره بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللَّه ) قَالُوا : صَدَقْت.
الْحَدِيث بِطُولِهِ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْسِير أَكْثَر الْعُلَمَاء.
فَالرَّعْد : اِسْم الصَّوْت الْمَسْمُوع، وَقَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَهُوَ الْمَعْلُوم فِي لُغَة الْعَرَب، وَقَدْ قَالَ لَبِيد فِي جَاهِلِيَّته :
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الرَّعْد رِيح تَخْتَنِق بَيْن السَّحَاب فَتُصَوِّت ذَلِكَ الصَّوْت.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَرْق، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ : الْبَرْق مِخْرَاق حَدِيد بِيَدِ الْمَلَك يَسُوق بِهِ السَّحَاب.
قُلْت : وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ حَدِيث التِّرْمِذِيّ.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا هُوَ سَوْط مِنْ نُور بِيَدِ الْمَلَك يَزْجُر بِهِ السَّحَاب.
وَعَنْهُ أَيْضًا الْبَرْق مَلَك يَتَرَاءَى.
وَقَالَتْ الْفَلَاسِفَة : الرَّعْد صَوْت اِصْطِكَاك أَجْرَام السَّحَاب.
وَالْبَرْق مَا يَنْقَدِح مِنْ اِصْطِكَاكهَا.
وَهَذَا مَرْدُود لَا يَصِحّ بِهِ نَقْل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُقَال : أَصْل الرَّعْد مِنْ الْحَرَكَة، وَمِنْهُ الرِّعْدِيد لِلْجَبَانِ.
وَارْتَعَدَ : اِضْطَرَبَ، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَد فَرَائِصهمَا ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَالْبَرْق أَصْله مِنْ الْبَرِيق وَالضَّوْء، وَمِنْهُ الْبُرَاق : دَابَّة رَكِبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَرَكِبَهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام قَبْله.
وَرَعَدَتْ السَّمَاء مِنْ الرَّعْد، وَبَرَقَتْ مِنْ الْبَرْق.
وَرَعَدَتْ الْمَرْأَة وَبَرَقَتْ : تَحَسَّنَتْ وَتَزَيَّنَتْ.
وَرَعَدَ الرَّجُل وَبَرَقَ : تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، قَالَ اِبْن أَحْمَر :
وَأَرْعَدَ الْقَوْم وَأَبْرَقُوا : أَصَابَهُمْ رَعْد وَبَرْق.
وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عَمْرو : أَرْعَدَتْ السَّمَاء وَأَبْرَقَتْ، وَأَرْعَدَ الرَّجُل وَأَبْرَقَ إِذَا تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيّ.
وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْكُمَيْت :
فَقَالَ : لَيْسَ الْكُمَيْت بِحُجَّةٍ.
قَوْله تَعَالَى :" فِيهِ ظُلُمَات " اِبْتِدَاء وَخَبَر " وَرَعْد وَبَرْق " مَعْطُوف عَلَيْهِ.
وَقَالَ ظُلُمَات بِالْجَمْعِ إِشَارَة إِلَى ظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الدَّجْن، وَهُوَ الْغَيْم، وَمِنْ حَيْثُ تَتَرَاكَب وَتَتَزَايَد جُمِعَتْ.
وَقَدْ مَضَى مَا فِيهِ مِنْ اللُّغَات فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ، وَكَذَا كُلّ مَا تَقَدَّمَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الرَّعْد، فَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : سَأَلَتْ الْيَهُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّعْد مَا هُوَ ؟ قَالَ :( مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة مُوَكَّل بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيق مِنْ نَار يَسُوق بِهَا السَّحَاب حَيْثُ شَاءَ اللَّه ).
فَقَالُوا : فَمَا هَذَا الصَّوْت الَّذِي نَسْمَع ؟ قَالَ :( زَجْره بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللَّه ) قَالُوا : صَدَقْت.
الْحَدِيث بِطُولِهِ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْسِير أَكْثَر الْعُلَمَاء.
فَالرَّعْد : اِسْم الصَّوْت الْمَسْمُوع، وَقَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَهُوَ الْمَعْلُوم فِي لُغَة الْعَرَب، وَقَدْ قَالَ لَبِيد فِي جَاهِلِيَّته :
| فَجَّعَنِي الرَّعْد وَالصَّوَاعِق بِالْ | فَارِس يَوْم الْكَرِيهَة النَّجِد |
وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَرْق، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ : الْبَرْق مِخْرَاق حَدِيد بِيَدِ الْمَلَك يَسُوق بِهِ السَّحَاب.
قُلْت : وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ حَدِيث التِّرْمِذِيّ.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا هُوَ سَوْط مِنْ نُور بِيَدِ الْمَلَك يَزْجُر بِهِ السَّحَاب.
وَعَنْهُ أَيْضًا الْبَرْق مَلَك يَتَرَاءَى.
وَقَالَتْ الْفَلَاسِفَة : الرَّعْد صَوْت اِصْطِكَاك أَجْرَام السَّحَاب.
وَالْبَرْق مَا يَنْقَدِح مِنْ اِصْطِكَاكهَا.
وَهَذَا مَرْدُود لَا يَصِحّ بِهِ نَقْل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُقَال : أَصْل الرَّعْد مِنْ الْحَرَكَة، وَمِنْهُ الرِّعْدِيد لِلْجَبَانِ.
وَارْتَعَدَ : اِضْطَرَبَ، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَد فَرَائِصهمَا ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَالْبَرْق أَصْله مِنْ الْبَرِيق وَالضَّوْء، وَمِنْهُ الْبُرَاق : دَابَّة رَكِبَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَرَكِبَهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام قَبْله.
وَرَعَدَتْ السَّمَاء مِنْ الرَّعْد، وَبَرَقَتْ مِنْ الْبَرْق.
وَرَعَدَتْ الْمَرْأَة وَبَرَقَتْ : تَحَسَّنَتْ وَتَزَيَّنَتْ.
وَرَعَدَ الرَّجُل وَبَرَقَ : تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، قَالَ اِبْن أَحْمَر :
| يَا جُلّ مَا بَعُدَتْ عَلَيْك بِلَادنَا | وَطِلَابنَا فَابْرُقْ بِأَرْضِك وَارَعْد |
وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عَمْرو : أَرْعَدَتْ السَّمَاء وَأَبْرَقَتْ، وَأَرْعَدَ الرَّجُل وَأَبْرَقَ إِذَا تَهَدَّدَ وَأَوْعَدَ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيّ.
وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْكُمَيْت :
| أَبْرِقْ وَأَرْعِدْ يَا يَزِيـ | دُ فَمَا وَعِيدك لِي بِضَائِرْ |
فَائِدَة : رَوَى اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُنَّا مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي سَفْرَة بَيْن الْمَدِينَة وَالشَّام وَمَعَنَا كَعْب الْأَحْبَار، قَالَ : فَأَصَابَتْنَا رِيح وَأَصَابَنَا رَعْد وَمَطَر شَدِيد وَبَرْد، وَفَرِقَ النَّاس.
قَالَ فَقَالَ لِي كَعْب : إِنَّهُ مَنْ قَالَ حِين يَسْمَع الرَّعْد : سُبْحَان مَنْ يُسَبِّح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة مِنْ خِيفَته، عُوفِيَ مِمَّا يَكُون فِي ذَلِكَ السَّحَاب وَالْبَرْد وَالصَّوَاعِق.
قَالَ : فَقُلْتهَا أَنَا وَكَعْب، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَاجْتَمَعَ النَّاس قُلْت لِعُمَر : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّا كُنَّا فِي غَيْر مَا كَانَ فِيهِ النَّاس قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : فَحَدَّثْته حَدِيث كَعْب.
قَالَ : سُبْحَان اللَّه أَفَلَا قُلْتُمْ لَنَا فَنَقُول كَمَا قُلْتُمْ فِي رِوَايَة فَإِذَا بَرَدَة قَدْ أَصَابَتْ أَنْف عُمَر فَأَثَّرَتْ بِهِ.
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِي سُورَة " الرَّعْد " إِنْ شَاءَ اللَّه.
ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ أَبُو بَكْر بْن عَلِيّ بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي رِوَايَات الصَّحَابَة عَنْ التَّابِعِينَ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَعَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْد وَالصَّوَاعِق قَالَ :( اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافِنَا قَبْل ذَلِكَ ).
قَالَ فَقَالَ لِي كَعْب : إِنَّهُ مَنْ قَالَ حِين يَسْمَع الرَّعْد : سُبْحَان مَنْ يُسَبِّح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة مِنْ خِيفَته، عُوفِيَ مِمَّا يَكُون فِي ذَلِكَ السَّحَاب وَالْبَرْد وَالصَّوَاعِق.
قَالَ : فَقُلْتهَا أَنَا وَكَعْب، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَاجْتَمَعَ النَّاس قُلْت لِعُمَر : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، كَأَنَّا كُنَّا فِي غَيْر مَا كَانَ فِيهِ النَّاس قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : فَحَدَّثْته حَدِيث كَعْب.
قَالَ : سُبْحَان اللَّه أَفَلَا قُلْتُمْ لَنَا فَنَقُول كَمَا قُلْتُمْ فِي رِوَايَة فَإِذَا بَرَدَة قَدْ أَصَابَتْ أَنْف عُمَر فَأَثَّرَتْ بِهِ.
وَسَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِي سُورَة " الرَّعْد " إِنْ شَاءَ اللَّه.
ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ أَبُو بَكْر بْن عَلِيّ بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي رِوَايَات الصَّحَابَة عَنْ التَّابِعِينَ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَعَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْد وَالصَّوَاعِق قَالَ :( اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافِنَا قَبْل ذَلِكَ ).
يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
جَعْلهمْ أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا الْقُرْآن فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ عِنْدهمْ كُفْر وَالْكُفْر مَوْت.
وَفِي وَاحِد الْأَصَابِع خَمْس لُغَات : إِصْبَع بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَفَتْح الْبَاء، وَأَصْبِع بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الْبَاء، وَيُقَال بِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا، وَضَمّهمَا جَمِيعًا، وَبِكَسْرِهِمَا جَمِيعًا، /و هِيَ مُؤَنَّثَة.
وَكَذَلِكَ الْأُذُن وَتُخَفَّف وَتُثَقَّل وَتُصَغَّر، فَيُقَال : أُذَيْنَة.
وَلَوْ سَمَّيْت بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صَغَّرْته قُلْت : أُذَيْن، فَلَمْ تُؤَنَّث لِزَوَالِ التَّأْنِيث عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّر فَأَمَّا قَوْلهمْ : أُذَيْنَة فِي الِاسْم الْعَلَم فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مُصَغَّرًا، وَالْجَمْع آذَان.
وَتَقُول : أَذَنْته إِذَا ضَرَبْت أُذُنه.
وَرَجُل أُذُن : إِذَا كَانَ يَسْمَع كَلَام كُلّ أَحَد، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجَمْع.
وَأَذَانِيّ : عَظِيم الْأُذُنَيْنِ.
وَنَعْجَة أَذْنَاء، وَكَبْش آذَن.
وَأَذَّنْت النَّعْل وَغَيْرهَا تَأْذِينًا : إِذَا جَعَلْت لَهَا أُذُنًا.
وَأَذَّنْت الصَّبِيّ : عَرَكْت أُذُنه.
جَعْلهمْ أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا الْقُرْآن فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ عِنْدهمْ كُفْر وَالْكُفْر مَوْت.
وَفِي وَاحِد الْأَصَابِع خَمْس لُغَات : إِصْبَع بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَفَتْح الْبَاء، وَأَصْبِع بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الْبَاء، وَيُقَال بِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا، وَضَمّهمَا جَمِيعًا، وَبِكَسْرِهِمَا جَمِيعًا، /و هِيَ مُؤَنَّثَة.
وَكَذَلِكَ الْأُذُن وَتُخَفَّف وَتُثَقَّل وَتُصَغَّر، فَيُقَال : أُذَيْنَة.
وَلَوْ سَمَّيْت بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صَغَّرْته قُلْت : أُذَيْن، فَلَمْ تُؤَنَّث لِزَوَالِ التَّأْنِيث عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّر فَأَمَّا قَوْلهمْ : أُذَيْنَة فِي الِاسْم الْعَلَم فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مُصَغَّرًا، وَالْجَمْع آذَان.
وَتَقُول : أَذَنْته إِذَا ضَرَبْت أُذُنه.
وَرَجُل أُذُن : إِذَا كَانَ يَسْمَع كَلَام كُلّ أَحَد، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجَمْع.
وَأَذَانِيّ : عَظِيم الْأُذُنَيْنِ.
وَنَعْجَة أَذْنَاء، وَكَبْش آذَن.
وَأَذَّنْت النَّعْل وَغَيْرهَا تَأْذِينًا : إِذَا جَعَلْت لَهَا أُذُنًا.
وَأَذَّنْت الصَّبِيّ : عَرَكْت أُذُنه.
مِنَ الصَّوَاعِقِ
أَيْ مِنْ أَجْل الصَّوَاعِق.
وَالصَّوَاعِق جَمْع صَاعِقَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : إِذَا اِشْتَدَّ غَضَب الرَّعْد الَّذِي هُوَ الْمَلَك طَارَ النَّار مِنْ فِيهِ وَهِيَ الصَّوَاعِق.
وَكَذَا قَالَ الْخَلِيل، قَالَ : هِيَ الْوَاقِعَة الشَّدِيدَة مِنْ صَوْت الرَّعْد، يَكُون مَعَهَا أَحْيَانًا قِطْعَة نَار تُحْرِق مَا أَتَتْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو زَيْد : الصَّاعِقَة نَار تَسْقُط مِنْ السَّمَاء فِي رَعْد شَدِيد.
وَحَكَى الْخَلِيل عَنْ قَوْم : السَّاعِقَة ( بِالسِّينِ ).
وَقَالَ أَبُو بَكْر النَّقَّاش : يُقَال صَاعِقَة وَصَعْقَة وَصَاقِعَة بِمَعْنًى وَاحِد.
وَقَرَأَ الْحَسَن : مِنْ " الصَّوَاقِع " ( بِتَقْدِيمِ الْقَاف )، وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم :
قَالَ النَّحَّاس : وَهِيَ لُغَة تَمِيم وَبَعْض بَنِي رَبِيعَة.
وَيُقَال : صَعِقَتهمْ السَّمَاء إِذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِمْ.
الصَّاعِقَة.
وَالصَّاعِقَة أَيْضًا صَيْحَة الْعَذَاب، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة الْعَذَاب الْهُون " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] وَيُقَال : صَعِقَ الرَّجُل صَعْقَة وَتَصْعَاقًا، أَيْ غُشِيَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا " [ الْأَعْرَاف : ١٤٣ ] فَأَصْعَقَهُ غَيْره.
قَالَ اِبْن مُقْبِل :
وَقَوْله تَعَالَى :" فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض " [ الزُّمَر : ٦٨ ] أَيْ مَاتَ.
وَشَبَّهَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَحْوَال الْمُنَافِقِينَ بِمَا فِي الصَّيِّب مِنْ الظُّلُمَات وَالرَّعْد وَالْبَرْق وَالصَّوَاعِق.
فَالظُّلُمَات مَثَل لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الْكُفْر، وَالرَّعْد وَالْبَرْق مَثَل لِمَا يُخَوَّفُونَ بِهِ.
وَقِيلَ : مَثَّلَ اللَّه تَعَالَى الْقُرْآن بِالصَّيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَال عَلَيْهِمْ، وَالْعَمَى هُوَ الظُّلُمَات، وَمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيد وَالزَّجْر هُوَ الرَّعْد، وَمَا فِيهِ مِنْ النُّور وَالْحُجَج الْبَاهِرَة الَّتِي تَكَاد أَحْيَانًا أَنْ تَبْهَرهُمْ هُوَ الْبَرْق.
وَالصَّوَاعِق، مَثَل لِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ الدُّعَاء إِلَى الْقِتَال فِي الْعَاجِل وَالْوَعِيد فِي الْآجِل.
وَقِيلَ : الصَّوَاعِق تَكَالِيف الشَّرْع الَّتِي يَكْرَهُونَهَا مِنْ الْجِهَاد وَالزَّكَاة وَغَيْرهمَا.
أَيْ مِنْ أَجْل الصَّوَاعِق.
وَالصَّوَاعِق جَمْع صَاعِقَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : إِذَا اِشْتَدَّ غَضَب الرَّعْد الَّذِي هُوَ الْمَلَك طَارَ النَّار مِنْ فِيهِ وَهِيَ الصَّوَاعِق.
وَكَذَا قَالَ الْخَلِيل، قَالَ : هِيَ الْوَاقِعَة الشَّدِيدَة مِنْ صَوْت الرَّعْد، يَكُون مَعَهَا أَحْيَانًا قِطْعَة نَار تُحْرِق مَا أَتَتْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو زَيْد : الصَّاعِقَة نَار تَسْقُط مِنْ السَّمَاء فِي رَعْد شَدِيد.
وَحَكَى الْخَلِيل عَنْ قَوْم : السَّاعِقَة ( بِالسِّينِ ).
وَقَالَ أَبُو بَكْر النَّقَّاش : يُقَال صَاعِقَة وَصَعْقَة وَصَاقِعَة بِمَعْنًى وَاحِد.
وَقَرَأَ الْحَسَن : مِنْ " الصَّوَاقِع " ( بِتَقْدِيمِ الْقَاف )، وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم :
| يَحْكُونَ بِالْمَصْقُولَةِ الْقَوَاطِع | تَشَقُّق الْبَرْق عَنْ الصَّوَاقِع |
وَيُقَال : صَعِقَتهمْ السَّمَاء إِذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِمْ.
الصَّاعِقَة.
وَالصَّاعِقَة أَيْضًا صَيْحَة الْعَذَاب، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة الْعَذَاب الْهُون " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] وَيُقَال : صَعِقَ الرَّجُل صَعْقَة وَتَصْعَاقًا، أَيْ غُشِيَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا " [ الْأَعْرَاف : ١٤٣ ] فَأَصْعَقَهُ غَيْره.
قَالَ اِبْن مُقْبِل :
| تَرَى النُّعَرَات الزُّرْق تَحْت لَبَانه | أُحَاد وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِله |
وَشَبَّهَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة أَحْوَال الْمُنَافِقِينَ بِمَا فِي الصَّيِّب مِنْ الظُّلُمَات وَالرَّعْد وَالْبَرْق وَالصَّوَاعِق.
فَالظُّلُمَات مَثَل لِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الْكُفْر، وَالرَّعْد وَالْبَرْق مَثَل لِمَا يُخَوَّفُونَ بِهِ.
وَقِيلَ : مَثَّلَ اللَّه تَعَالَى الْقُرْآن بِالصَّيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَال عَلَيْهِمْ، وَالْعَمَى هُوَ الظُّلُمَات، وَمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيد وَالزَّجْر هُوَ الرَّعْد، وَمَا فِيهِ مِنْ النُّور وَالْحُجَج الْبَاهِرَة الَّتِي تَكَاد أَحْيَانًا أَنْ تَبْهَرهُمْ هُوَ الْبَرْق.
وَالصَّوَاعِق، مَثَل لِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ الدُّعَاء إِلَى الْقِتَال فِي الْعَاجِل وَالْوَعِيد فِي الْآجِل.
وَقِيلَ : الصَّوَاعِق تَكَالِيف الشَّرْع الَّتِي يَكْرَهُونَهَا مِنْ الْجِهَاد وَالزَّكَاة وَغَيْرهمَا.
حَذَرَ الْمَوْتِ
حَذَر وَحَذَارِ بِمَعْنًى، وَقُرِئَ بِهِمَا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : هُوَ مَنْصُوب، لِأَنَّهُ مَوْقُوع لَهُ أَيّ مَفْعُول مِنْ أَجْله، وَحَقِيقَته أَنَّهُ مَصْدَر، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ مَنْصُوب عَلَى التَّمْيِيز، وَالْمَوْت : ضِدّ الْحَيَاة.
وَقَدْ مَاتَ يَمُوت، وَيَمَات أَيْضًا، قَالَ الرَّاجِز :
فَهُوَ مَيِّت وَمَيْت، وَقَوْم مَوْتَى وَأَمْوَات وَمَيِّتُونَ وَمَيْتُونَ.
وَالْمُوَات ( بِالضَّمِّ ) : الْمَوْت.
وَالْمَوَات ( بِالْفَتْحِ ) : مَا لَا رُوح فِيهِ.
وَالْمَوَات أَيْضًا : الْأَرْض الَّتِي لَا مَالِك لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَنْتَفِع بِهَا أَحَد.
وَالْمَوَتَان ( بِالتَّحْرِيكِ ) : خِلَاف الْحَيَوَان، يُقَال : اِشْتَرِ الْمَوَتَان، وَلَا تَشْتَرِ الْحَيَوَان، أَيْ اِشْتَرِ الْأَرَضِينَ وَالدُّور، وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيق وَالدَّوَابّ.
وَالْمُوتَان ( بِالضَّمِّ ) : مَوْت يَقَع فِي الْمَاشِيَة، يُقَال : وَقَعَ فِي الْمَال مُوتَان.
وَأَمَاتَهُ اللَّه وَمَوَّتَهُ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَقَالَ :
وَأَمَاتَتْ النَّاقَة إِذَا مَاتَ وَلَدهَا، فَهِيَ مُمِيت وَمُمِيتَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، وَجَمْعهَا مَمَاوِيت.
قَالَ اِبْن السِّكِّيت : أَمَاتَ فُلَان إِذَا مَاتَ لَهُ اِبْن أَوْ بَنُونَ.
وَالْمُتَمَاوِت مِنْ صِفَة النَّاسِك الْمُرَائِي وَمَوْت مَائِت، كَقَوْلِك : لَيْل لَائِل، يُؤْخَذ مِنْ لَفْظه مَا يُؤَكَّد بِهِ.
وَالْمُسْتَمِيت لِلْأَمْرِ : الْمُسْتَرْسِل لَهُ، قَالَ رُؤْبَة :
الْمُسْتَمِيت أَيْضًا : الْمُسْتَقْتِل الَّذِي لَا يُبَالِي فِي الْحَرْب مِنْ الْمَوْت، وَفِي الْحَدِيث :( أَرَى الْقَوْم مُسْتَمِيتِينَ ) وَهُمْ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْمَوْت.
وَالْمُوتَة ( بِالضَّمِّ ) : جِنْس مِنْ الْجُنُون وَالصَّرَع يَعْتَرِي الْإِنْسَان، فَإِذَا أَفَاقَ عَادَ إِلَيْهِ كَمَال عَقْله كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَان.
وَمُؤْتَة ( بِضَمِّ الْمِيم وَهَمْز الْوَاو ) : اِسْم أَرْض قُتِلَ بِهَا جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام.
حَذَر وَحَذَارِ بِمَعْنًى، وَقُرِئَ بِهِمَا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : هُوَ مَنْصُوب، لِأَنَّهُ مَوْقُوع لَهُ أَيّ مَفْعُول مِنْ أَجْله، وَحَقِيقَته أَنَّهُ مَصْدَر، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
| وَأَغْفِر عَوْرَاء الْكَرِيم اِدِّخَاره | وَأُعْرِض عَنْ شَتْم اللَّئِيم تَكَرُّمَا |
وَقَدْ مَاتَ يَمُوت، وَيَمَات أَيْضًا، قَالَ الرَّاجِز :
| بُنَيَّتِي سَيِّدَة الْبَنَات | عِيشِي وَلَا يُؤْمَن أَنْ تَمَاتِي |
وَالْمُوَات ( بِالضَّمِّ ) : الْمَوْت.
وَالْمَوَات ( بِالْفَتْحِ ) : مَا لَا رُوح فِيهِ.
وَالْمَوَات أَيْضًا : الْأَرْض الَّتِي لَا مَالِك لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَنْتَفِع بِهَا أَحَد.
وَالْمَوَتَان ( بِالتَّحْرِيكِ ) : خِلَاف الْحَيَوَان، يُقَال : اِشْتَرِ الْمَوَتَان، وَلَا تَشْتَرِ الْحَيَوَان، أَيْ اِشْتَرِ الْأَرَضِينَ وَالدُّور، وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيق وَالدَّوَابّ.
وَالْمُوتَان ( بِالضَّمِّ ) : مَوْت يَقَع فِي الْمَاشِيَة، يُقَال : وَقَعَ فِي الْمَال مُوتَان.
وَأَمَاتَهُ اللَّه وَمَوَّتَهُ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَقَالَ :
| فَعُرْوَة مَاتَ مَوْتًا مُسْتَرِيحًا | فَهَأَنَذَا أُمَوَّت كُلّ يَوْم |
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، وَجَمْعهَا مَمَاوِيت.
قَالَ اِبْن السِّكِّيت : أَمَاتَ فُلَان إِذَا مَاتَ لَهُ اِبْن أَوْ بَنُونَ.
وَالْمُتَمَاوِت مِنْ صِفَة النَّاسِك الْمُرَائِي وَمَوْت مَائِت، كَقَوْلِك : لَيْل لَائِل، يُؤْخَذ مِنْ لَفْظه مَا يُؤَكَّد بِهِ.
وَالْمُسْتَمِيت لِلْأَمْرِ : الْمُسْتَرْسِل لَهُ، قَالَ رُؤْبَة :
| وَزَبَد الْبَحْر لَهُ كَتِيت | وَاللَّيْل فَوْق الْمَاء مُسْتَمِيت |
وَالْمُوتَة ( بِالضَّمِّ ) : جِنْس مِنْ الْجُنُون وَالصَّرَع يَعْتَرِي الْإِنْسَان، فَإِذَا أَفَاقَ عَادَ إِلَيْهِ كَمَال عَقْله كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَان.
وَمُؤْتَة ( بِضَمِّ الْمِيم وَهَمْز الْوَاو ) : اِسْم أَرْض قُتِلَ بِهَا جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام.
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر، أَيْ لَا يَفُوتُونَهُ.
يُقَال : أَحَاطَ السُّلْطَان بِفُلَانٍ إِذَا أَخَذَهُ أَخْذًا حَاصِرًا مِنْ كُلّ جِهَة، قَالَ الشَّاعِر :
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ " [ الْكَهْف : ٤٢ ].
وَأَصْله مُحْيِط، نُقِلَتْ حَرَكَة الْيَاء إِلَى الْحَاء فَسُكِّنَتْ.
فَاَللَّه سُبْحَانه مُحِيط بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَات، أَيْ هِيَ فِي قَبْضَته وَتَحْت قَهْره، كَمَا قَالَ :" وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة " [ الزُّمَر : ٦٧ ].
وَقِيلَ :" مُحِيط بِالْكَافِرِينَ " أَيْ عَالِم بِهِمْ.
دَلِيله :" وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا " [ الطَّلَاق : ١٢ ].
وَقِيلَ : مُهْلِكهمْ وَجَامِعهمْ.
دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا أَنْ يُحَاط بِكُمْ " [ يُوسُف : ٦٦ ] أَيْ إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا.
وَخَصَّ الْكَافِرِينَ بِالذِّكْرِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرهمْ فِي الْآيَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
اِبْتِدَاء وَخَبَر، أَيْ لَا يَفُوتُونَهُ.
يُقَال : أَحَاطَ السُّلْطَان بِفُلَانٍ إِذَا أَخَذَهُ أَخْذًا حَاصِرًا مِنْ كُلّ جِهَة، قَالَ الشَّاعِر :
| أَحَطْنَا بِهِمْ حَتَّى إِذَا مَا تَيَقَّنُوا | بِمَا قَدْ رَأَوْا مَالُوا جَمِيعًا إِلَى السِّلْم |
وَأَصْله مُحْيِط، نُقِلَتْ حَرَكَة الْيَاء إِلَى الْحَاء فَسُكِّنَتْ.
فَاَللَّه سُبْحَانه مُحِيط بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَات، أَيْ هِيَ فِي قَبْضَته وَتَحْت قَهْره، كَمَا قَالَ :" وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة " [ الزُّمَر : ٦٧ ].
وَقِيلَ :" مُحِيط بِالْكَافِرِينَ " أَيْ عَالِم بِهِمْ.
دَلِيله :" وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا " [ الطَّلَاق : ١٢ ].
وَقِيلَ : مُهْلِكهمْ وَجَامِعهمْ.
دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا أَنْ يُحَاط بِكُمْ " [ يُوسُف : ٦٦ ] أَيْ إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا.
وَخَصَّ الْكَافِرِينَ بِالذِّكْرِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرهمْ فِي الْآيَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ
" يَكَاد " مَعْنَاهُ يُقَارِب، يُقَال : كَادَ يَفْعَل كَذَا إِذَا قَارَبَ وَلَمْ يَفْعَل.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن : يَكَاد أَنْ يَفْعَل، كَمَا قَالَ رُؤْبَة :
قَدْ كَادَ مِنْ طُول الْبِلَى أَنْ يَمْصَحَا
مُشْتَقّ مِنْ الْمَصْح وَهُوَ الدَّرْس.
وَالْأَجْوَد أَنْ تَكُون بِغَيْرِ " أَنْ " ; لِأَنَّهَا لِمُقَارَبَةِ الْحَال، وَ " أَنْ " تَصْرِف الْكَلَام إِلَى الِاسْتِقْبَال، وَهَذَا مُتَنَافٍ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ " [ النُّور : ٤٣ ].
وَمِنْ كَلَام الْعَرَب : كَادَ النَّعَام يَطِير، وَكَادَ الْعَرُوس يَكُون أَمِيرًا، لِقُرْبِهِمَا مِنْ تِلْكَ الْحَال.
وَكَادَ فِعْل مُتَصَرِّف عَلَى فَعِل يَفْعَل.
وَقَدْ جَاءَ خَبَره بِالِاسْمِ وَهُوَ قَلِيل، قَالَ : تَأَبَّطَ شَرًّا
وَيَجْرِي مَجْرَى كَادَ كَرِبَ وَجَعَلَ وَقَارَبَ وَطَفِقَ، فِي كَوْن خَبَرهَا بِغَيْرِ " أَنْ "، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَق الْجَنَّة " [الْأَعْرَاف : ٢٢ ] لِأَنَّهَا كُلّهَا بِمَعْنَى الْحَال وَالْمُقَارَبَة، وَالْحَال لَا يَكُون مَعَهَا " أَنْ "، فَاعْلَمْ.
قَوْله تَعَالَى :" يَخْطَف أَبْصَارهمْ " الْخَطْف : الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الطَّيْر خَطَّافًا لِسُرْعَتِهِ.
فَمَنْ جَعَلَ الْقُرْآن مَثَلًا لِلتَّخْوِيفِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَوْفهمْ مِمَّا يَنْزِل بِهِمْ يَكَاد يُذْهِب أَبْصَارهمْ.
وَمَنْ جَعَلَهُ مَثَلًا لِلْبَيَانِ الَّذِي فِي الْقُرْآن فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ جَاءَهُمْ مِنْ الْبَيَان مَا بَهَرَهُمْ.
وَيَخْطَف وَيَخْطِف لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا.
وَقَدْ خَطِفَهُ ( بِالْكَسْرِ ) يَخْطَفهُ خَطْفًا، وَهِيَ اللُّغَة الْجَيِّدَة، وَاللُّغَة الْأُخْرَى حَكَاهَا الْأَخْفَش : خَطَفَ يَخْطِف.
الْجَوْهَرِيّ : وَهِيَ قَلِيلَة رَدِيئَة لَا تَكَاد تُعْرَف.
وَقَدْ قَرَأَ بِهَا يُونُس فِي قَوْله تَعَالَى " يَكَاد الْبَرْق يَخْطِفأَبْصَارهمْ " وَقَالَ النَّحَّاس : فِي " يَخْطَف " سَبْعَة أَوْجُه، الْقِرَاءَة الْفَصِيحَة : يَخْطَف.
وَقَرَأَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَيَحْيَى بْن وَثَّاب : يَخْطِف بِكَسْرِ الطَّاء، قَالَ سَعِيد الْأَخْفَش : هِيَ لُغَة.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْخَاء وَالطَّاء.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْخَاء.
قَالَ الْفَرَّاء : وَقَرَأَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة بِإِسْكَانِ الْخَاء وَتَشْدِيد الطَّاء.
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش وَالْفَرَّاء : يَجُوز " يِخِطِف " بِكَسْرِ الْيَاء وَالْخَاء وَالطَّاء.
فَهَذِهِ سِتَّة أَوْجُه مُوَافِقَة لِلْخَطِّ.
وَالسَّابِعَة حَكَاهَا عَبْد الْوَارِث قَالَ : رَأَيْت فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب " يَتَخَطَّف "، وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيّ أَنَّ مَنْ قَرَأَ " يَخِطِف " بِكَسْرِ الْخَاء وَالطَّاء فَالْأَصْل عِنْده يَخْتَطِف، ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الطَّاء فَالْتَقَى سَاكِنَانِ فَكُسِرَتْ الْخَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمَنْ فَتَحَ الْخَاء أَلْقَى حَرَكَة التَّاء عَلَيْهَا.
" يَكَاد " مَعْنَاهُ يُقَارِب، يُقَال : كَادَ يَفْعَل كَذَا إِذَا قَارَبَ وَلَمْ يَفْعَل.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن : يَكَاد أَنْ يَفْعَل، كَمَا قَالَ رُؤْبَة :
قَدْ كَادَ مِنْ طُول الْبِلَى أَنْ يَمْصَحَا
مُشْتَقّ مِنْ الْمَصْح وَهُوَ الدَّرْس.
وَالْأَجْوَد أَنْ تَكُون بِغَيْرِ " أَنْ " ; لِأَنَّهَا لِمُقَارَبَةِ الْحَال، وَ " أَنْ " تَصْرِف الْكَلَام إِلَى الِاسْتِقْبَال، وَهَذَا مُتَنَافٍ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ " [ النُّور : ٤٣ ].
وَمِنْ كَلَام الْعَرَب : كَادَ النَّعَام يَطِير، وَكَادَ الْعَرُوس يَكُون أَمِيرًا، لِقُرْبِهِمَا مِنْ تِلْكَ الْحَال.
وَكَادَ فِعْل مُتَصَرِّف عَلَى فَعِل يَفْعَل.
وَقَدْ جَاءَ خَبَره بِالِاسْمِ وَهُوَ قَلِيل، قَالَ : تَأَبَّطَ شَرًّا
| فَأَبْت إِلَى فَهْم وَمَا كِدْت آئِبًا | وَكَمْ مِثْلهَا فَارَقْتهَا وَهِيَ تَصْفَر. |
قَوْله تَعَالَى :" يَخْطَف أَبْصَارهمْ " الْخَطْف : الْأَخْذ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الطَّيْر خَطَّافًا لِسُرْعَتِهِ.
فَمَنْ جَعَلَ الْقُرْآن مَثَلًا لِلتَّخْوِيفِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَوْفهمْ مِمَّا يَنْزِل بِهِمْ يَكَاد يُذْهِب أَبْصَارهمْ.
وَمَنْ جَعَلَهُ مَثَلًا لِلْبَيَانِ الَّذِي فِي الْقُرْآن فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ جَاءَهُمْ مِنْ الْبَيَان مَا بَهَرَهُمْ.
وَيَخْطَف وَيَخْطِف لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا.
وَقَدْ خَطِفَهُ ( بِالْكَسْرِ ) يَخْطَفهُ خَطْفًا، وَهِيَ اللُّغَة الْجَيِّدَة، وَاللُّغَة الْأُخْرَى حَكَاهَا الْأَخْفَش : خَطَفَ يَخْطِف.
الْجَوْهَرِيّ : وَهِيَ قَلِيلَة رَدِيئَة لَا تَكَاد تُعْرَف.
وَقَدْ قَرَأَ بِهَا يُونُس فِي قَوْله تَعَالَى " يَكَاد الْبَرْق يَخْطِفأَبْصَارهمْ " وَقَالَ النَّحَّاس : فِي " يَخْطَف " سَبْعَة أَوْجُه، الْقِرَاءَة الْفَصِيحَة : يَخْطَف.
وَقَرَأَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَيَحْيَى بْن وَثَّاب : يَخْطِف بِكَسْرِ الطَّاء، قَالَ سَعِيد الْأَخْفَش : هِيَ لُغَة.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْخَاء وَالطَّاء.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْخَاء.
قَالَ الْفَرَّاء : وَقَرَأَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة بِإِسْكَانِ الْخَاء وَتَشْدِيد الطَّاء.
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش وَالْفَرَّاء : يَجُوز " يِخِطِف " بِكَسْرِ الْيَاء وَالْخَاء وَالطَّاء.
فَهَذِهِ سِتَّة أَوْجُه مُوَافِقَة لِلْخَطِّ.
وَالسَّابِعَة حَكَاهَا عَبْد الْوَارِث قَالَ : رَأَيْت فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب " يَتَخَطَّف "، وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيّ أَنَّ مَنْ قَرَأَ " يَخِطِف " بِكَسْرِ الْخَاء وَالطَّاء فَالْأَصْل عِنْده يَخْتَطِف، ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الطَّاء فَالْتَقَى سَاكِنَانِ فَكُسِرَتْ الْخَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمَنْ فَتَحَ الْخَاء أَلْقَى حَرَكَة التَّاء عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَمَنْ كَسَرَ الْيَاء فَلِأَنَّ الْأَلِف فِي اِخْتَطَفَ مَكْسُورَة.
فَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاء عَنْ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ إِسْكَان الْخَاء وَالْإِدْغَام فَلَا يُعْرَف وَلَا يَجُوز، لِأَنَّهُ جَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره.
قُلْت : وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَأَبِي رَجَاء " يَخْطَف ".
قَالَ اِبْن مُجَاهِد : وَأَظُنّهُ غَلَطًا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ " خَطِفَ الْخَطْفَة " لَمْ يَقْرَأهُ أَحَد بِالْفَتْحِ.
" أَبْصَارهمْ " جَمْع بَصَر، وَهِيَ حَاسَّة الرُّؤْيَة.
وَالْمَعْنَى : تَكَاد حُجَج الْقُرْآن وَبَرَاهِينه السَّاطِعَة تَبْهَرهُمْ.
وَمَنْ جَعَلَ " الْبَرْق " مَثَلًا لِلتَّخْوِيفِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَوْفهمْ مِمَّا يَنْزِل بِهِمْ يَكَاد يُذْهِب أَبْصَارهمْ.
فَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْفَرَّاء عَنْ أَهْل الْمَدِينَة مِنْ إِسْكَان الْخَاء وَالْإِدْغَام فَلَا يُعْرَف وَلَا يَجُوز، لِأَنَّهُ جَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره.
قُلْت : وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا وَأَبِي رَجَاء " يَخْطَف ".
قَالَ اِبْن مُجَاهِد : وَأَظُنّهُ غَلَطًا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ " خَطِفَ الْخَطْفَة " لَمْ يَقْرَأهُ أَحَد بِالْفَتْحِ.
" أَبْصَارهمْ " جَمْع بَصَر، وَهِيَ حَاسَّة الرُّؤْيَة.
وَالْمَعْنَى : تَكَاد حُجَج الْقُرْآن وَبَرَاهِينه السَّاطِعَة تَبْهَرهُمْ.
وَمَنْ جَعَلَ " الْبَرْق " مَثَلًا لِلتَّخْوِيفِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَوْفهمْ مِمَّا يَنْزِل بِهِمْ يَكَاد يُذْهِب أَبْصَارهمْ.
كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا
" كُلَّمَا " مَنْصُوب لِأَنَّهُ ظَرْف.
وَإِذَا كَانَ " كُلَّمَا " بِمَعْنَى " إِذَا " فَهِيَ مَوْصُولَة وَالْعَامِل فِيهِ " مَشَوْا " وَهُوَ جَوَابه، وَلَا يَعْمَل فِيهِ " أَضَاءَ " ; لِأَنَّهُ فِي صِلَة مَا.
وَالْمَفْعُول فِي قَوْل الْمُبَرِّد مَحْذُوف، التَّقْدِير عِنْده : كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ الْبَرْق الطَّرِيق.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى، كَسَكَتَ وَأَسْكَتَ، فَيَكُون أَضَاءَ وَضَاءَ سَوَاء فَلَا يُحْتَاج إِلَى تَقْدِير حَذْف مَفْعُول.
قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال ضَاءَ وَأَضَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كُلَّمَا سَمِعُوا الْقُرْآن وَظَهَرَتْ لَهُمْ الْحُجَج أَنِسُوا وَمَشَوْا مَعَهُ، فَإِذَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن مَا يَعْمَوْنَ فِيهِ وَيَضِلُّونَ بِهِ أَوْ يُكَلِّفُونَهُ " قَامُوا " أَيْ ثَبَتُوا عَلَى نِفَاقهمْ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى كُلَّمَا صَلَحَتْ أَحْوَالهمْ فِي زُرُوعهمْ وَمَوَاشِيهمْ وَتَوَالَتْ النِّعَم قَالُوا : دِين مُحَمَّد دِين مُبَارَك، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَة وَأَصَابَتْهُمْ شِدَّة سَخِطُوا وَثَبَتُوا فِي نِفَاقهمْ، عَنْ اِبْن مَسْعُود وَقَتَادَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن، وَيَدُلّ عَلَى صِحَّته :" وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اِطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة اِنْقَلَبَ عَلَى وَجْهه " [ الْحَجّ : ١١ ] وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ لَمْ تَصِحّ لَهُ أَحْوَال الْإِرَادَة بَدْءًا، فَارْتَقَى مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَال بِالدَّعَاوَى إِلَى أَحْوَال الْأَكَابِر، كَأَنْ تُضِيء عَلَيْهِ أَحْوَال الْإِرَادَة لَوْ صَحَّحَهَا بِمُلَازَمَةِ آدَابهَا، فَلَمَّا مَزَجَهَا بِالدَّعَاوَى أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ تِلْكَ الْأَنْوَار وَبَقِيَ فِي ظُلُمَات دَعَاوِيه لَا يُبْصِر طَرِيق الْخُرُوج مِنْهَا.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد الْيَهُود، لَمَّا نُصِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ طَمِعُوا وَقَالُوا : هَذَا وَاَللَّه النَّبِيّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى لَا تُرَدّ لَهُ رَايَة، فَلَمَّا نُكِبَ بِأُحُدٍ اِرْتَدُّوا وَشَكُّوا، وَهَذَا ضَعِيف.
وَالْآيَة فِي الْمُنَافِقِينَ، وَهَذَا أَصَحّ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَالْمَعْنَى يَتَنَاوَل الْجَمِيع.
" كُلَّمَا " مَنْصُوب لِأَنَّهُ ظَرْف.
وَإِذَا كَانَ " كُلَّمَا " بِمَعْنَى " إِذَا " فَهِيَ مَوْصُولَة وَالْعَامِل فِيهِ " مَشَوْا " وَهُوَ جَوَابه، وَلَا يَعْمَل فِيهِ " أَضَاءَ " ; لِأَنَّهُ فِي صِلَة مَا.
وَالْمَفْعُول فِي قَوْل الْمُبَرِّد مَحْذُوف، التَّقْدِير عِنْده : كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ الْبَرْق الطَّرِيق.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى، كَسَكَتَ وَأَسْكَتَ، فَيَكُون أَضَاءَ وَضَاءَ سَوَاء فَلَا يُحْتَاج إِلَى تَقْدِير حَذْف مَفْعُول.
قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال ضَاءَ وَأَضَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كُلَّمَا سَمِعُوا الْقُرْآن وَظَهَرَتْ لَهُمْ الْحُجَج أَنِسُوا وَمَشَوْا مَعَهُ، فَإِذَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن مَا يَعْمَوْنَ فِيهِ وَيَضِلُّونَ بِهِ أَوْ يُكَلِّفُونَهُ " قَامُوا " أَيْ ثَبَتُوا عَلَى نِفَاقهمْ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى كُلَّمَا صَلَحَتْ أَحْوَالهمْ فِي زُرُوعهمْ وَمَوَاشِيهمْ وَتَوَالَتْ النِّعَم قَالُوا : دِين مُحَمَّد دِين مُبَارَك، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَة وَأَصَابَتْهُمْ شِدَّة سَخِطُوا وَثَبَتُوا فِي نِفَاقهمْ، عَنْ اِبْن مَسْعُود وَقَتَادَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن، وَيَدُلّ عَلَى صِحَّته :" وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اِطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَة اِنْقَلَبَ عَلَى وَجْهه " [ الْحَجّ : ١١ ] وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَنْ لَمْ تَصِحّ لَهُ أَحْوَال الْإِرَادَة بَدْءًا، فَارْتَقَى مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَال بِالدَّعَاوَى إِلَى أَحْوَال الْأَكَابِر، كَأَنْ تُضِيء عَلَيْهِ أَحْوَال الْإِرَادَة لَوْ صَحَّحَهَا بِمُلَازَمَةِ آدَابهَا، فَلَمَّا مَزَجَهَا بِالدَّعَاوَى أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ تِلْكَ الْأَنْوَار وَبَقِيَ فِي ظُلُمَات دَعَاوِيه لَا يُبْصِر طَرِيق الْخُرُوج مِنْهَا.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد الْيَهُود، لَمَّا نُصِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ طَمِعُوا وَقَالُوا : هَذَا وَاَللَّه النَّبِيّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى لَا تُرَدّ لَهُ رَايَة، فَلَمَّا نُكِبَ بِأُحُدٍ اِرْتَدُّوا وَشَكُّوا، وَهَذَا ضَعِيف.
وَالْآيَة فِي الْمُنَافِقِينَ، وَهَذَا أَصَحّ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَالْمَعْنَى يَتَنَاوَل الْجَمِيع.
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ
" لَوْ " حَرْف تَمَنٍّ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَزَاء، وَجَوَابه اللَّام.
وَالْمَعْنَى : وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَأَطْلَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَذَهَبَ مِنْهُمْ عِزّ الْإِسْلَام بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ وَقَتْلهمْ وَإِخْرَاجهمْ مِنْ بَيْنهمْ.
وَخُصَّ السَّمْع وَالْبَصَر لِتَقَدُّمِ ذِكْرهمَا فِي الْآيَة أَوَّلًا، أَوْ لِأَنَّهُمَا أَشْرَف مَا فِي الْإِنْسَان.
وَقُرِئَ " بِأَسْمَاعِهِمْ " عَلَى الْجَمْع، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي هَذَا.
" لَوْ " حَرْف تَمَنٍّ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَزَاء، وَجَوَابه اللَّام.
وَالْمَعْنَى : وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَأَطْلَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ فَذَهَبَ مِنْهُمْ عِزّ الْإِسْلَام بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ وَقَتْلهمْ وَإِخْرَاجهمْ مِنْ بَيْنهمْ.
وَخُصَّ السَّمْع وَالْبَصَر لِتَقَدُّمِ ذِكْرهمَا فِي الْآيَة أَوَّلًا، أَوْ لِأَنَّهُمَا أَشْرَف مَا فِي الْإِنْسَان.
وَقُرِئَ " بِأَسْمَاعِهِمْ " عَلَى الْجَمْع، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي هَذَا.
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر، قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد، يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدُرَة وَقُدْرَانًا، أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقْدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ هُنَا تَعَالَى صِفَته الَّتِي هِيَ الْقُدْرَة بِالذِّكْرِ دُون غَيْرهَا ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر فِعْل مُضَمَّنه الْوَعِيد وَالْإِخَافَة، فَكَانَ ذِكْر الْقُدْرَة مُنَاسِبًا لِذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَهَذِهِ عِشْرُونَ آيَة عَلَى عَدَد الْكُوفِيِّينَ، أَرْبَع آيَات فِي وَصْف الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَلِيهَا آيَتَانِ فِي ذِكْر الْكَافِرِينَ، وَبَقِيَّتهَا فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة فِيهَا عَنْ اِبْن جُرَيْج، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضًا.
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر، قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد، يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدُرَة وَقُدْرَانًا، أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقْدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ هُنَا تَعَالَى صِفَته الَّتِي هِيَ الْقُدْرَة بِالذِّكْرِ دُون غَيْرهَا ; لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر فِعْل مُضَمَّنه الْوَعِيد وَالْإِخَافَة، فَكَانَ ذِكْر الْقُدْرَة مُنَاسِبًا لِذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَهَذِهِ عِشْرُونَ آيَة عَلَى عَدَد الْكُوفِيِّينَ، أَرْبَع آيَات فِي وَصْف الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَلِيهَا آيَتَانِ فِي ذِكْر الْكَافِرِينَ، وَبَقِيَّتهَا فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة فِيهَا عَنْ اِبْن جُرَيْج، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضًا.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
قَالَ عَلْقَمَة وَمُجَاهِد : كُلّ آيَة أَوَّلهَا " يَا أَيُّهَا النَّاس " فَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِمَكَّة، وَكُلّ آيَة أَوَّلهَا " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " فَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
قُلْت : وَهَذَا يَرُدّهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة وَالنِّسَاء مَدَنِيَّتَانِ وَفِيهِمَا يَا أَيُّهَا النَّاس.
وَأَمَّا قَوْلهمَا فِي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " [ النِّسَاء : ١٩ ] الْآيَة فَصَحِيح.
وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : مَا كَانَ مِنْ حَدّ أَوْ فَرِيضَة فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذِكْر الْأُمَم وَالْعَذَاب فَإِنَّهُ نَزَلَ بِمَكَّة.
وَهَذَا وَاضِح.
وَ " يَا " فِي قَوْله :" يَا أَيُّهَا " حَرْف نِدَاء " أَيّ " مُنَادَى مُفْرَد مَبْنِيّ عَلَى الضَّمّ ; لِأَنَّهُ مُنَادَى فِي اللَّفْظ، وَ " هَا " لِلتَّنْبِيهِ.
" النَّاس " مَرْفُوع صِفَة لِأَيّ عِنْد جَمَاعَة النَّحْوِيِّينَ، مَا عَدَا الْمَازِنِيّ فَإِنَّهُ أَجَازَ النَّصْب قِيَاسًا عَلَى جَوَازِهِ فِي.
يَا هَذَا الرَّجُل.
وَقِيلَ : ضُمَّتْ " أَيّ " كَمَا ضُمَّ الْمَقْصُود الْمُفْرَد، وَجَاءُوا بِـ " هَا " عِوَضًا عَنْ يَاء أُخْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتُوا بِيَاءٍ لِئَلَّا يَنْقَطِع الْكَلَام فَجَاءُوا بِـ " هَا " حَتَّى يَبْقَى الْكَلَام مُتَّصِلًا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : كَأَنَّك كَرَّرْت " يَا " مَرَّتَيْنِ وَصَارَ الِاسْم بَيْنَهُمَا، كَمَا قَالُوا : هَا هُوَ ذَا.
وَقِيلَ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ الْجَمْع بَيْن حَرْفَيْ تَعْرِيف أَتَوْا فِي الصُّورَة بِمُنَادًى مُجَرَّد عَنْ حَرْف تَعْرِيف، وَأَجْرَوْا عَلَيْهِ الْمُعَرَّف بِاللَّامِ الْمَقْصُود بِالنِّدَاءِ، وَالْتَزَمُوا رَفْعه ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالنِّدَاءِ، فَجَعَلُوا إِعْرَابه بِالْحَرَكَةِ الَّتِي كَانَ يَسْتَحِقّهَا لَوْ بَاشَرَهَا النِّدَاء تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ الْمُنَادَى، فَاعْلَمْهُ.
وَاخْتُلِفَ مَنْ الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : الْكُفَّار الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوهُ، يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب " [ الْبَقَرَة : ٢٣ ] الثَّانِي : أَنَّهُ عَامّ فِي جَمِيع النَّاس، فَيَكُون خِطَابه لِلْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِدَامَةِ الْعِبَادَة، وَلِلْكَافِرِينَ بِابْتِدَائِهَا.
وَهَذَا حَسَن.
قَوْله تَعَالَى :" اُعْبُدُوا " أَمْر بِالْعِبَادَةِ لَهُ.
وَالْعِبَادَة هُنَا عِبَارَة عَنْ تَوْحِيده وَالْتِزَام شَرَائِع دِينِهِ.
وَأَصْل الْعِبَادَة الْخُضُوع وَالتَّذَلُّل، يُقَال : طَرِيق مُعَبَّدَة إِذَا كَانَتْ مَوْطُوءَة بِالْأَقْدَامِ.
قَالَ طَرَفَة :
وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْق مَوْر مُعَبَّد
وَالْعِبَادَة : الطَّاعَة.
وَالتَّعَبُّد : التَّنَسُّك.
وَعَبَّدْت فُلَانًا : اِتَّخَذْته عَبْدًا.
قَالَ عَلْقَمَة وَمُجَاهِد : كُلّ آيَة أَوَّلهَا " يَا أَيُّهَا النَّاس " فَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِمَكَّة، وَكُلّ آيَة أَوَّلهَا " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " فَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
قُلْت : وَهَذَا يَرُدّهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَة وَالنِّسَاء مَدَنِيَّتَانِ وَفِيهِمَا يَا أَيُّهَا النَّاس.
وَأَمَّا قَوْلهمَا فِي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " [ النِّسَاء : ١٩ ] الْآيَة فَصَحِيح.
وَقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : مَا كَانَ مِنْ حَدّ أَوْ فَرِيضَة فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذِكْر الْأُمَم وَالْعَذَاب فَإِنَّهُ نَزَلَ بِمَكَّة.
وَهَذَا وَاضِح.
وَ " يَا " فِي قَوْله :" يَا أَيُّهَا " حَرْف نِدَاء " أَيّ " مُنَادَى مُفْرَد مَبْنِيّ عَلَى الضَّمّ ; لِأَنَّهُ مُنَادَى فِي اللَّفْظ، وَ " هَا " لِلتَّنْبِيهِ.
" النَّاس " مَرْفُوع صِفَة لِأَيّ عِنْد جَمَاعَة النَّحْوِيِّينَ، مَا عَدَا الْمَازِنِيّ فَإِنَّهُ أَجَازَ النَّصْب قِيَاسًا عَلَى جَوَازِهِ فِي.
يَا هَذَا الرَّجُل.
وَقِيلَ : ضُمَّتْ " أَيّ " كَمَا ضُمَّ الْمَقْصُود الْمُفْرَد، وَجَاءُوا بِـ " هَا " عِوَضًا عَنْ يَاء أُخْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتُوا بِيَاءٍ لِئَلَّا يَنْقَطِع الْكَلَام فَجَاءُوا بِـ " هَا " حَتَّى يَبْقَى الْكَلَام مُتَّصِلًا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : كَأَنَّك كَرَّرْت " يَا " مَرَّتَيْنِ وَصَارَ الِاسْم بَيْنَهُمَا، كَمَا قَالُوا : هَا هُوَ ذَا.
وَقِيلَ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ الْجَمْع بَيْن حَرْفَيْ تَعْرِيف أَتَوْا فِي الصُّورَة بِمُنَادًى مُجَرَّد عَنْ حَرْف تَعْرِيف، وَأَجْرَوْا عَلَيْهِ الْمُعَرَّف بِاللَّامِ الْمَقْصُود بِالنِّدَاءِ، وَالْتَزَمُوا رَفْعه ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالنِّدَاءِ، فَجَعَلُوا إِعْرَابه بِالْحَرَكَةِ الَّتِي كَانَ يَسْتَحِقّهَا لَوْ بَاشَرَهَا النِّدَاء تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ الْمُنَادَى، فَاعْلَمْهُ.
وَاخْتُلِفَ مَنْ الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : الْكُفَّار الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوهُ، يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب " [ الْبَقَرَة : ٢٣ ] الثَّانِي : أَنَّهُ عَامّ فِي جَمِيع النَّاس، فَيَكُون خِطَابه لِلْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِدَامَةِ الْعِبَادَة، وَلِلْكَافِرِينَ بِابْتِدَائِهَا.
وَهَذَا حَسَن.
قَوْله تَعَالَى :" اُعْبُدُوا " أَمْر بِالْعِبَادَةِ لَهُ.
وَالْعِبَادَة هُنَا عِبَارَة عَنْ تَوْحِيده وَالْتِزَام شَرَائِع دِينِهِ.
وَأَصْل الْعِبَادَة الْخُضُوع وَالتَّذَلُّل، يُقَال : طَرِيق مُعَبَّدَة إِذَا كَانَتْ مَوْطُوءَة بِالْأَقْدَامِ.
قَالَ طَرَفَة :
وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْق مَوْر مُعَبَّد
وَالْعِبَادَة : الطَّاعَة.
وَالتَّعَبُّد : التَّنَسُّك.
وَعَبَّدْت فُلَانًا : اِتَّخَذْته عَبْدًا.
رَبَّكُمُ الَّذِي
خَصَّ تَعَالَى خَلْقه لَهُمْ مِنْ بَيْن سَائِر صِفَاته إِذْ كَانَتْ الْعَرَب مُقِرَّة بِأَنَّ اللَّه خَلَقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ حُجَّة عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيعًا لَهُمْ.
وَقِيلَ : لِيُذَكِّرهُمْ بِذَلِكَ نِعْمَته عَلَيْهِمْ.
وَفِي أَصْل الْخَلْق وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : التَّقْدِير، يُقَال : خَلَقْت الْأَدِيم لِلسِّقَاءِ إِذَا قَدَّرْته قَبْل الْقَطْع، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ الْحَجَّاج : مَا خَلَقْت إِلَّا فَرَيْت، وَلَا وَعَدْت إِلَّا وَفَّيْت.
الثَّانِي : الْإِنْشَاء وَالِاخْتِرَاع وَالْإِبْدَاع، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " [ الْعَنْكَبُوت : ١٧ ].
خَصَّ تَعَالَى خَلْقه لَهُمْ مِنْ بَيْن سَائِر صِفَاته إِذْ كَانَتْ الْعَرَب مُقِرَّة بِأَنَّ اللَّه خَلَقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ حُجَّة عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيعًا لَهُمْ.
وَقِيلَ : لِيُذَكِّرهُمْ بِذَلِكَ نِعْمَته عَلَيْهِمْ.
وَفِي أَصْل الْخَلْق وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : التَّقْدِير، يُقَال : خَلَقْت الْأَدِيم لِلسِّقَاءِ إِذَا قَدَّرْته قَبْل الْقَطْع، قَالَ الشَّاعِر :
| وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْت وَبَعْ | ض الْقَوْم يَخْلُق ثُمَّ لَا يَفْرِي |
الثَّانِي : الْإِنْشَاء وَالِاخْتِرَاع وَالْإِبْدَاع، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " [ الْعَنْكَبُوت : ١٧ ].
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
فَيُقَال إِذَا ثَبَتَ عِنْدهمْ خَلْقهمْ ثَبَتَ عِنْدهمْ خَلْق غَيْرهمْ، فَالْجَوَاب : أَنَّهُ إِنَّمَا يَجْرِي الْكَلَام عَلَى التَّنْبِيه وَالتَّذْكِير لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الْعِظَة، فَذَكَّرَهُمْ مَنْ قَبْلَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَمَاتَ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ خَلَقَهُمْ يُمِيتهُمْ، وَلِيُفَكِّرُوا فِيمَنْ مَضَى قَبْلهمْ كَيْف كَانُوا، وَعَلَى أَيّ الْأُمُور مَضَوْا مِنْ إِهْلَاك مَنْ أَهْلَكَ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ يُبْتَلَوْنَ كَمَا اُبْتُلُوا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَيُقَال إِذَا ثَبَتَ عِنْدهمْ خَلْقهمْ ثَبَتَ عِنْدهمْ خَلْق غَيْرهمْ، فَالْجَوَاب : أَنَّهُ إِنَّمَا يَجْرِي الْكَلَام عَلَى التَّنْبِيه وَالتَّذْكِير لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الْعِظَة، فَذَكَّرَهُمْ مَنْ قَبْلَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَمَاتَ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ خَلَقَهُمْ يُمِيتهُمْ، وَلِيُفَكِّرُوا فِيمَنْ مَضَى قَبْلهمْ كَيْف كَانُوا، وَعَلَى أَيّ الْأُمُور مَضَوْا مِنْ إِهْلَاك مَنْ أَهْلَكَ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ يُبْتَلَوْنَ كَمَا اُبْتُلُوا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
" لَعَلَّ " مُتَّصِلَة بِـ اعْبُدُوا لَا بِـ خَلَقَكُمْ ; لِأَنَّ مَنْ ذَرَأَهُ اللَّه لِجَهَنَّم لَمْ يَخْلُقهُ لِيَتَّقِيَ.
وَهَذَا وَمَا كَانَ مِثْله فِيمَا وَرَدَ فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْله :" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " فِيهِ ثَلَاث تَأْوِيلَات.
الْأَوَّل : أَنَّ " لَعَلَّ " عَلَى بَابهَا مِنْ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع، وَالتَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع إِنَّمَا هُوَ فِي حَيِّز الْبَشَر، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : اِفْعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الرَّجَاء مِنْكُمْ وَالطَّمَع أَنْ تَعْقِلُوا وَأَنْ تَذَّكَّرُوا وَأَنْ تَتَّقُوا.
هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَرُؤَسَاء اللِّسَان قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن إِنَّهُ طَغَى.
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى " [ طَه :
٤٣ - ٤٤ ] قَالَ مَعْنَاهُ : اِذْهَبَا عَلَى طَمَعكُمَا وَرَجَائِكُمَا أَنْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل أَبُو الْمَعَالِي.
الثَّانِي : أَنَّ الْعَرَب اِسْتَعْمَلَتْ " لَعَلَّ " مُجَرَّدَة مِنْ الشَّكّ بِمَعْنَى لَام كَيْ.
فَالْمَعْنَى لِتَعْقِلُوا وَلِتَذَّكَّرُوا وَلِتَتَّقُوا، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلّ قَوْل الشَّاعِر :
الْمَعْنَى : كُفُّوا الْحُرُوب لِنَكُفّ، وَلَوْ كَانَتْ " لَعَلَّ " هُنَا شَكًّا لَمْ يُوَثِّقُوا لَهُمْ كُلّ مُوَثَّق، وَهَذَا الْقَوْل عَنْ قُطْرُب وَالطَّبَرِيّ.
الثَّالِث : أَنْ تَكُون " لَعَلَّ " بِمَعْنَى التَّعَرُّض لِلشَّيْءِ، كَأَنَّهُ قِيلَ : اِفْعَلُوا ذَلِكَ مُتَعَرِّضِينَ لِأَنْ تَعْقِلُوا، أَوْ لِأَنْ تَذَّكَّرُوا أَوْ لِأَنْ تَتَّقُوا.
وَالْمَعْنَى فِي قَوْله " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " أَيْ لَعَلَّكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا بِقَبُولِ مَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِهِ وِقَايَة بَيْنكُمْ وَبَيْن النَّار.
وَهَذَا مِنْ قَوْل الْعَرَب : اِتَّقَاهُ بِحَقِّهِ إِذَا اِسْتَقْبَلَهُ بِهِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ دَفْعه حَقّه إِلَيْهِ وِقَايَة لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَة، وَمِنْهُ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ الْبَأْس اِتَّقَيْنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ جَعَلْنَاهُ وِقَايَة لَنَا مِنْ الْعَدُوّ.
وَقَالَ عَنْتَرَة :
" لَعَلَّ " مُتَّصِلَة بِـ اعْبُدُوا لَا بِـ خَلَقَكُمْ ; لِأَنَّ مَنْ ذَرَأَهُ اللَّه لِجَهَنَّم لَمْ يَخْلُقهُ لِيَتَّقِيَ.
وَهَذَا وَمَا كَانَ مِثْله فِيمَا وَرَدَ فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْله :" لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " فِيهِ ثَلَاث تَأْوِيلَات.
الْأَوَّل : أَنَّ " لَعَلَّ " عَلَى بَابهَا مِنْ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع، وَالتَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع إِنَّمَا هُوَ فِي حَيِّز الْبَشَر، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : اِفْعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الرَّجَاء مِنْكُمْ وَالطَّمَع أَنْ تَعْقِلُوا وَأَنْ تَذَّكَّرُوا وَأَنْ تَتَّقُوا.
هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَرُؤَسَاء اللِّسَان قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن إِنَّهُ طَغَى.
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى " [ طَه :
٤٣ - ٤٤ ] قَالَ مَعْنَاهُ : اِذْهَبَا عَلَى طَمَعكُمَا وَرَجَائِكُمَا أَنْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل أَبُو الْمَعَالِي.
الثَّانِي : أَنَّ الْعَرَب اِسْتَعْمَلَتْ " لَعَلَّ " مُجَرَّدَة مِنْ الشَّكّ بِمَعْنَى لَام كَيْ.
فَالْمَعْنَى لِتَعْقِلُوا وَلِتَذَّكَّرُوا وَلِتَتَّقُوا، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلّ قَوْل الشَّاعِر :
| وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوب لَعَلَّنَا | نَكُفّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلّ مُوَثَّق |
| فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْب كَانَتْ عُهُودكُمْ | كَلَمْعِ سَرَاب فِي الْمَلَا مُتَأَلِّق |
الثَّالِث : أَنْ تَكُون " لَعَلَّ " بِمَعْنَى التَّعَرُّض لِلشَّيْءِ، كَأَنَّهُ قِيلَ : اِفْعَلُوا ذَلِكَ مُتَعَرِّضِينَ لِأَنْ تَعْقِلُوا، أَوْ لِأَنْ تَذَّكَّرُوا أَوْ لِأَنْ تَتَّقُوا.
وَالْمَعْنَى فِي قَوْله " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " أَيْ لَعَلَّكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا بِقَبُولِ مَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِهِ وِقَايَة بَيْنكُمْ وَبَيْن النَّار.
وَهَذَا مِنْ قَوْل الْعَرَب : اِتَّقَاهُ بِحَقِّهِ إِذَا اِسْتَقْبَلَهُ بِهِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ دَفْعه حَقّه إِلَيْهِ وِقَايَة لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَة، وَمِنْهُ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ الْبَأْس اِتَّقَيْنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ جَعَلْنَاهُ وِقَايَة لَنَا مِنْ الْعَدُوّ.
وَقَالَ عَنْتَرَة :
| وَلَقَدْ كَرَرْت الْمُهْر يَدْمَى نَحْره | حَتَّى اِتَّقَتْنِي الْخَيْل بِابْنِي حِذْيَم |
| وَقَدْ جَعَلْت نَفْسِي تَطِيب لِضَغْمَةٍ | لِضَغْمِهِمَا هَا يَقْرَع الْعَظْم نَابهَا |
| وَقَدْ جَعَلْت أَرَى الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة | وَالْوَاحِد اِثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَر |
وَجَعَلَ وَاجْتَعَلَ بِمَعْنًى وَاحِد، قَالَ الشَّاعِر :
| نَاطَ أَمْر الضِّعَاف وَاجْتَعَلَ اللَّيْ | ل كَحَبْلِ الْعَادِيَّة الْمَمْدُود |
وَمَا لَيْسَ بِفِرَاشٍ كَالْجِبَالِ وَالْأَوْعَار وَالْبِحَار فَهِيَ مِنْ مَصَالِح مَا يُفْتَرَش مِنْهَا ; لِأَنَّ الْجِبَال كَالْأَوْتَادِ كَمَا قَالَ :" أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض مِهَادًا.
وَالْجِبَال أَوْتَادًا " [ النَّبَأ :
٦ - ٧ ].
وَالْبِحَار تُرْكَب إِلَى سَائِر مَنَافِعهَا كَمَا قَالَ :" وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس " [ الْبَقَرَة : ١٦٤ ] قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : لَوْ حَلَفَ رَجُل أَلَّا يَبِيت عَلَى فِرَاش أَوْ لَا يَسْتَسْرِج بِسِرَاجٍ فَبَاتَ عَلَى الْأَرْض وَجَلَسَ فِي الشَّمْس لَمْ يَحْنَث، لِأَنَّ اللَّفْظ لَا يَرْجِع إِلَيْهِمَا عُرْفًا.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّة فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلهمْ فِي الْأَيْمَان أَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى النِّيَّة أَوْ السَّبَب أَوْ الْبِسَاط الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ الْيَمِين، فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ فَالْعُرْف.
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً
السَّمَاء لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْله الْحَقّ " وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٢ ] وَكُلّ مَا عَلَا فَأَظَلَّ قِيلَ لَهُ سَمَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَالْوَقْف عَلَى " بِنَاء " أَحْسَن مِنْهُ عَلَى " تَتَّقُونَ " ; لِأَنَّ قَوْله :" الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا " نَعْت لِلرَّبِّ.
وَيُقَال : بَنَى فُلَان بَيْتًا، وَبَنَى عَلَى أَهْله - بِنَاء فِيهِمَا - أَيْ زَفَّهَا.
وَالْعَامَّة تَقُول : بَنَى بِأَهْلِهِ، وَهُوَ خَطَأ، وَكَأَنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ الدَّاخِل بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِب عَلَيْهَا قُبَّة لَيْلَة دُخُوله بِهَا، فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِل بِأَهْلِهِ : بَان.
وَبَنَّى ( مَقْصُورًا ) شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ، وَابْتَنَى دَارًا وَبَنَى بِمَعْنًى، وَمِنْهُ بُنْيَان الْحَائِط، وَأَصْله وَضْع لَبِنَة عَلَى أُخْرَى حَتَّى تَثْبُت.
السَّمَاء لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْله الْحَقّ " وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٢ ] وَكُلّ مَا عَلَا فَأَظَلَّ قِيلَ لَهُ سَمَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَالْوَقْف عَلَى " بِنَاء " أَحْسَن مِنْهُ عَلَى " تَتَّقُونَ " ; لِأَنَّ قَوْله :" الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا " نَعْت لِلرَّبِّ.
وَيُقَال : بَنَى فُلَان بَيْتًا، وَبَنَى عَلَى أَهْله - بِنَاء فِيهِمَا - أَيْ زَفَّهَا.
وَالْعَامَّة تَقُول : بَنَى بِأَهْلِهِ، وَهُوَ خَطَأ، وَكَأَنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ الدَّاخِل بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِب عَلَيْهَا قُبَّة لَيْلَة دُخُوله بِهَا، فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِل بِأَهْلِهِ : بَان.
وَبَنَّى ( مَقْصُورًا ) شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ، وَابْتَنَى دَارًا وَبَنَى بِمَعْنًى، وَمِنْهُ بُنْيَان الْحَائِط، وَأَصْله وَضْع لَبِنَة عَلَى أُخْرَى حَتَّى تَثْبُت.
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
وَأَصْل الْمَاء مَوَه، قُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَتَحَرُّك مَا قَبْلهَا فَقُلْت مَاه، فَالْتَقَى حَرْفَانِ خَفِيَّانِ فَأُبْدِلَتْ مِنْ الْهَاء هَمْزَة ; لِأَنَّهَا أَجْلَد، وَهِيَ بِالْأَلِفِ أَشْبَه، فَقُلْت : مَاء، الْأَلِف الْأُولَى عَيْن الْفِعْل، وَبَعْدهَا الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ بَدَل مِنْ الْهَاء، وَبَعْد الْهَمْزَة بَدَل مِنْ التَّنْوِين.
قَالَ أَبُو الْحَسَن : لَا يَجُوز أَنْ يُكْتَب إِلَّا بِأَلِفَيْنِ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنْ شِئْت بِثَلَاثٍ، فَإِذَا جَمَعُوا أَوْ صَغَّرُوا رَدُّوا إِلَى الْأَصْل فَقَالُوا : مُوَيْه وَأَمْوَاه وَمِيَاه، مِثْل جِمَال وَأَجْمَال.
وَأَصْل الْمَاء مَوَه، قُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَتَحَرُّك مَا قَبْلهَا فَقُلْت مَاه، فَالْتَقَى حَرْفَانِ خَفِيَّانِ فَأُبْدِلَتْ مِنْ الْهَاء هَمْزَة ; لِأَنَّهَا أَجْلَد، وَهِيَ بِالْأَلِفِ أَشْبَه، فَقُلْت : مَاء، الْأَلِف الْأُولَى عَيْن الْفِعْل، وَبَعْدهَا الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ بَدَل مِنْ الْهَاء، وَبَعْد الْهَمْزَة بَدَل مِنْ التَّنْوِين.
قَالَ أَبُو الْحَسَن : لَا يَجُوز أَنْ يُكْتَب إِلَّا بِأَلِفَيْنِ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنْ شِئْت بِثَلَاثٍ، فَإِذَا جَمَعُوا أَوْ صَغَّرُوا رَدُّوا إِلَى الْأَصْل فَقَالُوا : مُوَيْه وَأَمْوَاه وَمِيَاه، مِثْل جِمَال وَأَجْمَال.
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
الثَّمَرَات جَمْع ثَمَرَة.
وَيُقَال : ثَمَر مِثْل شَجَر.
وَيُقَال ثُمُر مِثْل خُشُب.
وَيُقَال : ثُمْر مِثْل بُدْن.
وَثِمَار مِثْل إِكَام جَمْع ثَمَر.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَثِمَار السِّيَاط : عُقَد أَطْرَافهَا.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة أَخْرَجْنَا لَكُمْ أَلْوَانًا مِنْ الثَّمَرَات، وَأَنْوَاعًا مِنْ النَّبَات.
" رِزْقًا " طَعَامًا لَكُمْ، وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا.
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْض شَقًّا.
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا.
وَحَدَائِق غُلْبًا.
وَفَاكِهَة وَأَبًّا.
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " [ عَبَسَ :
٢٥ - ٣٢ ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الرِّزْق مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف أُطْلِقَ اِسْم الرِّزْق عَلَى مَا يَخْرُج مِنْ الثَّمَرَات قَبْل التَّمَلُّك ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهَا مُعَدَّة لِأَنْ تُمْلَك وَيَصِحّ بِهَا الِانْتِفَاع، فَهِيَ رِزْق.
قُلْت : وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَغْنَى الْإِنْسَان عَنْ كُلّ مَخْلُوق، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مُشِيرًا إِلَى هَذَا الْمَعْنَى :( وَاَللَّه لَأَنْ يَأْخُذ أَحَدكُمْ حَبْله فَيَحْتَطِب عَلَى ظَهْره خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَل أَحَدًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَيَدْخُل فِي مَعْنَى الِاحْتِطَاب جَمِيع الْأَشْغَال مِنْ الصَّنَائِع وَغَيْرهَا، فَمَنْ أَحْوَجَ نَفْسه إِلَى بَشَر مِثْله بِسَبَبِ الْحِرْص وَالْأَمَل وَالرَّغْبَة فِي زُخْرُف الدُّنْيَا فَقَدْ أَخَذَ بِطَرَفِ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا.
وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : أَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة سَبِيل الْفَقْر، وَهُوَ أَنْ تُجْعَل الْأَرْض وِطَاء وَالسَّمَاء غِطَاء، وَالْمَاء طِيبًا وَالْكَلَأ طَعَامًا، وَلَا تَعْبُد أَحَدًا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْخَلْق بِسَبَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَتَاحَ لَك مَا لَا بُدّ لَك مِنْهُ، مِنْ غَيْر مِنَّة فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَيْك.
وَقَالَ نَوْف الْبَكَالِيّ : رَأَيْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب خَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُوم فَقَالَ : يَا نَوْف، أَرَاقِد أَنْتَ أَمْ رَامِق ؟ قُلْت : بَلْ رَامِق يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ : طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَة، أُولَئِكَ قَوْم اِتَّخَذُوا الْأَرْض بِسَاطًا، وَتُرَابهَا فِرَاشًا، وَمَاءَهَا طِيبًا، وَالْقُرْآن وَالدُّعَاء دِثَارًا وَشِعَارًا، فَرَفَضُوا الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاج الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام.
وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَر، وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ " [ الْبَقَرَة : ١٨٦ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّمَرَات جَمْع ثَمَرَة.
وَيُقَال : ثَمَر مِثْل شَجَر.
وَيُقَال ثُمُر مِثْل خُشُب.
وَيُقَال : ثُمْر مِثْل بُدْن.
وَثِمَار مِثْل إِكَام جَمْع ثَمَر.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَثِمَار السِّيَاط : عُقَد أَطْرَافهَا.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة أَخْرَجْنَا لَكُمْ أَلْوَانًا مِنْ الثَّمَرَات، وَأَنْوَاعًا مِنْ النَّبَات.
" رِزْقًا " طَعَامًا لَكُمْ، وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا.
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْض شَقًّا.
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا.
وَحَدَائِق غُلْبًا.
وَفَاكِهَة وَأَبًّا.
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " [ عَبَسَ :
٢٥ - ٣٢ ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الرِّزْق مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف أُطْلِقَ اِسْم الرِّزْق عَلَى مَا يَخْرُج مِنْ الثَّمَرَات قَبْل التَّمَلُّك ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهَا مُعَدَّة لِأَنْ تُمْلَك وَيَصِحّ بِهَا الِانْتِفَاع، فَهِيَ رِزْق.
قُلْت : وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَغْنَى الْإِنْسَان عَنْ كُلّ مَخْلُوق، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مُشِيرًا إِلَى هَذَا الْمَعْنَى :( وَاَللَّه لَأَنْ يَأْخُذ أَحَدكُمْ حَبْله فَيَحْتَطِب عَلَى ظَهْره خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَل أَحَدًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَيَدْخُل فِي مَعْنَى الِاحْتِطَاب جَمِيع الْأَشْغَال مِنْ الصَّنَائِع وَغَيْرهَا، فَمَنْ أَحْوَجَ نَفْسه إِلَى بَشَر مِثْله بِسَبَبِ الْحِرْص وَالْأَمَل وَالرَّغْبَة فِي زُخْرُف الدُّنْيَا فَقَدْ أَخَذَ بِطَرَفِ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا.
وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : أَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة سَبِيل الْفَقْر، وَهُوَ أَنْ تُجْعَل الْأَرْض وِطَاء وَالسَّمَاء غِطَاء، وَالْمَاء طِيبًا وَالْكَلَأ طَعَامًا، وَلَا تَعْبُد أَحَدًا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْخَلْق بِسَبَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَتَاحَ لَك مَا لَا بُدّ لَك مِنْهُ، مِنْ غَيْر مِنَّة فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَيْك.
وَقَالَ نَوْف الْبَكَالِيّ : رَأَيْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب خَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُوم فَقَالَ : يَا نَوْف، أَرَاقِد أَنْتَ أَمْ رَامِق ؟ قُلْت : بَلْ رَامِق يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ : طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَة، أُولَئِكَ قَوْم اِتَّخَذُوا الْأَرْض بِسَاطًا، وَتُرَابهَا فِرَاشًا، وَمَاءَهَا طِيبًا، وَالْقُرْآن وَالدُّعَاء دِثَارًا وَشِعَارًا، فَرَفَضُوا الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاج الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام.
وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَر، وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ " [ الْبَقَرَة : ١٨٦ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَلَا تَجْعَلُوا
نَهْي.
نَهْي.
لِلَّهِ أَنْدَادًا
أَيْ أَكْفَاء وَأَمْثَالًا وَنُظَرَاء، وَاحِدهَا نِدّ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " نِدًّا "، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ حَسَّان :
وَيُقَال : نِدّ وَنَدِيد وَنَدِيدَة عَلَى الْمُبَالَغَة، قَالَ لَبِيد :
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة " أَنْدَادًا " أَضْدَادًا.
النَّحَّاس :" أَنْدَادًا " مَفْعُول أَوَّل، وَ " لِلَّهِ " فِي مَوْضِع الثَّانِي.
الْجَوْهَرِيّ : وَالنَّدّ ( بِفَتْحِ النُّون ) : التَّلّ الْمُرْتَفِع فِي السَّمَاء.
وَالنَّدّ مِنْ الطِّيب لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.
وَنَدَّ الْبَعِير يَنِدّ نَدًّا وَنِدَادًا وَنُدُودًا : نَفَرَ وَذَهَبَ عَلَى وَجْهه، وَمِنْهُ قَرَأَ بَعْضهمْ " يَوْم التَّنَادّ ".
وَنَدَّدَ بِهِ أَيْ شَهَّرَهُ وَسَمَّعَ بِهِ.
أَيْ أَكْفَاء وَأَمْثَالًا وَنُظَرَاء، وَاحِدهَا نِدّ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " نِدًّا "، قَالَ الشَّاعِر :
| نَحْمَد اللَّه وَلَا نِدّ لَهُ | عِنْده الْخَيْر وَمَا شَاءَ فَعَلْ |
| أَتَهْجُوهُ وَلَسْت لَهُ بِنِدٍّ | فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء |
| لِكَيْلَا يَكُون السَّنْدَرِيّ نَدِيدَتِي | وَأَجْعَل أَقْوَامًا عُمُومًا عَمَاعِمَا |
النَّحَّاس :" أَنْدَادًا " مَفْعُول أَوَّل، وَ " لِلَّهِ " فِي مَوْضِع الثَّانِي.
الْجَوْهَرِيّ : وَالنَّدّ ( بِفَتْحِ النُّون ) : التَّلّ الْمُرْتَفِع فِي السَّمَاء.
وَالنَّدّ مِنْ الطِّيب لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.
وَنَدَّ الْبَعِير يَنِدّ نَدًّا وَنِدَادًا وَنُدُودًا : نَفَرَ وَذَهَبَ عَلَى وَجْهه، وَمِنْهُ قَرَأَ بَعْضهمْ " يَوْم التَّنَادّ ".
وَنَدَّدَ بِهِ أَيْ شَهَّرَهُ وَسَمَّعَ بِهِ.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر، وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال، وَالْخِطَاب لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف وَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ وَقَدْ نَعَتَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الْخَتْم وَالطَّبْع وَالصَّمَم وَالْعَمَى.
فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا - " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " يُرِيد الْعِلْم الْخَاصّ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْق وَأَنْزَلَ الْمَاء وَأَنْبَتَ الرِّزْق، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُنْعِم عَلَيْهِمْ دُون الْأَنْدَاد.
الثَّانِي - أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَحْدَانِيّته بِالْقُوَّةِ وَالْإِمْكَان لَوْ تَدَبَّرْتُمْ وَنَظَرْتُمْ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى الْأَمْر بِاسْتِعْمَالِ حُجَج الْعُقُول وَإِبْطَال التَّقْلِيد.
وَقَالَ اِبْن فَوْرك : يُحْتَمَل أَنْ تَتَنَاوَل الْآيَة الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَعْنَى لَا تَرْتَدُّوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْد عِلْمكُمْ الَّذِي هُوَ نَفْي الْجَهْل بِأَنَّ اللَّه وَاحِد.
اِبْتِدَاء وَخَبَر، وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال، وَالْخِطَاب لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف وَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ وَقَدْ نَعَتَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الْخَتْم وَالطَّبْع وَالصَّمَم وَالْعَمَى.
فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا - " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " يُرِيد الْعِلْم الْخَاصّ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْق وَأَنْزَلَ الْمَاء وَأَنْبَتَ الرِّزْق، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُنْعِم عَلَيْهِمْ دُون الْأَنْدَاد.
الثَّانِي - أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَحْدَانِيّته بِالْقُوَّةِ وَالْإِمْكَان لَوْ تَدَبَّرْتُمْ وَنَظَرْتُمْ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى الْأَمْر بِاسْتِعْمَالِ حُجَج الْعُقُول وَإِبْطَال التَّقْلِيد.
وَقَالَ اِبْن فَوْرك : يُحْتَمَل أَنْ تَتَنَاوَل الْآيَة الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَعْنَى لَا تَرْتَدُّوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْد عِلْمكُمْ الَّذِي هُوَ نَفْي الْجَهْل بِأَنَّ اللَّه وَاحِد.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
أَيْ فِي شَكّ
أَيْ فِي شَكّ
مِمَّا نَزَّلْنَا
يَعْنِي الْقُرْآن، وَالْمُرَاد الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ تَحَدَّوْا، فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن قَالُوا : مَا يُشْبِه هَذَا كَلَام اللَّه، وَإِنَّا لَفِي شَكّ مِنْهُ، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَوَجْه اِتِّصَالهَا بِمَا قَبْلهَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَة الْأُولَى الدَّلَالَة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته ذَكَرَ بَعْدهَا الدَّلَالَة عَلَى نُبُوَّة نَبِيّه، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ مُفْتَرًى مِنْ عِنْده.
يَعْنِي الْقُرْآن، وَالْمُرَاد الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ تَحَدَّوْا، فَإِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن قَالُوا : مَا يُشْبِه هَذَا كَلَام اللَّه، وَإِنَّا لَفِي شَكّ مِنْهُ، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَوَجْه اِتِّصَالهَا بِمَا قَبْلهَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَة الْأُولَى الدَّلَالَة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته ذَكَرَ بَعْدهَا الدَّلَالَة عَلَى نُبُوَّة نَبِيّه، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ مُفْتَرًى مِنْ عِنْده.
عَلَى عَبْدِنَا
يَعْنِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْعَبْد مَأْخُوذ مِنْ التَّعَبُّد وَهُوَ التَّذَلُّل، فَسُمِّيَ الْمَمْلُوك - مِنْ جِنْس مَا يَفْعَلهُ - عَبْدًا لِتَذَلُّلِهِ لِمَوْلَاهُ، قَالَ طَرَفَة :
أَيْ الْمُذَلَّل.
قَالَ بَعْضهمْ : لَمَّا كَانَتْ الْعِبَادَة أَشْرَف الْخِصَال وَالتَّسَمِّي بِهَا أَشْرَف الْخُطَط، سَمَّى نَبِيّه عَبْدًا، وَأَنْشَدُوا :
يَعْنِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْعَبْد مَأْخُوذ مِنْ التَّعَبُّد وَهُوَ التَّذَلُّل، فَسُمِّيَ الْمَمْلُوك - مِنْ جِنْس مَا يَفْعَلهُ - عَبْدًا لِتَذَلُّلِهِ لِمَوْلَاهُ، قَالَ طَرَفَة :
| إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي الْعَشِيرَة كُلّهَا | وَأَفْرَدَتْ إِفْرَاد الْبَعِير الْمُعَبَّد |
قَالَ بَعْضهمْ : لَمَّا كَانَتْ الْعِبَادَة أَشْرَف الْخِصَال وَالتَّسَمِّي بِهَا أَشْرَف الْخُطَط، سَمَّى نَبِيّه عَبْدًا، وَأَنْشَدُوا :
| يَا قَوْم قَلْبِي عِنْد زَهْرَاء | يَعْرِفهُ السَّامِع وَالرَّائِي |
| لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدهَا | فَإِنَّهُ أَشْرَف أَسْمَائِي |
| إِذَا مَا عَلَا الْمَرْء رَامَ الْعَلَاء | وَيَقْنَع بِالدُّونِ مَنْ كَانَ دُونَا |
وَيُقَال : هَذَا دُون ذَاكَ، أَيْ أَقْرَب مِنْهُ.
وَيُقَال فِي الْإِغْرَاء بِالشَّيْءِ : دُونَكَهُ.
قَالَتْ تَمِيم لِلْحَجَّاجِ : أَقْبِرْنَا صَالِحًا - وَكَانَ قَدْ صَلَبَهُ - فَقَالَ : دُونَكُمُوهُ.
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْمُعَارَضَة، لِقَوْلِهِمْ فِي آيَة أُخْرَى :" لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا " [ الْأَنْفَال : ٣١ ] وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب، وَقَدْ صَدَقَ فِي الْحَدِيث.
وَالصَّدْق : الصُّلْب مِنْ الرِّمَاح.
وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال.
وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ.
وَيُقَال : رَجُل صِدْق، كَمَا يُقَال : نِعْمَ الرَّجُل.
وَالصَّدَاقَة مُشْتَقَّة مِنْ الصِّدْق فِي النُّصْح وَالْوُدّ.
فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْمُعَارَضَة، لِقَوْلِهِمْ فِي آيَة أُخْرَى :" لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا " [ الْأَنْفَال : ٣١ ] وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب، وَقَدْ صَدَقَ فِي الْحَدِيث.
وَالصَّدْق : الصُّلْب مِنْ الرِّمَاح.
وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال.
وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ.
وَيُقَال : رَجُل صِدْق، كَمَا يُقَال : نِعْمَ الرَّجُل.
وَالصَّدَاقَة مُشْتَقَّة مِنْ الصِّدْق فِي النُّصْح وَالْوُدّ.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
يَعْنِي فِيمَا مَضَى
يَعْنِي فِيمَا مَضَى
وَلَنْ تَفْعَلُوا
أَيْ تُطِيقُوا ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي.
وَالْوَقْف عَلَى هَذَا عَلَى " صَادِقِينَ " تَامّ.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَى الْآيَة وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُون اللَّه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ تَفْعَلُوا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّار فَعَلَى هَذَا التَّفْسِير لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى " صَادِقِينَ ".
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف دَخَلَتْ " إِنْ " عَلَى " لَمْ " وَلَا يَدْخُل عَامِل عَلَى عَامِل ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ " إِنْ " هَاهُنَا غَيْر عَامِلَة فِي اللَّفْظ، فَدَخَلَتْ عَلَى " لَمْ " كَمَا تَدْخُل عَلَى الْمَاضِي ; لِأَنَّهَا لَا تَعْمَل فِي " لَمْ " كَمَا لَا تَعْمَل فِي الْمَاضِي، فَمَعْنَى إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا إِنْ تَرَكْتُمْ الْفِعْل.
قَوْله تَعَالَى " وَلَنْ تَفْعَلُوا " نَصْب بِـ لَنْ، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَجْزِم بِهَا، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَة، وَمِنْهُ بَيْت النَّابِغَة :
فَلَنْ أُعَرِّض أَبْيَت اللَّعْن بِالصَّفَدِ
وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر حِين ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّار فِي مَنَامه : فَقِيلَ لِي " لَنْ تُرَع ".
هَذَا عَلَى تِلْكَ اللُّغَة.
وَفِي قَوْله :" وَلَنْ تَفْعَلُوا " إِثَارَة لِهِمَمِهِمْ، وَتَحْرِيك لِنُفُوسِهِمْ، لِيَكُونَ عَجْزهمْ بَعْد ذَلِكَ أَبْدَع، وَهَذَا مِنْ الْغُيُوب الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الْقُرْآن قَبْل وُقُوعهَا وَقَالَ اِبْن كَيْسَان :" وَلَنْ تَفْعَلُوا " تَوْقِيفًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا صَادِقِينَ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ أَنَّهُ كَذِب، وَأَنَّهُ مُفْتَرًى وَأَنَّهُ سِحْر وَأَنَّهُ شِعْر، وَأَنَّهُ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ يَدَعُونَ الْعِلْم وَلَا يَأْتُونَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْله.
أَيْ تُطِيقُوا ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي.
وَالْوَقْف عَلَى هَذَا عَلَى " صَادِقِينَ " تَامّ.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَى الْآيَة وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُون اللَّه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ تَفْعَلُوا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّار فَعَلَى هَذَا التَّفْسِير لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى " صَادِقِينَ ".
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف دَخَلَتْ " إِنْ " عَلَى " لَمْ " وَلَا يَدْخُل عَامِل عَلَى عَامِل ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ " إِنْ " هَاهُنَا غَيْر عَامِلَة فِي اللَّفْظ، فَدَخَلَتْ عَلَى " لَمْ " كَمَا تَدْخُل عَلَى الْمَاضِي ; لِأَنَّهَا لَا تَعْمَل فِي " لَمْ " كَمَا لَا تَعْمَل فِي الْمَاضِي، فَمَعْنَى إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا إِنْ تَرَكْتُمْ الْفِعْل.
قَوْله تَعَالَى " وَلَنْ تَفْعَلُوا " نَصْب بِـ لَنْ، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَجْزِم بِهَا، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَة، وَمِنْهُ بَيْت النَّابِغَة :
فَلَنْ أُعَرِّض أَبْيَت اللَّعْن بِالصَّفَدِ
وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر حِين ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّار فِي مَنَامه : فَقِيلَ لِي " لَنْ تُرَع ".
هَذَا عَلَى تِلْكَ اللُّغَة.
وَفِي قَوْله :" وَلَنْ تَفْعَلُوا " إِثَارَة لِهِمَمِهِمْ، وَتَحْرِيك لِنُفُوسِهِمْ، لِيَكُونَ عَجْزهمْ بَعْد ذَلِكَ أَبْدَع، وَهَذَا مِنْ الْغُيُوب الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الْقُرْآن قَبْل وُقُوعهَا وَقَالَ اِبْن كَيْسَان :" وَلَنْ تَفْعَلُوا " تَوْقِيفًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا صَادِقِينَ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ أَنَّهُ كَذِب، وَأَنَّهُ مُفْتَرًى وَأَنَّهُ سِحْر وَأَنَّهُ شِعْر، وَأَنَّهُ أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ يَدَعُونَ الْعِلْم وَلَا يَأْتُونَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْله.
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
جَوَاب " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا " أَيْ اِتَّقُوا النَّار بِتَصْدِيقِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَة اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا.
وَيُقَال : إِنَّ لُغَة تَمِيم وَأَسَد " فَتَقُوا النَّار ".
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : تَقَى يَتْقِي، مِثْل قَضَى يَقْضِي.
" النَّار " مَفْعُولَة.
" الَّتِي " مِنْ نَعْتهَا.
وَفِيهَا ثَلَاث لُغَات : الَّتِي وَاللَّتِ ( بِكَسْرِ التَّاء ) وَاللَّتْ ( بِإِسْكَانِهَا ).
وَهِيَ اِسْم مُبْهَم لِلْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مَعْرِفَة، وَلَا يَجُوز نَزْع الْأَلِف وَاللَّام مِنْهَا لِلتَّنْكِيرِ، وَلَا تَتِمّ إِلَّا بِصِلَةٍ، وَفِي تَثْنِيَتهَا ثَلَاث لُغَات أَيْضًا : اللَّتَانِ وَاللَّتَا ( بِحَذْفِ النُّون ) وَاللَّتَانِّ ( بِتَشْدِيدِ النُّون ) وَفِي جَمْعهَا خَمْس لُغَات : اللَّاتِي، وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن.
وَاَللَّاتِي ( بِكَسْرِ التَّاء بِلَا يَاء ).
وَاَللَّوَاتِي.
وَاللَّوَات ( بِلَا يَاء )، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة :
وَاللَّوا ( بِإِسْقَاطِ التَّاء )، هَذَا مَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ وَزَادَ اِبْن الشَّجَرِيّ : اللَّائِي ( بِالْهَمْزِ وَإِثْبَات الْيَاء ).
وَاللَّاءِ ( بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَحَذْف الْيَاء ).
وَاللَّا ( بِحَذْفِ الْهَمْزَة ) فَإِنْ جَمَعْت الْجَمْع قُلْت فِي اللَّاتِي : اللَّوَاتِي وَفِي اللَّائِي : اللَّوَائِي.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَتَصْغِير الَّتِي اللُّتَيَّا ( بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيد )، قَالَ الرَّاجِز :
وَبَعْض الشُّعَرَاء أَدْخَلَ عَلَى " الَّتِي " حَرْف النِّدَاء، وَحُرُوف النِّدَاء لَا تَدْخُل عَلَى مَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام إِلَّا فِي قَوْلنَا : يَا اللَّه، وَحْده.
فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْأَلِف وَاللَّام غَيْر مُفَارِقَتَيْنِ لَهَا، وَقَالَ :
وَيُقَال : وَقَعَ فُلَان فِي اللُّتَيَّا وَاَلَّتِي، وَهُمَا اِسْمَانِ مِنْ أَسْمَاء الدَّاهِيَة.
وَالْوَقُود ( بِالْفَتْحِ ) : الْحَطَب.
وَبِالضَّمِّ : التَّوَقُّد.
وَ " النَّاس " عُمُوم، وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص فِيمَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَضَاء أَنَّهُ يَكُون حَطَبًا لَهَا، أَجَارَنَا اللَّه مِنْهَا.
" وَالْحِجَارَة " هِيَ حِجَارَة الْكِبْرِيت الْأَسْوَد - عَنْ اِبْن مَسْعُود وَالْفَرَّاء - وَخُصَّتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَزِيد عَلَى جَمِيع الْأَحْجَار بِخَمْسَةِ أَنْوَاع مِنْ الْعَذَاب : سُرْعَة الِاتِّقَاد، نَتْن الرَّائِحَة، كَثْرَة الدُّخَان، شِدَّة الِالْتِصَاق بِالْأَبْدَانِ، قُوَّة حَرّهَا إِذَا حَمِيَتْ.
وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة " دَلِيل عَلَى أَنَّ لَيْسَ فِيهَا غَيْر النَّاس وَالْحِجَارَة، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كَوْن الْجِنّ وَالشَّيَاطِين فِيهَا.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْحِجَارَةِ الْأَصْنَام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٨ ] أَيْ حَطَب جَهَنَّم.
جَوَاب " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا " أَيْ اِتَّقُوا النَّار بِتَصْدِيقِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَاعَة اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا.
وَيُقَال : إِنَّ لُغَة تَمِيم وَأَسَد " فَتَقُوا النَّار ".
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : تَقَى يَتْقِي، مِثْل قَضَى يَقْضِي.
" النَّار " مَفْعُولَة.
" الَّتِي " مِنْ نَعْتهَا.
وَفِيهَا ثَلَاث لُغَات : الَّتِي وَاللَّتِ ( بِكَسْرِ التَّاء ) وَاللَّتْ ( بِإِسْكَانِهَا ).
وَهِيَ اِسْم مُبْهَم لِلْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مَعْرِفَة، وَلَا يَجُوز نَزْع الْأَلِف وَاللَّام مِنْهَا لِلتَّنْكِيرِ، وَلَا تَتِمّ إِلَّا بِصِلَةٍ، وَفِي تَثْنِيَتهَا ثَلَاث لُغَات أَيْضًا : اللَّتَانِ وَاللَّتَا ( بِحَذْفِ النُّون ) وَاللَّتَانِّ ( بِتَشْدِيدِ النُّون ) وَفِي جَمْعهَا خَمْس لُغَات : اللَّاتِي، وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن.
وَاَللَّاتِي ( بِكَسْرِ التَّاء بِلَا يَاء ).
وَاَللَّوَاتِي.
وَاللَّوَات ( بِلَا يَاء )، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة :
| مِنْ اللَّوَاتِي وَاللَّتِي وَاَللَّاتِي | زَعَمْنَ أَنْ قَدْ كَبِرَتْ لِدَاتِي |
وَاللَّاءِ ( بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَحَذْف الْيَاء ).
وَاللَّا ( بِحَذْفِ الْهَمْزَة ) فَإِنْ جَمَعْت الْجَمْع قُلْت فِي اللَّاتِي : اللَّوَاتِي وَفِي اللَّائِي : اللَّوَائِي.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَتَصْغِير الَّتِي اللُّتَيَّا ( بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيد )، قَالَ الرَّاجِز :
| بَعْد اللُّتَيَّا وَاللَّتَيَّا وَاَلَّتِي | إِذَا عَلَتْهَا أَنْفُس تَرَدَّتْ |
فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْأَلِف وَاللَّام غَيْر مُفَارِقَتَيْنِ لَهَا، وَقَالَ :
| مِنْ اَجْلِك يَا الَّتِي تَيَّمْت قَلْبِي | وَأَنْتِ بَخِيلَة بِالْوُدِّ عَنِّي |
وَالْوَقُود ( بِالْفَتْحِ ) : الْحَطَب.
وَبِالضَّمِّ : التَّوَقُّد.
وَ " النَّاس " عُمُوم، وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص فِيمَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَضَاء أَنَّهُ يَكُون حَطَبًا لَهَا، أَجَارَنَا اللَّه مِنْهَا.
" وَالْحِجَارَة " هِيَ حِجَارَة الْكِبْرِيت الْأَسْوَد - عَنْ اِبْن مَسْعُود وَالْفَرَّاء - وَخُصَّتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَزِيد عَلَى جَمِيع الْأَحْجَار بِخَمْسَةِ أَنْوَاع مِنْ الْعَذَاب : سُرْعَة الِاتِّقَاد، نَتْن الرَّائِحَة، كَثْرَة الدُّخَان، شِدَّة الِالْتِصَاق بِالْأَبْدَانِ، قُوَّة حَرّهَا إِذَا حَمِيَتْ.
وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة " دَلِيل عَلَى أَنَّ لَيْسَ فِيهَا غَيْر النَّاس وَالْحِجَارَة، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كَوْن الْجِنّ وَالشَّيَاطِين فِيهَا.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْحِجَارَةِ الْأَصْنَام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٨ ] أَيْ حَطَب جَهَنَّم.
وَعَلَيْهِ فَتَكُون الْحِجَارَة وَالنَّاس وَقُودًا لِلنَّارِ وَذُكِرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّارِ أَنَّهَا تُحَرِّق الْحِجَارَة مَعَ إِحْرَاقهَا لِلنَّاسِ.
وَعَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل يَكُونُونَ مُعَذَّبِينَ بِالنَّارِ وَالْحِجَارَة.
وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( كُلّ مُؤْذٍ فِي النَّار ).
وَفِي تَأْوِيله وَجْهَانِ : أَحَدهمَا - أَنَّ كُلّ مَنْ آذَى النَّاس فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّه فِي الْآخِرَة بِالنَّارِ.
الثَّانِي - أَنَّ كُلّ مَا يُؤْذِي النَّاس فِي الدُّنْيَا مِنْ السِّبَاع وَالْهَوَامّ وَغَيْرهَا فِي النَّار مُعَدّ لِعُقُوبَةِ أَهْل النَّار.
وَذَهَبَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل إِلَى أَنَّ هَذِهِ النَّار الْمَخْصُوصَة بِالْحِجَارَةِ هِيَ نَار الْكَافِرِينَ خَاصَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
رَوَى مُسْلِم عَنْ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ أَبَا طَالِب كَانَ يَحُوطك وَيَنْصُرك، فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ :( نَعَمْ وَجَدْته فِي غَمَرَات مِنْ النَّار فَأَخْرَجْته إِلَى ضَحْضَاح - فِي رِوَايَة - وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار ).
" وَقُودهَا " مُبْتَدَأ.
" النَّاس " خَبَره.
" وَالْحِجَارَة " عَطْف عَلَيْهِمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف :" وُقُودهَا " ( بِضَمِّ الْوَاو ).
وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر :" وَقِيدهَا النَّاس ".
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش : الْوَقُود ( بِفَتْحِ الْوَاو ) : الْحَطَب، وَ ( بِالضَّمِّ ) : الْفِعْل، يُقَال : وَقَدَتْ النَّار تَقِد وُقُودًا ( بِالضَّمِّ ) وَوَقَدًا وَقِدَة وَوَقِيدًا وَوَقْدًا وَوَقَدَانًا، أَيْ تَوَقَّدَتْ.
وَأَوْقَدْتهَا أَنَا وَاسْتَوْقَدْتهَا أَيْضًا.
وَالِاتِّقَاد مِثْل التَّوَقُّد، وَالْمَوْضِع مَوْقِد، مِثْل مَجْلِس، وَالنَّار مُوقَدَة.
وَالْوَقْدَة : شِدَّة الْحَرّ، وَهِيَ عَشَرَة أَيَّام أَوْ نِصْف شَهْر.
قَالَ النَّحَّاس : يَجِب عَلَى هَذَا أَلَّا يُقْرَأ إِلَّا " وَقُودهَا " بِفَتْحِ الْوَاو ; لِأَنَّ الْمَعْنَى حَطَبهَا، إِلَّا أَنَّ الْأَخْفَش قَالَ : وَحُكِيَ أَنَّ بَعْض الْعَرَب يَجْعَل الْوَقُود وَالْوُقُود بِمَعْنَى الْحَطَب وَالْمَصْدَر.
قَالَ النَّحَّاس : وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَوَّل أَكْثَر، قَالَ : كَمَا أَنَّ الْوَضُوء الْمَاء، وَالْوُضُوء الْمَصْدَر.
وَعَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل يَكُونُونَ مُعَذَّبِينَ بِالنَّارِ وَالْحِجَارَة.
وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( كُلّ مُؤْذٍ فِي النَّار ).
وَفِي تَأْوِيله وَجْهَانِ : أَحَدهمَا - أَنَّ كُلّ مَنْ آذَى النَّاس فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّه فِي الْآخِرَة بِالنَّارِ.
الثَّانِي - أَنَّ كُلّ مَا يُؤْذِي النَّاس فِي الدُّنْيَا مِنْ السِّبَاع وَالْهَوَامّ وَغَيْرهَا فِي النَّار مُعَدّ لِعُقُوبَةِ أَهْل النَّار.
وَذَهَبَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل إِلَى أَنَّ هَذِهِ النَّار الْمَخْصُوصَة بِالْحِجَارَةِ هِيَ نَار الْكَافِرِينَ خَاصَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
رَوَى مُسْلِم عَنْ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ أَبَا طَالِب كَانَ يَحُوطك وَيَنْصُرك، فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ :( نَعَمْ وَجَدْته فِي غَمَرَات مِنْ النَّار فَأَخْرَجْته إِلَى ضَحْضَاح - فِي رِوَايَة - وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار ).
" وَقُودهَا " مُبْتَدَأ.
" النَّاس " خَبَره.
" وَالْحِجَارَة " عَطْف عَلَيْهِمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف :" وُقُودهَا " ( بِضَمِّ الْوَاو ).
وَقَرَأَ عُبَيْد بْن عُمَيْر :" وَقِيدهَا النَّاس ".
قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْأَخْفَش : الْوَقُود ( بِفَتْحِ الْوَاو ) : الْحَطَب، وَ ( بِالضَّمِّ ) : الْفِعْل، يُقَال : وَقَدَتْ النَّار تَقِد وُقُودًا ( بِالضَّمِّ ) وَوَقَدًا وَقِدَة وَوَقِيدًا وَوَقْدًا وَوَقَدَانًا، أَيْ تَوَقَّدَتْ.
وَأَوْقَدْتهَا أَنَا وَاسْتَوْقَدْتهَا أَيْضًا.
وَالِاتِّقَاد مِثْل التَّوَقُّد، وَالْمَوْضِع مَوْقِد، مِثْل مَجْلِس، وَالنَّار مُوقَدَة.
وَالْوَقْدَة : شِدَّة الْحَرّ، وَهِيَ عَشَرَة أَيَّام أَوْ نِصْف شَهْر.
قَالَ النَّحَّاس : يَجِب عَلَى هَذَا أَلَّا يُقْرَأ إِلَّا " وَقُودهَا " بِفَتْحِ الْوَاو ; لِأَنَّ الْمَعْنَى حَطَبهَا، إِلَّا أَنَّ الْأَخْفَش قَالَ : وَحُكِيَ أَنَّ بَعْض الْعَرَب يَجْعَل الْوَقُود وَالْوُقُود بِمَعْنَى الْحَطَب وَالْمَصْدَر.
قَالَ النَّحَّاس : وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَوَّل أَكْثَر، قَالَ : كَمَا أَنَّ الْوَضُوء الْمَاء، وَالْوُضُوء الْمَصْدَر.
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
ظَاهِره أَنَّ غَيْر الْكَافِرِينَ لَا يَدْخُلهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ الْوَعِيد لِلْمُذْنِبِينَ وَبِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَة فِي الشَّفَاعَة، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى مَا يَقُولهُ أَهْل الْحَقّ مِنْ أَنَّ النَّار مَوْجُودَة مَخْلُوفَة، خِلَافًا لِلْمُبْتَدِعَةِ فِي قَوْلهمْ إِنَّهَا لَمْ تُخْلَق حَتَّى الْآن.
وَهُوَ الْقَوْل الَّذِي سَقَطَ فِيهِ الْقَاضِي مُنْذِر بْن سَعِيد الْبَلُّوطِيّ الْأَنْدَلُسِيّ.
رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه إِذْ سَمِعَ وَجْبَة، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَدْرُونَ مَا هَذَا ) قَالَ قُلْنَا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( هَذَا حَجَر رُمِيَ بِهِ فِي النَّار مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّار الْآن حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَعْرهَا ).
وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِحْتَجَّتْ النَّار وَالْجَنَّة فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلنِي الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّب بِك مَنْ أَشَاء وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَم بِك مَنْ أَشَاء وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ).
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم بِمَعْنَاهُ.
يُقَال : اِحْتَجَّتْ بِمَعْنَى تَحْتَجّ، لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّم حَدِيث اِبْن مَسْعُود، وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُرِيَهُمَا فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَرَآهُمَا أَيْضًا فِي إِسْرَائِهِ وَدَخَلَ الْجَنَّة، فَلَا مَعْنَى لِمَا خَالَفَ ذَلِكَ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَ " أُعِدَّتْ " يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا لِلنَّارِ عَلَى مَعْنَى مُعَدَّة، وَأُضْمِرَتْ مَعَهُ قَدْ، كَمَا قَالَ :" أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ " [ النِّسَاء : ٩٠ ] فَمَعْنَاهُ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ، فَمَعَ " حَصِرَتْ " قَدْ مُضْمَرَة لِأَنَّ الْمَاضِي لَا يَكُون حَالًا إِلَّا مَعَ قَدْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى " الْحِجَارَة ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْله، كَمَا قَالَ :" وَذَلِكُمْ ظَنّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ " [ فُصِّلَتْ : ٢٣ ].
وَقَالَ السِّجِسْتَانِيّ :" أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " مِنْ صِلَة " الَّتِي " كَمَا قَالَ فِي آل عِمْرَان :" وَاتَّقُوا النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " [ آل عِمْرَان : ١٣١ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة قَدْ وُصِلَتْ بِقَوْلِهِ :" وَقُودهَا النَّاس " فَلَا يَجُوز أَنْ تُوصَل بِصِلَةٍ ثَانِيَة، وَفِي آل عِمْرَان لَيْسَ لَهَا صِلَة غَيْر " أُعِدَّتْ ".
ظَاهِره أَنَّ غَيْر الْكَافِرِينَ لَا يَدْخُلهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ الْوَعِيد لِلْمُذْنِبِينَ وَبِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَة فِي الشَّفَاعَة، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى مَا يَقُولهُ أَهْل الْحَقّ مِنْ أَنَّ النَّار مَوْجُودَة مَخْلُوفَة، خِلَافًا لِلْمُبْتَدِعَةِ فِي قَوْلهمْ إِنَّهَا لَمْ تُخْلَق حَتَّى الْآن.
وَهُوَ الْقَوْل الَّذِي سَقَطَ فِيهِ الْقَاضِي مُنْذِر بْن سَعِيد الْبَلُّوطِيّ الْأَنْدَلُسِيّ.
رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه إِذْ سَمِعَ وَجْبَة، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَدْرُونَ مَا هَذَا ) قَالَ قُلْنَا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( هَذَا حَجَر رُمِيَ بِهِ فِي النَّار مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّار الْآن حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَعْرهَا ).
وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِحْتَجَّتْ النَّار وَالْجَنَّة فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلنِي الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّب بِك مَنْ أَشَاء وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَم بِك مَنْ أَشَاء وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ).
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم بِمَعْنَاهُ.
يُقَال : اِحْتَجَّتْ بِمَعْنَى تَحْتَجّ، لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّم حَدِيث اِبْن مَسْعُود، وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُرِيَهُمَا فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَرَآهُمَا أَيْضًا فِي إِسْرَائِهِ وَدَخَلَ الْجَنَّة، فَلَا مَعْنَى لِمَا خَالَفَ ذَلِكَ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَ " أُعِدَّتْ " يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا لِلنَّارِ عَلَى مَعْنَى مُعَدَّة، وَأُضْمِرَتْ مَعَهُ قَدْ، كَمَا قَالَ :" أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ " [ النِّسَاء : ٩٠ ] فَمَعْنَاهُ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ، فَمَعَ " حَصِرَتْ " قَدْ مُضْمَرَة لِأَنَّ الْمَاضِي لَا يَكُون حَالًا إِلَّا مَعَ قَدْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى " الْحِجَارَة ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْله، كَمَا قَالَ :" وَذَلِكُمْ ظَنّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ " [ فُصِّلَتْ : ٢٣ ].
وَقَالَ السِّجِسْتَانِيّ :" أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " مِنْ صِلَة " الَّتِي " كَمَا قَالَ فِي آل عِمْرَان :" وَاتَّقُوا النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " [ آل عِمْرَان : ١٣١ ].
اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة قَدْ وُصِلَتْ بِقَوْلِهِ :" وَقُودهَا النَّاس " فَلَا يَجُوز أَنْ تُوصَل بِصِلَةٍ ثَانِيَة، وَفِي آل عِمْرَان لَيْسَ لَهَا صِلَة غَيْر " أُعِدَّتْ ".
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جَزَاء الْكَافِرِينَ ذَكَرَ جَزَاء الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا.
وَالتَّبْشِير الْإِخْبَار بِمَا يَظْهَر أَثَره عَلَى الْبَشَرَة - وَهِيَ ظَاهِر الْجِلْد لِتَغَيُّرِهَا بِأَوَّلِ خَبَر يَرِد عَلَيْك، ثُمَّ الْغَالِب أَنْ يُسْتَعْمَل فِي السُّرُور مُقَيَّدًا بِالْخَيْرِ الْمُبَشَّر بِهِ، وَغَيْر مُقَيَّد أَيْضًا.
وَلَا يُسْتَعْمَل فِي الْغَمّ وَالشَّرّ إِلَّا مُقَيَّدًا مَنْصُوصًا عَلَى الشَّرّ الْمُبَشَّر بِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم " [ الِانْشِقَاق : ٢٤ ] وَيُقَال : بَشَرْته وَبَشَّرْته - مُخَفَّف وَمُشَدَّد - بِشَارَة ( بِكَسْرِ الْبَاء ) فَأَبْشَرَ وَاسْتَبْشَرَ.
وَبَشِرَ يَبْشَر إِذَا فَرِحَ.
وَوَجْه بَشِير إِذَا كَانَ حَسَنًا بَيِّن الْبِشَارَة ( بِفَتْحِ الْبَاء ).
وَالْبُشْرَى : مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشّر.
وَتَبَاشِير الشَّيْء : أَوَّله.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّف إِذَا قَالَ : مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرّ، فَبَشَّرَهُ وَاحِد مِنْ عَبِيده فَأَكْثَر فَإِنَّ أَوَّلهمْ يَكُون حُرًّا دُون الثَّانِي.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا قَالَ : مَنْ أَخْبَرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرّ فَهَلْ يَكُون الثَّانِي مِثْل الْأَوَّل، فَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : نَعَمْ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مُخْبِر.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا ; لِأَنَّ الْمُكَلَّف إِنَّمَا قَصَدَ خَبَرًا يَكُون بِشَارَة، وَذَلِكَ يَخْتَصّ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْلُوم عُرْفًا فَوَجَبَ صَرْف الْقَوْل إِلَيْهِ.
وَفَرَّقَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن بَيْن قَوْله : أَخْبَرَنِي، أَوْ حَدَّثَنِي، فَقَالَ : إِذَا قَالَ الرَّجُل أَيّ غُلَام لِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا، أَوْ أَعْلَمَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَهُوَ حُرّ - وَلَا نِيَّة لَهُ - فَأَخْبَرَهُ غُلَام لَهُ بِذَلِكَ بِكِتَابٍ أَوْ كَلَام أَوْ رَسُول فَإِنَّ الْغُلَام يَعْتِق ; لِأَنَّ هَذَا خَبَر.
وَإِنْ أَخْبَرَهُ بَعْد ذَلِكَ غُلَام لَهُ عَتَقَ ; لِأَنَّهُ قَالَ : أَيّ غُلَام أَخْبَرَنِي فَهُوَ حُرّ.
وَلَوْ أَخْبَرُوهُ كُلّهمْ عَتَقُوا، وَإِنْ كَانَ عَنَى - حِين حَلَفَ - بِالْخَبَرِ كَلَام مُشَافَهَة لَمْ يَعْتِق وَاحِد مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُخْبِرهُ بِكَلَامٍ مُشَافَهَة بِذَلِكَ الْخَبَر.
قَالَ : وَإِذَا قَالَ أَيّ غُلَام لِي حَدَّثَنِي، فَهَذَا عَلَى الْمُشَافَهَة، لَا يَعْتِق وَاحِد مِنْهُمْ.
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جَزَاء الْكَافِرِينَ ذَكَرَ جَزَاء الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا.
وَالتَّبْشِير الْإِخْبَار بِمَا يَظْهَر أَثَره عَلَى الْبَشَرَة - وَهِيَ ظَاهِر الْجِلْد لِتَغَيُّرِهَا بِأَوَّلِ خَبَر يَرِد عَلَيْك، ثُمَّ الْغَالِب أَنْ يُسْتَعْمَل فِي السُّرُور مُقَيَّدًا بِالْخَيْرِ الْمُبَشَّر بِهِ، وَغَيْر مُقَيَّد أَيْضًا.
وَلَا يُسْتَعْمَل فِي الْغَمّ وَالشَّرّ إِلَّا مُقَيَّدًا مَنْصُوصًا عَلَى الشَّرّ الْمُبَشَّر بِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى " فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم " [ الِانْشِقَاق : ٢٤ ] وَيُقَال : بَشَرْته وَبَشَّرْته - مُخَفَّف وَمُشَدَّد - بِشَارَة ( بِكَسْرِ الْبَاء ) فَأَبْشَرَ وَاسْتَبْشَرَ.
وَبَشِرَ يَبْشَر إِذَا فَرِحَ.
وَوَجْه بَشِير إِذَا كَانَ حَسَنًا بَيِّن الْبِشَارَة ( بِفَتْحِ الْبَاء ).
وَالْبُشْرَى : مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشّر.
وَتَبَاشِير الشَّيْء : أَوَّله.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّف إِذَا قَالَ : مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرّ، فَبَشَّرَهُ وَاحِد مِنْ عَبِيده فَأَكْثَر فَإِنَّ أَوَّلهمْ يَكُون حُرًّا دُون الثَّانِي.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا قَالَ : مَنْ أَخْبَرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرّ فَهَلْ يَكُون الثَّانِي مِثْل الْأَوَّل، فَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : نَعَمْ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مُخْبِر.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا ; لِأَنَّ الْمُكَلَّف إِنَّمَا قَصَدَ خَبَرًا يَكُون بِشَارَة، وَذَلِكَ يَخْتَصّ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْلُوم عُرْفًا فَوَجَبَ صَرْف الْقَوْل إِلَيْهِ.
وَفَرَّقَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن بَيْن قَوْله : أَخْبَرَنِي، أَوْ حَدَّثَنِي، فَقَالَ : إِذَا قَالَ الرَّجُل أَيّ غُلَام لِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا، أَوْ أَعْلَمَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَهُوَ حُرّ - وَلَا نِيَّة لَهُ - فَأَخْبَرَهُ غُلَام لَهُ بِذَلِكَ بِكِتَابٍ أَوْ كَلَام أَوْ رَسُول فَإِنَّ الْغُلَام يَعْتِق ; لِأَنَّ هَذَا خَبَر.
وَإِنْ أَخْبَرَهُ بَعْد ذَلِكَ غُلَام لَهُ عَتَقَ ; لِأَنَّهُ قَالَ : أَيّ غُلَام أَخْبَرَنِي فَهُوَ حُرّ.
وَلَوْ أَخْبَرُوهُ كُلّهمْ عَتَقُوا، وَإِنْ كَانَ عَنَى - حِين حَلَفَ - بِالْخَبَرِ كَلَام مُشَافَهَة لَمْ يَعْتِق وَاحِد مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُخْبِرهُ بِكَلَامٍ مُشَافَهَة بِذَلِكَ الْخَبَر.
قَالَ : وَإِذَا قَالَ أَيّ غُلَام لِي حَدَّثَنِي، فَهَذَا عَلَى الْمُشَافَهَة، لَا يَعْتِق وَاحِد مِنْهُمْ.
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
رَدّ عَلَى مَنْ يَقُول : إِنَّ الْإِيمَان بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي الطَّاعَات ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا أَعَادَهَا فَالْجَنَّة تُنَال بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالِح.
وَقِيلَ : الْجَنَّة تُنَال بِالْإِيمَانِ، وَالدَّرَجَات تُسْتَحَقّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَات.
وَاَللَّه أَعْلَم.
رَدّ عَلَى مَنْ يَقُول : إِنَّ الْإِيمَان بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي الطَّاعَات ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا أَعَادَهَا فَالْجَنَّة تُنَال بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَل الصَّالِح.
وَقِيلَ : الْجَنَّة تُنَال بِالْإِيمَانِ، وَالدَّرَجَات تُسْتَحَقّ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَات.
وَاَللَّه أَعْلَم.
أَنَّ لَهُمْ
فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " بَشِّرْ " وَالْمَعْنَى وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَنَّ لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّ لَهُمْ، فَلَمَّا سَقَطَ الْخَافِض عَمِلَ الْفِعْل.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ :" أَنَّ " فِي مَوْضِع خَفْض بِإِضْمَارِ الْبَاء.
فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " بَشِّرْ " وَالْمَعْنَى وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَنَّ لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّ لَهُمْ، فَلَمَّا سَقَطَ الْخَافِض عَمِلَ الْفِعْل.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ :" أَنَّ " فِي مَوْضِع خَفْض بِإِضْمَارِ الْبَاء.
جَنَّاتٍ
فِي مَوْضِع نَصْب اِسْم " أَنَّ "، " وَأَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّات لِأَنَّهَا تُجِنّ مَنْ فِيهَا أَيْ تَسْتُرهُ بِشَجَرِهَا، وَمِنْهُ : الْمِجَنّ وَالْجَنِين وَالْجَنَّة.
فِي مَوْضِع نَصْب اِسْم " أَنَّ "، " وَأَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّات لِأَنَّهَا تُجِنّ مَنْ فِيهَا أَيْ تَسْتُرهُ بِشَجَرِهَا، وَمِنْهُ : الْمِجَنّ وَالْجَنِين وَالْجَنَّة.
تَجْرِي
فِي مَوْضِع النَّعْت لِجَنَّاتٍ وَهُوَ مَرْفُوع ; لِأَنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبِل فَحُذِفَتْ الضَّمَّة مِنْ الْيَاء لِثِقَلِهَا مَعَهَا.
فِي مَوْضِع النَّعْت لِجَنَّاتٍ وَهُوَ مَرْفُوع ; لِأَنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبِل فَحُذِفَتْ الضَّمَّة مِنْ الْيَاء لِثِقَلِهَا مَعَهَا.
مِنْ تَحْتِهَا
أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر ; لِأَنَّ الْجَنَّات دَالَّة عَلَيْهَا.
أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر ; لِأَنَّ الْجَنَّات دَالَّة عَلَيْهَا.
الْأَنْهَارُ
أَيْ مَاء الْأَنْهَار، فَنُسِبَ الْجَرْي إِلَى الْأَنْهَار تَوَسُّعًا، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْمَاء وَحْده فَحُذِفَ اِخْتِصَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ] أَيْ أَهْلهَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ : أَهْل الْمَجْلِس، فَحَذَفَ.
وَالنَّهْر : مَأْخُوذ مِنْ أَنْهَرْت، أَيْ وَسَّعْت، وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
أَيْ وَسَّعْتهَا، يَصِف طَعْنَة.
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ).
مَعْنَاهُ : مَا وَسَّعَ الذَّبْح حَتَّى يَجْرِي الدَّم كَالنَّهْرِ.
وَجَمْع النَّهَر : نُهْر وَأَنْهَار.
وَنَهْر نَهِر : كَثِير الْمَاء، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
وَرُوِيَ : أَنَّ أَنْهَار الْجَنَّة لَيْسَتْ فِي أَخَادِيد، إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى سَطْح الْجَنَّة مُنْضَبِطَة بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ أَهْلهَا.
وَالْوَقْف عَلَى " الْأَنْهَار " حَسَن وَلَيْسَ بِتَامٍّ،
أَيْ مَاء الْأَنْهَار، فَنُسِبَ الْجَرْي إِلَى الْأَنْهَار تَوَسُّعًا، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْمَاء وَحْده فَحُذِفَ اِخْتِصَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ] أَيْ أَهْلهَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| نُبِّئْت أَنَّ النَّار بَعْدك أُوقِدَتْ | وَاسْتَبَّ بَعْدك يَا كُلَيْب الْمَجْلِس |
وَالنَّهْر : مَأْخُوذ مِنْ أَنْهَرْت، أَيْ وَسَّعْت، وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
| مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرَتْ فَتْقهَا | يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا |
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ).
مَعْنَاهُ : مَا وَسَّعَ الذَّبْح حَتَّى يَجْرِي الدَّم كَالنَّهْرِ.
وَجَمْع النَّهَر : نُهْر وَأَنْهَار.
وَنَهْر نَهِر : كَثِير الْمَاء، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
| أَقَامَتْ بِهِ فَابْتَنَتْ خَيْمَة | عَلَى قَصَب وَفُرَات نَهِر |
وَالْوَقْف عَلَى " الْأَنْهَار " حَسَن وَلَيْسَ بِتَامٍّ،
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ
مِنْ وَصْف الْجَنَّات
مِنْ وَصْف الْجَنَّات
رِزْقًا
مَصْدَره، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الرِّزْق.
مَصْدَره، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الرِّزْق.
قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الَّذِي وُعِدْنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَالثَّانِي : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ لَوْنَهَا يُشْبِهُ لَوْن ثِمَار الدُّنْيَا، فَإِذَا أَكَلُوا وَجَدُوا طَعْمه غَيْر ذَلِكَ وَقِيلَ :" مِنْ قَبْل " يَعْنِي فِي الْجَنَّة لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ ثُمَّ يُرْزَقُونَ، فَإِذَا أُتُوا بِطَعَامٍ وَثِمَار فِي أَوَّل النَّهَار فَأَكَلُوا مِنْهَا، ثُمَّ أُتُوا مِنْهَا فِي آخِر النَّهَار قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل، يَعْنِي أُطْعِمْنَا فِي أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ لَوْنه يُشْبِه ذَلِكَ، فَإِذَا أَكَلُوا مِنْهَا وَجَدُوا لَهَا طَعْمًا غَيْر طَعْم الْأَوَّل.
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الَّذِي وُعِدْنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَالثَّانِي : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ لَوْنَهَا يُشْبِهُ لَوْن ثِمَار الدُّنْيَا، فَإِذَا أَكَلُوا وَجَدُوا طَعْمه غَيْر ذَلِكَ وَقِيلَ :" مِنْ قَبْل " يَعْنِي فِي الْجَنَّة لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ ثُمَّ يُرْزَقُونَ، فَإِذَا أُتُوا بِطَعَامٍ وَثِمَار فِي أَوَّل النَّهَار فَأَكَلُوا مِنْهَا، ثُمَّ أُتُوا مِنْهَا فِي آخِر النَّهَار قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل، يَعْنِي أُطْعِمْنَا فِي أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ لَوْنه يُشْبِه ذَلِكَ، فَإِذَا أَكَلُوا مِنْهَا وَجَدُوا لَهَا طَعْمًا غَيْر طَعْم الْأَوَّل.
وَأُتُوا
فُعِلُوا مِنْ أَتَيْت.
وَقَرَأَهُ الْجَمَاعَة بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالتَّاء.
وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر " وَأَتَوْا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالتَّاء.
فَالضَّمِير فِي الْقِرَاءَة الْأُولَى لِأَهْلِ الْجَنَّة، وَفِي الثَّانِيَة لِلْخُدَّامِ.
فُعِلُوا مِنْ أَتَيْت.
وَقَرَأَهُ الْجَمَاعَة بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالتَّاء.
وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر " وَأَتَوْا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالتَّاء.
فَالضَّمِير فِي الْقِرَاءَة الْأُولَى لِأَهْلِ الْجَنَّة، وَفِي الثَّانِيَة لِلْخُدَّامِ.
بِهِ مُتَشَابِهًا
حَال مِنْ الضَّمِير فِي " بِهِ "، أَيْ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الْمَنْظَر وَيَخْتَلِف فِي الطَّعْم.
قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : يُشْبِه ثَمَر الدُّنْيَا وَيُبَايِنهُ فِي جُلّ الصِّفَات.
اِبْن عَبَّاس : هَذَا عَلَى وَجْه التَّعَجُّب، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْء مِمَّا فِي الْجَنَّة سِوَى الْأَسْمَاء، فَكَأَنَّهُمْ تَعَجَّبُوا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ حُسْن الثَّمَرَة وَعِظَم خَلْقهَا.
وَقَالَ قَتَادَة : خِيَارًا لَا رَذْل فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" كِتَابًا مُتَشَابِهًا " [ الزُّمَر : ٢٣ ] وَلَيْسَ كَثِمَارِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا تَتَشَابَه ; لِأَنَّ فِيهَا خِيَارًا وَغَيْر خِيَار.
حَال مِنْ الضَّمِير فِي " بِهِ "، أَيْ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الْمَنْظَر وَيَخْتَلِف فِي الطَّعْم.
قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ عِكْرِمَة : يُشْبِه ثَمَر الدُّنْيَا وَيُبَايِنهُ فِي جُلّ الصِّفَات.
اِبْن عَبَّاس : هَذَا عَلَى وَجْه التَّعَجُّب، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْء مِمَّا فِي الْجَنَّة سِوَى الْأَسْمَاء، فَكَأَنَّهُمْ تَعَجَّبُوا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ حُسْن الثَّمَرَة وَعِظَم خَلْقهَا.
وَقَالَ قَتَادَة : خِيَارًا لَا رَذْل فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" كِتَابًا مُتَشَابِهًا " [ الزُّمَر : ٢٣ ] وَلَيْسَ كَثِمَارِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا تَتَشَابَه ; لِأَنَّ فِيهَا خِيَارًا وَغَيْر خِيَار.
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَأَزْوَاج : جَمْع زَوْج.
وَالْمَرْأَة : زَوْج الرَّجُل.
وَالرَّجُل زَوْج الْمَرْأَة.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَقُول زَوْجَة.
وَحَكَى الْفَرَّاء أَنَّهُ يُقَال : زَوْجَة، وَأَنْشَدَ الْفَرَزْدَق :
وَقَالَ عَمَّار بْن يَاسِر فِي شَأْن عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : وَاَللَّه إِنِّي لَأَعْلَم أَنَّهَا زَوْجَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلَكِنَّ اللَّه اِبْتَلَاكُمْ.
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيّ.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَأَزْوَاج : جَمْع زَوْج.
وَالْمَرْأَة : زَوْج الرَّجُل.
وَالرَّجُل زَوْج الْمَرْأَة.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَلَا تَكَاد الْعَرَب تَقُول زَوْجَة.
وَحَكَى الْفَرَّاء أَنَّهُ يُقَال : زَوْجَة، وَأَنْشَدَ الْفَرَزْدَق :
| وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِد زَوْجَتِي | كَسَاعٍ إِلَى أَسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلهَا |
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيّ.
مُطَهَّرَةٌ
نَعْت لِلْأَزْوَاجِ وَمُطَهَّرَة فِي اللُّغَة أَجْمَع مِنْ طَاهِرَة وَأَبْلَغ، وَمَعْنَى هَذِهِ الطَّهَارَة مِنْ الْحَيْض وَالْبُصَاق وَسَائِر أَقْذَار الْآدَمِيَّات.
ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد :" مُطَهَّرَة " قَالَ : لَا يَبُلْنَ وَلَا يَتَغَوَّطْنَ وَلَا يَلِدْنَ وَلَا يَحِضْنَ وَلَا يُمْنِينَ وَلَا يَبْصُقْنَ.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا كُلّه فِي وَصْف أَهْل الْجَنَّة وَصِفَة الْجَنَّة وَنَعِيمهَا مِنْ كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
نَعْت لِلْأَزْوَاجِ وَمُطَهَّرَة فِي اللُّغَة أَجْمَع مِنْ طَاهِرَة وَأَبْلَغ، وَمَعْنَى هَذِهِ الطَّهَارَة مِنْ الْحَيْض وَالْبُصَاق وَسَائِر أَقْذَار الْآدَمِيَّات.
ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد :" مُطَهَّرَة " قَالَ : لَا يَبُلْنَ وَلَا يَتَغَوَّطْنَ وَلَا يَلِدْنَ وَلَا يَحِضْنَ وَلَا يُمْنِينَ وَلَا يَبْصُقْنَ.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا كُلّه فِي وَصْف أَهْل الْجَنَّة وَصِفَة الْجَنَّة وَنَعِيمهَا مِنْ كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
" هُمْ " مُبْتَدَأ.
" خَالِدُونَ " خَبَره، وَالظَّرْف مُلْغًى.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن نَصْب خَالِدِينَ عَلَى الْحَال.
وَالْخُلُود : الْبَقَاء وَمِنْهُ جَنَّة الْخُلْد.
وَقَدْ تُسْتَعْمَل مَجَازًا فِيمَا يَطُول، وَمِنْهُ قَوْلهمْ فِي الدُّعَاء : خَلَّدَ اللَّه مُلْكه أَيْ طَوَّلَهُ.
قَالَ زُهَيْر :
وَأَمَّا الَّذِي فِي الْآيَة فَهُوَ أَبَدِيّ حَقِيقَة.
" هُمْ " مُبْتَدَأ.
" خَالِدُونَ " خَبَره، وَالظَّرْف مُلْغًى.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن نَصْب خَالِدِينَ عَلَى الْحَال.
وَالْخُلُود : الْبَقَاء وَمِنْهُ جَنَّة الْخُلْد.
وَقَدْ تُسْتَعْمَل مَجَازًا فِيمَا يَطُول، وَمِنْهُ قَوْلهمْ فِي الدُّعَاء : خَلَّدَ اللَّه مُلْكه أَيْ طَوَّلَهُ.
قَالَ زُهَيْر :
| أَلَا لَا أَرَى عَلَى الْحَوَادِث بَاقِيًا | وَلَا خَالِدًا إِلَّا الْجِبَال الرَّوَاسِيَا |
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً
قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : لَمَّا ضَرَبَ اللَّه سُبْحَانه هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ : يَعْنِي " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " [ الْبَقَرَة : ١٧ ] وَقَوْله :" أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاء " [ الْبَقَرَة : ١٩ ] قَالُوا : اللَّه أَجَلّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يَضْرِب الْأَمْثَال، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه آلِهَة الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ :" وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ " [ الْحَجّ : ٧٣ ] وَذَكَرَ كَيْد الْآلِهَة فَجَعَلَهُ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوت، قَالُوا : أَرَأَيْت حَيْثُ ذَكَرَ اللَّه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد، أَيّ شَيْء يَصْنَع ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت فِي كِتَابه وَضَرَبَ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمَثَل، ضَحِكَتْ الْيَهُود وَقَالُوا : مَا يُشْبِه هَذَا كَلَام اللَّه، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة.
وَ " وَيَسْتَحْيِي " أَصْله يَسْتَحْيِيُ، عَيْنه وَلَامه حَرْفَا عِلَّة، أُعِلَّتْ اللَّام مِنْهُ بِأَنْ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّة عَلَى الْيَاء فَسَكَنَتْ.
وَاسْم الْفَاعِل عَلَى هَذَا : مُسْتَحْيٍ، وَالْجَمْع مُسْتَحْيُونَ وَمُسْتَحْيِينَ.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " يَسْتَحْيِ " بِكَسْرِ الْحَاء وَيَاء وَاحِدَة سَاكِنَة، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن كَثِير، وَهِيَ لُغَة تَمِيم وَبَكْر اِبْن وَائِل، نُقِلَتْ فِيهَا حَرَكَة الْيَاء الْأُولَى إِلَى الْحَاء فَسَكَنَتْ، ثُمَّ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّة عَلَى الثَّانِيَة فَسَكَنَتْ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا لِلِالْتِقَاءِ، وَاسْم الْفَاعِل مُسْتَحٍ، وَالْجَمْع مُسْتَحُونَ وَمُسْتَحِينَ.
قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي مَعْنَى " يَسْتَحْيِي " فِي هَذِهِ الْآيَة فَقِيلَ : لَا يَخْشَى، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَفِي التَّنْزِيل :" وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] بِمَعْنَى تَسْتَحِي.
وَقَالَ غَيْره : لَا يَتْرُك.
وَقِيلَ : لَا يَمْتَنِع.
وَأَصْل الِاسْتِحْيَاء الِانْقِبَاض عَنْ الشَّيْء وَالِامْتِنَاع مِنْهُ خَوْفًا مِنْ مُوَاقَعَة الْقَبِيح، وَهَذَا مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَتْ أُمّ سُلَيْم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ.
الْمَعْنَى لَا يَأْمُر بِالْحَيَاءِ فِيهِ، وَلَا يَمْتَنِع مِنْ ذِكْره.
قَوْله تَعَالَى :" أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا " " يَضْرِب " مَعْنَاهُ يُبَيِّن، وَ " أَنْ " مَعَ الْفِعْل فِي مَوْضِع نَصْب بِتَقْدِيرِ حَذْف مِنْ.
" مَثَلًا " مَنْصُوب بِـ يَضْرِب " بَعُوضَة " فِي نَصْبهَا أَرْبَعَة أَوْجُه : الْأَوَّل : تَكُون " مَا " زَائِدَة، وَ " بَعُوضَة " بَدَلًا مِنْ " مَثَلًا ".
الثَّانِي : تَكُون " مَا " نَكِرَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله :" مَثَلًا ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : لَمَّا ضَرَبَ اللَّه سُبْحَانه هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ : يَعْنِي " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " [ الْبَقَرَة : ١٧ ] وَقَوْله :" أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاء " [ الْبَقَرَة : ١٩ ] قَالُوا : اللَّه أَجَلّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يَضْرِب الْأَمْثَال، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه آلِهَة الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ :" وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ " [ الْحَجّ : ٧٣ ] وَذَكَرَ كَيْد الْآلِهَة فَجَعَلَهُ كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوت، قَالُوا : أَرَأَيْت حَيْثُ ذَكَرَ اللَّه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد، أَيّ شَيْء يَصْنَع ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة.
وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت فِي كِتَابه وَضَرَبَ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمَثَل، ضَحِكَتْ الْيَهُود وَقَالُوا : مَا يُشْبِه هَذَا كَلَام اللَّه، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة.
وَ " وَيَسْتَحْيِي " أَصْله يَسْتَحْيِيُ، عَيْنه وَلَامه حَرْفَا عِلَّة، أُعِلَّتْ اللَّام مِنْهُ بِأَنْ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّة عَلَى الْيَاء فَسَكَنَتْ.
وَاسْم الْفَاعِل عَلَى هَذَا : مُسْتَحْيٍ، وَالْجَمْع مُسْتَحْيُونَ وَمُسْتَحْيِينَ.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " يَسْتَحْيِ " بِكَسْرِ الْحَاء وَيَاء وَاحِدَة سَاكِنَة، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن كَثِير، وَهِيَ لُغَة تَمِيم وَبَكْر اِبْن وَائِل، نُقِلَتْ فِيهَا حَرَكَة الْيَاء الْأُولَى إِلَى الْحَاء فَسَكَنَتْ، ثُمَّ اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّة عَلَى الثَّانِيَة فَسَكَنَتْ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا لِلِالْتِقَاءِ، وَاسْم الْفَاعِل مُسْتَحٍ، وَالْجَمْع مُسْتَحُونَ وَمُسْتَحِينَ.
قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي مَعْنَى " يَسْتَحْيِي " فِي هَذِهِ الْآيَة فَقِيلَ : لَا يَخْشَى، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَفِي التَّنْزِيل :" وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] بِمَعْنَى تَسْتَحِي.
وَقَالَ غَيْره : لَا يَتْرُك.
وَقِيلَ : لَا يَمْتَنِع.
وَأَصْل الِاسْتِحْيَاء الِانْقِبَاض عَنْ الشَّيْء وَالِامْتِنَاع مِنْهُ خَوْفًا مِنْ مُوَاقَعَة الْقَبِيح، وَهَذَا مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَتْ أُمّ سُلَيْم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ.
الْمَعْنَى لَا يَأْمُر بِالْحَيَاءِ فِيهِ، وَلَا يَمْتَنِع مِنْ ذِكْره.
قَوْله تَعَالَى :" أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا " " يَضْرِب " مَعْنَاهُ يُبَيِّن، وَ " أَنْ " مَعَ الْفِعْل فِي مَوْضِع نَصْب بِتَقْدِيرِ حَذْف مِنْ.
" مَثَلًا " مَنْصُوب بِـ يَضْرِب " بَعُوضَة " فِي نَصْبهَا أَرْبَعَة أَوْجُه : الْأَوَّل : تَكُون " مَا " زَائِدَة، وَ " بَعُوضَة " بَدَلًا مِنْ " مَثَلًا ".
الثَّانِي : تَكُون " مَا " نَكِرَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله :" مَثَلًا ".
وَ " بَعُوضَة " نَعْت لِمَا، فَوُصِفَتْ " مَا " بِالْجِنْسِ الْمُنَكَّر لِإِبْهَامِهَا لِأَنَّهَا بِمَعْنَى قَلِيل، قَالَهُ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج وَثَعْلَب.
الثَّالِث : نُصِبَتْ عَلَى تَقْدِير إِسْقَاط الْجَارّ، الْمَعْنَى أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَيْن بَعُوضَة، فَحُذِفَتْ " بَيْن " وَأُعْرِبَتْ بَعُوضَة بِإِعْرَابِهَا، وَالْفَاء بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا فَوْقهَا.
وَهَذَا قَوْل الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء أَيْضًا، وَأَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاس :
أَرَادَ مَا بَيْن قَرْن، فَلَمَّا أَسْقَطَ " بَيْن " نَصَبَ.
الرَّابِع : أَنْ يَكُون " يَضْرِب " بِمَعْنَى يَجْعَل، فَتَكُون " بَعُوضَة " الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَقَرَأَ الضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة وَرُؤْبَة بْن الْعَجَّاج " بَعُوضَة " بِالرَّفْعِ، وَهِيَ لُغَة تَمِيم.
قَالَ أَبُو الْفَتْح : وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّ " مَا " اِسْم بِمَنْزِلَةِ الَّذِي، وَ " بَعُوضَة " رُفِعَ عَلَى إِضْمَار الْمُبْتَدَأ، التَّقْدِير : لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب الَّذِي هُوَ بَعُوضَة مَثَلًا، فَحُذِفَ الْعَائِد عَلَى الْمَوْصُول وَهُوَ مُبْتَدَأ.
وَمِثْله قِرَاءَة بَعْضهمْ :" تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ " أَيْ عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَن.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : مَا أَنَا بِاَلَّذِي قَائِل لَك شَيْئًا، أَيْ هُوَ قَائِل.
قَالَ النَّحَّاس : وَالْحَذْف فِي " مَا " أَقْبَح مِنْهُ فِي " الَّذِي " ; لِأَنَّ " الَّذِي " إِنَّمَا لَهُ وَجْه وَاحِد وَالِاسْم مَعَهُ أَطْوَل.
وَيُقَال : إِنَّ مَعْنَى ضَرَبْت لَهُ مَثَلًا، مَثَّلْت لَهُ مَثَلًا.
وَهَذِهِ الْأَبْنِيَة عَلَى ضَرْب وَاحِد، وَعَلَى مِثَال وَاحِد وَنَوْع وَاحِد وَالضَّرْب النَّوْع.
وَالْبَعُوضَة : فَعُولَة مِنْ بَعَضَ إِذَا قَطَعَ اللَّحْم، يُقَال : بَضَعَ وَبَعَضَ بِمَعْنًى، وَقَدْ بَعَّضْته تَبْعِيضًا، أَيْ جَزَّأْته فَتَبَعَّضَ.
وَالْبَعُوض : الْبَقّ، الْوَاحِدَة بَعُوضَة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصِغَرِهَا.
قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره.
الثَّالِث : نُصِبَتْ عَلَى تَقْدِير إِسْقَاط الْجَارّ، الْمَعْنَى أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَيْن بَعُوضَة، فَحُذِفَتْ " بَيْن " وَأُعْرِبَتْ بَعُوضَة بِإِعْرَابِهَا، وَالْفَاء بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا فَوْقهَا.
وَهَذَا قَوْل الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء أَيْضًا، وَأَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاس :
| يَا أَحْسَن النَّاس مَا قَرْنًا إِلَى قَدَم | وَلَا حِبَال مُحِبّ وَاصِل تَصِل |
الرَّابِع : أَنْ يَكُون " يَضْرِب " بِمَعْنَى يَجْعَل، فَتَكُون " بَعُوضَة " الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَقَرَأَ الضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة وَرُؤْبَة بْن الْعَجَّاج " بَعُوضَة " بِالرَّفْعِ، وَهِيَ لُغَة تَمِيم.
قَالَ أَبُو الْفَتْح : وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّ " مَا " اِسْم بِمَنْزِلَةِ الَّذِي، وَ " بَعُوضَة " رُفِعَ عَلَى إِضْمَار الْمُبْتَدَأ، التَّقْدِير : لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب الَّذِي هُوَ بَعُوضَة مَثَلًا، فَحُذِفَ الْعَائِد عَلَى الْمَوْصُول وَهُوَ مُبْتَدَأ.
وَمِثْله قِرَاءَة بَعْضهمْ :" تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ " أَيْ عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَن.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : مَا أَنَا بِاَلَّذِي قَائِل لَك شَيْئًا، أَيْ هُوَ قَائِل.
قَالَ النَّحَّاس : وَالْحَذْف فِي " مَا " أَقْبَح مِنْهُ فِي " الَّذِي " ; لِأَنَّ " الَّذِي " إِنَّمَا لَهُ وَجْه وَاحِد وَالِاسْم مَعَهُ أَطْوَل.
وَيُقَال : إِنَّ مَعْنَى ضَرَبْت لَهُ مَثَلًا، مَثَّلْت لَهُ مَثَلًا.
وَهَذِهِ الْأَبْنِيَة عَلَى ضَرْب وَاحِد، وَعَلَى مِثَال وَاحِد وَنَوْع وَاحِد وَالضَّرْب النَّوْع.
وَالْبَعُوضَة : فَعُولَة مِنْ بَعَضَ إِذَا قَطَعَ اللَّحْم، يُقَال : بَضَعَ وَبَعَضَ بِمَعْنًى، وَقَدْ بَعَّضْته تَبْعِيضًا، أَيْ جَزَّأْته فَتَبَعَّضَ.
وَالْبَعُوض : الْبَقّ، الْوَاحِدَة بَعُوضَة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصِغَرِهَا.
قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره.
فَمَا فَوْقَهَا
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَاء بِمَعْنَى إِلَى، وَمَنْ جَعَلَ " مَا " الْأُولَى صِلَة زَائِدَة فَـ " مَا " الثَّانِيَة عَطْف عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة وَغَيْرهمَا : مَعْنَى " فَمَا فَوْقهَا " - وَاَللَّه أَعْلَم - مَا دُونهَا، أَيْ إِنَّهَا فَوْقهَا فِي الصِّغَر.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَهَذَا كَقَوْلِك فِي الْكَلَام : أَتَرَاهُ قَصِيرًا ؟ فَيَقُول الْقَائِل : أَوْ فَوْق ذَلِكَ، أَيْ هُوَ أَقْصَر مِمَّا تَرَى.
وَقَالَ قَتَادَة وَابْن جُرَيْج : الْمَعْنَى فِي الْكِبَر.
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَاء بِمَعْنَى إِلَى، وَمَنْ جَعَلَ " مَا " الْأُولَى صِلَة زَائِدَة فَـ " مَا " الثَّانِيَة عَطْف عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة وَغَيْرهمَا : مَعْنَى " فَمَا فَوْقهَا " - وَاَللَّه أَعْلَم - مَا دُونهَا، أَيْ إِنَّهَا فَوْقهَا فِي الصِّغَر.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَهَذَا كَقَوْلِك فِي الْكَلَام : أَتَرَاهُ قَصِيرًا ؟ فَيَقُول الْقَائِل : أَوْ فَوْق ذَلِكَ، أَيْ هُوَ أَقْصَر مِمَّا تَرَى.
وَقَالَ قَتَادَة وَابْن جُرَيْج : الْمَعْنَى فِي الْكِبَر.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
الضَّمِير فِي " أَنَّهُ " عَائِد عَلَى الْمَثَل أَيْ أَنَّ الْمَثَل حَقّ.
وَالْحَقّ خِلَاف الْبَاطِل.
وَالْحَقّ : وَاحِد الْحُقُوق.
وَالْحَقَّة ( بِفَتْحِ الْحَاء ) أَخَصّ مِنْهُ، يُقَال : هَذِهِ حَقَّتِي، أَيْ حَقِّي.
الضَّمِير فِي " أَنَّهُ " عَائِد عَلَى الْمَثَل أَيْ أَنَّ الْمَثَل حَقّ.
وَالْحَقّ خِلَاف الْبَاطِل.
وَالْحَقّ : وَاحِد الْحُقُوق.
وَالْحَقَّة ( بِفَتْحِ الْحَاء ) أَخَصّ مِنْهُ، يُقَال : هَذِهِ حَقَّتِي، أَيْ حَقِّي.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
لُغَة بَنِي تَمِيم وَبَنِي عَامِر فِي " أَمَّا " أَيْمَا، يُبْدِلُونَ مِنْ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ يَاء كَرَاهِيَة التَّضْعِيف، وَعَلَى هَذَا يُنْشَد بَيْت عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة :
لُغَة بَنِي تَمِيم وَبَنِي عَامِر فِي " أَمَّا " أَيْمَا، يُبْدِلُونَ مِنْ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ يَاء كَرَاهِيَة التَّضْعِيف، وَعَلَى هَذَا يُنْشَد بَيْت عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة :
| رَأَتْ رَجُلًا أَيْمَا إِذَا الشَّمْس عَارَضَتْ | فَيَضْحَى وَأَيْمَا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَر |
| يَذْهَبْنَ فِي نَجْد وَغَوْرًا غَائِرًا | فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدهَا جَوَائِرَا |
وَيُقَال فِي النِّدَاء : يَا فُسَق وَيَا خُبَث، يُرِيد : يَا أَيُّهَا الْفَاسِق، وَيَا أَيُّهَا الْخَبِيث.
وَالْفِسْق فِي عُرْف الِاسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ : الْخُرُوج مِنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ يَقَع عَلَى مَنْ خَرَجَ بِكُفْرٍ وَعَلَى مَنْ خَرَجَ بِعِصْيَانٍ.
الَّذِينَ
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت لِلْفَاسِقِينَ، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهُ خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، أَيْ هُمْ الَّذِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت لِلْفَاسِقِينَ، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهُ خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، أَيْ هُمْ الَّذِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ
النَّقْض : إِفْسَاد مَا أَبْرَمْته مِنْ بِنَاء أَوْ حَبْل أَوْ عَهْد.
وَالنُّقَاضَة.
مَا نُقِضَ مِنْ حَبْل الشَّعْر.
وَالْمُنَاقَضَة فِي الْقَوْل : أَنْ تَتَكَلَّم بِمَا تَنَاقَضَ مَعْنَاهُ.
وَالنَّقِيضَة فِي الشِّعْر : مَا يُنْقَض بِهِ.
وَالنِّقْض : الْمَنْقُوض.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي تَعْيِين هَذَا الْعَهْد، فَقِيلَ : هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَى بَنِي آدَم حِين اِسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْره.
وَقِيلَ : هُوَ وَصِيَّة اللَّه تَعَالَى إِلَى خَلْقه، وَأَمْره إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَته، وَنَهْيه إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته فِي كُتُبه عَلَى أَلْسِنَة رُسُله، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ تَرْكُ الْعَمَل بِهِ.
وَقِيلَ : بَلْ نَصْب الْأَدِلَّة عَلَى وَحْدَانِيّته بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَسَائِر الصَّنْعَة هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَهْد، وَنَقْضهمْ تَرْك النَّظَر فِي ذَلِكَ.
وَقِيلَ : هُوَ مَا عَهِدَهُ إِلَى مَنْ أُوتِيَ الْكِتَاب أَنْ يُبَيِّنُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْتُمُوا أَمْره.
فَالْآيَة عَلَى هَذَا فِي أَهْل الْكِتَاب.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : عَهْده جَلَّ وَعَزَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ أَلَّا يَكْفُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَدَلِيل ذَلِكَ :" وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ " [ آل عِمْرَان : ٨١ ] إِلَى قَوْله تَعَالَى :" وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي " [ آل عِمْرَان : ٨١ ] أَيْ عَهْدِي.
قُلْت : وَظَاهِر مَا قَبْل وَمَا بَعْد يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْكُفَّار.
فَهَذِهِ خَمْسَة أَقْوَال، وَالْقَوْل الثَّانِي يَجْمَعهَا.
النَّقْض : إِفْسَاد مَا أَبْرَمْته مِنْ بِنَاء أَوْ حَبْل أَوْ عَهْد.
وَالنُّقَاضَة.
مَا نُقِضَ مِنْ حَبْل الشَّعْر.
وَالْمُنَاقَضَة فِي الْقَوْل : أَنْ تَتَكَلَّم بِمَا تَنَاقَضَ مَعْنَاهُ.
وَالنَّقِيضَة فِي الشِّعْر : مَا يُنْقَض بِهِ.
وَالنِّقْض : الْمَنْقُوض.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي تَعْيِين هَذَا الْعَهْد، فَقِيلَ : هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَى بَنِي آدَم حِين اِسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْره.
وَقِيلَ : هُوَ وَصِيَّة اللَّه تَعَالَى إِلَى خَلْقه، وَأَمْره إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَته، وَنَهْيه إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته فِي كُتُبه عَلَى أَلْسِنَة رُسُله، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ تَرْكُ الْعَمَل بِهِ.
وَقِيلَ : بَلْ نَصْب الْأَدِلَّة عَلَى وَحْدَانِيّته بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَسَائِر الصَّنْعَة هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَهْد، وَنَقْضهمْ تَرْك النَّظَر فِي ذَلِكَ.
وَقِيلَ : هُوَ مَا عَهِدَهُ إِلَى مَنْ أُوتِيَ الْكِتَاب أَنْ يُبَيِّنُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْتُمُوا أَمْره.
فَالْآيَة عَلَى هَذَا فِي أَهْل الْكِتَاب.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : عَهْده جَلَّ وَعَزَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ أَلَّا يَكْفُرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَدَلِيل ذَلِكَ :" وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ " [ آل عِمْرَان : ٨١ ] إِلَى قَوْله تَعَالَى :" وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي " [ آل عِمْرَان : ٨١ ] أَيْ عَهْدِي.
قُلْت : وَظَاهِر مَا قَبْل وَمَا بَعْد يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْكُفَّار.
فَهَذِهِ خَمْسَة أَقْوَال، وَالْقَوْل الثَّانِي يَجْمَعهَا.
مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
الْمِيثَاق : الْعَهْد الْمُؤَكَّد بِالْيَمِينِ، مِفْعَال مِنْ الْوَثَاقَة وَالْمُعَاهَدَة، وَهِيَ الشِّدَّة فِي الْعَقْد وَالرَّبْط وَنَحْوه.
وَالْجَمْع الْمَوَاثِيق عَلَى الْأَصْل ; لِأَنَّ أَصْل مِيثَاق مِوْثَاق، صَارَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ مَا قَبْلهَا - وَالْمَيَاثِق وَالْمَيَاثِيق أَيْضًا، وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ :
وَالْمَوْثِق : الْمِيثَاق.
وَالْمُوَاثَقَة : الْمُعَاهَدَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ".
الْمِيثَاق : الْعَهْد الْمُؤَكَّد بِالْيَمِينِ، مِفْعَال مِنْ الْوَثَاقَة وَالْمُعَاهَدَة، وَهِيَ الشِّدَّة فِي الْعَقْد وَالرَّبْط وَنَحْوه.
وَالْجَمْع الْمَوَاثِيق عَلَى الْأَصْل ; لِأَنَّ أَصْل مِيثَاق مِوْثَاق، صَارَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ مَا قَبْلهَا - وَالْمَيَاثِق وَالْمَيَاثِيق أَيْضًا، وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ :
| حِمًى لَا يُحَلّ الدَّهْر إِلَّا بِإِذْنِنَا | وَلَا نَسْأَل الْأَقْوَام عَهْد الْمَيَاثِق |
وَالْمُوَاثَقَة : الْمُعَاهَدَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ".
وَيَقْطَعُونَ
الْقَطْع مَعْرُوف، وَالْمَصْدَر - فِي الرَّحِم - الْقَطِيعَة، يُقَال : قَطَعَ رَحِمَهُ قَطِيعَة فَهُوَ رَجُل قُطَع وَقُطَعَة، مِثَال هُمَزَة.
وَقَطَعْت الْحَبْل قَطْعًا.
وَقَطَعْت النَّهْر قُطُوعًا.
وَقَطَعَتْ الطَّيْر قُطُوعًا وَقُطَاعًا وَقِطَاعًا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد.
وَأَصَابَ النَّاس قُطْعَة : إِذَا قُلْت مِيَاههمْ.
وَرَجُل بِهِ قُطْع : أَيْ اِنْبِهَار.
الْقَطْع مَعْرُوف، وَالْمَصْدَر - فِي الرَّحِم - الْقَطِيعَة، يُقَال : قَطَعَ رَحِمَهُ قَطِيعَة فَهُوَ رَجُل قُطَع وَقُطَعَة، مِثَال هُمَزَة.
وَقَطَعْت الْحَبْل قَطْعًا.
وَقَطَعْت النَّهْر قُطُوعًا.
وَقَطَعَتْ الطَّيْر قُطُوعًا وَقُطَاعًا وَقِطَاعًا إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد.
وَأَصَابَ النَّاس قُطْعَة : إِذَا قُلْت مِيَاههمْ.
وَرَجُل بِهِ قُطْع : أَيْ اِنْبِهَار.
مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " يَقْطَعُونَ ".
وَ " أَنْ " إِنْ شِئْت كَانَتْ بَدَلًا مِنْ " مَا " وَإِنْ شِئْت مِنْ الْهَاء فِي " بِهِ " وَهُوَ أَحْسَن.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِئَلَّا يُوصَل، أَيْ كَرَاهَة أَنْ يُوصَل.
وَاخْتُلِفَ مَا الشَّيْء الَّذِي أَمَرَ بِوَصْلِهِ ؟ فَقِيلَ : صِلَة الْأَرْحَام.
وَقِيلَ : أَمَرَ أَنْ يُوصَل الْقَوْل بِالْعَمَلِ، فَقَطَعُوا بَيْنهمَا بِأَنْ قَالُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا.
وَقِيلَ : أَمَرَ أَنْ يُوصَل التَّصْدِيق بِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، فَقَطَعُوهُ بِتَصْدِيقِ بَعْضهمْ وَتَكْذِيب بَعْضهمْ.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى دِين اللَّه وَعِبَادَته فِي الْأَرْض، وَإِقَامَة شَرَائِعه وَحِفْظ حُدُوده.
فَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ أَنْ يُوصَل.
هَذَا قَوْل الْجُمْهُور، وَالرَّحِم جُزْء مِنْ هَذَا.
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " يَقْطَعُونَ ".
وَ " أَنْ " إِنْ شِئْت كَانَتْ بَدَلًا مِنْ " مَا " وَإِنْ شِئْت مِنْ الْهَاء فِي " بِهِ " وَهُوَ أَحْسَن.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون لِئَلَّا يُوصَل، أَيْ كَرَاهَة أَنْ يُوصَل.
وَاخْتُلِفَ مَا الشَّيْء الَّذِي أَمَرَ بِوَصْلِهِ ؟ فَقِيلَ : صِلَة الْأَرْحَام.
وَقِيلَ : أَمَرَ أَنْ يُوصَل الْقَوْل بِالْعَمَلِ، فَقَطَعُوا بَيْنهمَا بِأَنْ قَالُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا.
وَقِيلَ : أَمَرَ أَنْ يُوصَل التَّصْدِيق بِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، فَقَطَعُوهُ بِتَصْدِيقِ بَعْضهمْ وَتَكْذِيب بَعْضهمْ.
وَقِيلَ : الْإِشَارَة إِلَى دِين اللَّه وَعِبَادَته فِي الْأَرْض، وَإِقَامَة شَرَائِعه وَحِفْظ حُدُوده.
فَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ أَنْ يُوصَل.
هَذَا قَوْل الْجُمْهُور، وَالرَّحِم جُزْء مِنْ هَذَا.
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أَيْ يَعْبُدُونَ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَيَجُورُونَ فِي الْأَفْعَال ; إِذْ هِيَ بِحَسَبِ شَهَوَاتهمْ، وَهَذَا غَايَة الْفَسَاد.
أَيْ يَعْبُدُونَ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَيَجُورُونَ فِي الْأَفْعَال ; إِذْ هِيَ بِحَسَبِ شَهَوَاتهمْ، وَهَذَا غَايَة الْفَسَاد.
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَ " هُمْ " زَائِدَة، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " اِبْتِدَاء ثَانٍ، " الْخَاسِرُونَ " خَبَره، وَالثَّانِي وَخَبَره خَبَر الْأَوَّل كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْخَاسِر : الَّذِي نَقَصَ نَفْسه حَظّهَا مِنْ الْفَلَاح وَالْفَوْز.
وَالْخُسْرَان : النُّقْصَان، كَانَ فِي مِيزَان أَوْ غَيْره، قَالَ جَرِير :
يَعْنِي بِالْخَسَارِ مَا يَنْقُص مِنْ حُظُوظهمْ وَشَرَفهمْ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَخَسَرْت الشَّيْء ( بِالْفَتْحِ ) وَأَخْسَرْته نَقَصْتهُ.
وَالْخَسَار وَالْخَسَارَة وَالْخَيْسَرَى : الضَّلَال وَالْهَلَاك.
فَقِيلَ لِلْهَالِكِ : خَاسِر ; لِأَنَّهُ خَسِرَ نَفْسه وَأَهْله يَوْم الْقِيَامَة وَمُنِعَ مَنْزِله مِنْ الْجَنَّة.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالْتِزَامه وَكُلّ عَهْد جَائِز أَلْزَمَهُ الْمَرْء نَفْسه فَلَا يَحِلّ لَهُ نَقْضه سَوَاء أَكَانَ بَيْن مُسْلِم أَمْ غَيْره، لِذَمِّ اللَّه تَعَالَى مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ.
وَقَدْ قَالَ :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام :" وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " [ الْأَنْفَال : ٥٨ ] فَنَهَاهُ عَنْ الْغَدْر وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِنَقْضِ الْعَهْد عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَ " هُمْ " زَائِدَة، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " هُمْ " اِبْتِدَاء ثَانٍ، " الْخَاسِرُونَ " خَبَره، وَالثَّانِي وَخَبَره خَبَر الْأَوَّل كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْخَاسِر : الَّذِي نَقَصَ نَفْسه حَظّهَا مِنْ الْفَلَاح وَالْفَوْز.
وَالْخُسْرَان : النُّقْصَان، كَانَ فِي مِيزَان أَوْ غَيْره، قَالَ جَرِير :
| إِنَّ سَلِيطًا فِي الْخَسَار إِنَّهُ | أَوْلَاد قَوْم خُلِقُوا أَقِنّهْ |
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَخَسَرْت الشَّيْء ( بِالْفَتْحِ ) وَأَخْسَرْته نَقَصْتهُ.
وَالْخَسَار وَالْخَسَارَة وَالْخَيْسَرَى : الضَّلَال وَالْهَلَاك.
فَقِيلَ لِلْهَالِكِ : خَاسِر ; لِأَنَّهُ خَسِرَ نَفْسه وَأَهْله يَوْم الْقِيَامَة وَمُنِعَ مَنْزِله مِنْ الْجَنَّة.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالْتِزَامه وَكُلّ عَهْد جَائِز أَلْزَمَهُ الْمَرْء نَفْسه فَلَا يَحِلّ لَهُ نَقْضه سَوَاء أَكَانَ بَيْن مُسْلِم أَمْ غَيْره، لِذَمِّ اللَّه تَعَالَى مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ.
وَقَدْ قَالَ :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام :" وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " [ الْأَنْفَال : ٥٨ ] فَنَهَاهُ عَنْ الْغَدْر وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِنَقْضِ الْعَهْد عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
" كَيْف " سُؤَال عَنْ الْحَال، وَهِيَ اِسْم فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " تَكْفُرُونَ "، وَهِيَ مَبْنِيَّة عَلَى الْفَتْح وَكَانَ سَبِيلهَا أَنْ تَكُون سَاكِنَة ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّعَجُّب فَأَشْبَهَتْ الْحُرُوف، وَاخْتِيرَ لَهَا الْفَتْح لِخِفَّتِهِ، أَيْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَجِب أَنْ يُتَعَجَّب مِنْهُمْ حِين كَفَرُوا وَقَدْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الْخِطَاب لِأَهْلِ الْكِتَاب وَهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِاَللَّهِ ؟ فَالْجَوَاب مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُثْبِتُوا أَمْر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ فَقَدْ أَشْرَكُوا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِأَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآن كَلَام الْبَشَر فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَصَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ.
وَقِيلَ :" كَيْف " لَفْظه لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَلَيْسَ بِهِ، بَلْ هُوَ تَقْرِير وَتَوْبِيخ، أَيْ كَيْف تَكْفُرُونَ نِعَمه عَلَيْكُمْ وَقُدْرَته هَذِهِ قَالَ الْوَاسِطِيّ : وَبَّخَهُمْ بِهَذَا غَايَة التَّوْبِيخ ; لِأَنَّ الْمَوَات وَالْجَمَاد لَا يُنَازِع صَانِعه فِي شَيْء، وَإِنَّمَا الْمُنَازَعَة مِنْ الْهَيَاكِل الرُّوحَانِيَّة.
" كَيْف " سُؤَال عَنْ الْحَال، وَهِيَ اِسْم فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " تَكْفُرُونَ "، وَهِيَ مَبْنِيَّة عَلَى الْفَتْح وَكَانَ سَبِيلهَا أَنْ تَكُون سَاكِنَة ; لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّعَجُّب فَأَشْبَهَتْ الْحُرُوف، وَاخْتِيرَ لَهَا الْفَتْح لِخِفَّتِهِ، أَيْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَجِب أَنْ يُتَعَجَّب مِنْهُمْ حِين كَفَرُوا وَقَدْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الْخِطَاب لِأَهْلِ الْكِتَاب وَهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِاَللَّهِ ؟ فَالْجَوَاب مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُثْبِتُوا أَمْر مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ فَقَدْ أَشْرَكُوا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِأَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآن كَلَام الْبَشَر فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَصَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ.
وَقِيلَ :" كَيْف " لَفْظه لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَلَيْسَ بِهِ، بَلْ هُوَ تَقْرِير وَتَوْبِيخ، أَيْ كَيْف تَكْفُرُونَ نِعَمه عَلَيْكُمْ وَقُدْرَته هَذِهِ قَالَ الْوَاسِطِيّ : وَبَّخَهُمْ بِهَذَا غَايَة التَّوْبِيخ ; لِأَنَّ الْمَوَات وَالْجَمَاد لَا يُنَازِع صَانِعه فِي شَيْء، وَإِنَّمَا الْمُنَازَعَة مِنْ الْهَيَاكِل الرُّوحَانِيَّة.
وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا
هَذِهِ الْوَاو وَاو الْحَال، وَقَدْ مُضْمَرَة.
قَالَ الزَّجَّاج : التَّقْدِير وَقَدْ كُنْتُمْ، ثُمَّ حُذِفَتْ قَدْ.
وَقَالَ الْفَرَّاء :" أَمْوَاتًا " خَبَر " كُنْتُمْ ".
هَذِهِ الْوَاو وَاو الْحَال، وَقَدْ مُضْمَرَة.
قَالَ الزَّجَّاج : التَّقْدِير وَقَدْ كُنْتُمْ، ثُمَّ حُذِفَتْ قَدْ.
وَقَالَ الْفَرَّاء :" أَمْوَاتًا " خَبَر " كُنْتُمْ ".
فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
" فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ " هَذَا وَقْف التَّمَام، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم.
ثُمَّ قَالَ :" ثُمَّ يُحْيِيكُمْ " وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَرْتِيب هَاتَيْنِ الْمَوْتَتَيْنِ وَالْحَيَاتَيْنِ، وَكَمْ مِنْ مَوْتَة وَحَيَاة لِلْإِنْسَانِ ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : أَيْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ قَبْل أَنْ تُخْلَقُوا فَأَحْيَاكُمْ - أَيْ خَلَقَكُمْ - ثُمَّ يُمِيتكُمْ عِنْد اِنْقِضَاء آجَالكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الْمُرَاد بِالْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا مَحِيد لِلْكُفَّارِ عَنْهُ لِإِقْرَارِهِمْ بِهِمَا، وَإِذَا أَذْعَنَتْ نُفُوس الْكُفَّار لِكَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ، ثُمَّ لِلْإِحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لِلْإِمَاتَةِ فِيهَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لُزُوم الْإِحْيَاء الْآخَر وَجَاءَ جَحْدهمْ لَهُ دَعْوَى لَا حُجَّة عَلَيْهَا.
قَالَ غَيْره : وَالْحَيَاة الَّتِي تَكُون فِي الْقَبْر عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي حُكْم حَيَاة الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : لَمْ يُعْتَدّ بِهَا كَمَا لَمْ يُعْتَدّ بِمَوْتِ مَنْ أَمَاتَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَحْيَاهُ فِي الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ظَهْر آدَم ثُمَّ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْره كَالذَّرِّ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ مَوْت الدُّنْيَا ثُمَّ يَبْعَثكُمْ.
وَقِيلَ : كُنْتُمْ أَمْوَاتًا - أَيْ نُطَفًا - فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام النِّسَاء، ثُمَّ نَقَلَكُمْ مِنْ الْأَرْحَام فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ بَعْده هَذِهِ الْحَيَاة، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ فِي الْقَبْر، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ حَيَاة النَّشْر إِلَى الْحَشْر، وَهِيَ الْحَيَاة الَّتِي لَيْسَ بَعْدهَا مَوْت.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل هِيَ ثَلَاث مَوْتَات، وَثَلَاث إِحْيَاءَات.
وَكَوْنهمْ مَوْتَى فِي ظَهْر آدَم، وَإِخْرَاجهمْ مِنْ ظَهْره وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ غَيْر كَوْنهمْ نُطَفًا فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام النِّسَاء، فَعَلَى هَذَا تَجِيء أَرْبَع مَوْتَات وَأَرْبَع إِحْيَاءَات.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَدَهُمْ قَبْل خَلَقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَالْهَبَاءِ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ، فَيَكُون عَلَى هَذَا خَمْس مَوْتَات، وَخَمْس إِحْيَاءَات.
وَمَوْتَة سَادِسَة لِلْعُصَاةِ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلُوا النَّار، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِي هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاس أَصَابَتْهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ اللَّه إِمَاتَة حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِر ضَبَائِر فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَار الْجَنَّة ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَات الْحَبَّة تَكُون فِي حَمِيل السَّيْل ).
فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : كَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَرْعَى بِالْبَادِيَةِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
" فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ " هَذَا وَقْف التَّمَام، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم.
ثُمَّ قَالَ :" ثُمَّ يُحْيِيكُمْ " وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَرْتِيب هَاتَيْنِ الْمَوْتَتَيْنِ وَالْحَيَاتَيْنِ، وَكَمْ مِنْ مَوْتَة وَحَيَاة لِلْإِنْسَانِ ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : أَيْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ قَبْل أَنْ تُخْلَقُوا فَأَحْيَاكُمْ - أَيْ خَلَقَكُمْ - ثُمَّ يُمِيتكُمْ عِنْد اِنْقِضَاء آجَالكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الْمُرَاد بِالْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا مَحِيد لِلْكُفَّارِ عَنْهُ لِإِقْرَارِهِمْ بِهِمَا، وَإِذَا أَذْعَنَتْ نُفُوس الْكُفَّار لِكَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا مَعْدُومِينَ، ثُمَّ لِلْإِحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لِلْإِمَاتَةِ فِيهَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لُزُوم الْإِحْيَاء الْآخَر وَجَاءَ جَحْدهمْ لَهُ دَعْوَى لَا حُجَّة عَلَيْهَا.
قَالَ غَيْره : وَالْحَيَاة الَّتِي تَكُون فِي الْقَبْر عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي حُكْم حَيَاة الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : لَمْ يُعْتَدّ بِهَا كَمَا لَمْ يُعْتَدّ بِمَوْتِ مَنْ أَمَاتَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَحْيَاهُ فِي الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ظَهْر آدَم ثُمَّ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْره كَالذَّرِّ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ مَوْت الدُّنْيَا ثُمَّ يَبْعَثكُمْ.
وَقِيلَ : كُنْتُمْ أَمْوَاتًا - أَيْ نُطَفًا - فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام النِّسَاء، ثُمَّ نَقَلَكُمْ مِنْ الْأَرْحَام فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ بَعْده هَذِهِ الْحَيَاة، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ فِي الْقَبْر، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ حَيَاة النَّشْر إِلَى الْحَشْر، وَهِيَ الْحَيَاة الَّتِي لَيْسَ بَعْدهَا مَوْت.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل هِيَ ثَلَاث مَوْتَات، وَثَلَاث إِحْيَاءَات.
وَكَوْنهمْ مَوْتَى فِي ظَهْر آدَم، وَإِخْرَاجهمْ مِنْ ظَهْره وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ غَيْر كَوْنهمْ نُطَفًا فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَأَرْحَام النِّسَاء، فَعَلَى هَذَا تَجِيء أَرْبَع مَوْتَات وَأَرْبَع إِحْيَاءَات.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَدَهُمْ قَبْل خَلَقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَالْهَبَاءِ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ، فَيَكُون عَلَى هَذَا خَمْس مَوْتَات، وَخَمْس إِحْيَاءَات.
وَمَوْتَة سَادِسَة لِلْعُصَاةِ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلُوا النَّار، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِي هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاس أَصَابَتْهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ اللَّه إِمَاتَة حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِر ضَبَائِر فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَار الْجَنَّة ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَات الْحَبَّة تَكُون فِي حَمِيل السَّيْل ).
فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : كَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَرْعَى بِالْبَادِيَةِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
قُلْت : فَقَوْله ( فَأَمَاتَهُمْ اللَّه ) حَقِيقَة فِي الْمَوْت، لِأَنَّهُ أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ، وَذَلِكَ تَكْرِيمًا لَهُمْ.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ( أَمَاتَهُمْ ) عِبَارَة عَنْ تَغْيِيبهمْ عَنْ آلَامهَا بِالنَّوْمِ، وَلَا يَكُون ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ.
وَقَدْ أَجْمَعَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّك إِذَا أَكَّدْت الْفِعْل بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَقِيقَة، وَمِثْله :" وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا " [ النِّسَاء : ١٦٤ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالْخُمُولِ فَأَحْيَاكُمْ بِأَنْ ذُكِرْتُمْ وَشُرِّفْتُمْ بِهَذَا الدِّين وَالنَّبِيّ الَّذِي جَاءَكُمْ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ فَيَمُوت ذِكْركُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لِلْبَعْثِ.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ( أَمَاتَهُمْ ) عِبَارَة عَنْ تَغْيِيبهمْ عَنْ آلَامهَا بِالنَّوْمِ، وَلَا يَكُون ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ.
وَقَدْ أَجْمَعَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّك إِذَا أَكَّدْت الْفِعْل بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَقِيقَة، وَمِثْله :" وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا " [ النِّسَاء : ١٦٤ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالْخُمُولِ فَأَحْيَاكُمْ بِأَنْ ذُكِرْتُمْ وَشُرِّفْتُمْ بِهَذَا الدِّين وَالنَّبِيّ الَّذِي جَاءَكُمْ، ثُمَّ يُمِيتكُمْ فَيَمُوت ذِكْركُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لِلْبَعْثِ.
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
أَيْ إِلَى عَذَابه مَرْجِعكُمْ لِكُفْرِكُمْ.
وَقِيلَ : إِلَى الْحَيَاة وَإِلَى الْمَسْأَلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠٤ ] فَإِعَادَتهمْ كَابْتِدَائِهِمْ، فَهُوَ رُجُوع.
وَ " تُرْجَعُونَ " قِرَاءَة الْجَمَاعَة.
وَيَحْيَى بْن يَعْمُر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَسَلَّام بْن يَعْقُوب يَفْتَحُونَ حَرْف الْمُضَارَعَة وَيَكْسِرُونَ الْجِيم حَيْثُ وَقَعَتْ.
أَيْ إِلَى عَذَابه مَرْجِعكُمْ لِكُفْرِكُمْ.
وَقِيلَ : إِلَى الْحَيَاة وَإِلَى الْمَسْأَلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ " [ الْأَنْبِيَاء : ١٠٤ ] فَإِعَادَتهمْ كَابْتِدَائِهِمْ، فَهُوَ رُجُوع.
وَ " تُرْجَعُونَ " قِرَاءَة الْجَمَاعَة.
وَيَحْيَى بْن يَعْمُر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَسَلَّام بْن يَعْقُوب يَفْتَحُونَ حَرْف الْمُضَارَعَة وَيَكْسِرُونَ الْجِيم حَيْثُ وَقَعَتْ.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى :" خَلَقَ " مَعْنَاهُ اِخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ بَعْد الْعَدَم.
وَقَدْ يُقَال فِي الْإِنْسَان :" خَلَقَ " عِنْد إِنْشَائِهِ شَيْئًا، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان :" خَلَقَ لَكُمْ " أَيْ مِنْ أَجْلكُمْ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيع مَا فِي الْأَرْض مُنْعَم بِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ لَكُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ دَلِيل عَلَى التَّوْحِيد وَالِاعْتِبَار.
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا نُبَيِّنهُ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِهِ مَا هُمْ إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ مِنْ جَمِيع الْأَشْيَاء.
الثَّانِيَة : اِسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ أَصْل الْأَشْيَاء الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا الْإِبَاحَة بِهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا - كَقَوْلِهِ :" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ] الْآيَة - حَتَّى يَقُوم الدَّلِيل عَلَى الْحَظْر.
وَعَضَّدُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ الْمَآكِل الشَّهِيَّة خُلِقَتْ مَعَ إِمْكَان أَلَّا تُخْلَق فَلَمْ تُخْلَق عَبَثًا، فَلَا بُدّ لَهَا مِنْ مَنْفَعَة.
وَتِلْكَ الْمَنْفَعَة لَا يَصِحّ رُجُوعهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى لِاسْتِغْنَائِهِ بِذَاتِهِ، فَهِيَ رَاجِعَة إِلَيْنَا.
وَمَنْفَعَتنَا إِمَّا فِي نَيْل لَذَّتهَا، أَوْ فِي اِجْتِنَابهَا لِنُخْتَبَر بِذَلِكَ، أَوْ فِي اِعْتِبَارنَا بِهَا.
وَلَا يَحْصُل شَيْء مِنْ تِلْكَ الْأُمُور إِلَّا بِذَوْقِهَا، فَلَزِمَ أَنْ تَكُون مُبَاحَة.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّم لُزُوم الْعَبَث مِنْ خَلْقهَا إِلَّا لِمَنْفَعَةٍ، بَلْ خَلَقَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ أَصْل الْمَنْفَعَة، بَلْ هُوَ الْمُوجِب.
وَلَا نُسَلِّم حَصْر الْمَنْفَعَة فِيمَا ذَكَرُوهُ، وَلَا حُصُول بَعْض تِلْكَ الْمَنَافِع إِلَّا بِالذَّوْقِ، بَلْ قَدْ يُسْتَدَلّ عَلَى الطُّعُوم بِأُمُورٍ أُخَر كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الطَّبَائِعِيِّينَ.
ثُمَّ هُوَ مُعَارَض بِمَا يُخَاف أَنْ تَكُون سُمُومًا مُهْلِكَة، وَمُعَارِضُونَ بِشُبُهَاتِ أَصْحَاب الْحَظْر.
وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ وَقَالُوا : مَا مِنْ فِعْل لَا نُدْرِك مِنْهُ حُسْنًا وَلَا قُبْحًا إِلَّا وَيُمْكِن أَنْ يَكُون حَسَنًا فِي نَفْسه، وَلَا مُعَيَّن قَبْل وُرُود الشَّرْع، فَتَعَيَّنَ الْوَقْف إِلَى وُرُود الشَّرْع.
وَهَذِهِ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة لِلْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَأَصْحَابه وَأَكْثَر الْمَالِكِيَّة وَالصَّيْرَفِيّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة الْقَوْل بِالْوَقْفِ.
وَمَعْنَاهُ عِنْدهمْ أَنْ لَا حُكْم فِيهَا فِي تِلْكَ الْحَال، وَأَنَّ لِلشَّرْعِ إِذَا جَاءَ أَنْ يَحْكُم بِمَا شَاءَ، وَأَنَّ الْعَقْل لَا يَحْكُم بِوُجُوبٍ وَلَا غَيْره وَإِنَّمَا حَظُّهُ تَعَرُّفُ الْأُمُور عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَكَى اِبْن فَوْرك عَنْ اِبْن الصَّائِغ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَخْلُ الْعَقْل قَطُّ مِنْ السَّمْع، وَلَا نَازِلَة إِلَّا وَفِيهَا سَمْع، أَوْ لَهَا تَعَلُّق بِهِ، أَوْ لَهَا حَال تُسْتَصْحَب.
قَالَ : فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَد عَلَى هَذَا، وَيُغْنِي عَنْ النَّظَر فِي حَظْر وَإِبَاحَة وَوَقْف.
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى :" خَلَقَ " مَعْنَاهُ اِخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ بَعْد الْعَدَم.
وَقَدْ يُقَال فِي الْإِنْسَان :" خَلَقَ " عِنْد إِنْشَائِهِ شَيْئًا، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| مَنْ كَانَ يَخْلُق مَا يَقُو | ل فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَهْ |
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان :" خَلَقَ لَكُمْ " أَيْ مِنْ أَجْلكُمْ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيع مَا فِي الْأَرْض مُنْعَم بِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ لَكُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ دَلِيل عَلَى التَّوْحِيد وَالِاعْتِبَار.
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا نُبَيِّنهُ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِهِ مَا هُمْ إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ مِنْ جَمِيع الْأَشْيَاء.
الثَّانِيَة : اِسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ أَصْل الْأَشْيَاء الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا الْإِبَاحَة بِهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا - كَقَوْلِهِ :" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ] الْآيَة - حَتَّى يَقُوم الدَّلِيل عَلَى الْحَظْر.
وَعَضَّدُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ الْمَآكِل الشَّهِيَّة خُلِقَتْ مَعَ إِمْكَان أَلَّا تُخْلَق فَلَمْ تُخْلَق عَبَثًا، فَلَا بُدّ لَهَا مِنْ مَنْفَعَة.
وَتِلْكَ الْمَنْفَعَة لَا يَصِحّ رُجُوعهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى لِاسْتِغْنَائِهِ بِذَاتِهِ، فَهِيَ رَاجِعَة إِلَيْنَا.
وَمَنْفَعَتنَا إِمَّا فِي نَيْل لَذَّتهَا، أَوْ فِي اِجْتِنَابهَا لِنُخْتَبَر بِذَلِكَ، أَوْ فِي اِعْتِبَارنَا بِهَا.
وَلَا يَحْصُل شَيْء مِنْ تِلْكَ الْأُمُور إِلَّا بِذَوْقِهَا، فَلَزِمَ أَنْ تَكُون مُبَاحَة.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّا لَا نُسَلِّم لُزُوم الْعَبَث مِنْ خَلْقهَا إِلَّا لِمَنْفَعَةٍ، بَلْ خَلَقَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ أَصْل الْمَنْفَعَة، بَلْ هُوَ الْمُوجِب.
وَلَا نُسَلِّم حَصْر الْمَنْفَعَة فِيمَا ذَكَرُوهُ، وَلَا حُصُول بَعْض تِلْكَ الْمَنَافِع إِلَّا بِالذَّوْقِ، بَلْ قَدْ يُسْتَدَلّ عَلَى الطُّعُوم بِأُمُورٍ أُخَر كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الطَّبَائِعِيِّينَ.
ثُمَّ هُوَ مُعَارَض بِمَا يُخَاف أَنْ تَكُون سُمُومًا مُهْلِكَة، وَمُعَارِضُونَ بِشُبُهَاتِ أَصْحَاب الْحَظْر.
وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ وَقَالُوا : مَا مِنْ فِعْل لَا نُدْرِك مِنْهُ حُسْنًا وَلَا قُبْحًا إِلَّا وَيُمْكِن أَنْ يَكُون حَسَنًا فِي نَفْسه، وَلَا مُعَيَّن قَبْل وُرُود الشَّرْع، فَتَعَيَّنَ الْوَقْف إِلَى وُرُود الشَّرْع.
وَهَذِهِ الْأَقَاوِيل الثَّلَاثَة لِلْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَأَصْحَابه وَأَكْثَر الْمَالِكِيَّة وَالصَّيْرَفِيّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة الْقَوْل بِالْوَقْفِ.
وَمَعْنَاهُ عِنْدهمْ أَنْ لَا حُكْم فِيهَا فِي تِلْكَ الْحَال، وَأَنَّ لِلشَّرْعِ إِذَا جَاءَ أَنْ يَحْكُم بِمَا شَاءَ، وَأَنَّ الْعَقْل لَا يَحْكُم بِوُجُوبٍ وَلَا غَيْره وَإِنَّمَا حَظُّهُ تَعَرُّفُ الْأُمُور عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحَكَى اِبْن فَوْرك عَنْ اِبْن الصَّائِغ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَخْلُ الْعَقْل قَطُّ مِنْ السَّمْع، وَلَا نَازِلَة إِلَّا وَفِيهَا سَمْع، أَوْ لَهَا تَعَلُّق بِهِ، أَوْ لَهَا حَال تُسْتَصْحَب.
قَالَ : فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَد عَلَى هَذَا، وَيُغْنِي عَنْ النَّظَر فِي حَظْر وَإِبَاحَة وَوَقْف.
الثَّالِثَة : الصَّحِيح فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض " الِاعْتِبَار.
يَدُلّ عَلَيْهِ مَا قَبْله وَمَا بَعْده مِنْ نَصْب الْعِبَر : الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالْخَلْق وَالِاسْتِوَاء إِلَى السَّمَاء وَتَسْوِيَتهَا، أَيْ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ وَخَلْقكُمْ وَخَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض، لَا تَبْعُد مِنْهُ الْقُدْرَة عَلَى الْإِعَادَة.
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى " لَكُمْ " الِانْتِفَاع، أَيْ لِتَنْتَفِعُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، قُلْنَا الْمُرَاد بِالِانْتِفَاعِ الِاعْتِبَار لِمَا ذَكَرْنَا.
فَإِنْ قِيلَ : وَأَيّ اِعْتِبَار فِي الْعَقَارِب وَالْحَيَّات، قُلْنَا : قَدْ يَتَذَكَّر الْإِنْسَان بِبَعْضِ مَا يَرَى مِنْ الْمُؤْذِيَات مَا أَعَدَّ اللَّه لِلْكُفَّارِ فِي النَّار مِنْ الْعُقُوبَات فَيَكُون سَبَبًا لِلْإِيمَانِ وَتَرْك الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ أَعْظَم الِاعْتِبَار.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَيْسَ فِي الْإِخْبَار بِهَذِهِ الْقُدْرَة عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَة مَا يَقْتَضِي حَظْرًا وَلَا إِبَاحَة وَلَا وَقْفًا، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْر هَذِهِ الْآيَة فِي مَعْرِض الدَّلَالَة وَالتَّنْبِيه لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيّته.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي فِي قَوْله :" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا " لِتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى طَاعَته، لَا لِتَصْرِفُوهُ فِي وُجُوه مَعْصِيَته.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان : وَهَبَ لَك الْكُلّ وَسَخَّرَهُ لَك لِتَسْتَدِلّ بِهِ عَلَى سَعَة جُوده، وَتَسْكُن إِلَى مَا ضَمِنَ لَك مِنْ جَزِيل عَطَائِهِ فِي الْمَعَاد، وَلَا تَسْتَكْثِر كَثِير بِرّه عَلَى قَلِيل عَمَلك، فَقَدْ اِبْتَدَأَك بِعَظِيمِ النِّعَم قَبْل الْعَمَل وَهُوَ التَّوْحِيد.
الرَّابِعَة : رَوَى زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيه، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا عِنْدِي شَيْء وَلَكِنْ اِبْتَعْ عَلَيَّ فَإِذَا جَاءَ شَيْء قَضَيْنَا ) فَقَالَ لَهُ عُمَر : هَذَا أَعْطَيْت إِذَا كَانَ عِنْدك فَمَا كَلَّفَك اللَّه مَا لَا تَقْدِر.
فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل عُمَر، فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : يَا رَسُول اللَّه :
أَنْفِقْ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْش إِقْلَالَا
فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ السُّرُور فِي وَجْهه لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيّ.
ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( بِذَلِكَ أُمِرْت ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : فَخَوْف الْإِقْلَال مِنْ سُوء الظَّنّ بِاَللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْض بِمَا فِيهَا لِوَلَدِ آدَم، وَقَالَ فِي تَنْزِيله :" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا " " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ].
يَدُلّ عَلَيْهِ مَا قَبْله وَمَا بَعْده مِنْ نَصْب الْعِبَر : الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالْخَلْق وَالِاسْتِوَاء إِلَى السَّمَاء وَتَسْوِيَتهَا، أَيْ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ وَخَلْقكُمْ وَخَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض، لَا تَبْعُد مِنْهُ الْقُدْرَة عَلَى الْإِعَادَة.
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى " لَكُمْ " الِانْتِفَاع، أَيْ لِتَنْتَفِعُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، قُلْنَا الْمُرَاد بِالِانْتِفَاعِ الِاعْتِبَار لِمَا ذَكَرْنَا.
فَإِنْ قِيلَ : وَأَيّ اِعْتِبَار فِي الْعَقَارِب وَالْحَيَّات، قُلْنَا : قَدْ يَتَذَكَّر الْإِنْسَان بِبَعْضِ مَا يَرَى مِنْ الْمُؤْذِيَات مَا أَعَدَّ اللَّه لِلْكُفَّارِ فِي النَّار مِنْ الْعُقُوبَات فَيَكُون سَبَبًا لِلْإِيمَانِ وَتَرْك الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ أَعْظَم الِاعْتِبَار.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَيْسَ فِي الْإِخْبَار بِهَذِهِ الْقُدْرَة عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَة مَا يَقْتَضِي حَظْرًا وَلَا إِبَاحَة وَلَا وَقْفًا، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْر هَذِهِ الْآيَة فِي مَعْرِض الدَّلَالَة وَالتَّنْبِيه لِيُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيّته.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي فِي قَوْله :" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا " لِتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى طَاعَته، لَا لِتَصْرِفُوهُ فِي وُجُوه مَعْصِيَته.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان : وَهَبَ لَك الْكُلّ وَسَخَّرَهُ لَك لِتَسْتَدِلّ بِهِ عَلَى سَعَة جُوده، وَتَسْكُن إِلَى مَا ضَمِنَ لَك مِنْ جَزِيل عَطَائِهِ فِي الْمَعَاد، وَلَا تَسْتَكْثِر كَثِير بِرّه عَلَى قَلِيل عَمَلك، فَقَدْ اِبْتَدَأَك بِعَظِيمِ النِّعَم قَبْل الْعَمَل وَهُوَ التَّوْحِيد.
الرَّابِعَة : رَوَى زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيه، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا عِنْدِي شَيْء وَلَكِنْ اِبْتَعْ عَلَيَّ فَإِذَا جَاءَ شَيْء قَضَيْنَا ) فَقَالَ لَهُ عُمَر : هَذَا أَعْطَيْت إِذَا كَانَ عِنْدك فَمَا كَلَّفَك اللَّه مَا لَا تَقْدِر.
فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل عُمَر، فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : يَا رَسُول اللَّه :
أَنْفِقْ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْش إِقْلَالَا
فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ السُّرُور فِي وَجْهه لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيّ.
ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( بِذَلِكَ أُمِرْت ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : فَخَوْف الْإِقْلَال مِنْ سُوء الظَّنّ بِاَللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْض بِمَا فِيهَا لِوَلَدِ آدَم، وَقَالَ فِي تَنْزِيله :" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا " " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ].
فَهَذِهِ الْأَشْيَاء كُلّهَا مُسَخَّرَة لِلْآدَمِيِّ قَطْعًا لِعُذْرِهِ وَحُجَّة عَلَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ عَبْدًا كَمَا خَلَقَهُ عَبْدًا، فَإِذَا كَانَ الْعَبْد حَسَن الظَّنّ بِاَللَّهِ لَمْ يَخَفْ الْإِقْلَال لِأَنَّهُ يُخْلِف عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ " [ سَبَأ : ٣٩ ] وَقَالَ :" فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّ كَرِيم " [ النَّمْل : ٤٠ ]، وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَ اللَّه تَعَالَى : سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي يَا بْن آدَم أَنْفِقْ أُنْفِق عَلَيْك يَمِين اللَّه مَلْأَى سَحًّا لَا يَغِيضهَا شَيْء اللَّيْل وَالنَّهَار ).
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُول الْآخَر اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ).
وَكَذَا فِي الْمَسَاء عِنْد الْغُرُوب يُنَادِيَانِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلّه صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
فَمَنْ اِسْتَنَارَ صَدْره، وَعَلِمَ غِنَى رَبّه وَكَرَمه أَنْفَقَ وَلَمْ يَخَفْ الْإِقْلَال، وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَتْ شَهَوَاته عَنْ الدُّنْيَا وَاجْتَزَأَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْقُوت الْمُقِيم لِمُهْجَتِهِ، وَانْقَطَعَتْ مَشِيئَته لِنَفْسِهِ، فَهَذَا يُعْطِي مِنْ يُسْره وَعُسْره وَلَا يَخَاف إِقْلَالًا.
وَإِنَّمَا يَخَاف الْإِقْلَال مَنْ لَهُ مَشِيئَة فِي الْأَشْيَاء، فَإِذَا أَعْطَى الْيَوْم وَلَهُ غَدًا مَشِيئَة فِي شَيْء خَافَ أَلَّا يُصِيب غَدًا، فَيَضِيق عَلَيْهِ الْأَمْر فِي نَفَقَة الْيَوْم لِمَخَافَةِ إِقْلَاله.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر قَالَتْ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِنْفَحِي أَوْ اِنْضَحِي أَوْ أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّه عَلَيْك وَلَا تُوعِي فَيُوعِي عَلَيْك ).
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ سَائِل مَرَّة وَعِنْدِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرْت لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ دَعَوْت بِهِ فَنَظَرْت إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَا تُرِيدِينَ أَلَّا يَدْخُل بَيْتك شَيْء وَلَا يَخْرُج إِلَّا بِعِلْمِك ) قُلْت : نَعَمْ، قَالَ :( مَهْلًا يَا عَائِشَة لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك ).
الْخَامِسَة : قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ اِسْتَوَى " " ثُمَّ " لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَار لَا لِتَرْتِيبِ الْأَمْر فِي نَفْسه.
وَالِاسْتِوَاء فِي اللُّغَة : الِارْتِفَاع وَالْعُلُوّ عَلَى الشَّيْء، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا اِسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٢٨ ]، وَقَالَ " لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره " [ الزُّخْرُف : ١٣ ]، وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيْ اِرْتَفَعَ وَعَلَا، وَاسْتَوَتْ الشَّمْس عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَتْ الطَّيْر عَلَى قِمَّة رَأْسِي، بِمَعْنَى عَلَا.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُول الْآخَر اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ).
وَكَذَا فِي الْمَسَاء عِنْد الْغُرُوب يُنَادِيَانِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلّه صَحِيح رَوَاهُ الْأَئِمَّة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
فَمَنْ اِسْتَنَارَ صَدْره، وَعَلِمَ غِنَى رَبّه وَكَرَمه أَنْفَقَ وَلَمْ يَخَفْ الْإِقْلَال، وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَتْ شَهَوَاته عَنْ الدُّنْيَا وَاجْتَزَأَ بِالْيَسِيرِ مِنْ الْقُوت الْمُقِيم لِمُهْجَتِهِ، وَانْقَطَعَتْ مَشِيئَته لِنَفْسِهِ، فَهَذَا يُعْطِي مِنْ يُسْره وَعُسْره وَلَا يَخَاف إِقْلَالًا.
وَإِنَّمَا يَخَاف الْإِقْلَال مَنْ لَهُ مَشِيئَة فِي الْأَشْيَاء، فَإِذَا أَعْطَى الْيَوْم وَلَهُ غَدًا مَشِيئَة فِي شَيْء خَافَ أَلَّا يُصِيب غَدًا، فَيَضِيق عَلَيْهِ الْأَمْر فِي نَفَقَة الْيَوْم لِمَخَافَةِ إِقْلَاله.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر قَالَتْ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِنْفَحِي أَوْ اِنْضَحِي أَوْ أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّه عَلَيْك وَلَا تُوعِي فَيُوعِي عَلَيْك ).
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ سَائِل مَرَّة وَعِنْدِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرْت لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ دَعَوْت بِهِ فَنَظَرْت إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَا تُرِيدِينَ أَلَّا يَدْخُل بَيْتك شَيْء وَلَا يَخْرُج إِلَّا بِعِلْمِك ) قُلْت : نَعَمْ، قَالَ :( مَهْلًا يَا عَائِشَة لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك ).
الْخَامِسَة : قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ اِسْتَوَى " " ثُمَّ " لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَار لَا لِتَرْتِيبِ الْأَمْر فِي نَفْسه.
وَالِاسْتِوَاء فِي اللُّغَة : الِارْتِفَاع وَالْعُلُوّ عَلَى الشَّيْء، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا اِسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٢٨ ]، وَقَالَ " لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره " [ الزُّخْرُف : ١٣ ]، وَقَالَ الشَّاعِر :
| فَأَوْرَدْتهمْ مَاء بِفَيْفَاء قَفْرَة | وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْم الْيَمَانِيّ فَاسْتَوَى |
وَهَذِهِ الْآيَة مِنْ الْمُشْكِلَات، وَالنَّاس فِيهَا وَفِيمَا شَاكَلَهَا عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه قَالَ بَعْضهمْ : نَقْرَؤُهَا وَنُؤْمِن بِهَا وَلَا نُفَسِّرهَا، وَذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ الْأَئِمَّة، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى :" الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى " [ طَه : ٥ ] قَالَ مَالِك : الِاسْتِوَاء غَيْر مَجْهُول، وَالْكَيْف غَيْر مَعْقُول، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنْهُ بِدْعَة، وَأَرَاك رَجُل سُوء أَخْرِجُوهُ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : نَقْرَؤُهَا وَنُفَسِّرهَا عَلَى مَا يَحْتَمِلهُ ظَاهِر اللُّغَة.
وَهَذَا قَوْل الْمُشَبِّهَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : نَقْرَؤُهَا وَنَتَأَوَّلهَا وَنُحِيل حَمْلهَا عَلَى ظَاهِرهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : نَقْرَؤُهَا وَنُفَسِّرهَا عَلَى مَا يَحْتَمِلهُ ظَاهِر اللُّغَة.
وَهَذَا قَوْل الْمُشَبِّهَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : نَقْرَؤُهَا وَنَتَأَوَّلهَا وَنُحِيل حَمْلهَا عَلَى ظَاهِرهَا.
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
الْأُولَى : وَقَالَ الْفَرَّاء فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ " قَالَ : الِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدهمَا : أَنْ يَسْتَوِي الرَّجُل وَيَنْتَهِي شَبَابه وَقُوَّته، أَوْ يَسْتَوِي عَنْ اِعْوِجَاج.
فَهَذَانِ وَجْهَانِ.
وَوَجْه ثَالِث أَنْ تَقُول : كَانَ فُلَان مُقْبِلًا عَلَى فُلَان ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمنِي.
عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ.
فَهَذَا مَعْنَى قَوْله :" ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء صَعِدَ.
وَهَذَا كَقَوْلِك : كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلّ ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب جَائِز.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : قَوْله :" اِسْتَوَى " بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيح، لِأَنَّ الْإِقْبَال هُوَ الْقَصْد إِلَى خَلْق السَّمَاء، وَالْقَصْد هُوَ الْإِرَادَة، وَذَلِكَ جَائِز فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى.
وَلَفْظَة " ثُمَّ " تَتَعَلَّق بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ.
وَأَمَّا مَا حَكَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِير الْكَلْبِيّ، وَالْكَلْبِيّ ضَعِيف.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن كَيْسَان فِي قَوْله " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " : قَصَدَ إِلَيْهَا، أَيْ بِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعه، فَهَذَا قَوْل.
وَقِيلَ : عَلَى دُون تَكْيِيف وَلَا تَحْدِيد، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَيُذْكَر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ يُقَال : اِسْتَوَى بِمَعْنَى أَنَّهُ اِرْتَفَعَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَمُرَاده مِنْ ذَلِكَ - وَاَللَّه أَعْلَم - اِرْتِفَاع أَمْره، وَهُوَ بُخَار الْمَاء الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ خَلْق السَّمَاء.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُسْتَوِي الدُّخَان.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا يَأْبَاهُ وَصْف الْكَلَام.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِسْتَوْلَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيء فِي قَوْله تَعَالَى :" الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى " [ طَه : ٥ ].
قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْل الْفَرَّاء عَلَيَّ وَإِلَيَّ بِمَعْنًى.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْقَاعِدَة فِي هَذِهِ الْآيَة وَنَحْوهَا مَنْع الْحَرَكَة وَالنَّقْلَة.
الثَّانِيَة : يَظْهَر مِنْ هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ سُبْحَانه خَلَقَ الْأَرْض قَبْل السَّمَاء، وَكَذَلِكَ فِي " حم السَّجْدَة ".
وَقَالَ فِي النَّازِعَات :" أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا " [ النَّازِعَات : ٢٧ ] فَوَصَفَ خَلْقهَا، ثُمَّ قَالَ :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ].
فَكَأَنَّ السَّمَاء عَلَى هَذَا خُلِقَتْ قَبْل الْأَرْض، وَقَالَ تَعَالَى " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض " [ الْأَنْعَام : ١ ] وَهَذَا قَوْل قَتَادَة : إِنَّ السَّمَاء خُلِقَتْ أَوَّلًا، حَكَاهُ عَنْهُ الطَّبَرِيّ.
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
الْأُولَى : وَقَالَ الْفَرَّاء فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ " قَالَ : الِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدهمَا : أَنْ يَسْتَوِي الرَّجُل وَيَنْتَهِي شَبَابه وَقُوَّته، أَوْ يَسْتَوِي عَنْ اِعْوِجَاج.
فَهَذَانِ وَجْهَانِ.
وَوَجْه ثَالِث أَنْ تَقُول : كَانَ فُلَان مُقْبِلًا عَلَى فُلَان ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمنِي.
عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ.
فَهَذَا مَعْنَى قَوْله :" ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء صَعِدَ.
وَهَذَا كَقَوْلِك : كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلّ ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب جَائِز.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : قَوْله :" اِسْتَوَى " بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيح، لِأَنَّ الْإِقْبَال هُوَ الْقَصْد إِلَى خَلْق السَّمَاء، وَالْقَصْد هُوَ الْإِرَادَة، وَذَلِكَ جَائِز فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى.
وَلَفْظَة " ثُمَّ " تَتَعَلَّق بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ.
وَأَمَّا مَا حَكَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِير الْكَلْبِيّ، وَالْكَلْبِيّ ضَعِيف.
وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن كَيْسَان فِي قَوْله " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " : قَصَدَ إِلَيْهَا، أَيْ بِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعه، فَهَذَا قَوْل.
وَقِيلَ : عَلَى دُون تَكْيِيف وَلَا تَحْدِيد، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَيُذْكَر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ يُقَال : اِسْتَوَى بِمَعْنَى أَنَّهُ اِرْتَفَعَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَمُرَاده مِنْ ذَلِكَ - وَاَللَّه أَعْلَم - اِرْتِفَاع أَمْره، وَهُوَ بُخَار الْمَاء الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ خَلْق السَّمَاء.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمُسْتَوِي الدُّخَان.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا يَأْبَاهُ وَصْف الْكَلَام.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِسْتَوْلَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| قَدْ اِسْتَوَى بِشْر عَلَى الْعِرَاق | مِنْ غَيْر سَيْف وَدَم مُهْرَاق |
قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْل الْفَرَّاء عَلَيَّ وَإِلَيَّ بِمَعْنًى.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْقَاعِدَة فِي هَذِهِ الْآيَة وَنَحْوهَا مَنْع الْحَرَكَة وَالنَّقْلَة.
الثَّانِيَة : يَظْهَر مِنْ هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ سُبْحَانه خَلَقَ الْأَرْض قَبْل السَّمَاء، وَكَذَلِكَ فِي " حم السَّجْدَة ".
وَقَالَ فِي النَّازِعَات :" أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا " [ النَّازِعَات : ٢٧ ] فَوَصَفَ خَلْقهَا، ثُمَّ قَالَ :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ].
فَكَأَنَّ السَّمَاء عَلَى هَذَا خُلِقَتْ قَبْل الْأَرْض، وَقَالَ تَعَالَى " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض " [ الْأَنْعَام : ١ ] وَهَذَا قَوْل قَتَادَة : إِنَّ السَّمَاء خُلِقَتْ أَوَّلًا، حَكَاهُ عَنْهُ الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُ تَعَالَى أَيْبَسَ الْمَاء الَّذِي كَانَ عَرْشه عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَثَارَ مِنْهُ دُخَان فَارْتَفَعَ، فَجَعَلَهُ سَمَاء فَصَارَ خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء، ثُمَّ قَصَدَ أَمْره إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات، ثُمَّ دَحَا الْأَرْض بَعْد ذَلِكَ، وَكَانَتْ إِذْ خَلَقَهَا غَيْر مَدْحُوَّة.
قُلْت : وَقَوْل قَتَادَة يَخْرُج عَلَى وَجْه صَحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ أَوَّلًا دُخَان السَّمَاء ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْض، ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان فَسَوَّاهَا، ثُمَّ دَحَا الْأَرْض بَعْد ذَلِكَ.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الدُّخَان خُلِقَ أَوَّلًا قَبْل الْأَرْض مَا رَوَاهُ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك، وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " [ الْبَقَرَة : ٢٩ ] قَالَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء وَلَمْ يَخْلُق شَيْئًا قَبْل الْمَاء، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُق الْخَلْق أَخْرَجَ مِنْ الْمَاء دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْق الْمَاء، فَسَمَا عَلَيْهِ، فَسَمَّاهُ سَمَاء، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاء فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَة، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْأَحَد وَالْاثْنَيْنِ.
فَجَعَلَ الْأَرْض عَلَى حُوت - وَالْحُوت هُوَ النُّون الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآن بِقَوْلِهِ :" ن وَالْقَلَم " [ الْقَلَم : ١ ] وَالْحُوت فِي الْمَاء وَ [ الْمَاء ] عَلَى صَفَاة، وَالصَّفَاة عَلَى ظَهْر مَلَك، وَالْمَلَك عَلَى الصَّخْرَة، وَالصَّخْرَة فِي الرِّيح - وَهِيَ الصَّخْرَة الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَان : لَيْسَتْ فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض - فَتَحَرَّكَ الْحُوت فَاضْطَرَبَ، فَتَزَلْزَلَتْ الْأَرْض، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا الْجِبَال فَقَرَّتْ، فَالْجِبَال تَفْخَر عَلَى الْأَرْض، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِي أَنْ تَمِيد بِكُمْ " [ النَّحْل : ١٥ ] وَخَلَقَ الْجِبَال فِيهَا، وَأَقْوَات أَهْلهَا وَشَجَرهَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء، وَذَلِكَ حِين يَقُول :" قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ.
قُلْت : وَقَوْل قَتَادَة يَخْرُج عَلَى وَجْه صَحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ أَوَّلًا دُخَان السَّمَاء ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْض، ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان فَسَوَّاهَا، ثُمَّ دَحَا الْأَرْض بَعْد ذَلِكَ.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الدُّخَان خُلِقَ أَوَّلًا قَبْل الْأَرْض مَا رَوَاهُ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك، وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " [ الْبَقَرَة : ٢٩ ] قَالَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء وَلَمْ يَخْلُق شَيْئًا قَبْل الْمَاء، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُق الْخَلْق أَخْرَجَ مِنْ الْمَاء دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْق الْمَاء، فَسَمَا عَلَيْهِ، فَسَمَّاهُ سَمَاء، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاء فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَة، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْأَحَد وَالْاثْنَيْنِ.
فَجَعَلَ الْأَرْض عَلَى حُوت - وَالْحُوت هُوَ النُّون الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآن بِقَوْلِهِ :" ن وَالْقَلَم " [ الْقَلَم : ١ ] وَالْحُوت فِي الْمَاء وَ [ الْمَاء ] عَلَى صَفَاة، وَالصَّفَاة عَلَى ظَهْر مَلَك، وَالْمَلَك عَلَى الصَّخْرَة، وَالصَّخْرَة فِي الرِّيح - وَهِيَ الصَّخْرَة الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَان : لَيْسَتْ فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض - فَتَحَرَّكَ الْحُوت فَاضْطَرَبَ، فَتَزَلْزَلَتْ الْأَرْض، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا الْجِبَال فَقَرَّتْ، فَالْجِبَال تَفْخَر عَلَى الْأَرْض، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِي أَنْ تَمِيد بِكُمْ " [ النَّحْل : ١٥ ] وَخَلَقَ الْجِبَال فِيهَا، وَأَقْوَات أَهْلهَا وَشَجَرهَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء، وَذَلِكَ حِين يَقُول :" قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي مِنْ فَوْقهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ " [ فُصِّلَتْ : ٩، ١٠ ] يَقُول : مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْر، " ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان " وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَان مِنْ تَنَفُّس الْمَاء حِين تَنَفَّسَ، فَجَعَلَهَا سَمَاء وَاحِدَة، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْجُمُعَة ; لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض، " وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا " [ فُصِّلَتْ : ١٢ ] قَالَ : خَلَقَ فِي كُلّ سَمَاء خَلْقهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَلْق الَّذِي فِيهَا مِنْ الْبِحَار وَجِبَال الْبَرَد وَمَا لَا يُعْلَم، ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاء الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ، فَجَعَلَهَا زِينَة وَحِفْظًا تُحْفَظ مِنْ الشَّيَاطِين.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق مَا أَحَبَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش، قَالَ فَذَلِكَ حِين يَقُول :" خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام " [ الْحَدِيد : ٤ ] وَيَقُول :" كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٠ ] وَذَكَرَ الْقِصَّة فِي خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَرَوَى وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي ظَبْيَان عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :( إِنَّ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْء " الْقَلَم " فَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ.
فَقَالَ : يَا رَبّ وَمَا أَكْتُب ؟ قَالَ : اُكْتُبْ الْقَدَر.
فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم إِلَى قِيَام السَّاعَة.
قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ النُّون فَدَحَا الْأَرْض عَلَيْهَا، فَارْتَفَعَ بُخَار الْمَاء فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَوَات، وَاضْطَرَبَ النُّون فَمَادَتْ الْأَرْض فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَال تَفْخَر عَلَى الْأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
) فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة خَلَقَ الْأَرْض قَبْل اِرْتِفَاع بُخَار الْمَاء الَّذِي هُوَ الدُّخَان، خِلَاف الرِّوَايَة الْأُولَى.
وَالرِّوَايَة الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْره أَوْلَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ] وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا فَعَلَ، فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَقَاوِيل، وَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَل.
وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم عَنْ كَعْب الْأَحْبَار أَنَّ إِبْلِيس تَغَلْغَلَ إِلَى الْحُوت الَّذِي عَلَى ظَهْره الْأَرْض كُلّهَا، فَأَلْقَى فِي قَلْبه، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرك يَا لوثيا مِنْ الْأُمَم وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَالنَّاس وَالْجِبَال لَوْ نَفَضْتهمْ أَلْقَيْتهمْ عَنْ ظَهْرك أَجْمَع.
قَالَ : فَهَمَّ لوثيا بِفِعْلِ ذَلِكَ، فَبَعَثَ اللَّه دَابَّة فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَره، فَعَجَّ إِلَى اللَّه فَخَرَجَتْ.
قَالَ كَعْب : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيَنْظُر إِلَيْهَا بَيْن يَدَيْهِ وَتَنْظُر إِلَيْهِ إِنْ هَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَادَتْ حَيْثُ كَانَتْ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق مَا أَحَبَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش، قَالَ فَذَلِكَ حِين يَقُول :" خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام " [ الْحَدِيد : ٤ ] وَيَقُول :" كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٠ ] وَذَكَرَ الْقِصَّة فِي خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَرَوَى وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي ظَبْيَان عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :( إِنَّ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْء " الْقَلَم " فَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ.
فَقَالَ : يَا رَبّ وَمَا أَكْتُب ؟ قَالَ : اُكْتُبْ الْقَدَر.
فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم إِلَى قِيَام السَّاعَة.
قَالَ : ثُمَّ خَلَقَ النُّون فَدَحَا الْأَرْض عَلَيْهَا، فَارْتَفَعَ بُخَار الْمَاء فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَوَات، وَاضْطَرَبَ النُّون فَمَادَتْ الْأَرْض فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَال تَفْخَر عَلَى الْأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
) فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة خَلَقَ الْأَرْض قَبْل اِرْتِفَاع بُخَار الْمَاء الَّذِي هُوَ الدُّخَان، خِلَاف الرِّوَايَة الْأُولَى.
وَالرِّوَايَة الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْره أَوْلَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " [ النَّازِعَات : ٣٠ ] وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا فَعَلَ، فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَقَاوِيل، وَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَل.
وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم عَنْ كَعْب الْأَحْبَار أَنَّ إِبْلِيس تَغَلْغَلَ إِلَى الْحُوت الَّذِي عَلَى ظَهْره الْأَرْض كُلّهَا، فَأَلْقَى فِي قَلْبه، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرك يَا لوثيا مِنْ الْأُمَم وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَالنَّاس وَالْجِبَال لَوْ نَفَضْتهمْ أَلْقَيْتهمْ عَنْ ظَهْرك أَجْمَع.
قَالَ : فَهَمَّ لوثيا بِفِعْلِ ذَلِكَ، فَبَعَثَ اللَّه دَابَّة فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَره، فَعَجَّ إِلَى اللَّه فَخَرَجَتْ.
قَالَ كَعْب : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيَنْظُر إِلَيْهَا بَيْن يَدَيْهِ وَتَنْظُر إِلَيْهِ إِنْ هَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَادَتْ حَيْثُ كَانَتْ.
الثَّالِثَة : أَصْل خَلْق الْأَشْيَاء كُلّهَا مِنْ الْمَاء لِمَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه، وَأَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيح مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه، إِذَا رَأَيْتُك طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي، أَنْبِئْنِي عَنْ كُلّ شَيْء.
قَالَ :( كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء ) فَقُلْت : أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْء إِذَا عَمِلْت بِهِ دَخَلْت الْجَنَّة.
قَالَ :( أَطْعِمْ الطَّعَام وَأَفْشِ السَّلَام وَصِلْ الْأَرْحَام وَقُمْ اللَّيْل وَالنَّاس نِيَام تَدْخُل الْجَنَّة بِسَلَامٍ ).
قَالَ أَبُو حَاتِم قَوْل أَبِي هُرَيْرَة :" أَنْبِئْنِي عَنْ كُلّ شَيْء " أَرَادَ بِهِ عَنْ كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء.
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا جَوَاب الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاهُ حَيْثُ قَالَ :( كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا.
وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ أَوَّل شَيْء خَلَقَهُ اللَّه الْقَلَم وَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلّ شَيْء يَكُون ) وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت مَرْفُوعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَوَّل شَيْء خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْمَاء وَالرِّيح وَالْعَرْش " الْقَلَم ".
وَذَلِكَ بَيِّن فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق بْن عُمَر بْن حَبِيب الْمَكِّيّ عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج عَنْ طَاوُس قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص فَسَأَلَهُ : مِمَّ خُلِقَ الْخَلْق ؟ قَالَ : مِنْ الْمَاء وَالنُّور وَالظُّلْمَة وَالرِّيح وَالتُّرَاب.
قَالَ الرَّجُل : فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي.
قَالَ : ثُمَّ أَتَى الرَّجُل عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْل قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
قَالَ : فَأَتَى الرَّجُل عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ، فَقَالَ : مِمَّ خُلِقَ الْخَلْق ؟ قَالَ : مِنْ الْمَاء وَالنُّور وَالظُّلْمَة وَالرِّيح وَالتُّرَاب.
قَالَ الرَّجُل : فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ ؟ فَتَلَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس :" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ] فَقَالَ الرَّجُل : مَا كَانَ لِيَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا رَجُل مِنْ أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : أَرَادَ أَنَّ مَصْدَر الْجَمِيع مِنْهُ، أَيْ مِنْ خَلْقه وَإِبْدَاعه وَاخْتِرَاعه.
خَلَقَ الْمَاء أَوَّلًا، أَوْ الْمَاء وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقه لَا عَنْ أَصْل وَلَا عَلَى مِثَال سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْد، فَهُوَ الْمُبْدِع، وَهُوَ الْبَارِئ لَا إِلَه غَيْره وَلَا خَالِق سِوَاهُ، سُبْحَانه جَلَّ وَعَزَّ.
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ السَّمَوَات سَبْع.
قَالَ :( كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء ) فَقُلْت : أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْء إِذَا عَمِلْت بِهِ دَخَلْت الْجَنَّة.
قَالَ :( أَطْعِمْ الطَّعَام وَأَفْشِ السَّلَام وَصِلْ الْأَرْحَام وَقُمْ اللَّيْل وَالنَّاس نِيَام تَدْخُل الْجَنَّة بِسَلَامٍ ).
قَالَ أَبُو حَاتِم قَوْل أَبِي هُرَيْرَة :" أَنْبِئْنِي عَنْ كُلّ شَيْء " أَرَادَ بِهِ عَنْ كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء.
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا جَوَاب الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاهُ حَيْثُ قَالَ :( كُلّ شَيْء خُلِقَ مِنْ الْمَاء ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا.
وَرَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ أَوَّل شَيْء خَلَقَهُ اللَّه الْقَلَم وَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلّ شَيْء يَكُون ) وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت مَرْفُوعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَوَّل شَيْء خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْمَاء وَالرِّيح وَالْعَرْش " الْقَلَم ".
وَذَلِكَ بَيِّن فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْن، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق بْن عُمَر بْن حَبِيب الْمَكِّيّ عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس الْأَعْرَج عَنْ طَاوُس قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص فَسَأَلَهُ : مِمَّ خُلِقَ الْخَلْق ؟ قَالَ : مِنْ الْمَاء وَالنُّور وَالظُّلْمَة وَالرِّيح وَالتُّرَاب.
قَالَ الرَّجُل : فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي.
قَالَ : ثُمَّ أَتَى الرَّجُل عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْل قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
قَالَ : فَأَتَى الرَّجُل عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ، فَقَالَ : مِمَّ خُلِقَ الْخَلْق ؟ قَالَ : مِنْ الْمَاء وَالنُّور وَالظُّلْمَة وَالرِّيح وَالتُّرَاب.
قَالَ الرَّجُل : فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ ؟ فَتَلَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس :" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ " [ الْجَاثِيَة : ١٣ ] فَقَالَ الرَّجُل : مَا كَانَ لِيَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا رَجُل مِنْ أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : أَرَادَ أَنَّ مَصْدَر الْجَمِيع مِنْهُ، أَيْ مِنْ خَلْقه وَإِبْدَاعه وَاخْتِرَاعه.
خَلَقَ الْمَاء أَوَّلًا، أَوْ الْمَاء وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقه لَا عَنْ أَصْل وَلَا عَلَى مِثَال سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْد، فَهُوَ الْمُبْدِع، وَهُوَ الْبَارِئ لَا إِلَه غَيْره وَلَا خَالِق سِوَاهُ، سُبْحَانه جَلَّ وَعَزَّ.
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ السَّمَوَات سَبْع.
وَلَمْ يَأْتِ لِلْأَرْضِ فِي التَّنْزِيل عَدَد صَرِيح لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل إِلَّا قَوْله تَعَالَى :" وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " [ الطَّلَاق : ١٢ ] وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ : وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ أَيْ فِي الْعَدَد ; لِأَنَّ الْكَيْفِيَّة وَالصِّفَة مُخْتَلِفَة بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَار، فَتَعَيَّنَ الْعَدَد.
وَقِيلَ :" وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " أَيْ فِي غِلَظهنَّ وَمَا بَيْنهنَّ.
وَقِيلَ : هِيَ سَبْع إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْتَق بَعْضهَا مِنْ بَعْض، قَالَ الدَّاوُدِيّ.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل، وَأَنَّهَا سَبْع كَالسَّمَوَاتِ سَبْع.
رَوَى مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن زَيْد قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْض ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْع أَرَضِينَ ).
وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مِثْله، إِلَّا أَنَّ فِيهِ " مِنْ " بَدَل " إِلَى ".
وَمِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة :( لَا يَأْخُذ أَحَد شِبْرًا مِنْ الْأَرْض بِغَيْرِ حَقّه إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّه إِلَى سَبْع أَرَضِينَ وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا رَبّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرك بِهِ وَأَدْعُوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه قَالَ مُوسَى يَا رَبّ كُلّ عِبَادك يَقُول هَذَا قَالَ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ إِنَّمَا أُرِيد شَيْئًا تَخُصّنِي بِهِ قَالَ يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَوَات السَّبْع وَعَامِرهنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْع فِي كِفَّة وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه فِي كِفَّة مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ).
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : بَيْنَمَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس وَأَصْحَابه إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَاب، فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ) فَقَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( هَذَا الْعَنَان هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْض يَسُوقهُ اللَّه إِلَى قَوْم لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ - قَالَ - هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقكُمْ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّهَا الرَّقِيع سَقْف مَحْفُوظ وَمَوْج مَكْفُوف - ثُمَّ قَالَ - هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام - ثُمَّ قَالَ :- هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلِكَ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّ فَوْق ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ بُعْد مَا بَيْنهمَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ) ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْع سَمَوَات مَا بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَقِيلَ :" وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " أَيْ فِي غِلَظهنَّ وَمَا بَيْنهنَّ.
وَقِيلَ : هِيَ سَبْع إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْتَق بَعْضهَا مِنْ بَعْض، قَالَ الدَّاوُدِيّ.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل، وَأَنَّهَا سَبْع كَالسَّمَوَاتِ سَبْع.
رَوَى مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن زَيْد قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْض ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْع أَرَضِينَ ).
وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مِثْله، إِلَّا أَنَّ فِيهِ " مِنْ " بَدَل " إِلَى ".
وَمِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة :( لَا يَأْخُذ أَحَد شِبْرًا مِنْ الْأَرْض بِغَيْرِ حَقّه إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّه إِلَى سَبْع أَرَضِينَ وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا رَبّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرك بِهِ وَأَدْعُوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه قَالَ مُوسَى يَا رَبّ كُلّ عِبَادك يَقُول هَذَا قَالَ قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ إِنَّمَا أُرِيد شَيْئًا تَخُصّنِي بِهِ قَالَ يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السَّمَوَات السَّبْع وَعَامِرهنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْع فِي كِفَّة وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه فِي كِفَّة مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ).
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : بَيْنَمَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس وَأَصْحَابه إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَاب، فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ) فَقَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( هَذَا الْعَنَان هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْض يَسُوقهُ اللَّه إِلَى قَوْم لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ - قَالَ - هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقكُمْ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّهَا الرَّقِيع سَقْف مَحْفُوظ وَمَوْج مَكْفُوف - ثُمَّ قَالَ - هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( بَيْنكُمْ وَبَيْنهَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام - ثُمَّ قَالَ :- هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلِكَ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّ فَوْق ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ بُعْد مَا بَيْنهمَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ) ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْع سَمَوَات مَا بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض.
ثُمَّ قَالَ :( هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلِكَ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ ( فَإِنَّ فَوْق ذَلِكَ الْعَرْش وَبَيْنه وَبَيْن السَّمَاء بُعْد مَا بَيْن السَّمَاءَيْنِ - ثُمَّ قَالَ :- هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتكُمْ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّهَا الْأَرْض - ثُمَّ قَالَ :- هَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْت ذَلِكَ ) قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، قَالَ :( فَإِنَّ تَحْتهَا الْأَرْض الْأُخْرَى بَيْنهمَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة ) حَتَّى عَدَّ سَبْع أَرَضِينَ، بَيْن كُلّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ سَنَة، ثُمَّ قَالَ :( وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْض السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّه - ثُمَّ قَرَأَ - هُوَ الْأَوَّل وَالْآخِر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم ).
قَالَ أَبُو عِيسَى : قِرَاءَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ : لَهَبَطَ عَلَى عِلْم اللَّه وَقُدْرَته وَسُلْطَانه، [ عِلْم اللَّه وَقُدْرَته وَسُلْطَانه ] فِي كُلّ مَكَان وَهُوَ عَلَى عَرْشه كَمَا وَصَفَ نَفْسه فِي كِتَابه.
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَالْحَسَن لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي هُرَيْرَة وَالْآثَار بِأَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْع كَثِيرَة، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الضُّحَى - وَاسْمه مُسْلِم - عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ :" اللَّه الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَوَات وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " [ الطَّلَاق : ١٢ ] قَالَ : سَبْع أَرَضِينَ فِي كُلّ أَرْض نَبِيّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَم كَآدَم، وَنُوح كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيم كَإِبْرَاهِيم، وَعِيسَى كَعِيسَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : إِسْنَاد هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس صَحِيح، وَهُوَ شَاذّ بِمَرَّةٍ لَا أَعْلَم لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِسَة : قَوْله تَعَالَى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب " جَمِيعًا " عِنْد سِيبَوَيْهِ نَصْب عَلَى الْحَال " ثُمَّ اِسْتَوَى " أَهْل نَجْد يُمِيلُونَ لِيُدِلُّوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوَات الْيَاء، وَأَهْل الْحِجَاز يُفَخِّمُونَ.
" سَبْع " مَنْصُوب عَلَى الْبَدَل مِنْ الْهَاء وَالنُّون، أَيْ فَسَوَّى سَبْع سَمَوَات.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا عَلَى تَقْدِير يُسَوِّي بَيْنهنَّ سَبْع سَمَوَات، كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ :" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا " [ الْأَعْرَاف : ١٥٥ ] أَيْ مِنْ قَوْمه، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ الْأَخْفَش : اِنْتَصَبَ عَلَى الْحَال.
" وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم " اِبْتِدَاء وَخَبَر وَالْأَصْل فِي " هُوَ " تَحْرِيك الْهَاء، وَالْإِسْكَان اِسْتِخْفَاف.
وَالسَّمَاء تَكُون وَاحِدَة مُؤَنَّثَة، مِثْل عَنَان، وَتَذْكِيرهَا شَاذّ، وَتَكُون جَمْعًا لِسَمَاوَةٍ فِي قَوْل الْأَخْفَش، وَسِمَاءَة فِي قَوْل الزَّجَّاج، وَجَمْع الْجَمْع سَمَاوَات وَسَمَاءَات.
فَجَاءَ " سَوَّاهُنَّ " إِمَّا عَلَى أَنَّ السَّمَاء جَمْع وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مُفْرَد اِسْم جِنْس.
وَمَعْنَى سَوَّاهُنَّ سَوَّى سُطُوحهنَّ بِالْإِمْلَاسِ.
وَقِيلَ : جَعَلَهُنَّ سَوَاء.
قَالَ أَبُو عِيسَى : قِرَاءَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ : لَهَبَطَ عَلَى عِلْم اللَّه وَقُدْرَته وَسُلْطَانه، [ عِلْم اللَّه وَقُدْرَته وَسُلْطَانه ] فِي كُلّ مَكَان وَهُوَ عَلَى عَرْشه كَمَا وَصَفَ نَفْسه فِي كِتَابه.
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَالْحَسَن لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي هُرَيْرَة وَالْآثَار بِأَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْع كَثِيرَة، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الضُّحَى - وَاسْمه مُسْلِم - عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ :" اللَّه الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَوَات وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " [ الطَّلَاق : ١٢ ] قَالَ : سَبْع أَرَضِينَ فِي كُلّ أَرْض نَبِيّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَم كَآدَم، وَنُوح كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيم كَإِبْرَاهِيم، وَعِيسَى كَعِيسَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ : إِسْنَاد هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس صَحِيح، وَهُوَ شَاذّ بِمَرَّةٍ لَا أَعْلَم لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِسَة : قَوْله تَعَالَى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب " جَمِيعًا " عِنْد سِيبَوَيْهِ نَصْب عَلَى الْحَال " ثُمَّ اِسْتَوَى " أَهْل نَجْد يُمِيلُونَ لِيُدِلُّوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوَات الْيَاء، وَأَهْل الْحِجَاز يُفَخِّمُونَ.
" سَبْع " مَنْصُوب عَلَى الْبَدَل مِنْ الْهَاء وَالنُّون، أَيْ فَسَوَّى سَبْع سَمَوَات.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَفْعُولًا عَلَى تَقْدِير يُسَوِّي بَيْنهنَّ سَبْع سَمَوَات، كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ :" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا " [ الْأَعْرَاف : ١٥٥ ] أَيْ مِنْ قَوْمه، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ الْأَخْفَش : اِنْتَصَبَ عَلَى الْحَال.
" وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم " اِبْتِدَاء وَخَبَر وَالْأَصْل فِي " هُوَ " تَحْرِيك الْهَاء، وَالْإِسْكَان اِسْتِخْفَاف.
وَالسَّمَاء تَكُون وَاحِدَة مُؤَنَّثَة، مِثْل عَنَان، وَتَذْكِيرهَا شَاذّ، وَتَكُون جَمْعًا لِسَمَاوَةٍ فِي قَوْل الْأَخْفَش، وَسِمَاءَة فِي قَوْل الزَّجَّاج، وَجَمْع الْجَمْع سَمَاوَات وَسَمَاءَات.
فَجَاءَ " سَوَّاهُنَّ " إِمَّا عَلَى أَنَّ السَّمَاء جَمْع وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مُفْرَد اِسْم جِنْس.
وَمَعْنَى سَوَّاهُنَّ سَوَّى سُطُوحهنَّ بِالْإِمْلَاسِ.
وَقِيلَ : جَعَلَهُنَّ سَوَاء.
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
أَيْ بِمَا خَلَقَ وَهُوَ خَالِق كُلّ شَيْء، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون عَالِمًا بِكُلِّ شَيْء، وَقَدْ قَالَ :" أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ " [ الْمُلْك : ١٤ ] فَهُوَ الْعَالِم وَالْعَلِيم بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَات بِعِلْمٍ قَدِيم أَزَلِيّ وَاحِد قَائِم بِذَاتِهِ، وَوَافَقَنَا الْمُعْتَزِلَة عَلَى الْعَالَمِيَّة دُون الْعِلْمِيَّة.
وَقَالَتْ الْجَهْمِيَّة : عَالِم بِعِلْمٍ قَائِم لَا فِي مَحَلّ، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْل أَهْل الزَّيْغ وَالضَّلَالَات، وَالرَّدّ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي كُتُب الدِّيَانَات.
وَقَدْ وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه بِالْعِلْمِ فَقَالَ :" أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ " [ النِّسَاء : ١٦٦ ]، وَقَالَ :" فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه " [ هُود : ١٤ ]، وَقَالَ :" فَلَنَقُّصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ " [ الْأَعْرَاف : ٧ ]، وَقَالَ :" وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَع إِلَّا بِعِلْمِهِ " [ فَاطِر : ١١ ]، وَقَالَ :" وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ " [ الْأَنْعَام : ٥٩ ] الْآيَة.
وَسَنَدُلُّ عَلَى ثُبُوت عِلْمه وَسَائِر صِفَاته فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله :" يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر " [ الْبَقَرَة : ١٨٥ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَقَالُون عَنْ نَافِع بِإِسْكَانِ الْهَاء مِنْ : هُوَ وَهِيَ، إِذَا كَانَ قَبْلهَا فَاء أَوْ وَاو أَوْ لَام أَوْ ثُمَّ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو عَمْرو إِلَّا مَعَ ثُمَّ.
وَزَادَ أَبُو عَوْن عَنْ الْحَلْوَانِيّ عَنْ قَالُون إِسْكَان الْهَاء مِنْ " أَنْ يُمِلّ هُوَ " وَالْبَاقُونَ بِالتَّحْرِيكِ.
أَيْ بِمَا خَلَقَ وَهُوَ خَالِق كُلّ شَيْء، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون عَالِمًا بِكُلِّ شَيْء، وَقَدْ قَالَ :" أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ " [ الْمُلْك : ١٤ ] فَهُوَ الْعَالِم وَالْعَلِيم بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَات بِعِلْمٍ قَدِيم أَزَلِيّ وَاحِد قَائِم بِذَاتِهِ، وَوَافَقَنَا الْمُعْتَزِلَة عَلَى الْعَالَمِيَّة دُون الْعِلْمِيَّة.
وَقَالَتْ الْجَهْمِيَّة : عَالِم بِعِلْمٍ قَائِم لَا فِي مَحَلّ، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْل أَهْل الزَّيْغ وَالضَّلَالَات، وَالرَّدّ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي كُتُب الدِّيَانَات.
وَقَدْ وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه بِالْعِلْمِ فَقَالَ :" أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ " [ النِّسَاء : ١٦٦ ]، وَقَالَ :" فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه " [ هُود : ١٤ ]، وَقَالَ :" فَلَنَقُّصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ " [ الْأَعْرَاف : ٧ ]، وَقَالَ :" وَمَا تَحْمِل مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَع إِلَّا بِعِلْمِهِ " [ فَاطِر : ١١ ]، وَقَالَ :" وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ " [ الْأَنْعَام : ٥٩ ] الْآيَة.
وَسَنَدُلُّ عَلَى ثُبُوت عِلْمه وَسَائِر صِفَاته فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله :" يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر " [ الْبَقَرَة : ١٨٥ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ وَقَالُون عَنْ نَافِع بِإِسْكَانِ الْهَاء مِنْ : هُوَ وَهِيَ، إِذَا كَانَ قَبْلهَا فَاء أَوْ وَاو أَوْ لَام أَوْ ثُمَّ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو عَمْرو إِلَّا مَعَ ثُمَّ.
وَزَادَ أَبُو عَوْن عَنْ الْحَلْوَانِيّ عَنْ قَالُون إِسْكَان الْهَاء مِنْ " أَنْ يُمِلّ هُوَ " وَالْبَاقُونَ بِالتَّحْرِيكِ.
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
فِيهِ سَبْع عَشْرَة مَسْأَلَة :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ " إِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيت، فَإِذْ لِلْمَاضِي، وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ تُوضَع إِحْدَاهُمَا مَوْضِع الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : إِذَا جَاءَ " إِذْ " مَعَ مُسْتَقْبَل كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا، نَحْو قَوْله :" وَإِذْ يَمْكُر بِك " [ الْأَنْفَال : ٣٠ ] " وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] مَعْنَاهُ مَكَرُوا، وَإِذْ قُلْت.
وَإِذَا جَاءَ " إِذَا " مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبِلًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " [ النَّازِعَات : ٣٤ ] " فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّة " [ عَبَسَ : ٣٣ ] وَ " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه " [ النَّصْر : ١ ] أَيْ يَجِيء.
وَقَالَ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَة :" إِذْ " زَائِدَة، وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَبّك، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَالنَّحَّاس وَجَمِيع الْمُفَسِّرِينَ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ " إِذْ " اِسْم وَهِيَ ظَرْف زَمَان لَيْسَ مِمَّا تُزَاد.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا اِجْتِرَام مِنْ أَبِي عُبَيْدَة، ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْق النَّاس وَغَيْرهمْ، فَالتَّقْدِير وَابْتَدَأَ خَلْقكُمْ إِذْ قَالَ، فَكَانَ هَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام، كَمَا قَالَ :
يُرِيد أَيْنَمَا ذَهَبَ.
وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون مُتَعَلِّقَة بِفِعْلٍ مُقَدَّر تَقْدِيره وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ.
وَقِيلَ : هُوَ مَرْدُود إِلَى قَوْله تَعَالَى :" اُعْبُدُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢١ ] فَالْمَعْنَى الَّذِي خَلَقَكُمْ إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ.
وَقَوْل اللَّه تَعَالَى وَخِطَابه لِلْمَلَائِكَةِ مُتَقَرِّر قَدِيم فِي الْأَزَل بِشَرْطِ وَجُودهمْ وَفَهْمهمْ.
وَهَكَذَا الْبَاب كُلّه فِي أَوَامِر اللَّه تَعَالَى وَنَوَاهِيه وَمُخَاطَبَاته.
وَهَذَا مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَات اللَّه الْعُلَى.
وَالرَّبّ : الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُصْلِح وَالْجَابِر، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه.
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى " لِلْمَلَائِكَةِ " الْمَلَائِكَة وَاحِدهَا مَلَك.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَغَيْره : وَزْن مَلَك فَعَل مِنْ الْمُلْك.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة، هُوَ مَفْعَل مِنْ لَأَكَ إِذَا أُرْسِلَ.
وَالْأَلُوكَة وَالْمَأْلَكَة وَالْمَأْلُكَة : الرِّسَالَة، قَالَ لَبِيد :
وَقَالَ آخَر :
وَيُقَال : أَلِكْنِي أَيْ أَرْسِلْنِي، فَأَصْله عَلَى هَذَا مَأْلَك، الْهَمْزَة فَاء الْفِعْل فَإِنَّهُمْ قَلَبُوهَا إِلَى عَيْنه فَقَالُوا : مَلْأَك، ثُمَّ سَهَّلُوهُ فَقَالُوا مَلَك.
فِيهِ سَبْع عَشْرَة مَسْأَلَة :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ " إِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيت، فَإِذْ لِلْمَاضِي، وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ تُوضَع إِحْدَاهُمَا مَوْضِع الْأُخْرَى.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : إِذَا جَاءَ " إِذْ " مَعَ مُسْتَقْبَل كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا، نَحْو قَوْله :" وَإِذْ يَمْكُر بِك " [ الْأَنْفَال : ٣٠ ] " وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٧ ] مَعْنَاهُ مَكَرُوا، وَإِذْ قُلْت.
وَإِذَا جَاءَ " إِذَا " مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبِلًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " [ النَّازِعَات : ٣٤ ] " فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّة " [ عَبَسَ : ٣٣ ] وَ " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه " [ النَّصْر : ١ ] أَيْ يَجِيء.
وَقَالَ مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَة :" إِذْ " زَائِدَة، وَالتَّقْدِير : وَقَالَ رَبّك، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
| فَإِذْ وَذَلِكَ لَا مَهَاة لِذِكْرِهِ | وَالدَّهْر يُعْقِب صَالِحًا بِفَسَادِ |
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ " إِذْ " اِسْم وَهِيَ ظَرْف زَمَان لَيْسَ مِمَّا تُزَاد.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا اِجْتِرَام مِنْ أَبِي عُبَيْدَة، ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْق النَّاس وَغَيْرهمْ، فَالتَّقْدِير وَابْتَدَأَ خَلْقكُمْ إِذْ قَالَ، فَكَانَ هَذَا مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام، كَمَا قَالَ :
| فَإِنَّ الْمَنِيَّة مَنْ يَخْشَهَا | فَسَوْفَ تُصَادِفهُ أَيْنَمَا |
وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون مُتَعَلِّقَة بِفِعْلٍ مُقَدَّر تَقْدِيره وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ.
وَقِيلَ : هُوَ مَرْدُود إِلَى قَوْله تَعَالَى :" اُعْبُدُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢١ ] فَالْمَعْنَى الَّذِي خَلَقَكُمْ إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ.
وَقَوْل اللَّه تَعَالَى وَخِطَابه لِلْمَلَائِكَةِ مُتَقَرِّر قَدِيم فِي الْأَزَل بِشَرْطِ وَجُودهمْ وَفَهْمهمْ.
وَهَكَذَا الْبَاب كُلّه فِي أَوَامِر اللَّه تَعَالَى وَنَوَاهِيه وَمُخَاطَبَاته.
وَهَذَا مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ الَّذِي اِرْتَضَاهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى وَصِفَات اللَّه الْعُلَى.
وَالرَّبّ : الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُصْلِح وَالْجَابِر، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه.
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى " لِلْمَلَائِكَةِ " الْمَلَائِكَة وَاحِدهَا مَلَك.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَغَيْره : وَزْن مَلَك فَعَل مِنْ الْمُلْك.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة، هُوَ مَفْعَل مِنْ لَأَكَ إِذَا أُرْسِلَ.
وَالْأَلُوكَة وَالْمَأْلَكَة وَالْمَأْلُكَة : الرِّسَالَة، قَالَ لَبِيد :
| وَغُلَام أَرْسَلَتْهُ أُمّه | بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ |
| أَبْلِغْ النُّعْمَان عَنِّي مَأْلُكًا | إِنَّنِي قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي |
وَقِيلَ أَصْله مَلْأَك مِنْ مَلَكَ يَمْلِك، نَحْو شَمْأَل مِنْ شَمَلَ، فَالْهَمْزَة زَائِدَة عَنْ اِبْن كَيْسَان أَيْضًا، وَقَدْ تَأْتِي فِي الشِّعْر عَلَى الْأَصْل، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل.
لَا اِشْتِقَاق لِلْمَلَكِ عِنْد الْعَرَب.
وَالْهَاء فِي الْمَلَائِكَة تَأْكِيد لِتَأْنِيثِ الْجَمْع، وَمِثْله الصَّلَادِمَة.
وَالصَّلَادِم : الْخَيْل الشِّدَاد، وَاحِدهَا صِلْدِم.
وَقِيلَ : هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَة.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : خَاطَبَ اللَّه الْمَلَائِكَة لَا لِلْمَشُورَةِ وَلَكِنْ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِمْ مِنْ رُؤْيَة الْحَرَكَات وَالْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس، ثُمَّ رَدَّهُمْ إِلَى قِيمَتهمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" اُسْجُدُوا لِآدَم " [ الْبَقَرَة : ٣٤ ].
الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " " جَاعِل " هُنَا بِمَعْنَى خَالِق، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ عَنْ أَبِي رَوْق، وَيَقْضِي بِذَلِكَ تَعَدِّيهَا إِلَى مَفْعُول وَاحِد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْأَرْض قِيلَ إِنَّهَا مَكَّة.
رَوَى اِبْن سَابِط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ مَكَّة ) وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أُمّ الْقُرَى، قَالَ : وَقَبْر نُوح وَهُود وَصَالِح وَشُعَيْب بَيْن زَمْزَم وَالرُّكْن وَالْمَقَام.
وَ " خَلِيفَة " يَكُون بِمَعْنَى فَاعِل، أَيْ يَخْلُف مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الْمَلَائِكَة فِي الْأَرْض، أَوْ مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ غَيْر الْمَلَائِكَة عَلَى مَا رُوِيَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " خَلِيفَة " بِمَعْنَى مَفْعُول أَيْ مُخْلَف، كَمَا يُقَال : ذَبِيحَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
وَالْخَلَف ( بِالتَّحْرِيكِ ) مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبِتَسْكِينِهَا مِنْ الطَّالِحِينَ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَ " خَلِيفَة " بِالْفَاءِ قِرَاءَة الْجَمَاعَة، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن عَلِيّ فَإِنَّهُ قَرَأَ " خَلِيقَة " بِالْقَافِ.
وَالْمَعْنِيّ بِالْخَلِيفَةِ هُنَا - فِي قَوْل اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَمِيع أَهْل التَّأْوِيل - آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ خَلِيفَة اللَّه فِي إِمْضَاء أَحْكَامه وَأَوَامِره ; لِأَنَّهُ أَوَّل رَسُول إِلَى الْأَرْض، كَمَا فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَنَبِيًّا كَانَ مُرْسَلًا ؟ قَالَ :( نَعَمْ ) الْحَدِيث وَيُقَال : لِمَنْ كَانَ رَسُولًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْض أَحَد ؟ فَيُقَال : كَانَ رَسُولًا إِلَى وَلَده، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلّ بَطْن ذَكَر وَأُنْثَى، وَتَوَالَدُوا حَتَّى كَثُرُوا، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء " [ النِّسَاء : ١ ].
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ تَحْرِيم الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير.
وَعَاشَ تِسْعمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَة، هَكَذَا ذَكَرَ أَهْل التَّوْرَاة وَرُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ عَاشَ أَلْف سَنَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
| فَلَسْت لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ | تَنْزِل مِنْ جَوّ السَّمَاء يَصُوب |
لَا اِشْتِقَاق لِلْمَلَكِ عِنْد الْعَرَب.
وَالْهَاء فِي الْمَلَائِكَة تَأْكِيد لِتَأْنِيثِ الْجَمْع، وَمِثْله الصَّلَادِمَة.
وَالصَّلَادِم : الْخَيْل الشِّدَاد، وَاحِدهَا صِلْدِم.
وَقِيلَ : هِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَة.
وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي : خَاطَبَ اللَّه الْمَلَائِكَة لَا لِلْمَشُورَةِ وَلَكِنْ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِمْ مِنْ رُؤْيَة الْحَرَكَات وَالْعِبَادَة وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس، ثُمَّ رَدَّهُمْ إِلَى قِيمَتهمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" اُسْجُدُوا لِآدَم " [ الْبَقَرَة : ٣٤ ].
الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " " جَاعِل " هُنَا بِمَعْنَى خَالِق، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ عَنْ أَبِي رَوْق، وَيَقْضِي بِذَلِكَ تَعَدِّيهَا إِلَى مَفْعُول وَاحِد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْأَرْض قِيلَ إِنَّهَا مَكَّة.
رَوَى اِبْن سَابِط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ مَكَّة ) وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أُمّ الْقُرَى، قَالَ : وَقَبْر نُوح وَهُود وَصَالِح وَشُعَيْب بَيْن زَمْزَم وَالرُّكْن وَالْمَقَام.
وَ " خَلِيفَة " يَكُون بِمَعْنَى فَاعِل، أَيْ يَخْلُف مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الْمَلَائِكَة فِي الْأَرْض، أَوْ مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ غَيْر الْمَلَائِكَة عَلَى مَا رُوِيَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " خَلِيفَة " بِمَعْنَى مَفْعُول أَيْ مُخْلَف، كَمَا يُقَال : ذَبِيحَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
وَالْخَلَف ( بِالتَّحْرِيكِ ) مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبِتَسْكِينِهَا مِنْ الطَّالِحِينَ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف، وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَ " خَلِيفَة " بِالْفَاءِ قِرَاءَة الْجَمَاعَة، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن عَلِيّ فَإِنَّهُ قَرَأَ " خَلِيقَة " بِالْقَافِ.
وَالْمَعْنِيّ بِالْخَلِيفَةِ هُنَا - فِي قَوْل اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَمِيع أَهْل التَّأْوِيل - آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ خَلِيفَة اللَّه فِي إِمْضَاء أَحْكَامه وَأَوَامِره ; لِأَنَّهُ أَوَّل رَسُول إِلَى الْأَرْض، كَمَا فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَنَبِيًّا كَانَ مُرْسَلًا ؟ قَالَ :( نَعَمْ ) الْحَدِيث وَيُقَال : لِمَنْ كَانَ رَسُولًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْض أَحَد ؟ فَيُقَال : كَانَ رَسُولًا إِلَى وَلَده، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلّ بَطْن ذَكَر وَأُنْثَى، وَتَوَالَدُوا حَتَّى كَثُرُوا، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء " [ النِّسَاء : ١ ].
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ تَحْرِيم الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير.
وَعَاشَ تِسْعمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَة، هَكَذَا ذَكَرَ أَهْل التَّوْرَاة وَرُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ عَاشَ أَلْف سَنَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
الرَّابِعَة : هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي نَصْب إِمَام وَخَلِيفَة يُسْمَع لَهُ وَيُطَاع، لِتَجْتَمِع بِهِ الْكَلِمَة، وَتَنْفُذ بِهِ أَحْكَام الْخَلِيفَة.
وَلَا خِلَاف فِي وُجُوب ذَلِكَ بَيْن الْأُمَّة وَلَا بَيْن الْأَئِمَّة إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْأَصَمّ حَيْثُ كَانَ عَنْ الشَّرِيعَة أَصَمّ، وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى رَأْيه وَمَذْهَبه، قَالَ : إِنَّهَا غَيْر وَاجِبَة فِي الدِّين بَلْ يَسُوغ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأُمَّة مَتَى أَقَامُوا حُجَجهُمْ وَجِهَادهمْ، وَتَنَاصَفُوا فِيمَا بَيْنهمْ، وَبَذَلُوا الْحَقّ مِنْ أَنْفُسهمْ، وَقَسَمُوا الْغَنَائِم وَالْفَيْء وَالصَّدَقَات عَلَى أَهْلهَا، وَأَقَامُوا الْحُدُود عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ، وَلَا يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا يَتَوَلَّى ذَلِكَ.
وَدَلِيلنَا قَوْل اللَّه تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ]، وَقَوْله تَعَالَى :" يَا دَاوُد إِنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَة فِي الْأَرْض " [ ص : ٢٦ ]، وَقَالَ :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض " [ النُّور : ٥٥ ] أَيْ يَجْعَل مِنْهُمْ خُلَفَاء، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآي.
وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَة عَلَى تَقْدِيم الصِّدِّيق بَعْد اِخْتِلَاف وَقَعَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة فِي التَّعْيِين، حَتَّى قَالَتْ الْأَنْصَار : مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير، فَدَفَعَهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَالْمُهَاجِرُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّ الْعَرَب لَا تَدِين إِلَّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش، وَرَوَوْا لَهُمْ الْخَبَر فِي ذَلِكَ، فَرَجَعُوا وَأَطَاعُوا لِقُرَيْشٍ.
فَلَوْ كَانَ فَرْض الْإِمَام غَيْر وَاجِب لَا فِي قُرَيْش وَلَا فِي غَيْرهمْ لَمَا سَاغَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَالْمُحَاوَرَة عَلَيْهَا، وَلَقَالَ قَائِل : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَا فِي قُرَيْش وَلَا فِي غَيْرهمْ، فَمَا لِتَنَازُعِكُمْ وَجْه وَلَا فَائِدَة فِي أَمْر لَيْسَ بِوَاجِبٍ ثُمَّ إِنَّ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة عَهِدَ إِلَى عُمَر فِي الْإِمَامَة، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَد هَذَا أَمْر غَيْر وَاجِب عَلَيْنَا وَلَا عَلَيْك، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبهَا وَأَنَّهَا رُكْن مِنْ أَرْكَان الدِّين الَّذِي بِهِ قِوَام الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَتْ الرَّافِضَة : يَجِب نَصْبه عَقْلًا، وَإِنَّ السَّمْع إِنَّمَا وَرَدَ عَلَى جِهَة التَّأْكِيد لِقَضِيَّةِ الْعَقْل، فَأَمَّا مَعْرِفَة الْإِمَام فَإِنَّ ذَلِكَ مُدْرَك مِنْ جِهَة السَّمْع دُون الْعَقْل.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُوجِب وَلَا يَحْظُر وَلَا يُقَبِّح وَلَا يُحَسِّن، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهَا وَاجِبَة مِنْ جِهَة الشَّرْع لَا مِنْ جِهَة الْعَقْل، وَهَذَا وَاضِح.
وَلَا خِلَاف فِي وُجُوب ذَلِكَ بَيْن الْأُمَّة وَلَا بَيْن الْأَئِمَّة إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْأَصَمّ حَيْثُ كَانَ عَنْ الشَّرِيعَة أَصَمّ، وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى رَأْيه وَمَذْهَبه، قَالَ : إِنَّهَا غَيْر وَاجِبَة فِي الدِّين بَلْ يَسُوغ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأُمَّة مَتَى أَقَامُوا حُجَجهُمْ وَجِهَادهمْ، وَتَنَاصَفُوا فِيمَا بَيْنهمْ، وَبَذَلُوا الْحَقّ مِنْ أَنْفُسهمْ، وَقَسَمُوا الْغَنَائِم وَالْفَيْء وَالصَّدَقَات عَلَى أَهْلهَا، وَأَقَامُوا الْحُدُود عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ، وَلَا يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا يَتَوَلَّى ذَلِكَ.
وَدَلِيلنَا قَوْل اللَّه تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ]، وَقَوْله تَعَالَى :" يَا دَاوُد إِنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَة فِي الْأَرْض " [ ص : ٢٦ ]، وَقَالَ :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض " [ النُّور : ٥٥ ] أَيْ يَجْعَل مِنْهُمْ خُلَفَاء، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآي.
وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَة عَلَى تَقْدِيم الصِّدِّيق بَعْد اِخْتِلَاف وَقَعَ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة فِي التَّعْيِين، حَتَّى قَالَتْ الْأَنْصَار : مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير، فَدَفَعَهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَالْمُهَاجِرُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّ الْعَرَب لَا تَدِين إِلَّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش، وَرَوَوْا لَهُمْ الْخَبَر فِي ذَلِكَ، فَرَجَعُوا وَأَطَاعُوا لِقُرَيْشٍ.
فَلَوْ كَانَ فَرْض الْإِمَام غَيْر وَاجِب لَا فِي قُرَيْش وَلَا فِي غَيْرهمْ لَمَا سَاغَتْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَالْمُحَاوَرَة عَلَيْهَا، وَلَقَالَ قَائِل : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَا فِي قُرَيْش وَلَا فِي غَيْرهمْ، فَمَا لِتَنَازُعِكُمْ وَجْه وَلَا فَائِدَة فِي أَمْر لَيْسَ بِوَاجِبٍ ثُمَّ إِنَّ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة عَهِدَ إِلَى عُمَر فِي الْإِمَامَة، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَحَد هَذَا أَمْر غَيْر وَاجِب عَلَيْنَا وَلَا عَلَيْك، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبهَا وَأَنَّهَا رُكْن مِنْ أَرْكَان الدِّين الَّذِي بِهِ قِوَام الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَتْ الرَّافِضَة : يَجِب نَصْبه عَقْلًا، وَإِنَّ السَّمْع إِنَّمَا وَرَدَ عَلَى جِهَة التَّأْكِيد لِقَضِيَّةِ الْعَقْل، فَأَمَّا مَعْرِفَة الْإِمَام فَإِنَّ ذَلِكَ مُدْرَك مِنْ جِهَة السَّمْع دُون الْعَقْل.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّ الْعَقْل لَا يُوجِب وَلَا يَحْظُر وَلَا يُقَبِّح وَلَا يُحَسِّن، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهَا وَاجِبَة مِنْ جِهَة الشَّرْع لَا مِنْ جِهَة الْعَقْل، وَهَذَا وَاضِح.
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ : الْخَامِسَة : إِذَا سَلِمَ أَنَّ طَرِيق وُجُوب الْإِمَامَة السَّمْع، فَخَبِّرُونَا هَلْ يَجِب مِنْ جِهَة السَّمْع بِالنَّصِّ عَلَى الْإِمَام مِنْ جِهَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ مِنْ جِهَة اِخْتِيَار أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد لَهُ، أَمْ بِكَمَالِ خِصَال الْأَئِمَّة فِيهِ، وَدُعَاؤُهُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسه كَافٍ فِيهِ ؟.
فَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْبَاب، فَذَهَبَتْ الْإِمَامِيَّة وَغَيْرهَا إِلَى أَنَّ الطَّرِيق الَّذِي يُعْرَف بِهِ الْإِمَام هُوَ النَّصّ مِنْ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا مَدْخَل لِلِاخْتِيَارِ فِيهِ.
وَعِنْدنَا : النَّظَر طَرِيق إِلَى مَعْرِفَة الْإِمَام، وَإِجْمَاع أَهْل الِاجْتِهَاد طَرِيق أَيْضًا إِلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَا طَرِيق إِلَيْهِ إِلَّا النَّصّ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلهمْ أَنَّ الْقِيَاس وَالرَّأْي وَالِاجْتِهَاد بَاطِل لَا يُعْرَف بِهِ شَيْء أَصْلًا، وَأَبْطَلُوا الْقِيَاس أَصْلًا وَفَرْعًا.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاث فِرَق : فِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى أَبِي بَكْر، وَفِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى الْعَبَّاس، وَفِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَالدَّلِيل عَلَى فَقْد النَّصّ وَعَدَمه عَلَى إِمَام بِعَيْنِهِ هُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ فَرَضَ عَلَى الْأُمَّة طَاعَة إِمَام بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ لَا يَجُوز الْعُدُول عَنْهُ إِلَى غَيْره لَعُلِمَ ذَلِكَ، لِاسْتِحَالَةِ تَكْلِيف الْأُمَّة بِأَسْرِهَا طَاعَة اللَّه فِي غَيْر مُعَيَّن، وَلَا سَبِيل لَهُمْ إِلَى الْعِلْم بِذَلِكَ التَّكْلِيف، وَإِذَا وَجَبَ الْعِلْم بِهِ لَمْ يَخْلُ ذَلِكَ الْعِلْم مِنْ أَنْ يَكُون طَرِيقه أَدِلَّة الْعُقُول أَوْ الْخَبَر، وَلَيْسَ فِي الْعَقْل مَا يَدُلّ عَلَى ثُبُوت الْإِمَامَة لِشَخْصٍ مُعَيَّن، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يُوجِب الْعِلْم بِثُبُوتِ إِمَام مُعَيَّن ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَر إِمَّا أَنْ يَكُون تَوَاتُرًا أَوْجَبَ الْعِلْم ضَرُورَة أَوْ اِسْتِدْلَالًا، أَوْ يَكُون مِنْ أَخْبَار الْآحَاد، وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون طَرِيقه التَّوَاتُر الْمُوجِب لِلْعِلْمِ ضَرُورَة أَوْ دَلَالَة، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلّ مُكَلَّف يَجِد مِنْ نَفْسه الْعِلْم بِوُجُوبِ الطَّاعَة لِذَلِكَ الْمُعَيَّن وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِين اللَّه عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ كُلّ مُكَلَّف عَلِمَ أَنَّ مِنْ دِين اللَّه الْوَاجِب عَلَيْهِ خَمْس صَلَوَات، وَصَوْم رَمَضَان، وَحَجّ الْبَيْت وَنَحْوهَا، وَلَا أَحَد يَعْلَم ذَلِكَ مِنْ نَفْسه ضَرُورَة، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَبَطَلَ أَنْ يَكُون مَعْلُومًا بِأَخْبَارِ الْآحَاد لِاسْتِحَالَةِ وُقُوع الْعِلْم بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْمَصِير إِلَى نَقْل النَّصّ عَلَى الْإِمَام بِأَيِّ وَجْه كَانَ، وَجَبَ إِثْبَات إِمَامَة أَبِي بَكْر وَالْعَبَّاس ; لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا قَوْمًا يَنْقُلُونَ النَّصّ صَرِيحًا فِي إِمَامَته، وَإِذَا بَطَلَ إِثْبَات الثَّلَاثَة بِالنَّصِّ فِي وَقْت وَاحِد - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه - كَذَلِكَ الْوَاحِد ; إِذْ لَيْسَ أَحَد الْفِرَق أَوْلَى بِالنَّصِّ مِنْ الْآخَر.
فَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْبَاب، فَذَهَبَتْ الْإِمَامِيَّة وَغَيْرهَا إِلَى أَنَّ الطَّرِيق الَّذِي يُعْرَف بِهِ الْإِمَام هُوَ النَّصّ مِنْ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا مَدْخَل لِلِاخْتِيَارِ فِيهِ.
وَعِنْدنَا : النَّظَر طَرِيق إِلَى مَعْرِفَة الْإِمَام، وَإِجْمَاع أَهْل الِاجْتِهَاد طَرِيق أَيْضًا إِلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَا طَرِيق إِلَيْهِ إِلَّا النَّصّ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلهمْ أَنَّ الْقِيَاس وَالرَّأْي وَالِاجْتِهَاد بَاطِل لَا يُعْرَف بِهِ شَيْء أَصْلًا، وَأَبْطَلُوا الْقِيَاس أَصْلًا وَفَرْعًا.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاث فِرَق : فِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى أَبِي بَكْر، وَفِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى الْعَبَّاس، وَفِرْقَة تَدَّعِي النَّصّ عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَالدَّلِيل عَلَى فَقْد النَّصّ وَعَدَمه عَلَى إِمَام بِعَيْنِهِ هُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ فَرَضَ عَلَى الْأُمَّة طَاعَة إِمَام بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ لَا يَجُوز الْعُدُول عَنْهُ إِلَى غَيْره لَعُلِمَ ذَلِكَ، لِاسْتِحَالَةِ تَكْلِيف الْأُمَّة بِأَسْرِهَا طَاعَة اللَّه فِي غَيْر مُعَيَّن، وَلَا سَبِيل لَهُمْ إِلَى الْعِلْم بِذَلِكَ التَّكْلِيف، وَإِذَا وَجَبَ الْعِلْم بِهِ لَمْ يَخْلُ ذَلِكَ الْعِلْم مِنْ أَنْ يَكُون طَرِيقه أَدِلَّة الْعُقُول أَوْ الْخَبَر، وَلَيْسَ فِي الْعَقْل مَا يَدُلّ عَلَى ثُبُوت الْإِمَامَة لِشَخْصٍ مُعَيَّن، وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يُوجِب الْعِلْم بِثُبُوتِ إِمَام مُعَيَّن ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَر إِمَّا أَنْ يَكُون تَوَاتُرًا أَوْجَبَ الْعِلْم ضَرُورَة أَوْ اِسْتِدْلَالًا، أَوْ يَكُون مِنْ أَخْبَار الْآحَاد، وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون طَرِيقه التَّوَاتُر الْمُوجِب لِلْعِلْمِ ضَرُورَة أَوْ دَلَالَة، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلّ مُكَلَّف يَجِد مِنْ نَفْسه الْعِلْم بِوُجُوبِ الطَّاعَة لِذَلِكَ الْمُعَيَّن وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دِين اللَّه عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ كُلّ مُكَلَّف عَلِمَ أَنَّ مِنْ دِين اللَّه الْوَاجِب عَلَيْهِ خَمْس صَلَوَات، وَصَوْم رَمَضَان، وَحَجّ الْبَيْت وَنَحْوهَا، وَلَا أَحَد يَعْلَم ذَلِكَ مِنْ نَفْسه ضَرُورَة، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَبَطَلَ أَنْ يَكُون مَعْلُومًا بِأَخْبَارِ الْآحَاد لِاسْتِحَالَةِ وُقُوع الْعِلْم بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْمَصِير إِلَى نَقْل النَّصّ عَلَى الْإِمَام بِأَيِّ وَجْه كَانَ، وَجَبَ إِثْبَات إِمَامَة أَبِي بَكْر وَالْعَبَّاس ; لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا قَوْمًا يَنْقُلُونَ النَّصّ صَرِيحًا فِي إِمَامَته، وَإِذَا بَطَلَ إِثْبَات الثَّلَاثَة بِالنَّصِّ فِي وَقْت وَاحِد - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه - كَذَلِكَ الْوَاحِد ; إِذْ لَيْسَ أَحَد الْفِرَق أَوْلَى بِالنَّصِّ مِنْ الْآخَر.
وَإِذَا بَطَلَ ثُبُوت النَّصّ لِعَدَمِ الطَّرِيق الْمُوصِل إِلَيْهِ ثَبَتَ الِاخْتِيَار وَالِاجْتِهَاد.
فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّف وَادَّعَى التَّوَاتُر وَالْعِلْم الضَّرُورِيّ بِالنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلُوا عَلَى الْفَوْر بِنَقِيضِ دَعْوَاهُمْ فِي النَّصّ عَلَى أَبِي بَكْر وَبِأَخْبَارٍ فِي ذَلِكَ كَثِيرَة تَقُوم أَيْضًا فِي جُمْلَتهَا مَقَام النَّصّ، ثُمَّ لَا شَكّ فِي تَصْمِيم مَنْ عَدَا الْإِمَامِيَّة عَلَى نَفْي النَّصّ، وَهُمْ الْخَلْق الْكَثِير وَالْجَمّ الْغَفِير.
وَالْعِلْم الضَّرُورِيّ لَا يَجْتَمِع عَلَى نَفْيه مَنْ يَنْحَطّ عَنْ مِعْشَار أَعْدَاد مُخَالِفِي الْإِمَامِيَّة، وَلَوْ جَازَ رَدّ الضَّرُورِيّ فِي ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُنْكِر طَائِفَة بَغْدَاد وَالصِّين الْأَقْصَى وَغَيْرهمَا.
السَّادِسَة : فِي رَدّ الْأَحَادِيث الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا الْإِمَامِيَّة فِي النَّصّ عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَأَنَّ الْأُمَّة كَفَرَتْ بِهَذَا النَّصّ وَارْتَدَّتْ، وَخَالَفَتْ أَمْر الرَّسُول عِنَادًا، مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ).
قَالُوا : وَالْمَوْلَى فِي اللُّغَة بِمَعْنَى أَوْلَى، فَلَمَّا قَالَ :( فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ) بِفَاءِ التَّعْقِيب عُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَوْلَى " أَنَّهُ أَحَقّ وَأَوْلَى.
فَوَجَبَ أَنْ يَكُون أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِمَامَة وَأَنَّهُ مُفْتَرِض الطَّاعَة، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِعَلِيٍّ :( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي ).
قَالُوا : وَمَنْزِلَة هَارُون مَعْرُوفَة، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ فِي النُّبُوَّة وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ أَخًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ خَلِيفَة، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْخِلَافَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا اِحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره فِي هَذَا الْكِتَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْجَوَاب عَنْ الْحَدِيث الْأَوَّل : أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّته، وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى بُطْلَانه بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مُزَيْنَة وَجُهَيْنَة وَغِفَار وَأَسْلَم مَوَالِي دُون النَّاس كُلّهمْ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُون اللَّه وَرَسُوله ).
قَالُوا : فَلَوْ كَانَ قَدْ قَالَ :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ) لَكَانَ أَحَد الْخَبَرَيْنِ كَذِبًا.
جَوَاب ثَانٍ : وَهُوَ أَنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا رَوَاهُ ثِقَة عَنْ ثِقَة فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى إِمَامَته، وَإِنَّمَا يَدُلّ عَلَى فَضِيلَته، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْوَلِيّ، فَيَكُون مَعْنَى الْخَبَر : مَنْ كُنْت وَلِيّه فَعَلِيّ وَلِيّه، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاهُ " [ التَّحْرِيم : ٤ ] أَيْ وَلِيّه.
وَكَانَ الْمَقْصُود مِنْ الْخَبَر أَنْ يَعْلَم النَّاس أَنَّ ظَاهِر عَلِيّ كَبَاطِنِهِ، وَذَلِكَ فَضِيلَة عَظِيمَة لِعَلِيٍّ.
فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّف وَادَّعَى التَّوَاتُر وَالْعِلْم الضَّرُورِيّ بِالنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلُوا عَلَى الْفَوْر بِنَقِيضِ دَعْوَاهُمْ فِي النَّصّ عَلَى أَبِي بَكْر وَبِأَخْبَارٍ فِي ذَلِكَ كَثِيرَة تَقُوم أَيْضًا فِي جُمْلَتهَا مَقَام النَّصّ، ثُمَّ لَا شَكّ فِي تَصْمِيم مَنْ عَدَا الْإِمَامِيَّة عَلَى نَفْي النَّصّ، وَهُمْ الْخَلْق الْكَثِير وَالْجَمّ الْغَفِير.
وَالْعِلْم الضَّرُورِيّ لَا يَجْتَمِع عَلَى نَفْيه مَنْ يَنْحَطّ عَنْ مِعْشَار أَعْدَاد مُخَالِفِي الْإِمَامِيَّة، وَلَوْ جَازَ رَدّ الضَّرُورِيّ فِي ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُنْكِر طَائِفَة بَغْدَاد وَالصِّين الْأَقْصَى وَغَيْرهمَا.
السَّادِسَة : فِي رَدّ الْأَحَادِيث الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا الْإِمَامِيَّة فِي النَّصّ عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَأَنَّ الْأُمَّة كَفَرَتْ بِهَذَا النَّصّ وَارْتَدَّتْ، وَخَالَفَتْ أَمْر الرَّسُول عِنَادًا، مِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ ).
قَالُوا : وَالْمَوْلَى فِي اللُّغَة بِمَعْنَى أَوْلَى، فَلَمَّا قَالَ :( فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ) بِفَاءِ التَّعْقِيب عُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَوْلَى " أَنَّهُ أَحَقّ وَأَوْلَى.
فَوَجَبَ أَنْ يَكُون أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِمَامَة وَأَنَّهُ مُفْتَرِض الطَّاعَة، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِعَلِيٍّ :( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي ).
قَالُوا : وَمَنْزِلَة هَارُون مَعْرُوفَة، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُشَارِكًا لَهُ فِي النُّبُوَّة وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ أَخًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ خَلِيفَة، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْخِلَافَة، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا اِحْتَجُّوا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره فِي هَذَا الْكِتَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْجَوَاب عَنْ الْحَدِيث الْأَوَّل : أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّته، وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى بُطْلَانه بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مُزَيْنَة وَجُهَيْنَة وَغِفَار وَأَسْلَم مَوَالِي دُون النَّاس كُلّهمْ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُون اللَّه وَرَسُوله ).
قَالُوا : فَلَوْ كَانَ قَدْ قَالَ :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ) لَكَانَ أَحَد الْخَبَرَيْنِ كَذِبًا.
جَوَاب ثَانٍ : وَهُوَ أَنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا رَوَاهُ ثِقَة عَنْ ثِقَة فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى إِمَامَته، وَإِنَّمَا يَدُلّ عَلَى فَضِيلَته، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى بِمَعْنَى الْوَلِيّ، فَيَكُون مَعْنَى الْخَبَر : مَنْ كُنْت وَلِيّه فَعَلِيّ وَلِيّه، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاهُ " [ التَّحْرِيم : ٤ ] أَيْ وَلِيّه.
وَكَانَ الْمَقْصُود مِنْ الْخَبَر أَنْ يَعْلَم النَّاس أَنَّ ظَاهِر عَلِيّ كَبَاطِنِهِ، وَذَلِكَ فَضِيلَة عَظِيمَة لِعَلِيٍّ.
جَوَاب ثَالِث : وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَبَر وَرَدَ عَلَى سَبَب، وَذَلِكَ أَنَّ أُسَامَة وَعَلِيًّا اِخْتَصَمَا، فَقَالَ عَلِيّ لِأُسَامَة : أَنْتَ مَوْلَايَ.
فَقَالَ : لَسْت مَوْلَاك، بَلْ أَنَا مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ).
جَوَاب رَابِع : وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّة الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : النِّسَاء سِوَاهَا كَثِير.
شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَ أَهْل النِّفَاق مَجَالًا فَطَعَنُوا عَلَيْهِ وَأَظْهَرُوا الْبَرَاءَة مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَقَال رَدًّا لِقَوْلِهِمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَة مِنْهُ وَالطَّعْن فِيهِ، وَلِهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ قَالُوا : مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِبُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأَمَّا الْحَدِيث الثَّانِي فَلَا خِلَاف أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى الْخِلَافَة بَعْده، وَلَا خِلَاف أَنَّ هَارُون مَاتَ قَبْل مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام - عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ بَيَان وَفَاتَيْهِمَا فِي سُورَة " الْمَائِدَة " - وَمَا كَانَ خَلِيفَة بَعْده وَإِنَّمَا كَانَ الْخَلِيفَة يُوشَع بْن نُون، فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ :( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ) الْخِلَافَة لَقَالَ : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ يُوشَع مِنْ مُوسَى، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ هَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنِّي اِسْتَخْلَفْتُك عَلَى أَهْلِي فِي حَيَاتِي وَغَيْبُوبَتِي عَنْ أَهْلِي، كَمَا كَانَ هَارُون خَلِيفَة مُوسَى عَلَى قَوْمه لَمَّا خَرَجَ إِلَى مُنَاجَاة رَبّه.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيث خَرَجَ عَلَى سَبَب، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَة تَبُوك اِسْتَخْلَفَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَدِينَة عَلَى أَهْله وَقَوْمه، فَأَرْجَفَ بِهِ أَهْل النِّفَاق وَقَالُوا : إِنَّمَا خَلَّفَهُ بُغْضًا وَقِلًى لَهُ، فَخَرَجَ عَلِيّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ :( كَذَبُوا بَلْ خَلَّفْتُك كَمَا خَلَّفَ مُوسَى هَارُون ).
وَقَالَ :( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُون مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ).
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِخْلَاف عَلَى زَعْمهمْ فَقَدْ شَارَكَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْفَضِيلَة غَيْره ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَخْلَفَ فِي كُلّ غَزَاة غَزَاهَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابه، مِنْهُمْ : اِبْن أُمّ مَكْتُوم، وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَصْحَابه، عَلَى أَنَّ مَدَار هَذَا الْخَبَر عَلَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَهُوَ خَبَر وَاحِد.
وَرُوِيَ فِي مُقَابَلَته لِأَبِي بَكْر وَعُمَر مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
فَقَالَ : لَسْت مَوْلَاك، بَلْ أَنَا مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ :( مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ ).
جَوَاب رَابِع : وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّة الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : النِّسَاء سِوَاهَا كَثِير.
شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَ أَهْل النِّفَاق مَجَالًا فَطَعَنُوا عَلَيْهِ وَأَظْهَرُوا الْبَرَاءَة مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَقَال رَدًّا لِقَوْلِهِمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَة مِنْهُ وَالطَّعْن فِيهِ، وَلِهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ قَالُوا : مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِبُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأَمَّا الْحَدِيث الثَّانِي فَلَا خِلَاف أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى الْخِلَافَة بَعْده، وَلَا خِلَاف أَنَّ هَارُون مَاتَ قَبْل مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام - عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ بَيَان وَفَاتَيْهِمَا فِي سُورَة " الْمَائِدَة " - وَمَا كَانَ خَلِيفَة بَعْده وَإِنَّمَا كَانَ الْخَلِيفَة يُوشَع بْن نُون، فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ :( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ) الْخِلَافَة لَقَالَ : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ يُوشَع مِنْ مُوسَى، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ هَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنِّي اِسْتَخْلَفْتُك عَلَى أَهْلِي فِي حَيَاتِي وَغَيْبُوبَتِي عَنْ أَهْلِي، كَمَا كَانَ هَارُون خَلِيفَة مُوسَى عَلَى قَوْمه لَمَّا خَرَجَ إِلَى مُنَاجَاة رَبّه.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا الْحَدِيث خَرَجَ عَلَى سَبَب، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَة تَبُوك اِسْتَخْلَفَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَدِينَة عَلَى أَهْله وَقَوْمه، فَأَرْجَفَ بِهِ أَهْل النِّفَاق وَقَالُوا : إِنَّمَا خَلَّفَهُ بُغْضًا وَقِلًى لَهُ، فَخَرَجَ عَلِيّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ :( كَذَبُوا بَلْ خَلَّفْتُك كَمَا خَلَّفَ مُوسَى هَارُون ).
وَقَالَ :( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُون مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ).
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِخْلَاف عَلَى زَعْمهمْ فَقَدْ شَارَكَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْفَضِيلَة غَيْره ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَخْلَفَ فِي كُلّ غَزَاة غَزَاهَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابه، مِنْهُمْ : اِبْن أُمّ مَكْتُوم، وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَصْحَابه، عَلَى أَنَّ مَدَار هَذَا الْخَبَر عَلَى سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَهُوَ خَبَر وَاحِد.
وَرُوِيَ فِي مُقَابَلَته لِأَبِي بَكْر وَعُمَر مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْفَذَ مُعَاذ بْن جَبَل إِلَى الْيَمَن قِيلَ لَهُ : أَلَا تُنْفِذ أَبَا بَكْر وَعُمَر ؟ فَقَالَ :( إِنَّهُمَا لَا غِنَى بِي عَنْهُمَا إِنَّ مَنْزِلَتهمَا مِنِّي بِمَنْزِلَةِ السَّمْع وَالْبَصَر مِنْ الرَّأْس ).
وَقَالَ :( هُمَا وَزِيرَايَ فِي أَهْل الْأَرْض ).
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( أَبُو بَكْر وَعُمْر بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ).
وَهَذَا الْخَبَر وَرَدَ اِبْتِدَاء، وَخَبَر عَلِيّ وَرَدَ عَلَى سَبَب، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون أَبُو بَكْر أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَكُون بِهِ الْإِمَام إِمَامًا وَذَلِكَ فِي ثَلَاث طُرُق، أَحَدهَا : النَّصّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَاف فِيهِ، وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الْحَنَابِلَة وَجَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَبَكْر اِبْن أُخْت عَبْد الْوَاحِد وَأَصْحَابه وَطَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج.
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَبِي بَكْر بِالْإِشَارَةِ، وَأَبُو بَكْر عَلَى عُمَر.
فَإِذَا نَصَّ الْمُسْتَخْلِف عَلَى وَاحِد مُعَيَّن كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيق، أَوْ عَلَى جَمَاعَة كَمَا فَعَلَ عُمَر، وَهُوَ الطَّرِيق الثَّانِي، وَيَكُون التَّخْيِير إِلَيْهِمْ فِي تَعْيِين وَاحِد مِنْهُمْ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي تَعْيِين عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث : إِجْمَاع أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَة فِي مِصْر مِنْ أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَاتَ إِمَامهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَام وَلَا اِسْتَخْلَفَ فَأَقَامَ أَهْل ذَلِكَ الْمِصْر الَّذِي هُوَ حَضْرَة الْإِمَام وَمَوْضِعه إِمَامًا لِأَنْفُسِهِمْ اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَرَضَوْهُ فَإِنَّ كُلّ مَنْ خَلْفَهُمْ وَأَمَامهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآفَاق يَلْزَمهُمْ الدُّخُول فِي طَاعَة ذَلِكَ الْإِمَام، إِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَام مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ وَالْفَسَاد ; لِأَنَّهَا دَعْوَة مُحِيطَة بِهِمْ تَجِب إِجَابَتهَا وَلَا يَسَع أَحَد التَّخَلُّف عَنْهَا لِمَا فِي إِقَامَة إِمَامَيْنِ مِنْ اِخْتِلَاف الْكَلِمَة وَفَسَاد ذَات الْبَيْن، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( ثَلَاث لَا يَغِلّ عَلَيْهِنَّ قَلْب مُؤْمِن إِخْلَاص الْعَمَل لِلَّهِ وَلُزُوم الْجَمَاعَة وَمُنَاصَحَة وُلَاة الْأَمْر فَإِنَّ دَعْوَة الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطَة ).
الثَّامِنَة : فَإِنْ عَقَدَهَا وَاحِد مِنْ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد فَذَلِكَ ثَابِت وَيَلْزَم الْغَيْر فِعْله، خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاس حَيْثُ قَالَ : لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد، وَدَلِيلنَا أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَقَدَ الْبَيْعَة لِأَبِي بَكْر وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ الصَّحَابَة ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ فَوَجَبَ أَلَّا يُفْتَقَر إِلَى عَدَد يَعْقِدُونَهُ كَسَائِرِ الْعُقُود.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي : مَنْ اِنْعَقَدَتْ لَهُ الْإِمَامَة بِعَقْدٍ وَاحِد فَقَدْ لَزِمَتْ، وَلَا يَجُوز خَلْعه مِنْ غَيْر حَدَث وَتَغَيُّر أَمْر، قَالَ : وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ.
وَقَالَ :( هُمَا وَزِيرَايَ فِي أَهْل الْأَرْض ).
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( أَبُو بَكْر وَعُمْر بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى ).
وَهَذَا الْخَبَر وَرَدَ اِبْتِدَاء، وَخَبَر عَلِيّ وَرَدَ عَلَى سَبَب، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون أَبُو بَكْر أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَكُون بِهِ الْإِمَام إِمَامًا وَذَلِكَ فِي ثَلَاث طُرُق، أَحَدهَا : النَّصّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَاف فِيهِ، وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الْحَنَابِلَة وَجَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب الْحَدِيث وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَبَكْر اِبْن أُخْت عَبْد الْوَاحِد وَأَصْحَابه وَطَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج.
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَبِي بَكْر بِالْإِشَارَةِ، وَأَبُو بَكْر عَلَى عُمَر.
فَإِذَا نَصَّ الْمُسْتَخْلِف عَلَى وَاحِد مُعَيَّن كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيق، أَوْ عَلَى جَمَاعَة كَمَا فَعَلَ عُمَر، وَهُوَ الطَّرِيق الثَّانِي، وَيَكُون التَّخْيِير إِلَيْهِمْ فِي تَعْيِين وَاحِد مِنْهُمْ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ فِي تَعْيِين عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
الطَّرِيق الثَّالِث : إِجْمَاع أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَة فِي مِصْر مِنْ أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَاتَ إِمَامهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَام وَلَا اِسْتَخْلَفَ فَأَقَامَ أَهْل ذَلِكَ الْمِصْر الَّذِي هُوَ حَضْرَة الْإِمَام وَمَوْضِعه إِمَامًا لِأَنْفُسِهِمْ اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَرَضَوْهُ فَإِنَّ كُلّ مَنْ خَلْفَهُمْ وَأَمَامهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآفَاق يَلْزَمهُمْ الدُّخُول فِي طَاعَة ذَلِكَ الْإِمَام، إِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَام مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ وَالْفَسَاد ; لِأَنَّهَا دَعْوَة مُحِيطَة بِهِمْ تَجِب إِجَابَتهَا وَلَا يَسَع أَحَد التَّخَلُّف عَنْهَا لِمَا فِي إِقَامَة إِمَامَيْنِ مِنْ اِخْتِلَاف الْكَلِمَة وَفَسَاد ذَات الْبَيْن، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( ثَلَاث لَا يَغِلّ عَلَيْهِنَّ قَلْب مُؤْمِن إِخْلَاص الْعَمَل لِلَّهِ وَلُزُوم الْجَمَاعَة وَمُنَاصَحَة وُلَاة الْأَمْر فَإِنَّ دَعْوَة الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطَة ).
الثَّامِنَة : فَإِنْ عَقَدَهَا وَاحِد مِنْ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد فَذَلِكَ ثَابِت وَيَلْزَم الْغَيْر فِعْله، خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاس حَيْثُ قَالَ : لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد، وَدَلِيلنَا أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَقَدَ الْبَيْعَة لِأَبِي بَكْر وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ الصَّحَابَة ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ فَوَجَبَ أَلَّا يُفْتَقَر إِلَى عَدَد يَعْقِدُونَهُ كَسَائِرِ الْعُقُود.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي : مَنْ اِنْعَقَدَتْ لَهُ الْإِمَامَة بِعَقْدٍ وَاحِد فَقَدْ لَزِمَتْ، وَلَا يَجُوز خَلْعه مِنْ غَيْر حَدَث وَتَغَيُّر أَمْر، قَالَ : وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ.
التَّاسِعَة : فَإِنْ تَغَلَّبَ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّة الْإِمَامَة وَأَخَذَهَا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَة فَقَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ يَكُون طَرِيقًا رَابِعًا، وَقَدْ سُئِلَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : مَا يَجِب عَلَيْنَا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى بِلَادنَا وَهُوَ إِمَام ؟ قَالَ : تُجِيبهُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا يُطَالِبك مِنْ حَقّه، وَلَا تُنْكِر فِعَاله وَلَا تَفِرّ مِنْهُ وَإِذَا اِئْتَمَنَك عَلَى سِرّ مِنْ أَمْر الدِّين لَمْ تُفْشِهِ.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَلَوْ وَثَبَ عَلَى الْأَمْر مَنْ يَصْلُح لَهُ مِنْ غَيْر مَشُورَة وَلَا اِخْتِيَار وَبَايَعَ لَهُ النَّاس تَمَّتْ لَهُ الْبَيْعَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْعَاشِرَة : وَاخْتُلِفَ فِي الشَّهَادَة عَلَى عَقْد الْإِمَامَة، فَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : إِنَّهُ لَا يُفْتَقَر إِلَى الشُّهُود ; لِأَنَّ الشَّهَادَة لَا تَثْبُت إِلَّا بِسَمْعٍ قَاطِع، وَلَيْسَ هَا هُنَا سَمْع قَاطِع يَدُلّ عَلَى إِثْبَات الشَّهَادَة.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُفْتَقَر إِلَى شُهُود، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اِحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ : لَوْ لَمْ تُعْقَد فِيهِ الشَّهَادَة أَدَّى إِلَى أَنْ يَدَّعِي كُلّ مُدَّعٍ أَنَّهُ عَقَدَ لَهُ سِرًّا، وَتُؤَدِّي إِلَى الْهَرَج وَالْفِتْنَة، فَوَجَبَ أَنْ تَكُون الشَّهَادَة مُعْتَبَرَة وَيَكْفِي فِيهَا شَاهِدَانِ، خِلَافًا لِلْجُبَّائِيّ حَيْثُ قَالَ بِاعْتِبَارِ أَرْبَعَة شُهُود وَعَاقِد وَمَعْقُود لَهُ ; لِأَنَّ عُمَر حَيْثُ جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّة دَلَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَدَلِيلنَا أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْننَا وَبَيْنه أَنَّ شَهَادَة الِاثْنَيْنِ مُعْتَبَرَة، وَمَا زَادَ مُخْتَلَف فِيهِ وَلَمْ يَدُلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل فَيَجِب أَلَّا يُعْتَبَر.
الْحَادِيَة عَشْرَة : فِي شَرَائِط الْإِمَام، وَهِيَ أَحَد عَشَر : الْأَوَّل : أَنْ يَكُون مِنْ صَمِيم قُرَيْش، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش ).
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الثَّانِي : أَنْ يَكُون مِمَّنْ يَصْلُح أَنْ يَكُون قَاضِيًا مِنْ قُضَاة الْمُسْلِمِينَ مُجْتَهِدًا لَا يَحْتَاج إِلَى غَيْره فِي الِاسْتِفْتَاء فِي الْحَوَادِث، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ.
الثَّالِث : أَنْ يَكُون ذَا خِبْرَة وَرَأْي حَصِيف بِأَمْرِ الْحَرْب وَتَدْبِير الْجُيُوش وَسَدّ الثُّغُور وَحِمَايَة الْبَيْضَة وَرَدْع الْأُمَّة وَالِانْتِقَام مِنْ الظَّالِم وَالْأَخْذ لِلْمَظْلُومِ.
الرَّابِع : أَنْ يَكُون مِمَّنْ لَا تَلْحَقهُ رِقَّة فِي إِقَامَة الْحُدُود وَلَا فَزَع مِنْ ضَرْب الرِّقَاب وَلَا قَطْع الْأَبْشَار وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا كُلّه إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كُلّه مُجْتَمِعًا فِيهِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاة وَالْحُكَّام، وَلَهُ أَنْ يُبَاشِر الْفَصْل وَالْحُكْم، وَيَتَفَحَّص أُمُور خُلَفَائِهِ وَقُضَاته، وَلَنْ يَصْلُح لِذَلِكَ كُلّه إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ كُلّه قَيِّمًا بِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِس : أَنْ يَكُون حُرًّا، وَلَا خَفَاء بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّة الْإِمَام وَإِسْلَامه وَهُوَ السَّادِس.
السَّابِع : أَنْ يَكُون ذَكَرًا، سَلِيم الْأَعْضَاء وَهُوَ الثَّامِن.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَلَوْ وَثَبَ عَلَى الْأَمْر مَنْ يَصْلُح لَهُ مِنْ غَيْر مَشُورَة وَلَا اِخْتِيَار وَبَايَعَ لَهُ النَّاس تَمَّتْ لَهُ الْبَيْعَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْعَاشِرَة : وَاخْتُلِفَ فِي الشَّهَادَة عَلَى عَقْد الْإِمَامَة، فَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : إِنَّهُ لَا يُفْتَقَر إِلَى الشُّهُود ; لِأَنَّ الشَّهَادَة لَا تَثْبُت إِلَّا بِسَمْعٍ قَاطِع، وَلَيْسَ هَا هُنَا سَمْع قَاطِع يَدُلّ عَلَى إِثْبَات الشَّهَادَة.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُفْتَقَر إِلَى شُهُود، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اِحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ : لَوْ لَمْ تُعْقَد فِيهِ الشَّهَادَة أَدَّى إِلَى أَنْ يَدَّعِي كُلّ مُدَّعٍ أَنَّهُ عَقَدَ لَهُ سِرًّا، وَتُؤَدِّي إِلَى الْهَرَج وَالْفِتْنَة، فَوَجَبَ أَنْ تَكُون الشَّهَادَة مُعْتَبَرَة وَيَكْفِي فِيهَا شَاهِدَانِ، خِلَافًا لِلْجُبَّائِيّ حَيْثُ قَالَ بِاعْتِبَارِ أَرْبَعَة شُهُود وَعَاقِد وَمَعْقُود لَهُ ; لِأَنَّ عُمَر حَيْثُ جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّة دَلَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَدَلِيلنَا أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْننَا وَبَيْنه أَنَّ شَهَادَة الِاثْنَيْنِ مُعْتَبَرَة، وَمَا زَادَ مُخْتَلَف فِيهِ وَلَمْ يَدُلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل فَيَجِب أَلَّا يُعْتَبَر.
الْحَادِيَة عَشْرَة : فِي شَرَائِط الْإِمَام، وَهِيَ أَحَد عَشَر : الْأَوَّل : أَنْ يَكُون مِنْ صَمِيم قُرَيْش، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش ).
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الثَّانِي : أَنْ يَكُون مِمَّنْ يَصْلُح أَنْ يَكُون قَاضِيًا مِنْ قُضَاة الْمُسْلِمِينَ مُجْتَهِدًا لَا يَحْتَاج إِلَى غَيْره فِي الِاسْتِفْتَاء فِي الْحَوَادِث، وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ.
الثَّالِث : أَنْ يَكُون ذَا خِبْرَة وَرَأْي حَصِيف بِأَمْرِ الْحَرْب وَتَدْبِير الْجُيُوش وَسَدّ الثُّغُور وَحِمَايَة الْبَيْضَة وَرَدْع الْأُمَّة وَالِانْتِقَام مِنْ الظَّالِم وَالْأَخْذ لِلْمَظْلُومِ.
الرَّابِع : أَنْ يَكُون مِمَّنْ لَا تَلْحَقهُ رِقَّة فِي إِقَامَة الْحُدُود وَلَا فَزَع مِنْ ضَرْب الرِّقَاب وَلَا قَطْع الْأَبْشَار وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا كُلّه إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كُلّه مُجْتَمِعًا فِيهِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاة وَالْحُكَّام، وَلَهُ أَنْ يُبَاشِر الْفَصْل وَالْحُكْم، وَيَتَفَحَّص أُمُور خُلَفَائِهِ وَقُضَاته، وَلَنْ يَصْلُح لِذَلِكَ كُلّه إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ كُلّه قَيِّمًا بِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِس : أَنْ يَكُون حُرًّا، وَلَا خَفَاء بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّة الْإِمَام وَإِسْلَامه وَهُوَ السَّادِس.
السَّابِع : أَنْ يَكُون ذَكَرًا، سَلِيم الْأَعْضَاء وَهُوَ الثَّامِن.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة لَا يَجُوز أَنْ تَكُون إِمَامًا وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز كَوْنهَا قَاضِيَة فِيمَا تَجُوز شَهَادَتهَا فِيهِ.
التَّاسِع وَالْعَاشِر : أَنْ يَكُون بَالِغًا عَاقِلًا، وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ.
الْحَادِي عَشَر : أَنْ يَكُون عَدْلًا ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْأُمَّة أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ تُعْقَد الْإِمَامَة لِفَاسِقٍ، وَيَجِب أَنْ يَكُون مِنْ أَفْضَلهمْ فِي الْعِلْم، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَئِمَّتكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ فَانْظُرُوا بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ ).
وَفِي التَّنْزِيل فِي وَصْف طَالُوت :" إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم " [ الْبَقَرَة : ٢٤٧ ] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى الْقُوَّة وَسَلَامَة الْأَعْضَاء.
وَقَوْله :" اِصْطَفَاهُ " مَعْنَاهُ اِخْتَارَهُ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى شَرْط النَّسَب.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون مَعْصُومًا مِنْ الزَّلَل وَالْخَطَأ، وَلَا عَالِمًا بِالْغَيْبِ، وَلَا أَفَرَس الْأُمَّة وَلَا أَشْجَعهمْ، وَلَا أَنْ يَكُون مِنْ بَنِي هَاشِم فَقَطْ دُون غَيْرهمْ مِنْ قُرَيْش، فَإِنَّ الْإِجْمَاع قَدْ اِنْعَقَدَ عَلَى إِمَامَة أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِم.
الثَّانِيَة عَشْرَة : يَجُوز نَصْب الْمَفْضُول مَعَ وُجُود الْفَاضِل خَوْف الْفِتْنَة وَأَلَّا يَسْتَقِيم أَمْر الْأُمَّة، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَام إِنَّمَا نُصِبَ لِدَفْعِ الْعَدُوّ وَحِمَايَة الْبَيْضَة وَسَدّ الْخَلَل وَاسْتِخْرَاج الْحُقُوق وَإِقَامَة الْحُدُود وَجِبَايَة الْأَمْوَال لِبَيْتِ الْمَال وَقِسْمَتهَا عَلَى أَهْلهَا.
فَإِذَا خِيفَ بِإِقَامَةِ الْأَفْضَل الْهَرَج وَالْفَسَاد وَتَعْطِيل الْأُمُور الَّتِي لِأَجْلِهَا يُنَصَّب الْإِمَام كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي الْعُدُول عَنْ الْفَاضِل إِلَى الْمَفْضُول، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِلْم عُمَر وَسَائِر الْأُمَّة وَقْت الشُّورَى بِأَنَّ السِّتَّة فِيهِمْ فَاضِل وَمَفْضُول، وَقَدْ أَجَازَ الْعَقْد لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ إِذَا أَدَّى الْمَصْلَحَة إِلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتهمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْر إِنْكَار أَحَد عَلَيْهِمْ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الثَّالِثَة عَشْرَة : الْإِمَام إِذَا نُصِّبَ ثُمَّ فَسَقَ بَعْد اِنْبِرَام الْعَقْد فَقَالَ الْجُمْهُور : إِنَّهُ تَنْفَسِخ إِمَامَته وَيُخْلَع بِالْفِسْقِ الظَّاهِر الْمَعْلُوم، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَام إِنَّمَا يُقَام لِإِقَامَةِ الْحُدُود وَاسْتِيفَاء الْحُقُوق وَحِفْظ أَمْوَال الْأَيْتَام وَالْمَجَانِين وَالنَّظَر فِي أُمُورهمْ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْره، وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِسْق يُقْعِدهُ عَنْ الْقِيَام بِهَذِهِ الْأُمُور وَالنُّهُوض بِهَا.
فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُون فَاسِقًا أَدَّى إِلَى إِبْطَال مَا أُقِيمَ لِأَجْلِهِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاء إِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْقَد لِلْفَاسِقِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَال مَا أُقِيمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا مِثْله.
التَّاسِع وَالْعَاشِر : أَنْ يَكُون بَالِغًا عَاقِلًا، وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ.
الْحَادِي عَشَر : أَنْ يَكُون عَدْلًا ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْأُمَّة أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ تُعْقَد الْإِمَامَة لِفَاسِقٍ، وَيَجِب أَنْ يَكُون مِنْ أَفْضَلهمْ فِي الْعِلْم، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَئِمَّتكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ فَانْظُرُوا بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ ).
وَفِي التَّنْزِيل فِي وَصْف طَالُوت :" إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم " [ الْبَقَرَة : ٢٤٧ ] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى الْقُوَّة وَسَلَامَة الْأَعْضَاء.
وَقَوْله :" اِصْطَفَاهُ " مَعْنَاهُ اِخْتَارَهُ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى شَرْط النَّسَب.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون مَعْصُومًا مِنْ الزَّلَل وَالْخَطَأ، وَلَا عَالِمًا بِالْغَيْبِ، وَلَا أَفَرَس الْأُمَّة وَلَا أَشْجَعهمْ، وَلَا أَنْ يَكُون مِنْ بَنِي هَاشِم فَقَطْ دُون غَيْرهمْ مِنْ قُرَيْش، فَإِنَّ الْإِجْمَاع قَدْ اِنْعَقَدَ عَلَى إِمَامَة أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِم.
الثَّانِيَة عَشْرَة : يَجُوز نَصْب الْمَفْضُول مَعَ وُجُود الْفَاضِل خَوْف الْفِتْنَة وَأَلَّا يَسْتَقِيم أَمْر الْأُمَّة، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَام إِنَّمَا نُصِبَ لِدَفْعِ الْعَدُوّ وَحِمَايَة الْبَيْضَة وَسَدّ الْخَلَل وَاسْتِخْرَاج الْحُقُوق وَإِقَامَة الْحُدُود وَجِبَايَة الْأَمْوَال لِبَيْتِ الْمَال وَقِسْمَتهَا عَلَى أَهْلهَا.
فَإِذَا خِيفَ بِإِقَامَةِ الْأَفْضَل الْهَرَج وَالْفَسَاد وَتَعْطِيل الْأُمُور الَّتِي لِأَجْلِهَا يُنَصَّب الْإِمَام كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي الْعُدُول عَنْ الْفَاضِل إِلَى الْمَفْضُول، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِلْم عُمَر وَسَائِر الْأُمَّة وَقْت الشُّورَى بِأَنَّ السِّتَّة فِيهِمْ فَاضِل وَمَفْضُول، وَقَدْ أَجَازَ الْعَقْد لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ إِذَا أَدَّى الْمَصْلَحَة إِلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتهمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْر إِنْكَار أَحَد عَلَيْهِمْ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الثَّالِثَة عَشْرَة : الْإِمَام إِذَا نُصِّبَ ثُمَّ فَسَقَ بَعْد اِنْبِرَام الْعَقْد فَقَالَ الْجُمْهُور : إِنَّهُ تَنْفَسِخ إِمَامَته وَيُخْلَع بِالْفِسْقِ الظَّاهِر الْمَعْلُوم، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَام إِنَّمَا يُقَام لِإِقَامَةِ الْحُدُود وَاسْتِيفَاء الْحُقُوق وَحِفْظ أَمْوَال الْأَيْتَام وَالْمَجَانِين وَالنَّظَر فِي أُمُورهمْ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْره، وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِسْق يُقْعِدهُ عَنْ الْقِيَام بِهَذِهِ الْأُمُور وَالنُّهُوض بِهَا.
فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُون فَاسِقًا أَدَّى إِلَى إِبْطَال مَا أُقِيمَ لِأَجْلِهِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاء إِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْقَد لِلْفَاسِقِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَال مَا أُقِيمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا مِثْله.
وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَنْخَلِع إِلَّا بِالْكُفْرِ أَوْ بِتَرْكِ إِقَامَة الصَّلَاة أَوْ التَّرْك إِلَى دُعَائِهَا أَوْ شَيْء مِنْ الشَّرِيعَة، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث عُبَادَة :( وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله قَالَ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدكُمْ مِنْ اللَّه فِيهِ بُرْهَان ).
وَفِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك :( لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاة ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
وَعَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّهُ يُسْتَعْمَل عَلَيْكُمْ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ - قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ :- لَا مَا صَلَّوْا ).
أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.
أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِم.
الرَّابِعَة عَشْرَة : وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَخْلَع نَفْسه إِذَا وَجَدَ فِي نَفْسه نَقْصًا يُؤَثِّر فِي الْإِمَامَة.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَجِد نَقْصًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِل نَفْسه وَيَعْقِد لِغَيْرِهِ ؟ اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَنْخَلِع إِمَامَته.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْإِمَام إِذَا عَزَلَ نَفْسه اِنْعَزَلَ قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي.
وَقَوْل الصَّحَابَة : لَا نُقِيلك وَلَا نَسْتَقِيلك، قَدَّمَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرك رَضِيَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَلَا نَرْضَاك فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ لَأَنْكَرَتْ الصَّحَابَة ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَقَالَتْ لَهُ : لَيْسَ لَك أَنْ تَقُول هَذَا، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَفْعَلهُ.
فَلَمَّا أَقَرَّتْهُ الصَّحَابَة عَلَى ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِمَام نَاظِر لِلْغَيْبِ فَيَجِب أَنْ يَكُون حُكْمه حُكْم الْحَاكِم، وَالْوَكِيل إِذَا عَزَلَ نَفْسه.
فَإِنَّ الْإِمَام هُوَ وَكِيل الْأُمَّة وَنَائِب عَنْهَا، وَلَمَّا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل وَالْحَاكِم وَجَمِيع مَنْ نَابَ عَنْ غَيْره فِي شَيْء لَهُ أَنْ يَعْزِل نَفْسه، وَكَذَلِكَ الْإِمَام يَجِب أَنْ يَكُون مِثْله.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِسَة عَشْرَة : إِذَا اِنْعَقَدَتْ الْإِمَامَة بِاتِّفَاقِ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد أَوْ بِوَاحِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَجَبَ عَلَى النَّاس كَافَّة مُبَايَعَته عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة، وَإِقَامَة كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ تَأَبَّى عَنْ الْبَيْعَة لِعُذْرٍ عُذِرَ، وَمَنْ تَأَبَّى لِغَيْرِ عُذْر جُبِرَ وَقُهِرَ، لِئَلَّا تَفْتَرِق كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَالْخَلِيفَة الْأَوَّل وَقُتِلَ الْآخَر، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْله هَلْ هُوَ مَحْسُوس أَوْ مَعْنًى فَيَكُون عَزْله قَتْله وَمَوْته.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَر مِنْهُمَا ).
رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَفِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك :( لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاة ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
وَعَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّهُ يُسْتَعْمَل عَلَيْكُمْ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ - قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ :- لَا مَا صَلَّوْا ).
أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.
أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِم.
الرَّابِعَة عَشْرَة : وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَخْلَع نَفْسه إِذَا وَجَدَ فِي نَفْسه نَقْصًا يُؤَثِّر فِي الْإِمَامَة.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَجِد نَقْصًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِل نَفْسه وَيَعْقِد لِغَيْرِهِ ؟ اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَنْخَلِع إِمَامَته.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْإِمَام إِذَا عَزَلَ نَفْسه اِنْعَزَلَ قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي.
وَقَوْل الصَّحَابَة : لَا نُقِيلك وَلَا نَسْتَقِيلك، قَدَّمَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرك رَضِيَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَلَا نَرْضَاك فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ لَأَنْكَرَتْ الصَّحَابَة ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَقَالَتْ لَهُ : لَيْسَ لَك أَنْ تَقُول هَذَا، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَفْعَلهُ.
فَلَمَّا أَقَرَّتْهُ الصَّحَابَة عَلَى ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِمَام نَاظِر لِلْغَيْبِ فَيَجِب أَنْ يَكُون حُكْمه حُكْم الْحَاكِم، وَالْوَكِيل إِذَا عَزَلَ نَفْسه.
فَإِنَّ الْإِمَام هُوَ وَكِيل الْأُمَّة وَنَائِب عَنْهَا، وَلَمَّا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل وَالْحَاكِم وَجَمِيع مَنْ نَابَ عَنْ غَيْره فِي شَيْء لَهُ أَنْ يَعْزِل نَفْسه، وَكَذَلِكَ الْإِمَام يَجِب أَنْ يَكُون مِثْله.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِسَة عَشْرَة : إِذَا اِنْعَقَدَتْ الْإِمَامَة بِاتِّفَاقِ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد أَوْ بِوَاحِدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَجَبَ عَلَى النَّاس كَافَّة مُبَايَعَته عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة، وَإِقَامَة كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ تَأَبَّى عَنْ الْبَيْعَة لِعُذْرٍ عُذِرَ، وَمَنْ تَأَبَّى لِغَيْرِ عُذْر جُبِرَ وَقُهِرَ، لِئَلَّا تَفْتَرِق كَلِمَة الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَالْخَلِيفَة الْأَوَّل وَقُتِلَ الْآخَر، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْله هَلْ هُوَ مَحْسُوس أَوْ مَعْنًى فَيَكُون عَزْله قَتْله وَمَوْته.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَر مِنْهُمَا ).
رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول :( وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَة يَده وَثَمَرَة قَلْبه فَلْيُطِعْهُ إِنْ اِسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَر يُنَازِعهُ فَاضْرِبُوا عُنُق الْآخَر ).
رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيث عَرْفَجَة :( فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ).
وَهَذَا أَدَلّ دَلِيل عَلَى مَنْع إِقَامَة إِمَامَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى النِّفَاق وَالْمُخَالَفَة وَالشِّقَاق وَحُدُوث الْفِتَن وَزَوَال النِّعَم، لَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَتْ الْأَقْطَار وَتَبَايَنَتْ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَان جَازَ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّادِسَة عَشْرَة : لَوْ خَرَجَ خَارِجِيّ عَلَى إِمَام مَعْرُوف الْعَدَالَة وَجَبَ عَلَى النَّاس جِهَاده، فَإِنْ كَانَ الْإِمَام فَاسِقًا وَالْخَارِجِيّ مُظْهِر لِلْعَدْلِ لَمْ يَنْبَغِ لِلنَّاسِ أَنْ يُسْرِعُوا إِلَى نُصْرَة الْخَارِجِيّ حَتَّى يَتَبَيَّن أَمْره فِيمَا يُظْهِر مِنْ الْعَدْل، أَوْ تَتَّفِق كَلِمَة الْجَمَاعَة عَلَى خَلْع الْأَوَّل، وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ طَلَبَ مِثْل هَذَا الْأَمْر أَظْهَرَ مِنْ نَفْسه الصَّلَاح حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَ رَجَعَ إِلَى عَادَته مِنْ خِلَاف مَا أَظْهَرَ.
السَّابِعَة عَشْرَة : فَأَمَّا إِقَامَة إِمَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة فِي عَصْر وَاحِد وَبَلَد وَاحِد فَلَا يَجُوز إِجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي : ذَهَبَ أَصْحَابنَا إِلَى مَنْع عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ فِي طَرَفَيْ الْعَالَم، ثُمَّ قَالُوا : لَوْ اِتَّفَقَ عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ نُزِّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَة تَزْوِيج وَلِيَّيْنِ اِمْرَأَة وَاحِدَة مِنْ زَوْجَيْنِ مِنْ غَيْر أَنْ يَشْعُر أَحَدهمَا بِعَقْدِ الْآخَر.
قَالَ : وَاَلَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ فِي صُقْع وَاحِد مُتَضَايِق الْخُطَط وَالْمَخَالِيف غَيْر جَائِز وَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِذَا بَعُدَ الْمَدَى وَتَخَلَّلَ بَيْن الْإِمَامَيْنِ شُسُوع النَّوَى فَلِلِاحْتِمَالِ فِي ذَلِكَ مَجَال وَهُوَ خَارِج عَنْ الْقَوَاطِع.
وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق يُجَوِّز ذَلِكَ فِي إِقْلِيمَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ غَايَة التَّبَاعُد لِئَلَّا تَتَعَطَّل حُقُوق النَّاس وَأَحْكَامهمْ.
وَذَهَبَتْ الْكَرَامِيَّة إِلَى جَوَاز نَصْب إِمَامَيْنِ مِنْ غَيْر تَفْصِيل، وَيَلْزَمهُمْ إِجَازَة ذَلِكَ فِي بَلَد وَاحِد، وَصَارُوا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة كَانَا إِمَامَيْنِ.
قَالُوا : وَإِذَا كَانَا اِثْنَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ أَوْ نَاحِيَتَيْنِ كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَقْوَم بِمَا فِي يَدَيْهِ وَأَضْبَط لِمَا يَلِيه، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَعْثَة نَبِيَّيْنِ فِي عَصْر وَاحِد وَلَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِبْطَال النُّبُوَّة كَانَتْ الْإِمَامَة أَوْلَى، وَلَا تُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِبْطَال الْإِمَامَة.
وَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ جَائِز لَوْلَا مَنْع الشَّرْع مِنْهُ، لِقَوْلِهِ :( فَاقْتُلُوا الْآخَر مِنْهُمَا ) وَلِأَنَّ الْأُمَّة عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَلَمْ يَدَّعِ الْإِمَامَة لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اِدَّعَى وِلَايَة الشَّام بِتَوْلِيَةِ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَئِمَّة.
رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيث عَرْفَجَة :( فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ).
وَهَذَا أَدَلّ دَلِيل عَلَى مَنْع إِقَامَة إِمَامَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى النِّفَاق وَالْمُخَالَفَة وَالشِّقَاق وَحُدُوث الْفِتَن وَزَوَال النِّعَم، لَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَتْ الْأَقْطَار وَتَبَايَنَتْ كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَان جَازَ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّادِسَة عَشْرَة : لَوْ خَرَجَ خَارِجِيّ عَلَى إِمَام مَعْرُوف الْعَدَالَة وَجَبَ عَلَى النَّاس جِهَاده، فَإِنْ كَانَ الْإِمَام فَاسِقًا وَالْخَارِجِيّ مُظْهِر لِلْعَدْلِ لَمْ يَنْبَغِ لِلنَّاسِ أَنْ يُسْرِعُوا إِلَى نُصْرَة الْخَارِجِيّ حَتَّى يَتَبَيَّن أَمْره فِيمَا يُظْهِر مِنْ الْعَدْل، أَوْ تَتَّفِق كَلِمَة الْجَمَاعَة عَلَى خَلْع الْأَوَّل، وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ طَلَبَ مِثْل هَذَا الْأَمْر أَظْهَرَ مِنْ نَفْسه الصَّلَاح حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَ رَجَعَ إِلَى عَادَته مِنْ خِلَاف مَا أَظْهَرَ.
السَّابِعَة عَشْرَة : فَأَمَّا إِقَامَة إِمَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة فِي عَصْر وَاحِد وَبَلَد وَاحِد فَلَا يَجُوز إِجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي : ذَهَبَ أَصْحَابنَا إِلَى مَنْع عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ فِي طَرَفَيْ الْعَالَم، ثُمَّ قَالُوا : لَوْ اِتَّفَقَ عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ نُزِّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَة تَزْوِيج وَلِيَّيْنِ اِمْرَأَة وَاحِدَة مِنْ زَوْجَيْنِ مِنْ غَيْر أَنْ يَشْعُر أَحَدهمَا بِعَقْدِ الْآخَر.
قَالَ : وَاَلَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ عَقْد الْإِمَامَة لِشَخْصَيْنِ فِي صُقْع وَاحِد مُتَضَايِق الْخُطَط وَالْمَخَالِيف غَيْر جَائِز وَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِذَا بَعُدَ الْمَدَى وَتَخَلَّلَ بَيْن الْإِمَامَيْنِ شُسُوع النَّوَى فَلِلِاحْتِمَالِ فِي ذَلِكَ مَجَال وَهُوَ خَارِج عَنْ الْقَوَاطِع.
وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق يُجَوِّز ذَلِكَ فِي إِقْلِيمَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ غَايَة التَّبَاعُد لِئَلَّا تَتَعَطَّل حُقُوق النَّاس وَأَحْكَامهمْ.
وَذَهَبَتْ الْكَرَامِيَّة إِلَى جَوَاز نَصْب إِمَامَيْنِ مِنْ غَيْر تَفْصِيل، وَيَلْزَمهُمْ إِجَازَة ذَلِكَ فِي بَلَد وَاحِد، وَصَارُوا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة كَانَا إِمَامَيْنِ.
قَالُوا : وَإِذَا كَانَا اِثْنَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ أَوْ نَاحِيَتَيْنِ كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَقْوَم بِمَا فِي يَدَيْهِ وَأَضْبَط لِمَا يَلِيه، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَعْثَة نَبِيَّيْنِ فِي عَصْر وَاحِد وَلَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِبْطَال النُّبُوَّة كَانَتْ الْإِمَامَة أَوْلَى، وَلَا تُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى إِبْطَال الْإِمَامَة.
وَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ جَائِز لَوْلَا مَنْع الشَّرْع مِنْهُ، لِقَوْلِهِ :( فَاقْتُلُوا الْآخَر مِنْهُمَا ) وَلِأَنَّ الْأُمَّة عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَلَمْ يَدَّعِ الْإِمَامَة لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اِدَّعَى وِلَايَة الشَّام بِتَوْلِيَةِ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَئِمَّة.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى هَذَا إِجْمَاع الْأُمَّة فِي عَصْرهمَا عَلَى أَنَّ الْإِمَام أَحَدهمَا، وَلَا قَالَ أَحَدهمَا إِنِّي إِمَام وَمُخَالِفِي إِمَام.
فَإِنْ قَالُوا : الْعَقْل لَا يُحِيل ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي السَّمْع مَا يَمْنَع مِنْهُ.
قُلْنَا : أَقْوَى السَّمْع الْإِجْمَاع، وَقَدْ وُجِدَ عَلَى الْمَنْع.
فَإِنْ قَالُوا : الْعَقْل لَا يُحِيل ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي السَّمْع مَا يَمْنَع مِنْهُ.
قُلْنَا : أَقْوَى السَّمْع الْإِجْمَاع، وَقَدْ وُجِدَ عَلَى الْمَنْع.
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
قَدْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَعْلَم إِلَّا مَا أُعْلِمَتْ وَلَا تَسْبِق بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ عَامّ فِي جَمِيع الْمَلَائِكَة ; لِأَنَّ قَوْله :" لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ " خَرَجَ عَلَى جِهَة الْمَدْح لَهُمْ، فَكَيْف قَالُوا :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " ؟ فَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظ خَلِيفَة فَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَم مَنْ يُفْسِد ; إِذْ الْخَلِيفَة الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح وَتَرْك الْفَسَاد، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْم عَلَى الْجَمِيع بِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِد وَمَنْ لَا يُفْسِد فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ :" إِنِّي أَعْلَم " وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُون عِلْمه.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ رَأَتْ وَعَلِمَتْ مَا كَانَ مِنْ إِفْسَاد الْجِنّ وَسَفْكهمْ الدِّمَاء.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْض كَانَ فِيهَا الْجِنّ قَبْل خَلْق آدَم فَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة فَقَتَلَهُمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْبِحَارِ وَرُءُوس الْجِبَال، فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْهُ الْعِزَّة.
فَجَاءَ قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا " عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام الْمَحْض : هَلْ هَذَا الْخَلِيفَة عَلَى طَرِيقَة مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنّ أَمْ لَا ؟ قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب.
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره.
إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْخَلِيفَة سَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّته قَوْم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء، فَقَالُوا لِذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَة، إِمَّا عَلَى طَرِيق التَّعَجُّب مِنْ اِسْتِخْلَاف اللَّه مَنْ يَعْصِيه أَوْ مِنْ عِصْيَان اللَّه مَنْ يَسْتَخْلِفهُ فِي أَرْضه وَيُنْعِم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيق الِاسْتِعْظَام وَالْإِكْبَار لِلْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا : الِاسْتِخْلَاف وَالْعِصْيَان.
وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ فِي الْأَرْض خَلْقًا أَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَسَأَلُوا حِين قَالَ تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " أَهُوَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ أَمْ غَيْره.
وَهَذَا قَوْل حَسَن، رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " قَالَ : كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَلِذَلِكَ قَالُوا :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا ".
وَفِي الْكَلَام حَذْف عَلَى مَذْهَبه، وَالْمَعْنَى إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَفْعَل كَذَا وَيَفْعَل كَذَا، فَقَالُوا : أَتَجْعَلُ فِيهَا الَّذِي أَعْلَمْتنَاهُ أَمْ غَيْره ؟ وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن جِدًّا ; لِأَنَّ فِيهِ اِسْتِخْرَاج الْعِلْم وَاسْتِنْبَاطه مِنْ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظ وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْعُلَمَاء، وَمَا بَيْن الْقَوْلَيْنِ حَسَن، فَتَأَمَّلْهُ.
قَدْ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَة لَا تَعْلَم إِلَّا مَا أُعْلِمَتْ وَلَا تَسْبِق بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ عَامّ فِي جَمِيع الْمَلَائِكَة ; لِأَنَّ قَوْله :" لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ " خَرَجَ عَلَى جِهَة الْمَدْح لَهُمْ، فَكَيْف قَالُوا :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " ؟ فَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لَفْظ خَلِيفَة فَهِمُوا أَنَّ فِي بَنِي آدَم مَنْ يُفْسِد ; إِذْ الْخَلِيفَة الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِصْلَاح وَتَرْك الْفَسَاد، لَكِنْ عَمَّمُوا الْحُكْم عَلَى الْجَمِيع بِالْمَعْصِيَةِ، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُفْسِد وَمَنْ لَا يُفْسِد فَقَالَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ :" إِنِّي أَعْلَم " وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء، وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَكْنُون عِلْمه.
وَقِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة قَدْ رَأَتْ وَعَلِمَتْ مَا كَانَ مِنْ إِفْسَاد الْجِنّ وَسَفْكهمْ الدِّمَاء.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْض كَانَ فِيهَا الْجِنّ قَبْل خَلْق آدَم فَأَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ إِبْلِيس فِي جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة فَقَتَلَهُمْ وَأَلْحَقَهُمْ بِالْبِحَارِ وَرُءُوس الْجِبَال، فَمِنْ حِينَئِذٍ دَخَلَتْهُ الْعِزَّة.
فَجَاءَ قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا " عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام الْمَحْض : هَلْ هَذَا الْخَلِيفَة عَلَى طَرِيقَة مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْجِنّ أَمْ لَا ؟ قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب.
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره.
إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْخَلِيفَة سَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّته قَوْم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاء، فَقَالُوا لِذَلِكَ هَذِهِ الْمَقَالَة، إِمَّا عَلَى طَرِيق التَّعَجُّب مِنْ اِسْتِخْلَاف اللَّه مَنْ يَعْصِيه أَوْ مِنْ عِصْيَان اللَّه مَنْ يَسْتَخْلِفهُ فِي أَرْضه وَيُنْعِم عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِمَّا عَلَى طَرِيق الِاسْتِعْظَام وَالْإِكْبَار لِلْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا : الِاسْتِخْلَاف وَالْعِصْيَان.
وَقَالَ قَتَادَة : كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ فِي الْأَرْض خَلْقًا أَفْسَدُوا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَسَأَلُوا حِين قَالَ تَعَالَى :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " أَهُوَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ أَمْ غَيْره.
وَهَذَا قَوْل حَسَن، رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " قَالَ : كَانَ اللَّه أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْأَرْض خَلْق أَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاء، فَلِذَلِكَ قَالُوا :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا ".
وَفِي الْكَلَام حَذْف عَلَى مَذْهَبه، وَالْمَعْنَى إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة يَفْعَل كَذَا وَيَفْعَل كَذَا، فَقَالُوا : أَتَجْعَلُ فِيهَا الَّذِي أَعْلَمْتنَاهُ أَمْ غَيْره ؟ وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن جِدًّا ; لِأَنَّ فِيهِ اِسْتِخْرَاج الْعِلْم وَاسْتِنْبَاطه مِنْ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظ وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْعُلَمَاء، وَمَا بَيْن الْقَوْلَيْنِ حَسَن، فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ :( كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ) - عَلَى مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره - إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ لِمَنْ قَالَ : أَتَجْعَلُ فِيهَا، وَإِظْهَار لِمَا سَبَقَ فِي مَعْلُومه إِذْ قَالَ لَهُمْ :" إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ ".
قَوْله :" مَنْ يُفْسِد فِيهَا " " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول بِتَجْعَل وَالْمَفْعُول الثَّانِي يَقُوم مَقَامه " فِيهَا ".
" يُفْسِد " عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يُفْسِدُونَ عَلَى الْمَعْنَى.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك " [ الْأَنْعَام : ٢٥ ] عَلَى اللَّفْظ، " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ " عَلَى الْمَعْنَى.
قَوْله :" مَنْ يُفْسِد فِيهَا " " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول بِتَجْعَل وَالْمَفْعُول الثَّانِي يَقُوم مَقَامه " فِيهَا ".
" يُفْسِد " عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يُفْسِدُونَ عَلَى الْمَعْنَى.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك " [ الْأَنْعَام : ٢٥ ] عَلَى اللَّفْظ، " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ " عَلَى الْمَعْنَى.
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
عَطْف عَلَيْهِ، وَيَجُوز فِيهِ الْوَجْهَانِ.
وَرَوَى أُسَيْد عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ :" وَيَسْفِك الدِّمَاء " بِالنَّصْبِ، يَجْعَلهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ :
وَالسَّفْك : الصَّبّ.
سَفَكْت الدَّم أَسْفِكهُ سَفْكًا : صَبَبْته، وَكَذَلِكَ الدَّمْع، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ.
وَالسَّفَّاك : السَّفَّاح، وَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْكَلَام.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يُسْتَعْمَل السَّفْك إِلَّا فِي الدَّم، وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي نَثْر الْكَلَام يُقَال سَفَكَ الْكَلَام إِذَا نَثَرَهُ.
وَوَاحِد الدِّمَاء دَم، مَحْذُوف اللَّام.
وَقِيلَ : أَصْله دَمِي.
وَقِيلَ دَمِي، وَلَا يَكُون اِسْم عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ، وَالْمَحْذُوف مِنْهُ يَاء وَقَدْ نُطِقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل، قَالَ الشَّاعِر :
عَطْف عَلَيْهِ، وَيَجُوز فِيهِ الْوَجْهَانِ.
وَرَوَى أُسَيْد عَنْ الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ :" وَيَسْفِك الدِّمَاء " بِالنَّصْبِ، يَجْعَلهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ :
| أَلَمْ أَكُ جَاركُمْ وَتَكُون بَيْنِي | وَبَيْنكُمْ الْمَوَدَّة وَالْإِخَاء |
سَفَكْت الدَّم أَسْفِكهُ سَفْكًا : صَبَبْته، وَكَذَلِكَ الدَّمْع، حَكَاهُ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ.
وَالسَّفَّاك : السَّفَّاح، وَهُوَ الْقَادِر عَلَى الْكَلَام.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَا يُسْتَعْمَل السَّفْك إِلَّا فِي الدَّم، وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي نَثْر الْكَلَام يُقَال سَفَكَ الْكَلَام إِذَا نَثَرَهُ.
وَوَاحِد الدِّمَاء دَم، مَحْذُوف اللَّام.
وَقِيلَ : أَصْله دَمِي.
وَقِيلَ دَمِي، وَلَا يَكُون اِسْم عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ، وَالْمَحْذُوف مِنْهُ يَاء وَقَدْ نُطِقَ بِهِ عَلَى الْأَصْل، قَالَ الشَّاعِر :
| فَلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَر ذُبِحْنَا | جَرَى الدَّميَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِين |
| أَقُول لَمَّا جَاءَنِي فَخْره | سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر |
وَرَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَفْسِير سُبْحَان اللَّه فَقَالَ :( هُوَ تَنْزِيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُلّ سُوء ).
وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السَّبْح وَهُوَ الْجَرْي وَالذَّهَاب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ لَك فِي النَّهَار سَبْحًا طَوِيلًا " [ الْمُزَّمِّل : ٧ ] فَالْمُسَبِّح جَارٍ فِي تَنْزِيه اللَّه تَعَالَى وَتَبْرِئَته مِنْ السُّوء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي " نَحْنُ "، وَلَا يَجُوز إِدْغَام النُّون فِي النُّون لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَسْبِيح الْمَلَائِكَة، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : تَسْبِيحهمْ صَلَاتهمْ، وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ " [ الصَّافَّات : ١٤٣ ] أَيْ الْمُصَلِّينَ.
وَقِيلَ : تَسْبِيحهمْ رَفْع الصَّوْت بِالذِّكْرِ، قَالَهُ الْمُفَضَّل، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ جَرِير :
| قَبَّحَ الْإِلَه وُجُوه تَغْلِب كُلَّمَا | سَبَّحَ الْحَجِيج وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا |
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ سَمِعَ تَسْبِيحًا فِي السَّمَوَات الْعُلَا : سُبْحَان الْعَلِيّ الْأَعْلَى سُبْحَانه وَتَعَالَى ذِكْره الْبَيْهَقِيّ.
قَوْله تَعَالَى " بِحَمْدِك " أَيْ وَبِحَمْدِك نَخْلِط التَّسْبِيح بِالْحَمْدِ وَنَصِلهُ بِهِ.
وَالْحَمْد : الثَّنَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْلهمْ :" بِحَمْدِك " اِعْتِرَاضًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا : وَنَحْنُ نُسَبِّح وَنُقَدِّس، ثُمَّ اِعْتَرَضُوا عَلَى جِهَة التَّسْلِيم، أَيْ وَأَنْتَ الْمَحْمُود فِي الْهِدَايَة إِلَى ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَنُقَدِّسُ لَكَ
أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك وَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ، قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ قَتَادَة :" نُقَدِّس لَك " مَعْنَاهُ نُصَلِّي.
وَالتَّقْدِيس : الصَّلَاة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف.
قُلْت : بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح، فَإِنَّ الصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده :( سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح ).
رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَبِنَاء " قَدَّسَ " كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " [ الْمَائِدَة : ٢١ ] أَيْ الْمُطَهَّرَة.
وَقَالَ :" الْمَلِك الْقُدُّوس " [ الْحَشْر : ٢٣ ] يَعْنِي الطَّاهِر، وَمِثْله :" بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى " [ طَه : ١٢ ] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ : قَدَس ; لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر، وَمِنْهُ الْقَادُوس.
وَفِي الْحَدِيث :( لَا قُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا ).
يُرِيد لَا طَهَّرَهَا اللَّه، أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
فَالْقُدْس : الطُّهْر مِنْ غَيْر خِلَاف، وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيْ الْمُطَهَّر.
فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب، وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال، وَاَللَّه أَعْلَم.
أَيْ نُعَظِّمك وَنُمَجِّدك وَنُطَهِّر ذِكْرك عَمَّا لَا يَلِيق بِك مِمَّا نَسَبَك إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ، قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَغَيْرهمَا.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : الْمَعْنَى نُطَهِّر أَنْفُسنَا لَك اِبْتِغَاء مَرْضَاتك وَقَالَ قَوْم مِنْهُمْ قَتَادَة :" نُقَدِّس لَك " مَعْنَاهُ نُصَلِّي.
وَالتَّقْدِيس : الصَّلَاة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف.
قُلْت : بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح، فَإِنَّ الصَّلَاة تَشْتَمِل عَلَى التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده :( سُبُّوح قُدُّوس رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح ).
رَوَتْهُ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَبِنَاء " قَدَّسَ " كَيْفَمَا تَصَرَّفَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّطْهِير، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة " [ الْمَائِدَة : ٢١ ] أَيْ الْمُطَهَّرَة.
وَقَالَ :" الْمَلِك الْقُدُّوس " [ الْحَشْر : ٢٣ ] يَعْنِي الطَّاهِر، وَمِثْله :" بِالْوَاد الْمُقَدَّس طُوًى " [ طَه : ١٢ ] وَبَيْت الْمَقْدِس سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنْ الذُّنُوب أَيْ يُتَطَهَّر، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّطْلِ : قَدَس ; لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأ فِيهِ وَيُتَطَهَّر، وَمِنْهُ الْقَادُوس.
وَفِي الْحَدِيث :( لَا قُدِّسَتْ أُمَّة لَا يُؤْخَذ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيّهَا ).
يُرِيد لَا طَهَّرَهَا اللَّه، أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
فَالْقُدْس : الطُّهْر مِنْ غَيْر خِلَاف، وَقَالَ الشَّاعِر :
| فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنَّسَا | كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَان ثَوْب الْمُقَدَّس |
فَالصَّلَاة طُهْرَة لِلْعَبْدِ مِنْ الذُّنُوب، وَالْمُصَلِّي يَدْخُلهَا عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال لِكَوْنِهَا أَفْضَل الْأَعْمَال، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
" أَعْلَم " فِيهِ تَأْوِيلَانِ، قِيلَ : إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل.
وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم بِمَعْنَى فَاعِل، كَمَا يُقَال : اللَّه أَكْبَر، بِمَعْنَى كَبِير، وَكَمَا قَالَ :
فَعَلَى أَنَّهُ فِعْل تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِأَعْلَم، وَيَجُوز إِدْغَام الْمِيم فِي الْمِيم.
وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًا بِمَعْنَى عَالِم تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة، وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي " أَفْعَل " إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة، فَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ، وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي " أَعْلَم " إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَى عَالِم، وَتَنْصِب " مَا " بِهِ، فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه، بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْ حَجَجْنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت : حَوَاجّ بَيْت اللَّه، فَتَنْصِب الْبَيْت، لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ.
قَوْله تَعَالَى " مَا لَا تَعْلَمُونَ " اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَا لَا تَعْلَمُونَ ".
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاء وَشَرَّفَهُ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ، فَاسْتَخَفَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة :" وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَهِيَ لَا تَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ :" إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ].
وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاء وَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ ".
قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن، فَهُوَ عَامّ.
" أَعْلَم " فِيهِ تَأْوِيلَانِ، قِيلَ : إِنَّهُ فِعْل مُسْتَقْبَل.
وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم بِمَعْنَى فَاعِل، كَمَا يُقَال : اللَّه أَكْبَر، بِمَعْنَى كَبِير، وَكَمَا قَالَ :
| لَعَمْرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَل | عَلَى أَيّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّة أَوَّل |
وَإِنْ جَعَلْته اِسْمًا بِمَعْنَى عَالِم تَكُون " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا يَصِحّ فِيهِ الصَّرْف بِإِجْمَاعٍ مِنْ النُّحَاة، وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي " أَفْعَل " إِذَا سُمِّيَ بِهِ وَكَانَ نَكِرَة، فَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل لَا يَصْرِفَانِهِ، وَالْأَخْفَش يَصْرِفهُ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ تُقَدِّر التَّنْوِين فِي " أَعْلَم " إِذَا قَدَّرْته بِمَعْنَى عَالِم، وَتَنْصِب " مَا " بِهِ، فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنِسْوَة حَوَاجّ بَيْت اللَّه، بِالْإِضَافَةِ إِذَا كُنَّ قَدْ حَجَجْنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَجْنَ قُلْت : حَوَاجّ بَيْت اللَّه، فَتَنْصِب الْبَيْت، لِأَنَّك تُرِيد التَّنْوِين فِي حَوَاجّ.
قَوْله تَعَالَى " مَا لَا تَعْلَمُونَ " اِخْتَلَفَ عُلَمَاء التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَا لَا تَعْلَمُونَ ".
فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - قَدْ أُعْجِبَ وَدَخَلَهُ الْكِبْر لَمَّا جَعَلَهُ خَازِن السَّمَاء وَشَرَّفَهُ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لِمَزِيَّةٍ لَهُ، فَاسْتَخَفَّ الْكُفْر وَالْمَعْصِيَة فِي جَانِب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة :" وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَهِيَ لَا تَعْلَم أَنَّ فِي نَفْس إِبْلِيس خِلَاف ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ :" إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ].
وَقَالَ قَتَادَة : لَمَّا قَالَتْ الْمَلَائِكَة " أَتَجْعَلُ فِيهَا " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِيمَنْ يُسْتَخْلَف فِي الْأَرْض أَنْبِيَاء وَفُضَلَاء وَأَهْل طَاعَة قَالَ لَهُمْ " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ ".
قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا كَانَ وَمِمَّا يَكُون وَمِمَّا هُوَ كَائِن، فَهُوَ عَامّ.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا
" عَلَّمَ " عَرَّفَ.
وَتَعْلِيمه هُنَا إِلْهَام عِلْمه ضَرُورَة.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون بِوَاسِطَةِ مَلَك وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقُرِئَ :" وَعُلِّمَ " غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : عَلِمَهَا بِتَعْلِيمِ الْحَقّ إِيَّاهُ وَحَفِظَهَا بِحِفْظِهِ عَلَيْهِ وَنَسِيَ مَا عُهِدَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ وَكَلَهُ فِيهِ إِلَى نَفْسه فَقَالَ :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا ".
[ طَه : ١١٥ ].
وَقَالَ اِبْن عَطَاء : لَوْ لَمْ يَكْشِف لِآدَم عِلْم تِلْكَ الْأَسْمَاء لَكَانَ أَعْجَز مِنْ الْمَلَائِكَة فِي الْإِخْبَار عَنْهَا.
وَهَذَا وَاضِح.
وَآدَم عَلَيْهِ السَّلَام يُكَنَّى أَبَا الْبَشَر.
وَقِيلَ : أَبَا مُحَمَّد، كُنِّي بِمُحَمَّدٍ خَاتَم الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، قَالَهُ السُّهَيْلِيّ.
وَقِيلَ : كُنْيَته فِي الْجَنَّة أَبُو مُحَمَّد، وَفِي الْأَرْض أَبُو الْبَشَر.
وَأَصْله بِهَمْزَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ أَفْعَل إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَّنُوا الثَّانِيَة، فَإِذَا اِحْتَجْت إِلَى تَحْرِيكهَا جَعَلْتهَا وَاوًا فَقُلْت : أَوَادِم فِي الْجَمْع لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَصْل فِي الْيَاء مَعْرُوف، فَجُعِلَتْ الْغَالِب عَلَيْهَا الْوَاو، عَنْ الْأَخْفَش.
وَاخْتُلِفَ فِي اِشْتِقَاقه، فَقِيلَ : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ أَدَمَة الْأَرْض وَأَدِيمهَا وَهُوَ وَجْههَا، فَسُمِّيَ بِمَا خُلِقَ مِنْهُ، قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأُدْمَة وَهِيَ السُّمْرَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُدْمَة، فَزَعَمَ الضَّحَّاك أَنَّهَا السُّمْرَة، وَزَعَمَ النَّضْر أَنَّهَا الْبَيَاض، وَأَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَبْيَض، مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة أَدْمَاء، إِذَا كَانَتْ بَيْضَاء.
وَعَلَى هَذَا الِاشْتِقَاق جَمْعه أُدْم وَأَوَادِم، كَحُمْرٍ وَأَحَامِر، وَلَا يَنْصَرِف بِوَجْهٍ.
وَعَلَى أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأُدْمَة جَمْعه آدَمُونَ، وَيَلْزَم قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة صَرْفه.
قُلْت : الصَّحِيح أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ أَدِيم الْأَرْض.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّمَا سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ نَسِيَ، ذَكَرَهُ اِبْن سَعْد فِي الطَّبَقَات.
وَرَوَى السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود فِي قِصَّة خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَرْض لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتْ الْأَرْض : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْك أَنْ تَنْقُص مِنِّي أَوْ تَشِيننِي، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذ وَقَالَ : يَا رَبّ إِنَّهَا عَاذَتْ بِك فَأَعَذْتهَا.
فَبَعَثَ مِيكَائِيل فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل، فَبَعَثَ مَلَك الْمَوْت فَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ : وَأَنَا أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَرْجِع وَلَمْ أُنَفِّذ أَمْره.
" عَلَّمَ " عَرَّفَ.
وَتَعْلِيمه هُنَا إِلْهَام عِلْمه ضَرُورَة.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون بِوَاسِطَةِ مَلَك وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقُرِئَ :" وَعُلِّمَ " غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : عَلِمَهَا بِتَعْلِيمِ الْحَقّ إِيَّاهُ وَحَفِظَهَا بِحِفْظِهِ عَلَيْهِ وَنَسِيَ مَا عُهِدَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ وَكَلَهُ فِيهِ إِلَى نَفْسه فَقَالَ :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا ".
[ طَه : ١١٥ ].
وَقَالَ اِبْن عَطَاء : لَوْ لَمْ يَكْشِف لِآدَم عِلْم تِلْكَ الْأَسْمَاء لَكَانَ أَعْجَز مِنْ الْمَلَائِكَة فِي الْإِخْبَار عَنْهَا.
وَهَذَا وَاضِح.
وَآدَم عَلَيْهِ السَّلَام يُكَنَّى أَبَا الْبَشَر.
وَقِيلَ : أَبَا مُحَمَّد، كُنِّي بِمُحَمَّدٍ خَاتَم الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ، قَالَهُ السُّهَيْلِيّ.
وَقِيلَ : كُنْيَته فِي الْجَنَّة أَبُو مُحَمَّد، وَفِي الْأَرْض أَبُو الْبَشَر.
وَأَصْله بِهَمْزَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ أَفْعَل إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَّنُوا الثَّانِيَة، فَإِذَا اِحْتَجْت إِلَى تَحْرِيكهَا جَعَلْتهَا وَاوًا فَقُلْت : أَوَادِم فِي الْجَمْع لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَصْل فِي الْيَاء مَعْرُوف، فَجُعِلَتْ الْغَالِب عَلَيْهَا الْوَاو، عَنْ الْأَخْفَش.
وَاخْتُلِفَ فِي اِشْتِقَاقه، فَقِيلَ : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ أَدَمَة الْأَرْض وَأَدِيمهَا وَهُوَ وَجْههَا، فَسُمِّيَ بِمَا خُلِقَ مِنْهُ، قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأُدْمَة وَهِيَ السُّمْرَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُدْمَة، فَزَعَمَ الضَّحَّاك أَنَّهَا السُّمْرَة، وَزَعَمَ النَّضْر أَنَّهَا الْبَيَاض، وَأَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَبْيَض، مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة أَدْمَاء، إِذَا كَانَتْ بَيْضَاء.
وَعَلَى هَذَا الِاشْتِقَاق جَمْعه أُدْم وَأَوَادِم، كَحُمْرٍ وَأَحَامِر، وَلَا يَنْصَرِف بِوَجْهٍ.
وَعَلَى أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأُدْمَة جَمْعه آدَمُونَ، وَيَلْزَم قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة صَرْفه.
قُلْت : الصَّحِيح أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ أَدِيم الْأَرْض.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّمَا سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض، وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ نَسِيَ، ذَكَرَهُ اِبْن سَعْد فِي الطَّبَقَات.
وَرَوَى السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود فِي قِصَّة خَلْق آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَرْض لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتْ الْأَرْض : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْك أَنْ تَنْقُص مِنِّي أَوْ تَشِيننِي، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذ وَقَالَ : يَا رَبّ إِنَّهَا عَاذَتْ بِك فَأَعَذْتهَا.
فَبَعَثَ مِيكَائِيل فَعَاذَتْ مِنْهُ فَأَعَاذَهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل، فَبَعَثَ مَلَك الْمَوْت فَعَاذَتْ مِنْهُ فَقَالَ : وَأَنَا أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَرْجِع وَلَمْ أُنَفِّذ أَمْره.
فَأَخَذَ مِنْ وَجْه الْأَرْض وَخَلَطَ، وَلَمْ يَأْخُذ مِنْ مَكَان وَاحِد، وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَة حَمْرَاء وَبَيْضَاء وَسَوْدَاء، فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَم مُخْتَلِفِينَ - وَلِذَلِكَ سُمِّيَ آدَم لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ أَدِيم الْأَرْض - فَصَعِدَ بِهِ، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ :( أَمَا رَحِمْت الْأَرْض حِين تَضَرَّعَتْ إِلَيْك ) فَقَالَ : رَأَيْت أَمْرك أَوْجَب مِنْ قَوْلِهَا.
فَقَالَ :( أَنْتَ تَصْلُح لِقَبْضِ أَرْوَاح وَلَده ) فَبَلَّ التُّرَاب حَتَّى عَادَ طِينًا لَازِبًا، اللَّازِب : هُوَ الَّذِي يَلْتَصِق بَعْضه بِبَعْضٍ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُول :" مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " [ الْحِجْر : ٢٦ ] قَالَ : مُنْتِن.
ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين.
فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص :
٧١ - ٧٢ ].
فَخَلَقَهُ اللَّه بِيَدِهِ لِكَيْلَا يَتَكَبَّر إِبْلِيس عَنْهُ.
يَقُول : أَتَتَكَبَّرُ عَمَّا خَلَقْت بِيَدَيَّ وَلَمْ أَتَكَبَّر أَنَا عَنْهُ فَخَلَقَهُ بَشَرًا فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِين أَرْبَعِينَ سَنَة مِنْ مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة، فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَة فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَدّهمْ مِنْهُ فَزَعًا إِبْلِيس فَكَانَ يَمُرّ بِهِ فَيَضْرِبهُ فَيُصَوِّت الْجَسَد كَمَا يُصَوِّت الْفَخَّار تَكُون لَهُ صَلْصَلَة، فَذَلِكَ حِين يَقُول :" مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ " [ الرَّحْمَن : ١٤ ].
وَيَقُول لِأَمْرٍ مَا خُلِقْت.
وَدَخَلَ مِنْ فَمه وَخَرَجَ مِنْ دُبُره، فَقَالَ إِبْلِيس لِلْمَلَائِكَةِ : لَا تَرْهَبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ أَجْوَف وَلَئِنْ سُلِّطْت عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنهُ.
وَيُقَال : إِنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمَلَائِكَة يَقُول : أَرَأَيْتُمْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَرَوْا مِنْ الْخَلَائِق يُشْبِههُ إِنْ فُضِّلَ عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ قَالُوا : نُطِيع أَمْر رَبّنَا فَأَسَرَّ إِبْلِيس فِي نَفْسه لَئِنْ فُضِّلَ عَلَيَّ فَلَا أُطِيعهُ، وَلَئِنْ فُضِّلْت عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحِين الَّذِي أُرِيدَ أَنْ يُنْفَخ فِيهِ الرُّوح قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِذَا نَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نُفِخَ فِيهِ الرُّوح فَدَخَلَ الرُّوح فِي رَأْسه عَطَسَ، فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة : قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ، فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّه لَهُ : رَحِمك رَبّك، فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَار الْجَنَّة، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفه اِشْتَهَى الطَّعَام فَوَثَبَ قَبْل أَنْ يَبْلُغ الرُّوح رِجْلَيْهِ عَجْلَان إِلَى ثِمَار الْجَنَّة، فَذَلِكَ حِين يَقُول :" خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٧ ] " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيس أَبَى أَنْ يَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ " [ الْحِجْر :
٣٠ - ٣١ ] وَذَكَرَ الْقِصَّة.
فَقَالَ :( أَنْتَ تَصْلُح لِقَبْضِ أَرْوَاح وَلَده ) فَبَلَّ التُّرَاب حَتَّى عَادَ طِينًا لَازِبًا، اللَّازِب : هُوَ الَّذِي يَلْتَصِق بَعْضه بِبَعْضٍ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُول :" مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " [ الْحِجْر : ٢٦ ] قَالَ : مُنْتِن.
ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين.
فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص :
٧١ - ٧٢ ].
فَخَلَقَهُ اللَّه بِيَدِهِ لِكَيْلَا يَتَكَبَّر إِبْلِيس عَنْهُ.
يَقُول : أَتَتَكَبَّرُ عَمَّا خَلَقْت بِيَدَيَّ وَلَمْ أَتَكَبَّر أَنَا عَنْهُ فَخَلَقَهُ بَشَرًا فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِين أَرْبَعِينَ سَنَة مِنْ مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة، فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَة فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَدّهمْ مِنْهُ فَزَعًا إِبْلِيس فَكَانَ يَمُرّ بِهِ فَيَضْرِبهُ فَيُصَوِّت الْجَسَد كَمَا يُصَوِّت الْفَخَّار تَكُون لَهُ صَلْصَلَة، فَذَلِكَ حِين يَقُول :" مِنْ صَلْصَال كَالْفَخَّارِ " [ الرَّحْمَن : ١٤ ].
وَيَقُول لِأَمْرٍ مَا خُلِقْت.
وَدَخَلَ مِنْ فَمه وَخَرَجَ مِنْ دُبُره، فَقَالَ إِبْلِيس لِلْمَلَائِكَةِ : لَا تَرْهَبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ أَجْوَف وَلَئِنْ سُلِّطْت عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنهُ.
وَيُقَال : إِنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمَلَائِكَة يَقُول : أَرَأَيْتُمْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَرَوْا مِنْ الْخَلَائِق يُشْبِههُ إِنْ فُضِّلَ عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ قَالُوا : نُطِيع أَمْر رَبّنَا فَأَسَرَّ إِبْلِيس فِي نَفْسه لَئِنْ فُضِّلَ عَلَيَّ فَلَا أُطِيعهُ، وَلَئِنْ فُضِّلْت عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحِين الَّذِي أُرِيدَ أَنْ يُنْفَخ فِيهِ الرُّوح قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِذَا نَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نُفِخَ فِيهِ الرُّوح فَدَخَلَ الرُّوح فِي رَأْسه عَطَسَ، فَقَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة : قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ، فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّه لَهُ : رَحِمك رَبّك، فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَار الْجَنَّة، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفه اِشْتَهَى الطَّعَام فَوَثَبَ قَبْل أَنْ يَبْلُغ الرُّوح رِجْلَيْهِ عَجْلَان إِلَى ثِمَار الْجَنَّة، فَذَلِكَ حِين يَقُول :" خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٧ ] " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيس أَبَى أَنْ يَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ " [ الْحِجْر :
٣٠ - ٣١ ] وَذَكَرَ الْقِصَّة.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَم مِنْ قَبْضَة قَبَضَهَا مِنْ جَمِيع الْأَرْض فَجَاءَ بَنُو آدَم عَلَى قَدْر الْأَرْض فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَر وَالْأَبْيَض وَالْأَسْوَد وَبَيْن ذَلِكَ وَالسَّهْل وَالْحَزْن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب ).
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
أَدِيم : جَمْع أَدَم، قَالَ الشَّاعِر :
فَآدَم مُشْتَقّ مِنْ الْأَدِيم وَالْأَدَم لَا مِنْ الْأُدْمَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي خَلْق آدَم فِي " الْأَنْعَام " وَغَيْرهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَ " آدَم " لَا يَنْصَرِف.
قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس :" آدَم لَا يَنْصَرِف فِي الْمَعْرِفَة بِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ، لِأَنَّهُ عَلَى أَفْعَل وَهُوَ مَعْرِفَة، وَلَا يَمْتَنِع شَيْء مِنْ الصَّرْف عِنْد الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا لِعِلَّتَيْنِ.
فَإِنْ نَكَّرْته وَلَمْ يَكُنْ نَعْتًا لَمْ يَصْرِفهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ، وَصَرَفَهُ الْأَخْفَش سَعِيد ; لِأَنَّهُ كَانَ نَعْتًا وَهُوَ عَلَى وَزْن الْفِعْل، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَعْتًا صَرَفَهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : الْقَوْل قَوْل سِيبَوَيْهِ، وَلَا يُفَرَّق بَيْن النَّعْت وَغَيْره لِأَنَّهُ هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِهِ ".
قَوْله تَعَالَى " الْأَسْمَاء كُلّهَا " " الْأَسْمَاء " هُنَا بِمَعْنَى الْعِبَارَات، فَإِنَّ الِاسْم قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الْمُسَمَّى، كَقَوْلِك : زَيْد قَائِم، وَالْأَسَد شُجَاع.
وَقَدْ يُرَاد بِهِ التَّسْمِيَة ذَاتهَا، كَقَوْلِك : أَسَد ثَلَاثَة أَحْرُف، فَفِي الْأَوَّل يُقَال : الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى بِمَعْنَى يُرَاد بِهِ الْمُسَمَّى، وَفِي الثَّانِي لَا يُرَاد الْمُسَمَّى، وَقَدْ يُجْرَى اِسْم فِي اللُّغَة مَجْرَى ذَات الْعِبَارَة، وَهُوَ الْأَكْثَر مِنْ اِسْتِعْمَالهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا " [ الْبَقَرَة : ٣١ ] عَلَى أَشْهَر التَّأْوِيلَات، وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا ).
وَيَجْرِي مَجْرَى الذَّات، يُقَال : ذَات وَنَفْس وَعَيْن وَاسْم بِمَعْنًى، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم قَوْله تَعَالَى :" سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى " [ الْأَعْلَى : ١ ] " تَبَارَكَ اِسْم رَبّك " [ الرَّحْمَن : ٧٨ ] " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا " [ النَّجْم : ٢٣ ].
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَّمَهَا لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَابْن جُبَيْر : عَلَّمَهُ أَسْمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء كُلّهَا جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا.
وَرَوَى عَاصِم بْن كُلَيْب عَنْ سَعْد مَوْلَى الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد اِبْن عَبَّاس فَذَكَرُوا اِسْم الْآنِيَة وَاسْم السَّوْط، قَالَ اِبْن عَبَّاس :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
أَدِيم : جَمْع أَدَم، قَالَ الشَّاعِر :
| النَّاس أَخْيَاف وَشَتَّى فِي الشِّيَم | وَكُلّهمْ يَجْمَعهُمْ وَجْه الْأَدَم |
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْهُمَا جَمِيعًا.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي خَلْق آدَم فِي " الْأَنْعَام " وَغَيْرهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَ " آدَم " لَا يَنْصَرِف.
قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس :" آدَم لَا يَنْصَرِف فِي الْمَعْرِفَة بِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ، لِأَنَّهُ عَلَى أَفْعَل وَهُوَ مَعْرِفَة، وَلَا يَمْتَنِع شَيْء مِنْ الصَّرْف عِنْد الْبَصْرِيِّينَ إِلَّا لِعِلَّتَيْنِ.
فَإِنْ نَكَّرْته وَلَمْ يَكُنْ نَعْتًا لَمْ يَصْرِفهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ، وَصَرَفَهُ الْأَخْفَش سَعِيد ; لِأَنَّهُ كَانَ نَعْتًا وَهُوَ عَلَى وَزْن الْفِعْل، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَعْتًا صَرَفَهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : الْقَوْل قَوْل سِيبَوَيْهِ، وَلَا يُفَرَّق بَيْن النَّعْت وَغَيْره لِأَنَّهُ هُوَ ذَاكَ بِعَيْنِهِ ".
قَوْله تَعَالَى " الْأَسْمَاء كُلّهَا " " الْأَسْمَاء " هُنَا بِمَعْنَى الْعِبَارَات، فَإِنَّ الِاسْم قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الْمُسَمَّى، كَقَوْلِك : زَيْد قَائِم، وَالْأَسَد شُجَاع.
وَقَدْ يُرَاد بِهِ التَّسْمِيَة ذَاتهَا، كَقَوْلِك : أَسَد ثَلَاثَة أَحْرُف، فَفِي الْأَوَّل يُقَال : الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى بِمَعْنَى يُرَاد بِهِ الْمُسَمَّى، وَفِي الثَّانِي لَا يُرَاد الْمُسَمَّى، وَقَدْ يُجْرَى اِسْم فِي اللُّغَة مَجْرَى ذَات الْعِبَارَة، وَهُوَ الْأَكْثَر مِنْ اِسْتِعْمَالهَا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا " [ الْبَقَرَة : ٣١ ] عَلَى أَشْهَر التَّأْوِيلَات، وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا ).
وَيَجْرِي مَجْرَى الذَّات، يُقَال : ذَات وَنَفْس وَعَيْن وَاسْم بِمَعْنًى، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم قَوْله تَعَالَى :" سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى " [ الْأَعْلَى : ١ ] " تَبَارَكَ اِسْم رَبّك " [ الرَّحْمَن : ٧٨ ] " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا " [ النَّجْم : ٢٣ ].
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَّمَهَا لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَابْن جُبَيْر : عَلَّمَهُ أَسْمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء كُلّهَا جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا.
وَرَوَى عَاصِم بْن كُلَيْب عَنْ سَعْد مَوْلَى الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد اِبْن عَبَّاس فَذَكَرُوا اِسْم الْآنِيَة وَاسْم السَّوْط، قَالَ اِبْن عَبَّاس :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا ".
قُلْت : وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا عَلَى مَا يَأْتِي، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه لَفْظ " كُلّهَا " إِذْ هُوَ اِسْم مَوْضُوع لِلْإِحَاطَةِ وَالْعُمُوم، وَفِي الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( وَيَجْتَمِع الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ لَوْ اِسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبّنَا فَيَأْتُونَ آدَم فَيَقُولُونَ أَنْتَ أَبُو النَّاس خَلَقَك اللَّه بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَته وَعَلَّمَك أَسْمَاء كُلّ شَيْء ) الْحَدِيث.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ اللُّغَة مَأْخُوذَة تَوْقِيفًا، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّمَهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام جُمْلَة وَتَفْصِيلًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : عَلَّمَهُ أَسْمَاء كُلّ شَيْء حَتَّى الْجَفْنَة وَالْمِحْلَب.
وَرَوَى شَيْبَان عَنْ قَتَادَة قَالَ : عُلِّمَ آدَم مِنْ الْأَسْمَاء أَسْمَاء خَلْقه مَا لَمْ يُعَلَّم الْمَلَائِكَة، وَسَمَّى كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ وَأَنْحَى مَنْفَعَة كُلّ شَيْء إِلَى جِنْسه.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَحْسَن مَا رُوِيَ فِي هَذَا.
وَالْمَعْنَى عَلَّمَهُ أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَعَرَّفَهُ مَنَافِعهَا، هَذَا كَذَا، وَهُوَ يَصْلُح لِكَذَا.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : عَلَّمَهُ أَسْمَاء الْمَلَائِكَة وَذُرِّيَّته، وَاخْتَارَ هَذَا وَرَجَّحَهُ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ اللُّغَة مَأْخُوذَة تَوْقِيفًا، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّمَهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام جُمْلَة وَتَفْصِيلًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : عَلَّمَهُ أَسْمَاء كُلّ شَيْء حَتَّى الْجَفْنَة وَالْمِحْلَب.
وَرَوَى شَيْبَان عَنْ قَتَادَة قَالَ : عُلِّمَ آدَم مِنْ الْأَسْمَاء أَسْمَاء خَلْقه مَا لَمْ يُعَلَّم الْمَلَائِكَة، وَسَمَّى كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ وَأَنْحَى مَنْفَعَة كُلّ شَيْء إِلَى جِنْسه.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَحْسَن مَا رُوِيَ فِي هَذَا.
وَالْمَعْنَى عَلَّمَهُ أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَعَرَّفَهُ مَنَافِعهَا، هَذَا كَذَا، وَهُوَ يَصْلُح لِكَذَا.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : عَلَّمَهُ أَسْمَاء الْمَلَائِكَة وَذُرِّيَّته، وَاخْتَارَ هَذَا وَرَجَّحَهُ.
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ
قَالَ اِبْن زَيْد : عَلَّمَهُ أَسْمَاء ذُرِّيَّته، كُلّهمْ.
الرَّبِيع اِبْن خُثَيْم : أَسْمَاء الْمَلَائِكَة خَاصَّة.
الْقُتَبِيّ : أَسْمَاء مَا خَلَقَ فِي الْأَرْض.
وَقِيلَ : أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالْأَنْوَاع.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَلِمَا نُبَيِّنهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ أَيْضًا هَلْ عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة أَسْمَاء الْأَشْخَاص أَوْ الْأَسْمَاء دُون الْأَشْخَاص، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره : عَرَضَ الْأَشْخَاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" عَرَضَهُمْ " وَقَوْله :" أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ".
وَتَقُول الْعَرَب : عَرَضْت الشَّيْء فَأَعْرَضَ، أَيْ أَظْهَرْته فَظَهَرَ.
وَمِنْهُ : عَرَضْت الشَّيْء لِلْبَيْعِ.
وَفِي الْحَدِيث ( إِنَّهُ عَرَضَهُمْ أَمْثَال الذَّرّ ).
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : عَرَضَ الْأَسْمَاء وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود :" عَرَضَهُنَّ "، فَأَعَادَ عَلَى الْأَسْمَاء دُون الْأَشْخَاص ; لِأَنَّ الْهَاء وَالنُّون أَخَصّ بِالْمُؤَنَّثِ.
وَفِي حَرْف أُبَيّ :" عَرَضَهَا ".
مُجَاهِد : أَصْحَاب الْأَسْمَاء.
فَمَنْ قَالَ فِي الْأَسْمَاء إِنَّهَا التَّسْمِيَات فَاسْتَقَامَ عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ :" عَرَضَهَا ".
وَتَقُول فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " عَرَضَهُمْ " : إِنَّ لَفْظ الْأَسْمَاء يَدُلّ عَلَى أَشْخَاص، فَلِذَلِكَ سَاغَ أَنْ يُقَال لِلْأَسْمَاءِ :" عَرَضَهُمْ ".
وَقَالَ فِي " هَؤُلَاءِ " الْمُرَاد بِالْإِشَارَةِ : إِلَى أَشْخَاص الْأَسْمَاء، لَكِنْ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَة فَقَدْ حَضَرَ مَا هُوَ مِنْهَا بِسَبَبٍ وَذَلِكَ أَسْمَاؤُهَا.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء وَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ مَعَ تِلْكَ الْأَجْنَاس بِأَشْخَاصِهَا، ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَسْمِيَاتهَا الَّتِي قَدْ تَعَلَّمَهَا، ثُمَّ إِنَّ آدَم قَالَ لَهُمْ : هَذَا اِسْمه كَذَا، وَهَذَا اِسْمه كَذَا.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَكَانَ الْأَصَحّ تَوَجُّه الْعَرْض إِلَى الْمُسَمّينَ.
ثُمَّ فِي زَمَن عَرْضهمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ عَرَضَهُمْ بَعْد أَنْ خَلَقَهُمْ.
الثَّانِي - أَنَّهُ صَوَّرَهُمْ لِقُلُوبِ الْمَلَائِكَة ثُمَّ عَرَضَهُمْ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ، فَرُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار : أَنَّ أَوَّل مَنْ وَضَعَ الْكِتَاب الْعَرَبِيّ وَالسُّرْيَانِيّ وَالْكُتُب كُلّهَا بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَهُ غَيْر كَعْب الْأَحْبَار.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار مِنْ وَجْه حَسَن قَالَ : أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ الَّذِي أَلْقَاهَا عَلَى لِسَان نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأَلْقَاهَا نُوح عَلَى لِسَان اِبْنه سَام، وَرَوَاهُ ثَوْر اِبْن زَيْد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ كَعْب وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( أَوَّل مَنْ فُتِقَ لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبَيِّنَة إِسْمَاعِيل وَهُوَ اِبْن عَشْر سِنِينَ ).
قَالَ اِبْن زَيْد : عَلَّمَهُ أَسْمَاء ذُرِّيَّته، كُلّهمْ.
الرَّبِيع اِبْن خُثَيْم : أَسْمَاء الْمَلَائِكَة خَاصَّة.
الْقُتَبِيّ : أَسْمَاء مَا خَلَقَ فِي الْأَرْض.
وَقِيلَ : أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالْأَنْوَاع.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَلِمَا نُبَيِّنهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ أَيْضًا هَلْ عَرَضَ عَلَى الْمَلَائِكَة أَسْمَاء الْأَشْخَاص أَوْ الْأَسْمَاء دُون الْأَشْخَاص، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره : عَرَضَ الْأَشْخَاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" عَرَضَهُمْ " وَقَوْله :" أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ ".
وَتَقُول الْعَرَب : عَرَضْت الشَّيْء فَأَعْرَضَ، أَيْ أَظْهَرْته فَظَهَرَ.
وَمِنْهُ : عَرَضْت الشَّيْء لِلْبَيْعِ.
وَفِي الْحَدِيث ( إِنَّهُ عَرَضَهُمْ أَمْثَال الذَّرّ ).
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : عَرَضَ الْأَسْمَاء وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود :" عَرَضَهُنَّ "، فَأَعَادَ عَلَى الْأَسْمَاء دُون الْأَشْخَاص ; لِأَنَّ الْهَاء وَالنُّون أَخَصّ بِالْمُؤَنَّثِ.
وَفِي حَرْف أُبَيّ :" عَرَضَهَا ".
مُجَاهِد : أَصْحَاب الْأَسْمَاء.
فَمَنْ قَالَ فِي الْأَسْمَاء إِنَّهَا التَّسْمِيَات فَاسْتَقَامَ عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ :" عَرَضَهَا ".
وَتَقُول فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " عَرَضَهُمْ " : إِنَّ لَفْظ الْأَسْمَاء يَدُلّ عَلَى أَشْخَاص، فَلِذَلِكَ سَاغَ أَنْ يُقَال لِلْأَسْمَاءِ :" عَرَضَهُمْ ".
وَقَالَ فِي " هَؤُلَاءِ " الْمُرَاد بِالْإِشَارَةِ : إِلَى أَشْخَاص الْأَسْمَاء، لَكِنْ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَة فَقَدْ حَضَرَ مَا هُوَ مِنْهَا بِسَبَبٍ وَذَلِكَ أَسْمَاؤُهَا.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء وَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ مَعَ تِلْكَ الْأَجْنَاس بِأَشْخَاصِهَا، ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ عَلَى الْمَلَائِكَة وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَسْمِيَاتهَا الَّتِي قَدْ تَعَلَّمَهَا، ثُمَّ إِنَّ آدَم قَالَ لَهُمْ : هَذَا اِسْمه كَذَا، وَهَذَا اِسْمه كَذَا.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَكَانَ الْأَصَحّ تَوَجُّه الْعَرْض إِلَى الْمُسَمّينَ.
ثُمَّ فِي زَمَن عَرْضهمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ عَرَضَهُمْ بَعْد أَنْ خَلَقَهُمْ.
الثَّانِي - أَنَّهُ صَوَّرَهُمْ لِقُلُوبِ الْمَلَائِكَة ثُمَّ عَرَضَهُمْ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ، فَرُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار : أَنَّ أَوَّل مَنْ وَضَعَ الْكِتَاب الْعَرَبِيّ وَالسُّرْيَانِيّ وَالْكُتُب كُلّهَا بِالْأَلْسِنَةِ كُلّهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَهُ غَيْر كَعْب الْأَحْبَار.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار مِنْ وَجْه حَسَن قَالَ : أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ الَّذِي أَلْقَاهَا عَلَى لِسَان نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأَلْقَاهَا نُوح عَلَى لِسَان اِبْنه سَام، وَرَوَاهُ ثَوْر اِبْن زَيْد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ كَعْب وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( أَوَّل مَنْ فُتِقَ لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبَيِّنَة إِسْمَاعِيل وَهُوَ اِبْن عَشْر سِنِينَ ).
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا : أَنَّ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ يَعْرُب بْن قَحْطَان، وَقَدْ رُوِيَ غَيْر ذَلِكَ.
قُلْنَا : الصَّحِيح أَنَّ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِاللُّغَاتِ كُلّهَا مِنْ الْبَشَر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْقُرْآن يَشْهَد لَهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا " [ الْبَقَرَة : ٣١ ] وَاللُّغَات كُلّهَا أَسْمَاء فَهِيَ دَاخِلَة تَحْته وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّة، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا حَتَّى الْقَصْعَة وَالْقُصَيْعَة ) وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَذَلِكَ إِنْ صَحَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُور أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ قَبِيلَته بِالْعَرَبِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَكَذَلِكَ جِبْرِيل أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَأَلْقَاهَا عَلَى لِسَان نُوح بَعْد أَنْ عَلَّمَهَا اللَّه آدَم أَوْ جِبْرِيل، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْنَا : الصَّحِيح أَنَّ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِاللُّغَاتِ كُلّهَا مِنْ الْبَشَر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْقُرْآن يَشْهَد لَهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا " [ الْبَقَرَة : ٣١ ] وَاللُّغَات كُلّهَا أَسْمَاء فَهِيَ دَاخِلَة تَحْته وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّة، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَعَلَّمَ آدَم الْأَسْمَاء كُلّهَا حَتَّى الْقَصْعَة وَالْقُصَيْعَة ) وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ وَلَد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَذَلِكَ إِنْ صَحَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُور أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ قَبِيلَته بِالْعَرَبِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَكَذَلِكَ جِبْرِيل أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَأَلْقَاهَا عَلَى لِسَان نُوح بَعْد أَنْ عَلَّمَهَا اللَّه آدَم أَوْ جِبْرِيل، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
هَؤُلَاءِ
لَفْظ مَبْنِيّ عَلَى الْكَسْر.
وَلُغَة تَمِيم وَبَعْض قَيْس وَأَسَد فِيهِ الْقَصْر، قَالَ الْأَعْشَى :
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : هَولَاءِ، فَيَحْذِف الْأَلِف وَالْهَمْزَة.
لَفْظ مَبْنِيّ عَلَى الْكَسْر.
وَلُغَة تَمِيم وَبَعْض قَيْس وَأَسَد فِيهِ الْقَصْر، قَالَ الْأَعْشَى :
| هُؤْلَا ثُمَّ هَؤُلَا كَلَّا أَعْطَيْ | ت نِعَالًا مَحْذُوَّة بِمِثَالِ |
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
شَرْط، وَالْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض فَأَنْبِئُونِي، قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَمَعْنَى " صَادِقِينَ " عَالِمِينَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسُغْ لِلْمَلَائِكَةِ الِاجْتِهَاد وَقَالُوا :" سُبْحَانك " حَكَاهُ النَّقَّاش قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِمْ إِلَّا الصِّدْق فِي الْإِنْبَاء لَجَازَ لَهُمْ الِاجْتِهَاد كَمَا جَازَ لِلَّذِي أَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام حِين قَالَ لَهُ :" كَمْ لَبِثْت " فَلَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِ الْإِصَابَة، فَقَالَ وَلَمْ يُصِبْ وَلَمْ يُعَنَّف، وَهَذَا بَيِّن لَا خَفَاء فِيهِ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ وَأَبُو عُبَيْد : أَنَّ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ قَالَ إِنَّ مَعْنَى " إِنْ كُنْتُمْ " : إِذْ كُنْتُمْ، وَقَالَا : هَذَا خَطَأ.
وَ " أَنْبِئُونِي " مَعْنَاهُ أَخْبِرُونِي.
وَالنَّبَأ : الْخَبَر، وَمِنْهُ النَّبِيء بِالْهَمْزِ، وَسَيَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَخْرُج مِنْ هَذَا الْأَمْر بِالْإِنْبَاءِ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : لَيْسَ هَذَا عَلَى جِهَة التَّكْلِيف، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّقْرِير وَالتَّوْقِيف.
وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق - هَلْ وَقَعَ التَّكْلِيف بِهِ أَمْ لَا - فِي آخِر السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
شَرْط، وَالْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ بَنِي آدَم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض فَأَنْبِئُونِي، قَالَهُ الْمُبَرِّد.
وَمَعْنَى " صَادِقِينَ " عَالِمِينَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسُغْ لِلْمَلَائِكَةِ الِاجْتِهَاد وَقَالُوا :" سُبْحَانك " حَكَاهُ النَّقَّاش قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِمْ إِلَّا الصِّدْق فِي الْإِنْبَاء لَجَازَ لَهُمْ الِاجْتِهَاد كَمَا جَازَ لِلَّذِي أَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام حِين قَالَ لَهُ :" كَمْ لَبِثْت " فَلَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِ الْإِصَابَة، فَقَالَ وَلَمْ يُصِبْ وَلَمْ يُعَنَّف، وَهَذَا بَيِّن لَا خَفَاء فِيهِ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ وَأَبُو عُبَيْد : أَنَّ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ قَالَ إِنَّ مَعْنَى " إِنْ كُنْتُمْ " : إِذْ كُنْتُمْ، وَقَالَا : هَذَا خَطَأ.
وَ " أَنْبِئُونِي " مَعْنَاهُ أَخْبِرُونِي.
وَالنَّبَأ : الْخَبَر، وَمِنْهُ النَّبِيء بِالْهَمْزِ، وَسَيَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَخْرُج مِنْ هَذَا الْأَمْر بِالْإِنْبَاءِ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : لَيْسَ هَذَا عَلَى جِهَة التَّكْلِيف، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة التَّقْرِير وَالتَّوْقِيف.
وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق - هَلْ وَقَعَ التَّكْلِيف بِهِ أَمْ لَا - فِي آخِر السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" سُبْحَانك " أَيْ تَنْزِيهًا لَك عَنْ أَنْ يَعْلَم الْغَيْب أَحَد سِوَاك.
وَهَذَا جَوَابهمْ عَنْ قَوْله :" أَنْبِئُونِي " فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَاطَوْا مَا لَا عِلْم لَهُمْ بِهِ كَمَا يَفْعَلهُ الْجُهَّال مِنَّا.
وَ " مَا " فِي " مَا عَلَّمْتنَا " بِمَعْنَى الَّذِي، أَيْ إِلَّا الَّذِي عَلَّمْتنَا، وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة بِمَعْنَى إِلَّا تَعْلِيمك إِيَّانَا.
الثَّانِيَة : الْوَاجِب عَلَى مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم أَنْ يَقُول إِنْ لَمْ يَعْلَم : اللَّه أَعْلَم وَلَا أَدْرِي، اِقْتِدَاء بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء وَالْفُضَلَاء مِنْ الْعُلَمَاء، لَكِنْ قَدْ أَخْبَرَ الصَّادِق أَنَّ بِمَوْتِ الْعُلَمَاء يُقْبَض الْعِلْم، فَيَبْقَى نَاس جُهَّال يُسْتَفْتُونَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بَعْدهمْ فِي مَعْنَى الْآيَة فَرَوَى الْبُسْتِيّ فِي الْمُسْنَد الصَّحِيح لَهُ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ الْبِقَاع شَرّ ؟ قَالَ :( لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَل جِبْرِيل ) فَسَأَلَ جِبْرِيل، فَقَالَ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَل مِيكَائِيل، فَجَاءَ فَقَالَ : خَيْر الْبِقَاع الْمَسَاجِد، وَشَرّهَا الْأَسْوَاق.
وَقَالَ الصِّدِّيق لِلْجَدَّةِ : اِرْجِعِي حَتَّى أَسْأَل النَّاس.
وَكَانَ عَلِيّ يَقُول : وَا بَرْدهَا عَلَى الْكَبِد، ثَلَاث مَرَّات.
قَالُوا وَمَا ذَلِكَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : أَنْ يُسْأَل الرَّجُل عَمَّا لَا يَعْلَم فَيَقُول : اللَّه أَعْلَم.
وَسَأَلَ اِبْنَ عُمَرَ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَة فَقَالَ : لَا عِلْم لِي بِهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُل.
قَالَ اِبْن عُمَر : نِعْمَ مَا قَالَ اِبْن عُمَر، سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَم فَقَالَ لَا عِلْم لِي بِهِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي عُقَيْل يَحْيَى بْن الْمُتَوَكِّل صَاحِب بُهَيَّة قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّه وَيَحْيَى بْن سَعِيد، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ : يَا أَبَا مُحَمَّد إِنَّهُ قَبِيح عَلَى مِثْلك عَظِيم أَنْ يُسْأَل عَنْ شَيْء مِنْ أَمْر هَذَا الدِّين فَلَا يُوجَد عِنْدك مِنْهُ عِلْم وَلَا فَرَج، أَوْ عِلْم وَلَا مَخْرَج ؟ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِم : وَعَمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّك اِبْن إِمَامَيْ هُدًى : اِبْن أَبِي بَكْر وَعُمَر.
قَالَ يَقُول لَهُ الْقَاسِم : أَقْبَح مِنْ ذَاكَ عِنْد مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّه أَنْ أَقُول بِغَيْرِ عِلْم أَوْ آخُذ عَنْ غَيْر ثِقَة.
فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ.
وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس : سَمِعْت اِبْن هُرْمُز يَقُول : يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِث جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْده لَا أَدْرِي حَتَّى يَكُون أَصْلًا فِي أَيْدِيهمْ، فَإِذَا سُئِلَ أَحَدهمْ عَمَّا لَا يَدْرِي قَالَ : لَا أَدْرِي.
وَذَكَرَ الْهَيْثَم بْن جَمِيل قَالَ : شَهِدْت مَالِك بْن أَنَس سُئِلَ عَنْ ثَمَان وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا : لَا أَدْرِي.
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" سُبْحَانك " أَيْ تَنْزِيهًا لَك عَنْ أَنْ يَعْلَم الْغَيْب أَحَد سِوَاك.
وَهَذَا جَوَابهمْ عَنْ قَوْله :" أَنْبِئُونِي " فَأَجَابُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَاطَوْا مَا لَا عِلْم لَهُمْ بِهِ كَمَا يَفْعَلهُ الْجُهَّال مِنَّا.
وَ " مَا " فِي " مَا عَلَّمْتنَا " بِمَعْنَى الَّذِي، أَيْ إِلَّا الَّذِي عَلَّمْتنَا، وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة بِمَعْنَى إِلَّا تَعْلِيمك إِيَّانَا.
الثَّانِيَة : الْوَاجِب عَلَى مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم أَنْ يَقُول إِنْ لَمْ يَعْلَم : اللَّه أَعْلَم وَلَا أَدْرِي، اِقْتِدَاء بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء وَالْفُضَلَاء مِنْ الْعُلَمَاء، لَكِنْ قَدْ أَخْبَرَ الصَّادِق أَنَّ بِمَوْتِ الْعُلَمَاء يُقْبَض الْعِلْم، فَيَبْقَى نَاس جُهَّال يُسْتَفْتُونَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بَعْدهمْ فِي مَعْنَى الْآيَة فَرَوَى الْبُسْتِيّ فِي الْمُسْنَد الصَّحِيح لَهُ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ الْبِقَاع شَرّ ؟ قَالَ :( لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَل جِبْرِيل ) فَسَأَلَ جِبْرِيل، فَقَالَ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَل مِيكَائِيل، فَجَاءَ فَقَالَ : خَيْر الْبِقَاع الْمَسَاجِد، وَشَرّهَا الْأَسْوَاق.
وَقَالَ الصِّدِّيق لِلْجَدَّةِ : اِرْجِعِي حَتَّى أَسْأَل النَّاس.
وَكَانَ عَلِيّ يَقُول : وَا بَرْدهَا عَلَى الْكَبِد، ثَلَاث مَرَّات.
قَالُوا وَمَا ذَلِكَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : أَنْ يُسْأَل الرَّجُل عَمَّا لَا يَعْلَم فَيَقُول : اللَّه أَعْلَم.
وَسَأَلَ اِبْنَ عُمَرَ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَة فَقَالَ : لَا عِلْم لِي بِهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُل.
قَالَ اِبْن عُمَر : نِعْمَ مَا قَالَ اِبْن عُمَر، سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَم فَقَالَ لَا عِلْم لِي بِهِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي عُقَيْل يَحْيَى بْن الْمُتَوَكِّل صَاحِب بُهَيَّة قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّه وَيَحْيَى بْن سَعِيد، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ : يَا أَبَا مُحَمَّد إِنَّهُ قَبِيح عَلَى مِثْلك عَظِيم أَنْ يُسْأَل عَنْ شَيْء مِنْ أَمْر هَذَا الدِّين فَلَا يُوجَد عِنْدك مِنْهُ عِلْم وَلَا فَرَج، أَوْ عِلْم وَلَا مَخْرَج ؟ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِم : وَعَمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّك اِبْن إِمَامَيْ هُدًى : اِبْن أَبِي بَكْر وَعُمَر.
قَالَ يَقُول لَهُ الْقَاسِم : أَقْبَح مِنْ ذَاكَ عِنْد مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّه أَنْ أَقُول بِغَيْرِ عِلْم أَوْ آخُذ عَنْ غَيْر ثِقَة.
فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ.
وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس : سَمِعْت اِبْن هُرْمُز يَقُول : يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُورِث جُلَسَاءَهُ مِنْ بَعْده لَا أَدْرِي حَتَّى يَكُون أَصْلًا فِي أَيْدِيهمْ، فَإِذَا سُئِلَ أَحَدهمْ عَمَّا لَا يَدْرِي قَالَ : لَا أَدْرِي.
وَذَكَرَ الْهَيْثَم بْن جَمِيل قَالَ : شَهِدْت مَالِك بْن أَنَس سُئِلَ عَنْ ثَمَان وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَة فَقَالَ فِي اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا : لَا أَدْرِي.
قُلْت : وَمِثْله كَثِير عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاء الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنَّمَا يُحْمَل عَلَى تَرْك ذَلِكَ الرِّيَاسَةُ وَعَدَم الْإِنْصَاف فِي الْعِلْم.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ بَرَكَة الْعِلْم وَآدَابه الْإِنْصَاف فِيهِ، وَمَنْ لَمْ يُنْصِف لَمْ يَفْهَم وَلَمْ يَتَفَهَّم.
رَوَى يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : سَمِعْت اِبْن وَهْب يَقُول : سَمِعْت مَالِك بْن أَنَس يَقُول : مَا فِي زَمَاننَا شَيْء أَقَلّ مِنْ الْإِنْصَاف.
قُلْت : هَذَا فِي زَمَن مَالِك فَكَيْف فِي زَمَاننَا الْيَوْم الَّذِي عَمَّ فِينَا الْفَسَاد وَكَثُرَ فِيهِ الطَّغَام وَطُلِبَ فِيهِ الْعِلْم لِلرِّيَاسَةِ لَا لِلدِّرَايَةِ، بَلْ لِلظُّهُورِ فِي الدُّنْيَا وَغَلَبَة الْأَقْرَان بِالْمِرَاءِ وَالْجِدَال الَّذِي يُقْسِي الْقَلْب وَيُورِث الضَّغَن، وَذَلِكَ مِمَّا يُحْمَل عَلَى عَدَم التَّقْوَى وَتَرْك الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى.
أَيْنَ هَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ قَالَ : لَا تَزِيدُوا فِي مُهُور النِّسَاء عَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة وَلَوْ كَانَتْ بِنْت ذِي الْعُصْبَة - يَعْنِي يَزِيد بْن الْحُصَيْن الْحَارِثِيّ - فَمَنْ زَادَ أَلْقَيْت زِيَادَته فِي بَيْت الْمَال، فَقَامَتْ اِمْرَأَة مِنْ صَوْب النِّسَاء طَوِيلَة فِيهَا فَطَس فَقَالَتْ : مَا ذَلِكَ لَك قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَتْ لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا " [ النِّسَاء : ٢٠ ] فَقَالَ عُمَر : اِمْرَأَة أَصَابَتْ وَرَجُل أَخْطَأَ وَرَوَى وَكِيع عَنْ أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ قَالَ : سَأَلَ رَجُل عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَة فَقَالَ فِيهَا، فَقَالَ الرَّجُل : لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أَمِير الْمُومِنِينَ، وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عَلِيّ : أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ، وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم.
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّد قَاسِم بْن أَصْبَغ قَالَ : لَمَّا رَحَلْت إِلَى الْمَشْرِق نَزَلْت الْقَيْرَوَان فَأَخَذْت عَلَى بَكْر بْن حَمَّاد حَدِيث مُسَدّد، ثُمَّ رَحَلْت إِلَى بَغْدَاد وَلَقِيت النَّاس، فَلَمَّا اِنْصَرَفْت عُدْت إِلَيْهِ لِتَمَامِ حَدِيث مُسَدّد، فَقَرَأْت عَلَيْهِ فِيهِ يَوْمًا حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ قَوْم مِنْ مُضَر مِنْ مُجْتَابِي النِّمَار ) فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي الثِّمَار، فَقُلْت إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي النِّمَار، هَكَذَا قَرَأْته عَلَى كُلّ مَنْ قَرَأْته عَلَيْهِ بِالْأَنْدَلُسِ وَالْعِرَاق، فَقَالَ لِي : بِدُخُولِك الْعِرَاق تُعَارِضنَا وَتَفْخَر عَلَيْنَا أَوْ نَحْو هَذَا.
ثُمَّ قَالَ لِي : قُمْ بِنَا إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخ - لِشَيْخٍ كَانَ فِي الْمَسْجِد - فَإِنَّ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا عِلْمًا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي النِّمَار، كَمَا قُلْت.
وَهُمْ قَوْم كَانُوا يَلْبَسُونَ الثِّيَاب مُشَقَّقَة، جُيُوبهمْ أَمَامهمْ.
وَالنِّمَار جَمْع نَمِرَة.
فَقَالَ بَكْر بْن حَمَّاد وَأَخَذَ بِأَنْفِهِ : رَغِمَ أَنْفِي لِلْحَقِّ، رَغِمَ أَنْفِي لِلْحَقِّ.
وَانْصَرَفَ.
وَقَالَ يَزِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك فَأَحْسَنَ :
وَإِنَّمَا يُحْمَل عَلَى تَرْك ذَلِكَ الرِّيَاسَةُ وَعَدَم الْإِنْصَاف فِي الْعِلْم.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ بَرَكَة الْعِلْم وَآدَابه الْإِنْصَاف فِيهِ، وَمَنْ لَمْ يُنْصِف لَمْ يَفْهَم وَلَمْ يَتَفَهَّم.
رَوَى يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : سَمِعْت اِبْن وَهْب يَقُول : سَمِعْت مَالِك بْن أَنَس يَقُول : مَا فِي زَمَاننَا شَيْء أَقَلّ مِنْ الْإِنْصَاف.
قُلْت : هَذَا فِي زَمَن مَالِك فَكَيْف فِي زَمَاننَا الْيَوْم الَّذِي عَمَّ فِينَا الْفَسَاد وَكَثُرَ فِيهِ الطَّغَام وَطُلِبَ فِيهِ الْعِلْم لِلرِّيَاسَةِ لَا لِلدِّرَايَةِ، بَلْ لِلظُّهُورِ فِي الدُّنْيَا وَغَلَبَة الْأَقْرَان بِالْمِرَاءِ وَالْجِدَال الَّذِي يُقْسِي الْقَلْب وَيُورِث الضَّغَن، وَذَلِكَ مِمَّا يُحْمَل عَلَى عَدَم التَّقْوَى وَتَرْك الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى.
أَيْنَ هَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ قَالَ : لَا تَزِيدُوا فِي مُهُور النِّسَاء عَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة وَلَوْ كَانَتْ بِنْت ذِي الْعُصْبَة - يَعْنِي يَزِيد بْن الْحُصَيْن الْحَارِثِيّ - فَمَنْ زَادَ أَلْقَيْت زِيَادَته فِي بَيْت الْمَال، فَقَامَتْ اِمْرَأَة مِنْ صَوْب النِّسَاء طَوِيلَة فِيهَا فَطَس فَقَالَتْ : مَا ذَلِكَ لَك قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَتْ لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا " [ النِّسَاء : ٢٠ ] فَقَالَ عُمَر : اِمْرَأَة أَصَابَتْ وَرَجُل أَخْطَأَ وَرَوَى وَكِيع عَنْ أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ قَالَ : سَأَلَ رَجُل عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَة فَقَالَ فِيهَا، فَقَالَ الرَّجُل : لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أَمِير الْمُومِنِينَ، وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عَلِيّ : أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ، وَفَوْق كُلّ ذِي عِلْم عَلِيم.
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّد قَاسِم بْن أَصْبَغ قَالَ : لَمَّا رَحَلْت إِلَى الْمَشْرِق نَزَلْت الْقَيْرَوَان فَأَخَذْت عَلَى بَكْر بْن حَمَّاد حَدِيث مُسَدّد، ثُمَّ رَحَلْت إِلَى بَغْدَاد وَلَقِيت النَّاس، فَلَمَّا اِنْصَرَفْت عُدْت إِلَيْهِ لِتَمَامِ حَدِيث مُسَدّد، فَقَرَأْت عَلَيْهِ فِيهِ يَوْمًا حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ قَوْم مِنْ مُضَر مِنْ مُجْتَابِي النِّمَار ) فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي الثِّمَار، فَقُلْت إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي النِّمَار، هَكَذَا قَرَأْته عَلَى كُلّ مَنْ قَرَأْته عَلَيْهِ بِالْأَنْدَلُسِ وَالْعِرَاق، فَقَالَ لِي : بِدُخُولِك الْعِرَاق تُعَارِضنَا وَتَفْخَر عَلَيْنَا أَوْ نَحْو هَذَا.
ثُمَّ قَالَ لِي : قُمْ بِنَا إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخ - لِشَيْخٍ كَانَ فِي الْمَسْجِد - فَإِنَّ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا عِلْمًا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّمَا هُوَ مُجْتَابِي النِّمَار، كَمَا قُلْت.
وَهُمْ قَوْم كَانُوا يَلْبَسُونَ الثِّيَاب مُشَقَّقَة، جُيُوبهمْ أَمَامهمْ.
وَالنِّمَار جَمْع نَمِرَة.
فَقَالَ بَكْر بْن حَمَّاد وَأَخَذَ بِأَنْفِهِ : رَغِمَ أَنْفِي لِلْحَقِّ، رَغِمَ أَنْفِي لِلْحَقِّ.
وَانْصَرَفَ.
وَقَالَ يَزِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك فَأَحْسَنَ :
| إِذَا مَا تَحَدَّثْت فِي مَجْلِس | تَنَاهَى حَدِيثِي إِلَى مَا عَلِمْت |
| وَلَمْ أَعْدُ عِلْمِي إِلَى غَيْره | وَكَانَ إِذَا مَا تَنَاهَى سَكَتُّ |
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ نِدَاء مُضَاف.
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
فَعِيل لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْبِير فِي الْمَعْلُومَات فِي خَلْق اللَّه تَعَالَى.
فَعِيل لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْبِير فِي الْمَعْلُومَات فِي خَلْق اللَّه تَعَالَى.
الْحَكِيمُ
مَعْنَاهُ الْحَاكِم، وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل، صُرِفَ عَنْ مَفْعَل إِلَى فَعِيل، كَمَا صُرِفَ عَنْ مَسْمَع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم، قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ قَوْم :" الْحَكِيم " الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حِكْمَة اللِّجَام ; لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد.
قَالَ جَرِير :
أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد.
وَقَالَ زُهَيْر :
القد : الْجِلْد.
وَالْأَبَق : الْقُنَّب.
وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكَمَ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ مَنَعَهُ.
وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل، وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا، وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل.
وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد.
فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير.
مَعْنَاهُ الْحَاكِم، وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل، صُرِفَ عَنْ مَفْعَل إِلَى فَعِيل، كَمَا صُرِفَ عَنْ مَسْمَع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم، قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ قَوْم :" الْحَكِيم " الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حِكْمَة اللِّجَام ; لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد.
قَالَ جَرِير :
| أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ | إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا |
وَقَالَ زُهَيْر :
| الْقَائِد الْخَيْل مَنْكُوبًا دَوَابِرهَا | قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا |
وَالْأَبَق : الْقُنَّب.
وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكَمَ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُونَ مَنَعَهُ.
وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل، وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا، وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل.
وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد.
فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير.
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ
قَوْله تَعَالَى :" أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُعْلِمهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بَعْد أَنْ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ أَعْلَم بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْله وَعُلُوّ شَأْنه، فَكَانَ أَفْضَل مِنْهُمْ بِأَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَأَسْجَدَهُمْ لَهُ وَجَعَلَهُمْ تَلَامِذَته وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ.
فَحَصَلَتْ لَهُ رُتْبَة الْجَلَال وَالْعَظَمَة بِأَنْ جَعَلَهُ مَسْجُودًا لَهُ، مُخْتَصًّا بِالْعِلْمِ.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى فَضْل الْعِلْم وَأَهْله، وَفِي الْحَدِيث :( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم ) أَيْ تَخْضَع وَتَتَوَاضَع وَإِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعِلْم خَاصَّة مِنْ بَيْن سَائِر عِيَال اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْزَمَهَا ذَلِكَ فِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَتَأَدَّبَتْ بِذَلِكَ الْأَدَب.
فَكُلَّمَا ظَهَرَ لَهَا عِلْم فِي بَشَر خَضَعَتْ لَهُ وَتَوَاضَعَتْ وَتَذَلَّلَتْ إِعْظَامًا لِلْعِلْمِ وَأَهْله، وَرِضًا مِنْهُمْ بِالطَّلَبِ لَهُ وَالشُّغْل بِهِ.
هَذَا فِي الطُّلَّاب مِنْهُمْ فَكَيْف بِالْأَحْبَارِ فِيهِمْ وَالرَّبَّانِيِّينَ مِنْهُمْ جَعَلَنَا اللَّه مِنْهُمْ وَفِيهِمْ، إِنَّهُ ذُو فَضْل عَظِيم.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِنْ هَذَا الْبَاب، أَيّمَا أَفْضَل الْمَلَائِكَة أَوْ بَنُو آدَم عَلَى قَوْلَيْنِ : فَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ الرُّسُل مِنْ الْبَشَر أَفْضَل مِنْ الرُّسُل مِنْ الْمَلَائِكَة، وَالْأَوْلِيَاء مِنْ الْبَشَر أَفْضَل مِنْ الْأَوْلِيَاء مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَلَأ الْأَعْلَى أَفْضَل.
اِحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَة بِأَنَّهُمْ " عِبَاد مُكْرَمُونَ.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء :
٢٦ - ٢٧ ] " لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [ التَّحْرِيم : ٦ ].
وَقَوْله :" لَنْ يَسْتَنْكِف الْمَسِيح أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ " [ النِّسَاء : ١٧٢ ] وَقَوْله :" قُلْ لَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه وَلَا أَعْلَم الْغَيْب وَلَا أَقُول لَكُمْ إِنِّي مَلَك " [ الْأَنْعَام : ٥٠ ].
وَفِي الْبُخَارِيّ :( يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْته فِي مَلَأ خَيْر مِنْهُمْ ).
وَهَذَا نَصّ.
اِحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ بَنِي آدَم بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هُمْ خَيْر الْبَرِيَّة " [ الْبَيِّنَة : ٧ ] بِالْهَمْزِ، مِنْ بَرَأَ اللَّه الْخَلْق.
وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَبِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيث مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَات الْمَلَائِكَة، وَلَا يُبَاهِي إِلَّا بِالْأَفْضَلِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء.
قَوْله تَعَالَى :" أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُعْلِمهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بَعْد أَنْ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ أَعْلَم بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْله وَعُلُوّ شَأْنه، فَكَانَ أَفْضَل مِنْهُمْ بِأَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِمْ وَأَسْجَدَهُمْ لَهُ وَجَعَلَهُمْ تَلَامِذَته وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ.
فَحَصَلَتْ لَهُ رُتْبَة الْجَلَال وَالْعَظَمَة بِأَنْ جَعَلَهُ مَسْجُودًا لَهُ، مُخْتَصًّا بِالْعِلْمِ.
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى فَضْل الْعِلْم وَأَهْله، وَفِي الْحَدِيث :( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم ) أَيْ تَخْضَع وَتَتَوَاضَع وَإِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعِلْم خَاصَّة مِنْ بَيْن سَائِر عِيَال اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْزَمَهَا ذَلِكَ فِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَتَأَدَّبَتْ بِذَلِكَ الْأَدَب.
فَكُلَّمَا ظَهَرَ لَهَا عِلْم فِي بَشَر خَضَعَتْ لَهُ وَتَوَاضَعَتْ وَتَذَلَّلَتْ إِعْظَامًا لِلْعِلْمِ وَأَهْله، وَرِضًا مِنْهُمْ بِالطَّلَبِ لَهُ وَالشُّغْل بِهِ.
هَذَا فِي الطُّلَّاب مِنْهُمْ فَكَيْف بِالْأَحْبَارِ فِيهِمْ وَالرَّبَّانِيِّينَ مِنْهُمْ جَعَلَنَا اللَّه مِنْهُمْ وَفِيهِمْ، إِنَّهُ ذُو فَضْل عَظِيم.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِنْ هَذَا الْبَاب، أَيّمَا أَفْضَل الْمَلَائِكَة أَوْ بَنُو آدَم عَلَى قَوْلَيْنِ : فَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ الرُّسُل مِنْ الْبَشَر أَفْضَل مِنْ الرُّسُل مِنْ الْمَلَائِكَة، وَالْأَوْلِيَاء مِنْ الْبَشَر أَفْضَل مِنْ الْأَوْلِيَاء مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَلَأ الْأَعْلَى أَفْضَل.
اِحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَة بِأَنَّهُمْ " عِبَاد مُكْرَمُونَ.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء :
٢٦ - ٢٧ ] " لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [ التَّحْرِيم : ٦ ].
وَقَوْله :" لَنْ يَسْتَنْكِف الْمَسِيح أَنْ يَكُون عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبُونَ " [ النِّسَاء : ١٧٢ ] وَقَوْله :" قُلْ لَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه وَلَا أَعْلَم الْغَيْب وَلَا أَقُول لَكُمْ إِنِّي مَلَك " [ الْأَنْعَام : ٥٠ ].
وَفِي الْبُخَارِيّ :( يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْته فِي مَلَأ خَيْر مِنْهُمْ ).
وَهَذَا نَصّ.
اِحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ بَنِي آدَم بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هُمْ خَيْر الْبَرِيَّة " [ الْبَيِّنَة : ٧ ] بِالْهَمْزِ، مِنْ بَرَأَ اللَّه الْخَلْق.
وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَإِنَّ الْمَلَائِكَة لَتَضَع أَجْنِحَتهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْم ) الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَبِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيث مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَات الْمَلَائِكَة، وَلَا يُبَاهِي إِلَّا بِالْأَفْضَلِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء.
وَلَا طَرِيق إِلَى الْقَطْع بِأَنَّ الْأَنْبِيَاء أَفْضَل مِنْ الْمَلَائِكَة، وَلَا الْقَطْع بِأَنَّ الْمَلَائِكَة خَيْر مِنْهُمْ، لِأَنَّ طَرِيق ذَلِكَ خَبَر اللَّه تَعَالَى وَخَبَر رَسُوله أَوْ إِجْمَاع الْأُمَّة، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْر رَحِمَهُ اللَّه حَيْثُ قَالُوا : الْمَلَائِكَة أَفْضَل.
قَالَ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابنَا وَالشِّيعَة : إِنَّ الْأَنْبِيَاء أَفْضَل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم، فَيُقَال لَهُمْ : الْمَسْجُود لَهُ لَا يَكُون أَفْضَل مِنْ السَّاجِد، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَعْبَة مَسْجُود لَهَا وَالْأَنْبِيَاء وَالْخَلْق يَسْجُدُونَ نَحْوهَا، ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاء خَيْر مِنْ الْكَعْبَة بِاتِّفَاقِ الْأُمَّة.
وَلَا خِلَاف أَنَّ السُّجُود لَا يَكُون إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ السُّجُود عِبَادَة، وَالْعِبَادَة لَا تَكُون إِلَّا لِلَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْن السُّجُود إِلَى جِهَة لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجِهَة خَيْر مِنْ السَّاجِد الْعَابِد، وَهَذَا وَاضِح.
وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي الْآيَة بَعْد هَذَا.
قَالَ : وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابنَا وَالشِّيعَة : إِنَّ الْأَنْبِيَاء أَفْضَل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ لِآدَم، فَيُقَال لَهُمْ : الْمَسْجُود لَهُ لَا يَكُون أَفْضَل مِنْ السَّاجِد، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَعْبَة مَسْجُود لَهَا وَالْأَنْبِيَاء وَالْخَلْق يَسْجُدُونَ نَحْوهَا، ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاء خَيْر مِنْ الْكَعْبَة بِاتِّفَاقِ الْأُمَّة.
وَلَا خِلَاف أَنَّ السُّجُود لَا يَكُون إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ السُّجُود عِبَادَة، وَالْعِبَادَة لَا تَكُون إِلَّا لِلَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْن السُّجُود إِلَى جِهَة لَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجِهَة خَيْر مِنْ السَّاجِد الْعَابِد، وَهَذَا وَاضِح.
وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي الْآيَة بَعْد هَذَا.
بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ
دَلِيل عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَم مِنْ الْغَيْب إِلَّا مَا أَعْلَمَهُ اللَّه كَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنْ مَنْ أَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى فَالْمُنَجِّمُونَ وَالْكُهَّان وَغَيْرهمْ كَذَبَة.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ "
دَلِيل عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَم مِنْ الْغَيْب إِلَّا مَا أَعْلَمَهُ اللَّه كَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنْ مَنْ أَعْلَمَهُ اللَّه تَعَالَى فَالْمُنَجِّمُونَ وَالْكُهَّان وَغَيْرهمْ كَذَبَة.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ "
وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
أَيْ مِنْ قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " حَكَاهُ مَكِّيّ وَالْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ الزَّهْرَاوِيّ : مَا أَبْدَوْهُ هُوَ بِدَارهمْ بِالسُّجُودِ لِآدَم.
أَيْ مِنْ قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " حَكَاهُ مَكِّيّ وَالْمَاوَرْدِيّ.
وَقَالَ الزَّهْرَاوِيّ : مَا أَبْدَوْهُ هُوَ بِدَارهمْ بِالسُّجُودِ لِآدَم.
تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر : الْمُرَاد مَا كَتَمَهُ إِبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَجَاءَ " تَكْتُمُونَ " لِلْجَمَاعَةِ، وَالْكَاتِم وَاحِد فِي هَذَا الْقَوْل عَلَى تَجَوُّز الْعَرَب وَاتِّسَاعهَا، كَمَا يُقَال لِقَوْمٍ قَدْ جَنَى سَفِيه مِنْهُمْ : أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا.
أَيْ مِنْكُمْ فَاعِله، وَهَذَا مَعَ قَصْد تَعْنِيف، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ " [ الْحُجُرَات : ٤ ] وَإِنَّمَا نَادَاهُ مِنْهُمْ عُيَيْنَة، وَقِيلَ الْأَقْرَع.
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْإِبْدَاء وَالْمَكْتُوم ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْعُمُوم فِي مَعْرِفَة أَسْرَارهمْ وَظَوَاهِرهمْ أَجْمَع.
وَقَالَ مَهْدِيّ بْن مَيْمُون : كُنَّا عِنْد الْحَسَن فَسَأَلَهُ الْحَسَن بْن دِينَار مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجَبًا، وَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء، قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ، فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إِنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إِلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَ " مَا " فِي قَوْله :" مَا تُبْدُونَ " يَجُوز أَنْ يَنْتَصِب بِـ " أَعْلَم " عَلَى أَنَّهُ فِعْل، وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى عَالِم وَتُنْصَب بِهِ " مَا " فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر : الْمُرَاد مَا كَتَمَهُ إِبْلِيس فِي نَفْسه مِنْ الْكِبْر وَالْمَعْصِيَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَجَاءَ " تَكْتُمُونَ " لِلْجَمَاعَةِ، وَالْكَاتِم وَاحِد فِي هَذَا الْقَوْل عَلَى تَجَوُّز الْعَرَب وَاتِّسَاعهَا، كَمَا يُقَال لِقَوْمٍ قَدْ جَنَى سَفِيه مِنْهُمْ : أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا.
أَيْ مِنْكُمْ فَاعِله، وَهَذَا مَعَ قَصْد تَعْنِيف، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ " [ الْحُجُرَات : ٤ ] وَإِنَّمَا نَادَاهُ مِنْهُمْ عُيَيْنَة، وَقِيلَ الْأَقْرَع.
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْإِبْدَاء وَالْمَكْتُوم ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْعُمُوم فِي مَعْرِفَة أَسْرَارهمْ وَظَوَاهِرهمْ أَجْمَع.
وَقَالَ مَهْدِيّ بْن مَيْمُون : كُنَّا عِنْد الْحَسَن فَسَأَلَهُ الْحَسَن بْن دِينَار مَا الَّذِي كَتَمَتْ الْمَلَائِكَة ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خَلْقًا عَجَبًا، وَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء، قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَأَسَرُّوا ذَلِكَ بَيْنهمْ، فَقَالُوا : وَمَا يُهِمّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوق إِنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق خَلْقًا إِلَّا كُنَّا أَكْرَم عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَ " مَا " فِي قَوْله :" مَا تُبْدُونَ " يَجُوز أَنْ يَنْتَصِب بِـ " أَعْلَم " عَلَى أَنَّهُ فِعْل، وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى عَالِم وَتُنْصَب بِهِ " مَا " فَيَكُون مِثْل حَوَاجّ بَيْت اللَّه، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
أَيْ وَاذْكُرْ.
وَأَمَّا قَوْل أَبِي عُبَيْدَة : إِنَّ " إِذْ " زَائِدَة فَلَيْسَ بِجَائِزٍ ; لِأَنَّ إِذْ ظَرْف.
وَقَالَ :" قُلْنَا " وَلَمْ يَقُلْ قُلْت لِأَنَّ الْجَبَّار الْعَظِيم يُخْبِر عَنْ نَفْسه بِفِعْلِ الْجَمَاعَة تَفْخِيمًا وَإِشَادَة بِذِكْرِهِ.
وَالْمَلَائِكَة جَمْع مَلَك، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع أَنَّهُ ضَمَّ تَاء التَّأْنِيث مِنْ الْمَلَائِكَة إِتْبَاعًا لِضَمِّ الْجِيم فِي " اُسْجُدُوا ".
وَنَظِيره " الْحَمْد لِلَّهِ ".
أَيْ وَاذْكُرْ.
وَأَمَّا قَوْل أَبِي عُبَيْدَة : إِنَّ " إِذْ " زَائِدَة فَلَيْسَ بِجَائِزٍ ; لِأَنَّ إِذْ ظَرْف.
وَقَالَ :" قُلْنَا " وَلَمْ يَقُلْ قُلْت لِأَنَّ الْجَبَّار الْعَظِيم يُخْبِر عَنْ نَفْسه بِفِعْلِ الْجَمَاعَة تَفْخِيمًا وَإِشَادَة بِذِكْرِهِ.
وَالْمَلَائِكَة جَمْع مَلَك، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع أَنَّهُ ضَمَّ تَاء التَّأْنِيث مِنْ الْمَلَائِكَة إِتْبَاعًا لِضَمِّ الْجِيم فِي " اُسْجُدُوا ".
وَنَظِيره " الْحَمْد لِلَّهِ ".
اسْجُدُوا لِآدَمَ
السُّجُود مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب التَّذَلُّل وَالْخُضُوع، قَالَ الشَّاعِر :
الْأُكْم : الْجِبَال الصِّغَار.
جَعَلَهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ لِقَهْرِ الْحَوَافِر إِيَّاهَا وَأَنَّهَا لَا تَمْتَنِع عَلَيْهَا.
وَعَيْن سَاجِدَة، أَيْ فَاتِرَة عَنْ النَّظَر، وَغَايَته وَضْع الْوَجْه بِالْأَرْضِ.
قَالَ اِبْن فَارِس : سَجَدَ إِذَا تَطَامَنَ، وَكُلّ مَا سَجَدَ فَقَدْ ذَلَّ.
وَالْإِسْجَاد : إِدَامَة النَّظَر.
قَالَ أَبُو عَمْرو : وَأَسْجَدَ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسه، قَالَ :
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَأَنْشَدَنِي أَعْرَابِيّ مِنْ بَنِي أَسَد :
وَقُلْنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجَدَا
يَعْنِي الْبَعِير إِذَا طَأْطَأَ رَأْسه.
وَدَرَاهِم الْإِسْجَاد : دَرَاهِم كَانَتْ عَلَيْهَا صُوَر كَانُوا يَسْجُدُونَ لَهَا، قَالَ :
وَافَى بِهَا كَدَرَاهِم الْإِسْجَاد
اِسْتَدَلَّ مَنْ فَضَّلَ آدَم وَبَنِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ :" اُسْجُدُوا لِآدَم ".
قَالُو : وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَفْضَل مِنْهُمْ.
وَالْجَوَاب أَنَّ مَعْنَى " اُسْجُدُوا لِآدَم " اُسْجُدُوا لِي مُسْتَقْبِلِينَ وَجْه آدَم.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس " [ الْإِسْرَاء : ٧٨ ] أَيْ عِنْد دُلُوك الشَّمْس وَكَقَوْلِهِ :" وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص : ٧٢ ] أَيْ فَقَعُوا لِي عِنْد إِتْمَام خَلْقه وَمُوَاجَهَتكُمْ إِيَّاهُ سَاجِدِينَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَسْجُود لَهُ لَا يَكُون أَفْضَل مِنْ السَّاجِد بِدَلِيلِ الْقِبْلَة.
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَفْضَل مِنْهُمْ فَمَا الْحِكْمَة فِي الْأَمْر بِالسُّجُودِ لَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْمَلَائِكَة لَمَّا اِسْتَعْظَمُوا بِتَسْبِيحِهِمْ وَتَقْدِيسهمْ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِهِ لِيُرِيَهُمْ اِسْتِغْنَاءَهُ عَنْهُمْ وَعَنْ عِبَادَتهمْ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : عَيَّرُوا آدَم وَاسْتَصْغَرُوهُ وَلَمْ يَعْرِفُوا خَصَائِص الصُّنْع بِهِ فَأُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ تَكْرِيمًا.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ مُعَاقَبَة لَهُمْ عَلَى قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " لَمَّا قَالَ لَهُمْ :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَكَانَ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنْ خَاطَبَهُمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين " [ ص : ٧١ ] وَجَاعِله خَلِيفَة، فَإِذَا نَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
وَالْمَعْنَى : لِيَكُونَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت عَلَى مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ لِي الْآن.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اِسْتَدَلَّ اِبْن عَبَّاس عَلَى فَضْل الْبَشَر بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِحَيَاةِ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :" لَعَمْرك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتهمْ يَعْمَهُونَ " [ الْحِجْر : ٧٢ ].
وَأَمَّنَهُ مِنْ الْعَذَاب بِقَوْلِهِ :" لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " [ الْفَتْح : ٢ ].
السُّجُود مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب التَّذَلُّل وَالْخُضُوع، قَالَ الشَّاعِر :
| بِجَمْعٍ تَضِلّ الْبُلْق فِي حَجَرَاته | تَرَى الْأُكْم فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ |
جَعَلَهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ لِقَهْرِ الْحَوَافِر إِيَّاهَا وَأَنَّهَا لَا تَمْتَنِع عَلَيْهَا.
وَعَيْن سَاجِدَة، أَيْ فَاتِرَة عَنْ النَّظَر، وَغَايَته وَضْع الْوَجْه بِالْأَرْضِ.
قَالَ اِبْن فَارِس : سَجَدَ إِذَا تَطَامَنَ، وَكُلّ مَا سَجَدَ فَقَدْ ذَلَّ.
وَالْإِسْجَاد : إِدَامَة النَّظَر.
قَالَ أَبُو عَمْرو : وَأَسْجَدَ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسه، قَالَ :
| فُضُول أَزِمَّتهَا أَسَجَدَتْ | سُجُود النَّصَارَى لِأَحْبَارِهَا |
وَقُلْنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيْلَى فَأَسْجَدَا
يَعْنِي الْبَعِير إِذَا طَأْطَأَ رَأْسه.
وَدَرَاهِم الْإِسْجَاد : دَرَاهِم كَانَتْ عَلَيْهَا صُوَر كَانُوا يَسْجُدُونَ لَهَا، قَالَ :
وَافَى بِهَا كَدَرَاهِم الْإِسْجَاد
اِسْتَدَلَّ مَنْ فَضَّلَ آدَم وَبَنِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ :" اُسْجُدُوا لِآدَم ".
قَالُو : وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَفْضَل مِنْهُمْ.
وَالْجَوَاب أَنَّ مَعْنَى " اُسْجُدُوا لِآدَم " اُسْجُدُوا لِي مُسْتَقْبِلِينَ وَجْه آدَم.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس " [ الْإِسْرَاء : ٧٨ ] أَيْ عِنْد دُلُوك الشَّمْس وَكَقَوْلِهِ :" وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص : ٧٢ ] أَيْ فَقَعُوا لِي عِنْد إِتْمَام خَلْقه وَمُوَاجَهَتكُمْ إِيَّاهُ سَاجِدِينَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَسْجُود لَهُ لَا يَكُون أَفْضَل مِنْ السَّاجِد بِدَلِيلِ الْقِبْلَة.
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَفْضَل مِنْهُمْ فَمَا الْحِكْمَة فِي الْأَمْر بِالسُّجُودِ لَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْمَلَائِكَة لَمَّا اِسْتَعْظَمُوا بِتَسْبِيحِهِمْ وَتَقْدِيسهمْ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِهِ لِيُرِيَهُمْ اِسْتِغْنَاءَهُ عَنْهُمْ وَعَنْ عِبَادَتهمْ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : عَيَّرُوا آدَم وَاسْتَصْغَرُوهُ وَلَمْ يَعْرِفُوا خَصَائِص الصُّنْع بِهِ فَأُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ تَكْرِيمًا.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ مُعَاقَبَة لَهُمْ عَلَى قَوْلهمْ :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا " لَمَّا قَالَ لَهُمْ :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] وَكَانَ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنْ خَاطَبَهُمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين " [ ص : ٧١ ] وَجَاعِله خَلِيفَة، فَإِذَا نَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
وَالْمَعْنَى : لِيَكُونَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت عَلَى مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ لِي الْآن.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اِسْتَدَلَّ اِبْن عَبَّاس عَلَى فَضْل الْبَشَر بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَقْسَمَ بِحَيَاةِ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :" لَعَمْرك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتهمْ يَعْمَهُونَ " [ الْحِجْر : ٧٢ ].
وَأَمَّنَهُ مِنْ الْعَذَاب بِقَوْلِهِ :" لِيَغْفِر لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ " [ الْفَتْح : ٢ ].
وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ :" وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه فَذَلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّم " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٩ ].
قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا لَمْ يُقْسِم بِحَيَاةِ الْمَلَائِكَة كَمَا لَمْ يُقْسِم بِحَيَاةِ نَفْسه سُبْحَانه، فَلَمْ يَقُلْ : لَعَمْرِي.
وَأَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْض، وَلَمْ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرْفَع قَدْرًا مِنْ الْعَرْش وَالْجِنَان السَّبْع.
وَأَقْسَمَ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون.
وَأَمَّا قَوْله سُبْحَانه :" وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٩ ] فَهُوَ نَظِير قَوْله لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام :" لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ " [ الزُّمَر : ٦٥ ] فَلَيْسَ فِيهِ إِذًا دَلَالَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي كَيْفِيَّة سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم بَعْد اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سُجُود عِبَادَة، فَقَالَ الْجُمْهُور : كَانَ هَذَا أَمْرًا لِلْمَلَائِكَةِ بِوَضْعِ الْجِبَاه عَلَى الْأَرْض، كَالسُّجُودِ الْمُعْتَاد فِي الصَّلَاة ; لِأَنَّهُ الظَّاهِر مِنْ السُّجُود فِي الْعُرْف وَالشَّرْع، وَعَلَى هَذَا قِيلَ : كَانَ ذَلِكَ السُّجُود تَكْرِيمًا لِآدَم وَإِظْهَارًا لِفَضْلِهِ، وَطَاعَة لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ آدَم كَالْقِبْلَةِ لَنَا.
وَمَعْنَى " لِآدَم " : إِلَى آدَم، كَمَا يُقَال صَلَّى لِلْقِبْلَةِ، أَيْ إِلَى الْقِبْلَة.
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَكُنْ هَذَا السُّجُود الْمُعْتَاد الْيَوْم الَّذِي هُوَ وَضْع الْجَبْهَة عَلَى الْأَرْض وَلَكِنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْل اللُّغَة، فَهُوَ مِنْ التَّذَلُّل وَالِانْقِيَاد، أَيْ اِخْضَعُوا لِآدَم وَأَقِرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ.
قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا لَمْ يُقْسِم بِحَيَاةِ الْمَلَائِكَة كَمَا لَمْ يُقْسِم بِحَيَاةِ نَفْسه سُبْحَانه، فَلَمْ يَقُلْ : لَعَمْرِي.
وَأَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْض، وَلَمْ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرْفَع قَدْرًا مِنْ الْعَرْش وَالْجِنَان السَّبْع.
وَأَقْسَمَ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون.
وَأَمَّا قَوْله سُبْحَانه :" وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَه مِنْ دُونه " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٩ ] فَهُوَ نَظِير قَوْله لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام :" لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ " [ الزُّمَر : ٦٥ ] فَلَيْسَ فِيهِ إِذًا دَلَالَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي كَيْفِيَّة سُجُود الْمَلَائِكَة لِآدَم بَعْد اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سُجُود عِبَادَة، فَقَالَ الْجُمْهُور : كَانَ هَذَا أَمْرًا لِلْمَلَائِكَةِ بِوَضْعِ الْجِبَاه عَلَى الْأَرْض، كَالسُّجُودِ الْمُعْتَاد فِي الصَّلَاة ; لِأَنَّهُ الظَّاهِر مِنْ السُّجُود فِي الْعُرْف وَالشَّرْع، وَعَلَى هَذَا قِيلَ : كَانَ ذَلِكَ السُّجُود تَكْرِيمًا لِآدَم وَإِظْهَارًا لِفَضْلِهِ، وَطَاعَة لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ آدَم كَالْقِبْلَةِ لَنَا.
وَمَعْنَى " لِآدَم " : إِلَى آدَم، كَمَا يُقَال صَلَّى لِلْقِبْلَةِ، أَيْ إِلَى الْقِبْلَة.
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَكُنْ هَذَا السُّجُود الْمُعْتَاد الْيَوْم الَّذِي هُوَ وَضْع الْجَبْهَة عَلَى الْأَرْض وَلَكِنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْل اللُّغَة، فَهُوَ مِنْ التَّذَلُّل وَالِانْقِيَاد، أَيْ اِخْضَعُوا لِآدَم وَأَقِرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ.
فَسَجَدُوا
أَيْ اِمْتَثَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ.
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ كَانَ ذَلِكَ السُّجُود خَاصًّا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يَجُوز السُّجُود لِغَيْرِهِ مِنْ جَمِيع الْعَالَم إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، أَمْ كَانَ جَائِزًا بَعْده إِلَى زَمَان يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " [ يُوسُف : ١٠٠ ] فَكَانَ آخِر مَا أُبِيحَ مِنْ السُّجُود لِلْمَخْلُوقِينَ ؟ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا إِلَى عَصْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ أَصْحَابه قَالُوا لَهُ حِين سَجَدَتْ لَهُ الشَّجَرَة وَالْجَمَل : نَحْنُ أَوْلَى بِالسُّجُودِ لَك مِنْ الشَّجَرَة وَالْجَمَل الشَّارِد، فَقَالَ لَهُمْ :( لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَد لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ).
رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالْبُسْتِيّ فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي وَاقِد قَالَ : لَمَّا قَدِمَ مُعَاذ بْن جَبَل مِنْ الشَّام سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا هَذَا ) فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، قَدِمْت الشَّام فَرَأَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتهمْ، فَأَرَدْت أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ بِك، قَالَ :( فَلَا تَفْعَل فَإِنِّي لَوْ أَمَرْت شَيْئًا أَنْ يَسْجُد لِشَيْءٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقّ زَوْجهَا حَتَّى لَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَمْ تَمْنَعْهُ ).
لَفْظ الْبُسْتِيّ.
وَمَعْنَى الْقَتَب أَنَّ الْعَرَب يَعِزّ عِنْدهمْ وُجُود كُرْسِيّ لِلْوِلَادَةِ فَيَحْمِلُونَ نِسَاءَهُمْ عَلَى الْقَتَب عِنْد الْوِلَادَة.
وَفِي بَعْض طُرُق مُعَاذ : وَنَهَى عَنْ السُّجُود لِلْبَشَرِ وَأَمَرَ بِالْمُصَافَحَةِ.
قُلْت : وَهَذَا السُّجُود الْمَنْهِيّ عَنْهُ قَدْ اِتَّخَذَهُ جُهَّال الْمُتَصَوِّفَة عَادَة فِي سَمَاعهمْ وَعِنْد دُخُولهمْ عَلَى مَشَايِخهمْ وَاسْتِغْفَارهمْ، فَيُرَى الْوَاحِد مِنْهُمْ إِذَا أَخَذَهُ الْحَال بِزَعْمِهِ يَسْجُد لِلْأَقْدَامِ لِجَهْلِهِ سَوَاء أَكَانَ لِلْقِبْلَةِ أَمْ غَيْرهَا جَهَالَة مِنْهُ، ضَلَّ سَعْيهمْ وَخَابَ عَمَلهمْ.
أَيْ اِمْتَثَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ.
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ كَانَ ذَلِكَ السُّجُود خَاصًّا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يَجُوز السُّجُود لِغَيْرِهِ مِنْ جَمِيع الْعَالَم إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، أَمْ كَانَ جَائِزًا بَعْده إِلَى زَمَان يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " [ يُوسُف : ١٠٠ ] فَكَانَ آخِر مَا أُبِيحَ مِنْ السُّجُود لِلْمَخْلُوقِينَ ؟ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا إِلَى عَصْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ أَصْحَابه قَالُوا لَهُ حِين سَجَدَتْ لَهُ الشَّجَرَة وَالْجَمَل : نَحْنُ أَوْلَى بِالسُّجُودِ لَك مِنْ الشَّجَرَة وَالْجَمَل الشَّارِد، فَقَالَ لَهُمْ :( لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَد لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ).
رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالْبُسْتِيّ فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي وَاقِد قَالَ : لَمَّا قَدِمَ مُعَاذ بْن جَبَل مِنْ الشَّام سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا هَذَا ) فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، قَدِمْت الشَّام فَرَأَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتهمْ، فَأَرَدْت أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ بِك، قَالَ :( فَلَا تَفْعَل فَإِنِّي لَوْ أَمَرْت شَيْئًا أَنْ يَسْجُد لِشَيْءٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقّ زَوْجهَا حَتَّى لَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَمْ تَمْنَعْهُ ).
لَفْظ الْبُسْتِيّ.
وَمَعْنَى الْقَتَب أَنَّ الْعَرَب يَعِزّ عِنْدهمْ وُجُود كُرْسِيّ لِلْوِلَادَةِ فَيَحْمِلُونَ نِسَاءَهُمْ عَلَى الْقَتَب عِنْد الْوِلَادَة.
وَفِي بَعْض طُرُق مُعَاذ : وَنَهَى عَنْ السُّجُود لِلْبَشَرِ وَأَمَرَ بِالْمُصَافَحَةِ.
قُلْت : وَهَذَا السُّجُود الْمَنْهِيّ عَنْهُ قَدْ اِتَّخَذَهُ جُهَّال الْمُتَصَوِّفَة عَادَة فِي سَمَاعهمْ وَعِنْد دُخُولهمْ عَلَى مَشَايِخهمْ وَاسْتِغْفَارهمْ، فَيُرَى الْوَاحِد مِنْهُمْ إِذَا أَخَذَهُ الْحَال بِزَعْمِهِ يَسْجُد لِلْأَقْدَامِ لِجَهْلِهِ سَوَاء أَكَانَ لِلْقِبْلَةِ أَمْ غَيْرهَا جَهَالَة مِنْهُ، ضَلَّ سَعْيهمْ وَخَابَ عَمَلهمْ.
إِلَّا إِبْلِيسَ
نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَى قَوْل الْجُمْهُور : اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن جُرَيْج وَابْن الْمُسَيِّب وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ، وَهُوَ اِخْتِيَار الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ اِسْمه عَزَازِيل وَكَانَ مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَكَانَ مِنْ الْأَجْنِحَة الْأَرْبَعَة ثُمَّ أُبْلِسَ بَعْد.
رَوَى سِمَاك بْن حَرْب عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ إِبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا عَصَى اللَّه غَضِبَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ فَصَارَ شَيْطَانًا.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَفْضَل صِنْف مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنَّة.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّ الْجِنّ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة خُلِقُوا مِنْ نَار وَإِبْلِيس مِنْهُمْ، وَخُلِقَ سَائِر الْمَلَائِكَة مِنْ نُور.
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَالْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا : إِبْلِيس أَبُو الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَبُو الْبَشَر وَلَمْ يَكُنْ مَلَكًا، وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ : اِسْمه الْحَارِث.
وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب وَبَعْض الْأُصُولِيِّينَ : كَانَ مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْض وَقَاتَلَتْهُمْ الْمَلَائِكَة فَسَبَوْهُ صَغِيرًا وَتَعَبَّدَ مَعَ الْمَلَائِكَة وَخُوطِبَ، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود.
وَالِاسْتِثْنَاء عَلَى هَذَا مُنْقَطِع، مِثْل قَوْله تَعَالَى :" مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " [ النِّسَاء : ١٧٥ ] وَقَوْله :" إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ] فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ الشَّاعِر :
وَاحْتَجَّ بَعْض أَصْحَاب هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَصَفَ الْمَلَائِكَة فَقَالَ :" لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [ التَّحْرِيم : ٦ ]، وَقَوْله تَعَالَى :" إِلَّا إِبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ " [ الْكَهْف : ٥٠ ] وَالْجِنّ غَيْر الْمَلَائِكَة.
أَجَابَ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يَخْرُج إِبْلِيس مِنْ جُمْلَة الْمَلَائِكَة لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه بِشَقَائِهِ عَدْلًا مِنْهُ، لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل، وَلَيْسَ فِي خَلْقه مِنْ نَار وَلَا فِي تَرْكِيب الشَّهْوَة حِين غَضِبَ عَلَيْهِ مَا يَدْفَع أَنَّهُ مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنّ الْأَرْض فَسُبِيَ، فَقَدْ رُوِيَ فِي مُقَابَلَته أَنَّ إِبْلِيس هُوَ الَّذِي قَاتَلَ الْجِنّ فِي الْأَرْض مَعَ جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ وَغَيْره.
نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة عَلَى قَوْل الْجُمْهُور : اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن جُرَيْج وَابْن الْمُسَيِّب وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ، وَهُوَ اِخْتِيَار الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ اِسْمه عَزَازِيل وَكَانَ مِنْ أَشْرَاف الْمَلَائِكَة وَكَانَ مِنْ الْأَجْنِحَة الْأَرْبَعَة ثُمَّ أُبْلِسَ بَعْد.
رَوَى سِمَاك بْن حَرْب عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ إِبْلِيس مِنْ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا عَصَى اللَّه غَضِبَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ فَصَارَ شَيْطَانًا.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَفْضَل صِنْف مِنْ الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنَّة.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّ الْجِنّ سِبْط مِنْ الْمَلَائِكَة خُلِقُوا مِنْ نَار وَإِبْلِيس مِنْهُمْ، وَخُلِقَ سَائِر الْمَلَائِكَة مِنْ نُور.
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَالْحَسَن وَقَتَادَة أَيْضًا : إِبْلِيس أَبُو الْجِنّ كَمَا أَنَّ آدَم أَبُو الْبَشَر وَلَمْ يَكُنْ مَلَكًا، وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ : اِسْمه الْحَارِث.
وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب وَبَعْض الْأُصُولِيِّينَ : كَانَ مِنْ الْجِنّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْض وَقَاتَلَتْهُمْ الْمَلَائِكَة فَسَبَوْهُ صَغِيرًا وَتَعَبَّدَ مَعَ الْمَلَائِكَة وَخُوطِبَ، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود.
وَالِاسْتِثْنَاء عَلَى هَذَا مُنْقَطِع، مِثْل قَوْله تَعَالَى :" مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " [ النِّسَاء : ١٧٥ ] وَقَوْله :" إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ] فِي أَحَد الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ الشَّاعِر :
| لَيْسَ عَلَيْك عَطَش وَلَا جُوع | إِلَّا الرُّقَاد وَالرُّقَاد مَمْنُوع |
أَجَابَ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يَخْرُج إِبْلِيس مِنْ جُمْلَة الْمَلَائِكَة لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه بِشَقَائِهِ عَدْلًا مِنْهُ، لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل، وَلَيْسَ فِي خَلْقه مِنْ نَار وَلَا فِي تَرْكِيب الشَّهْوَة حِين غَضِبَ عَلَيْهِ مَا يَدْفَع أَنَّهُ مِنْ الْمَلَائِكَة.
وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنّ الْأَرْض فَسُبِيَ، فَقَدْ رُوِيَ فِي مُقَابَلَته أَنَّ إِبْلِيس هُوَ الَّذِي قَاتَلَ الْجِنّ فِي الْأَرْض مَعَ جُنْد مِنْ الْمَلَائِكَة، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ وَغَيْره.
وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ إِبْلِيس كَانَ مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ خُلِقُوا مِنْ نَار السَّمُوم، وَخُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور، وَكَانَ اِسْمه بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَزَازِيل، وَبِالْعَرَبِيَّةِ الْحَارِث، وَكَانَ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة وَكَانَ رَئِيس مَلَائِكَة السَّمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ سُلْطَانهَا وَسُلْطَان الْأَرْض، وَكَانَ مِنْ أَشَدّ الْمَلَائِكَة اِجْتِهَادًا وَأَكْثَرهمْ عِلْمًا، وَكَانَ يَسُوس مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض، فَرَأَى لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ شَرَفًا وَعَظَمَة، فَذَلِكَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْكُفْر فَعَصَى اللَّه فَمَسَخَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا.
فَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَة الرَّجُل فِي كِبْر فَلَا تَرْجُهُ، وَإِنْ كَانَتْ خَطِيئَته فِي مَعْصِيَة فَارْجُهُ، وَكَانَتْ خَطِيئَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مَعْصِيَة، وَخَطِيئَة إِبْلِيس كِبْرًا.
وَالْمَلَائِكَة قَدْ تُسَمَّى جِنًّا لِاسْتِتَارِهَا، وَفِي التَّنْزِيل :" وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا " [ الصَّافَّات : ١٥٨ ]، وَقَالَ الشَّاعِر فِي ذِكْر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام :
وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّة نُسِبَ إِلَيْهَا فَاشْتُقَّ اِسْمه مِنْ اِسْمهَا، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَإِبْلِيس وَزْنه إِفْعِيل، مُشْتَقّ مِنْ الْإِبْلَاس وَهُوَ الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى.
وَلَمْ يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَة وَلَا نَظِير لَهُ فِي الْأَسْمَاء فَشُبِّهَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره.
وَقِيلَ : هُوَ أَعْجَمِيّ لَا اِشْتِقَاق لَهُ فَلَمْ يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف، قَالَهُ الزَّجَّاج وَغَيْره.
فَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَة الرَّجُل فِي كِبْر فَلَا تَرْجُهُ، وَإِنْ كَانَتْ خَطِيئَته فِي مَعْصِيَة فَارْجُهُ، وَكَانَتْ خَطِيئَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مَعْصِيَة، وَخَطِيئَة إِبْلِيس كِبْرًا.
وَالْمَلَائِكَة قَدْ تُسَمَّى جِنًّا لِاسْتِتَارِهَا، وَفِي التَّنْزِيل :" وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا " [ الصَّافَّات : ١٥٨ ]، وَقَالَ الشَّاعِر فِي ذِكْر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام :
| وَسَخَّرَ مِنْ جِنّ الْمَلَائِك تِسْعَة | قِيَامًا لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْر |
وَإِبْلِيس وَزْنه إِفْعِيل، مُشْتَقّ مِنْ الْإِبْلَاس وَهُوَ الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى.
وَلَمْ يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَة وَلَا نَظِير لَهُ فِي الْأَسْمَاء فَشُبِّهَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره.
وَقِيلَ : هُوَ أَعْجَمِيّ لَا اِشْتِقَاق لَهُ فَلَمْ يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف، قَالَهُ الزَّجَّاج وَغَيْره.
أَبَى
مَعْنَاهُ اِمْتَنَعَ مِنْ فِعْل مَا أُمِرَ بِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا قَرَأَ اِبْن آدَم السَّجْدَة فَسَجَدَ اِعْتَزَلَ الشَّيْطَان يَبْكِي يَقُول يَا وَيْله - وَفِي رَاوِيَة : يَا وَيْلِي - أُمِرَ اِبْن آدَم بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّة وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِي النَّار ).
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
يُقَال : أَبَى يَأْبَى إِبَاء، وَهُوَ حَرْف نَادِر جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعَل لَيْسَ فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْأَلِف مُضَارِعَة لِحُرُوفِ الْحَلْق.
قَالَ الزَّجَّاج : سَمِعْت إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي يَقُول : الْقَوْل عِنْدِي أَنَّ الْأَلِف مُضَارِعَة لِحُرُوفِ الْحَلْق.
قَالَ النَّحَّاس : وَلَا أَعْلَم أَنَّ أَبَا إِسْحَاق رَوَى عَنْ إِسْمَاعِيل نَحْوًا غَيْر هَذَا الْحَرْف.
مَعْنَاهُ اِمْتَنَعَ مِنْ فِعْل مَا أُمِرَ بِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا قَرَأَ اِبْن آدَم السَّجْدَة فَسَجَدَ اِعْتَزَلَ الشَّيْطَان يَبْكِي يَقُول يَا وَيْله - وَفِي رَاوِيَة : يَا وَيْلِي - أُمِرَ اِبْن آدَم بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّة وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِي النَّار ).
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
يُقَال : أَبَى يَأْبَى إِبَاء، وَهُوَ حَرْف نَادِر جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعَل لَيْسَ فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْأَلِف مُضَارِعَة لِحُرُوفِ الْحَلْق.
قَالَ الزَّجَّاج : سَمِعْت إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي يَقُول : الْقَوْل عِنْدِي أَنَّ الْأَلِف مُضَارِعَة لِحُرُوفِ الْحَلْق.
قَالَ النَّحَّاس : وَلَا أَعْلَم أَنَّ أَبَا إِسْحَاق رَوَى عَنْ إِسْمَاعِيل نَحْوًا غَيْر هَذَا الْحَرْف.
وَاسْتَكْبَرَ
الِاسْتِكْبَار : الِاسْتِعْظَام، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ السُّجُود فِي حَقّه وَاسْتَعْظَمَهُ فِي حَقّ آدَم، فَكَانَ تَرْك السُّجُود لِآدَم تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّه وَحِكْمَته.
وَعَنْ هَذَا الْكِبْر عَبَّرَ عَلَيْهِ السَّلَام بِقَوْلِهِ :( لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ كِبْر ).
فِي رِوَايَة فَقَالَ رَجُل : إِنَّ الرَّجُل يُحِبّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا وَنَعْله حَسَنَة.
قَالَ :( إِنَّ اللَّه جَمِيل يُحِبّ الْجَمَال الْكِبْر بَطَر الْحَقّ وَغَمْط النَّاس ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَمَعْنَى بَطَر الْحَقّ : تَسْفِيهه وَإِبْطَاله.
وَغَمْط النَّاس : الِاحْتِقَار لَهُمْ وَالِازْدِرَاء بِهِمْ.
وَيُرْوَى :" وَغَمَص " بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة، وَالْمَعْنَى وَاحِد، يُقَال : غَمَصه يَغْمِصهُ غَمْصًا وَاغْتَمَصَهُ، أَيْ اِسْتَصْغَرَهُ وَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا وَغَمَصَ فُلَان النِّعْمَة إِذَا لَمْ يَشْكُرهَا.
وَغَمَصْت عَلَيْهِ قَوْلًا قَالَهُ، أَيْ عِبْته عَلَيْهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ اللَّعِين بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ :" أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين " [ ص : ٧٦ ].
" أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْت طِينًا " [ الْإِسْرَاء : ٦١ ].
" لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُد لِبَشَرٍ خَلَقْته مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " [ الْحِجْر : ٣٣ ] فَكَفَّرَهُ اللَّه بِذَلِكَ.
فَكُلّ مَنْ سَفَّهَ شَيْئًا مِنْ أَوَامِر اللَّه تَعَالَى أَوْ أَمْر رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ حُكْمه حُكْمه، وَهَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ.
وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّل مَعْصِيَة كَانَتْ الْحَسَد وَالْكِبْر، حَسَدَ إِبْلِيس آدَم، وَشَحَّ آدَم فِي أَكْله مِنْ الشَّجَرَة.
وَقَالَ قَتَادَة : حَسَدَ إِبْلِيس آدَم، عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ الْكَرَامَة فَقَالَ : أَنَا نَارِيّ وَهَذَا طِينِيّ.
وَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكِبْر، ثُمَّ الْحِرْص حَتَّى أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَة، ثُمَّ الْحَسَد إِذْ حَسَدَ اِبْن آدَم أَخَاهُ.
الِاسْتِكْبَار : الِاسْتِعْظَام، فَكَأَنَّهُ كَرِهَ السُّجُود فِي حَقّه وَاسْتَعْظَمَهُ فِي حَقّ آدَم، فَكَانَ تَرْك السُّجُود لِآدَم تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّه وَحِكْمَته.
وَعَنْ هَذَا الْكِبْر عَبَّرَ عَلَيْهِ السَّلَام بِقَوْلِهِ :( لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ كِبْر ).
فِي رِوَايَة فَقَالَ رَجُل : إِنَّ الرَّجُل يُحِبّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا وَنَعْله حَسَنَة.
قَالَ :( إِنَّ اللَّه جَمِيل يُحِبّ الْجَمَال الْكِبْر بَطَر الْحَقّ وَغَمْط النَّاس ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَمَعْنَى بَطَر الْحَقّ : تَسْفِيهه وَإِبْطَاله.
وَغَمْط النَّاس : الِاحْتِقَار لَهُمْ وَالِازْدِرَاء بِهِمْ.
وَيُرْوَى :" وَغَمَص " بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة، وَالْمَعْنَى وَاحِد، يُقَال : غَمَصه يَغْمِصهُ غَمْصًا وَاغْتَمَصَهُ، أَيْ اِسْتَصْغَرَهُ وَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا وَغَمَصَ فُلَان النِّعْمَة إِذَا لَمْ يَشْكُرهَا.
وَغَمَصْت عَلَيْهِ قَوْلًا قَالَهُ، أَيْ عِبْته عَلَيْهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ اللَّعِين بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ :" أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين " [ ص : ٧٦ ].
" أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْت طِينًا " [ الْإِسْرَاء : ٦١ ].
" لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُد لِبَشَرٍ خَلَقْته مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " [ الْحِجْر : ٣٣ ] فَكَفَّرَهُ اللَّه بِذَلِكَ.
فَكُلّ مَنْ سَفَّهَ شَيْئًا مِنْ أَوَامِر اللَّه تَعَالَى أَوْ أَمْر رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ حُكْمه حُكْمه، وَهَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ.
وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّل مَعْصِيَة كَانَتْ الْحَسَد وَالْكِبْر، حَسَدَ إِبْلِيس آدَم، وَشَحَّ آدَم فِي أَكْله مِنْ الشَّجَرَة.
وَقَالَ قَتَادَة : حَسَدَ إِبْلِيس آدَم، عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ الْكَرَامَة فَقَالَ : أَنَا نَارِيّ وَهَذَا طِينِيّ.
وَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكِبْر، ثُمَّ الْحِرْص حَتَّى أَكَلَ آدَم مِنْ الشَّجَرَة، ثُمَّ الْحَسَد إِذْ حَسَدَ اِبْن آدَم أَخَاهُ.
وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
قِيلَ : كَانَ هُنَا بِمَعْنَى صَارَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ ".
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيْ صَارَتْ.
وَقَالَ اِبْن فَوْرك.
" كَانَ " هُنَا بِمَعْنَى صَارَ خَطَأ تَرُدّهُ الْأُصُول.
وَقَالَ جُمْهُور الْمُتَأَوِّلِينَ : الْمَعْنَى أَيْ كَانَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكْفُرُ ; لِأَنَّ الْكَافِر حَقِيقَة وَالْمُؤْمِن حَقِيقَة هُوَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ اللَّه مِنْهُ الْمُوَافَاة.
قُلْت : وَهَذَا صَحِيح، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ).
وَقِيلَ : إِنَّ إِبْلِيس عَبَدَ اللَّه تَعَالَى ثَمَانِينَ أَلْف سَنَة، وَأُعْطِيَ الرِّيَاسَة وَالْخِزَانَة فِي الْجَنَّة عَلَى الِاسْتِدْرَاج، كَمَا أُعْطِيَ الْمُنَافِقُونَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه عَلَى أَطْرَاف أَلْسِنَتهمْ، وَكَمَا أُعْطِيَ بَلْعَام الِاسْم الْأَعْظَم عَلَى طَرَف لِسَانه، فَكَانَ فِي رِيَاسَته، وَالْكِبْر فِي نَفْسه مُتَمَكِّن.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَرَى لِنَفْسِهِ أَنَّ لَهُ فَضِيلَة عَلَى الْمَلَائِكَة بِمَا عِنْده، فَلِذَلِكَ قَالَ : أَنَا خَيْر مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ " [ ص : ٧٥ ] أَيْ اِسْتَكْبَرْت وَلَا كِبْر لَك، وَلَمْ أَتَكَبَّر أَنَا حِين خَلَقْته بِيَدَيَّ وَالْكِبْر لِي فَلِذَلِكَ قَالَ :" وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ".
[ ص : ٧٤ ].
وَكَانَ أَصْل خِلْقَتِهِ مِنْ نَار الْعِزَّة، وَلِذَلِكَ حَلَفَ بِالْعِزَّةِ فَقَالَ :" فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " [ ص : ٨٢ ] فَالْعِزَّة أَوْرَثَتْهُ الْكِبْر حَتَّى رَأَى الْفَضْل لَهُ عَلَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَعَنْ أَبِي صَالِح قَالَ : خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور الْعِزَّة وَخُلِقَ إِبْلِيس مِنْ نَار الْعِزَّة.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ - : وَمَنْ أَظْهَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ كَرَامَات وَخَوَارِق لِلْعَادَاتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وِلَايَته، خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّة وَالرَّافِضَة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا مَا أَظْهَرَ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ مَا أَظْهَرَ.
وَدَلِيلنَا أَنَّ الْعِلْم بِأَنَّ الْوَاحِد مِنَّا وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحّ إِلَّا بَعْد الْعِلْم بِأَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْوَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُوَافِي إِلَّا بِالْإِيمَانِ.
وَلَمَّا اِتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّنَا لَا يُمْكِننَا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، وَلَا الرَّجُل نَفْسه يَقْطَع عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَدُلّ عَلَى وِلَايَته لِلَّهِ.
قِيلَ : كَانَ هُنَا بِمَعْنَى صَارَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ ".
وَقَالَ الشَّاعِر :
| بِتَيْهَاء قَفْر وَالْمَطِيّ كَأَنَّهَا | قَطَا الْحَزْن قَدْ كَانَتْ فِرَاخًا بُيُوضهَا |
وَقَالَ اِبْن فَوْرك.
" كَانَ " هُنَا بِمَعْنَى صَارَ خَطَأ تَرُدّهُ الْأُصُول.
وَقَالَ جُمْهُور الْمُتَأَوِّلِينَ : الْمَعْنَى أَيْ كَانَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكْفُرُ ; لِأَنَّ الْكَافِر حَقِيقَة وَالْمُؤْمِن حَقِيقَة هُوَ الَّذِي قَدْ عَلِمَ اللَّه مِنْهُ الْمُوَافَاة.
قُلْت : وَهَذَا صَحِيح، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ :( وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ ).
وَقِيلَ : إِنَّ إِبْلِيس عَبَدَ اللَّه تَعَالَى ثَمَانِينَ أَلْف سَنَة، وَأُعْطِيَ الرِّيَاسَة وَالْخِزَانَة فِي الْجَنَّة عَلَى الِاسْتِدْرَاج، كَمَا أُعْطِيَ الْمُنَافِقُونَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه عَلَى أَطْرَاف أَلْسِنَتهمْ، وَكَمَا أُعْطِيَ بَلْعَام الِاسْم الْأَعْظَم عَلَى طَرَف لِسَانه، فَكَانَ فِي رِيَاسَته، وَالْكِبْر فِي نَفْسه مُتَمَكِّن.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَرَى لِنَفْسِهِ أَنَّ لَهُ فَضِيلَة عَلَى الْمَلَائِكَة بِمَا عِنْده، فَلِذَلِكَ قَالَ : أَنَا خَيْر مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ " [ ص : ٧٥ ] أَيْ اِسْتَكْبَرْت وَلَا كِبْر لَك، وَلَمْ أَتَكَبَّر أَنَا حِين خَلَقْته بِيَدَيَّ وَالْكِبْر لِي فَلِذَلِكَ قَالَ :" وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ".
[ ص : ٧٤ ].
وَكَانَ أَصْل خِلْقَتِهِ مِنْ نَار الْعِزَّة، وَلِذَلِكَ حَلَفَ بِالْعِزَّةِ فَقَالَ :" فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " [ ص : ٨٢ ] فَالْعِزَّة أَوْرَثَتْهُ الْكِبْر حَتَّى رَأَى الْفَضْل لَهُ عَلَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَعَنْ أَبِي صَالِح قَالَ : خُلِقَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ نُور الْعِزَّة وَخُلِقَ إِبْلِيس مِنْ نَار الْعِزَّة.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ - : وَمَنْ أَظْهَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ كَرَامَات وَخَوَارِق لِلْعَادَاتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وِلَايَته، خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّة وَالرَّافِضَة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا مَا أَظْهَرَ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ مَا أَظْهَرَ.
وَدَلِيلنَا أَنَّ الْعِلْم بِأَنَّ الْوَاحِد مِنَّا وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحّ إِلَّا بَعْد الْعِلْم بِأَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْوَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُوَافِي إِلَّا بِالْإِيمَانِ.
وَلَمَّا اِتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّنَا لَا يُمْكِننَا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، وَلَا الرَّجُل نَفْسه يَقْطَع عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَدُلّ عَلَى وِلَايَته لِلَّهِ.
قَالُوا : وَلَا نَمْنَع أَنْ يُطْلِع اللَّه بَعْض أَوْلِيَائِهِ عَلَى حُسْن عَاقِبَته وَخَاتِمَة عَمَله وَغَيْره مَعَهُ، قَالَهُ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَغَيْره.
وَذَهَبَ الطَّبَرِيّ إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَرَادَ بِقِصَّةِ إِبْلِيس تَقْرِيع أَشْبَاهه مِنْ بَنِي آدَم، وَهُمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ عِلْمهمْ بِنُبُوَّتِهِ، وَمَعَ قِدَم نِعَم اللَّه عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَسْلَافِهِمْ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ قَبْل إِبْلِيس كَافِر أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : لَا، وَإِنَّ إِبْلِيس أَوَّل مَنْ كَفَرَ.
وَقِيلَ : كَانَ قَبْله قَوْم كُفَّار وَهُمْ الْجِنّ وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْض.
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ كَفَرَ إِبْلِيس جَهْلًا أَوْ عِنَادًا عَلَى قَوْلَيْنِ بَيْن أَهْل السُّنَّة، وَلَا خِلَاف أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْل كُفْره.
فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ كَفَرَ جَهْلًا قَالَ : إِنَّهُ سُلِبَ الْعِلْم عِنْد كُفْره.
وَمَنْ قَالَ كَفَرَ عِنَادًا قَالَ : كَفَرَ وَمَعَهُ عِلْمه.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالْكُفْر عِنَادًا مَعَ بَقَاء الْعِلْم مُسْتَبْعَد، إِلَّا أَنَّهُ عِنْدِي جَائِز لَا يَسْتَحِيل مَعَ خَذْل اللَّه لِمَنْ يَشَاء.
وَذَهَبَ الطَّبَرِيّ إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَرَادَ بِقِصَّةِ إِبْلِيس تَقْرِيع أَشْبَاهه مِنْ بَنِي آدَم، وَهُمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ عِلْمهمْ بِنُبُوَّتِهِ، وَمَعَ قِدَم نِعَم اللَّه عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَسْلَافِهِمْ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ قَبْل إِبْلِيس كَافِر أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : لَا، وَإِنَّ إِبْلِيس أَوَّل مَنْ كَفَرَ.
وَقِيلَ : كَانَ قَبْله قَوْم كُفَّار وَهُمْ الْجِنّ وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْض.
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ كَفَرَ إِبْلِيس جَهْلًا أَوْ عِنَادًا عَلَى قَوْلَيْنِ بَيْن أَهْل السُّنَّة، وَلَا خِلَاف أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْل كُفْره.
فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ كَفَرَ جَهْلًا قَالَ : إِنَّهُ سُلِبَ الْعِلْم عِنْد كُفْره.
وَمَنْ قَالَ كَفَرَ عِنَادًا قَالَ : كَفَرَ وَمَعَهُ عِلْمه.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالْكُفْر عِنَادًا مَعَ بَقَاء الْعِلْم مُسْتَبْعَد، إِلَّا أَنَّهُ عِنْدِي جَائِز لَا يَسْتَحِيل مَعَ خَذْل اللَّه لِمَنْ يَشَاء.
وَقُلْنَا يَا آدَمُ
لَا خِلَاف أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ إِبْلِيس عِنْد كُفْره وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْجَنَّة، وَبَعْد إِخْرَاجه قَالَ لِآدَم : اُسْكُنْ، أَيْ لَازِم الْإِقَامَة وَاِتَّخِذْهَا مَسْكَنًا، وَهُوَ مَحَلّ السُّكُون.
وَسَكَنَ إِلَيْهِ يَسْكُن سُكُونًا.
وَالسَّكَن : النَّار، قَالَ الشَّاعِر :
قَدْ قُوِّمَتْ بِسَكَنٍ وَأَدْهَان
وَالسَّكَن : كُلّ مَا سُكِنَ إِلَيْهِ.
وَالسِّكِّين مَعْرُوف سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسَكِّن حَرَكَة الْمَذْبُوح، وَمِنْهُ الْمِسْكِين لِقِلَّةِ تَصَرُّفه وَحَرَكَته.
وَسُكَّان السَّفِينَة عَرَبِيّ ; لِأَنَّهُ يَسْكُنهَا عَنْ الِاضْطِرَاب.
" اُسْكُنْ " تَنْبِيه عَلَى الْخُرُوج ; لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُون مِلْكًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعَارِفِينَ : السُّكْنَى تَكُون إِلَى مُدَّة ثُمَّ تَنْقَطِع، فَدُخُولهمَا فِي الْجَنَّة كَانَ دُخُول سُكْنَى لَا دُخُول إِقَامَة.
قُلْت : وَإِذَا كَانَ هَذَا فَيَكُون فِيهِ دَلَالَة عَلَى مَا يَقُولهُ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء : إِنَّ مَنْ أَسْكَنَ رَجُلًا مَسْكَنًا لَهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكهُ بِالسُّكْنَى، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجهُ إِذَا اِنْقَضَتْ مُدَّة الْإِسْكَان.
وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقُول : إِذَا قَالَ الرَّجُل دَارِي لَك سُكْنَى حَتَّى تَمُوت فَهِيَ لَهُ حَيَاته وَمَوْته، وَإِذَا قَالَ : دَارِي هَذِهِ اُسْكُنْهَا حَتَّى تَمُوت فَإِنَّهَا تَرْجِع إِلَى صَاحِبهَا إِذَا مَاتَ.
وَنَحْو مِنْ السُّكْنَى الْعُمْرَى، إِلَّا أَنَّ الْخِلَاف فِي الْعُمْرَى أَقْوَى مِنْهُ فِي السُّكْنَى.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الْعُمْرَى فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْحَرْبِيّ : سَمِعْت اِبْن الْإِعْرَابِيّ يَقُول : لَمْ يَخْتَلِف الْعَرَب فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى مِلْك أَرْبَابهَا وَمَنَافِعهَا لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْإِفْقَار وَالْإِخْبَال وَالْمِنْحَة وَالْعَرِيَّة وَالسُّكْنَى وَالْإِطْرَاق.
وَهَذَا حُجَّة مَالِك وَأَصْحَابه فِي أَنَّهُ لَا يُمْلَك شَيْء مِنْ الْعَطَايَا إِلَّا الْمَنَافِع دُون الرِّقَاب، وَهُوَ قَوْل اللَّيْث بْن سَعْد وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَيَزِيد بْن قُسَيْط.
وَالْعُمْرَى : هُوَ إِسْكَانك الرَّجُل فِي دَار لَك مُدَّة عُمُرك أَوْ عُمُره.
وَمِثْله الرُّقْبَى : وَهُوَ أَنْ يَقُول : إِنْ مُتّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مُتّ قَبْلك فَهِيَ لَك، وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَة.
وَالْمُرَاقَبَة : أَنْ يَرْقُب كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَوْت صَاحِبه، وَلِذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي إِجَازَتهَا وَمَنْعهَا، فَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ، وَكَأَنَّهَا وَصِيَّة عِنْدهمْ.
وَمَنَعَهَا مَالِك وَالْكُوفِيُّونَ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَقْصِد إِلَى عِوَض لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُل لَهُ، وَيَتَمَنَّى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَوْت صَاحِبه.
وَفِي الْبَاب حَدِيثَانِ أَيْضًا بِالْإِجَازَةِ وَالْمَنْع ذَكَرَهُمَا اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه، الْأَوَّل رَوَاهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْعُمْرَى جَائِزَة لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَة لِمَنْ أُرْقِبَهَا ) فَفِي هَذَا الْحَدِيث التَّسْوِيَة بَيْن الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى فِي الْحُكْم.
لَا خِلَاف أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ إِبْلِيس عِنْد كُفْره وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْجَنَّة، وَبَعْد إِخْرَاجه قَالَ لِآدَم : اُسْكُنْ، أَيْ لَازِم الْإِقَامَة وَاِتَّخِذْهَا مَسْكَنًا، وَهُوَ مَحَلّ السُّكُون.
وَسَكَنَ إِلَيْهِ يَسْكُن سُكُونًا.
وَالسَّكَن : النَّار، قَالَ الشَّاعِر :
قَدْ قُوِّمَتْ بِسَكَنٍ وَأَدْهَان
وَالسَّكَن : كُلّ مَا سُكِنَ إِلَيْهِ.
وَالسِّكِّين مَعْرُوف سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسَكِّن حَرَكَة الْمَذْبُوح، وَمِنْهُ الْمِسْكِين لِقِلَّةِ تَصَرُّفه وَحَرَكَته.
وَسُكَّان السَّفِينَة عَرَبِيّ ; لِأَنَّهُ يَسْكُنهَا عَنْ الِاضْطِرَاب.
" اُسْكُنْ " تَنْبِيه عَلَى الْخُرُوج ; لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُون مِلْكًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعَارِفِينَ : السُّكْنَى تَكُون إِلَى مُدَّة ثُمَّ تَنْقَطِع، فَدُخُولهمَا فِي الْجَنَّة كَانَ دُخُول سُكْنَى لَا دُخُول إِقَامَة.
قُلْت : وَإِذَا كَانَ هَذَا فَيَكُون فِيهِ دَلَالَة عَلَى مَا يَقُولهُ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء : إِنَّ مَنْ أَسْكَنَ رَجُلًا مَسْكَنًا لَهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكهُ بِالسُّكْنَى، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجهُ إِذَا اِنْقَضَتْ مُدَّة الْإِسْكَان.
وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقُول : إِذَا قَالَ الرَّجُل دَارِي لَك سُكْنَى حَتَّى تَمُوت فَهِيَ لَهُ حَيَاته وَمَوْته، وَإِذَا قَالَ : دَارِي هَذِهِ اُسْكُنْهَا حَتَّى تَمُوت فَإِنَّهَا تَرْجِع إِلَى صَاحِبهَا إِذَا مَاتَ.
وَنَحْو مِنْ السُّكْنَى الْعُمْرَى، إِلَّا أَنَّ الْخِلَاف فِي الْعُمْرَى أَقْوَى مِنْهُ فِي السُّكْنَى.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الْعُمْرَى فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْحَرْبِيّ : سَمِعْت اِبْن الْإِعْرَابِيّ يَقُول : لَمْ يَخْتَلِف الْعَرَب فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى مِلْك أَرْبَابهَا وَمَنَافِعهَا لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْإِفْقَار وَالْإِخْبَال وَالْمِنْحَة وَالْعَرِيَّة وَالسُّكْنَى وَالْإِطْرَاق.
وَهَذَا حُجَّة مَالِك وَأَصْحَابه فِي أَنَّهُ لَا يُمْلَك شَيْء مِنْ الْعَطَايَا إِلَّا الْمَنَافِع دُون الرِّقَاب، وَهُوَ قَوْل اللَّيْث بْن سَعْد وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد، وَيَزِيد بْن قُسَيْط.
وَالْعُمْرَى : هُوَ إِسْكَانك الرَّجُل فِي دَار لَك مُدَّة عُمُرك أَوْ عُمُره.
وَمِثْله الرُّقْبَى : وَهُوَ أَنْ يَقُول : إِنْ مُتّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مُتّ قَبْلك فَهِيَ لَك، وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَة.
وَالْمُرَاقَبَة : أَنْ يَرْقُب كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَوْت صَاحِبه، وَلِذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي إِجَازَتهَا وَمَنْعهَا، فَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ، وَكَأَنَّهَا وَصِيَّة عِنْدهمْ.
وَمَنَعَهَا مَالِك وَالْكُوفِيُّونَ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَقْصِد إِلَى عِوَض لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُل لَهُ، وَيَتَمَنَّى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَوْت صَاحِبه.
وَفِي الْبَاب حَدِيثَانِ أَيْضًا بِالْإِجَازَةِ وَالْمَنْع ذَكَرَهُمَا اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه، الْأَوَّل رَوَاهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْعُمْرَى جَائِزَة لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَة لِمَنْ أُرْقِبَهَا ) فَفِي هَذَا الْحَدِيث التَّسْوِيَة بَيْن الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى فِي الْحُكْم.
الثَّانِي رَوَاهُ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا رُقْبَى فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ حَيَاته وَمَمَاته ).
قَالَ : وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُول هُوَ لِلْآخَرِ : مِنِّي وَمِنْك مَوْتًا.
فَقَوْله :( لَا رُقْبَى ) نَهْي يَدُلّ عَلَى الْمَنْع، وَقَوْله :( مَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ) يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز، وَأَخْرَجَهُمَا أَيْضًا النَّسَائِيّ.
وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاء.
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْعُمْرَى جَائِزَة لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَة لِمَنْ أُرْقِبَهَا ).
فَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيث اِبْن الْمُنْذِر، وَهُوَ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاء.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد، وَأَنَّهَا لَا تَرْجِع إِلَى الْأَوَّل أَبَدًا، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق.
وَقَالَ طَاوُس : مَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيل الْمِيرَاث.
وَالْإِفْقَار مَأْخُوذ مِنْ فَقَار الظَّهْر.
أَفْقَرْتُك نَاقَتِي : أَعَرْتُك فَقَارهَا لِتَرْكَبهَا.
وَأَفْقَرَك الصَّيْد إِذَا أَمْكَنَك مِنْ فَقَاره حَتَّى تَرْمِيه.
وَمِثْله الْإِخْبَال، يُقَال : أَخْبَلْت فُلَانًا إِذَا أَعَرْته نَاقَة يَرْكَبهَا أَوْ فَرَسًا يَغْزُو عَلَيْهِ، قَالَ زُهَيْر :
وَالْمِنْحَة : الْعَطِيَّة.
وَالْمِنْحَة : مِنْحَة اللَّبَن.
وَالْمَنِيحَة : النَّاقَة أَوْ الشَّاة يُعْطِيهَا الرَّجُل آخَر يَحْتَلِبهَا ثُمَّ يَرُدّهَا، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْعَارِيَّة مُؤَدَّاة وَالْمِنْحَة مَرْدُودَة وَالدَّيْن مَقْضِيّ وَالزَّعِيم غَارِم ).
رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمَا، وَهُوَ صَحِيح.
وَالْإِطْرَاق : إِعَارَة الْفَحْل، اِسْتَطْرَقَ فُلَان فُلَانًا فَحْله : إِذَا طَلَبَهُ لِيَضْرِب فِي إِبِله، فَأَطْرَقَهُ إِيَّاهُ، وَيُقَال : أَطْرِقْنِي فَحْلك أَيْ أَعِرْنِي فَحْلك لِيَضْرِب فِي إِبِلِي.
وَطَرَقَ الْفَحْل النَّاقَة يَطْرُق طُرُوقًا أَيْ قَعَا عَلَيْهَا.
وَطَرُوقَة الْفَحْل : أُنْثَاهُ، يُقَال : نَاقَة طَرُوقَة الْفَحْل لِلَّتِي بَلَغَتْ أَنْ يَضْرِبهَا الْفَحْل.
قَالَ : وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُول هُوَ لِلْآخَرِ : مِنِّي وَمِنْك مَوْتًا.
فَقَوْله :( لَا رُقْبَى ) نَهْي يَدُلّ عَلَى الْمَنْع، وَقَوْله :( مَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ) يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز، وَأَخْرَجَهُمَا أَيْضًا النَّسَائِيّ.
وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاء.
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْعُمْرَى جَائِزَة لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَة لِمَنْ أُرْقِبَهَا ).
فَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيث اِبْن الْمُنْذِر، وَهُوَ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاء.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد، وَأَنَّهَا لَا تَرْجِع إِلَى الْأَوَّل أَبَدًا، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق.
وَقَالَ طَاوُس : مَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيل الْمِيرَاث.
وَالْإِفْقَار مَأْخُوذ مِنْ فَقَار الظَّهْر.
أَفْقَرْتُك نَاقَتِي : أَعَرْتُك فَقَارهَا لِتَرْكَبهَا.
وَأَفْقَرَك الصَّيْد إِذَا أَمْكَنَك مِنْ فَقَاره حَتَّى تَرْمِيه.
وَمِثْله الْإِخْبَال، يُقَال : أَخْبَلْت فُلَانًا إِذَا أَعَرْته نَاقَة يَرْكَبهَا أَوْ فَرَسًا يَغْزُو عَلَيْهِ، قَالَ زُهَيْر :
| هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْبَلُوا الْمَال يُخْبِلُوا | وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يَغْلُوا |
وَالْمِنْحَة : مِنْحَة اللَّبَن.
وَالْمَنِيحَة : النَّاقَة أَوْ الشَّاة يُعْطِيهَا الرَّجُل آخَر يَحْتَلِبهَا ثُمَّ يَرُدّهَا، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْعَارِيَّة مُؤَدَّاة وَالْمِنْحَة مَرْدُودَة وَالدَّيْن مَقْضِيّ وَالزَّعِيم غَارِم ).
رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمَا، وَهُوَ صَحِيح.
وَالْإِطْرَاق : إِعَارَة الْفَحْل، اِسْتَطْرَقَ فُلَان فُلَانًا فَحْله : إِذَا طَلَبَهُ لِيَضْرِب فِي إِبِله، فَأَطْرَقَهُ إِيَّاهُ، وَيُقَال : أَطْرِقْنِي فَحْلك أَيْ أَعِرْنِي فَحْلك لِيَضْرِب فِي إِبِلِي.
وَطَرَقَ الْفَحْل النَّاقَة يَطْرُق طُرُوقًا أَيْ قَعَا عَلَيْهَا.
وَطَرُوقَة الْفَحْل : أُنْثَاهُ، يُقَال : نَاقَة طَرُوقَة الْفَحْل لِلَّتِي بَلَغَتْ أَنْ يَضْرِبهَا الْفَحْل.
اسْكُنْ أَنْتَ
" أَنْتَ " تَأْكِيد لِلْمُضْمَرِ الَّذِي فِي الْفِعْل، وَمِثْله " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك ".
وَلَا يَجُوز اُسْكُنْ وَزَوْجك، وَلَا اِذْهَبْ وَرَبّك، إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر، كَمَا قَالَ :
ف " زُهْر " مَعْطُوف عَلَى الْمُضْمَر فِي " أَقْبَلَتْ " وَلَمْ يُؤَكِّد ذَلِكَ الْمُضْمَر.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن عَلَى بُعْد : قُمْ وَزَيْد.
قَوْله تَعَالَى :" وَزَوْجك " لُغَة الْقُرْآن " زَوْج " بِغَيْرِ هَاء، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم :" زَوْجَة " حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة بْن قَعْنَب قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُل فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ :( يَا فُلَان هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَة ) : فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه، مَنْ كُنْت أَظُنّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنّ بِك، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَان مَجْرَى الدَّم ).
وَزَوْج آدَم عَلَيْهِ السَّلَام هِيَ حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام، وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا بِذَلِكَ حِين خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعه مِنْ غَيْر أَنْ يُحِسّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام بِذَلِكَ، وَلَوْ أَلِمَ بِذَلِكَ لَمْ يَعْطِف رَجُل عَلَى اِمْرَأَته، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ قِيلَ لَهُ : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ : اِمْرَأَة قِيلَ : وَمَا اِسْمهَا ؟ قَالَ : حَوَّاء، قِيلَ : وَلِمَ سُمِّيَتْ اِمْرَأَة ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا مِنْ الْمَرْء أُخِذَتْ، قِيلَ : وَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاء ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيّ.
رُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ لِتُجَرِّب عِلْمه، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : أَتُحِبُّهَا يَا آدَم ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالُوا لِحَوَّاء : أَتُحِبِّينَهُ يَا حَوَّاء ؟ قَالَتْ : لَا، وَفِي قَلْبهَا أَضْعَاف مَا فِي قَلْبه مِنْ حُبّه.
قَالُوا : فَلَوْ صَدَقَتْ امْرَأَة فِي حُبّهَا لِزَوْجِهَا لَصَدَقَتْ حَوَّاء.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : لَمَّا أُسْكِنَ آدَم الْجَنَّة مَشَى فِيهَا مُسْتَوْحِشًا، فَلَمَّا نَامَ خُلِقَتْ حَوَّاء مِنْ ضِلَعه الْقُصْرَى مِنْ شِقّه الْأَيْسَر لِيَسْكُن إِلَيْهَا وَيَأْنَس بِهَا، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ رَآهَا فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَتْ : اِمْرَأَة خُلِقْت مِنْ ضِلَعك لِتَسْكُن إِلَيَّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إِلَيْهَا " [ الْأَعْرَاف : ١٨٩ ].
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَرْأَة عَوْجَاء، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَج وَهُوَ الضِّلَع.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع - فِي رِوَايَة : وَإِنَّ أَعْوَج شَيْء فِي الضِّلَع أَعْلَاهُ - لَنْ تَسْتَقِيم لَك عَلَى طَرِيقَة وَاحِدَة فَإِنْ اِسْتَمْتَعْت بِهَا اِسْتَمْتَعْت بِهَا وَبِهَا عِوَج وَإِنْ ذَهَبْت تُقَيِّمهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرهَا طَلَاقهَا ).
وَقَالَ الشَّاعِر :
" أَنْتَ " تَأْكِيد لِلْمُضْمَرِ الَّذِي فِي الْفِعْل، وَمِثْله " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك ".
وَلَا يَجُوز اُسْكُنْ وَزَوْجك، وَلَا اِذْهَبْ وَرَبّك، إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر، كَمَا قَالَ :
| قُلْت إِذْ أَقْبَلَتْ وَزُهْر تَهَادَى | كَنِعَاجِ الْمَلَا تَعَسَّفْنَ رَمْلَا |
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن عَلَى بُعْد : قُمْ وَزَيْد.
قَوْله تَعَالَى :" وَزَوْجك " لُغَة الْقُرْآن " زَوْج " بِغَيْرِ هَاء، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم :" زَوْجَة " حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة بْن قَعْنَب قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُل فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ :( يَا فُلَان هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَة ) : فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه، مَنْ كُنْت أَظُنّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنّ بِك، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَان مَجْرَى الدَّم ).
وَزَوْج آدَم عَلَيْهِ السَّلَام هِيَ حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام، وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا بِذَلِكَ حِين خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعه مِنْ غَيْر أَنْ يُحِسّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام بِذَلِكَ، وَلَوْ أَلِمَ بِذَلِكَ لَمْ يَعْطِف رَجُل عَلَى اِمْرَأَته، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ قِيلَ لَهُ : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ : اِمْرَأَة قِيلَ : وَمَا اِسْمهَا ؟ قَالَ : حَوَّاء، قِيلَ : وَلِمَ سُمِّيَتْ اِمْرَأَة ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا مِنْ الْمَرْء أُخِذَتْ، قِيلَ : وَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاء ؟ قَالَ : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيّ.
رُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَة سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ لِتُجَرِّب عِلْمه، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : أَتُحِبُّهَا يَا آدَم ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالُوا لِحَوَّاء : أَتُحِبِّينَهُ يَا حَوَّاء ؟ قَالَتْ : لَا، وَفِي قَلْبهَا أَضْعَاف مَا فِي قَلْبه مِنْ حُبّه.
قَالُوا : فَلَوْ صَدَقَتْ امْرَأَة فِي حُبّهَا لِزَوْجِهَا لَصَدَقَتْ حَوَّاء.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس : لَمَّا أُسْكِنَ آدَم الْجَنَّة مَشَى فِيهَا مُسْتَوْحِشًا، فَلَمَّا نَامَ خُلِقَتْ حَوَّاء مِنْ ضِلَعه الْقُصْرَى مِنْ شِقّه الْأَيْسَر لِيَسْكُن إِلَيْهَا وَيَأْنَس بِهَا، فَلَمَّا اِنْتَبَهَ رَآهَا فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَتْ : اِمْرَأَة خُلِقْت مِنْ ضِلَعك لِتَسْكُن إِلَيَّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إِلَيْهَا " [ الْأَعْرَاف : ١٨٩ ].
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَرْأَة عَوْجَاء، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَج وَهُوَ الضِّلَع.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع - فِي رِوَايَة : وَإِنَّ أَعْوَج شَيْء فِي الضِّلَع أَعْلَاهُ - لَنْ تَسْتَقِيم لَك عَلَى طَرِيقَة وَاحِدَة فَإِنْ اِسْتَمْتَعْت بِهَا اِسْتَمْتَعْت بِهَا وَبِهَا عِوَج وَإِنْ ذَهَبْت تُقَيِّمهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرهَا طَلَاقهَا ).
وَقَالَ الشَّاعِر :
| هِيَ الضِّلَع الْعَوْجَاء لَيْسَتْ تُقِيمهَا | أَلَا إِنَّ تَقْوِيم الضُّلُوع اِنْكِسَارهَا |
| أَتَجْمَعُ ضَعْفًا وَاقْتِدَارًا عَلَى الْفَتَى | أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفهَا وَاقْتِدَارهَا |
فَإِنْ نَقَصَتْ أَضْلَاعه عَنْ أَضْلَاع الْمَرْأَة أُعْطِيَ نَصِيب رَجُل - رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - لِخَلْقِ حَوَّاء مِنْ أَحَد أَضْلَاعه، وَسَيَأْتِي فِي الْمَوَارِيث بَيَان هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَزَوْجُكَ
الْجَنَّة : الْبُسْتَان، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهَا.
وَلَا اِلْتِفَات لِمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَة وَالْقَدَرِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَنَّة الْخُلْد وَإِنَّمَا كَانَ فِي جَنَّة بِأَرْضِ عَدْن.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى بِدْعَتهمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جَنَّة الْخُلْد لَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ إِبْلِيس، فَإِنَّ اللَّه يَقُول :" لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيم " [ الطُّور : ٢٣ ] وَقَالَ " لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا " [ النَّبَأ : ٣٥ ] وَقَالَ :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا.
إِلَّا قِيلَا سَلَامًا " [ الْوَاقِعَة :
٢٥ - ٢٦ ].
وَأَنَّهُ لَا يَخْرُج مِنْهَا أَهْلهَا لِقَوْلِهِ :" وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " [ الْحِجْر : ٤٨ ].
وَأَيْضًا فَإِنَّ جَنَّة الْخُلْد هِيَ دَار الْقُدْس، قُدِّسَتْ عَنْ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي تَطْهِيرًا لَهَا.
وَقَدْ لَغَا فِيهَا إِبْلِيس وَكَذَبَ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا آدَم وَحَوَّاء بِمَعْصِيَتِهِمَا.
قَالُوا : وَكَيْف يَجُوز عَلَى آدَم مَعَ مَكَانه مِنْ اللَّه وَكَمَال عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد وَهُوَ فِي دَار الْخُلْد وَالْمُلْك الَّذِي لَا يَبْلَى ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ الْجَنَّة بِالْأَلِفِ وَاللَّام، وَمَنْ قَالَ : أَسْأَل اللَّه الْجَنَّة، لَمْ يُفْهَم مِنْهُ فِي تَعَارُف الْخَلْق إِلَّا طَلَب جَنَّة الْخُلْد.
وَلَا يَسْتَحِيل فِي الْعَقْل دُخُول إِبْلِيس الْجَنَّة لِتَغْرِيرِ آدَم، وَقَدْ لَقِيَ مُوسَى آدَم عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَنْتَ أَشْقَيْت ذُرِّيَّتك وَأَخْرَجْتهمْ مِنْ الْجَنَّة، فَأَدْخَلَ الْأَلِف وَاللَّام لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهَا جَنَّة الْخُلْد الْمَعْرُوفَة، فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ آدَم، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرهَا لَرَدَّ عَلَى مُوسَى، فَلَمَّا سَكَتَ آدَم عَلَى مَا قَرَّرَهُ مُوسَى صَحَّ أَنَّ الدَّار الَّتِي أَخْرَجَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّار الَّتِي أُخْرِجُوا إِلَيْهَا.
وَأَمَّا مَا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآي فَذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّه فِيهَا بَعْد دُخُول أَهْلهَا فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة، وَلَا يَمْتَنِع أَنْ تَكُون دَار الْخُلْد لِمَنْ أَرَادَ اللَّه تَخْلِيده فِيهَا وَقَدْ يَخْرُج مِنْهَا مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْفَنَاءِ.
وَقَدْ أَجْمَع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة عَلَى أَهْل الْجَنَّة وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ مَفَاتِيحهَا بِيَدِ إِبْلِيس ثُمَّ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ بَعْد الْمَعْصِيَة، وَقَدْ دَخَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَأَخْبَرَ بِمَا فِيهَا وَأَنَّهَا هِيَ جَنَّة الْخُلْد حَقًّا.
وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ الْجَنَّة دَار الْقُدْس وَقَدْ طَهَّرَهَا اللَّه تَعَالَى مِنْ الْخَطَايَا فَجَهْل مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة وَهِيَ الشَّام، وَأَجْمَعَ أَهْل الشَّرَائِع عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّسَهَا وَقَدْ شُوهِدَ فِيهَا الْمَعَاصِي وَالْكُفْر وَالْكَذِب وَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيسهَا مِمَّا يَمْنَع فِيهَا الْمَعَاصِي، وَكَذَلِكَ دَار الْقُدْس.
الْجَنَّة : الْبُسْتَان، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهَا.
وَلَا اِلْتِفَات لِمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَة وَالْقَدَرِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَنَّة الْخُلْد وَإِنَّمَا كَانَ فِي جَنَّة بِأَرْضِ عَدْن.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى بِدْعَتهمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جَنَّة الْخُلْد لَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ إِبْلِيس، فَإِنَّ اللَّه يَقُول :" لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيم " [ الطُّور : ٢٣ ] وَقَالَ " لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا " [ النَّبَأ : ٣٥ ] وَقَالَ :" لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا.
إِلَّا قِيلَا سَلَامًا " [ الْوَاقِعَة :
٢٥ - ٢٦ ].
وَأَنَّهُ لَا يَخْرُج مِنْهَا أَهْلهَا لِقَوْلِهِ :" وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " [ الْحِجْر : ٤٨ ].
وَأَيْضًا فَإِنَّ جَنَّة الْخُلْد هِيَ دَار الْقُدْس، قُدِّسَتْ عَنْ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي تَطْهِيرًا لَهَا.
وَقَدْ لَغَا فِيهَا إِبْلِيس وَكَذَبَ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا آدَم وَحَوَّاء بِمَعْصِيَتِهِمَا.
قَالُوا : وَكَيْف يَجُوز عَلَى آدَم مَعَ مَكَانه مِنْ اللَّه وَكَمَال عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد وَهُوَ فِي دَار الْخُلْد وَالْمُلْك الَّذِي لَا يَبْلَى ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ الْجَنَّة بِالْأَلِفِ وَاللَّام، وَمَنْ قَالَ : أَسْأَل اللَّه الْجَنَّة، لَمْ يُفْهَم مِنْهُ فِي تَعَارُف الْخَلْق إِلَّا طَلَب جَنَّة الْخُلْد.
وَلَا يَسْتَحِيل فِي الْعَقْل دُخُول إِبْلِيس الْجَنَّة لِتَغْرِيرِ آدَم، وَقَدْ لَقِيَ مُوسَى آدَم عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَنْتَ أَشْقَيْت ذُرِّيَّتك وَأَخْرَجْتهمْ مِنْ الْجَنَّة، فَأَدْخَلَ الْأَلِف وَاللَّام لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهَا جَنَّة الْخُلْد الْمَعْرُوفَة، فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ آدَم، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرهَا لَرَدَّ عَلَى مُوسَى، فَلَمَّا سَكَتَ آدَم عَلَى مَا قَرَّرَهُ مُوسَى صَحَّ أَنَّ الدَّار الَّتِي أَخْرَجَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّار الَّتِي أُخْرِجُوا إِلَيْهَا.
وَأَمَّا مَا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآي فَذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَهُ اللَّه فِيهَا بَعْد دُخُول أَهْلهَا فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة، وَلَا يَمْتَنِع أَنْ تَكُون دَار الْخُلْد لِمَنْ أَرَادَ اللَّه تَخْلِيده فِيهَا وَقَدْ يَخْرُج مِنْهَا مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْفَنَاءِ.
وَقَدْ أَجْمَع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة عَلَى أَهْل الْجَنَّة وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ مَفَاتِيحهَا بِيَدِ إِبْلِيس ثُمَّ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ بَعْد الْمَعْصِيَة، وَقَدْ دَخَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَأَخْبَرَ بِمَا فِيهَا وَأَنَّهَا هِيَ جَنَّة الْخُلْد حَقًّا.
وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ الْجَنَّة دَار الْقُدْس وَقَدْ طَهَّرَهَا اللَّه تَعَالَى مِنْ الْخَطَايَا فَجَهْل مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة وَهِيَ الشَّام، وَأَجْمَعَ أَهْل الشَّرَائِع عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّسَهَا وَقَدْ شُوهِدَ فِيهَا الْمَعَاصِي وَالْكُفْر وَالْكَذِب وَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيسهَا مِمَّا يَمْنَع فِيهَا الْمَعَاصِي، وَكَذَلِكَ دَار الْقُدْس.
قَالَ أَبُو الْحَسَن بْن بَطَّال : وَقَدْ حَكَى بَعْض الْمَشَايِخ أَنَّ أَهْل السُّنَّة مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ جَنَّة الْخُلْد هِيَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ خَالَفَهُمْ.
وَقَوْلهمْ : كَيْف يَجُوز عَلَى آدَم فِي كَمَالِ عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد وَهُوَ فِي دَار الْخُلْد، فَيُعْكَس عَلَيْهِمْ وَيُقَال : كَيْف يَجُوز عَلَى آدَم وَهُوَ فِي كَمَالِ عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد فِي دَار الْفَنَاء هَذَا مَا لَا يَجُوز عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَة مِنْ عَقْل، فَكَيْف بِآدَم الَّذِي هُوَ أَرْجَح الْخَلْق عَقْلًا، عَلَى مَا قَالَ أَبُو أُمَامَة عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَوْلهمْ : كَيْف يَجُوز عَلَى آدَم فِي كَمَالِ عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد وَهُوَ فِي دَار الْخُلْد، فَيُعْكَس عَلَيْهِمْ وَيُقَال : كَيْف يَجُوز عَلَى آدَم وَهُوَ فِي كَمَالِ عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد فِي دَار الْفَنَاء هَذَا مَا لَا يَجُوز عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَة مِنْ عَقْل، فَكَيْف بِآدَم الَّذِي هُوَ أَرْجَح الْخَلْق عَقْلًا، عَلَى مَا قَالَ أَبُو أُمَامَة عَلَى مَا يَأْتِي.
الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ
قِرَاءَة الْجُمْهُور " رَغَدًا " بِفَتْحِ الْغَيْن.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَابْن وَثَّاب بِسُكُونِهَا.
وَالرَّغَد : الْعَيْش الدَّار الْهَنِيّ الَّذِي لَا عَنَاء فِيهِ، قَالَ امْرؤُ الْقَيْس :
وَيُقَال : رَغُدَ عَيْشهمْ وَرَغِدَ ( بِضَمِّ الْغَيْن وَكَسْرهَا ).
وَأَرْغَدَ الْقَوْم : أَخْصَبُوا وَصَارُوا فِي رَغَد مِنْ الْعَيْش.
وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الصِّفَة لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، وَحَيْثُ وَحَيْثَ وَحَيْثِ، وَحَوْثُ وَحَوْثِ وَحَاث، كُلّهَا لُغَات، ذَكَرَهَا النَّحَّاس وَغَيْره.
قَوْله تَعَالَى " وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا " حُذِفَتْ النُّون مِنْ " كُلَا " لِأَنَّهُ أَمْر، وَحُذِفَتْ الْهَمْزَة لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال، وَحَذْفهَا شَاذّ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول أُؤْكُلْ، فَيُتِمّ.
يُقَال مِنْهُ : أَكَلْت الطَّعَام أَكْلًا وَمَأْكَلًا.
وَالْأَكْلَة ( بِالْفَتْحِ ) : الْمَرَّة الْوَاحِدَة حَتَّى تُشْبِع.
وَالْأُكْلَة ( بِالضَّمِّ ) : اللُّقْمَة، تَقُول : أَكَلْت أَكْلَة وَاحِدَة، أَيْ لُقْمَة، وَهِيَ الْقُرْصَة أَيْضًا.
وَهَذَا الشَّيْء أُكْلَة لَك، أَيْ طُعْمَة لَك.
وَالْأَكْل أَيْضًا مَا أُكِلَ.
وَيُقَال : فُلَان ذُو أُكُل إِذَا كَانَ ذَا حَظّ مِنْ الدُّنْيَا وَرِزْق وَاسِع.
" رَغَدًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ أَكْلًا رَغَدًا.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال.
وَقَالَ مُجَاهِد :" رَغَدًا " أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ.
وَالرَّغَد فِي اللُّغَة.
الْكَثِير الَّذِي لَا يَعْنِيك، وَيُقَال : أَرْغَدَ الْقَوْم، إِذَا وَقَعُوا فِي خِصْب وَسَعَة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
" حَيْثُ " مَبْنِيَّة عَلَى الضَّمّ ; لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَاتهَا الظُّرُوف فِي أَنَّهَا لَا تُضَاف، فَأَشْبَهَتْ قَبْل وَبَعْد إِذَا أُفْرِدَتَا فَضُمَّتْ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : لُغَة قَيْس وَكِنَانَة الضَّمّ، وَلُغَة تَمِيم الْفَتْح.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَبَنُو أَسَد يَخْفِضُونَهَا فِي مَوْضِع الْخَفْض، وَيَنْصِبُونَهَا فِي مَوْضِع النَّصْب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] وَتُضَمّ وَتُفْتَح.
قِرَاءَة الْجُمْهُور " رَغَدًا " بِفَتْحِ الْغَيْن.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَابْن وَثَّاب بِسُكُونِهَا.
وَالرَّغَد : الْعَيْش الدَّار الْهَنِيّ الَّذِي لَا عَنَاء فِيهِ، قَالَ امْرؤُ الْقَيْس :
| بَيْنَمَا الْمَرْء تَرَاهُ نَاعِمًا | يَأْمَن الْأَحْدَاث فِي عَيْش رَغَد |
وَأَرْغَدَ الْقَوْم : أَخْصَبُوا وَصَارُوا فِي رَغَد مِنْ الْعَيْش.
وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الصِّفَة لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، وَحَيْثُ وَحَيْثَ وَحَيْثِ، وَحَوْثُ وَحَوْثِ وَحَاث، كُلّهَا لُغَات، ذَكَرَهَا النَّحَّاس وَغَيْره.
قَوْله تَعَالَى " وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا " حُذِفَتْ النُّون مِنْ " كُلَا " لِأَنَّهُ أَمْر، وَحُذِفَتْ الْهَمْزَة لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال، وَحَذْفهَا شَاذّ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول أُؤْكُلْ، فَيُتِمّ.
يُقَال مِنْهُ : أَكَلْت الطَّعَام أَكْلًا وَمَأْكَلًا.
وَالْأَكْلَة ( بِالْفَتْحِ ) : الْمَرَّة الْوَاحِدَة حَتَّى تُشْبِع.
وَالْأُكْلَة ( بِالضَّمِّ ) : اللُّقْمَة، تَقُول : أَكَلْت أَكْلَة وَاحِدَة، أَيْ لُقْمَة، وَهِيَ الْقُرْصَة أَيْضًا.
وَهَذَا الشَّيْء أُكْلَة لَك، أَيْ طُعْمَة لَك.
وَالْأَكْل أَيْضًا مَا أُكِلَ.
وَيُقَال : فُلَان ذُو أُكُل إِذَا كَانَ ذَا حَظّ مِنْ الدُّنْيَا وَرِزْق وَاسِع.
" رَغَدًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ أَكْلًا رَغَدًا.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَصْدَرًا فِي مَوْضِع الْحَال.
وَقَالَ مُجَاهِد :" رَغَدًا " أَيْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ.
وَالرَّغَد فِي اللُّغَة.
الْكَثِير الَّذِي لَا يَعْنِيك، وَيُقَال : أَرْغَدَ الْقَوْم، إِذَا وَقَعُوا فِي خِصْب وَسَعَة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
" حَيْثُ " مَبْنِيَّة عَلَى الضَّمّ ; لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَاتهَا الظُّرُوف فِي أَنَّهَا لَا تُضَاف، فَأَشْبَهَتْ قَبْل وَبَعْد إِذَا أُفْرِدَتَا فَضُمَّتْ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : لُغَة قَيْس وَكِنَانَة الضَّمّ، وَلُغَة تَمِيم الْفَتْح.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَبَنُو أَسَد يَخْفِضُونَهَا فِي مَوْضِع الْخَفْض، وَيَنْصِبُونَهَا فِي مَوْضِع النَّصْب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] وَتُضَمّ وَتُفْتَح.
شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ
الْهَاء مِنْ " هَذِهِ " بَدَل مِنْ يَاء الْأَصْل ; لِأَنَّ الْأَصْل هَذِي.
قَالَ النَّحَّاس : وَلَا أَعْلَم فِي الْعَرَبِيَّة هَاء تَأْنِيث مَكْسُورًا مَا قَبْلهَا إِلَّا هَاء " هَذِهِ " وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : هَاتَا هِنْد، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : هَاتِي هِنْد.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : هَذِهْ هِنْد، بِإِسْكَانِ الْهَاء.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ الْعَرَب : وَلَا تَقْرَبَا هَذِي الشَّجَرَة.
وَعَنْ شِبْل اِبْن عَبَّاد قَالَ : كَانَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن لَا يُثْبِتَانِ الْهَاء فِي " هَذِهِ " فِي جَمِيع الْقُرْآن.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " رَغَدًا " بِفَتْحِ الْغَيْن.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا سَكَّنَا الْغَيْن.
وَحَكَى سَلَمَة عَنْ الْفَرَّاء قَالَ يُقَال : هَذِهِ فَعَلْت وَهَذِي فَعَلْت، بِإِثْبَاتِ يَاء بَعْد الذَّال.
وَهَذِ فَعَلْت، بِكَسْرِ الذَّال مِنْ غَيْر إِلْحَاق يَاء وَلَا هَاء.
وَهَاتَا فَعَلْت.
قَالَ هِشَام وَيُقَال : تَا فَعَلْت.
وَأَنْشَدَ :
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَتَا بِإِسْقَاطِ هَا بِمَنْزِلَةِ ذِي بِإِسْقَاطِ هَا مِنْ هَذِي، وَبِمَنْزِلَةِ ذِهِ بِإِسْقَاطِ هَا مِنْ هَذِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْفَرَّاء : مَنْ قَالَ هَذِ قَامَتْ لَا يَسْقُط هَا ; لِأَنَّ الِاسْم لَا يَكُون عَلَى ذَال وَاحِدَة.
قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " أَيْ لَا تَقْرَبَاهَا بِأَكْلٍ ; لِأَنَّ الْإِبَاحَة فِيهِ وَقَعَتْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت الشَّاشِيّ فِي مَجْلِس النَّضْر [ بْن شُمَيْل ] يَقُول : إِذَا قِيلَ لَا تَقْرَب ( بِفَتْحِ الرَّاء ) كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَلَبَّسْ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ ( بِضَمِّ الرَّاء ) فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا تَدْنُ مِنْهُ.
وَفِي الصِّحَاح : قَرُبَ الشَّيْء يَقْرَب قُرْبًا أَيْ دَنَا.
وَقَرِبْته ( بِالْكَسْرِ ) أَقْرَبه قُرْبَانًا أَيْ دَنَوْت مِنْهُ.
وَقَرَبْت أَقْرَب قِرَابَة - مِثْل كَتَبْت أَكْتُب كِتَابَة - إِذَا سِرْت إِلَى الْمَاء وَبَيْنك وَبَيْنه لَيْلَة، وَالِاسْم الْقَرَب.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : قُلْت لِأَعْرَابِيٍّ : مَا الْقَرَب ؟ فَقَالَ : سَيْر اللَّيْل لِوَرْدِ الْغَد.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : قَالَ بَعْض الْحُذَّاق : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ النَّهْي عَنْ أَكْل الشَّجَرَة نَهَى عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْأَكْل وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعَرَب وَهُوَ الْقُرْب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا مِثَال بَيِّن فِي سَدّ الذَّرَائِع.
وَقَالَ بَعْض أَرْبَاب الْمَعَانِي قَوْله :" وَلَا تَقْرَبَا " إِشْعَار بِالْوُقُوعِ فِي الْخَطِيئَة وَالْخُرُوج مِنْ الْجَنَّة، وَأَنَّ سُكْنَاهُ فِيهَا لَا يَدُوم، لِأَنَّ الْمُخَلَّد لَا يَحْظُر عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يُؤْمَر وَلَا يُنْهَى.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى " إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] فَدَلَّ عَلَى خُرُوجه مِنْهَا.
قَوْله تَعَالَى :" هَذِهِ الشَّجَرَة " الِاسْم الْمُبْهَم يُنْعَت بِمَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام لَا غَيْر، كَقَوْلِك : مَرَرْت بِهَذَا الرَّجُل وَبِهَذِهِ الْمَرْأَة وَهَذِهِ الشَّجَرَة.
الْهَاء مِنْ " هَذِهِ " بَدَل مِنْ يَاء الْأَصْل ; لِأَنَّ الْأَصْل هَذِي.
قَالَ النَّحَّاس : وَلَا أَعْلَم فِي الْعَرَبِيَّة هَاء تَأْنِيث مَكْسُورًا مَا قَبْلهَا إِلَّا هَاء " هَذِهِ " وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : هَاتَا هِنْد، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : هَاتِي هِنْد.
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : هَذِهْ هِنْد، بِإِسْكَانِ الْهَاء.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ الْعَرَب : وَلَا تَقْرَبَا هَذِي الشَّجَرَة.
وَعَنْ شِبْل اِبْن عَبَّاد قَالَ : كَانَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن لَا يُثْبِتَانِ الْهَاء فِي " هَذِهِ " فِي جَمِيع الْقُرْآن.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " رَغَدًا " بِفَتْحِ الْغَيْن.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا سَكَّنَا الْغَيْن.
وَحَكَى سَلَمَة عَنْ الْفَرَّاء قَالَ يُقَال : هَذِهِ فَعَلْت وَهَذِي فَعَلْت، بِإِثْبَاتِ يَاء بَعْد الذَّال.
وَهَذِ فَعَلْت، بِكَسْرِ الذَّال مِنْ غَيْر إِلْحَاق يَاء وَلَا هَاء.
وَهَاتَا فَعَلْت.
قَالَ هِشَام وَيُقَال : تَا فَعَلْت.
وَأَنْشَدَ :
| خَلِيلَيَّ لَوْلَا سَاكِن الدَّار لَمْ أَقُمْ | بِتَا الدَّار إِلَّا عَابِر اِبْن سَبِيل |
وَقَدْ قَالَ الْفَرَّاء : مَنْ قَالَ هَذِ قَامَتْ لَا يَسْقُط هَا ; لِأَنَّ الِاسْم لَا يَكُون عَلَى ذَال وَاحِدَة.
قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " أَيْ لَا تَقْرَبَاهَا بِأَكْلٍ ; لِأَنَّ الْإِبَاحَة فِيهِ وَقَعَتْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سَمِعْت الشَّاشِيّ فِي مَجْلِس النَّضْر [ بْن شُمَيْل ] يَقُول : إِذَا قِيلَ لَا تَقْرَب ( بِفَتْحِ الرَّاء ) كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَلَبَّسْ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ ( بِضَمِّ الرَّاء ) فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا تَدْنُ مِنْهُ.
وَفِي الصِّحَاح : قَرُبَ الشَّيْء يَقْرَب قُرْبًا أَيْ دَنَا.
وَقَرِبْته ( بِالْكَسْرِ ) أَقْرَبه قُرْبَانًا أَيْ دَنَوْت مِنْهُ.
وَقَرَبْت أَقْرَب قِرَابَة - مِثْل كَتَبْت أَكْتُب كِتَابَة - إِذَا سِرْت إِلَى الْمَاء وَبَيْنك وَبَيْنه لَيْلَة، وَالِاسْم الْقَرَب.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : قُلْت لِأَعْرَابِيٍّ : مَا الْقَرَب ؟ فَقَالَ : سَيْر اللَّيْل لِوَرْدِ الْغَد.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : قَالَ بَعْض الْحُذَّاق : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ النَّهْي عَنْ أَكْل الشَّجَرَة نَهَى عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْأَكْل وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعَرَب وَهُوَ الْقُرْب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا مِثَال بَيِّن فِي سَدّ الذَّرَائِع.
وَقَالَ بَعْض أَرْبَاب الْمَعَانِي قَوْله :" وَلَا تَقْرَبَا " إِشْعَار بِالْوُقُوعِ فِي الْخَطِيئَة وَالْخُرُوج مِنْ الْجَنَّة، وَأَنَّ سُكْنَاهُ فِيهَا لَا يَدُوم، لِأَنَّ الْمُخَلَّد لَا يَحْظُر عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يُؤْمَر وَلَا يُنْهَى.
وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى " إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] فَدَلَّ عَلَى خُرُوجه مِنْهَا.
قَوْله تَعَالَى :" هَذِهِ الشَّجَرَة " الِاسْم الْمُبْهَم يُنْعَت بِمَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام لَا غَيْر، كَقَوْلِك : مَرَرْت بِهَذَا الرَّجُل وَبِهَذِهِ الْمَرْأَة وَهَذِهِ الشَّجَرَة.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن :" هَذِي الشَّجَرَة " بِالْيَاءِ وَهُوَ الْأَصْل، لِأَنَّ الْهَاء فِي هَذِهِ بَدَل مِنْ يَاء وَلِذَلِكَ اِنْكَسَرَ مَا قَبْلهَا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام هَاء تَأْنِيث قَبْلهَا كَسْرَة سِوَاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلهَا الْيَاء.
وَالشَّجَرَة وَالشِّجَرَة وَالشَّيَرَة، ثَلَاث لُغَات وَقُرِئَ " الشِّجَرَة " بِكَسْرِ الشِّين.
وَالشَّجَرَة وَالشِّجَرَة : مَا كَانَ عَلَى سَاقَ مِنْ نَبَات الْأَرْض.
وَأَرْض شَجِيرَة وَشَجْرَاء أَيْ كَثِيرَة الْأَشْجَار، وَوَادٍ شَجِير، وَلَا يُقَال : وَادٍ أَشْجَر.
وَوَاحِد الشَّجْرَاء شَجَرَة، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ الْجَمْع عَلَى هَذَا الْمِثَال إِلَّا أَحْرُف يَسِيرَة : شَجَرَة وَشَجْرَاء، وَقَصَبَة وَقَصْبَاء، وَطَرْفَة وَطَرْفَاء، وَحَلْفَة وَحَلْفَاء.
وَكَانَ الْأَصْمَعِيّ يَقُول فِي وَاحِد الْحَلْفَاء : حَلِفَة، بِكَسْرِ اللَّام مُخَالَفَة لِأَخَوَاتِهَا.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : الشَّجْرَاء وَاحِد وَجَمْع، وَكَذَلِكَ الْقَصْبَاء وَالطَّرْفَاء وَالْحَلْفَاء.
وَالْمَشْجَرَة : مَوْضِع الْأَشْجَار.
وَأَرْض مَشْجَرَة، وَهَذِهِ الْأَرْض أَشْجَر مِنْ هَذِهِ أَيْ أَكْثَر شَجَرًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَعْيِين هَذِهِ الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا فَأَكَلَ مِنْهَا، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَجَعْدَة بْن هُبَيْرَة : هِيَ الْكَرْم، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْر.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَبُو مَالِك وَقَتَادَة : هِيَ السُّنْبُلَة، وَالْحَبَّة مِنْهَا كَكُلَى الْبَقَر، أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد، قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَلَمَّا تَابَ اللَّه عَلَى آدَم جَعَلَهَا غِذَاء لِبَنِيهِ.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ بَعْض الصَّحَابَة : هِيَ شَجَرَة التِّين، وَكَذَا رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة، وَلِذَلِكَ تُعَبِّر فِي الرُّؤْيَا بِالنَّدَامَةِ لِآكِلِهَا مِنْ أَجْل نَدَم آدَم عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَكْلهَا، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذَا التَّعْيِين مَا يُعَضِّدهُ خَبَر، وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنْ يُعْتَقَد أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَهَى آدَم عَنْ شَجَرَة فَخَالَفَ هُوَ إِلَيْهَا وَعَصَى فِي الْأَكْل مِنْهَا.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَكَانَ الْإِمَام وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّه يَقُول : يُعْلَم عَلَى الْجُمْلَة أَنَّهَا كَانَتْ شَجَرَة الْمِحْنَة.
وَاخْتَلَفُوا كَيْف أَكَلَ مِنْهَا مَعَ الْوَعِيد الْمُقْتَرِن بِالْقُرْبِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ "، فَقَالَ قَوْم أَكَلَا مِنْ غَيْر الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَتَأَوَّلَا النَّهْي وَاقِعًا عَلَى جَمِيع جِنْسهَا، كَأَنَّ إِبْلِيس غَرَّهُ بِالْأَخْذِ بِالظَّاهِرِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهِيَ أَوَّل مَعْصِيَة عُصِيَ اللَّه بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْل.
قَالَ :" وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل مِنْ هَذَا الْخُبْز فَأَكَلَ مِنْ جِنْسه حَنِثَ.
وَتَحْقِيق الْمَذَاهِب فِيهِ أَنَّ أَكْثَر الْعُلَمَاء قَالُوا : لَا حِنْث فِيهِ.
وَالشَّجَرَة وَالشِّجَرَة وَالشَّيَرَة، ثَلَاث لُغَات وَقُرِئَ " الشِّجَرَة " بِكَسْرِ الشِّين.
وَالشَّجَرَة وَالشِّجَرَة : مَا كَانَ عَلَى سَاقَ مِنْ نَبَات الْأَرْض.
وَأَرْض شَجِيرَة وَشَجْرَاء أَيْ كَثِيرَة الْأَشْجَار، وَوَادٍ شَجِير، وَلَا يُقَال : وَادٍ أَشْجَر.
وَوَاحِد الشَّجْرَاء شَجَرَة، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ الْجَمْع عَلَى هَذَا الْمِثَال إِلَّا أَحْرُف يَسِيرَة : شَجَرَة وَشَجْرَاء، وَقَصَبَة وَقَصْبَاء، وَطَرْفَة وَطَرْفَاء، وَحَلْفَة وَحَلْفَاء.
وَكَانَ الْأَصْمَعِيّ يَقُول فِي وَاحِد الْحَلْفَاء : حَلِفَة، بِكَسْرِ اللَّام مُخَالَفَة لِأَخَوَاتِهَا.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : الشَّجْرَاء وَاحِد وَجَمْع، وَكَذَلِكَ الْقَصْبَاء وَالطَّرْفَاء وَالْحَلْفَاء.
وَالْمَشْجَرَة : مَوْضِع الْأَشْجَار.
وَأَرْض مَشْجَرَة، وَهَذِهِ الْأَرْض أَشْجَر مِنْ هَذِهِ أَيْ أَكْثَر شَجَرًا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَعْيِين هَذِهِ الشَّجَرَة الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا فَأَكَلَ مِنْهَا، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَجَعْدَة بْن هُبَيْرَة : هِيَ الْكَرْم، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْر.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَبُو مَالِك وَقَتَادَة : هِيَ السُّنْبُلَة، وَالْحَبَّة مِنْهَا كَكُلَى الْبَقَر، أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَلْيَن مِنْ الزُّبْد، قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَلَمَّا تَابَ اللَّه عَلَى آدَم جَعَلَهَا غِذَاء لِبَنِيهِ.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ بَعْض الصَّحَابَة : هِيَ شَجَرَة التِّين، وَكَذَا رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة، وَلِذَلِكَ تُعَبِّر فِي الرُّؤْيَا بِالنَّدَامَةِ لِآكِلِهَا مِنْ أَجْل نَدَم آدَم عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَكْلهَا، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذَا التَّعْيِين مَا يُعَضِّدهُ خَبَر، وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنْ يُعْتَقَد أَنَّ اللَّه تَعَالَى نَهَى آدَم عَنْ شَجَرَة فَخَالَفَ هُوَ إِلَيْهَا وَعَصَى فِي الْأَكْل مِنْهَا.
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَكَانَ الْإِمَام وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّه يَقُول : يُعْلَم عَلَى الْجُمْلَة أَنَّهَا كَانَتْ شَجَرَة الْمِحْنَة.
وَاخْتَلَفُوا كَيْف أَكَلَ مِنْهَا مَعَ الْوَعِيد الْمُقْتَرِن بِالْقُرْبِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ "، فَقَالَ قَوْم أَكَلَا مِنْ غَيْر الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَتَأَوَّلَا النَّهْي وَاقِعًا عَلَى جَمِيع جِنْسهَا، كَأَنَّ إِبْلِيس غَرَّهُ بِالْأَخْذِ بِالظَّاهِرِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهِيَ أَوَّل مَعْصِيَة عُصِيَ اللَّه بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْل.
قَالَ :" وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل مِنْ هَذَا الْخُبْز فَأَكَلَ مِنْ جِنْسه حَنِثَ.
وَتَحْقِيق الْمَذَاهِب فِيهِ أَنَّ أَكْثَر الْعُلَمَاء قَالُوا : لَا حِنْث فِيهِ.
وَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : إِنْ اِقْتَضَى بِسَاط الْيَمِين تَعْيِين الْمُشَار إِلَيْهِ لَمْ يَحْنَث بِأَكْلِ جِنْسه، وَإِنْ اِقْتَضَى بِسَاط الْيَمِين أَوْ سَبَبهَا أَوْ نِيَّتهَا الْجِنْس حُمِلَ عَلَيْهِ وَحَنِثَ بِأَكْلِ غَيْره، وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ قِصَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ نُهِيَ عَنْ شَجَرَة عُيِّنَتْ لَهُ وَأُرِيدَ بِهَا جِنْسهَا، فَحُمِلَ الْقَوْل عَلَى اللَّفْظ دُون الْمَعْنَى.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي فَرْع مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل هَذِهِ الْحِنْطَة فَأَكَلَ خُبْزًا مِنْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَاب : يَحْنَث ; لِأَنَّهَا هَكَذَا تُؤْكَل.
وَقَالَ اِبْن الْمَوَّاز : لَا شَيْء عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُل حِنْطَة وَإِنَّمَا أَكَلَ خُبْزًا فَرَاعَى الِاسْم وَالصِّفَة.
وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينه : لَا آكُل مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَة لَحَنِثَ بِأَكْلِ الْخُبْز الْمَعْمُول مِنْهَا وَفِيمَا اِشْتَرَى بِثَمَنِهَا مِنْ طَعَام وَفِيمَا أَنْبَتَتْ خِلَاف.
وَقَالَ آخَرُونَ : تَأَوَّلَا النَّهْي عَلَى النَّدْب.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَسْأَلَة مِنْ أُصُول الْفِقْه فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ هَاهُنَا، لِقَوْلِهِ :" فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ] فَقَرَنَ النَّهْي بِالْوَعِيدِ، وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانه :" فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى " [ طَه : ١١٧ ].
وَقَالَ اِبْن الْمُسَيِّب : إِنَّمَا أَكَلَ آدَم بَعْد أَنْ سَقَتْهُ حَوَّاء الْخَمْر فَسَكِرَ وَكَانَ فِي غَيْر عَقْله.
وَكَذَلِكَ قَالَ يَزِيد بْن قُسَيْط، وَكَانَا يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة وَهُوَ يَعْقِل.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا فَاسِد نَقْلًا وَعَقْلًا، أَمَّا النَّقْل فَلَمْ يَصِحّ بِحَالٍ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَمْر الْجَنَّة فَقَالَ :" لَا فِيهَا غَوْل ".
وَأَمَّا الْعَقْل فَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاء بَعْد النُّبُوَّة مَعْصُومُونَ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال بِالْفَرَائِضِ وَاقْتِحَام الْجَرَائِم.
قُلْت : قَدْ اِسْتَنْبَطَ بَعْض الْعُلَمَاء نُبُوَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل إِسْكَانه الْجَنَّة مِنْ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٣٣ ] فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُنْبِئ الْمَلَائِكَة بِمَا لَيْسَ عِنْدهمْ مِنْ عِلْم اللَّه جَلَّ وَعَزَّ.
وَقِيلَ : أَكَلَهَا نَاسِيًا، وَمِنْ الْمُمْكِن أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيد.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح لِإِخْبَارِ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه بِذَلِكَ حَتْمًا وَجَزْمًا فَقَالَ :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا " [ طَه : ١١٥ ].
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام يَلْزَمهُمْ مِنْ التَّحَفُّظ وَالتَّيَقُّظ لِكَثْرَةِ مَعَارِفهمْ وَعُلُوّ مَنَازِلهمْ مَا لَا يَلْزَم غَيْرهمْ كَانَ تَشَاغُله عَنْ تَذَكُّر النَّهْي تَضْيِيعًا صَارَ بِهِ عَاصِيًا، أَيْ مُخَالِفًا.
قَالَ أَبُو أُمَامَة : لَوْ أَنَّ أَحْلَام بَنِي آدَم مُنْذُ خَلَقَ اللَّه الْخَلْق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وُضِعَتْ فِي كِفَّة مِيزَان وَوُضِعَ حِلْم آدَم فِي كِفَّة أُخْرَى لَرَجَحَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا ".
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي فَرْع مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل هَذِهِ الْحِنْطَة فَأَكَلَ خُبْزًا مِنْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَاب : يَحْنَث ; لِأَنَّهَا هَكَذَا تُؤْكَل.
وَقَالَ اِبْن الْمَوَّاز : لَا شَيْء عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُل حِنْطَة وَإِنَّمَا أَكَلَ خُبْزًا فَرَاعَى الِاسْم وَالصِّفَة.
وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينه : لَا آكُل مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَة لَحَنِثَ بِأَكْلِ الْخُبْز الْمَعْمُول مِنْهَا وَفِيمَا اِشْتَرَى بِثَمَنِهَا مِنْ طَعَام وَفِيمَا أَنْبَتَتْ خِلَاف.
وَقَالَ آخَرُونَ : تَأَوَّلَا النَّهْي عَلَى النَّدْب.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَسْأَلَة مِنْ أُصُول الْفِقْه فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ هَاهُنَا، لِقَوْلِهِ :" فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ] فَقَرَنَ النَّهْي بِالْوَعِيدِ، وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحَانه :" فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى " [ طَه : ١١٧ ].
وَقَالَ اِبْن الْمُسَيِّب : إِنَّمَا أَكَلَ آدَم بَعْد أَنْ سَقَتْهُ حَوَّاء الْخَمْر فَسَكِرَ وَكَانَ فِي غَيْر عَقْله.
وَكَذَلِكَ قَالَ يَزِيد بْن قُسَيْط، وَكَانَا يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة وَهُوَ يَعْقِل.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا فَاسِد نَقْلًا وَعَقْلًا، أَمَّا النَّقْل فَلَمْ يَصِحّ بِحَالٍ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَمْر الْجَنَّة فَقَالَ :" لَا فِيهَا غَوْل ".
وَأَمَّا الْعَقْل فَلِأَنَّ الْأَنْبِيَاء بَعْد النُّبُوَّة مَعْصُومُونَ عَمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال بِالْفَرَائِضِ وَاقْتِحَام الْجَرَائِم.
قُلْت : قَدْ اِسْتَنْبَطَ بَعْض الْعُلَمَاء نُبُوَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل إِسْكَانه الْجَنَّة مِنْ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٣٣ ] فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُنْبِئ الْمَلَائِكَة بِمَا لَيْسَ عِنْدهمْ مِنْ عِلْم اللَّه جَلَّ وَعَزَّ.
وَقِيلَ : أَكَلَهَا نَاسِيًا، وَمِنْ الْمُمْكِن أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيد.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح لِإِخْبَارِ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه بِذَلِكَ حَتْمًا وَجَزْمًا فَقَالَ :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا " [ طَه : ١١٥ ].
وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام يَلْزَمهُمْ مِنْ التَّحَفُّظ وَالتَّيَقُّظ لِكَثْرَةِ مَعَارِفهمْ وَعُلُوّ مَنَازِلهمْ مَا لَا يَلْزَم غَيْرهمْ كَانَ تَشَاغُله عَنْ تَذَكُّر النَّهْي تَضْيِيعًا صَارَ بِهِ عَاصِيًا، أَيْ مُخَالِفًا.
قَالَ أَبُو أُمَامَة : لَوْ أَنَّ أَحْلَام بَنِي آدَم مُنْذُ خَلَقَ اللَّه الْخَلْق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وُضِعَتْ فِي كِفَّة مِيزَان وَوُضِعَ حِلْم آدَم فِي كِفَّة أُخْرَى لَرَجَحَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَمْ نَجِد لَهُ عَزْمًا ".
قُلْت : قَوْل أَبِي أُمَامَة هَذَا عُمُوم فِي جَمِيع بَنِي آدَم.
وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُخَصّ مِنْ ذَلِكَ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ أَوْفَر النَّاس حِلْمًا وَعَقْلًا.
وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لَوْ أَنَّ أَحْلَام بَنِي آدَم مِنْ غَيْر الْأَنْبِيَاء.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن، فَظَنَّا أَنَّ الْمُرَاد الْعَيْن وَكَانَ الْمُرَاد الْجِنْس، كَقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَخَذَ ذَهَبًا وَحَرِيرًا فَقَالَ :( هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُور أُمَّتِي ).
وَقَالَ فِي خَبَر آخَر :( هَذَانِ مُهْلِكَانِ أُمَّتِي ).
وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْس لَا الْعَيْن.
يُقَال : إِنَّ أَوَّل مَنْ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَة حَوَّاء بِإِغْوَاءِ إِبْلِيس إِيَّاهَا - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه - وَإِنَّ أَوَّل كَلَامه كَانَ مَعَهَا لِأَنَّهَا وَسْوَاس الْمِخَدَّة، وَهِيَ أَوَّل فِتْنَة دَخَلَتْ عَلَى الرِّجَال مِنْ النِّسَاء، فَقَالَ : مَا مُنِعْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَة إِلَّا أَنَّهَا شَجَرَة الْخُلْد، لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يُحِبَّانِ الْخُلْد، فَأَتَاهُمَا مِنْ حَيْثُ أَحَبَّا - " حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيُصِمّ " - فَلَمَّا قَالَتْ حَوَّاء لِآدَم أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْعَهْد، فَأَلَحَّ عَلَى حَوَّاء وَأَلَحَّتْ حَوَّاء عَلَى آدَم، إِلَى أَنْ قَالَتْ : أَنَا آكُل قَبْلك حَتَّى إِنْ أَصَابَنِي شَيْء سَلِمْت أَنْتَ، فَأَكَلَتْ فَلَمْ يَضُرّهَا، فَأَتَتْ آدَم فَقَالَتْ : كُلّ فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرّنِي، فَأَكَلَ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا وَحَصَلَا فِي حُكْم الذَّنْب، لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " فَجَمَعَهُمَا فِي النَّهْي، فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْزِل بِهَا الْعُقُوبَة حَتَّى وُجِدَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَخَفِيَتْ عَلَى آدَم هَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ : إِنْ دَخَلْتُمَا الدَّار فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَوْ حُرَّتَانِ، إِنَّ الطَّلَاق وَالْعِتْق لَا يَقَع بِدُخُولِ إِحْدَاهُمَا.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال، قَالَ اِبْن الْقَاسِم : لَا تَطْلُقَانِ وَلَا تَعْتِقَانِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الدُّخُول، حَمْلًا عَلَى هَذَا الْأَصْل وَأَخْذًا بِمُقْتَضَى مُطْلَق اللَّفْظ.
وَقَالَهُ سَحْنُون.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم مَرَّة أُخْرَى : تَطْلُقَانِ جَمِيعًا وَتَعْتِقَانِ جَمِيعًا بِوُجُودِ الدُّخُول مِنْ إِحْدَاهُمَا ; لِأَنَّ بَعْض الْحِنْث حِنْث، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَإِنَّهُ يَحْنَث بِأَكْلِ أَحَدهمَا بَلْ بِأَكْلِ لُقْمَة مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَشْهَب : تَعْتِق وَتَطْلُق الَّتِي دَخَلَتْ وَحْدهَا ; لِأَنَّ دُخُول كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا شَرْط فِي طَلَاقهَا أَوْ عِتْقهَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَعِيد ; لِأَنَّ بَعْض الشَّرْط لَا يَكُون شَرْطًا إِجْمَاعًا.
وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُخَصّ مِنْ ذَلِكَ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ أَوْفَر النَّاس حِلْمًا وَعَقْلًا.
وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لَوْ أَنَّ أَحْلَام بَنِي آدَم مِنْ غَيْر الْأَنْبِيَاء.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا حَسَن، فَظَنَّا أَنَّ الْمُرَاد الْعَيْن وَكَانَ الْمُرَاد الْجِنْس، كَقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَخَذَ ذَهَبًا وَحَرِيرًا فَقَالَ :( هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُور أُمَّتِي ).
وَقَالَ فِي خَبَر آخَر :( هَذَانِ مُهْلِكَانِ أُمَّتِي ).
وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْس لَا الْعَيْن.
يُقَال : إِنَّ أَوَّل مَنْ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَة حَوَّاء بِإِغْوَاءِ إِبْلِيس إِيَّاهَا - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه - وَإِنَّ أَوَّل كَلَامه كَانَ مَعَهَا لِأَنَّهَا وَسْوَاس الْمِخَدَّة، وَهِيَ أَوَّل فِتْنَة دَخَلَتْ عَلَى الرِّجَال مِنْ النِّسَاء، فَقَالَ : مَا مُنِعْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَة إِلَّا أَنَّهَا شَجَرَة الْخُلْد، لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يُحِبَّانِ الْخُلْد، فَأَتَاهُمَا مِنْ حَيْثُ أَحَبَّا - " حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيُصِمّ " - فَلَمَّا قَالَتْ حَوَّاء لِآدَم أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الْعَهْد، فَأَلَحَّ عَلَى حَوَّاء وَأَلَحَّتْ حَوَّاء عَلَى آدَم، إِلَى أَنْ قَالَتْ : أَنَا آكُل قَبْلك حَتَّى إِنْ أَصَابَنِي شَيْء سَلِمْت أَنْتَ، فَأَكَلَتْ فَلَمْ يَضُرّهَا، فَأَتَتْ آدَم فَقَالَتْ : كُلّ فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرّنِي، فَأَكَلَ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا وَحَصَلَا فِي حُكْم الذَّنْب، لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " فَجَمَعَهُمَا فِي النَّهْي، فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْزِل بِهَا الْعُقُوبَة حَتَّى وُجِدَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَخَفِيَتْ عَلَى آدَم هَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ أَمَتَيْهِ : إِنْ دَخَلْتُمَا الدَّار فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَوْ حُرَّتَانِ، إِنَّ الطَّلَاق وَالْعِتْق لَا يَقَع بِدُخُولِ إِحْدَاهُمَا.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال، قَالَ اِبْن الْقَاسِم : لَا تَطْلُقَانِ وَلَا تَعْتِقَانِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الدُّخُول، حَمْلًا عَلَى هَذَا الْأَصْل وَأَخْذًا بِمُقْتَضَى مُطْلَق اللَّفْظ.
وَقَالَهُ سَحْنُون.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم مَرَّة أُخْرَى : تَطْلُقَانِ جَمِيعًا وَتَعْتِقَانِ جَمِيعًا بِوُجُودِ الدُّخُول مِنْ إِحْدَاهُمَا ; لِأَنَّ بَعْض الْحِنْث حِنْث، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَإِنَّهُ يَحْنَث بِأَكْلِ أَحَدهمَا بَلْ بِأَكْلِ لُقْمَة مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَشْهَب : تَعْتِق وَتَطْلُق الَّتِي دَخَلَتْ وَحْدهَا ; لِأَنَّ دُخُول كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا شَرْط فِي طَلَاقهَا أَوْ عِتْقهَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَعِيد ; لِأَنَّ بَعْض الشَّرْط لَا يَكُون شَرْطًا إِجْمَاعًا.
قُلْت : الصَّحِيح الْأَوَّل، وَإِنَّ النَّهْي إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى فِعْلَيْنِ لَا تَتَحَقَّق الْمُخَالَفَة إِلَّا بِهِمَا ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت : لَا تَدْخُلَا الدَّار، فَدَخَلَ أَحَدهمَا مَا وَجَدْت الْمُخَالَفَة مِنْهُمَا ; لِأَنَّ قَوْل اللَّه تَعَالَى " وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ] نَهْي لَهُمَا " فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ] جَوَابه، فَلَا يَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ حَتَّى يَفْعَلَا، فَلَمَّا أَكَلَتْ لَمْ يُصِبْهَا شَيْء ; لِأَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَا وُجِدَ كَامِلًا.
وَخَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى آدَم فَطَمِعَ وَنَسِيَ هَذَا الْحُكْم، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ " [ طَه : ١١٥ ] وَقِيلَ : نَسِيَ قَوْله :" إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَك وَلِزَوْجِك فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى " [ طَه : ١١٧ ].
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْبَاب هَلْ وَقَعَ مِنْ الْأَنْبِيَاء - صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - صَغَائِر مِنْ الذُّنُوب يُؤَاخَذُونَ بِهَا وَيُعَاتَبُونَ عَلَيْهَا أَمْ لَا - بَعْد اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِر وَمِنْ كُلّ رَذِيلَة فِيهَا شَيْن وَنَقْص إِجْمَاعًا عِنْد الْقَاضِي أَبِي بَكْر، وَعِنْد الْأُسْتَاذ أَبِي إِسْحَاق أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيل الْمُعْجِزَة، وَعِنْد الْمُعْتَزِلَة أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيل الْعَقْل عَلَى أُصُولهمْ -، فَقَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيْره مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ : تَقَع الصَّغَائِر مِنْهُمْ.
خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ حَيْثُ قَالُوا : إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّنْزِيل وَثَبَتَ مِنْ تَنَصُّلهمْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيث، وَهَذَا ظَاهِر لَا خَفَاء فِيهِ.
وَقَالَ جُمْهُور مِنْ الْفُقَهَاء مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِر كُلّهَا كَعِصْمَتِهِمْ مِنْ الْكَبَائِر أَجْمَعهَا، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالهمْ وَآثَارهمْ وَسِيَرهمْ أَمْرًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْر اِلْتِزَام قَرِينَة، فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمْ الصَّغَائِر لَمْ يُمْكِن الِاقْتِدَاء بِهِمْ، إِذْ لَيْسَ كُلّ فِعْل مِنْ أَفْعَالهمْ يَتَمَيَّز مَقْصِده مِنْ الْقُرْبَة وَالْإِبَاحَة أَوْ الْحَظْر أَوْ الْمَعْصِيَة، وَلَا يَصِحّ أَنْ يُؤْمَر الْمَرْء بِامْتِثَالِ أَمْر لَعَلَّهُ مَعْصِيَة، لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى تَقْدِيم الْفِعْل عَلَى الْقَوْل إِذَا تَعَارَضَا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ.
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإِسْفِرَايِنِيّ : وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّغَائِر، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز عَلَيْهِمْ، وَصَارَ بَعْضهمْ إِلَى تَجْوِيزهَا، وَلَا أَصْل لِهَذِهِ الْمَقَالَة.
وَخَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى آدَم فَطَمِعَ وَنَسِيَ هَذَا الْحُكْم، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَم مِنْ قَبْل فَنَسِيَ " [ طَه : ١١٥ ] وَقِيلَ : نَسِيَ قَوْله :" إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَك وَلِزَوْجِك فَلَا يُخْرِجَنكُمَا مِنْ الْجَنَّة فَتَشْقَى " [ طَه : ١١٧ ].
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْبَاب هَلْ وَقَعَ مِنْ الْأَنْبِيَاء - صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - صَغَائِر مِنْ الذُّنُوب يُؤَاخَذُونَ بِهَا وَيُعَاتَبُونَ عَلَيْهَا أَمْ لَا - بَعْد اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْكَبَائِر وَمِنْ كُلّ رَذِيلَة فِيهَا شَيْن وَنَقْص إِجْمَاعًا عِنْد الْقَاضِي أَبِي بَكْر، وَعِنْد الْأُسْتَاذ أَبِي إِسْحَاق أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيل الْمُعْجِزَة، وَعِنْد الْمُعْتَزِلَة أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى دَلِيل الْعَقْل عَلَى أُصُولهمْ -، فَقَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيْره مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ : تَقَع الصَّغَائِر مِنْهُمْ.
خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ حَيْثُ قَالُوا : إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّنْزِيل وَثَبَتَ مِنْ تَنَصُّلهمْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيث، وَهَذَا ظَاهِر لَا خَفَاء فِيهِ.
وَقَالَ جُمْهُور مِنْ الْفُقَهَاء مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ : إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِر كُلّهَا كَعِصْمَتِهِمْ مِنْ الْكَبَائِر أَجْمَعهَا، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالهمْ وَآثَارهمْ وَسِيَرهمْ أَمْرًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْر اِلْتِزَام قَرِينَة، فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمْ الصَّغَائِر لَمْ يُمْكِن الِاقْتِدَاء بِهِمْ، إِذْ لَيْسَ كُلّ فِعْل مِنْ أَفْعَالهمْ يَتَمَيَّز مَقْصِده مِنْ الْقُرْبَة وَالْإِبَاحَة أَوْ الْحَظْر أَوْ الْمَعْصِيَة، وَلَا يَصِحّ أَنْ يُؤْمَر الْمَرْء بِامْتِثَالِ أَمْر لَعَلَّهُ مَعْصِيَة، لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى تَقْدِيم الْفِعْل عَلَى الْقَوْل إِذَا تَعَارَضَا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ.
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإِسْفِرَايِنِيّ : وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّغَائِر، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز عَلَيْهِمْ، وَصَارَ بَعْضهمْ إِلَى تَجْوِيزهَا، وَلَا أَصْل لِهَذِهِ الْمَقَالَة.
وَقَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الْأَوَّل : الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَال إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ ذُنُوب مِنْ بَعْضهمْ وَنَسَبَهَا إِلَيْهِمْ وَعَاتَبَهُمْ عَلَيْهَا، وَأَخْبَرُوا بِهَا عَنْ نُفُوسهمْ وَتَنَصَّلُوا مِنْهَا وَأَشْفَقُوا مِنْهَا وَتَابُوا، وَكُلّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة لَا يَقْبَل التَّأْوِيل جُمْلَتهَا وَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ آحَادهَا، وَكُلّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزْرِي بِمَنَاصِبِهِمْ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُمْ عَلَى جِهَة النُّدُور وَعَلَى جِهَة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، أَوْ تَأْوِيل دَعَا إِلَى ذَلِكَ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرهمْ حَسَنَات وَفِي حَقّهمْ سَيِّئَات، [ بِالنِّسْبَةِ ] إِلَى مَنَاصِبهمْ وَعُلُوّ أَقْدَارهمْ، إِذْ قَدْ يُؤَاخَذ الْوَزِير بِمَا يُثَاب عَلَيْهِ السَّائِس، فَأَشْفَقُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة مَعَ عِلْمهمْ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَان وَالسَّلَامَة.
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَقّ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْجُنَيْد حَيْثُ قَالَ : حَسَنَات الْأَبْرَار سَيِّئَات الْمُقَرَّبِينَ.
فَهُمْ - صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانَ قَدْ شَهِدَتْ النُّصُوص بِوُقُوعِ ذُنُوب مِنْهُمْ فَلَمْ يُخِلّ ذَلِكَ بِمَنَاصِبِهِمْ وَلَا قَدَحَ فِي رُتَبهمْ، بَلْ قَدْ تَلَافَاهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ وَمَدَحَهُمْ وَزَكَّاهُمْ وَاخْتَارَهُمْ وَاصْطَفَاهُمْ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه.
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَقّ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْجُنَيْد حَيْثُ قَالَ : حَسَنَات الْأَبْرَار سَيِّئَات الْمُقَرَّبِينَ.
فَهُمْ - صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ - وَإِنْ كَانَ قَدْ شَهِدَتْ النُّصُوص بِوُقُوعِ ذُنُوب مِنْهُمْ فَلَمْ يُخِلّ ذَلِكَ بِمَنَاصِبِهِمْ وَلَا قَدَحَ فِي رُتَبهمْ، بَلْ قَدْ تَلَافَاهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ وَمَدَحَهُمْ وَزَكَّاهُمْ وَاخْتَارَهُمْ وَاصْطَفَاهُمْ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه.
الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الظُّلْم أَصْله وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه.
وَالْأَرْض الْمَظْلُومَة : الَّتِي لَمْ تُحْفَر قَطُّ ثُمَّ حُفِرَتْ.
قَالَ النَّابِغَة.
وَيُسَمَّى ذَلِكَ التُّرَاب الظَّلِيم.
قَالَ الشَّاعِر :
وَإِذَا نُحِرَ الْبَعِير مِنْ غَيْر دَاء بِهِ فَقَدْ ظُلِمَ، وَمِنْهُ :.
ظَلَّامُونَ لِلْجُزُرِ وَيُقَال : سَقَانَا ظَلِيمَة طَيِّبَة، إِذَا سَقَاهُمْ اللَّبَن قَبْل إِدْرَاكه.
وَقَدْ ظَلَمَ وَطْبه، إِذَا سَقَى مِنْهُ قَبْل أَنْ يَرُوب وَيُخْرَج زُبْده.
وَاللَّبَن مَظْلُوم وَظَلِيم.
قَالَ :
وَرَجُل ظَلِيم : شَدِيد الظُّلْم.
وَالظُّلْم : الشِّرْك، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم ".
[ لُقْمَان : ١٣ ] " فَتَكُونَا " عَطْف عَلَى " تَقْرَبَا " فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ النُّون.
وَزَعَمَ الْجَرْمِيّ أَنَّ الْفَاء هِيَ النَّاصِبَة، وَكِلَاهُمَا جَائِز.
الظُّلْم أَصْله وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه.
وَالْأَرْض الْمَظْلُومَة : الَّتِي لَمْ تُحْفَر قَطُّ ثُمَّ حُفِرَتْ.
قَالَ النَّابِغَة.
| وَقَفْت فِيهَا أَصَيْلَالًا أُسَائِلهَا | عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَد |
| إِلَّا الْأَوَارِيّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنهَا | وَالنُّؤْي كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَد |
قَالَ الشَّاعِر :
| فَأَصْبَحَ فِي غَبْرَاء بَعْد إِشَاحَة عَلَى | الْعَيْش مَرْدُود عَلَيْهَا ظَلِيمهَا |
ظَلَّامُونَ لِلْجُزُرِ وَيُقَال : سَقَانَا ظَلِيمَة طَيِّبَة، إِذَا سَقَاهُمْ اللَّبَن قَبْل إِدْرَاكه.
وَقَدْ ظَلَمَ وَطْبه، إِذَا سَقَى مِنْهُ قَبْل أَنْ يَرُوب وَيُخْرَج زُبْده.
وَاللَّبَن مَظْلُوم وَظَلِيم.
قَالَ :
| وَقَائِلَة ظَلَمْت لَكُمْ سِقَائِي | وَهَلْ يَخْفَى عَلَى الْعَكَد الظَّلِيم |
وَالظُّلْم : الشِّرْك، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الشِّرْك لَظُلْم عَظِيم ".
[ لُقْمَان : ١٣ ] " فَتَكُونَا " عَطْف عَلَى " تَقْرَبَا " فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ النُّون.
وَزَعَمَ الْجَرْمِيّ أَنَّ الْفَاء هِيَ النَّاصِبَة، وَكِلَاهُمَا جَائِز.
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
فِيهِ عَشْر مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا " قَرَأَ الْجَمَاعَة " فَأَزَلَّهُمَا " بِغَيْرِ أَلِف، مِنْ الزَّلَّة وَهِيَ الْخَطِيئَة، أَيْ اِسْتَزَلَّهُمَا وَأَوْقَعَهُمَا فِيهَا.
وَقَرَأَ حَمْزَة " فَأَزَالَهُمَا " بِأَلِفٍ، مِنْ التَّنْحِيَة، أَيْ نَحَّاهُمَا.
يُقَال : أَزَلْته فَزَالَ.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَأَزَالَهُمَا مِنْ الزَّوَال، أَيْ صَرَفَهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَة إِلَى الْمَعْصِيَة.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا تَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى، إِلَّا أَنَّ قِرَاءَة الْجَمَاعَة أَمْكَن فِي الْمَعْنَى.
يُقَال مِنْهُ : أَزْلَلْته فَزَلَّ.
وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا " [ آل عِمْرَان : ١٥٥ ]، وَقَوْله :" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان " وَالْوَسْوَسَة إِنَّمَا هِيَ إِدْخَالهمَا فِي الزَّلَل بِالْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ قُدْرَة عَلَى زَوَال أَحَد مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان، إِنَّمَا قُدْرَته [ عَلَى ] إِدْخَاله فِي الزَّلَل، فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى زَوَال مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان بِذَنْبِهِ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى أَزَلَّهُمَا مِنْ زَلَّ عَنْ الْمَكَان إِذَا تَنَحَّى، فَيَكُون فِي الْمَعْنَى كَقِرَاءَةِ حَمْزَة مِنْ الزَّوَال.
قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
وَقَالَ أَيْضًا :
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى :" فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ " إِذَا جُعِلَ أَزَالَ مِنْ زَالَ عَنْ الْمَكَان فَقَوْله :" فَأَخْرَجَهُمَا " تَأْكِيد وَبَيَان لِلزَّوَالِ، إِذْ قَدْ يُمْكِن أَنْ يَزُولَا عَنْ مَكَان كَانَا فِيهِ إِلَى مَكَان آخَر مِنْ الْجَنَّة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ إِخْرَاجهمَا مِنْ الْجَنَّة إِلَى الْأَرْض، لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْهَا، وَلِيَكُونَ آدَم خَلِيفَة فِي الْأَرْض.
وَلَمْ يَقْصِد إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - إِخْرَاجه مِنْهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ إِسْقَاطه مِنْ مَرْتَبَته وَإِبْعَاده كَمَا أُبْعِدَ هُوَ، فَلَمْ يَبْلُغ مَقْصِده وَلَا أَدْرَكَ مُرَاده، بَلْ اِزْدَادَ سُخْنَة عَيْن وَغَيْظ نَفْس وَخَيْبَة ظَنّ.
قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" ثُمَّ اِجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى " [ طَه : ١٢٢ ] فَصَارَ عَلَيْهِ السَّلَام خَلِيفَة اللَّه فِي أَرْضه بَعْد أَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فِي دَاره، فَكَمْ بَيْن الْخَلِيفَة وَالْجَار صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيس ; لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبِهِ وَإِغْوَائِهِ.
وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل وَغَيْرهمْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ مُتَوَلِّي إِغْوَاء آدَم، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَيْفِيَّة، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجُمْهُور الْعُلَمَاء أَغْوَاهُمَا مُشَافَهَة، وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ " وَالْمُقَاسَمَة ظَاهِرهَا الْمُشَافَهَة.
فِيهِ عَشْر مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان عَنْهَا " قَرَأَ الْجَمَاعَة " فَأَزَلَّهُمَا " بِغَيْرِ أَلِف، مِنْ الزَّلَّة وَهِيَ الْخَطِيئَة، أَيْ اِسْتَزَلَّهُمَا وَأَوْقَعَهُمَا فِيهَا.
وَقَرَأَ حَمْزَة " فَأَزَالَهُمَا " بِأَلِفٍ، مِنْ التَّنْحِيَة، أَيْ نَحَّاهُمَا.
يُقَال : أَزَلْته فَزَالَ.
قَالَ اِبْن كَيْسَان : فَأَزَالَهُمَا مِنْ الزَّوَال، أَيْ صَرَفَهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَة إِلَى الْمَعْصِيَة.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا تَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى، إِلَّا أَنَّ قِرَاءَة الْجَمَاعَة أَمْكَن فِي الْمَعْنَى.
يُقَال مِنْهُ : أَزْلَلْته فَزَلَّ.
وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا " [ آل عِمْرَان : ١٥٥ ]، وَقَوْله :" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان " وَالْوَسْوَسَة إِنَّمَا هِيَ إِدْخَالهمَا فِي الزَّلَل بِالْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ قُدْرَة عَلَى زَوَال أَحَد مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان، إِنَّمَا قُدْرَته [ عَلَى ] إِدْخَاله فِي الزَّلَل، فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى زَوَال مِنْ مَكَان إِلَى مَكَان بِذَنْبِهِ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى أَزَلَّهُمَا مِنْ زَلَّ عَنْ الْمَكَان إِذَا تَنَحَّى، فَيَكُون فِي الْمَعْنَى كَقِرَاءَةِ حَمْزَة مِنْ الزَّوَال.
قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
| يُزِلّ الْغُلَام الْخُفّ عَنْ صَهَوَاته | وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ الْعَنِيف الْمُثَقَّل |
| كَمَيْتٍ يُزِلّ اللِّبَد عَنْ حَال مَتْنه | كَمَا زَلَّتْ الصَّفْوَاء بِالْمُتَنَزِّلِ |
وَلَمْ يَقْصِد إِبْلِيس - لَعَنَهُ اللَّه - إِخْرَاجه مِنْهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ إِسْقَاطه مِنْ مَرْتَبَته وَإِبْعَاده كَمَا أُبْعِدَ هُوَ، فَلَمْ يَبْلُغ مَقْصِده وَلَا أَدْرَكَ مُرَاده، بَلْ اِزْدَادَ سُخْنَة عَيْن وَغَيْظ نَفْس وَخَيْبَة ظَنّ.
قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" ثُمَّ اِجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى " [ طَه : ١٢٢ ] فَصَارَ عَلَيْهِ السَّلَام خَلِيفَة اللَّه فِي أَرْضه بَعْد أَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فِي دَاره، فَكَمْ بَيْن الْخَلِيفَة وَالْجَار صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَنَسَبَ ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيس ; لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبِهِ وَإِغْوَائِهِ.
وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل وَغَيْرهمْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ مُتَوَلِّي إِغْوَاء آدَم، وَاخْتُلِفَ فِي الْكَيْفِيَّة، فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجُمْهُور الْعُلَمَاء أَغْوَاهُمَا مُشَافَهَة، وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ " وَالْمُقَاسَمَة ظَاهِرهَا الْمُشَافَهَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ، وَذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه، : دَخَلَ الْجَنَّة فِي فَم الْحَيَّة وَهِيَ ذَات أَرْبَع كَالْبُخْتِيَّةِ مِنْ أَحْسَن دَابَّة خَلَقَهَا اللَّه تَعَالَى بَعْد أَنْ عَرَضَ نَفْسه عَلَى كَثِير مِنْ الْحَيَوَان فَلَمْ يُدْخِلهُ إِلَّا الْحَيَّة، فَلَمَّا دَخَلَتْ بِهِ الْجَنَّة خَرَجَ مِنْ جَوْفهَا إِبْلِيس فَأَخَذَ مِنْ الشَّجَرَة الَّتِي نَهَى اللَّه آدَم وَزَوْجه عَنْهَا فَجَاءَ بِهَا إِلَى حَوَّاء فَقَالَ : اُنْظُرِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَة، مَا أَطْيَب رِيحهَا وَأَطْيَب طَعْمهَا وَأَحْسَن لَوْنهَا فَلَمْ يَزَلْ يُغْوِيهَا حَتَّى أَخَذَتْهَا حَوَّاء فَأَكَلَتْهَا.
ثُمَّ أَغْوَى آدَم، وَقَالَتْ لَهُ حَوَّاء : كُلْ فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرّنِي، فَأَكَلَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا وَحَصَلَا فِي حُكْم الذَّنْب، فَدَخَلَ آدَم فِي جَوْف الشَّجَرَة، فَنَادَاهُ رَبّه : أَيْنَ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا هَذَا يَا رَبّ، قَالَ : أَلَا تَخْرُج ؟ قَالَ أَسْتَحِي مِنْك يَا رَبّ، قَالَ : اهْبِطْ إِلَى الْأَرْض الَّتِي خُلِقْت مِنْهَا.
وَلُعِنَتْ الْحَيَّة وَرُدَّتْ قَوَائِمهَا فِي جَوْفهَا وَجُعِلَتْ الْعَدَاوَة بَيْنهَا وَبَيْن بَنِي آدَم، وَلِذَلِكَ أُمِرْنَا بِقَتْلِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَقِيلَ لِحَوَّاء : كَمَا أَدْمَيْت الشَّجَرَة فَكَذَلِكَ يُصِيبك الدَّم كُلّ شَهْر وَتَحْمِلِينَ وَتَضَعِينَ كُرْهًا تُشْرِفِينَ بِهِ عَلَى الْمَوْت مِرَارًا.
زَادَ الطَّبَرِيّ وَالنَّقَّاش : وَتَكُونِي سَفِيهَة وَقَدْ كُنْت حَلِيمَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِنَّ إِبْلِيس لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَى آدَم بَعْد مَا أُخْرِجَ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَغْوَى بِشَيْطَانِهِ وَسُلْطَانه وَوَسْوَاسه الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّه تَعَالَى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَسَيَأْتِي فِي الْأَعْرَاف أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ بَقِيَ عُرْيَانَا وَطَلَبَ مَا يَسْتَتِر بِهِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ الْأَشْجَار وَبَكَّتُوهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَرَحِمَتْهُ شَجَرَة التِّين، فَأَخَذَ مِنْ وَرَقه فَاسْتَتَرَ بِهِ، فَبُلِيَ بِالْعُرْيِ دُون الشَّجَر.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي إِخْرَاج آدَم مِنْ الْجَنَّة عِمَارَة الدُّنْيَا.
الثَّالِثَة : يُذْكَر أَنَّ الْحَيَّة كَانَتْ خَادِم آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَنَّة فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوّ اللَّه مِنْ نَفْسهَا وَأَظْهَرَتْ الْعَدَاوَة لَهُ هُنَاكَ، فَلَمَّا أُهْبِطُوا تَأَكَّدَتْ الْعَدَاوَة وَجُعِلَ رِزْقهَا التُّرَاب، وَقِيلَ لَهَا : أَنْتِ عَدُوّ بَنِي آدَم وَهُمْ أَعْدَاؤُك وَحَيْثُ لَقِيَك مِنْهُمْ أَحَد شَدَخَ رَأْسك.
رَوَى اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( خَمْس يَقْتُلهُنَّ الْمُحْرِم ) فَذَكَرَ الْحَيَّة فِيهِنَّ.
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْلِيس قَالَ لَهَا : أَدْخِلِينِي الْجَنَّة وَأَنْتِ فِي ذِمَّتِي، فَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : أَخْفِرُوا ذِمَّة إِبْلِيس.
ثُمَّ أَغْوَى آدَم، وَقَالَتْ لَهُ حَوَّاء : كُلْ فَإِنِّي قَدْ أَكَلْت فَلَمْ يَضُرّنِي، فَأَكَلَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا وَحَصَلَا فِي حُكْم الذَّنْب، فَدَخَلَ آدَم فِي جَوْف الشَّجَرَة، فَنَادَاهُ رَبّه : أَيْنَ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا هَذَا يَا رَبّ، قَالَ : أَلَا تَخْرُج ؟ قَالَ أَسْتَحِي مِنْك يَا رَبّ، قَالَ : اهْبِطْ إِلَى الْأَرْض الَّتِي خُلِقْت مِنْهَا.
وَلُعِنَتْ الْحَيَّة وَرُدَّتْ قَوَائِمهَا فِي جَوْفهَا وَجُعِلَتْ الْعَدَاوَة بَيْنهَا وَبَيْن بَنِي آدَم، وَلِذَلِكَ أُمِرْنَا بِقَتْلِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَقِيلَ لِحَوَّاء : كَمَا أَدْمَيْت الشَّجَرَة فَكَذَلِكَ يُصِيبك الدَّم كُلّ شَهْر وَتَحْمِلِينَ وَتَضَعِينَ كُرْهًا تُشْرِفِينَ بِهِ عَلَى الْمَوْت مِرَارًا.
زَادَ الطَّبَرِيّ وَالنَّقَّاش : وَتَكُونِي سَفِيهَة وَقَدْ كُنْت حَلِيمَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِنَّ إِبْلِيس لَمْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَى آدَم بَعْد مَا أُخْرِجَ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَغْوَى بِشَيْطَانِهِ وَسُلْطَانه وَوَسْوَاسه الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّه تَعَالَى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَسَيَأْتِي فِي الْأَعْرَاف أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ بَقِيَ عُرْيَانَا وَطَلَبَ مَا يَسْتَتِر بِهِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ الْأَشْجَار وَبَكَّتُوهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَرَحِمَتْهُ شَجَرَة التِّين، فَأَخَذَ مِنْ وَرَقه فَاسْتَتَرَ بِهِ، فَبُلِيَ بِالْعُرْيِ دُون الشَّجَر.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقِيلَ : إِنَّ الْحِكْمَة فِي إِخْرَاج آدَم مِنْ الْجَنَّة عِمَارَة الدُّنْيَا.
الثَّالِثَة : يُذْكَر أَنَّ الْحَيَّة كَانَتْ خَادِم آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجَنَّة فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوّ اللَّه مِنْ نَفْسهَا وَأَظْهَرَتْ الْعَدَاوَة لَهُ هُنَاكَ، فَلَمَّا أُهْبِطُوا تَأَكَّدَتْ الْعَدَاوَة وَجُعِلَ رِزْقهَا التُّرَاب، وَقِيلَ لَهَا : أَنْتِ عَدُوّ بَنِي آدَم وَهُمْ أَعْدَاؤُك وَحَيْثُ لَقِيَك مِنْهُمْ أَحَد شَدَخَ رَأْسك.
رَوَى اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( خَمْس يَقْتُلهُنَّ الْمُحْرِم ) فَذَكَرَ الْحَيَّة فِيهِنَّ.
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْلِيس قَالَ لَهَا : أَدْخِلِينِي الْجَنَّة وَأَنْتِ فِي ذِمَّتِي، فَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : أَخْفِرُوا ذِمَّة إِبْلِيس.
وَرَوَتْ سَاكِنَة بِنْت الْجَعْد عَنْ سَرَّاء بِنْت نَبْهَان الْغَنَوِيَّة قَالَتْ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( اُقْتُلُوا ) الْحَيَّات صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا وَأَسْوَدهَا وَأَبْيَضهَا فَإِنَّ مَنْ قَتَلَهَا كَانَتْ لَهُ فِدَاء مِنْ النَّار وَمَنْ قَتَلَتْهُ كَانَ شَهِيدًا ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ فِدَاء مِنْ النَّار لِمُشَارَكَتِهَا إِبْلِيس وَإِعَانَته عَلَى ضَرَر آدَم وَوَلَده، فَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ قَتَلَ حَيَّة فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا.
وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَجْتَمِع كَافِر وَقَاتِله فِي النَّار أَبَدًا ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره.
الرَّابِعَة : رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمِنًى فَمَرَّتْ حَيَّة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اُقْتُلُوهَا ) فَسَبَقَتْنَا إِلَى جُحْر فَدَخَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( هَاتُوا بِسَعَفَةٍ وَنَار فَأَضْرِمُوهَا عَلَيْهِ نَارًا ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الْحَدِيث يَخُصّ نَهْيه عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ الْمُثْلَة وَعَنْ أَنْ يُعَذِّب أَحَد بِعَذَابِ اللَّه تَعَالَى، قَالُوا : فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْعَدُوّ حُرْمَة حَيْثُ فَاتَهُ حَتَّى أَوْصَلَ إِلَيْهِ الْهَلَاك مِنْ حَيْثُ قَدَرَ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُحْرَق الْعَقْرَب بِالنَّارِ، وَقَالَ : هُوَ مُثْلَة.
قِيلَ لَهُ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمْ يَبْلُغهُ هَذَا الْأَثَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمِلَ عَلَى الْأَثَر الَّذِي جَاءَ :( لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّه ) فَكَانَ عَلَى هَذَا سَبِيل الْعَمَل عِنْده.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَار وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ :" وَالْمُرْسَلَات عُرْفًا " [ الْمُرْسَلَات : ١ ] فَنَحْنُ نَأْخُذهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَة، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّة، فَقَالَ :( اُقْتُلُوهَا )، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلهَا فَسَبَقَتْنَا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَقَاهَا اللَّه شَرّكُمْ كَمَا وَقَاكُمْ شَرّهَا ).
فَلَمْ يُضْرِم نَارًا وَلَا اِحْتَالَ فِي قَتْلهَا.
قِيلَ لَهُ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمْ يَجِد نَارًا فَتَرَكَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ الْجُحْر بِهَيْئَةٍ يُنْتَفَع بِالنَّارِ هُنَاكَ مَعَ ضَرَر الدُّخَان وَعَدَم وُصُوله إِلَى الْحَيَوَان.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَوْله :( وَقَاهَا اللَّه شَرّكُمْ ) أَيْ قَتْلكُمْ إِيَّاهَا ( كَمَا وَقَاكُمْ شَرّهَا ) أَيْ لَسْعهَا.
الْخَامِسَة : الْأَمْر بِقَتْلِ الْحَيَّات عَنْ بَاب الْإِرْشَاد إِلَى دَفْع الْمَضَرَّة الْمَخُوفَة مِنْ الْحَيَّات، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَحَقِّق الضَّرَر وَجَبَتْ الْمُبَادَرَة إِلَى قَتْله، لِقَوْلِهِ :( اُقْتُلُوا الْحَيَّات وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَر فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ الْبَصَر وَيُسْقِطَانِ الْحَبَل ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ فِدَاء مِنْ النَّار لِمُشَارَكَتِهَا إِبْلِيس وَإِعَانَته عَلَى ضَرَر آدَم وَوَلَده، فَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ قَتَلَ حَيَّة فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا.
وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَجْتَمِع كَافِر وَقَاتِله فِي النَّار أَبَدًا ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره.
الرَّابِعَة : رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمِنًى فَمَرَّتْ حَيَّة فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اُقْتُلُوهَا ) فَسَبَقَتْنَا إِلَى جُحْر فَدَخَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( هَاتُوا بِسَعَفَةٍ وَنَار فَأَضْرِمُوهَا عَلَيْهِ نَارًا ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الْحَدِيث يَخُصّ نَهْيه عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ الْمُثْلَة وَعَنْ أَنْ يُعَذِّب أَحَد بِعَذَابِ اللَّه تَعَالَى، قَالُوا : فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْعَدُوّ حُرْمَة حَيْثُ فَاتَهُ حَتَّى أَوْصَلَ إِلَيْهِ الْهَلَاك مِنْ حَيْثُ قَدَرَ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُحْرَق الْعَقْرَب بِالنَّارِ، وَقَالَ : هُوَ مُثْلَة.
قِيلَ لَهُ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمْ يَبْلُغهُ هَذَا الْأَثَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمِلَ عَلَى الْأَثَر الَّذِي جَاءَ :( لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّه ) فَكَانَ عَلَى هَذَا سَبِيل الْعَمَل عِنْده.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَار وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ :" وَالْمُرْسَلَات عُرْفًا " [ الْمُرْسَلَات : ١ ] فَنَحْنُ نَأْخُذهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَة، إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّة، فَقَالَ :( اُقْتُلُوهَا )، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلهَا فَسَبَقَتْنَا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَقَاهَا اللَّه شَرّكُمْ كَمَا وَقَاكُمْ شَرّهَا ).
فَلَمْ يُضْرِم نَارًا وَلَا اِحْتَالَ فِي قَتْلهَا.
قِيلَ لَهُ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمْ يَجِد نَارًا فَتَرَكَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ الْجُحْر بِهَيْئَةٍ يُنْتَفَع بِالنَّارِ هُنَاكَ مَعَ ضَرَر الدُّخَان وَعَدَم وُصُوله إِلَى الْحَيَوَان.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَوْله :( وَقَاهَا اللَّه شَرّكُمْ ) أَيْ قَتْلكُمْ إِيَّاهَا ( كَمَا وَقَاكُمْ شَرّهَا ) أَيْ لَسْعهَا.
الْخَامِسَة : الْأَمْر بِقَتْلِ الْحَيَّات عَنْ بَاب الْإِرْشَاد إِلَى دَفْع الْمَضَرَّة الْمَخُوفَة مِنْ الْحَيَّات، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَحَقِّق الضَّرَر وَجَبَتْ الْمُبَادَرَة إِلَى قَتْله، لِقَوْلِهِ :( اُقْتُلُوا الْحَيَّات وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَر فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ الْبَصَر وَيُسْقِطَانِ الْحَبَل ).
فَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعُمُوم وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عِظَم ضَرَرهمَا.
وَمَا لَمْ يَتَحَقَّق ضَرَره فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي غَيْر الْبُيُوت قُتِلَ أَيْضًا لِظَاهِرِ الْأَمْر الْعَامّ، وَلِأَنَّ نَوْع الْحَيَّات غَالِبه الضَّرَر، فَيُسْتَصْحَب ذَلِكَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ كُلّه مُرَوِّع بِصُورَتِهِ وَبِمَا فِي النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه يُحِبّ الشَّجَاعَة وَلَوْ عَلَى قَتْل حَيَّة ).
فَشَجَّعَ عَلَى قَتْلهَا.
وَقَالَ فِيمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود مَرْفُوعًا :( اُقْتُلُوا الْحَيَّات كُلّهنَّ فَمَنْ خَافَ ثَأْرهنَّ فَلَيْسَ مِنِّي ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّادِسَة : مَا كَانَ مِنْ الْحَيَّات فِي الْبُيُوت فَلَا يُقْتَل حَتَّى يُؤْذَن ثَلَاثَة أَيَّام، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَة أَيَّام ).
وَقَدْ حَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث عَلَى الْمَدِينَة وَحْدهَا لِإِسْلَامِ الْجِنّ بِهَا، قَالُوا : وَلَا نَعْلَم هَلْ أَسْلَمَ مِنْ جِنّ غَيْر الْمَدِينَة أَحَد أَوْ لَا، قَالَهُ اِبْن نَافِع.
وَقَالَ مَالِك : نَهَى عَنْ قَتْل جِنَان الْبُيُوت فِي جَمِيع الْبِلَاد.
وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن " [ الْأَحْقَاف : ٢٩ ] الْآيَة.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبْت مَعَهُمْ فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ) وَفِيهِ : وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة، الْحَدِيث.
وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي سُورَة " الْجِنّ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يُقْتَل شَيْء مِنْهَا حَتَّى يُحْرَج عَلَيْهِ وَيُنْذَر، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّابِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي السَّائِب مَوْلَى هِشَام بْن زُهْرَة أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي بَيْته، قَالَ : فَوَجَدْته يُصَلِّي، فَجَلَسْت أَنْتَظِرهُ حَتَّى يَقْضِي صَلَاته، فَسَمِعْت تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِين نَاحِيَة الْبَيْت، فَالْتَفَتّ فَإِذَا حَيَّة، فَوَثَبْت لِأَقْتُلهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ اِجْلِسْ فَجَلَسْت، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْت فِي الدَّار فَقَالَ : أَتَرَى هَذَا الْبَيْت ؟ فَقُلْت نَعَمْ، فَقَالَ : كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيث عَهْد بِعُرْسٍ، قَالَ : فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَق، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَار فَيَرْجِع إِلَى أَهْله، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خُذْ عَلَيْك سِلَاحك فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك قُرَيْظَة ).
وَمَا لَمْ يَتَحَقَّق ضَرَره فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي غَيْر الْبُيُوت قُتِلَ أَيْضًا لِظَاهِرِ الْأَمْر الْعَامّ، وَلِأَنَّ نَوْع الْحَيَّات غَالِبه الضَّرَر، فَيُسْتَصْحَب ذَلِكَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ كُلّه مُرَوِّع بِصُورَتِهِ وَبِمَا فِي النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه يُحِبّ الشَّجَاعَة وَلَوْ عَلَى قَتْل حَيَّة ).
فَشَجَّعَ عَلَى قَتْلهَا.
وَقَالَ فِيمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود مَرْفُوعًا :( اُقْتُلُوا الْحَيَّات كُلّهنَّ فَمَنْ خَافَ ثَأْرهنَّ فَلَيْسَ مِنِّي ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّادِسَة : مَا كَانَ مِنْ الْحَيَّات فِي الْبُيُوت فَلَا يُقْتَل حَتَّى يُؤْذَن ثَلَاثَة أَيَّام، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَة أَيَّام ).
وَقَدْ حَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث عَلَى الْمَدِينَة وَحْدهَا لِإِسْلَامِ الْجِنّ بِهَا، قَالُوا : وَلَا نَعْلَم هَلْ أَسْلَمَ مِنْ جِنّ غَيْر الْمَدِينَة أَحَد أَوْ لَا، قَالَهُ اِبْن نَافِع.
وَقَالَ مَالِك : نَهَى عَنْ قَتْل جِنَان الْبُيُوت فِي جَمِيع الْبِلَاد.
وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن " [ الْأَحْقَاف : ٢٩ ] الْآيَة.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبْت مَعَهُمْ فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ) وَفِيهِ : وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة، الْحَدِيث.
وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي سُورَة " الْجِنّ " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يُقْتَل شَيْء مِنْهَا حَتَّى يُحْرَج عَلَيْهِ وَيُنْذَر، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّابِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي السَّائِب مَوْلَى هِشَام بْن زُهْرَة أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي بَيْته، قَالَ : فَوَجَدْته يُصَلِّي، فَجَلَسْت أَنْتَظِرهُ حَتَّى يَقْضِي صَلَاته، فَسَمِعْت تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِين نَاحِيَة الْبَيْت، فَالْتَفَتّ فَإِذَا حَيَّة، فَوَثَبْت لِأَقْتُلهَا، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ اِجْلِسْ فَجَلَسْت، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْت فِي الدَّار فَقَالَ : أَتَرَى هَذَا الْبَيْت ؟ فَقُلْت نَعَمْ، فَقَالَ : كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيث عَهْد بِعُرْسٍ، قَالَ : فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَق، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَار فَيَرْجِع إِلَى أَهْله، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خُذْ عَلَيْك سِلَاحك فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك قُرَيْظَة ).
فَأَخَذَ الرَّجُل سِلَاحه ثُمَّ رَجَعَ، فَإِذَا اِمْرَأَته بَيْن الْبَابَيْنِ قَائِمَة فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَة، فَقَالَتْ لَهُ : اُكْفُفْ عَلَيْك رُمْحَكَ، وَادْخُلْ الْبَيْت حَتَّى تَنْظُر مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَة مُنْطَوِيَة عَلَى الْفِرَاش، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَّزَهُ فِي الدَّار فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُدْرَى أَيّهمَا كَانَ أَسْرَع مَوْتًا، الْحَيَّة أَمْ الْفَتَى قَالَ : فَجِئْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلْنَا : اُدْعُ اللَّه يُحْيِيه لَنَا، فَقَالَ :( اِسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ - ثُمَّ قَالَ :- إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَة إِيَام فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْد ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان ).
وَفِي طَرِيق أُخْرَى فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوت عَوَامِر فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر - وَقَالَ لَهُمْ :- اِذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبكُمْ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : لَا يُفْهَم مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا الْجَانّ الَّذِي قَتَلَهُ هَذَا الْفَتَى كَانَ مُسْلِمًا وَأَنَّ الْجِنّ قَتَلَتْهُ بِهِ قِصَاصًا ; لِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقِصَاص مَشْرُوع بَيْننَا وَبَيْن الْجِنّ لَكَانَ إِنَّمَا يَكُون فِي الْعَمْد الْمَحْض، وَهَذَا الْفَتَى لَمْ يَقْصِد وَلَمْ يَتَعَمَّد قَتْل نَفْس مُسْلِمَة ; إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْده عِلْم مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إِلَى قَتْل مَا سُوِّغَ قَتْل نَوْعه شَرْعًا، فَهَذَا قَتْل خَطَأ وَلَا قِصَاص فِيهِ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال : إِنَّ كُفَّار الْجِنّ أَوْ فَسَقَتهمْ قَتَلُوا بِصَاحِبِهِمْ عَدْوًا وَانْتِقَامًا.
وَقَدْ قَتَلَتْ سَعْد اِبْن عُبَادَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ مَيِّتًا فِي مُغْتَسَله وَقَدْ اِخْضَرَّ جَسَده، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعُوا قَائِلًا يَقُول وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا :
وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا ) لِيُبَيِّن طَرِيقًا يَحْصُل بِهِ التَّحَرُّز مِنْ قَتْل الْمُسْلِم مِنْهُمْ وَيَتَسَلَّط بِهِ عَلَى قَتْل الْكَافِر مِنْهُمْ.
رُوِيَ مِنْ وُجُوه أَنَّ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَانًّا فَأُرِيَتْ فِي الْمَنَام أَنَّ قَائِلًا يَقُول لَهَا : لَقَدْ قَتَلْت مُسْلِمًا، فَقَالَتْ : لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : مَا دَخَلَ عَلَيْك إِلَّا وَعَلَيْك ثِيَابك.
فَأَصْبَحَتْ فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَر أَلْف دِرْهَم فَجُعِلَتْ فِي سَبِيل اللَّه.
وَفِي رِوَايَة : مَا دَخَلَ عَلَيْك إِلَّا وَأَنْتِ مُسْتَتِرَة، فَتَصَدَّقَتْ وَأَعْتَقَتْ رِقَابًا.
وَفِي طَرِيق أُخْرَى فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوت عَوَامِر فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر - وَقَالَ لَهُمْ :- اِذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبكُمْ ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : لَا يُفْهَم مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا الْجَانّ الَّذِي قَتَلَهُ هَذَا الْفَتَى كَانَ مُسْلِمًا وَأَنَّ الْجِنّ قَتَلَتْهُ بِهِ قِصَاصًا ; لِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقِصَاص مَشْرُوع بَيْننَا وَبَيْن الْجِنّ لَكَانَ إِنَّمَا يَكُون فِي الْعَمْد الْمَحْض، وَهَذَا الْفَتَى لَمْ يَقْصِد وَلَمْ يَتَعَمَّد قَتْل نَفْس مُسْلِمَة ; إِذْ لَمْ يَكُنْ عِنْده عِلْم مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إِلَى قَتْل مَا سُوِّغَ قَتْل نَوْعه شَرْعًا، فَهَذَا قَتْل خَطَأ وَلَا قِصَاص فِيهِ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال : إِنَّ كُفَّار الْجِنّ أَوْ فَسَقَتهمْ قَتَلُوا بِصَاحِبِهِمْ عَدْوًا وَانْتِقَامًا.
وَقَدْ قَتَلَتْ سَعْد اِبْن عُبَادَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ مَيِّتًا فِي مُغْتَسَله وَقَدْ اِخْضَرَّ جَسَده، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعُوا قَائِلًا يَقُول وَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا :
| قَدْ قَتَلْنَا سَيِّد الْخَزْ | رَج سَعْد بْن عُبَادَه |
| وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْ | ن فَلَمْ نُخْط فُؤَاده |
رُوِيَ مِنْ وُجُوه أَنَّ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَانًّا فَأُرِيَتْ فِي الْمَنَام أَنَّ قَائِلًا يَقُول لَهَا : لَقَدْ قَتَلْت مُسْلِمًا، فَقَالَتْ : لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : مَا دَخَلَ عَلَيْك إِلَّا وَعَلَيْك ثِيَابك.
فَأَصْبَحَتْ فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَر أَلْف دِرْهَم فَجُعِلَتْ فِي سَبِيل اللَّه.
وَفِي رِوَايَة : مَا دَخَلَ عَلَيْك إِلَّا وَأَنْتِ مُسْتَتِرَة، فَتَصَدَّقَتْ وَأَعْتَقَتْ رِقَابًا.
وَقَالَ الرَّبِيع بْن بَدْر : الْجَانّ مِنْ الْحَيَّات الَّتِي نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ سَلَّمَ عَنْ قَتْلهَا هِيَ الَّتِي تَمْشِي وَلَا تَلْتَوِي، وَعَنْ عَلْقَمَة نَحْوه.
الثَّامِنَة فِي صِفَة الْإِنْذَار، قَالَ مَالِك : أَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقَالَهُ عِيسَى بْن دِينَار، وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْيَوْم مِرَارًا.
وَلَا يُقْتَصَر عَلَى إِنْذَاره ثَلَاث مِرَار فِي يَوْم وَاحِد حَتَّى يَكُون فِي ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقِيلَ : يَكْفِي ثَلَاث مِرَار، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا )، وَقَوْله :( حَرِّجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا ) وَلِأَنَّ ثَلَاثًا لِلْعَدَدِ الْمُؤَنَّث، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَاد ثَلَاث مَرَّات.
وَقَوْل مَالِك أَوْلَى، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( ثَلَاثَة أَيَّام ).
وَهُوَ نَصّ صَحِيح مُقَيِّد لِتِلْكَ الْمُطْلَقَات، وَيُحْمَل ثَلَاثًا عَلَى إِرَادَة لَيَالِي الْأَيَّام الثَّلَاث، فَغَلَبَ اللَّيْلَة عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي بَاب التَّارِيخ فَإِنَّهَا تَغْلِب فِيهَا التَّأْنِيث.
قَالَ مَالِك : وَيَكْفِي فِي الْإِنْذَار أَنْ يَقُول : أُحَرِّج عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَلَّا تَبْدُوا لَنَا وَلَا تُؤْذُونَا.
وَذَكَرَ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْده حَيَّات الْبُيُوت فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فِي مَسَاكِنكُمْ فَقُولُوا : أَنْشُدكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنْشُدكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا بَعْد فَاقْتُلُوهُ.
قُلْت : وَهَذَا يَدُلّ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِذْن مَرَّة وَاحِدَة، وَالْحَدِيث يَرُدّهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ حَكَى اِبْن حَبِيب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُول :( أَنْشُدكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أَلَّا تُؤْذِينَنَا وَأَلَّا تَظْهَرَن عَلَيْنَا ).
التَّاسِعَة : رَوَى جُبَيْر عَنْ نُفَيْر عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ - وَاسْمه جرثوم - أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْجِنّ عَلَى ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث لَهُمْ أَجْنِحَة يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاء وَثُلُث حَيَّات وَكِلَاب وَثُلُث يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ).
وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاء - وَاسْمه عُوَيْمِر - قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خُلِقَ الْجِنّ ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث كِلَاب وَحَيَّات وَخَشَاش الْأَرْض وَثُلُث رِيح هَفَّافَة وَثُلُث كَبَنِي آدَم لَهُمْ الثَّوَاب وَعَلَيْهِمْ الْعِقَاب وَخَلَقَ اللَّه الْإِنْس ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَأَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَآذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ سَبِيلًا وَثُلُث أَجْسَادهمْ كَأَجْسَادِ بَنِي آدَم وَقُلُوبهمْ قُلُوب الشَّيَاطِين وَثُلُث فِي ظِلّ اللَّه يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلّه ).
الْعَاشِرَة : مَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَان أَصْله الْإِذَايَة فَإِنَّهُ يُقْتَل اِبْتِدَاء، لِأَجْلِ إِذَايَته مِنْ غَيْر خِلَاف، كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَب وَالْفَأْر وَالْوَزَغ، وَشَبَهه.
الثَّامِنَة فِي صِفَة الْإِنْذَار، قَالَ مَالِك : أَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقَالَهُ عِيسَى بْن دِينَار، وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْيَوْم مِرَارًا.
وَلَا يُقْتَصَر عَلَى إِنْذَاره ثَلَاث مِرَار فِي يَوْم وَاحِد حَتَّى يَكُون فِي ثَلَاثَة أَيَّام.
وَقِيلَ : يَكْفِي ثَلَاث مِرَار، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا )، وَقَوْله :( حَرِّجُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا ) وَلِأَنَّ ثَلَاثًا لِلْعَدَدِ الْمُؤَنَّث، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَاد ثَلَاث مَرَّات.
وَقَوْل مَالِك أَوْلَى، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( ثَلَاثَة أَيَّام ).
وَهُوَ نَصّ صَحِيح مُقَيِّد لِتِلْكَ الْمُطْلَقَات، وَيُحْمَل ثَلَاثًا عَلَى إِرَادَة لَيَالِي الْأَيَّام الثَّلَاث، فَغَلَبَ اللَّيْلَة عَلَى عَادَة الْعَرَب فِي بَاب التَّارِيخ فَإِنَّهَا تَغْلِب فِيهَا التَّأْنِيث.
قَالَ مَالِك : وَيَكْفِي فِي الْإِنْذَار أَنْ يَقُول : أُحَرِّج عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَلَّا تَبْدُوا لَنَا وَلَا تُؤْذُونَا.
وَذَكَرَ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْده حَيَّات الْبُيُوت فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فِي مَسَاكِنكُمْ فَقُولُوا : أَنْشُدكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنْشُدكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا بَعْد فَاقْتُلُوهُ.
قُلْت : وَهَذَا يَدُلّ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِذْن مَرَّة وَاحِدَة، وَالْحَدِيث يَرُدّهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ حَكَى اِبْن حَبِيب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُول :( أَنْشُدكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أَلَّا تُؤْذِينَنَا وَأَلَّا تَظْهَرَن عَلَيْنَا ).
التَّاسِعَة : رَوَى جُبَيْر عَنْ نُفَيْر عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ - وَاسْمه جرثوم - أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْجِنّ عَلَى ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث لَهُمْ أَجْنِحَة يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاء وَثُلُث حَيَّات وَكِلَاب وَثُلُث يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ).
وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاء - وَاسْمه عُوَيْمِر - قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خُلِقَ الْجِنّ ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث كِلَاب وَحَيَّات وَخَشَاش الْأَرْض وَثُلُث رِيح هَفَّافَة وَثُلُث كَبَنِي آدَم لَهُمْ الثَّوَاب وَعَلَيْهِمْ الْعِقَاب وَخَلَقَ اللَّه الْإِنْس ثَلَاثَة أَثْلَاث فَثُلُث لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَأَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَآذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ سَبِيلًا وَثُلُث أَجْسَادهمْ كَأَجْسَادِ بَنِي آدَم وَقُلُوبهمْ قُلُوب الشَّيَاطِين وَثُلُث فِي ظِلّ اللَّه يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلّه ).
الْعَاشِرَة : مَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَان أَصْله الْإِذَايَة فَإِنَّهُ يُقْتَل اِبْتِدَاء، لِأَجْلِ إِذَايَته مِنْ غَيْر خِلَاف، كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَب وَالْفَأْر وَالْوَزَغ، وَشَبَهه.
وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خَمْس فَوَاسِق يُقْتَلْنَ فِي الْحِلّ وَالْحَرَم.
).
وَذَكَرَ الْحَدِيث.
فَالْحَيَّة أَبْدَتْ جَوْهَرهَا الْخَبِيث حَيْثُ خَانَتْ آدَم بِأَنْ أَدْخَلَتْ إِبْلِيس الْجَنَّة بَيْن فَكَّيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ تُبْرِزهُ مَا تَرَكَهَا رَضْوَان تَدْخُل بِهِ.
وَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنْتِ فِي ذِمَّتِي، فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَقَالَ :( اُقْتُلُوهَا وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاة ) يَعْنِي الْحَيَّة وَالْعَقْرَب.
وَالْوَزَغَة نَفَخَتْ عَلَى نَار إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بَيْن سَائِر الدَّوَابّ فَلُعِنَتْ.
وَهَذَا مِنْ نَوْع مَا يُرْوَى فِي الْحَيَّة.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَنْ قَتَلَ وَزَغَة فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ قَتَلَ وَزَغَة فِي أَوَّل ضَرْبَة كُتِبَتْ لَهُ مِائَة حَسَنَة وَفِي الثَّانِيَة دُون ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَة دُون ذَلِكَ ) وَفِي رَاوِيَة أَنَّهُ قَالَ :( فِي أَوَّل ضَرْبَة سَبْعُونَ حَسَنَة ).
وَالْفَأْرَة أَبْدَتْ جَوْهَرهَا بِأَنْ عَمَدَتْ إِلَى حِبَال سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَطَعَتْهَا.
وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُعَيْم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَقْتُل الْمُحْرِم الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَالْحِدَأَة وَالسَّبُع الْعَادِي وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفُوَيْسِقَة ).
وَاسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخَذَتْ فَتِيلَة لِتُحْرِق الْبَيْت فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا.
وَالْغُرَاب أَبْدَى جَوْهَره حَيْثُ بَعَثَهُ نَبِيّ اللَّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ السَّفِينَة لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْض فَتَرَك أَمْره وَأَقْبَلَ عَلَى جِيفَة.
هَذَا كُلّه فِي مَعْنَى الْحَيَّة، فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي التَّعْلِيل فِي " الْمَائِدَة " وَغَيْرهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
).
وَذَكَرَ الْحَدِيث.
فَالْحَيَّة أَبْدَتْ جَوْهَرهَا الْخَبِيث حَيْثُ خَانَتْ آدَم بِأَنْ أَدْخَلَتْ إِبْلِيس الْجَنَّة بَيْن فَكَّيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ تُبْرِزهُ مَا تَرَكَهَا رَضْوَان تَدْخُل بِهِ.
وَقَالَ لَهَا إِبْلِيس أَنْتِ فِي ذِمَّتِي، فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَقَالَ :( اُقْتُلُوهَا وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاة ) يَعْنِي الْحَيَّة وَالْعَقْرَب.
وَالْوَزَغَة نَفَخَتْ عَلَى نَار إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بَيْن سَائِر الدَّوَابّ فَلُعِنَتْ.
وَهَذَا مِنْ نَوْع مَا يُرْوَى فِي الْحَيَّة.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( مَنْ قَتَلَ وَزَغَة فَكَأَنَّمَا قَتَلَ كَافِرًا ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ قَتَلَ وَزَغَة فِي أَوَّل ضَرْبَة كُتِبَتْ لَهُ مِائَة حَسَنَة وَفِي الثَّانِيَة دُون ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَة دُون ذَلِكَ ) وَفِي رَاوِيَة أَنَّهُ قَالَ :( فِي أَوَّل ضَرْبَة سَبْعُونَ حَسَنَة ).
وَالْفَأْرَة أَبْدَتْ جَوْهَرهَا بِأَنْ عَمَدَتْ إِلَى حِبَال سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَطَعَتْهَا.
وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نُعَيْم عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَقْتُل الْمُحْرِم الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَالْحِدَأَة وَالسَّبُع الْعَادِي وَالْكَلْب الْعَقُور وَالْفُوَيْسِقَة ).
وَاسْتَيْقَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخَذَتْ فَتِيلَة لِتُحْرِق الْبَيْت فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا.
وَالْغُرَاب أَبْدَى جَوْهَره حَيْثُ بَعَثَهُ نَبِيّ اللَّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ السَّفِينَة لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْض فَتَرَك أَمْره وَأَقْبَلَ عَلَى جِيفَة.
هَذَا كُلّه فِي مَعْنَى الْحَيَّة، فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي التَّعْلِيل فِي " الْمَائِدَة " وَغَيْرهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
قَوْله تَعَالَى " وَقُلْنَا اِهْبِطُوا " حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " اِهْبِطُوا " فِي اللَّفْظ لِأَنَّهَا أَلِف وَصْل.
وَحُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " قُلْنَا " فِي اللَّفْظ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الْهَاء بَعْدهَا.
وَرَوَى مُحَمَّد بْن مُصَفَّى عَنْ أَبِي حَيْوَة ضَمّ الْبَاء فِي " اِهْبِطُوا "، وَهِيَ لُغَة يُقَوِّيهَا أَنَّهُ غَيْر مُتَعَدٍّ وَالْأَكْثَر فِي غَيْر الْمُتَعَدِّي أَنْ يَأْتِي عَلَى يَفْعُل.
وَالْخِطَاب لِآدَم وَحَوَّاء وَالْحَيَّة وَالشَّيْطَان، فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الْحَسَن : آدَم وَحَوَّاء وَالْوَسْوَسَة.
وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن أَيْضًا : بَنُو آدَم وَبَنُو إِبْلِيس.
وَالْهُبُوط : النُّزُول مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَل، فَأُهْبِطَ آدَم بِسَرَنْدِيب فِي الْهِنْد بِجَبَلٍ يُقَال لَهُ " بوذ " وَمَعَهُ رِيح الْجَنَّة فَعَلِقَ بِشَجَرِهَا وَأَوْدِيَتهَا فَامْتَلَأَ مَا هُنَاكَ طِيبًا، فَمِنْ ثَمَّ يُؤْتَى بِالطِّيبِ مِنْ رِيح آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَانَ السَّحَاب يَمْسَح رَأْسه فَأَصْلَع، فَأَوْرَثَ وَلَده الصَّلَع.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( خَلَقَ اللَّه آدَم وَطُوله سِتُّونَ ذِرَاعًا ) الْحَدِيث وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَسَيَأْتِي.
وَأُهْبِطَتْ حَوَّاء بِجُدَّة وَإِبْلِيس بِالْأُبْلَة، وَالْحَيَّة بِبَيْسَان، وَقِيلَ : بِسِجِسْتَان.
وَسِجِسْتَان أَكْثَر بِلَاد اللَّه حَيَّات، وَلَوْلَا الْعِرْبَدّ الَّذِي يَأْكُلهَا وَيُفْنِي كَثِيرًا مِنْهَا لَأُخْلِيَتْ سِجِسْتَان مِنْ أَجْل الْحَيَّات، ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَن الْمَسْعُودِيّ.
قَوْله تَعَالَى " بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ " " بَعْضكُمْ " مُبْتَدَأ، " عَدُوّ " خَبَره وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال، وَالتَّقْدِير وَهَذِهِ حَالكُمْ.
وَحُذِفَتْ الْوَاو مِنْ وَ " بَعْضكُمْ " لِأَنَّ فِي الْكَلَام عَائِدًا، كَمَا يُقَال : رَأَيْتُك السَّمَاء تُمْطِر عَلَيْك.
وَالْعَدُوّ : خِلَاف الصِّدِّيق، وَهُوَ مِنْ عَدَا إِذَا ظَلَمَ.
وَذِئْب عَدَوَانِ : يَعْدُو عَلَى النَّاس.
وَالْعُدْوَان : الظُّلْم الصُّرَاح.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْمُجَاوَزَة، مِنْ قَوْلك : لَا يَعْدُوك هَذَا الْأَمْر، أَيْ لَا يَتَجَاوَزك.
وَعَدَاهُ إِذَا جَاوَزَهُ، فَسُمِّيَ عَدُوًّا لِمُجَاوَزَةِ الْحَدّ فِي مَكْرُوه صَاحِبه، وَمِنْهُ الْعَدْو بِالْقَدَمِ لِمُجَاوَزَةِ الشَّيْء، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، فَإِنَّ مَنْ ظَلَمَ فَقَدْ تَجَاوَزَ.
قُلْت : وَقَدْ حَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء قَوْله تَعَالَى :" بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ " [ الْبَقَرَة : ٣٦ ] عَلَى الْإِنْسَان نَفْسه، وَفِيهِ بُعْد وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مَعْنًى.
يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ الْعَبْد إِذَا أَصْبَحَ تَقُول جَوَارِحه لِلِسَانِهِ اِتَّقِ اللَّه فِينَا فَإِنَّك إِذَا اِسْتَقَمْت اِسْتَقَمْنَا وَإِنْ اِعْوَجَجْتَ اِعْوَجَجْنَا ).
قَوْله تَعَالَى " وَقُلْنَا اِهْبِطُوا " حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " اِهْبِطُوا " فِي اللَّفْظ لِأَنَّهَا أَلِف وَصْل.
وَحُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " قُلْنَا " فِي اللَّفْظ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الْهَاء بَعْدهَا.
وَرَوَى مُحَمَّد بْن مُصَفَّى عَنْ أَبِي حَيْوَة ضَمّ الْبَاء فِي " اِهْبِطُوا "، وَهِيَ لُغَة يُقَوِّيهَا أَنَّهُ غَيْر مُتَعَدٍّ وَالْأَكْثَر فِي غَيْر الْمُتَعَدِّي أَنْ يَأْتِي عَلَى يَفْعُل.
وَالْخِطَاب لِآدَم وَحَوَّاء وَالْحَيَّة وَالشَّيْطَان، فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الْحَسَن : آدَم وَحَوَّاء وَالْوَسْوَسَة.
وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن أَيْضًا : بَنُو آدَم وَبَنُو إِبْلِيس.
وَالْهُبُوط : النُّزُول مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَل، فَأُهْبِطَ آدَم بِسَرَنْدِيب فِي الْهِنْد بِجَبَلٍ يُقَال لَهُ " بوذ " وَمَعَهُ رِيح الْجَنَّة فَعَلِقَ بِشَجَرِهَا وَأَوْدِيَتهَا فَامْتَلَأَ مَا هُنَاكَ طِيبًا، فَمِنْ ثَمَّ يُؤْتَى بِالطِّيبِ مِنْ رِيح آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَانَ السَّحَاب يَمْسَح رَأْسه فَأَصْلَع، فَأَوْرَثَ وَلَده الصَّلَع.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( خَلَقَ اللَّه آدَم وَطُوله سِتُّونَ ذِرَاعًا ) الْحَدِيث وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَسَيَأْتِي.
وَأُهْبِطَتْ حَوَّاء بِجُدَّة وَإِبْلِيس بِالْأُبْلَة، وَالْحَيَّة بِبَيْسَان، وَقِيلَ : بِسِجِسْتَان.
وَسِجِسْتَان أَكْثَر بِلَاد اللَّه حَيَّات، وَلَوْلَا الْعِرْبَدّ الَّذِي يَأْكُلهَا وَيُفْنِي كَثِيرًا مِنْهَا لَأُخْلِيَتْ سِجِسْتَان مِنْ أَجْل الْحَيَّات، ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَن الْمَسْعُودِيّ.
قَوْله تَعَالَى " بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ " " بَعْضكُمْ " مُبْتَدَأ، " عَدُوّ " خَبَره وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال، وَالتَّقْدِير وَهَذِهِ حَالكُمْ.
وَحُذِفَتْ الْوَاو مِنْ وَ " بَعْضكُمْ " لِأَنَّ فِي الْكَلَام عَائِدًا، كَمَا يُقَال : رَأَيْتُك السَّمَاء تُمْطِر عَلَيْك.
وَالْعَدُوّ : خِلَاف الصِّدِّيق، وَهُوَ مِنْ عَدَا إِذَا ظَلَمَ.
وَذِئْب عَدَوَانِ : يَعْدُو عَلَى النَّاس.
وَالْعُدْوَان : الظُّلْم الصُّرَاح.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْمُجَاوَزَة، مِنْ قَوْلك : لَا يَعْدُوك هَذَا الْأَمْر، أَيْ لَا يَتَجَاوَزك.
وَعَدَاهُ إِذَا جَاوَزَهُ، فَسُمِّيَ عَدُوًّا لِمُجَاوَزَةِ الْحَدّ فِي مَكْرُوه صَاحِبه، وَمِنْهُ الْعَدْو بِالْقَدَمِ لِمُجَاوَزَةِ الشَّيْء، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، فَإِنَّ مَنْ ظَلَمَ فَقَدْ تَجَاوَزَ.
قُلْت : وَقَدْ حَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء قَوْله تَعَالَى :" بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ " [ الْبَقَرَة : ٣٦ ] عَلَى الْإِنْسَان نَفْسه، وَفِيهِ بُعْد وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مَعْنًى.
يَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ الْعَبْد إِذَا أَصْبَحَ تَقُول جَوَارِحه لِلِسَانِهِ اِتَّقِ اللَّه فِينَا فَإِنَّك إِذَا اِسْتَقَمْت اِسْتَقَمْنَا وَإِنْ اِعْوَجَجْتَ اِعْوَجَجْنَا ).
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف قَالَ " عَدُوّ " وَلَمْ يَقُلْ أَعْدَاء، فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدهمَا : أَنَّ بَعْضًا وَكُلًّا يُخْبَر عَنْهُمَا بِالْوَاحِدِ عَلَى اللَّفْظ وَعَلَى الْمَعْنَى، وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَكُلّهمْ آتِيه يَوْم الْقِيَامَة فَرْدًا " [ مَرْيَم : ٩٥ ] عَلَى اللَّفْظ، وَقَالَ تَعَالَى :" وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ " [ النَّمْل : ٨٧ ] عَلَى الْمَعْنَى.
وَالْجَوَاب الْآخَر : أَنَّ عَدُوًّا يُفْرَد فِي مَوْضِع الْجَمْع، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " [ الْكَهْف : ٥٠ ] بِمَعْنَى أَعْدَاء، وَقَالَ تَعَالَى :" يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوّ " [ الْمُنَافِقُونَ : ٤ ].
وَقَالَ اِبْن فَارِس : الْعَدُوّ اِسْم جَامِع لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالتَّأْنِيث، وَقَدْ يُجْمَع.
لَمْ يَكُنْ إِخْرَاج اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ الْجَنَّة وَإِهْبَاطه مِنْهَا عُقُوبَة لَهُ ; لِأَنَّهُ أَهْبَطَهُ بَعْد أَنْ تَابَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ تَوْبَته وَإِنَّمَا أَهْبَطَهُ إِمَّا تَأْدِيبًا وَإِمَّا تَغْلِيظًا لِلْمِحْنَةِ، وَالصَّحِيح فِي إِهْبَاطه وَسُكْنَاهُ فِي الْأَرْض مَا قَدْ ظَهَرَ مِنْ الْحِكْمَة الْأَزَلِيَّة فِي ذَلِكَ وَهِيَ نَشْر نَسْله فِيهَا لِيُكَلِّفهُمْ وَيَمْتَحِنهُمْ وَيُرَتِّب عَلَى ذَلِكَ ثَوَابهمْ وَعِقَابهمْ الْأُخْرَوِيّ إِذْ الْجَنَّة وَالنَّار لَيْسَتَا بِدَارِ تَكْلِيف فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَكْلَة سَبَب إِهْبَاطه مِنْ الْجَنَّة وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَل مَا يَشَاء وَقَدْ قَالَ " إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " وَهَذِهِ مَنْقَبَة عَظِيمَة وَفَضِيلَة كَرِيمَة شَرِيفَة وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْض، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّمَا أَهْبَطَهُ بَعْد أَنْ تَابَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ثَانِيَة " قُلْنَا اِهْبِطُوا " وَسَيَأْتِي
وَالْجَوَاب الْآخَر : أَنَّ عَدُوًّا يُفْرَد فِي مَوْضِع الْجَمْع، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " [ الْكَهْف : ٥٠ ] بِمَعْنَى أَعْدَاء، وَقَالَ تَعَالَى :" يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوّ " [ الْمُنَافِقُونَ : ٤ ].
وَقَالَ اِبْن فَارِس : الْعَدُوّ اِسْم جَامِع لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالتَّأْنِيث، وَقَدْ يُجْمَع.
لَمْ يَكُنْ إِخْرَاج اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ الْجَنَّة وَإِهْبَاطه مِنْهَا عُقُوبَة لَهُ ; لِأَنَّهُ أَهْبَطَهُ بَعْد أَنْ تَابَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ تَوْبَته وَإِنَّمَا أَهْبَطَهُ إِمَّا تَأْدِيبًا وَإِمَّا تَغْلِيظًا لِلْمِحْنَةِ، وَالصَّحِيح فِي إِهْبَاطه وَسُكْنَاهُ فِي الْأَرْض مَا قَدْ ظَهَرَ مِنْ الْحِكْمَة الْأَزَلِيَّة فِي ذَلِكَ وَهِيَ نَشْر نَسْله فِيهَا لِيُكَلِّفهُمْ وَيَمْتَحِنهُمْ وَيُرَتِّب عَلَى ذَلِكَ ثَوَابهمْ وَعِقَابهمْ الْأُخْرَوِيّ إِذْ الْجَنَّة وَالنَّار لَيْسَتَا بِدَارِ تَكْلِيف فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَكْلَة سَبَب إِهْبَاطه مِنْ الْجَنَّة وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَل مَا يَشَاء وَقَدْ قَالَ " إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " وَهَذِهِ مَنْقَبَة عَظِيمَة وَفَضِيلَة كَرِيمَة شَرِيفَة وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْض، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّمَا أَهْبَطَهُ بَعْد أَنْ تَابَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ثَانِيَة " قُلْنَا اِهْبِطُوا " وَسَيَأْتِي
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
اِبْتِدَاء وَخَبَر، أَيْ مَوْضِع اِسْتِقْرَار.
قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن زَيْد.
وَقَالَ السُّدِّيّ :" مُسْتَقَرّ " يَعْنِي الْقُبُور.
قُلْت : وَقَوْل اللَّه تَعَالَى :" جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا " [ غَافِر : ٦٤ ] يَحْتَمِل الْمَعْنَيَيْنِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
اِبْتِدَاء وَخَبَر، أَيْ مَوْضِع اِسْتِقْرَار.
قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَابْن زَيْد.
وَقَالَ السُّدِّيّ :" مُسْتَقَرّ " يَعْنِي الْقُبُور.
قُلْت : وَقَوْل اللَّه تَعَالَى :" جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض قَرَارًا " [ غَافِر : ٦٤ ] يَحْتَمِل الْمَعْنَيَيْنِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَتَاعٌ
الْمَتَاع مَا يُسْتَمْتَع بِهِ مِنْ أَكْل وَلُبْس وَحَيَاة وَحَدِيث وَأُنْس وَغَيْر ذَلِكَ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مُتْعَة النِّكَاح لِأَنَّهَا يُتَمَتَّع بِهَا وَأَنْشَدَ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك حِين وَقَفَ عَلَى قَبْر اِبْنه أَيُّوب إِثْر دَفْنه :
الْمَتَاع مَا يُسْتَمْتَع بِهِ مِنْ أَكْل وَلُبْس وَحَيَاة وَحَدِيث وَأُنْس وَغَيْر ذَلِكَ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مُتْعَة النِّكَاح لِأَنَّهَا يُتَمَتَّع بِهَا وَأَنْشَدَ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك حِين وَقَفَ عَلَى قَبْر اِبْنه أَيُّوب إِثْر دَفْنه :
| وَقَفْت عَلَى قَبْر غَرِيب بِقَفْرَةٍ | مَتَاع قَلِيل مِنْ حَبِيب مُفَارِق |
| كَابِي الرَّمَاد عَظِيم الْقِدْر جَفْنَته | حِين الشِّتَاء كَحَوْضِ الْمَنْهَل اللَّقِف |
وَرُبَّمَا أَدْخَلُوا عَلَيْهِ التَّاء قَالَ أَبُو وَجْزَة :
| الْعَاطِفُونَ تَحِين مَا مِنْ عَاطِف | وَالْمُطْعِمُونَ زَمَان أَيْنَ الْمُطْعِم |
| وَإِنَّ سُلُوِّي عَنْ جَمِيل لَسَاعَة مِنْ | الدَّهْر مَا حَانَتْ وَلَا حَانَ حِينهَا |
| رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْت مِنْهُ وَوَالِدِي | بَرِيئًا وَمِنْ فَوْق الطَّوِيّ رَمَانِي |
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل، وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُوله تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يَرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة لَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى تَائِب اِسْم فَاعِل مِنْ تَابَ يَتُوب لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُطْلِق عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات إِلَّا مَا أَطْلَقَهُ هُوَ عَلَى نَفْسه أَوْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَوْ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَة مُحْتَمَلًا جَائِزًا هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار " [ التَّوْبَة : ١١٧ ] وَقَالَ " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠٤ ] وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَّاب لِمُبَالَغَةِ الْفِعْل وَكَثْرَة قَبُوله تَوْبَة عِبَاده لِكَثْرَةِ مَنْ يَتُوب إِلَيْهِ.
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل، وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُوله تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يَرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة لَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى تَائِب اِسْم فَاعِل مِنْ تَابَ يَتُوب لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نُطْلِق عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات إِلَّا مَا أَطْلَقَهُ هُوَ عَلَى نَفْسه أَوْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَوْ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَة مُحْتَمَلًا جَائِزًا هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي ( الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ) قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار " [ التَّوْبَة : ١١٧ ] وَقَالَ " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠٤ ] وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَّاب لِمُبَالَغَةِ الْفِعْل وَكَثْرَة قَبُوله تَوْبَة عِبَاده لِكَثْرَةِ مَنْ يَتُوب إِلَيْهِ.
اِعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ قُدْرَة عَلَى خَلْق التَّوْبَة لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ الْأَعْمَال خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَل تَوْبَة مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه وَلَا أَنْ يَعْفُو عَنْهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَقَدْ كَفَرَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِهَذَا الْأَصْل الْعَظِيم فِي الدِّين " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣١ ] جَلَّ وَعَزَّ وَجَعَلُوا لِمَنْ أَذْنَبَ أَنْ يَأْتِي الْحَبْر أَوْ الرَّاهِب فَيُعْطِيه شَيْئًا وَيَحُطّ عَنْهُ ذُنُوبه " اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " [ الْأَنْعَام : ١٤٠ ] قَرَأَ اِبْن كَثِير " فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ " وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِ " آدَم " وَنَصْب " كَلِمَات " وَالْقِرَاءَتَانِ تَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى لِأَنَّ آدَم إِذَا تَلَقَّى الْكَلِمَات فَقَدْ تَلَقَّتْهُ وَقِيلَ لَمَّا كَانَتْ الْكَلِمَات هِيَ الْمُنْقِذَة لِآدَم بِتَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى لَهُ لِقَبُولِهِ إِيَّاهَا وَدُعَائِهِ بِهَا كَانَتْ الْكَلِمَات فَاعِلَة وَكَأَنَّ الْأَصْل عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة " فَتَلَقَّتْ آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات " وَلَكِنْ لَمَّا بَعُدَ مَا بَيْن الْمُؤَنَّث وَفِعْله حَسُنَ حَذْف عَلَامَة التَّأْنِيث وَهَذَا أَصْل يَجْرِي فِي كُلّ الْقُرْآن، وَالْكَلَام إِذَا جَاءَ فِعْل الْمُؤَنَّث بِغَيْرِ عَلَامَة وَمِنْهُ قَوْلهمْ حَضَرَ الْقَاضِي الْيَوْم اِمْرَأَة، وَقِيلَ إِنَّ الْكَلِمَات لَمَّا لَمْ يَكُنْ تَأْنِيثه حَقِيقِيًّا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْكَلِم فَذُكِّرَ وَقَرَأَ الْأَعْمَش " آدَم مِنْ رَبّه " مُدْغِمًا وَقَرَأَ أَبُو نَوْفَل بْن أَبِي عَقْرَب " أَنَّهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَلَى مَعْنَى لِأَنَّهُ وَكَسَرَ الْبَاقُونَ عَلَى الِاسْتِئْنَاف وَأَدْغَمَ الْهَاء فِي الْهَاء أَبُو عَمْرو وَعِيسَى وَطَلْحَة فِيمَا حَكَى أَبُو حَاتِم عَنْهُمْ وَقِيلَ لَا يَجُوز لِأَنَّ بَيْنهمَا وَاوًا فِي اللَّفْظ لَا فِي الْخَطّ قَالَ النَّحَّاس أَجَازَ سِيبَوَيْهِ أَنْ تُحْذَف هَذِهِ الْوَاو وَأَنْشَدَ
فَعَلَى هَذَا يَجُوز الْإِدْغَام وَهُوَ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ " التَّوَّاب " خَبَره وَالْجُمْلَة خَبَر " إِنَّ " وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هُوَ " تَوْكِيدًا لِلْهَاءِ وَيَجُوز أَنْ تَكُون فَاصِلَة، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر لَمَّا أُهْبِطَ آدَم إِلَى الْأَرْض لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْء غَيْر النَّسْر فِي الْبَرّ وَالْحُوت فِي الْبَحْر فَكَانَ النَّسْر يَأْوِي إِلَى الْحُوت فَيَبِيت عِنْده فَلَمَّا رَأَى النَّسْر آدَم قَالَ : يَا حُوت لَقَدْ أُهْبِطَ الْيَوْم إِلَى الْأَرْض شَيْء يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَبْطِش بِيَدَيْهِ فَقَالَ الْحُوت لَئِنْ كُنْت صَادِقًا مَا لِي مِنْهُ فِي الْبَحْر مَنْجَى وَلَا لَك فِي الْبَرّ مِنْهُ مَخْلَص
| لَهُ زَجَل كَأَنَّهُ صَوْت حَاد | إِذَا طَلَبَ الْوَسِيقَة أَوْ زَمِير |
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر لَمَّا أُهْبِطَ آدَم إِلَى الْأَرْض لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْء غَيْر النَّسْر فِي الْبَرّ وَالْحُوت فِي الْبَحْر فَكَانَ النَّسْر يَأْوِي إِلَى الْحُوت فَيَبِيت عِنْده فَلَمَّا رَأَى النَّسْر آدَم قَالَ : يَا حُوت لَقَدْ أُهْبِطَ الْيَوْم إِلَى الْأَرْض شَيْء يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَبْطِش بِيَدَيْهِ فَقَالَ الْحُوت لَئِنْ كُنْت صَادِقًا مَا لِي مِنْهُ فِي الْبَحْر مَنْجَى وَلَا لَك فِي الْبَرّ مِنْهُ مَخْلَص
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا
كَرَّرَ الْأَمْر عَلَى جِهَة التَّغْلِيظ وَتَأْكِيده، كَمَا تَقُول لِرَجُلٍ : قُمْ قُمْ.
وَقِيلَ : كَرَّرَ الْأَمْر لَمَّا عَلَّقَ بِكُلِّ أَمْر مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْر حُكْم الْآخَر فَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ الْعَدَاوَة وَبِالثَّانِي إِتْيَان الْهُدَى.
وَقِيلَ : الْهُبُوط الْأَوَّل مِنْ الْجَنَّة إِلَى السَّمَاء وَالثَّانِي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض وَعَلَى هَذَا يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْإِسْرَاء عَلَى مَا يَأْتِي
كَرَّرَ الْأَمْر عَلَى جِهَة التَّغْلِيظ وَتَأْكِيده، كَمَا تَقُول لِرَجُلٍ : قُمْ قُمْ.
وَقِيلَ : كَرَّرَ الْأَمْر لَمَّا عَلَّقَ بِكُلِّ أَمْر مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْر حُكْم الْآخَر فَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ الْعَدَاوَة وَبِالثَّانِي إِتْيَان الْهُدَى.
وَقِيلَ : الْهُبُوط الْأَوَّل مِنْ الْجَنَّة إِلَى السَّمَاء وَالثَّانِي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض وَعَلَى هَذَا يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْإِسْرَاء عَلَى مَا يَأْتِي
جَمِيعًا
نُصِبَ عَلَى الْحَال وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه لَمَّا هَبَطَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَرْض قَالَ إِبْلِيس لِلسِّبَاعِ إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَكُمْ فَأَهْلِكُوهُ فَاجْتَمَعُوا وَوَلَّوْا أَمْرهمْ إِلَى الْكَلْب وَقَالُوا أَنْتَ أَشْجَعنَا وَجَعَلُوهُ رَئِيسًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام تَحَيَّرَ فِي ذَلِكَ فَجَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ لَهُ اِمْسَحْ يَدك عَلَى رَأْس الْكَلْب فَفَعَلَ فَلَمَّا رَأَتْ السِّبَاع أَنَّ الْكَلْب أَلِفَ آدَم تَفَرَّقُوا وَاسْتَأْمَنَهُ الْكَلْب فَأَمَّنَهُ آدَم فَبَقِيَ مَعَهُ وَمَعَ أَوْلَاده وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم نَحْو هَذَا وَأَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْض جَاءَ إِبْلِيس إِلَى السِّبَاع فَأَشْلَاهُمْ عَلَى آدَم لِيُؤْذُوهُ وَكَانَ أَشَدّهمْ عَلَيْهِ الْكَلْب فَأُمِيتَ فُؤَاده فَرُوِيَ فِي الْخَبَر أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَهُ أَنْ يَضَع يَده عَلَى رَأْسه فَوَضَعَهَا فَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَأَلِفَهُ فَصَارَ مِمَّنْ يَحْرُسهُ وَيَحْرُس وَلَده وَيَأْلَفهُمْ وَبِمَوْتِ فُؤَاده يَفْزَع مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَلَوْ رُمِيَ بِمَدَرٍ وَلَّى هَارِبًا ثُمَّ يَعُود آلِفًا لَهُمْ فَفِيهِ شُعْبَة مِنْ إِبْلِيس وَفِيهِ شُعْبَة مِنْ مَسْحَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ بِشُعْبَةِ إِبْلِيس يَنْبَح وَيَهِرّ وَيَعْدُو عَلَى الْآدَمِيّ وَبِمَسْحَةِ آدَم مَاتَ فُؤَاده حَتَّى ذَلَّ وَانْقَادَ وَأَلِفَ بِهِ وَبِوَلَدِهِ يَحْرُسهُمْ وَلَهَثه عَلَى كُلّ أَحْوَاله مِنْ مَوْت فُؤَاده وَلِذَلِكَ شَبَّهَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْعُلَمَاء السُّوء بِالْكَلْبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعَصَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه آيَة لِمُوسَى فَكَانَ يَطْرُد بِهَا السِّبَاع عَنْ نَفْسه
نُصِبَ عَلَى الْحَال وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه لَمَّا هَبَطَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْأَرْض قَالَ إِبْلِيس لِلسِّبَاعِ إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَكُمْ فَأَهْلِكُوهُ فَاجْتَمَعُوا وَوَلَّوْا أَمْرهمْ إِلَى الْكَلْب وَقَالُوا أَنْتَ أَشْجَعنَا وَجَعَلُوهُ رَئِيسًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام تَحَيَّرَ فِي ذَلِكَ فَجَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ لَهُ اِمْسَحْ يَدك عَلَى رَأْس الْكَلْب فَفَعَلَ فَلَمَّا رَأَتْ السِّبَاع أَنَّ الْكَلْب أَلِفَ آدَم تَفَرَّقُوا وَاسْتَأْمَنَهُ الْكَلْب فَأَمَّنَهُ آدَم فَبَقِيَ مَعَهُ وَمَعَ أَوْلَاده وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم نَحْو هَذَا وَأَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْض جَاءَ إِبْلِيس إِلَى السِّبَاع فَأَشْلَاهُمْ عَلَى آدَم لِيُؤْذُوهُ وَكَانَ أَشَدّهمْ عَلَيْهِ الْكَلْب فَأُمِيتَ فُؤَاده فَرُوِيَ فِي الْخَبَر أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَهُ أَنْ يَضَع يَده عَلَى رَأْسه فَوَضَعَهَا فَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَأَلِفَهُ فَصَارَ مِمَّنْ يَحْرُسهُ وَيَحْرُس وَلَده وَيَأْلَفهُمْ وَبِمَوْتِ فُؤَاده يَفْزَع مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَلَوْ رُمِيَ بِمَدَرٍ وَلَّى هَارِبًا ثُمَّ يَعُود آلِفًا لَهُمْ فَفِيهِ شُعْبَة مِنْ إِبْلِيس وَفِيهِ شُعْبَة مِنْ مَسْحَة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ بِشُعْبَةِ إِبْلِيس يَنْبَح وَيَهِرّ وَيَعْدُو عَلَى الْآدَمِيّ وَبِمَسْحَةِ آدَم مَاتَ فُؤَاده حَتَّى ذَلَّ وَانْقَادَ وَأَلِفَ بِهِ وَبِوَلَدِهِ يَحْرُسهُمْ وَلَهَثه عَلَى كُلّ أَحْوَاله مِنْ مَوْت فُؤَاده وَلِذَلِكَ شَبَّهَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْعُلَمَاء السُّوء بِالْكَلْبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعَصَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه آيَة لِمُوسَى فَكَانَ يَطْرُد بِهَا السِّبَاع عَنْ نَفْسه
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله " هُدًى " فَقِيلَ : كِتَاب اللَّه قَالَهُ السُّدِّيّ وَقِيلَ التَّوْفِيق لِلْهِدَايَةِ وَقَالَتْ فِرْقَة الْهُدَى الرُّسُل وَهِيَ إِلَى آدَم مِنْ الْمَلَائِكَة وَإِلَى بَنِيهِ مِنْ الْبَشَر كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَخَرَّجَهُ الْآجُرِيّ وَفِي قَوْله " مِنِّي " إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد خَلْق لِلَّهِ تَعَالَى خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرهمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " هُدَيّ " وَهُوَ لُغَة هُذَيْل يَقُولُونَ هُدَيّ وَعَصَيّ وَمَحْيَيّ وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِأَبِي ذُؤَيْب يَرْثِي بَنِيهِ
قَالَ النَّحَّاس : وَعِلَّة هَذِهِ اللُّغَة عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ سَبِيل يَاء الْإِضَافَة أَنْ يُكْسَر مَا قَبْلهَا فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَحَرَّك الْأَلِف أُبْدِلَتْ يَاء وَأُدْغِمَتْ وَ " مَا " فِي قَوْله " إِمَّا " زَائِدَة عَلَى " إِنَّ " الَّتِي لِلشَّرْطِ وَجَوَاب الشَّرْط الْفَاء مَعَ الشَّرْط الثَّانِي فِي قَوْله " فَمَنْ تَبِعَ " وَ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ " تَبِعَ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ " فَلَا خَوْف " جَوَابه قَالَ سِيبَوَيْهِ الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه هُمَا جَوَاب الْأَوَّل وَقَالَ الْكِسَائِيّ " فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ " جَوَاب الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله " هُدًى " فَقِيلَ : كِتَاب اللَّه قَالَهُ السُّدِّيّ وَقِيلَ التَّوْفِيق لِلْهِدَايَةِ وَقَالَتْ فِرْقَة الْهُدَى الرُّسُل وَهِيَ إِلَى آدَم مِنْ الْمَلَائِكَة وَإِلَى بَنِيهِ مِنْ الْبَشَر كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَخَرَّجَهُ الْآجُرِيّ وَفِي قَوْله " مِنِّي " إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد خَلْق لِلَّهِ تَعَالَى خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرهمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " هُدَيّ " وَهُوَ لُغَة هُذَيْل يَقُولُونَ هُدَيّ وَعَصَيّ وَمَحْيَيّ وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِأَبِي ذُؤَيْب يَرْثِي بَنِيهِ
| سَبَقُوا هَوَيّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمْ | فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْب مَصْرَع |
فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الْخَوْف هُوَ الذُّعْر وَلَا يَكُون إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَل وَخَاوَفَنِي فُلَان فَخُفْته أَيْ كُنْت أَشَدّ خَوْفًا مِنْهُ وَالتَّخَوُّف التَّنَقُّص وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف " [ النَّحْل : ٤٧ ] وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْحَسَن وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَعْقُوب " فَلَا خَوْف " بِفَتْحِ الْفَاء عَلَى التَّبْرِئَة وَالِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيِّينَ الرَّفْع وَالتَّنْوِين عَلَى الِابْتِدَاء لِأَنَّ الثَّانِي مَعْرِفَة لَا يَكُون فِيهِ إِلَّا الرَّفْع لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَل فِي مَعْرِفَة فَاخْتَارُوا فِي الْأَوَّل الرَّفْع أَيْضًا لِيَكُونَ الْكَلَام مِنْ وَجْه وَاحِد، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " لَا " فِي قَوْلك فَلَا خَوْف بِمَعْنَى لَيْسَ وَالْحُزْن وَالْحَزَن ضِدّ السُّرُور وَلَا يَكُون إِلَّا عَلَى مَاضٍ وَحَزِنَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ حَزِن وَحَزِين وَأَحْزَنَهُ غَيْره وَحَزَّنَهُ أَيْضًا مِثْل أَسْلَكَهُ وَسَلَّكَهُ وَمَحْزُون بُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْيَزِيدِيّ حَزَّنَهُ لُغَة قُرَيْش وَأَحْزَنَهُ لُغَة تَمِيم وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَاِحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْآخِرَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيل عَلَى نَفْي أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَخَوْفهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله مِنْ شَدَائِد الْقِيَامَة إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفهُ عَنْ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَته فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَوْف هُوَ الذُّعْر وَلَا يَكُون إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَل وَخَاوَفَنِي فُلَان فَخُفْته أَيْ كُنْت أَشَدّ خَوْفًا مِنْهُ وَالتَّخَوُّف التَّنَقُّص وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف " [ النَّحْل : ٤٧ ] وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْحَسَن وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَعْقُوب " فَلَا خَوْف " بِفَتْحِ الْفَاء عَلَى التَّبْرِئَة وَالِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيِّينَ الرَّفْع وَالتَّنْوِين عَلَى الِابْتِدَاء لِأَنَّ الثَّانِي مَعْرِفَة لَا يَكُون فِيهِ إِلَّا الرَّفْع لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَل فِي مَعْرِفَة فَاخْتَارُوا فِي الْأَوَّل الرَّفْع أَيْضًا لِيَكُونَ الْكَلَام مِنْ وَجْه وَاحِد، وَيَجُوز أَنْ تَكُون " لَا " فِي قَوْلك فَلَا خَوْف بِمَعْنَى لَيْسَ وَالْحُزْن وَالْحَزَن ضِدّ السُّرُور وَلَا يَكُون إِلَّا عَلَى مَاضٍ وَحَزِنَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ حَزِن وَحَزِين وَأَحْزَنَهُ غَيْره وَحَزَّنَهُ أَيْضًا مِثْل أَسْلَكَهُ وَسَلَّكَهُ وَمَحْزُون بُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْيَزِيدِيّ حَزَّنَهُ لُغَة قُرَيْش وَأَحْزَنَهُ لُغَة تَمِيم وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَاِحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْآخِرَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيل عَلَى نَفْي أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَخَوْفهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله مِنْ شَدَائِد الْقِيَامَة إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفهُ عَنْ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَته فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
" وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْ أَشْرَكُوا، لِقَوْلِهِ :" وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " الصُّحْبَة : الِاقْتِرَان بِالشَّيْءِ فِي حَالَة مَا فِي زَمَان مَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَة وَالْخُلْطَة فَهِيَ كَمَال الصُّحْبَة وَهَكَذَا هِيَ صُحْبَة أَهْل النَّار لَهَا، وَبِهَذَا الْقَوْل يَنْفَكّ الْخِلَاف فِي تَسْمِيَة الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ إِذْ مَرَاتِبهمْ مُتَبَايِنَة عَلَى مَا نُبَيِّنهُ فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه وَبَاقِي أَلْفَاظ الْآيَة تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا وَالْحَمْد لِلَّهِ.
" وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْ أَشْرَكُوا، لِقَوْلِهِ :" وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " الصُّحْبَة : الِاقْتِرَان بِالشَّيْءِ فِي حَالَة مَا فِي زَمَان مَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَة وَالْخُلْطَة فَهِيَ كَمَال الصُّحْبَة وَهَكَذَا هِيَ صُحْبَة أَهْل النَّار لَهَا، وَبِهَذَا الْقَوْل يَنْفَكّ الْخِلَاف فِي تَسْمِيَة الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ إِذْ مَرَاتِبهمْ مُتَبَايِنَة عَلَى مَا نُبَيِّنهُ فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه وَبَاقِي أَلْفَاظ الْآيَة تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا وَالْحَمْد لِلَّهِ.
يَا بَنِي
نِدَاء مُضَاف عَلَامَة النَّصْب فِيهِ الْيَاء وَحُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِلْإِضَافَةِ.
الْوَاحِد اِبْن وَالْأَصْل فِيهِ بَنِي وَقِيلَ بَنُو فَمَنْ قَالَ الْمَحْذُوف مِنْهُ وَاو اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ الْبُنُوَّة وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا الْفُتُوَّة وَأَصْله الْيَاء وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَحْذُوف مِنْهُ عِنْدِي يَاء كَأَنَّهُ مِنْ بَنَيْت، الْأَخْفَش اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو لِأَنَّ حَذْفهَا أَكْثَر لِثِقَلِهَا وَيُقَال اِبْن بَيِّن الْبُنُوَّة وَالتَّصْغِير بُنَيّ قَالَ الْفَرَّاء يُقَال يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْل يَا أَبَتِ وَيَا أَبَتَ وَقُرِئَ بِهِمَا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْبِنَاء وَهُوَ وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء وَالِابْن فَرْع لِلْأَبِ وَهُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ السَّلَام قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ، وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء مَنْ لَهُ اِسْمَانِ غَيْره إِلَّا نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة ذَكَرَهُ فِي كِتَاب " فُهُوم الْآثَار " لَهُ قُلْت : وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسِيح إِنَّهُ اِسْم عَلَم لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام غَيْر مُشْتَقّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه رُوحًا وَكَلِمَة، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ أَبِيل الْأَبِيلِينَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " دَلَائِل النُّبُوَّة " عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد خَمْسَة مِنْ الْأَنْبِيَاء ذَوُو اِسْمَيْنِ مُحَمَّد وَأَحْمَد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَالْمَسِيح وَإِسْرَائِيل وَيَعْقُوب وَيُونُس وَذُو النُّون وَإِلْيَاس وَذُو الْكِفْل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ قُلْت : ذَكَرْنَا أَنَّ لِعِيسَى أَرْبَعَة أَسْمَاء وَأَمَّا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا وَإِسْرَائِيل اِسْم أَعْجَمِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف، وَهُوَ فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ وَفِيهِ سَبْع لُغَات إِسْرَائِيل وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ مَهْمُوزَة مُخْتَلَسَة حَكَاهَا شَنَّبُوذ عَنْ وَرْش وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ بَعْد الْيَاء مِنْ غَيْر هَمْز وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش وَعِيسَى بْن عُمَر وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ بِغَيْرِ هَمْز وَلَا مَدّ وَإِسْرَائِيل بِغَيْرِ يَاء بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَة وَإِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة وَتَمِيم يَقُولُونَ إِسْرَائِين بِالنُّونِ وَمَعْنَى إِسْرَائِيل عَبْد اللَّه قَالَ اِبْن عَبَّاس إِسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ هُوَ عَبْد وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا هُوَ صَفْوَة اللَّه وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا مِنْ الشَّدّ فَكَأَنَّ إِسْرَائِيل الَّذِي شَدَّهُ اللَّه وَأَتْقَنَ خَلْقه ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ السُّهَيْلِيّ سُمِّيَ إِسْرَائِيل لِأَنَّهُ أَسْرَى ذَات لَيْلَة حِين هَاجَرَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَسُمِّيَ إِسْرَائِيل أَيْ أَسْرَى إِلَى اللَّه وَنَحْو هَذَا فَيَكُون بَعْض الِاسْم عِبْرَانِيَّا وَبَعْضه مُوَافِقًا لِلْعَرَبِ وَاَللَّه أَعْلَم
نِدَاء مُضَاف عَلَامَة النَّصْب فِيهِ الْيَاء وَحُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِلْإِضَافَةِ.
الْوَاحِد اِبْن وَالْأَصْل فِيهِ بَنِي وَقِيلَ بَنُو فَمَنْ قَالَ الْمَحْذُوف مِنْهُ وَاو اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ الْبُنُوَّة وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا الْفُتُوَّة وَأَصْله الْيَاء وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَحْذُوف مِنْهُ عِنْدِي يَاء كَأَنَّهُ مِنْ بَنَيْت، الْأَخْفَش اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو لِأَنَّ حَذْفهَا أَكْثَر لِثِقَلِهَا وَيُقَال اِبْن بَيِّن الْبُنُوَّة وَالتَّصْغِير بُنَيّ قَالَ الْفَرَّاء يُقَال يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْل يَا أَبَتِ وَيَا أَبَتَ وَقُرِئَ بِهِمَا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْبِنَاء وَهُوَ وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء وَالِابْن فَرْع لِلْأَبِ وَهُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ السَّلَام قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ، وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء مَنْ لَهُ اِسْمَانِ غَيْره إِلَّا نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة ذَكَرَهُ فِي كِتَاب " فُهُوم الْآثَار " لَهُ قُلْت : وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسِيح إِنَّهُ اِسْم عَلَم لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام غَيْر مُشْتَقّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه رُوحًا وَكَلِمَة، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ أَبِيل الْأَبِيلِينَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " دَلَائِل النُّبُوَّة " عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد خَمْسَة مِنْ الْأَنْبِيَاء ذَوُو اِسْمَيْنِ مُحَمَّد وَأَحْمَد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَالْمَسِيح وَإِسْرَائِيل وَيَعْقُوب وَيُونُس وَذُو النُّون وَإِلْيَاس وَذُو الْكِفْل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ قُلْت : ذَكَرْنَا أَنَّ لِعِيسَى أَرْبَعَة أَسْمَاء وَأَمَّا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا وَإِسْرَائِيل اِسْم أَعْجَمِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف، وَهُوَ فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ وَفِيهِ سَبْع لُغَات إِسْرَائِيل وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ مَهْمُوزَة مُخْتَلَسَة حَكَاهَا شَنَّبُوذ عَنْ وَرْش وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ بَعْد الْيَاء مِنْ غَيْر هَمْز وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش وَعِيسَى بْن عُمَر وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ بِغَيْرِ هَمْز وَلَا مَدّ وَإِسْرَائِيل بِغَيْرِ يَاء بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَة وَإِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة وَتَمِيم يَقُولُونَ إِسْرَائِين بِالنُّونِ وَمَعْنَى إِسْرَائِيل عَبْد اللَّه قَالَ اِبْن عَبَّاس إِسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ هُوَ عَبْد وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا هُوَ صَفْوَة اللَّه وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا مِنْ الشَّدّ فَكَأَنَّ إِسْرَائِيل الَّذِي شَدَّهُ اللَّه وَأَتْقَنَ خَلْقه ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ السُّهَيْلِيّ سُمِّيَ إِسْرَائِيل لِأَنَّهُ أَسْرَى ذَات لَيْلَة حِين هَاجَرَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَسُمِّيَ إِسْرَائِيل أَيْ أَسْرَى إِلَى اللَّه وَنَحْو هَذَا فَيَكُون بَعْض الِاسْم عِبْرَانِيَّا وَبَعْضه مُوَافِقًا لِلْعَرَبِ وَاَللَّه أَعْلَم
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
الذِّكْر اِسْم مُشْتَرَك، فَالذِّكْر بِالْقَلْبِ ضِدّ النِّسْيَان وَالذِّكْر بِاللِّسَانِ ضِدّ الْإِنْصَات وَذَكَرْت الشَّيْء بِلِسَانِي وَقَلْبِي ذِكْرًا وَاجْعَلْهُ مِنْك عَلَى ذُكْر ( بِضَمِّ الذَّال ) أَيْ لَا تَنْسَهُ قَالَ الْكِسَائِيّ مَا كَانَ بِالضَّمِيرِ فَهُوَ مَضْمُوم الذَّال وَمَا كَانَ بِاللِّسَانِ فَهُوَ مَكْسُور الذَّال وَقَالَ غَيْره هُمَا لُغَتَانِ يُقَال ذِكْر وَذُكْر، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد وَالذَّكَر ( بِفَتْحِ الذَّال ) خِلَاف الْأُنْثَى وَالذِّكْر أَيْضًا الشَّرَف وَمِنْهُ قَوْله " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف ٤٤ ] قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة اُذْكُرُوا شُكْر نِعْمَتِي فَحَذَفَ الشُّكْر اِكْتِفَاء بِذِكْرِ النِّعْمَة وَقِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ الذِّكْر بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمَطْلُوب أَيْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَلَا تَنَاسَوْهَا وَهُوَ حَسَن وَالنِّعْمَة هُنَا اِسْم جِنْس فَهِيَ مُفْرَدَة بِمَعْنَى الْجَمْع قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا " [ إِبْرَاهِيم : ٣٤ ] أَيْ نِعَمه وَمِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاء وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب وَالْمَنّ وَالسَّلْوَى وَفَجَّرَ لَهُمْ فِي الْحَجَر الْمَاء إِلَى مَا اِسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَرِسَالَته وَالنِّعَم عَلَى الْآبَاء نِعَم عَلَى الْأَبْنَاء لِأَنَّهُمْ يَشْرُفُونَ بِشَرَفِ آبَائِهِمْ تَنْبِيه : قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي رَبَطَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيل بِذِكْرِ النِّعْمَة وَأَسْقَطَهُ عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى ذِكْره فَقَالَ " اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ " [ الْبَقَرَة ١٥٢ ] لِيَكُونَ نَظَر الْأُمَم مِنْ النِّعْمَة إِلَى الْمُنْعِم وَنَظَر أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْعِم إِلَى النِّعْمَة.
الذِّكْر اِسْم مُشْتَرَك، فَالذِّكْر بِالْقَلْبِ ضِدّ النِّسْيَان وَالذِّكْر بِاللِّسَانِ ضِدّ الْإِنْصَات وَذَكَرْت الشَّيْء بِلِسَانِي وَقَلْبِي ذِكْرًا وَاجْعَلْهُ مِنْك عَلَى ذُكْر ( بِضَمِّ الذَّال ) أَيْ لَا تَنْسَهُ قَالَ الْكِسَائِيّ مَا كَانَ بِالضَّمِيرِ فَهُوَ مَضْمُوم الذَّال وَمَا كَانَ بِاللِّسَانِ فَهُوَ مَكْسُور الذَّال وَقَالَ غَيْره هُمَا لُغَتَانِ يُقَال ذِكْر وَذُكْر، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد وَالذَّكَر ( بِفَتْحِ الذَّال ) خِلَاف الْأُنْثَى وَالذِّكْر أَيْضًا الشَّرَف وَمِنْهُ قَوْله " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف ٤٤ ] قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة اُذْكُرُوا شُكْر نِعْمَتِي فَحَذَفَ الشُّكْر اِكْتِفَاء بِذِكْرِ النِّعْمَة وَقِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ الذِّكْر بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمَطْلُوب أَيْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَلَا تَنَاسَوْهَا وَهُوَ حَسَن وَالنِّعْمَة هُنَا اِسْم جِنْس فَهِيَ مُفْرَدَة بِمَعْنَى الْجَمْع قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا " [ إِبْرَاهِيم : ٣٤ ] أَيْ نِعَمه وَمِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاء وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب وَالْمَنّ وَالسَّلْوَى وَفَجَّرَ لَهُمْ فِي الْحَجَر الْمَاء إِلَى مَا اِسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَرِسَالَته وَالنِّعَم عَلَى الْآبَاء نِعَم عَلَى الْأَبْنَاء لِأَنَّهُمْ يَشْرُفُونَ بِشَرَفِ آبَائِهِمْ تَنْبِيه : قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي رَبَطَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيل بِذِكْرِ النِّعْمَة وَأَسْقَطَهُ عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى ذِكْره فَقَالَ " اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ " [ الْبَقَرَة ١٥٢ ] لِيَكُونَ نَظَر الْأُمَم مِنْ النِّعْمَة إِلَى الْمُنْعِم وَنَظَر أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْعِم إِلَى النِّعْمَة.
عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ
أَمْر وَجَوَابه وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " أُوَفِّ " ( بِفَتْحِ الْوَاو وَشَدّ الْفَاء ) لِلتَّكْثِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَهْد مَا هُوَ فَقَالَ الْحَسَن عَهْده قَوْله " خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ " [ الْبَقَرَة : ٦٣ ] وَقَوْله " وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا " [ الْمَائِدَة : ١٢ ] وَقِيلَ هُوَ قَوْله " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ " [ آل عِمْرَان : ١٨٧ ] وَقَالَ الزَّجَّاج " أَوْفُوا بِعَهْدِي " الَّذِي عَهِدْت إِلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " بِمَا ضَمِنْت لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَوْفَيْتُمْ بِهِ فَلَكُمْ الْجَنَّة وَقِيلَ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي أَدَاء الْفَرَائِض عَلَى السُّنَّة وَالْإِخْلَاص " أُوفِ " بِقَبُولِهَا مِنْكُمْ وَمُجَارَاتكُمْ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضهمْ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي الْعِبَادَات " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " أَيْ أُوصِلكُمْ إِلَى مَنَازِل الرِّعَايَات وَقِيلَ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي حِفْظ آدَاب الظَّوَاهِر " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " بِتَزْيِينِ سَرَائِركُمْ وَقِيلَ هُوَ عَامّ فِي جَمِيع أَوَامِره وَنَوَاهِيه وَوَصَايَاهُ فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي التَّوْرَاة وَغَيْره هَذَا قَوْل الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَهُوَ الصَّحِيح وَعَهْده سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ أَنْ يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قُلْت : وَمَا طُلِبَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ هُوَ مَطْلُوب مِنَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى " أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] " أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه " [ النَّحْل : ٩١ ]، وَهُوَ كَثِير وَوَفَاؤُهُمْ بِعَهْدِ اللَّه أَمَارَة لِوَفَاءِ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ لَا عِلَّة لَهُ بَلْ ذَلِكَ تَفَضُّل مِنْهُ عَلَيْهِمْ
أَمْر وَجَوَابه وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " أُوَفِّ " ( بِفَتْحِ الْوَاو وَشَدّ الْفَاء ) لِلتَّكْثِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَهْد مَا هُوَ فَقَالَ الْحَسَن عَهْده قَوْله " خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ " [ الْبَقَرَة : ٦٣ ] وَقَوْله " وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا " [ الْمَائِدَة : ١٢ ] وَقِيلَ هُوَ قَوْله " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ " [ آل عِمْرَان : ١٨٧ ] وَقَالَ الزَّجَّاج " أَوْفُوا بِعَهْدِي " الَّذِي عَهِدْت إِلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " بِمَا ضَمِنْت لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَوْفَيْتُمْ بِهِ فَلَكُمْ الْجَنَّة وَقِيلَ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي أَدَاء الْفَرَائِض عَلَى السُّنَّة وَالْإِخْلَاص " أُوفِ " بِقَبُولِهَا مِنْكُمْ وَمُجَارَاتكُمْ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضهمْ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي الْعِبَادَات " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " أَيْ أُوصِلكُمْ إِلَى مَنَازِل الرِّعَايَات وَقِيلَ " أَوْفُوا بِعَهْدِي " فِي حِفْظ آدَاب الظَّوَاهِر " أُوفِ بِعَهْدِكُمْ " بِتَزْيِينِ سَرَائِركُمْ وَقِيلَ هُوَ عَامّ فِي جَمِيع أَوَامِره وَنَوَاهِيه وَوَصَايَاهُ فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي التَّوْرَاة وَغَيْره هَذَا قَوْل الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَهُوَ الصَّحِيح وَعَهْده سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ أَنْ يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قُلْت : وَمَا طُلِبَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْوَفَاء بِالْعَهْدِ هُوَ مَطْلُوب مِنَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى " أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] " أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّه " [ النَّحْل : ٩١ ]، وَهُوَ كَثِير وَوَفَاؤُهُمْ بِعَهْدِ اللَّه أَمَارَة لِوَفَاءِ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ لَا عِلَّة لَهُ بَلْ ذَلِكَ تَفَضُّل مِنْهُ عَلَيْهِمْ
بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ
أَيْ خَافُونِ وَالرُّهْب وَالرَّهَب وَالرَّهْبَة الْخَوْف وَيَتَضَمَّن الْأَمْر بِهِ مَعْنَى التَّهْدِيد وَسَقَطَتْ الْيَاء بَعْد النُّون لِأَنَّهَا رَأْس آيَة وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " فَارْهَبُونِي " بِالْيَاءِ وَكَذَا " فَاتَّقُونِي " عَلَى الْأَصْل " وَإِيَّايَ " مَنْصُوب بِإِضْمَارِ فِعْل وَكَذَا الِاخْتِيَار فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَالِاسْتِفْهَام التَّقْدِير وَإِيَّايَ اِرْهَبُوا فَارْهَبُونِ وَيَجُوز فِي الْكَلَام وَأَنَا فَارْهَبُونِ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَكَوْن " فَارْهَبُونِ " الْخَبَر عَلَى تَقْدِير الْحَذْف الْمَعْنَى وَأَنَا رَبّكُمْ فَارْهَبُونِ.
أَيْ خَافُونِ وَالرُّهْب وَالرَّهَب وَالرَّهْبَة الْخَوْف وَيَتَضَمَّن الْأَمْر بِهِ مَعْنَى التَّهْدِيد وَسَقَطَتْ الْيَاء بَعْد النُّون لِأَنَّهَا رَأْس آيَة وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق " فَارْهَبُونِي " بِالْيَاءِ وَكَذَا " فَاتَّقُونِي " عَلَى الْأَصْل " وَإِيَّايَ " مَنْصُوب بِإِضْمَارِ فِعْل وَكَذَا الِاخْتِيَار فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَالِاسْتِفْهَام التَّقْدِير وَإِيَّايَ اِرْهَبُوا فَارْهَبُونِ وَيَجُوز فِي الْكَلَام وَأَنَا فَارْهَبُونِ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَكَوْن " فَارْهَبُونِ " الْخَبَر عَلَى تَقْدِير الْحَذْف الْمَعْنَى وَأَنَا رَبّكُمْ فَارْهَبُونِ.
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ
أَيْ صَدِّقُوا، يَعْنِي بِالْقُرْآنِ.
أَيْ صَدِّقُوا، يَعْنِي بِالْقُرْآنِ.
مُصَدِّقًا
حَال مِنْ الضَّمِير فِي " أَنْزَلْت "، التَّقْدِير بِمَا أَنْزَلْته مُصَدِّقًا، وَالْعَامِل فِيهِ أَنْزَلْت.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ مَا وَالْعَامِل فِيهِ آمِنُوا التَّقْدِير آمِنُوا بِالْقُرْآنِ مُصَدِّقًا وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة التَّقْدِير آمِنُوا بِإِنْزَال.
حَال مِنْ الضَّمِير فِي " أَنْزَلْت "، التَّقْدِير بِمَا أَنْزَلْته مُصَدِّقًا، وَالْعَامِل فِيهِ أَنْزَلْت.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ مَا وَالْعَامِل فِيهِ آمِنُوا التَّقْدِير آمِنُوا بِالْقُرْآنِ مُصَدِّقًا وَيَجُوز أَنْ تَكُون مَصْدَرِيَّة التَّقْدِير آمِنُوا بِإِنْزَال.
لِمَا مَعَكُمْ
يَعْنِي مِنْ التَّوْرَاة.
يَعْنِي مِنْ التَّوْرَاة.
وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ
الضَّمِير فِي " بِهِ " قِيلَ هُوَ عَائِد عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ عَائِد عَلَى الْقُرْآن، إِذْ تَضَمَّنَهُ قَوْله " بِمَا أَنْزَلْت ".
وَقِيلَ : عَلَى التَّوْرَاة، إِذْ تَضَمَّنَهَا قَوْله :" لِمَا مَعَكُمْ " فَإِنْ قِيلَ كَيْف قَالَ " كَافِر " وَلَمْ يَقُلْ كَافِرِينَ قِيلَ التَّقْدِير وَلَا تَكُونُوا أَوَّل فَرِيق كَافِر بِهِ وَزَعَمَ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَعْنَى الْفِعْل لِأَنَّ الْمَعْنَى أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِهِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ هُوَ أَظْرَف الْفِتْيَان وَأَجْمَله وَكَانَ ظَاهِر الْكَلَام هُوَ أَظْرَف فَتًى وَأَجْمَله وَقَالَ " أَوَّل كَافِر بِهِ " وَقَدْ كَانَ قَدْ كَفَرَ قَبْلهمْ كُفَّار قُرَيْش فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِذْ هُمْ مَنْظُور إِلَيْهِمْ فِي مِثْل هَذَا لِأَنَّهُمْ حُجَّة مَظْنُون بِهِمْ عِلْم وَ " أَوَّل " عِنْد سِيبَوَيْهِ نَصْب عَلَى خَبَر كَانَ وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَنْطِق مِنْهُ بِفِعْلٍ وَهُوَ عَلَى أَفْعَل عَيْنه وَفَاؤُهُ وَاو وَإِنَّمَا لَمْ يَنْطِق مِنْهُ بِفِعْلٍ لِئَلَّا يَعْتَلّ مِنْ جِهَتَيْنِ الْعَيْن وَالْفَاء، وَهَذَا مَذْهَب الْبَصْرِيِّينَ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : هُوَ مِنْ وَأَلَ إِذَا نَجَا فَأَصْله أَوْأَل ثُمَّ خُفِّفَتْ الْهَمْزَة وَأُبْدِلَتْ وَاوًا وَأُدْغِمَتْ فَقِيلَ أَوَّل كَمَا تُخَفَّف هَمْزَة خَطِيئَة قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَالْجَمْع الْأَوَائِل وَالْأَوَالِي أَيْضًا عَلَى الْقَلْب وَقَالَ قَوْم : أَصْله وَوَّل عَلَى فَوْعَل فَقُلِبَتْ الْوَاو الْأُولَى هَمْزَة وَإِنَّمَا لَمْ يُجْمَع عَلَى أَوَاوِل لِاسْتِثْقَالِهِمْ اِجْتِمَاع الْوَاوَيْنِ بَيْنهمَا أَلِف الْجَمْع وَقِيلَ هُوَ أَفْعَل مِنْ آلَ يَئُول فَأَصْله أَأْوَل قُلِبَ فَجَاءَ أَعْفَل مَقْلُوبًا مِنْ أَفْعَل فَسُهِّلَ وَأُبْدِلَ وَأُدْغِمَ مَسْأَلَة : لَا حُجَّة فِي هَذِهِ الْآيَة لِمَنْ يَمْنَع الْقَوْل بِدَلِيلِ الْخِطَاب، وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ; لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الْكَلَام النَّهْي عَنْ الْكُفْر أَوَّلًا وَآخِرًا، وَخُصَّ الْأَوَّل بِالذِّكْرِ لِأَنَّ التَّقَدُّم فِيهِ أَغْلَظ، فَكَانَ حُكْم الْمَذْكُور وَالْمَسْكُوت عَنْهُ وَاحِدًا، وَهَذَا وَاضِح.
الضَّمِير فِي " بِهِ " قِيلَ هُوَ عَائِد عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ عَائِد عَلَى الْقُرْآن، إِذْ تَضَمَّنَهُ قَوْله " بِمَا أَنْزَلْت ".
وَقِيلَ : عَلَى التَّوْرَاة، إِذْ تَضَمَّنَهَا قَوْله :" لِمَا مَعَكُمْ " فَإِنْ قِيلَ كَيْف قَالَ " كَافِر " وَلَمْ يَقُلْ كَافِرِينَ قِيلَ التَّقْدِير وَلَا تَكُونُوا أَوَّل فَرِيق كَافِر بِهِ وَزَعَمَ الْأَخْفَش وَالْفَرَّاء أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَعْنَى الْفِعْل لِأَنَّ الْمَعْنَى أَوَّل مَنْ كَفَرَ بِهِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ هُوَ أَظْرَف الْفِتْيَان وَأَجْمَله وَكَانَ ظَاهِر الْكَلَام هُوَ أَظْرَف فَتًى وَأَجْمَله وَقَالَ " أَوَّل كَافِر بِهِ " وَقَدْ كَانَ قَدْ كَفَرَ قَبْلهمْ كُفَّار قُرَيْش فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِذْ هُمْ مَنْظُور إِلَيْهِمْ فِي مِثْل هَذَا لِأَنَّهُمْ حُجَّة مَظْنُون بِهِمْ عِلْم وَ " أَوَّل " عِنْد سِيبَوَيْهِ نَصْب عَلَى خَبَر كَانَ وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَنْطِق مِنْهُ بِفِعْلٍ وَهُوَ عَلَى أَفْعَل عَيْنه وَفَاؤُهُ وَاو وَإِنَّمَا لَمْ يَنْطِق مِنْهُ بِفِعْلٍ لِئَلَّا يَعْتَلّ مِنْ جِهَتَيْنِ الْعَيْن وَالْفَاء، وَهَذَا مَذْهَب الْبَصْرِيِّينَ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : هُوَ مِنْ وَأَلَ إِذَا نَجَا فَأَصْله أَوْأَل ثُمَّ خُفِّفَتْ الْهَمْزَة وَأُبْدِلَتْ وَاوًا وَأُدْغِمَتْ فَقِيلَ أَوَّل كَمَا تُخَفَّف هَمْزَة خَطِيئَة قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَالْجَمْع الْأَوَائِل وَالْأَوَالِي أَيْضًا عَلَى الْقَلْب وَقَالَ قَوْم : أَصْله وَوَّل عَلَى فَوْعَل فَقُلِبَتْ الْوَاو الْأُولَى هَمْزَة وَإِنَّمَا لَمْ يُجْمَع عَلَى أَوَاوِل لِاسْتِثْقَالِهِمْ اِجْتِمَاع الْوَاوَيْنِ بَيْنهمَا أَلِف الْجَمْع وَقِيلَ هُوَ أَفْعَل مِنْ آلَ يَئُول فَأَصْله أَأْوَل قُلِبَ فَجَاءَ أَعْفَل مَقْلُوبًا مِنْ أَفْعَل فَسُهِّلَ وَأُبْدِلَ وَأُدْغِمَ مَسْأَلَة : لَا حُجَّة فِي هَذِهِ الْآيَة لِمَنْ يَمْنَع الْقَوْل بِدَلِيلِ الْخِطَاب، وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ; لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الْكَلَام النَّهْي عَنْ الْكُفْر أَوَّلًا وَآخِرًا، وَخُصَّ الْأَوَّل بِالذِّكْرِ لِأَنَّ التَّقَدُّم فِيهِ أَغْلَظ، فَكَانَ حُكْم الْمَذْكُور وَالْمَسْكُوت عَنْهُ وَاحِدًا، وَهَذَا وَاضِح.
وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَشْتَرُوا " مَعْطُوف عَلَى قَوْله " وَلَا تَكُونُوا " نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَفَرَ وَأَلَّا يَأْخُذُوا عَلَى آيَات اللَّه ثَمَنًا أَيْ عَلَى تَغْيِير صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُشًى وَكَانَ الْأَحْبَار يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَنُهُوا عَنْهُ قَالَهُ قَوْم مِنْ أَهْل التَّأْوِيل مِنْهُمْ الْحَسَن وَغَيْره وَقِيلَ كَانَتْ لَهُمْ مَآكِل يَأْكُلُونَهَا عَلَى الْعِلْم كَالرَّاتِبِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْأَحْبَار كَانُوا يُعَلِّمُونَ دِينهمْ بِالْأُجْرَةِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَفِي كُتُبهمْ يَا بْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا أَيْ بَاطِلًا بِغَيْرِ أُجْرَة قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَقِيلَ الْمَعْنَى وَلَا تَشْتَرُوا بِأَوَامِرِي وَنَوَاهِيّ وَآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا يَعْنِي الدُّنْيَا وَمُدَّتهَا وَالْعَيْش الَّذِي هُوَ نَزْر لَا خَطَر لَهُ فَسُمِّيَ مَا اِعْتَاضُوه عَنْ ذَلِكَ ثَمَنًا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ عِوَضًا فَانْطَلَقَ عَلَيْهِ اِسْم الثَّمَن وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ الشَّاعِر :
قُلْت : وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ خَاصَّة بِبَنِي إِسْرَائِيل فَهِيَ تَتَنَاوَل مَنْ فَعَلَ فِعْلهمْ فَمَنْ أَخَذَ رِشْوَة عَلَى تَغَيُّر حَقّ أَوْ إِبْطَاله أَوْ اِمْتَنَعَ مِنْ تَعْلِيم مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ أَدَاء مَا عَلِمَهُ وَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذ عَلَيْهِ أَجْرًا فَقَدْ دَخَلَ فِي مُقْتَضَى الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِد عَرْف الْجَنَّة يَوْم الْقِيَامَة ) يَعْنِي رِيحهَا.
الثَّانِيَة : وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْعِلْم - لِهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا فَمَنَعَ ذَلِكَ الزُّهْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَقَالُوا : لَا يَجُوز أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن لِأَنَّ تَعْلِيمه وَاجِب مِنْ الْوَاجِبَات الَّتِي يُحْتَاج فِيهَا إِلَى نِيَّة التَّقَرُّب وَالْإِخْلَاص فَلَا يُؤْخَذ عَلَيْهَا أُجْرَة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " [ الْبَقَرَة : ٤١ ].
وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مُعَلِّمُو صِبْيَانكُمْ شِرَاركُمْ أَقَلّهمْ رَحْمَة بِالْيَتِيمِ وَأَغْلَظَهُمْ عَلَى الْمِسْكِين ).
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَشْتَرُوا " مَعْطُوف عَلَى قَوْله " وَلَا تَكُونُوا " نَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّل مَنْ كَفَرَ وَأَلَّا يَأْخُذُوا عَلَى آيَات اللَّه ثَمَنًا أَيْ عَلَى تَغْيِير صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُشًى وَكَانَ الْأَحْبَار يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَنُهُوا عَنْهُ قَالَهُ قَوْم مِنْ أَهْل التَّأْوِيل مِنْهُمْ الْحَسَن وَغَيْره وَقِيلَ كَانَتْ لَهُمْ مَآكِل يَأْكُلُونَهَا عَلَى الْعِلْم كَالرَّاتِبِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْأَحْبَار كَانُوا يُعَلِّمُونَ دِينهمْ بِالْأُجْرَةِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَفِي كُتُبهمْ يَا بْن آدَم عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْت مَجَّانًا أَيْ بَاطِلًا بِغَيْرِ أُجْرَة قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَقِيلَ الْمَعْنَى وَلَا تَشْتَرُوا بِأَوَامِرِي وَنَوَاهِيّ وَآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا يَعْنِي الدُّنْيَا وَمُدَّتهَا وَالْعَيْش الَّذِي هُوَ نَزْر لَا خَطَر لَهُ فَسُمِّيَ مَا اِعْتَاضُوه عَنْ ذَلِكَ ثَمَنًا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ عِوَضًا فَانْطَلَقَ عَلَيْهِ اِسْم الثَّمَن وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ الشَّاعِر :
| إِنْ كُنْت حَاوَلْت ذَنْبًا أَوْ ظَفِرْت بِهِ | فَمَا أَصَبْت بِتَرْكِ الْحَجّ مِنْ ثَمَن |
الثَّانِيَة : وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْعِلْم - لِهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا فَمَنَعَ ذَلِكَ الزُّهْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَقَالُوا : لَا يَجُوز أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن لِأَنَّ تَعْلِيمه وَاجِب مِنْ الْوَاجِبَات الَّتِي يُحْتَاج فِيهَا إِلَى نِيَّة التَّقَرُّب وَالْإِخْلَاص فَلَا يُؤْخَذ عَلَيْهَا أُجْرَة كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " [ الْبَقَرَة : ٤١ ].
وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مُعَلِّمُو صِبْيَانكُمْ شِرَاركُمْ أَقَلّهمْ رَحْمَة بِالْيَتِيمِ وَأَغْلَظَهُمْ عَلَى الْمِسْكِين ).
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا تَقُول فِي الْمُعَلِّمِينَ قَالَ ( دِرْهَمهمْ حَرَام وَثَوْبهمْ سُحْت وَكَلَامهمْ رِيَاء ) وَرَوَى عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ : عَلَّمْت نَاسًا مِنْ أَهْل الصُّفَّة الْقُرْآن وَالْكِتَابَة، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُل مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْت : لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيل اللَّه فَسَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( إِنْ سَرَّك أَنْ تُطَوَّق بِهَا طَوْقًا مِنْ نَار فَاقْبَلْهَا ).
وَأَجَازَ أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر وَأَكْثَر الْعُلَمَاء لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس حَدِيث الرُّقْيَة ( إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَهُوَ نَصّ يَرْفَع الْخِلَاف فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا اِحْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِف مِنْ الْقِيَاس عَلَى الصَّلَاة وَالصِّيَام فَفَاسِد لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَة النَّصّ ثُمَّ إِنَّ بَيْنهمَا فُرْقَانًا وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاة وَالصَّوْم عِبَادَات مُخْتَصَّة بِالْفَاعِلِ وَتَعْلِيم الْقُرْآن عِبَادَة مُتَعَدِّيَة لِغَيْرِ الْمُعَلِّم فَتَجُوز الْأُجْرَة عَلَى مُحَاوَلَته النَّقْل كَتَعْلِيمِ كِتَابَة الْقُرْآن قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَأَبُو حَنِيفَة يُكْرَه تَعْلِيم الْقُرْآن بِأُجْرَةٍ وَيَجُوز أَنْ يَسْتَأْجِر الرَّجُل يَكْتُب لَهُ لَوْحًا أَوْ شِعْرًا أَوْ غِنَاء مَعْلُومًا بِأَجْرٍ مَعْلُوم فَيَجُوز الْإِجَارَة فِيمَا هُوَ مَعْصِيَة وَيُبْطِلهَا فِيمَا هُوَ طَاعَة وَأَمَّا الْجَوَاب عَنْ الْآيَة - فَالْمُرَاد بِهَا بَنُو إِسْرَائِيل، وَشَرْع مَنْ قَبْلنَا هَلْ هُوَ شَرْع لَنَا، فِيهِ خِلَاف، وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ.
وَأَجَازَ أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الْقُرْآن مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر وَأَكْثَر الْعُلَمَاء لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس حَدِيث الرُّقْيَة ( إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَاب اللَّه ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَهُوَ نَصّ يَرْفَع الْخِلَاف فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا اِحْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِف مِنْ الْقِيَاس عَلَى الصَّلَاة وَالصِّيَام فَفَاسِد لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَة النَّصّ ثُمَّ إِنَّ بَيْنهمَا فُرْقَانًا وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاة وَالصَّوْم عِبَادَات مُخْتَصَّة بِالْفَاعِلِ وَتَعْلِيم الْقُرْآن عِبَادَة مُتَعَدِّيَة لِغَيْرِ الْمُعَلِّم فَتَجُوز الْأُجْرَة عَلَى مُحَاوَلَته النَّقْل كَتَعْلِيمِ كِتَابَة الْقُرْآن قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَأَبُو حَنِيفَة يُكْرَه تَعْلِيم الْقُرْآن بِأُجْرَةٍ وَيَجُوز أَنْ يَسْتَأْجِر الرَّجُل يَكْتُب لَهُ لَوْحًا أَوْ شِعْرًا أَوْ غِنَاء مَعْلُومًا بِأَجْرٍ مَعْلُوم فَيَجُوز الْإِجَارَة فِيمَا هُوَ مَعْصِيَة وَيُبْطِلهَا فِيمَا هُوَ طَاعَة وَأَمَّا الْجَوَاب عَنْ الْآيَة - فَالْمُرَاد بِهَا بَنُو إِسْرَائِيل، وَشَرْع مَنْ قَبْلنَا هَلْ هُوَ شَرْع لَنَا، فِيهِ خِلَاف، وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ.
جَوَاب ثَانٍ وَهُوَ أَنْ تَكُون الْآيَة فِيمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّعْلِيم فَأَبَى حَتَّى يَأْخُذ عَلَيْهِ أَجْرًا فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّن فَيَجُوز لَهُ أَخْذ الْأُجْرَة بِدَلِيلِ السُّنَّة فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عِنْده مَا يُنْفِقهُ عَلَى نَفْسه وَلَا عَلَى عِيَاله فَلَا يَجِب عَلَيْهِ التَّعْلِيم وَلَهُ أَنْ يُقْبِل عَلَى صَنْعَته وَحِرْفَته وَيَجِب عَلَى الْإِمَام أَنْ يُعَيِّن لِإِقَامَةِ الدِّين إِعَانَته، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلَافَة وَعُيِّنَ لَهَا لَمْ يَكُنْ عِنْده مَا يُقِيم بِهِ أَهْله فَأَخَذَ ثِيَابًا وَخَرَجَ إِلَى السُّوق فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَمِنْ أَيْنَ أُنْفِق عَلَى عِيَالِي فَرَدُّوهُ وَفَرَضُوا لَهُ كِفَايَته، وَأَمَّا الْأَحَادِيث فَلَيْسَ شَيْء مِنْهَا يَقُوم عَلَى سَاق وَلَا يَصِحّ مِنْهَا شَيْء عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالنَّقْلِ أَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَرَوَاهُ سَعِيد بْن طَرِيف عَنْ عِكْرِمَة عَنْهُ وَسَعِيد مَتْرُوك وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ عَلِيّ بْن عَاصِم عَنْ حَمَّاد بْن مَسْلَمَة عَنْ أَبِي جُرْهُمْ عَنْهُ وَأَبُو جُرْهُمْ مَجْهُول لَا يُعْرَف وَلَمْ يَرْوِ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ أَحَد يُقَال لَهُ أَبُو جُرْهُمْ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّم وَهُوَ مَتْرُوك الْحَدِيث أَيْضًا وَهُوَ حَدِيث لَا أَصْل لَهُ وَأَمَّا حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث الْمُغِيرَة بْن زِيَاد الْمَوْصِلِيّ عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ عَنْ الْأَسْوَد بْن ثَعْلَبَة عَنْهُ وَالْمُغِيرَة مَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعِلْم وَلَكِنَّهُ لَهُ مَنَاكِير هَذَا مِنْهَا قَالَهُ أَبُو عُمَر ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا حَدِيث الْقَوْس فَمَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعِلْم لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُبَادَة مِنْ وَجْهَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَهُوَ مُنْقَطِع وَلَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يَجِب الْعَمَل بِهِ مِنْ جِهَة النَّقْل، وَحَدِيث عُبَادَة وَأُبَيّ يَحْتَمِل التَّأْوِيل ; لِأَنَّهُ جَائِز أَنْ يَكُون عَلَّمَهُ لِلَّهِ ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( خَيْر النَّاس وَخَيْر مَنْ يَمْشِي عَلَى وَجْه الْأَرْض الْمُعَلِّمُونَ كُلَّمَا خَلُقَ الدِّين جَدَّدُوهُ أَعْطُوهُمْ وَلَا تَسْتَأْجِرُوهُمْ فَتُحْرِجُوهُمْ فَإِنَّ الْمُعَلِّم إِذَا قَالَ لِلصَّبِيِّ قُلْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ الصَّبِيّ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم كَتَبَ اللَّه بَرَاءَة لِلصَّبِيِّ وَبَرَاءَة لِلْمُعَلِّمِ وَبَرَاءَة لِأَبَوَيْهِ مِنْ النَّار ) الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حُكْم الْمُصَلِّي بِأُجْرَةٍ فَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاة خَلْف مَنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي رَمَضَان يَقُوم لِلنَّاسِ فَقَالَ أَرْجُو أَلَّا يَكُون بِهِ بَأْس، وَهُوَ أَشَدّ كَرَاهَة لَهُ فِي الْفَرِيضَة وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأَبُو ثَوْر لَا بَأْس بِذَلِكَ وَلَا بِالصَّلَاةِ خَلْفه وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا صَلَاة لَهُ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة
مُعَلَّقَة مِنْ الَّتِي قَبْلهَا وَأَصْلهمَا وَاحِد قُلْت : وَيَأْتِي لِهَذَا أَصْل آخَر مِنْ الْكِتَاب فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَكَرِهَ اِبْن الْقَاسِم أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى تَعْلِيم الشِّعْر وَالنَّحْو وَقَالَ اِبْن حَبِيب لَا بَأْس بِالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيم الشِّعْر وَالرَّسَائِل وَأَيَّام الْعَرَب وَيُكْرَه مِنْ الشِّعْر مَا فِيهِ الْخَمْر وَالْخَنَا وَالْهِجَاء قَالَ أَبُو الْحَسَن اللَّخْمِيّ وَيَلْزَم عَلَى قَوْله أَنْ يُجِيز الْإِجَارَة عَلَى كُتُبه وَيُجِيز بَيْع كُتُبه، وَأَمَّا الْغِنَاء وَالنَّوْح فَمَمْنُوع عَلَى كُلّ حَال الرَّابِعَة : رَوَى الدَّارِمِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الْكُمَيْت قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن وَهْب الْهَمْدَانِيّ قَالَ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاك بْن مُوسَى قَالَ مَرَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُرِيد مَكَّة فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا فَقَالَ هَلْ بِالْمَدِينَةِ أَحَد أَدْرَكَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ أَبُو حَازِم فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا أَبَا حَازِم مَا هَذَا الْجَفَاء ؟ قَالَ أَبُو حَازِم يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَأَيّ جَفَاء رَأَيْت مِنِّي ؟ قَالَ أَتَانِي وُجُوه أَهْل الْمَدِينَة، وَلَمْ تَأْتِنِي قَالَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذك بِاَللَّهِ أَنْ تَقُول مَا لَمْ يَكُنْ مَا عَرَفْتنِي قَبْل هَذَا الْيَوْم وَلَا أَنَا رَأَيْتُك قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّد بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ فَقَالَ أَصَابَ الشَّيْخ وَأَخْطَأْت قَالَ سُلَيْمَان يَا أَبَا حَازِم مَا لَنَا نَكْرَه الْمَوْت قَالَ لِأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ الْآخِرَة وَعَمَّرْتُمْ الدُّنْيَا فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنْ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَاب قَالَ أَصَبْت يَا أَبَا حَازِم فَكَيْف الْقُدُوم غَدًا عَلَى اللَّه تَعَالَى قَالَ أَمَّا الْمُحْسِن فَكَالْغَائِبِ يَقْدَم عَلَى أَهْله وَأَمَّا الْمُسِيء فَكَالْآبِقِ يَقْدَم عَلَى مَوْلَاهُ فَبَكَى سُلَيْمَان وَقَالَ لَيْتَ شِعْرِي مَا لَنَا عِنْد اللَّه ؟ قَالَ اِعْرِضْ عَمَلَكَ عَلَى كِتَاب اللَّه قَالَ وَأَيّ مَكَان أَجِدهُ قَالَ " إِنَّ الْأَبْرَار لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّار لَفِي جَحِيم " [ الِانْفِطَار :
١٣ - ١٤ ] قَالَ سُلَيْمَان فَأَيْنَ رَحْمَة اللَّه يَا أَبَا حَازِم قَالَ أَبُو حَازِم رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا أَبَا حَازِم فَأَيّ عِبَاد اللَّه أَكْرَم ؟ قَالَ أُولُو الْمُرُوءَة وَالنُّهَى قَالَ لَهُ سُلَيْمَان فَأَيّ الْأَعْمَال أَفْضَل قَالَ أَبُو حَازِم أَدَاء الْفَرَائِض مَعَ اِجْتِنَاب الْمَحَارِم قَالَ سُلَيْمَان فَأَيّ الدُّعَاء أَسْمَع ؟ قَالَ دُعَاء الْمُحْسِن إِلَيْهِ لِلْمُحْسِنِ فَقَالَ أَيّ الصَّدَقَة أَفْضَل ؟ قَالَ لِلسَّائِلِ الْبَائِس وَجُهْد الْمُقِلّ لَيْسَ فِيهَا مَنّ وَلَا أَذًى قَالَ فَأَيّ الْقَوْل أَعْدَل قَالَ : قَوْل الْحَقّ عِنْد مَنْ تَخَافهُ أَوْ تَرْجُوهُ قَالَ : فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَس ؟ قَالَ رَجُل عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه وَدَلَّ النَّاس عَلَيْهَا قَالَ فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَحْمَق قَالَ رَجُل اِنْحَطَّ فِي هَوَى أَخِيهِ وَهُوَ ظَالِم فَبَاعَ آخِرَته بِدُنْيَا غَيْره قَالَ لَهُ سُلَيْمَان أَصَبْت فَمَا تَقُول فِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَوَتُعْفِينِي قَالَ لَهُ سُلَيْمَان لَا وَلَكِنْ نَصِيحَة تُلْقِيهَا إِلَيَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ آبَاءَك قَهَرُوا النَّاس بِالسَّيْفِ وَأَخَذُوا هَذَا الْمُلْك عَنْوَة عَلَى غَيْر مَشُورَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا رِضَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَة عَظِيمَة فَقَدْ اِرْتَحَلُوا عَنْهَا فَلَوْ شَعَرْت مَا قَالُوهُ وَمَا قِيلَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنْ جُلَسَائِهِ بِئْسَ مَا قُلْت يَا أَبَا حَازِم قَالَ أَبُو حَازِم كَذَبْت إِنَّ اللَّه أَخَذَ مِيثَاق الْعُلَمَاء لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان فَكَيْف لَنَا أَنْ نُصْلِح ؟ قَالَ تَدْعُونَ الصَّلَف وَتُمْسِكُونَ بِالْمُرُوءَةِ وَتَقْسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان فَكَيْف لَنَا بِالْمَأْخَذِ بِهِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِم تَأْخُذهُ مِنْ حِلّه وَتَضَعهُ فِي أَهْله قَالَ لَهُ سُلَيْمَان هَلْ لَك يَا أَبَا حَازِم أَنْ تَصْحَبنَا فَتُصِيب مِنَّا وَنُصِيب مِنْك قَالَ أَعُوذ بِاَللَّهِ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ أَخْشَى أَنْ أَرْكَن إِلَيْكُمْ شَيْئًا قَلِيلًا فَيُذِيقنِي اللَّه ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات قَالَ لَهُ سُلَيْمَان اِرْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجك قَالَ تُنْجِينِي مِنْ النَّار وَتُدْخِلنِي الْجَنَّة قَالَ لَهُ سُلَيْمَان لَيْسَ ذَاكَ إِلَيَّ قَالَ أَبُو حَازِم فَمَا لِي إِلَيْك حَاجَة غَيْرهَا قَالَ فَادْعُ لِي قَالَ أَبُو حَازِم اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَان وَلِيّك فَيَسِّرْهُ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنْ كَانَ عَدُوّك فَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى مَا تُحِبّ وَتَرْضَى قَالَ لَهُ سُلَيْمَان قَطُّ قَالَ أَبُو حَازِم قَدْ أَوْجَزْت وَأَكْثَرْت إِنْ كُنْت مِنْ أَهْله وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْله فَمَا يَنْبَغِي أَنْ أَرْمِي عَنْ قَوْس لَيْسَ لَهَا وَتَر قَالَ لَهُ سُلَيْمَان أَوْصِنِي قَالَ سَأُوصِيك وَأُوجِز : عَظِّمْ رَبّك وَنَزِّهْهُ أَنْ يَرَاك حَيْثُ نَهَاك أَوْ يَفْقِدك حَيْثُ أَمَرَك فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْده بَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَار وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ أَنْفِقْهَا وَلَك عِنْدِي مِثْلهَا كَثِير قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذك بِاَللَّهِ أَنْ يَكُون سُؤَالك إِيَّايَ هَزْلًا أَوْ
رَدِّي عَلَيْك بَذْلًا وَمَا أَرْضَاهَا لَك فَكَيْف أَرْضَاهَا لِنَفْسِي إِنَّ مُوسَى بْن عِمْرَان لَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَن وَجَدَ عَلَيْهِ رِعَاء يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونهمْ جَارِيَتَيْنِ تَذُودَانِ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِر الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخ كَبِير فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلّ فَقَالَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جَائِعًا خَائِفًا لَا يَأْمَن فَسَأَلَ رَبّه وَلَمْ يَسْأَل النَّاس فَلَمْ يَفْطِن الرِّعَاء وَفَطِنَتْ الْجَارِيَتَانِ فَلَمَّا رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا أَخْبَرَتَاهُ بِالْقِصَّةِ وَبِقَوْلِهِ فَقَالَ أَبُوهُمَا وَهُوَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا رَجُل جَائِع فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا اِذْهَبِي فَادْعِيهِ فَلَمَّا أَتَتْهُ عَظَّمَتْهُ وَغَطَّتْ وَجْههَا وَقَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْر مَا سَقَيْت لَنَا فَشَقَّ عَلَى مُوسَى حِين ذَكَرَتْ " أَجْر مَا سَقَيْت لَنَا " وَلَمْ يَجِد بُدًّا مِنْ أَنْ يَتْبَعهَا لِأَنَّهُ كَانَ بَيْن الْجِبَال جَائِعًا مُسْتَوْحِشًا فَلَمَّا تَبِعَهَا هَبَّتْ الرِّيح فَجَعَلَتْ تُصَفِّق ثِيَابهَا عَلَى ظَهْرهَا فَتَصِف لَهُ عَجِيزَتهَا وَكَانَتْ ذَات عَجُز وَجَعَلَ مُوسَى يُعْرِض مَرَّة وَيَغُضّ أُخْرَى فَلَمَّا عِيلَ صَبْره نَادَاهَا يَا أَمَة اللَّه كُونِي خَلْفِي وَأَرِينِي السَّمْت بِقَوْلِك فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْب إِذْ هُوَ بِالْعَشَاءِ مُهَيَّأ فَقَالَ لَهُ شُعَيْب اِجْلِسْ يَا شَابّ فَتَعَشَّ فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَعُوذ بِاَللَّهِ فَقَالَ لَهُ شُعَيْب لِمَ ؟ أَمَا أَنْتَ جَائِع ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أَخَاف أَنْ يَكُون هَذَا عِوَضًا لِمَا سَقَيْت لَهُمَا وَأَنَا مِنْ أَهْل بَيْت لَا نَبِيع شَيْئًا مِنْ دِيننَا بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا فَقَالَ لَهُ شُعَيْب لَا يَا شَابّ وَلَكِنَّهَا عَادَتِي وَعَادَة آبَائِي نَقْرِي الضَّيْف وَنُطْعِم الطَّعَام فَجَلَسَ مُوسَى فَأَكَلَ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَة دِينَار عِوَضًا لِمَا حَدَّثْت فَالْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير فِي حَال الِاضْطِرَار أَحَلّ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ لِحَقٍّ فِي بَيْت الْمَال فَلِي فِيهَا نُظَرَاء فَإِنْ سَاوَيْت بَيْننَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لِي فِيهَا حَاجَة قُلْت : هَكَذَا يَكُون الِاقْتِدَاء بِالْكِتَابِ وَالْأَنْبِيَاء اُنْظُرُوا إِلَى هَذَا الْإِمَام الْفَاضِل وَالْحَبْر الْعَالِم كَيْف لَمْ يَأْخُذ عَلَى عَمَله عِوَضًا وَلَا عَلَى وَصِيَّته بَدَلًا وَلَا عَلَى نَصِيحَته فَصَدًا بَلْ بَيَّنَ الْحَقّ وَصَدَعَ وَلَمْ يَلْحَقهُ فِي ذَلِكَ خَوْف وَلَا فَزَع قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَمْنَعَن أَحَدكُمْ هَيْبَة أَحَد أَنْ يَقُول بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانَ ) وَفِي التَّنْزِيل " يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم " [ الْمَائِدَة ٥٤ ]
وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى وَقُرِئَ " فَاتَّقُونِي " بِالْيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه قَوْله " وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ " قَالَ مَوْضِع عِلْمِي السَّابِق فِيكُمْ " وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " قَالَ مَوْضِع الْمَكْر وَالِاسْتِدْرَاج لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى " سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] " فَلَا يَأْمَن مَكْر اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٩٩ ] فَمَا اِسْتَثْنَى نَبِيًّا وَلَا صِدِّيقًا
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى وَقُرِئَ " فَاتَّقُونِي " بِالْيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه قَوْله " وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ " قَالَ مَوْضِع عِلْمِي السَّابِق فِيكُمْ " وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " قَالَ مَوْضِع الْمَكْر وَالِاسْتِدْرَاج لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى " سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ " [ الْأَعْرَاف : ١٨٢ ] " فَلَا يَأْمَن مَكْر اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ " [ الْأَعْرَاف : ٩٩ ] فَمَا اِسْتَثْنَى نَبِيًّا وَلَا صِدِّيقًا
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
اللَّبْس : الْخَلْط لَبِسْت عَلَيْهِ الْأَمْر أَلْبِسهُ، إِذَا مَزَجْت بَيْنه بِمُشْكِلِهِ وَحَقّه بِبَاطِلِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " [ الْأَنْعَام : ٩ ] وَفِي الْأَمْر لُبْسَة أَيْ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِلْحَارِثِ بْن حَوْط يَا حَارِث ( إِنَّهُ مَلْبُوس عَلَيْك، إِنَّ الْحَقّ لَا يُعْرَف بِالرِّجَالِ، اِعْرِفْ الْحَقّ تَعْرِف أَهْله.
) وَقَالَتْ الْخَنْسَاء :
وَقَالَ الْعَجَّاج :
رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله :" وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ " [ الْبَقَرَة : ٤٢ ]، يَقُول : لَا تَلْبِسُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ دِين اللَّه - الَّذِي لَا يَقْبَل غَيْره وَلَا يُجْزِئ إِلَّا بِهِ - الْإِسْلَام وَأَنَّ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِدْعَة وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّه.
وَالظَّاهِر مِنْ قَوْل عَنْتَرَة :
وَكَتِيبَة لَبَّسْتهَا بِكَتِيبَةٍ
أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ اللِّبَاس.
وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَة، أَيْ لَا تُغَطُّوا وَمِنْهُ لَبِسَ الثَّوْب يُقَال لَبِسْت الثَّوْب أَلْبِسهُ وَلِبَاس الرَّجُل زَوْجَته وَزَوْجهَا لِبَاسهَا قَالَ الْجَعْدِيّ
وَقَالَ الْأَخْطَل :
وَاللَّبُوس : كُلّ مَا يُلْبَس مِنْ ثِيَاب وَدِرْع قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٠ ] وَلَابَسْت فُلَانًا حَتَّى عَرَفْت بَاطِنه وَفِي فُلَان مَلْبَس أَيْ مُسْتَمْتَع قَالَ
وَلِبْس الْكَعْبَة وَالْهَوْدَج : مَا عَلَيْهِمَا مِنْ لِبَاس ( بِكَسْرِ اللَّام ) قَوْله تَعَالَى " بِالْبَاطِلِ " الْبَاطِل فِي كَلَام الْعَرَب خِلَاف الْحَقّ وَمَعْنَاهُ الزَّائِل قَالَ لَبِيد
أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل
وَبَطَلَ الشَّيْء يَبْطُل بُطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخَسَرًا وَأَبْطَلَهُ غَيْره وَيُقَال ذَهَبَ دَمه بَطَلًا أَيْ هَدَرًا وَالْبَاطِل الشَّيْطَان وَالْبَطَل الشُّجَاع سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُبْطِل شَجَاعَة صَاحِبه قَالَ النَّابِغَة
اللَّبْس : الْخَلْط لَبِسْت عَلَيْهِ الْأَمْر أَلْبِسهُ، إِذَا مَزَجْت بَيْنه بِمُشْكِلِهِ وَحَقّه بِبَاطِلِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ " [ الْأَنْعَام : ٩ ] وَفِي الْأَمْر لُبْسَة أَيْ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِلْحَارِثِ بْن حَوْط يَا حَارِث ( إِنَّهُ مَلْبُوس عَلَيْك، إِنَّ الْحَقّ لَا يُعْرَف بِالرِّجَالِ، اِعْرِفْ الْحَقّ تَعْرِف أَهْله.
) وَقَالَتْ الْخَنْسَاء :
| تَرَى الْجَلِيس يَقُول الْحَقّ تَحْسِبهُ | رُشْدًا وَهَيْهَاتَ فَانْظُرْ مَا بِهِ اِلْتَبَسَا |
| صَدِّقْ مَقَالَته وَاحْذَرْ عَدَاوَته | وَالْبَسْ عَلَيْهِ أُمُورًا مِثْل مَا لَبَسَا |
| لَمَّا لَبَسْنَ الْحَقّ بِالتَّجَنِّي | غَنِينَ وَاسْتَبْدَلْنَ زَيْدًا مِنِّي |
وَالظَّاهِر مِنْ قَوْل عَنْتَرَة :
وَكَتِيبَة لَبَّسْتهَا بِكَتِيبَةٍ
أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ اللِّبَاس.
وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَة، أَيْ لَا تُغَطُّوا وَمِنْهُ لَبِسَ الثَّوْب يُقَال لَبِسْت الثَّوْب أَلْبِسهُ وَلِبَاس الرَّجُل زَوْجَته وَزَوْجهَا لِبَاسهَا قَالَ الْجَعْدِيّ
| إِذَا مَا الضَّجِيع ثَنَى جِيدهَا | تَثَنَّتْ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِبَاسَا |
| وَقَدْ لَبِسْت لِهَذَا الْأَمْر أَعْصُره | حَتَّى تَجَلَّلَ رَأْسِي الشَّيْب فَاشْتَعَلَا |
| أَلَا إِنَّ بَعْد الْعُدْم لِلْمَرْءِ قِنْوَة | وَبَعْد الْمَشِيب طُول عُمَر وَمَلْبَسَا |
أَلَا كُلّ شَيْء مَا خَلَا اللَّه بَاطِل
وَبَطَلَ الشَّيْء يَبْطُل بُطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخَسَرًا وَأَبْطَلَهُ غَيْره وَيُقَال ذَهَبَ دَمه بَطَلًا أَيْ هَدَرًا وَالْبَاطِل الشَّيْطَان وَالْبَطَل الشُّجَاع سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُبْطِل شَجَاعَة صَاحِبه قَالَ النَّابِغَة
| لَهُمْ لِوَاء بِأَيْدِي مَاجِد بَطَل | لَا يَقْطَع الْخِرَق إِلَّا طَرَفه سَامِي |
| وَإِذَا يُقَال أَتَيْتُمْ لَمْ يَبْرَحُوا | حَتَّى تُقِيم الْخَيْل سُوق طِعَان |
| كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة | لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج |
| أُخَبِّر أَخْبَار الْقُرُون الَّتِي مَضَتْ | أَدِبّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْت رَاكِع |
| وَلَا تُعَاد الضَّعِيف عَلَّك أَنْ | تَرْكَع يَوْمًا وَالدَّهْر قَدْ رَفَعَهْ |
الرُّكُوع فَرْض، قُرْآنًا وَسُنَّة، وَكَذَلِكَ السُّجُود لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِر الْحَجّ " اِرْكَعُوا وَاسْجُدُوا " [ الْحَجّ : ٧٧ ].
وَزَادَتْ السُّنَّة الطُّمَأْنِينَة فِيهِمَا وَالْفَصْل بَيْنهمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَّا صِفَة الرُّكُوع آنِفًا وَأَمَّا السُّجُود فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا مِنْ حَدِيث أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ( إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَته وَأَنْفه مِنْ الْأَرْض وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ.
) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِعْتَدِلُوا فِي السُّجُود وَلَا يَبْسُط أَحَدكُمْ ذِرَاعَيْهِ اِنْبِسَاط الْكَلْب ).
وَعَنْ الْبَرَاء قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا سَجَدْت فَضَعْ كَفَّيْك وَارْفَعْ مَرْفِقَيْك ).
وَعَنْ مَيْمُونَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ - يَعْنِي جَنَّحَ حَتَّى يُرَى وَضَح إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ - وَإِذَا قَعَدَ اِطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذه الْيُسْرَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَضَعَ جَبْهَته فِي السُّجُود دُون أَنْفه أَوْ أَنْفه دُون جَبْهَته، فَقَالَ مَالِك : يَسْجُد عَلَى جَبْهَته وَأَنْفه، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ.
قَالَ أَحْمَد : لَا يُجْزِئهُ السُّجُود عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر، وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَة وَابْن أَبِي شَيْبَة.
قَالَ إِسْحَاق : إِنْ سَجَدَ عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر فَصَلَاته فَاسِدَة.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى كُلّهمْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْف.
وَقَالَتْ طَائِفَة : يُجْزِئ أَنْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته دُون أَنْفه، هَذَا قَوْل عَطَاء وَطَاوُس وَعِكْرِمَة وَابْن سِيرِينَ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَيَعْقُوب وَمُحَمَّد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَالَ قَائِل : إِنْ وَضَعَ جَبْهَته وَلَمْ يَضَع أَنْفه أَوْ وَضَعَ أَنْفه وَلَمْ يَضَع جَبْهَته فَقَدْ أَسَاءَ وَصَلَاته تَامَّة، هَذَا قَوْل النُّعْمَان.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَم أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْقَوْل وَلَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ.
قُلْت : الصَّحِيح فِي السُّجُود وَضْع الْجَبْهَة وَالْأَنْف، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أَسْجُد عَلَى سَبْعَة أَعْظُم عَلَى الْجَبْهَة - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفه - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَاف الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِت الثِّيَاب وَالشَّعْر ).
وَهَذَا كُلّه بَيَان لِمُجْمَلِ الصَّلَاة فَتَعَيَّنَ الْقَوْل بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم وَرُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ يُجْزِيه أَنْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته دُون أَنْفه، كَقَوْلِ عَطَاء وَالشَّافِعِيّ وَالْمُخْتَار عِنْدنَا قَوْله الْأَوَّل وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِذَا لَمْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته.
وَيُكْرَه السُّجُود عَلَى كَوْر الْعِمَامَة، وَإِنْ كَانَ طَاقَة أَوْ طَاقَتَيْنِ مِثْل الثِّيَاب الَّتِي تَسْتُر الرُّكَب وَالْقَدَمَيْنِ فَلَا بَأْس، وَالْأَفْضَل مُبَاشَرَة الْأَرْض أَوْ مَا يُسْجَد عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يُؤْذِيه أَزَالَهُ قَبْل دُخُوله فِي الصَّلَاة، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلْيَمْسَحْهُ مَسْحَة وَاحِدَة.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ مُعَيْقِيب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يَسْجُد قَالَ ( إِنْ كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَة ) وَرُوِيَ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ :( كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّة الْحَرّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدنَا أَنْ يُمَكِّن جَبْهَته مِنْ الْأَرْض بَسَطَ ثَوْبه فَسَجَدَ عَلَيْهِ.
وَعَنْ مَيْمُونَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ - يَعْنِي جَنَّحَ حَتَّى يُرَى وَضَح إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ - وَإِذَا قَعَدَ اِطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذه الْيُسْرَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَضَعَ جَبْهَته فِي السُّجُود دُون أَنْفه أَوْ أَنْفه دُون جَبْهَته، فَقَالَ مَالِك : يَسْجُد عَلَى جَبْهَته وَأَنْفه، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ.
قَالَ أَحْمَد : لَا يُجْزِئهُ السُّجُود عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر، وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَة وَابْن أَبِي شَيْبَة.
قَالَ إِسْحَاق : إِنْ سَجَدَ عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر فَصَلَاته فَاسِدَة.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى كُلّهمْ أَمَرَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْف.
وَقَالَتْ طَائِفَة : يُجْزِئ أَنْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته دُون أَنْفه، هَذَا قَوْل عَطَاء وَطَاوُس وَعِكْرِمَة وَابْن سِيرِينَ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَيَعْقُوب وَمُحَمَّد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَالَ قَائِل : إِنْ وَضَعَ جَبْهَته وَلَمْ يَضَع أَنْفه أَوْ وَضَعَ أَنْفه وَلَمْ يَضَع جَبْهَته فَقَدْ أَسَاءَ وَصَلَاته تَامَّة، هَذَا قَوْل النُّعْمَان.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَم أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْقَوْل وَلَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ.
قُلْت : الصَّحِيح فِي السُّجُود وَضْع الْجَبْهَة وَالْأَنْف، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أَسْجُد عَلَى سَبْعَة أَعْظُم عَلَى الْجَبْهَة - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفه - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَاف الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِت الثِّيَاب وَالشَّعْر ).
وَهَذَا كُلّه بَيَان لِمُجْمَلِ الصَّلَاة فَتَعَيَّنَ الْقَوْل بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم وَرُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ يُجْزِيه أَنْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته دُون أَنْفه، كَقَوْلِ عَطَاء وَالشَّافِعِيّ وَالْمُخْتَار عِنْدنَا قَوْله الْأَوَّل وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِذَا لَمْ يَسْجُد عَلَى جَبْهَته.
وَيُكْرَه السُّجُود عَلَى كَوْر الْعِمَامَة، وَإِنْ كَانَ طَاقَة أَوْ طَاقَتَيْنِ مِثْل الثِّيَاب الَّتِي تَسْتُر الرُّكَب وَالْقَدَمَيْنِ فَلَا بَأْس، وَالْأَفْضَل مُبَاشَرَة الْأَرْض أَوْ مَا يُسْجَد عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يُؤْذِيه أَزَالَهُ قَبْل دُخُوله فِي الصَّلَاة، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلْيَمْسَحْهُ مَسْحَة وَاحِدَة.
وَرَوَى مُسْلِم عَنْ مُعَيْقِيب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يَسْجُد قَالَ ( إِنْ كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَة ) وَرُوِيَ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ :( كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّة الْحَرّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدنَا أَنْ يُمَكِّن جَبْهَته مِنْ الْأَرْض بَسَطَ ثَوْبه فَسَجَدَ عَلَيْهِ.
) لِمَا قَالَ تَعَالَى :" اِرْكَعُوا وَاسْجُدُوا " [ الْحَجّ : ٧٧ ] قَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا وَغَيْرهمْ يَكْفِي مِنْهَا مَا يُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا، وَكَذَلِكَ مِنْ الْقِيَام وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الطُّمَأْنِينَة فِي ذَلِكَ فَأَخَذُوا بِأَقَلّ الِاسْم فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الْأَحَادِيث الثَّابِتَة فِي إِلْغَاء الصَّلَاة قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَلَا يَجْزِي رُكُوع وَلَا سُجُود وَلَا وُقُوف بَعْد الرُّكُوع وَلَا جُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَعْتَدِل رَاكِعًا وَوَاقِفًا وَسَاجِدًا وَجَالِسًا.
وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْأَثَر وَعَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَهْل النَّظَر وَهِيَ رِوَايَة اِبْن وَهْب وَأَبِي مُصْعَب عَنْ مَالِك.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ تَكَاثَرَتْ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن الْقَاسِم وَغَيْره بِوُجُوبِ الْفَصْل وَسُقُوط الطُّمَأْنِينَة وَهُوَ وَهْم عَظِيم لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا وَأَمَرَ بِهَا وَعَلَّمَهَا.
وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْأَثَر وَعَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَهْل النَّظَر وَهِيَ رِوَايَة اِبْن وَهْب وَأَبِي مُصْعَب عَنْ مَالِك.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ تَكَاثَرَتْ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن الْقَاسِم وَغَيْره بِوُجُوبِ الْفَصْل وَسُقُوط الطُّمَأْنِينَة وَهُوَ وَهْم عَظِيم لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا وَأَمَرَ بِهَا وَعَلَّمَهَا.
فَإِنْ كَانَ لِابْنِ الْقَاسِم عُذْر أَنْ كَانَ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهَا فَمَا لَكُمْ أَنْتُمْ وَقَدْ اِنْتَهَى الْعِلْم إِلَيْكُمْ وَقَامَتْ الْحُجَّة بِهِ عَلَيْكُمْ رَوَى النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ رِفَاعَة بْن رَافِع قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُل فَدَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْقَوْم فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) وَجَعَلَ يُصَلِّي وَجَعَلْنَا نَرْمُق صَلَاته لَا نَدْرِي مَا يَعِيب مِنْهَا فَلَمَّا جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْقَوْم فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَعَلَيْك اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) قَالَ هَمَّام فَلَا نَدْرِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ الرَّجُل مَا أَلَوْت فَلَا أَدْرِي مَا عِبْت عَلَيَّ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّهُ لَا تَتِمّ صَلَاة أَحَدكُمْ حَتَّى يُسْبِغ الْوُضُوء كَمَا أَمَرَهُ اللَّه فَيَغْسِل وَجْهه وَيَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَيَمْسَح بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُكَبِّر اللَّه تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقْرَأ أُمّ الْقُرْآن وَمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ ثُمَّ يُكَبِّر فَيَرْكَع فَيَضَع كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنّ مَفَاصِله وَيَسْتَرْخِي ثُمَّ يَقُول سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ وَيَسْتَوِي قَائِمًا حَتَّى يُقِيم صُلْبه وَيَأْخُذ كُلّ عَظْم مَأْخُوذه ثُمَّ يُكَبِّر فَيَسْجُد فَيُمَكِّن وَجْهه قَالَ هَمَّام وَرُبَّمَا قَالَ جَبْهَته مِنْ الْأَرْض حَتَّى تَطْمَئِنّ مَفَاصِله وَيَسْتَرْخِي ثُمَّ يُكَبِّر فَيَسْتَوِي قَاعِدًا عَلَى مَقْعَده وَيُقِيم صُلْبه فَوَصَفَ الصَّلَاة هَكَذَا أَرْبَع رَكَعَات حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَالَ لَا تَتِمّ صَلَاة أَحَدكُمْ حَتَّى يَفْعَل ذَلِكَ ) وَمِثْله حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة خَرَّجَهُ مُسْلِم وَقَدْ تَقَدَّمَ قُلْت : فَهَذَا بَيَان الصَّلَاة الْمُجْمَلَة فِي الْكِتَاب بِتَعْلِيمِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَتَبْلِيغه إِيَّاهَا جَمِيع الْأَنَام فَمَنْ لَمْ يَقِف عِنْد هَذَا الْبَيَان وَأَخَلَّ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ الرَّحْمَن وَلَمْ يَمْتَثِل مَا بَلَغَهُ عَنْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ مِنْ جُمْلَة مِنْ دَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات " [ مَرْيَم : ٥٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ رَأَى حُذَيْفَة رَجُلًا لَا يُتِمّ الرُّكُوع وَلَا السُّجُود فَقَالَ ( مَا صَلَّيْت وَلَوْ مُتّ لَمُتّ عَلَى غَيْر الْفِطْرَة الَّتِي فَطَرَ اللَّه عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
مَعَ الرَّاكِعِينَ
" مَعَ " تَقْتَضِي الْمَعِيَّة وَالْجَمْعِيَّة وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِالْقُرْآنِ إِنَّ الْأَمْر بِالصَّلَاةِ أَوَّلًا لَمْ يَقْتَضِ شُهُود الْجَمَاعَة فَأَمَرَهُمْ بِقَوْلِهِ " مَعَ " شُهُود الْجَمَاعَة وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي شُهُود الْجَمَاعَة عَلَى قَوْلَيْنِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَن الْمُؤَكَّدَة وَيَجِب عَلَى مَنْ أَدْمَنَ التَّخَلُّف عَنْهَا مِنْ غَيْر عُذْر الْعُقُوبَة وَقَدْ أَوْجَبَهَا بَعْض أَهْل الْعِلْم فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَة قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَهَذَا قَوْل صَحِيح لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُجْتَمَع عَلَى تَعْطِيل الْمَسَاجِد كُلّهَا مِنْ الْجَمَاعَات فَإِذَا قَامَتْ الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد فَصَلَاة الْمُنْفَرِد فِي بَيْته جَائِزَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( صَلَاة الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ صَلَاة الْفَرْد بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( صَلَاة الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ صَلَاة أَحَدكُمْ وَحْده بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ).
وَقَالَ دَاوُد الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَرْض عَلَى كُلّ أَحَد فِي خَاصَّته كَالْجُمُعَةِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا صَلَاة لِجَارِ الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَبِي ثَوْر وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا أُرَخِّص لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجَمَاعَة فِي تَرْك إِتْيَانهَا إِلَّا مِنْ عُذْر حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِد يَقُودنِي إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّص لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْته فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ ( هَلْ تَسْمَع النِّدَاء بِالصَّلَاةِ ) قَالَ نَعَمْ قَالَ ( فَأَجِبْ ) وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا أَجِد لَك رُخْصَة ).
" مَعَ " تَقْتَضِي الْمَعِيَّة وَالْجَمْعِيَّة وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل بِالْقُرْآنِ إِنَّ الْأَمْر بِالصَّلَاةِ أَوَّلًا لَمْ يَقْتَضِ شُهُود الْجَمَاعَة فَأَمَرَهُمْ بِقَوْلِهِ " مَعَ " شُهُود الْجَمَاعَة وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي شُهُود الْجَمَاعَة عَلَى قَوْلَيْنِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَن الْمُؤَكَّدَة وَيَجِب عَلَى مَنْ أَدْمَنَ التَّخَلُّف عَنْهَا مِنْ غَيْر عُذْر الْعُقُوبَة وَقَدْ أَوْجَبَهَا بَعْض أَهْل الْعِلْم فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَة قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَهَذَا قَوْل صَحِيح لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُجْتَمَع عَلَى تَعْطِيل الْمَسَاجِد كُلّهَا مِنْ الْجَمَاعَات فَإِذَا قَامَتْ الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد فَصَلَاة الْمُنْفَرِد فِي بَيْته جَائِزَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( صَلَاة الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ صَلَاة الْفَرْد بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( صَلَاة الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ صَلَاة أَحَدكُمْ وَحْده بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ).
وَقَالَ دَاوُد الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَرْض عَلَى كُلّ أَحَد فِي خَاصَّته كَالْجُمُعَةِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا صَلَاة لِجَارِ الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد ) خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَبِي ثَوْر وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا أُرَخِّص لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجَمَاعَة فِي تَرْك إِتْيَانهَا إِلَّا مِنْ عُذْر حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِد يَقُودنِي إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّص لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْته فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ ( هَلْ تَسْمَع النِّدَاء بِالصَّلَاةِ ) قَالَ نَعَمْ قَالَ ( فَأَجِبْ ) وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا أَجِد لَك رُخْصَة ).
خَرَّجَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ هُوَ السَّائِل وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَلَمْ يَمْنَعهُ مِنْ إِتْيَانه عُذْر قَالُوا وَمَا الْعُذْر قَالَ خَوْف أَوْ مَرَض لَمْ تُقْبَل مِنْهُ الصَّلَاة الَّتِي صَلَّى ) قَالَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ : هَذَا يَرْوِيه مَغْرَاء الْعَبْدِيّ وَالصَّحِيح مَوْقُوف عَلَى اِبْن عَبَّاس ( مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَلَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاة لَهُ ) عَلَى أَنَّ قَاسِم بْن أَصْبَغ ذَكَرَهُ فِي كِتَابه فَقَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن حَرْب حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْر ) وَحَسْبك بِهَذَا الْإِسْنَاد صِحَّة وَمَغْرَاء الْعَبْدِيّ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( بَيْننَا وَبَيْن الْمُنَافِقِينَ شُهُود الْعَتَمَة وَالصُّبْح لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا ) قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَلَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا ( مَنْ سَمِعَ النِّدَاء فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْر عُذْر فَلَا صَلَاة لَهُ ) مِنْهُمْ اِبْن مَسْعُود وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُر فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا حُزَمًا مِنْ حَطَب ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ لَيْسَتْ لَهُمْ عِلَّة فَأُحْرِقهَا عَلَيْهِمْ ) هَذَا مَا اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَرْضًا وَهِيَ ظَاهِرَة فِي الْوُجُوب وَحَمَلَهَا الْجُمْهُور عَلَى تَأْكِيد أَمْر شُهُود الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَة بِدَلِيلِ حَدِيث اِبْن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة وَحَمَلُوا قَوْل الصَّحَابَة وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث مِنْ أَنَّهُ ( لَا صَلَاة لَهُ ) عَلَى الْكَمَال وَالْفَضْل وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِ أُمّ مَكْتُوم ( فَأَجِبْ ) عَلَى النَّدْب وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( لَقَدْ هَمَمْت ) لَا يَدُلّ عَلَى الْوُجُوب الْحَتْم لِأَنَّهُ هَمَّ وَلَمْ يَفْعَل وَإِنَّمَا مَخْرَجه مَخْرَج التَّهْدِيد وَالْوَعِيد لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة يُبَيِّن هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّه غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّه شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَن الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَن الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّف فِي بَيْته لَتَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُل يَتَطَهَّر فَيُحْسِن الطُّهُور ثُمَّ
يَعْمِد إِلَى مَسْجِد مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِد إِلَّا كَتَبَ اللَّه لَهُ بِكُلِّ خُطْوَة يَخْطُوهَا حَسَنَة وَيَرْفَعهُ بِهَا دَرَجَة وَيَحُطّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَة وَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُل يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْن الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ ).
فَبَيَّنَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَدِيثه أَنَّ الِاجْتِمَاع سُنَّة مِنْ سُنَن الْهُدَى وَتَرْكه ضَلَال، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل عِيَاض : اُخْتُلِفَ فِي التَّمَالُؤ عَلَى تَرْك ظَاهِر السُّنَن، هَلْ يُقَاتَل عَلَيْهَا أَوْ لَا، وَالصَّحِيح قِتَالهمْ ; لِأَنَّ فِي التَّمَالُؤ عَلَيْهَا إِمَاتَتهَا قُلْت : فَعَلَى هَذَا إِذَا أُقِيمَتْ السُّنَّة وَظَهَرَتْ جَازَتْ صَلَاة الْمُنْفَرِد وَصَحَّتْ رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صَلَاة الرَّجُل فِي جَمَاعَة تَزِيد عَلَى صَلَاته فِي بَيْته وَصَلَاته فِي سُوقه بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لَا يُنْهِزهُ إِلَّا الصَّلَاة لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فَلَمْ يَخْطُ خُطْوَة إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَة وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَة حَتَّى يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِد كَانَ فِي الصَّلَاة مَا كَانَتْ الصَّلَاة هِيَ تَحْبِسهُ وَالْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِث فِيهِ ).
قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَة : مَا يُحْدِث ؟ قَالَ : يَفْسُو أَوْ يَضْرِط.
فَبَيَّنَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَدِيثه أَنَّ الِاجْتِمَاع سُنَّة مِنْ سُنَن الْهُدَى وَتَرْكه ضَلَال، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل عِيَاض : اُخْتُلِفَ فِي التَّمَالُؤ عَلَى تَرْك ظَاهِر السُّنَن، هَلْ يُقَاتَل عَلَيْهَا أَوْ لَا، وَالصَّحِيح قِتَالهمْ ; لِأَنَّ فِي التَّمَالُؤ عَلَيْهَا إِمَاتَتهَا قُلْت : فَعَلَى هَذَا إِذَا أُقِيمَتْ السُّنَّة وَظَهَرَتْ جَازَتْ صَلَاة الْمُنْفَرِد وَصَحَّتْ رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صَلَاة الرَّجُل فِي جَمَاعَة تَزِيد عَلَى صَلَاته فِي بَيْته وَصَلَاته فِي سُوقه بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوء ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لَا يُنْهِزهُ إِلَّا الصَّلَاة لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فَلَمْ يَخْطُ خُطْوَة إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَة وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَة حَتَّى يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِد كَانَ فِي الصَّلَاة مَا كَانَتْ الصَّلَاة هِيَ تَحْبِسهُ وَالْمَلَائِكَة يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ اِرْحَمْهُ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِث فِيهِ ).
قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَة : مَا يُحْدِث ؟ قَالَ : يَفْسُو أَوْ يَضْرِط.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْفَضْل الْمُضَاف لِلْجَمَاعَةِ هَلْ لِأَجْلِ الْجَمَاعَة فَقَطْ حَيْثُ كَانَتْ أَوْ إِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ الْفَضْل لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَكُون فِي الْمَسْجِد لِمَا يُلَازِم ذَلِكَ مِنْ أَفْعَال تَخْتَصّ بِالْمَسَاجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث قَوْلَانِ وَالْأَوَّل أَظْهَر لِأَنَّ الْجَمَاعَة هُوَ الْوَصْف الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْم وَاَللَّه أَعْلَم وَمَا كَانَ مِنْ إِكْثَار الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِد وَقَصْد الْإِتْيَان إِلَيْهَا وَالْمُكْث فِيهَا فَذَلِكَ زِيَادَة ثَوَاب خَارِج عَنْ فَضْل الْجَمَاعَة وَاَللَّه أَعْلَم وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَفْضُل جَمَاعَةٌ جَمَاعَةً بِالْكَثْرَةِ وَفَضِيلَة الْإِمَام فَقَالَ مَالِك لَا وَقَالَ اِبْن حَبِيب نَعَمْ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( صَلَاة الرَّجُل مَعَ الرَّجُل أَزْكَى مِنْ صَلَاته وَحْده وَصَلَاته مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاته مَعَ الرَّجُل وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبّ إِلَى اللَّه ) رَوَاهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إِسْنَاده لِين وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَة هَلْ يُعِيد صَلَاته تِلْكَ فِي جَمَاعَة أُخْرَى فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابهمْ إِنَّمَا يُعِيد الصَّلَاة فِي جَمَاعَة مَعَ الْإِمَام مَنْ صَلَّى وَحْده فِي بَيْته وَأَهْله أَوْ فِي غَيْر بَيْته وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَة وَإِنْ قُلْت فَإِنَّهُ لَا يُعِيد فِي جَمَاعَة أَكْثَر مِنْهَا وَلَا أَقَلّ وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ وَدَاوُد بْن عَلِيّ جَائِز لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَة وَوَجَدَ أُخْرَى فِي تِلْكَ الصَّلَاة أَنْ يُعِيدهَا مَعَهُمْ إِنْ شَاءَ لِأَنَّهَا نَافِلَة وَسُنَّة وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأَنَس بْن مَالِك وَصِلَة بْن زُفَر وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَبِهِ قَالَ حَمَّاد بْن زَيْد وَسُلَيْمَان بْن حَرْب اِحْتَجَّ مَالِك بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تُصَلَّى صَلَاة فِي يَوْم مَرَّتَيْنِ ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول لَا تُصَلُّوا رَوَاهُ سُلَيْمَان بْن يَسَار عَنْ اِبْن عُمَر وَاتَّفَقَ أَحْمَد وَإِسْحَاق عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنْ يُصَلِّي الْإِنْسَان الْفَرِيضَة ثُمَّ يَقُوم فَيُصَلِّيهَا ثَانِيَة يَنْوِي بِهَا الْفَرْض مَرَّة أُخْرَى فَأَمَّا إِذَا صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَام عَلَى أَنَّهَا سُنَّة أَوْ تَطَوُّع فَلَيْسَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة فِي جَمَاعَة ( إِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَة ) مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ وَغَيْره رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فَأَعْلَمهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّة سَوَاء فَأَقْدَمهمْ هِجْرَة فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فَأَقْدَمهمْ سِلْمًا وَلَا يَؤُمَّن الرَّجُل الرَّجُل فِي سُلْطَانه وَلَا يَقْعُد فِي بَيْته عَلَى تَكْرِمَته إِلَّا بِإِذْنِهِ ) وَفِي رِوَايَة ( سِنًّا ) مَكَان ( سِلْمًا ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ قَالَ شُعْبَة فَقُلْت لِإِسْمَاعِيل مَا
تَكْرِمَته قَالَ فِرَاشه وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث أَبِي مَسْعُود حَدِيث حَسَن صَحِيح وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم قَالُوا : أَحَقّ النَّاس بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّه وَأَعْلَمهُمْ بِالسُّنَّةِ وَقَالُوا صَاحِب الْمَنْزِل أَحَقّ بِالْإِمَامَةِ وَقَالَ بَعْضهمْ إِذَا أَذِنَ صَاحِب الْمَنْزِل لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْس أَنْ يُصَلِّي بِهِ وَكَرِهَهُ بَعْضهمْ، وَقَالُوا السُّنَّة أَنْ يُصَلِّي صَاحِب الْبَيْت قَالَ اِبْن الْمُنْذِر رُوِّينَا عَنْ الْأَشْعَث بْن قَيْس أَنَّهُ قَدَّمَ غُلَامًا وَقَالَ إِنَّمَا أُقَدِّم الْقُرْآن وَمِمَّنْ قَالَ يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ اِبْن سِيرِينَ وَالثَّوْرِيّ وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي قَالَ اِبْن الْمُنْذِر بِهَذَا نَقُول لِأَنَّهُ مُوَافِق لِلسُّنَّةِ وَقَالَ مَالِك يَتَقَدَّم الْقَوْم أَعْلَمهُمْ إِذَا كَانَتْ حَاله حَسَنَة وَإِنَّ لِلسِّنِّ حَقًّا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَؤُمّهُمْ أَفْقَههمْ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر إِذَا كَانَ يَقْرَأ الْقُرْآن وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَقِيه أَعْرَف بِمَا يَنُوبهُ مِنْ الْحَوَادِث فِي الصَّلَاة وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث بِأَنَّ الْأَقْرَأ مِنْ الصَّحَابَة كَانَ الْأَفْقَه لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ فِي الْقُرْآن، وَقَدْ كَانَ مِنْ عُرْفهمْ الْغَالِب تَسْمِيَتهمْ الْفُقَهَاء بِالْقُرَّاءِ وَاسْتَدَلُّوا بِتَقْدِيمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبَا بَكْر لِفَضْلِهِ وَعِلْمه وَقَالَ إِسْحَاق إِنَّمَا قَدَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَته بَعْده ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر فِي التَّمْهِيد وَرَوَى أَبُو بَكْر الْبَزَّار بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا سَافَرْتُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ وَإِنْ كَانَ أَصْغَركُمْ وَإِذَا أَمَّكُمْ فَهُوَ أَمِيركُمْ ) قَالَ لَا نَعْلَمهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة بِهَذَا الْإِسْنَاد قُلْت : إِمَامَة الصَّغِير جَائِزَة إِذَا كَانَ قَارِئًا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عُمَر بْن سَلَمَة قَالَ كُنَّا بِمَاء مَمَرّ النَّاس وَكَانَ يَمُرّ بِنَا الرُّكْبَان فَنَسْأَلهُمْ مَا لِلنَّاسِ ؟ مَا هَذَا الرَّجُل ؟ فَيَقُولُونَ يَزْعُم أَنَّ اللَّه أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا أَوْحَى إِلَيْهِ كَذَا فَكُنْت أَحْفَظ ذَلِكَ الْكَلَام فَكَأَنَّمَا يَقَرّ فِي صَدْرِي وَكَانَتْ الْعَرَب تَلُوم بِإِسْلَامِهَا فَيَقُولُونَ اُتْرُكُوهُ وَقَوْمه فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيّ صَادِق فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة الْفَتْح بَادَرَ كُلّ قَوْم بِإِسْلَامِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاَللَّه مِنْ عِنْد نَبِيّ اللَّه حَقًّا، قَالَ :( صَلُّوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا ).
فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَد أَكْثَر مِنِّي قُرْآنًا لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَان فَقَدَّمُونِي بَيْن أَيْدِيهمْ وَأَنَا اِبْن سِتّ أَوْ سَبْع سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَة إِذَا سَجَدْت تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ الْحَيّ أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اِسْت قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْت بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيص وَمِمَّنْ أَجَازَ إِمَامَة الصَّبِيّ غَيْر الْبَالِغ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر إِذَا عَقَلَ الصَّلَاة وَقَامَ بِهَا لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَة قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ ) وَلَمْ يَسْتَثْنِ وَلِحَدِيثِ عَمْرو بْن سَلَمَة وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ يَؤُمّ فِي سَائِر الصَّلَوَات وَلَا يَؤُمّ فِي الْجُمُعَة وَقَدْ كَانَ قَبْل يَقُول وَمَنْ أَجْزَأَتْ إِمَامَته فِي الْمَكْتُوبَة أَجْزَأَتْ إِمَامَته فِي الْأَعْيَاد غَيْر أَنِّي أَكْرَه فِيهَا إِمَامَة غَيْر الْوَالِي وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : لَا يَؤُمّ الْغُلَام فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة حَتَّى يَحْتَلِم إِلَّا أَنْ يَكُون قَوْم لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْقُرْآن شَيْء فَإِنَّهُ يَؤُمّهُمْ الْغُلَام الْمُرَاهِق وَقَالَ الزُّهْرِيّ إِنْ اُضْطُرُّوا إِلَيْهِ أَمَّهُمْ وَمَنَعَ ذَلِكَ جُمْلَة مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي الِائْتِمَام بِكُلِّ إِمَام بَالِغ مُسْلِم حُرّ عَلَى اِسْتِقَامَة جَائِز مِنْ غَيْر خِلَاف إِذَا كَانَ يَعْلَم حُدُود الصَّلَاة وَلَمْ يَكُنْ يَلْحَن فِي أُمّ الْقُرْآن لَحْنًا يُخِلّ بِالْمَعْنَى مِثْل أَنْ يَكْسِر الْكَاف مِنْ " إِيَّاكَ نَعْبُد " [ الْفَاتِحَة : ٥ ] وَيَضُمّ التَّاء فِي " أَنْعَمْت " وَمِنْهُمْ مَنْ رَاعَى تَفْرِيق الطَّاء مِنْ الضَّاد وَإِنْ لَمْ يُفَرِّق بَيْنهمَا لَا تَصِحّ إِمَامَته لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا يَخْتَلِف وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ كُلّه إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّ مِثْله وَلَا يَجُوز الِائْتِمَام بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى مُشْكِل وَلَا كَافِر وَلَا مَجْنُون وَلَا أُمِّيّ وَلَا يَكُون وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ إِمَامًا بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَال عِنْد أَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره إِلَّا الْأُمِّيّ لِمِثْلِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا تَصِحّ إِمَامَة الْأُمِّيّ الَّذِي لَا يُحْسِن الْقِرَاءَة مَعَ حُضُور الْقَارِئ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ فَإِنْ أَمَّ أُمِّيًّا مِثْله صَحَّتْ صَلَاتهمْ عِنْدنَا وَعِنْد الشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة إِذَا صَلَّى الْأُمِّيّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ وَبِقَوْمٍ أُمِّيِّينَ فَصَلَاتهمْ كُلّهمْ فَاسِدَة وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُف فَقَالَ صَلَاة الْإِمَام وَمَنْ لَا يَقْرَأ تَامَّة وَقَالَتْ فِرْقَة صَلَاتهمْ كُلّهمْ جَائِزَة لِأَنَّ كُلًّا مُؤَدٍّ فَرْضه وَذَلِكَ مِثْل الْمُتَيَمِّم يُصَلِّي بِالْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ وَالْمُصَلِّي قَاعِدًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ قِيَام صَلَاتهمْ مُجْزِئَة فِي قَوْل مَنْ خَالَفَنَا لِأَنَّ كُلًّا مُؤَدٍّ فَرْض نَفْسه قُلْت : وَقَدْ يُحْتَجّ لِهَذَا الْقَوْل بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( أَلَّا يَنْظُر الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْف يُصَلِّي فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَإِنَّ صَلَاة الْمَأْمُوم لَيْسَتْ مُرْتَبِطَة
بِصَلَاةِ الْإِمَام وَاَللَّه أَعْلَم وَكَانَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَقُول إِذَا كَانَتْ اِمْرَأَته تَقْرَأ كَبَّرَ هُوَ وَتَقْرَأ هِيَ فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ الْقِرَاءَة كَبَّرَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَهِيَ خَلْفه تُصَلِّي وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ قَتَادَة وَلَا بَأْس بِإِمَامَةِ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج وَالْأَشَلّ وَالْأَقْطَع وَالْخَصِيّ وَالْعَبْد إِذَا كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَالِمًا بِالصَّلَاةِ وَقَالَ اِبْن وَهْب لَا أَرَى أَنْ يَؤُمّ الْأَقْطَع وَالْأَشَلّ لِأَنَّهُ مُنْتَقِص عَنْ دَرَجَة الْكَمَال وَكَرِهْت إِمَامَته لِأَجْلِ النَّقْص وَخَالَفَهُ جُمْهُور أَصْحَابه وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ عُضْو لَا يَمْنَع فَقْده فَرْضًا مِنْ فُرُوض الصَّلَاة فَجَازَتْ الْإِمَامَة الرَّاتِبَة مَعَ فَقْده كَالْعَيْنِ وَقَدْ رَوَى أَنَس ( أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَخْلَفَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم يَؤُمّ النَّاس وَهُوَ أَعْمَى، ) وَكَذَا الْأَعْرَج وَالْأَقْطَع وَالْأَشَلّ وَالْخَصِيّ قِيَاسًا وَنَظَرًا وَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَعْمَى :( وَمَا حَاجَتهمْ إِلَيْهِ وَكَانَ اِبْن عَبَّاس وَعِتْبَان بْن مَالِك يَؤُمَّانِ وَكِلَاهُمَا أَعْمَى، ) وَعَلَيْهِ عَامَّة الْعُلَمَاء وَاخْتَلَفُوا فِي إِمَامَة وَلَد الزِّنَى فَقَالَ مَالِك أَكْرَه أَنْ يَكُون إِمَامًا رَاتِبًا وَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَقُول لَهُ أَنْ يَؤُمّ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا، وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَتُجْزِئ الصَّلَاة خَلْفه عِنْد أَصْحَاب الرَّأْي وَغَيْره أَحَبّ إِلَيْهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيّ : أَكْرَه أَنْ يُنَصَّب إِمَامًا رَاتِبًا مَنْ لَا يُعْرَف أَبُوهُ وَمَنْ صَلَّى خَلْفه أَجْزَأَهُ وَقَالَ عِيسَى بْن دِينَار لَا أَقُول بِقَوْلِ مَالِك فِي إِمَامَة وَلَد الزِّنَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْب أَبَوَيْهِ شَيْء وَنَحْوه قَالَ اِبْن عَبْد الْحَكَم إِذَا كَانَ فِي نَفْسه أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر يَؤُمّ لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَة قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ ) وَقَالَ أَبُو عُمَر لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ الْآثَار الْوَارِدَة فِي شَرْط الْإِمَامَة مَا يَدُلّ عَلَى مُرَاعَاة نَسَب وَإِنَّمَا فِيهَا الدَّلَالَة عَلَى الْفِقْه وَالْقِرَاءَة وَالصَّلَاح فِي الدِّين وَأَمَّا الْعَبْد فَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ :( لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعَصَبَة مَوْضِع بِقُبَاء قَبْل مَقْدِم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمّهُمْ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَكَانَ أَكْثَرهمْ قُرْآنًا.
) وَعَنْهُ قَالَ :( كَانَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَؤُمّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِد قُبَاء فِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمْر وَزَيْد وَعَامِر بْن رَبِيعَة وَكَانَتْ عَائِشَة يَؤُمّهَا عَبْدهَا ذَكْوَان مِنْ الْمُصْحَف.
) وَعَنْهُ قَالَ :( كَانَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة يَؤُمّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَأَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِد قُبَاء فِيهِمْ أَبُو بَكْر وَعُمْر وَزَيْد وَعَامِر بْن رَبِيعَة وَكَانَتْ عَائِشَة يَؤُمّهَا عَبْدهَا ذَكْوَان مِنْ الْمُصْحَف.
) قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَأَمَّ أَبُو سَعِيد مَوْلَى أَبِي أُسَيْد، وَهُوَ عَبْد نَفَرًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ حُذَيْفَة وَأَبُو مَسْعُود وَرَخَّصَ فِي إِمَامَة الْعَبْد النَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْحَكَم وَالثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو مِجْلَز وَقَالَ مَالِك لَا يَؤُمّهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُون الْعَبْد قَارِئًا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْرَار لَا يَقْرَءُونَ إِلَّا أَنْ يَكُون فِي عِيد أَوْ جُمُعَة فَإِنَّ الْعَبْد لَا يَؤُمّهُمْ فِيهَا وَيُجْزِئ عِنْد الْأَوْزَاعِيّ إِنْ صَلَّوْا وَرَاءَهُ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر الْعَبْد دَاخِل فِي جُمْلَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمّ الْقَوْم أَقْرَؤُهُمْ وَأَمَّا الْمَرْأَة فَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي بَكْرَة قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْل فَارِس قَدْ مَلَّكُوا بِنْت كِسْرَى قَالَ ( لَنْ يُفْلِح قَوْم وَلَّوْا أَمْرهمْ اِمْرَأَة ) وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَّاد عَنْ أُمّ وَرَقَة بِنْت عَبْد اللَّه قَالَ :( وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورهَا فِي بَيْتهَا قَالَ وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّن لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمّ أَهْل دَارهَا ) قَالَ عَبْد الرَّحْمَن ( فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنهَا شَيْخًا كَبِيرًا ) قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَالشَّافِعِيّ يُوجِب الْإِعَادَة عَلَى مَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَال خَلْف الْمَرْأَة وَقَالَ أَبُو ثَوْر لَا إِعَادَة عَلَيْهِمْ وَهَذَا قِيَاس قَوْل الْمُزَنِيّ قُلْت : وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا لَا تَصِحّ إِمَامَتهَا لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَرَوَى اِبْن أَيْمَن جَوَاز إِمَامَتهَا لِلنِّسَاءِ.
وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِل فَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَؤُمّ الرِّجَال وَيَؤُمّ النِّسَاء.
وَقَالَ مَالِك : لَا يَكُون إِمَامًا بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْفُقَهَاء.
الْكَافِر الْمُخَالِف لِلشَّرْعِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ يَؤُمّ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِكُفْرِهِ.
وَكَانَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد يَقُولَانِ لَا يُجْزِئهُمْ وَيُعِيدُونَ وَقَالَهُ مَالِك وَأَصْحَابه لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَة.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : يُعَاقِب.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ لَا إِعَادَة عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفه وَلَا يَكُون بِصَلَاتِهِ مُسْلِمًا عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر.
وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِل فَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَؤُمّ الرِّجَال وَيَؤُمّ النِّسَاء.
وَقَالَ مَالِك : لَا يَكُون إِمَامًا بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْفُقَهَاء.
الْكَافِر الْمُخَالِف لِلشَّرْعِ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ يَؤُمّ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِكُفْرِهِ.
وَكَانَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد يَقُولَانِ لَا يُجْزِئهُمْ وَيُعِيدُونَ وَقَالَهُ مَالِك وَأَصْحَابه لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَة.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : يُعَاقِب.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ لَا إِعَادَة عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفه وَلَا يَكُون بِصَلَاتِهِ مُسْلِمًا عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر.
وَقَالَ أَحْمَد : يُجْبَر عَلَى الْإِسْلَام وَأَمَّا أَهْل الْبِدَع مِنْ أَهْل الْأَهْوَاء كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرهمَا فَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ الْحَسَن صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَته وَقَالَ أَحْمَد لَا يُصَلَّى خَلْف أَحَد مِنْ أَهْل الْأَهْوَاء إِذَا كَانَ دَاعِيَة إِلَى هَوَاهُ وَقَالَ مَالِك وَيُصَلَّى خَلْف أَئِمَّة الْجَوْر وَلَا يُصَلَّى خَلْف أَهْل الْبِدَع مِنْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر كُلّ مَنْ أَخْرَجَتْهُ بِدْعَته إِلَى الْكُفْر لَمْ تَجُزْ الصَّلَاة خَلْفه وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالصَّلَاة خَلْفه جَائِزَة وَلَا يَجُوز تَقْدِيم مَنْ هَذِهِ صِفَته وَأَمَّا الْفَاسِق بِجَوَارِحِهِ كَالزَّانِي وَشَارِب الْخَمْر وَنَحْو ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَب فِيهِ فَقَالَ اِبْن حَبِيب مَنْ صَلَّى وَرَاء مَنْ شَرِبَ الْخَمْر فَإِنَّهُ يُعِيد أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَكُون الْوَالِي الَّذِي تُؤَدَّى إِلَيْهِ الطَّاعَة فَلَا إِعَادَة عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفه إِلَّا أَنْ يَكُون حِينَئِذٍ سَكْرَان قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَاب مَالِك، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَر ( لَا تَؤُمَّن اِمْرَأَة رَجُلًا وَلَا يَؤُمَّن أَعْرَابِيّ مُهَاجِرًا وَلَا يَؤُمَّن فَاجِر بَرًّا إِلَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ ذَا سُلْطَان ) قَالَ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ هَذَا يَرْوِيه عَلِيّ بْن زَيْد بْن جَدْعَان عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَكْثَر يُضَعِّف عَلِيّ بْن زَيْد وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُزَكُّوا صَلَاتكُمْ فَقَدِّمُوا خِيَاركُمْ ) فِي إِسْنَاده أَبُو الْوَلِيد خَالِد بْن إِسْمَاعِيل الْمَخْزُومِيّ وَهُوَ ضَعِيف قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِيهِ أَبُو أَحْمَد بْن عَدِيّ كَانَ يَضَع الْحَدِيث عَلَى ثِقَات الْمُسْلِمِينَ وَحَدِيثه هَذَا يَرْوِيه عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ سَلَّام بْن سُلَيْمَان عَنْ عُمَر عَنْ مُحَمَّد بْن وَاسِع عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِجْعَلُوا أَئِمَّتكُمْ خِيَاركُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْد فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْن اللَّه ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عُمَر هَذَا هُوَ عِنْدِي عُمَر بْن يَزِيد قَاضِي الْمَدَائِن وَسَلَّام بْن سُلَيْمَان أَيْضًا مَدَائِنِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَهُ عَبْد الْحَقّ رَوَى الْأَئِمَّة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَام لِيُؤْتَمّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمْده فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْد وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ ) وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ رَكَعَ أَوْ خَفَضَ قَبْل الْإِمَام عَامِدًا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ صَلَاته فَاسِدَة إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيهَا كُلّهَا أَوْ فِي أَكْثَرهَا وَهُوَ قَوْل أَهْل الظَّاهِر وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر.
ذَكَرَ سُنَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ أَبِي الْوَرْد الْأَنْصَارِيّ قَالَ صَلَّيْت إِلَى جَنْب اِبْن عُمَر فَجَعَلْت أَرْفَع قَبْل الْإِمَام وَأَضَع قَبْله فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَام أَخَذَ اِبْن عُمَر بِيَدَيَّ فَلَوَانِي وَجَذَبَنِي فَقُلْت مَا لَك قَالَ مَنْ أَنْتَ قُلْت فُلَان بْن فُلَان قَالَ أَنْتَ مِنْ أَهْل بَيْت صِدْق فَمَا يَمْنَعك أَنْ تُصَلِّي قُلْت أَوَمَا رَأَيْتنِي إِلَى جَنْبك قَالَ قَدْ رَأَيْتُك تَرْفَع قَبْل الْإِمَام وَتَضَع قَبْله وَإِنَّهُ ( لَا صَلَاة لِمَنْ خَالَفَ الْإِمَام ).
وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ فِيمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْل الْإِمَام ثُمَّ رَفَعَ مِنْ رُكُوعه أَوْ سُجُوده قَبْل أَنْ يَرْكَع الْإِمَام أَوْ يَسْجُد لَمْ يُعْتَدّ بِذَلِكَ وَلَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ أَكْثَر الْفُقَهَاء مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَمْ تَفْسُد صَلَاته لِأَنَّ الْأَصْل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَالِائْتِمَام فِيهَا بِالْأَئِمَّةِ سُنَّة حَسَنَة فَمَنْ خَالَفَهَا بَعْد أَنْ أَدَّى فَرْض صَلَاته بِطَهَارَتِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَفَرَائِضهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَتهَا وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْض سُنَنهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَنْفَرِد فَصَلَّى قَبْل إِمَامه تِلْكَ الصَّلَاة أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَبِئْسَ مَا فَعَلَ فِي تَرْكه الْجَمَاعَة قَالُوا وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاة الْإِمَام فَرَكَعَ بِرُكُوعِهِ وَسَجَدَ بِسُجُودِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رَكْعَة وَإِمَامه فِي أُخْرَى فَقَدْ اِفْتَدَى وَإِنَّ كَانَ يَرْفَع قَبْله وَيَخْفِض قَبْله لِأَنَّهُ بِرُكُوعِهِ يَرْكَع وَبِسُجُودِهِ يَسْجُد وَيَرْفَع، وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَبَع لَهُ إِلَّا أَنَّهُ مُسِيء فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ لِخِلَافِهِ سُنَّة الْمَأْمُوم الْمُجْتَمَع عَلَيْهَا قُلْت : مَا حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبِرّ عَنْ الْجُمْهُور يُنْبِئ عَلَى أَنَّ صَلَاة الْمَأْمُوم عِنْدهمْ غَيْر مُرْتَبِطَة بِصَلَاةِ الْإِمَام لِأَنَّ الْإِتْبَاع الْحِسِّيّ وَالشَّرْعِيّ مَفْقُود وَلَيْسَ الْأَمْر هَكَذَا عِنْد أَكْثَرهمْ وَالصَّحِيح فِي الْأَثَر وَالنَّظَر الْقَوْل الْأَوَّل فَإِنَّ الْإِمَام إِنَّمَا جُعِلَ لِيُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ بِأَفْعَالِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " [ الْبَقَرَة : ١٢٤ ] أَيْ يَأْتَمُّونَ بِك عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ فِيمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْل الْإِمَام ثُمَّ رَفَعَ مِنْ رُكُوعه أَوْ سُجُوده قَبْل أَنْ يَرْكَع الْإِمَام أَوْ يَسْجُد لَمْ يُعْتَدّ بِذَلِكَ وَلَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ أَكْثَر الْفُقَهَاء مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَمْ تَفْسُد صَلَاته لِأَنَّ الْأَصْل فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَالِائْتِمَام فِيهَا بِالْأَئِمَّةِ سُنَّة حَسَنَة فَمَنْ خَالَفَهَا بَعْد أَنْ أَدَّى فَرْض صَلَاته بِطَهَارَتِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَفَرَائِضهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَتهَا وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْض سُنَنهَا لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَنْفَرِد فَصَلَّى قَبْل إِمَامه تِلْكَ الصَّلَاة أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَبِئْسَ مَا فَعَلَ فِي تَرْكه الْجَمَاعَة قَالُوا وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاة الْإِمَام فَرَكَعَ بِرُكُوعِهِ وَسَجَدَ بِسُجُودِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رَكْعَة وَإِمَامه فِي أُخْرَى فَقَدْ اِفْتَدَى وَإِنَّ كَانَ يَرْفَع قَبْله وَيَخْفِض قَبْله لِأَنَّهُ بِرُكُوعِهِ يَرْكَع وَبِسُجُودِهِ يَسْجُد وَيَرْفَع، وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَبَع لَهُ إِلَّا أَنَّهُ مُسِيء فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ لِخِلَافِهِ سُنَّة الْمَأْمُوم الْمُجْتَمَع عَلَيْهَا قُلْت : مَا حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبِرّ عَنْ الْجُمْهُور يُنْبِئ عَلَى أَنَّ صَلَاة الْمَأْمُوم عِنْدهمْ غَيْر مُرْتَبِطَة بِصَلَاةِ الْإِمَام لِأَنَّ الْإِتْبَاع الْحِسِّيّ وَالشَّرْعِيّ مَفْقُود وَلَيْسَ الْأَمْر هَكَذَا عِنْد أَكْثَرهمْ وَالصَّحِيح فِي الْأَثَر وَالنَّظَر الْقَوْل الْأَوَّل فَإِنَّ الْإِمَام إِنَّمَا جُعِلَ لِيُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ بِأَفْعَالِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " [ الْبَقَرَة : ١٢٤ ] أَيْ يَأْتَمُّونَ بِك عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
هَذَا حَقِيقَة الْإِمَام لُغَة وَشَرْعًا فَمَنْ خَالَفَ إِمَامه لَمْ يَتْبَعهُ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ فَقَالَ ( إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ) الْحَدِيث فَأَتَى بِالْفَاءِ الَّتِي تُوجِب التَّعْقِيب وَهُوَ الْمُبَيِّن عَنْ اللَّه مُرَاده ثُمَّ أَوْعَدَ مَنْ رَفَعَ أَوْ رَكَعَ قَبْلُ وَعِيدًا شَدِيدًا فَقَالَ ( أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَع رَأْسه قَبْل الْإِمَام أَنْ يُحَوِّل اللَّه رَأْسه رَأْس حِمَار أَوْ صُورَته صُورَة حِمَار ) أَخْرَجَهُ الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمْ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة إِنَّمَا نَاصِيَته بِيَدِ شَيْطَان وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كُلّ عَمَل لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ ) يَعْنِي مَرْدُود فَمَنْ تَعَمَّدَ خِلَاف إِمَامه عَالِمًا بِأَنَّهُ مَأْمُور بِاتِّبَاعِهِ مَنْهِيّ عَنْ مُخَالَفَته فَقَدْ اِسْتَخَفَّ بِصَلَاتِهِ وَخَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ فَوَاجِب أَلَّا تَجْزِي عَنْهُ صَلَاته تِلْكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
فَإِنْ رَفَعَ رَأْسه سَاهِيًا قَبْل الْإِمَام فَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : السُّنَّة فِيمَنْ سَهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي رُكُوع أَوْ فِي سُجُود أَنْ يَرْجِع رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَيَنْتَظِر الْإِمَام وَذَلِكَ خَطَأ مِمَّنْ فَعَلَهُ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَام لِيُؤْتَمّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ ظَاهِر قَوْل مَالِك هَذَا لَا يُوجِب الْإِعَادَة عَلَى فِعْله عَامِدًا لِقَوْلِهِ " وَذَلِكَ خَطَأ مِمَّنْ فَعَلَهُ " لِأَنَّ السَّاهِي الْإِثْم عَنْهُ مَوْضُوع، وَهَذَا الْخِلَاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالسَّلَام أَمَّا السَّلَام فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَأَمَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ تَكْبِير الْمَأْمُوم لَا يَكُون إِلَّا بَعْد تَكْبِير الْإِمَام إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ كَبَّرَ قَبْل إِمَامه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَجْزَأَتْ عَنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى الصَّلَاة فَلَمَّا كَبَّرَ اِنْصَرَفَ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَيْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسه يَقْطُر فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ :( إِنِّي كُنْت جُنُبًا فَنَسِيت أَنْ أَغْتَسِل ) وَمِنْ حَدِيث أَنَس ( فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ ) وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَلَا جُنُبًا " فِي " النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٤٣ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي مَسْعُود قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَح مَنَاكِبنَا فِي الصَّلَاة وَيَقُول ( اِسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِف قُلُوبكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَام وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) قَالَ أَبُو مَسْعُود ( فَأَنْتُمْ الْيَوْم أَشَدّ اِخْتِلَافًا ).
زَادَ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه ( وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَات الْأَسْوَاق ).
فَإِنْ رَفَعَ رَأْسه سَاهِيًا قَبْل الْإِمَام فَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : السُّنَّة فِيمَنْ سَهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي رُكُوع أَوْ فِي سُجُود أَنْ يَرْجِع رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَيَنْتَظِر الْإِمَام وَذَلِكَ خَطَأ مِمَّنْ فَعَلَهُ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَام لِيُؤْتَمّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ ظَاهِر قَوْل مَالِك هَذَا لَا يُوجِب الْإِعَادَة عَلَى فِعْله عَامِدًا لِقَوْلِهِ " وَذَلِكَ خَطَأ مِمَّنْ فَعَلَهُ " لِأَنَّ السَّاهِي الْإِثْم عَنْهُ مَوْضُوع، وَهَذَا الْخِلَاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالسَّلَام أَمَّا السَّلَام فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَأَمَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ تَكْبِير الْمَأْمُوم لَا يَكُون إِلَّا بَعْد تَكْبِير الْإِمَام إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ أَنَّهُ إِنْ كَبَّرَ قَبْل إِمَامه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَجْزَأَتْ عَنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى الصَّلَاة فَلَمَّا كَبَّرَ اِنْصَرَفَ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَيْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسه يَقْطُر فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ :( إِنِّي كُنْت جُنُبًا فَنَسِيت أَنْ أَغْتَسِل ) وَمِنْ حَدِيث أَنَس ( فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ ) وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَلَا جُنُبًا " فِي " النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٤٣ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي مَسْعُود قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَح مَنَاكِبنَا فِي الصَّلَاة وَيَقُول ( اِسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِف قُلُوبكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَام وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) قَالَ أَبُو مَسْعُود ( فَأَنْتُمْ الْيَوْم أَشَدّ اِخْتِلَافًا ).
زَادَ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه ( وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَات الْأَسْوَاق ).
وَقَوْله ( اِسْتَوُوا ) أَمْر بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوف وَخَاصَّة الصَّفّ الْأَوَّل وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَام عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْحِجْر " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَام عَلَى مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة الْجُلُوس فِي الصَّلَاة لِاخْتِلَافِ الْآثَار فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : يُفْضِي الْمُصَلِّي بِأَلْيَتَيْهِ إِلَى الْأَرْض وَيَنْصِب رِجْله الْيُمْنَى وَيَثْنِي رِجْله الْيُسْرَى، لِمَا رَوَاهُ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد ( أَرَاهُمْ الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد فَنَصَبَ رِجْله الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْله الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكه الْأَيْسَر وَلَمْ يَجْلِس عَلَى قَدَمه )، ثُمَّ قَالَ : أَرَانِي هَذَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ.
قُلْت : وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِص رَأْسه وَلَمْ يُصَوِّبهُ وَلَكِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ السَّجْدَة لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسًا، وَكَانَ يَقُول فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة، وَكَانَ يَفْرِش رِجْله الْيُسْرَى وَيَنْصِب رِجْله الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَة الشَّيْطَان، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِش الرَّجُل ذِرَاعَيْهِ اِفْتِرَاش السَّبُع، وَكَانَ يَخْتِم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ ) قُلْت : وَلِهَذَا الْحَدِيث - وَاَللَّه أَعْلَم - قَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّمَا سُنَّة الصَّلَاة أَنْ تَنْصِب رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِي الْيُسْرَى وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ ( يَنْصِب الْيُمْنَى وَيَعْقِد عَلَى الْيُسْرَى )، لِحَدِيثِ وَائِل بْن حَجَر، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي الْجِلْسَة الْوُسْطَى.
وَقَالُوا فِي الْآخِرَة مِنْ الظُّهْر أَوْ الْعَصْر أَوْ الْمَغْرِب أَوْ الْعِشَاء كَقَوْلِ مَالِك لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ قَالَ : رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهَرَهُ فَإِذَا رَفَعَ اِسْتَوَى حَتَّى يَعُود كُلّ فَقَار مَكَانه فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْر مُفْتَرِش وَلَا قَابِضهمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِع رِجْلَيْهِ الْقِبْلَة وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْله الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة قَدَّمَ رِجْله الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَته ).
قَالَ الطَّبَرِيّ إِنْ فَعَلَ هَذَا فَحَسَن كُلّ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِص رَأْسه وَلَمْ يُصَوِّبهُ وَلَكِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ الرُّكُوع لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسه مِنْ السَّجْدَة لَمْ يَسْجُد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسًا، وَكَانَ يَقُول فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة، وَكَانَ يَفْرِش رِجْله الْيُسْرَى وَيَنْصِب رِجْله الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَة الشَّيْطَان، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِش الرَّجُل ذِرَاعَيْهِ اِفْتِرَاش السَّبُع، وَكَانَ يَخْتِم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ ) قُلْت : وَلِهَذَا الْحَدِيث - وَاَللَّه أَعْلَم - قَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّمَا سُنَّة الصَّلَاة أَنْ تَنْصِب رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِي الْيُسْرَى وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ ( يَنْصِب الْيُمْنَى وَيَعْقِد عَلَى الْيُسْرَى )، لِحَدِيثِ وَائِل بْن حَجَر، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي الْجِلْسَة الْوُسْطَى.
وَقَالُوا فِي الْآخِرَة مِنْ الظُّهْر أَوْ الْعَصْر أَوْ الْمَغْرِب أَوْ الْعِشَاء كَقَوْلِ مَالِك لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ قَالَ : رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهَرَهُ فَإِذَا رَفَعَ اِسْتَوَى حَتَّى يَعُود كُلّ فَقَار مَكَانه فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْر مُفْتَرِش وَلَا قَابِضهمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِع رِجْلَيْهِ الْقِبْلَة وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْله الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة قَدَّمَ رِجْله الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَته ).
قَالَ الطَّبَرِيّ إِنْ فَعَلَ هَذَا فَحَسَن كُلّ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مَالِك عَنْ مُسْلِم بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمُعَاوِيّ أَنَّهُ قَالَ : رَآنِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَأَنَا أَعْبَث بِالْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا اِنْصَرَفَ نَهَانِي فَقَالَ اِصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع قُلْت وَكَيْف كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع ؟ قَالَ : كَانَ ( إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاة وَضَعَ كَفّه الْيُمْنَى عَلَى فَخِذه الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعه كُلّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام وَوَضَعَ كَفّه الْيُسْرَى عَلَى فَخِذه الْيُسْرَى وَقَالَ : هَكَذَا كَانَ يَفْعَل ).
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ :( وَمَا وَصَفَهُ اِبْن عُمَر مِنْ وَضْعه كَفّه الْيُمْنَى عَلَى فَخِذه الْيُمْنَى وَقَبْض أَصَابِع يَده تِلْكَ كُلّهَا إِلَّا السَّبَّابَة مِنْهَا فَإِنَّهُ يُشِير بِهَا وَوَضَعَ كَفّه الْيُسْرَى عَلَى فَخِذه الْيُسْرَى مَفْتُوحَة مَفْرُوجَة الْأَصَابِع، كُلّ ذَلِكَ سُنَّة فِي الْجُلُوس فِي الصَّلَاة مُجْمَع عَلَيْهِ وَلَا خِلَاف عَلِمْته بَيْن الْعُلَمَاء فِيهَا وَحَسْبك بِهَذَا إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيك أُصْبُعه السَّبَّابَة فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى تَحْرِيكهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ وَكُلّ ذَلِكَ مَرْوِيّ فِي الْآثَار الصِّحَاح الْمُسْنَدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعه مُبَاح وَالْحَمْد لِلَّهِ وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ مُسْلِم بْن أَبِي مَرْيَم بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِك وَزَادَ فِيهِ قَالَ سُفْيَان وَكَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَاهُ عَنْ مُسْلِم ثُمَّ لَقِيته فَسَمِعْته مِنْهُ وَزَادَنِي فِيهِ قَالَ ( هِيَ مَذَبَّة الشَّيْطَان لَا يَسْهُو أَحَدكُمْ مَا دَامَ يُشِير بِإِصْبَعِهِ وَيَقُول هَكَذَا ) قُلْت : رَوَى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث اِبْن الزُّبَيْر أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَانَ يُشِير بِإِصْبَعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكهَا.
) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْض الْعِرَاقِيِّينَ فَمَنَعَ مِنْ تَحْرِيكهَا وَبَعْض عُلَمَائِنَا رَأَوْا أَنَّ مَدّهَا إِشَارَة إِلَى دَوَام التَّوْحِيد وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَغَيْرهمْ إِلَى تَحْرِيكهَا إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمُوَالَاة بِالتَّحْرِيكِ عَلَى قَوْلَيْنِ تَأَوَّلَ مَنْ وَالَاهُ بِأَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ يُذْكَر بِمُوَالَاةِ الْحُضُور فِي الصَّلَاة وَبِأَنَّهَا مَقْمَعَة وَمَدْفَعَة لِلشَّيْطَانِ عَلَى مَا رَوَى سُفْيَان وَمَنْ لَمْ يُوَالِ رَأَى تَحْرِيكهَا عِنْد التَّلَفُّظ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَة وَتَأَوَّلَ فِي الْحَرَكَة كَأَنَّهَا نُطْق بِتِلْكَ الْجَارِحَة بِالتَّوْحِيدِ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ :( وَمَا وَصَفَهُ اِبْن عُمَر مِنْ وَضْعه كَفّه الْيُمْنَى عَلَى فَخِذه الْيُمْنَى وَقَبْض أَصَابِع يَده تِلْكَ كُلّهَا إِلَّا السَّبَّابَة مِنْهَا فَإِنَّهُ يُشِير بِهَا وَوَضَعَ كَفّه الْيُسْرَى عَلَى فَخِذه الْيُسْرَى مَفْتُوحَة مَفْرُوجَة الْأَصَابِع، كُلّ ذَلِكَ سُنَّة فِي الْجُلُوس فِي الصَّلَاة مُجْمَع عَلَيْهِ وَلَا خِلَاف عَلِمْته بَيْن الْعُلَمَاء فِيهَا وَحَسْبك بِهَذَا إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيك أُصْبُعه السَّبَّابَة فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى تَحْرِيكهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ وَكُلّ ذَلِكَ مَرْوِيّ فِي الْآثَار الصِّحَاح الْمُسْنَدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعه مُبَاح وَالْحَمْد لِلَّهِ وَرَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ مُسْلِم بْن أَبِي مَرْيَم بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مَالِك وَزَادَ فِيهِ قَالَ سُفْيَان وَكَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَاهُ عَنْ مُسْلِم ثُمَّ لَقِيته فَسَمِعْته مِنْهُ وَزَادَنِي فِيهِ قَالَ ( هِيَ مَذَبَّة الشَّيْطَان لَا يَسْهُو أَحَدكُمْ مَا دَامَ يُشِير بِإِصْبَعِهِ وَيَقُول هَكَذَا ) قُلْت : رَوَى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث اِبْن الزُّبَيْر أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَانَ يُشِير بِإِصْبَعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكهَا.
) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْض الْعِرَاقِيِّينَ فَمَنَعَ مِنْ تَحْرِيكهَا وَبَعْض عُلَمَائِنَا رَأَوْا أَنَّ مَدّهَا إِشَارَة إِلَى دَوَام التَّوْحِيد وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْ أَصْحَاب مَالِك وَغَيْرهمْ إِلَى تَحْرِيكهَا إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمُوَالَاة بِالتَّحْرِيكِ عَلَى قَوْلَيْنِ تَأَوَّلَ مَنْ وَالَاهُ بِأَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ يُذْكَر بِمُوَالَاةِ الْحُضُور فِي الصَّلَاة وَبِأَنَّهَا مَقْمَعَة وَمَدْفَعَة لِلشَّيْطَانِ عَلَى مَا رَوَى سُفْيَان وَمَنْ لَمْ يُوَالِ رَأَى تَحْرِيكهَا عِنْد التَّلَفُّظ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَة وَتَأَوَّلَ فِي الْحَرَكَة كَأَنَّهَا نُطْق بِتِلْكَ الْجَارِحَة بِالتَّوْحِيدِ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي جُلُوس الْمَرْأَة فِي الصَّلَاة فَقَالَ مَالِك هِيَ كَالرَّجُلِ وَلَا تُخَالِفهُ فِيمَا بَعْد الْإِحْرَام إِلَّا فِي اللِّبَاس وَالْجَهْر وَقَالَ الثَّوْرِيّ تَسْدُل الْمَرْأَة جِلْبَابهَا مِنْ جَانِب وَاحِد وَرَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه تَجْلِس الْمَرْأَة كَأَيْسَر مَا يَكُون لَهَا وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيّ تَقْعُد كَيْف تَيَسَّرَ لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيّ تَجْلِس بِأَسْتَر مَا يَكُون لَهَا رَوَى مُسْلِم عَنْ طَاوُس قَالَ قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاس فِي الْإِقْعَاء عَلَى الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ :( هِيَ السُّنَّة فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاء بِالرَّجُلِ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس بَلْ هِيَ سُنَّة نَبِيّك صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي صِفَة الْإِقْعَاء فَقَالَ أَبُو عُبَيْد :( الْإِقْعَاء جُلُوس الرَّجُل عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْل إِقْعَاء الْكَلْب وَالسَّبُع ) قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَهَذَا إِقْعَاء مُجْتَمَع عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِيهِ وَهَذَا تَفْسِير أَهْل اللُّغَة وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْفِقْه وَقَالَ أَبُو عُبَيْد، وَأَمَّا أَهْل الْحَدِيث فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْعَاء أَنْ يَجْعَل أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَالْأَشْبَه عِنْدِي فِي تَأْوِيل الْإِقْعَاء الَّذِي قَالَ فِيهِ اِبْن عَبَّاس إِنَّهُ مِنْ السُّنَّة الَّذِي فَسَّرَ بِهِ الْفُقَهَاء مِنْ وَضْع الْأَلْيَتَيْنِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ السُّنَّة أَنْ تَمَسّ عَقِبك أَلْيَتك رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة عَنْ طَاوُس عَنْهُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَالصَّحَابَة أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ عَامَّة فُقَهَاء الْأَمْصَار وَسَمَّوْهُ إِقْعَاء.
ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر يَقْعُون بَيْن السَّجْدَتَيْنِ.
لَمْ يَخْتَلِف مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاء بِوُجُوبِ التَّسْلِيم وَبِعَدَمِ وُجُوبه أَنَّ التَّسْلِيمَة الثَّانِيَة لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَن بْن حَيّ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ مَعًا.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ : لَمْ نَجِد عَنْ أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى التَّسْلِيمَتَيْنِ أَنَّ الثَّانِيَة مِنْ فَرَائِضهَا غَيْره.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ حُجَّة الْحَسَن بْن صَالِح فِي إِيجَابه التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا - وَقَوْله : إِنَّ مَنْ أَحْدَثَ بَعْد الْأُولَى، وَقَبْل الثَّانِيَة فَسَدَتْ صَلَاته - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ).
ثُمَّ بَيَّنَ كَيْف التَّسْلِيم فَكَانَ يُسَلِّم عَنْ يَمِينه وَعَنْ يَسَاره.
وَمِنْ حُجَّة مَنْ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة دُون الثَّانِيَة قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) قَالُوا : وَالتَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة يَقَع عَلَيْهَا اِسْم تَسْلِيم.
ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر يَقْعُون بَيْن السَّجْدَتَيْنِ.
لَمْ يَخْتَلِف مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاء بِوُجُوبِ التَّسْلِيم وَبِعَدَمِ وُجُوبه أَنَّ التَّسْلِيمَة الثَّانِيَة لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَن بْن حَيّ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ مَعًا.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ : لَمْ نَجِد عَنْ أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى التَّسْلِيمَتَيْنِ أَنَّ الثَّانِيَة مِنْ فَرَائِضهَا غَيْره.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ حُجَّة الْحَسَن بْن صَالِح فِي إِيجَابه التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا - وَقَوْله : إِنَّ مَنْ أَحْدَثَ بَعْد الْأُولَى، وَقَبْل الثَّانِيَة فَسَدَتْ صَلَاته - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ).
ثُمَّ بَيَّنَ كَيْف التَّسْلِيم فَكَانَ يُسَلِّم عَنْ يَمِينه وَعَنْ يَسَاره.
وَمِنْ حُجَّة مَنْ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة دُون الثَّانِيَة قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) قَالُوا : وَالتَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة يَقَع عَلَيْهَا اِسْم تَسْلِيم.
قُلْت : هَذِهِ الْمَسْأَلَة مَبْنِيَّة عَلَى الْأَخْذ بِأَقَلّ الِاسْم أَوْ بِآخِرِهِ، وَلَمَّا كَانَ الدُّخُول فِي الصَّلَاة بِتَكْبِيرَةٍ وَاحِدَة بِإِجْمَاعٍ فَكَذَلِكَ الْخُرُوج مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَة، إِلَّا أَنَّهُ تَوَارَدَتْ السُّنَن الثَّابِتَة مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود - وَهُوَ أَكْثَرهَا تَوَاتُرًا - وَمِنْ حَدِيث وَائِل بْن حُجْر الْحَضْرَمِيّ وَحَدِيث عَمَّار وَحَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب وَحَدِيث اِبْن عُمَر وَحَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّم تَسْلِيمَتَيْنِ.
رَوَى اِبْن جُرَيْج وَسُلَيْمَان بْن بِلَال وَعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيّ كُلّهمْ عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى الْمَازِنِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَبَّان عَنْ عَمِّهِ وَاسِع بْن حَبَّان قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : حَدِّثْنِي عَنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْف كَانَتْ ؟ فَذَكَرَ التَّكْبِير كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَكُلَّمَا خَفَضَهُ، وَذَكَرَ السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه عَنْ يَمِينه، السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه عَنْ يَسَاره.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهَذَا إِسْنَاد مَدَنِيّ صَحِيح، وَالْعَمَل الْمَشْهُور بِالْمَدِينَةِ التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة، وَهُوَ عَمَل قَدْ تَوَارَثَهُ أَهْل الْمَدِينَة كَابِرًا عَنْ كَابِر، وَمِثْله يَصِحّ فِيهِ الِاحْتِجَاج بِالْعَمَلِ فِي كُلّ بَلَد ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى لِوُقُوعِهِ فِي كُلّ يَوْم مِرَارًا.
وَكَذَلِكَ الْعَمَل بِالْكُوفَةِ وَغَيْرهَا مُسْتَفِيض عِنْدهمْ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَمُتَوَارَث عَنْهُمْ أَيْضًا.
وَكُلّ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَهُوَ اِخْتِلَاف فِي الْمُبَاح كَالْأَذَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يُرْوَى عَنْ عَالِم بِالْحِجَازِ وَلَا بِالْعِرَاقِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا بِمِصْر إِنْكَار التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة وَلَا إِنْكَار التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَعْرُوف، وَحَدِيث التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة رَوَاهُ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَعَائِشَة وَأَنَس، إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَة لَا يُصَحِّحهَا أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : مِنْ السُّنَّة أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّد.
وَاخْتَارَ مَالِك تَشَهُّد عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ : التَّحِيَّات لِلَّهِ الزَّكِيَّات لِلَّهِ الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لِلَّهِ، السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته، السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ، أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله.
وَاخْتَارَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَاللَّيْث بْن سَعْد تَشَهُّد اِبْن عَبَّاس، قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَة مِنْ الْقُرْآن، فَكَانَ يَقُول :( التَّحِيَّات الْمُبَارَكَات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لِلَّهِ، السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته.
رَوَى اِبْن جُرَيْج وَسُلَيْمَان بْن بِلَال وَعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيّ كُلّهمْ عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى الْمَازِنِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَبَّان عَنْ عَمِّهِ وَاسِع بْن حَبَّان قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : حَدِّثْنِي عَنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْف كَانَتْ ؟ فَذَكَرَ التَّكْبِير كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَكُلَّمَا خَفَضَهُ، وَذَكَرَ السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه عَنْ يَمِينه، السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه عَنْ يَسَاره.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهَذَا إِسْنَاد مَدَنِيّ صَحِيح، وَالْعَمَل الْمَشْهُور بِالْمَدِينَةِ التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة، وَهُوَ عَمَل قَدْ تَوَارَثَهُ أَهْل الْمَدِينَة كَابِرًا عَنْ كَابِر، وَمِثْله يَصِحّ فِيهِ الِاحْتِجَاج بِالْعَمَلِ فِي كُلّ بَلَد ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى لِوُقُوعِهِ فِي كُلّ يَوْم مِرَارًا.
وَكَذَلِكَ الْعَمَل بِالْكُوفَةِ وَغَيْرهَا مُسْتَفِيض عِنْدهمْ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَمُتَوَارَث عَنْهُمْ أَيْضًا.
وَكُلّ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَهُوَ اِخْتِلَاف فِي الْمُبَاح كَالْأَذَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يُرْوَى عَنْ عَالِم بِالْحِجَازِ وَلَا بِالْعِرَاقِ وَلَا بِالشَّامِ وَلَا بِمِصْر إِنْكَار التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة وَلَا إِنْكَار التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مَعْرُوف، وَحَدِيث التَّسْلِيمَة الْوَاحِدَة رَوَاهُ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَعَائِشَة وَأَنَس، إِلَّا أَنَّهَا مَعْلُولَة لَا يُصَحِّحهَا أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : مِنْ السُّنَّة أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّد.
وَاخْتَارَ مَالِك تَشَهُّد عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ : التَّحِيَّات لِلَّهِ الزَّكِيَّات لِلَّهِ الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لِلَّهِ، السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته، السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ، أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله.
وَاخْتَارَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَاللَّيْث بْن سَعْد تَشَهُّد اِبْن عَبَّاس، قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّد كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَة مِنْ الْقُرْآن، فَكَانَ يَقُول :( التَّحِيَّات الْمُبَارَكَات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لِلَّهِ، السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته.
السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ، أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ) وَاخْتَارَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَكْثَر أَهْل الْحَدِيث تَشَهُّد اِبْن مَسْعُود الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا قَالَ كُنَّا نَقُول فِي الصَّلَاة خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَام عَلَى اللَّه السَّلَام عَلَى فُلَان، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم ( إِنَّ اللَّه هُوَ السَّلَام فَإِذَا قَعَدَ أَحَدكُمْ فِي الصَّلَاة فَلْيَقُلْ التَّحِيَّات لِلَّهِ وَالصَّلَوَات وَالطَّيِّبَات السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته السَّلَام عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللَّه الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلّ عَبْد لِلَّهِ صَالِح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله ثُمَّ يَتَخَيَّر مِنْ الْمَسْأَلَة مَا شَاءَ ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَكَانَ أَحْمَد بْن خَالِد بِالْأَنْدَلُسِ يَخْتَارهُ وَيَمِيل إِلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا نَحْو تَشَهُّد اِبْن مَسْعُود، وَهَذَا كُلّه اِخْتِلَاف فِي مُبَاح لَيْسَ شَيْء مِنْهُ عَلَى الْوُجُوب، وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ أَحْكَام الْإِمَام وَالْمَأْمُوم تَضَمَّنَهَا قَوْله جَلَّ وَعَزَّ " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " [ الْبَقَرَة : ٤٣ ] وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي الْقِيَام فِي الصَّلَاة عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٨ ].
وَيَأْتِي هُنَاكَ حُكْم الْإِمَام الْمَرِيض وَغَيْره مِنْ أَحْكَام الصَّلَاة وَيَأْتِي فِي " آل عِمْرَان " حُكْم صَلَاة الْمَرِيض غَيْر الْإِمَام وَيَأْتِي فِي " النِّسَاء " فِي صَلَاة الْخَوْف حُكْم الْمُفْتَرِض خَلْف الْمُتَنَفِّل وَيَأْتِي فِي سُورَة " مَرْيَم " حُكْم الْإِمَام يُصَلِّي أَرْفَع مِنْ الْمَأْمُوم إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَات وَالْأَذَان وَالْمَسَاجِد، وَهَذَا كُلُّهُ بَيَان لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَقِيمُوا الصَّلَاة " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة جُمْلَة مِنْ أَحْكَامهَا، وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَيَأْتِي هُنَاكَ حُكْم الْإِمَام الْمَرِيض وَغَيْره مِنْ أَحْكَام الصَّلَاة وَيَأْتِي فِي " آل عِمْرَان " حُكْم صَلَاة الْمَرِيض غَيْر الْإِمَام وَيَأْتِي فِي " النِّسَاء " فِي صَلَاة الْخَوْف حُكْم الْمُفْتَرِض خَلْف الْمُتَنَفِّل وَيَأْتِي فِي سُورَة " مَرْيَم " حُكْم الْإِمَام يُصَلِّي أَرْفَع مِنْ الْمَأْمُوم إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَات وَالْأَذَان وَالْمَسَاجِد، وَهَذَا كُلُّهُ بَيَان لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَقِيمُوا الصَّلَاة " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة جُمْلَة مِنْ أَحْكَامهَا، وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
هَذَا اِسْتِفْهَام التَّوْبِيخ، وَالْمُرَاد فِي قَوْل أَهْل التَّأْوِيل عُلَمَاء الْيَهُود.
قَالَ اِبْن عَبَّاس ( كَانَ يَهُود الْمَدِينَة يَقُول الرَّجُل مِنْهُمْ لِصِهْرِهِ وَلِذِي قَرَابَته وَلِمَنْ بَيْنه وَبَيْنه رَضَاع مِنْ الْمُسْلِمِينَ اُثْبُتْ عَلَى الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، وَمَا يَأْمُرك بِهِ هَذَا الرَّجُل يُرِيدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَمْره حَقّ فَكَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُونَهُ ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا ( كَانَ الْأَحْبَار يَأْمُرُونَ مُقَلِّدِيهِمْ وَأَتْبَاعهمْ بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاة، وَكَانُوا يُخَالِفُونَهَا فِي جَحْدِهِمْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَقَالَ اِبْن جُرَيْج كَانَ الْأَحْبَار يَحُضُّونَ عَلَى طَاعَة اللَّه، وَكَانُوا هُمْ يُوَاقِعُونَ الْمَعَاصِي، وَقَالَتْ فِرْقَة كَانُوا يَحُضُّونَ عَلَى الصَّدَقَة وَيَبْخَلُونَ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب، وَقَالَ بَعْض أَهْل الْإِشَارَات الْمَعْنَى أَتُطَالِبُونَ النَّاس بِحَقَائِق الْمَعَانِي وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ عَنْ ظَوَاهِر رُسُومهَا فِي شِدَّة عَذَاب مَنْ هَذِهِ صِفَته رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيْلَة أُسْرِيَ بِي مَرَرْت عَلَى نَاس تُقْرَض شِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ نَار فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْخُطَبَاء مِنْ أَهْل الدُّنْيَا يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) وَرَوَى أَبُو أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ يَجُرُّونَ قَصَبهمْ فِي نَار جَهَنَّم فَيُقَال لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ الَّذِينَ كُنَّا نَأْمُر النَّاس بِالْخَيْرِ وَنَنْسَى أَنْفُسنَا ) قُلْت : وَهَذَا الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ فِيهِ لِين ; لِأَنَّ فِي سَنَده الْخَصِيب بْن جَحْدَر كَانَ الْإِمَام أَحْمَد يَسْتَضْعِفهُ وَكَذَلِكَ اِبْن مَعِين يَرْوِيه عَنْ أَبِي غَالِب عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ وَأَبُو غَالِب هُوَ فِيمَا حَكَى يَحْيَى بْن مَعِين حَزَوَّر الْقُرَشِيّ مَوْلَى خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن أُسَيْد وَقِيلَ مَوْلَى بَاهِلَة وَقِيلَ مَوْلَى عَبْد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ كَانَ يَخْتَلِف إِلَى الشَّام فِي تِجَارَته قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين : هُوَ صَالِح الْحَدِيث فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه بِمَعْنَاهُ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُلْقَى فِي النَّار فَتَنْدَلِق أَقْتَاب بَطْنه فَيَدُور بِهَا كَمَا يَدُور الْحِمَار بِالرَّحَى فَيَجْتَمِع إِلَيْهِ أَهْل النَّار فَيَقُولُونَ يَا فُلَان مَا لَك أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فَيَقُول بَلَى قَدْ كُنْت آمُر بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيه وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر وَآتِيه ) الْقُصْب ( بِضَمِّ الْقَاف ) الْمِعَى وَجَمْعه أَقْصَاب وَالْأَقْتَاب الْأَمْعَاء وَاحِدهَا قَتَب وَمَعْنَى " فَتَنْدَلِق " : فَتَخْرُج بِسُرْعَةٍ.
وَرُوِّينَا " فَتَنْفَلِق ".
هَذَا اِسْتِفْهَام التَّوْبِيخ، وَالْمُرَاد فِي قَوْل أَهْل التَّأْوِيل عُلَمَاء الْيَهُود.
قَالَ اِبْن عَبَّاس ( كَانَ يَهُود الْمَدِينَة يَقُول الرَّجُل مِنْهُمْ لِصِهْرِهِ وَلِذِي قَرَابَته وَلِمَنْ بَيْنه وَبَيْنه رَضَاع مِنْ الْمُسْلِمِينَ اُثْبُتْ عَلَى الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، وَمَا يَأْمُرك بِهِ هَذَا الرَّجُل يُرِيدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَمْره حَقّ فَكَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاس بِذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُونَهُ ) وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا ( كَانَ الْأَحْبَار يَأْمُرُونَ مُقَلِّدِيهِمْ وَأَتْبَاعهمْ بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاة، وَكَانُوا يُخَالِفُونَهَا فِي جَحْدِهِمْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَقَالَ اِبْن جُرَيْج كَانَ الْأَحْبَار يَحُضُّونَ عَلَى طَاعَة اللَّه، وَكَانُوا هُمْ يُوَاقِعُونَ الْمَعَاصِي، وَقَالَتْ فِرْقَة كَانُوا يَحُضُّونَ عَلَى الصَّدَقَة وَيَبْخَلُونَ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب، وَقَالَ بَعْض أَهْل الْإِشَارَات الْمَعْنَى أَتُطَالِبُونَ النَّاس بِحَقَائِق الْمَعَانِي وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَ عَنْ ظَوَاهِر رُسُومهَا فِي شِدَّة عَذَاب مَنْ هَذِهِ صِفَته رَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَيْلَة أُسْرِيَ بِي مَرَرْت عَلَى نَاس تُقْرَض شِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ نَار فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْخُطَبَاء مِنْ أَهْل الدُّنْيَا يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) وَرَوَى أَبُو أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسهمْ يَجُرُّونَ قَصَبهمْ فِي نَار جَهَنَّم فَيُقَال لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ الَّذِينَ كُنَّا نَأْمُر النَّاس بِالْخَيْرِ وَنَنْسَى أَنْفُسنَا ) قُلْت : وَهَذَا الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ فِيهِ لِين ; لِأَنَّ فِي سَنَده الْخَصِيب بْن جَحْدَر كَانَ الْإِمَام أَحْمَد يَسْتَضْعِفهُ وَكَذَلِكَ اِبْن مَعِين يَرْوِيه عَنْ أَبِي غَالِب عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ وَأَبُو غَالِب هُوَ فِيمَا حَكَى يَحْيَى بْن مَعِين حَزَوَّر الْقُرَشِيّ مَوْلَى خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن أُسَيْد وَقِيلَ مَوْلَى بَاهِلَة وَقِيلَ مَوْلَى عَبْد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ كَانَ يَخْتَلِف إِلَى الشَّام فِي تِجَارَته قَالَ يَحْيَى بْن مَعِين : هُوَ صَالِح الْحَدِيث فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه بِمَعْنَاهُ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ( يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُلْقَى فِي النَّار فَتَنْدَلِق أَقْتَاب بَطْنه فَيَدُور بِهَا كَمَا يَدُور الْحِمَار بِالرَّحَى فَيَجْتَمِع إِلَيْهِ أَهْل النَّار فَيَقُولُونَ يَا فُلَان مَا لَك أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فَيَقُول بَلَى قَدْ كُنْت آمُر بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيه وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر وَآتِيه ) الْقُصْب ( بِضَمِّ الْقَاف ) الْمِعَى وَجَمْعه أَقْصَاب وَالْأَقْتَاب الْأَمْعَاء وَاحِدهَا قَتَب وَمَعْنَى " فَتَنْدَلِق " : فَتَخْرُج بِسُرْعَةٍ.
وَرُوِّينَا " فَتَنْفَلِق ".
قُلْت : فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيث الصَّحِيح وَأَلْفَاظ الْآيَة عَلَى أَنَّ عُقُوبَة مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَعْرُوفِ وَبِالْمُنْكَرِ وَبِوُجُوبِ الْقِيَام بِوَظِيفَةِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَشَدّ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَهِينِ بِحُرُمَاتِ اللَّه تَعَالَى وَمُسْتَخِفّ بِأَحْكَامِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَنْتَفِع بِعِلْمِهِ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَشَدّ النَّاس عَذَابًا يَوْم الْقِيَامَة عَالِم لَمْ يَنْفَعهُ اللَّه بِعِلْمِهِ أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه.
اِعْلَمْ وَفَّقَك اللَّه تَعَالَى أَنَّ التَّوْبِيخ فِي الْآيَة بِسَبَبِ تَرْك فِعْل الْبِرّ لَا بِسَبَبِ الْأَمْر بِالْبِرِّ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه قَوْمًا كَانُوا يَأْمُرُونَ بِأَعْمَالِ الْبِرّ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا وَبَّخَهُمْ بِهِ تَوْبِيخًا يُتْلَى عَلَى طُول الدَّهْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ " أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ " الْآيَة وَقَالَ مَنْصُور الْفَقِيه فَأَحْسَن
وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَة :
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّوَلِيّ :
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن مَطَر : حَضَرْت مَجْلِس أَبِي عُثْمَان الْحِيرِيّ الزَّاهِد فَخَرَجَ وَقَعَدَ عَلَى مَوْضِعه الَّذِي كَانَ يَقْعُد عَلَيْهِ لِلتَّذْكِيرِ، فَسَكَتَ حَتَّى طَالَ سُكُوته، فَنَادَاهُ رَجُل كَانَ يُعْرَف بِأَبِي الْعَبَّاس : تَرَى أَنْ تَقُول فِي سُكُوتك شَيْئًا ؟ فَأَنْشَأَ يَقُول :
قَالَ : فَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَات بِالْبُكَاءِ وَالضَّجِيج.
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : إِنِّي لَأَكْرَه الْقَصَص لِثَلَاثِ آيَات، قَوْله تَعَالَى :" أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ " [ الْبَقَرَة : ٤٤ ] الْآيَة، وَقَوْله :" لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " [ الصَّفّ : ٢ ]، وَقَوْله :" وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " [ هُود : ٨٨ ].
وَقَالَ سَلَم بْن عَمْرو :
وَقَالَ الْحَسَن لِمُطَّرِفِ بْن عَبْد اللَّه : عِظْ أَصْحَابَكَ، فَقَالَ إِنِّي أَخَاف أَنْ أَقُول مَا لَا أَفْعَل، قَالَ : يَرْحَمك اللَّه، وَأَيّنَا يَفْعَل مَا يَقُول وَيَوَدّ الشَّيْطَان أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِهَذَا، فَلَمْ يَأْمُر أَحَد بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَر.
اِعْلَمْ وَفَّقَك اللَّه تَعَالَى أَنَّ التَّوْبِيخ فِي الْآيَة بِسَبَبِ تَرْك فِعْل الْبِرّ لَا بِسَبَبِ الْأَمْر بِالْبِرِّ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه قَوْمًا كَانُوا يَأْمُرُونَ بِأَعْمَالِ الْبِرّ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا وَبَّخَهُمْ بِهِ تَوْبِيخًا يُتْلَى عَلَى طُول الدَّهْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ " أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ " الْآيَة وَقَالَ مَنْصُور الْفَقِيه فَأَحْسَن
| إِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونَا | بِاَلَّذِي لَا يَفْعَلُونَا |
| لِمَجَانِين وَإِنْ هُمْ | لَمْ يَكُونُوا يَصْرَعُونَا |
| وَصَفْت التُّقَى حَتَّى كَأَنَّك ذُو تُقَى | وَرِيح الْخَطَايَا مِنْ ثِيَابك تَسْطَع |
| لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِي مِثْله | عَار عَلَيْك إِذَا فَعَلْت عَظِيم |
| وَابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيّهَا | فَإِنْ اِنْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيم |
| فَهُنَاكَ يُقْبَل إِنْ وَعَظْت وَيُقْتَدَى | بِالْقَوْلِ مِنْك وَيَنْفَع التَّعْلِيم |
| وَغَيْر تَقِي يَأْمُر النَّاس بِالتُّقَى | طَبِيب يُدَاوِي وَالطَّبِيب مَرِيض |
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : إِنِّي لَأَكْرَه الْقَصَص لِثَلَاثِ آيَات، قَوْله تَعَالَى :" أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ " [ الْبَقَرَة : ٤٤ ] الْآيَة، وَقَوْله :" لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ " [ الصَّفّ : ٢ ]، وَقَوْله :" وَمَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " [ هُود : ٨٨ ].
وَقَالَ سَلَم بْن عَمْرو :
| مَا أَقْبَح التَّزْهِيد مِنْ وَاعِظ | يُزَهِّد النَّاس وَلَا يَزْهَد |
| لَوْ كَانَ فِي تَزْهِيده صَادِقًا | أَضْحَى وَأَمْسَى بَيْته الْمَسْجِد |
| إِنْ رَفَضَ الدُّنْيَا فَمَا بَاله | يَسْتَمْنِح النَّاس وَيَسْتَرْفِد |
| وَالرِّزْق مَقْسُوم عَلَى مَنْ تَرَى | يَنَالهُ الْأَبْيَض وَالْأَسْوَد |
وَقَالَ مَالِك عَنْ رَبِيعَة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : لَوْ كَانَ الْمَرْء لَا يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر حَتَّى لَا يَكُون فِيهِ شَيْء، مَا أَمَرَ أَحَد بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَر.
قَالَ مَالِك : وَصَدَقَ، مَنْ ذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْء.
" بِالْبِرِّ " الْبِرّ هُنَا الطَّاعَة وَالْعَمَل الصَّالِح.
وَالْبِرّ : الصِّدْق.
وَالْبِرّ : وَلَد الثَّعْلَب.
وَالْبِرّ : سُوق الْغَنَم، وَمِنْهُ قَوْلهمْ :" لَا يَعْرِف هِرًّا مِنْ بِرّ " أَيْ لَا يَعْرِف دُعَاء الْغَنَم مِنْ سُوقهَا.
فَهُوَ مُشْتَرَك، وَقَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ بِقَوْلِهِ " يَبَرّك النَّاس " : أَيْ يُطِيعُونَك.
وَيُقَال : إِنَّ الْبِرّ الْفُؤَاد فِي قَوْله :
وَالْبُرّ ( بِضَمِّ الْبَاء ) مَعْرُوف، وَ ( بِفَتْحِهَا ) الْإِجْلَال وَالتَّعْظِيم، وَمِنْهُ وَلَد بِرّ وَبَارّ، أَيْ يُعَظِّم وَالِدَيْهِ وَيُكْرِمهُمَا.
قَالَ مَالِك : وَصَدَقَ، مَنْ ذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْء.
" بِالْبِرِّ " الْبِرّ هُنَا الطَّاعَة وَالْعَمَل الصَّالِح.
وَالْبِرّ : الصِّدْق.
وَالْبِرّ : وَلَد الثَّعْلَب.
وَالْبِرّ : سُوق الْغَنَم، وَمِنْهُ قَوْلهمْ :" لَا يَعْرِف هِرًّا مِنْ بِرّ " أَيْ لَا يَعْرِف دُعَاء الْغَنَم مِنْ سُوقهَا.
فَهُوَ مُشْتَرَك، وَقَالَ الشَّاعِر :
| لَا هُمّ رَبّ إِنَّ بِكْرًا دُونَكَا | يَبَرّك النَّاس وَيَفْجُرُونَكَا |
وَيُقَال : إِنَّ الْبِرّ الْفُؤَاد فِي قَوْله :
| أَكُون مَكَان الْبِرّ مِنْهُ وَدُونه | وَاجْعَلْ مَا لِي دُونه وَأُوَامِره |
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
أَيْ تَتْرُكُونَ.
وَالنِّسْيَان ( بِكَسْرِ النُّون ) يَكُون بِمَعْنَى التَّرْك، وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا، وَفِي قَوْله تَعَالَى :" نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ " [ التَّوْبَة : ٦٧ ]، وَقَوْله :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ " [ الْأَنْعَام : ٤٤ ]، وَقَوْله :" وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٧ ].
وَيَكُون خِلَاف الذِّكْر وَالْحِفْظ، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( نَسِيَ آدَم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّته ).
وَسَيَأْتِي.
يُقَال : رَجُل نِسْيَان ( بِفَتْحِ النُّون ) : كَثِير النِّسْيَان لِلشَّيْءِ.
وَقَدْ نَسِيت الشَّيْء نِسْيَانًا، وَلَا تَقُلْ نَسَيَانًا ( بِالتَّحْرِيكِ ) ; لِأَنَّ النِّسْيَان إِنَّمَا هُوَ تَثْنِيَة نَسَا الْعِرْق.
وَأَنْفُس : جَمَعَ نَفْس، جَمْع قِلَّة.
وَالنَّفْس : الرُّوح، يُقَال : خَرَجَتْ نَفْسه، قَالَ أَبُو خِرَاش :
أَيْ بِجَفْنِ سَيْف وَمِئْزَر.
وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّفْس الرُّوح قَوْله تَعَالَى :" اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِينَ مَوْتِهَا " [ الزُّمَر : ٤٢ ] يُرِيدُ الْأَرْوَاح فِي قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى مَا يَأْتِي، وَذَلِكَ بَيِّن فِي قَوْل بِلَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن شِهَاب أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُول اللَّه الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث زَيْد بْن أَسْلَم ( إِنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِين غَيْر هَذَا ) رَوَاهُمَا مَالِك، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُقَال بِهِ، وَالنَّفْس أَيْضًا الدَّم يُقَال سَالَتْ نَفْسه قَالَ الشَّاعِر
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سَائِلَة فَإِنَّهُ لَا يَنْجُس الْمَاء إِذَا مَاتَ فِيهِ وَالنَّفْس أَيْضًا الْجَسَد قَالَ الشَّاعِر
وَالتَّامُور أَيْضًا : الدَّم.
أَيْ تَتْرُكُونَ.
وَالنِّسْيَان ( بِكَسْرِ النُّون ) يَكُون بِمَعْنَى التَّرْك، وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا، وَفِي قَوْله تَعَالَى :" نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ " [ التَّوْبَة : ٦٧ ]، وَقَوْله :" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ " [ الْأَنْعَام : ٤٤ ]، وَقَوْله :" وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٧ ].
وَيَكُون خِلَاف الذِّكْر وَالْحِفْظ، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( نَسِيَ آدَم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّته ).
وَسَيَأْتِي.
يُقَال : رَجُل نِسْيَان ( بِفَتْحِ النُّون ) : كَثِير النِّسْيَان لِلشَّيْءِ.
وَقَدْ نَسِيت الشَّيْء نِسْيَانًا، وَلَا تَقُلْ نَسَيَانًا ( بِالتَّحْرِيكِ ) ; لِأَنَّ النِّسْيَان إِنَّمَا هُوَ تَثْنِيَة نَسَا الْعِرْق.
وَأَنْفُس : جَمَعَ نَفْس، جَمْع قِلَّة.
وَالنَّفْس : الرُّوح، يُقَال : خَرَجَتْ نَفْسه، قَالَ أَبُو خِرَاش :
| نَجَا سَالِم وَالنَّفْس مِنْهُ بِشَدْقِهِ | وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا جَفْن سَيْف وَمِئْزَرًا |
وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّفْس الرُّوح قَوْله تَعَالَى :" اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِينَ مَوْتِهَا " [ الزُّمَر : ٤٢ ] يُرِيدُ الْأَرْوَاح فِي قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى مَا يَأْتِي، وَذَلِكَ بَيِّن فِي قَوْل بِلَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن شِهَاب أَخَذَ بِنَفْسِي يَا رَسُول اللَّه الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث زَيْد بْن أَسْلَم ( إِنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِين غَيْر هَذَا ) رَوَاهُمَا مَالِك، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُقَال بِهِ، وَالنَّفْس أَيْضًا الدَّم يُقَال سَالَتْ نَفْسه قَالَ الشَّاعِر
| تَسِيل عَلَى حَدّ السُّيُوف نُفُوسنَا | وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْر الظُّبَات تَسِيل |
| نُبِّئْت أَنَّ بَنِي سُحَيْم أَدْخَلُوا | أَبْيَاتهمْ تَامُور نَفْس الْمُنْذِر |
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
تَوْبِيخ عَظِيم لِمَنْ فَهِمَ.
" وَتَتْلُونَ " : تَقْرَءُونَ " الْكِتَاب " التَّوْرَاة وَكَذَا مَنْ فَعَلَ فِعْلهمْ كَانَ مِثْلهمْ وَأَصْل التِّلَاوَة الِاتِّبَاع ; وَلِذَلِكَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهُ يُتْبَع بَعْض الْكَلَام بِبَعْضٍ فِي حُرُوفه حَتَّى يَأْتِي عَلَى نَسَقِهِ يُقَال تَلَوْته إِذَا تَبِعْته تُلُوًّا وَتَلَوْت الْقُرْآن تِلَاوَة وَتَلَوْت الرَّجُل تُلُوًّا إِذَا خَذَلْته وَالتَّلِيَّة وَالتُّلَاوَة ( بِضَمِّ التَّاء ) الْبَقِيَّة يُقَال تَلِيَتْ لِي مِنْ حَقِّي تُلَاوَة وَتَلِيَة أَيْ بَقِيَتْ وَأَتْلَيْت أَبْقَيْت وَتَتَلَّيْت حَقِّي إِذَا تَتَبَّعْته حَتَّى تَسْتَوْفِيه قَالَ أَبُو زَيْد تَلَّى الرَّجُل إِذَا كَانَ بِآخِرِ رَمَق
تَوْبِيخ عَظِيم لِمَنْ فَهِمَ.
" وَتَتْلُونَ " : تَقْرَءُونَ " الْكِتَاب " التَّوْرَاة وَكَذَا مَنْ فَعَلَ فِعْلهمْ كَانَ مِثْلهمْ وَأَصْل التِّلَاوَة الِاتِّبَاع ; وَلِذَلِكَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهُ يُتْبَع بَعْض الْكَلَام بِبَعْضٍ فِي حُرُوفه حَتَّى يَأْتِي عَلَى نَسَقِهِ يُقَال تَلَوْته إِذَا تَبِعْته تُلُوًّا وَتَلَوْت الْقُرْآن تِلَاوَة وَتَلَوْت الرَّجُل تُلُوًّا إِذَا خَذَلْته وَالتَّلِيَّة وَالتُّلَاوَة ( بِضَمِّ التَّاء ) الْبَقِيَّة يُقَال تَلِيَتْ لِي مِنْ حَقِّي تُلَاوَة وَتَلِيَة أَيْ بَقِيَتْ وَأَتْلَيْت أَبْقَيْت وَتَتَلَّيْت حَقِّي إِذَا تَتَبَّعْته حَتَّى تَسْتَوْفِيه قَالَ أَبُو زَيْد تَلَّى الرَّجُل إِذَا كَانَ بِآخِرِ رَمَق
أَفَلَا تَعْقِلُونَ
أَيْ أَفَلَا تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ مُوَاقَعَة هَذِهِ الْحَال الْمُرْدِيَة لَكُمْ وَالْعَقْل الْمَنْع وَمِنْهُ عِقَال الْبَعِير ; لِأَنَّهُ يَمْنَع عَنْ الْحَرَكَة، وَمِنْهُ الْعَقْل لِلدِّيَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَع وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْ قَتْل الْجَانِي، وَمِنْهُ اِعْتِقَال الْبَطْن وَاللِّسَان، وَمِنْهُ يُقَال لِلْحِصْنِ مَعْقِل، وَالْعَقْل نَقِيض الْجَهْل، وَالْعَقْل ثَوْب أَحْمَر تَتَّخِذهُ نِسَاء الْعَرَب تُغَشِّي بِهِ الْهَوَادِج قَالَ عَلْقَمَة
أَيْ أَفَلَا تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ مُوَاقَعَة هَذِهِ الْحَال الْمُرْدِيَة لَكُمْ وَالْعَقْل الْمَنْع وَمِنْهُ عِقَال الْبَعِير ; لِأَنَّهُ يَمْنَع عَنْ الْحَرَكَة، وَمِنْهُ الْعَقْل لِلدِّيَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَع وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْ قَتْل الْجَانِي، وَمِنْهُ اِعْتِقَال الْبَطْن وَاللِّسَان، وَمِنْهُ يُقَال لِلْحِصْنِ مَعْقِل، وَالْعَقْل نَقِيض الْجَهْل، وَالْعَقْل ثَوْب أَحْمَر تَتَّخِذهُ نِسَاء الْعَرَب تُغَشِّي بِهِ الْهَوَادِج قَالَ عَلْقَمَة
| عَقْلًا وَرَقْمًا تَكَاد الطَّيْر تَخْطَفهُ | كَأَنَّهُ مِنْ دَم الْأَجْوَاف مَدْمُوم |
| فَصَبَرْت عَارِفَة لِذَلِكَ حُرَّة | تَرْسُو إِذَا نَفْس الْجَبَان تَطَلَّع |
ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ الطَّرِيق وَصَلَّى ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقْرَأ :" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة " ) فَالصَّلَاة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل هِيَ الشَّرْعِيَّة وَقَالَ قَوْم : هِيَ الدُّعَاء عَلَى عُرْفهَا فِي اللُّغَة فَتَكُون الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل مُشْبِهَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى " إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه " [ الْأَنْفَال ٤٥ ] لِأَنَّ الثَّبَات هُوَ الصَّبْر وَالذِّكْر هُوَ الدُّعَاء وَقَوْل ثَالِث قَالَ مُجَاهِد : الصَّبْر فِي هَذِهِ الْآيَة الصَّوْم، وَمِنْهُ قِيلَ لِرَمَضَان شَهْر الصَّبْر فَجَاءَ الصَّوْم وَالصَّلَاة عَلَى هَذَا الْقَوْل فِي الْآيَة مُتَنَاسِبًا فِي أَنَّ الصِّيَام يَمْنَع مِنْ الشَّهَوَات وَيُزَهِّد فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاة تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَتُخْشِع وَيُقْرَأ فِيهَا الْقُرْآن الَّذِي يَذْكُر الْآخِرَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
الصَّبْر عَلَى الْأَذَى وَالطَّاعَات مِنْ بَاب جِهَاد النَّفْس وَقَمْعهَا عَنْ شَهَوَاتهَا وَمَنْعهَا مِنْ تَطَاوُلهَا، وَهُوَ مِنْ أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ قَالَ يَحْيَى بْن الْيَمَان الصَّبْر أَلَّا تَتَمَنَّى حَالَة سِوَى مَا رَزَقَك اللَّه وَالرِّضَا بِمَا قَضَى اللَّه مِنْ أَمْر دُنْيَاك وَآخِرَتك وَقَالَ الشَّعْبِيّ قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الصَّبْر مِنْ الْإِيمَان بِمَنْزِلَةِ الرَّأْس مِنْ الْجَسَد قَالَ الطَّبَرِيّ وَصَدَقَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَان مَعْرِفَة بِالْقَلْبِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعَمَل بِالْجَوَارِحِ فَمَنْ لَمْ يَصْبِر عَلَى الْعَمَل بِجَوَارِحِهِ لَمْ يَسْتَحِقّ الْإِيمَان بِالْإِطْلَاقِ فَالصَّبْر عَلَى الْعَمَل بِالشَّرَائِعِ نَظِير الرَّأْس مِنْ الْجَسَد لِلْإِنْسَانِ الَّذِي لَا تَمَام لَهُ إِلَّا بِهِ.
وَصَفَ اللَّه تَعَالَى جَزَاء الْأَعْمَال وَجَعَلَ لَهَا نِهَايَة وَحَدًّا فَقَالَ " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا " [ الْأَنْعَام ١٦٠ ] وَجَعَلَ جَزَاء الصَّدَقَة فِي سَبِيل اللَّه فَوْق هَذَا فَقَالَ " مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة " [ الْبَقَرَة : ٢٦١ ] الْآيَة وَجَعَلَ أَجْر الصَّابِرِينَ بِغَيْرِ حِسَاب وَمَدَحَ أَهْله فَقَالَ " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب " [ الزُّمَر : ١٠ ] وَقَالَ " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْم الْأُمُور " [ الشُّورَى : ٤٣ ] وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَاد بِالصَّابِرِينَ فِي قَوْله " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ " [ الزُّمَر : ١٠ ] أَيْ الصَّائِمُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَحِيح السُّنَّة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّيَام لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) فَلَمْ يَذْكُر ثَوَابًا مُقَدَّرًا كَمَا لَمْ يَذْكُرهُ فِي الصَّبْر وَاَللَّه اِعْلَمْ مِنْ فَضْل الصَّبْر وَصَفَ اللَّه تَعَالَى نَفْسه بِهِ كَمَا فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَيْسَ أَحَد أَوْ لَيْسَ شَيْء أَصْبَر عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّه تَعَالَى إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقهُمْ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَصْف اللَّه تَعَالَى بِالصَّبْرِ إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْحِلْم وَمَعْنَى وَصْفه تَعَالَى بِالْحِلْمِ هُوَ تَأْخِير الْعُقُوبَة عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا وَوَصْفه تَعَالَى بِالصَّبْرِ لَمْ يَرِد فِي التَّنْزِيل وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى وَتَأَوَّلَهُ أَهْل السُّنَّة عَلَى تَأْوِيل الْحِلْم قَالَهُ اِبْن فَوْرك وَغَيْره وَجَاءَ فِي أَسْمَائِهِ " الصَّبُور " لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحِلْم عَمَّنْ عَصَاهُ
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ
اِخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي عَوْد الضَّمِير مِنْ قَوْله :" وَإِنَّهَا "، فَقِيلَ : عَلَى الصَّلَاة وَحْدهَا خَاصَّة لِأَنَّهَا تَكْبُر عَلَى النُّفُوس مَا لَا يُكْبِر الصَّوْم وَالصَّبْر هُنَا الصَّوْم فَالصَّلَاة فِيهَا سِجْن النُّفُوس، وَالصَّوْم إِنَّمَا فِيهِ مَنْع الشَّهْوَة فَلَيْسَ مَنْ مَنَعَ شَهْوَة وَاحِدَة أَوْ شَهْوَتَيْنِ كَمَنْ مَنَعَ جَمِيع الشَّهَوَات فَالصَّائِم إِنَّمَا مَنَعَ شَهْوَة النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب ثُمَّ يَنْبَسِط فِي سَائِر الشَّهَوَات مِنْ الْكَلَام وَالْمَشْي وَالنَّظَر إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ مُلَاقَاة الْخَلْق فَيَتَسَلَّى بِتِلْكَ الْأَشْيَاء عَمَّا مُنِعَ وَالْمُصَلِّي يَمْتَنِع مِنْ جَمِيع ذَلِكَ فَجَوَارِحه كُلّهَا مُقَيَّدَة بِالصَّلَاةِ عَنْ جَمِيع الشَّهَوَات، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاة أَصْعَب عَلَى النَّفْس وَمُكَابَدَتهَا أَشَدّ فَلِذَلِكَ قَالَ " وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة " وَقِيلَ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ كَنَّى عَنْ الْأَغْلَب، وَهُوَ الصَّلَاة كَقَوْلِهِ " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣٤ ] وَقَوْله " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " [ الْجُمُعَة : ١١ ] فَرَدَّ الْكِنَايَة إِلَى الْفِضَّة لِأَنَّهَا الْأَغْلَب وَالْأَعَمّ، وَإِلَى التِّجَارَة لِأَنَّهَا الْأَفْضَل وَالْأَهَمّ، وَقِيلَ : إِنَّ الصَّبْر لَمَّا كَانَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاة أَعَادَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ " وَاَللَّه وَرَسُوله أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ " [ التَّوْبَة : ٦٢ ] وَلَمْ يَقُلْ يُرْضُوهُمَا لِأَنَّ رِضَا الرَّسُول دَاخِل فِي رِضَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر
وَلَمْ يَقُلْ يُعَاصَيَا رَدّ إِلَى الشَّبَاب لِأَنَّ الشَّعْر دَاخِل فِيهِ، وَقِيلَ : رَدّ الْكِنَايَة إِلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَكِنْ حُذِفَ اِخْتِصَارًا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَجَعَلْنَا اِبْن مَرْيَم وَأُمَّهُ آيَةً " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٥٠ ] وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر
وَقَالَ آخَر :
أَرَادَ : لَغَرِيبَانِ، لَا فَلَاح مَعَهُمَا وَقِيلَ عَلَى الْعِبَادَة الَّتِي يَتَضَمَّنهَا بِالْمَعْنَى ذِكْر الصَّبْر وَالصَّلَاة، وَقِيلَ عَلَى الْمَصْدَر، وَهِيَ الِاسْتِعَانَة الَّتِي يَقْتَضِيهَا قَوْلُهُ " وَاسْتَعِينُوا " وَقِيلَ : عَلَى إِجَابَة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام ; لِأَنَّ الصَّبْر وَالصَّلَاة مِمَّا كَانَ يَدْعُونَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ عَلَى الْكَعْبَة لِأَنَّ الْأَمْر بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا هُوَ إِلَيْهَا " وَكَبِيرَة " مَعْنَاهُ ثَقِيلَة شَاقَّة خَبَر " إِنَّ " وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن وَإِنَّهُ لَكَبِيرَة " إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ " فَإِنَّهَا خَفِيفَة عَلَيْهِمْ قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي إِلَّا عَلَى مَنْ أُيِّدَ فِي الْأَزَل بِخَصَائِص الِاجْتِبَاء وَالْهُدَى
اِخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي عَوْد الضَّمِير مِنْ قَوْله :" وَإِنَّهَا "، فَقِيلَ : عَلَى الصَّلَاة وَحْدهَا خَاصَّة لِأَنَّهَا تَكْبُر عَلَى النُّفُوس مَا لَا يُكْبِر الصَّوْم وَالصَّبْر هُنَا الصَّوْم فَالصَّلَاة فِيهَا سِجْن النُّفُوس، وَالصَّوْم إِنَّمَا فِيهِ مَنْع الشَّهْوَة فَلَيْسَ مَنْ مَنَعَ شَهْوَة وَاحِدَة أَوْ شَهْوَتَيْنِ كَمَنْ مَنَعَ جَمِيع الشَّهَوَات فَالصَّائِم إِنَّمَا مَنَعَ شَهْوَة النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب ثُمَّ يَنْبَسِط فِي سَائِر الشَّهَوَات مِنْ الْكَلَام وَالْمَشْي وَالنَّظَر إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ مُلَاقَاة الْخَلْق فَيَتَسَلَّى بِتِلْكَ الْأَشْيَاء عَمَّا مُنِعَ وَالْمُصَلِّي يَمْتَنِع مِنْ جَمِيع ذَلِكَ فَجَوَارِحه كُلّهَا مُقَيَّدَة بِالصَّلَاةِ عَنْ جَمِيع الشَّهَوَات، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاة أَصْعَب عَلَى النَّفْس وَمُكَابَدَتهَا أَشَدّ فَلِذَلِكَ قَالَ " وَإِنَّهَا لَكَبِيرَة " وَقِيلَ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ كَنَّى عَنْ الْأَغْلَب، وَهُوَ الصَّلَاة كَقَوْلِهِ " وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣٤ ] وَقَوْله " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا " [ الْجُمُعَة : ١١ ] فَرَدَّ الْكِنَايَة إِلَى الْفِضَّة لِأَنَّهَا الْأَغْلَب وَالْأَعَمّ، وَإِلَى التِّجَارَة لِأَنَّهَا الْأَفْضَل وَالْأَهَمّ، وَقِيلَ : إِنَّ الصَّبْر لَمَّا كَانَ دَاخِلًا فِي الصَّلَاة أَعَادَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ " وَاَللَّه وَرَسُوله أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ " [ التَّوْبَة : ٦٢ ] وَلَمْ يَقُلْ يُرْضُوهُمَا لِأَنَّ رِضَا الرَّسُول دَاخِل فِي رِضَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر
| إِنَّ شَرْح الشَّبَاب وَالشَّعْر الْأَسْ | ودَ مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونًا |
| فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله | فَإِنِّي وَقَيَّار بِهَا لَغَرِيب |
| لِكُلِّ هَمّ مِنْ الْهُمُوم سَعَهْ | وَالصُّبْح وَالْمُسْيُ لَا فَلَاح مَعَهْ |
إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الْخَاشِعُونَ جَمْع خَاشِع، وَهُوَ الْمُتَوَاضِع، وَالْخُشُوع هَيْئَة فِي النَّفْس يَظْهَر مِنْهَا فِي الْجَوَارِح سُكُون وَتَوَاضُع وَقَالَ قَتَادَة الْخُشُوع فِي الْقَلْب وَهُوَ الْخَوْف وَغَضّ الْبَصَر فِي الصَّلَاة قَالَ الزَّجَّاج : الْخَاشِع الَّذِي يُرَى أَثَر الذُّلّ وَالْخُشُوع عَلَيْهِ كَخُشُوعِ الدَّار بَعْد الْإِقْوَاء هَذَا هُوَ الْأَصْل قَالَ النَّابِغَة
وَمَكَان خَاشِع : لَا يُهْتَدَى لَهُ.
وَخَشَعَتْ الْأَصْوَات أَيْ سَكَنَتْ وَخَشَعَتْ خَرَاشِيّ صَدْره إِذَا أَلْقَى بُصَاقًا لَزِجًا وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ إِذَا غَضَّهُ وَالْخُشْعَة قِطْعَة مِنْ الْأَرْض رَخْوَة، وَفِي الْحَدِيث ( كَانَتْ خُشْعَة عَلَى الْمَاء ثُمَّ دُحِيَتْ بَعْد ) وَبَلْدَة خَاشِعَة مُغْبَرَّة لَا مَنْزِل بِهَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ سَأَلْت الْأَعْمَش عَنْ الْخُشُوع فَقَالَ يَا ثَوْرِيّ أَنْتَ تُرِيد أَنْ تَكُون إِمَامًا لِلنَّاسِ وَلَا تَعْرِف الْخُشُوع سَأَلْت إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ عَنْ الْخُشُوع فَقَالَ أُعَيْمِش تُرِيد أَنْ تَكُون إِمَامًا لِلنَّاسِ وَلَا تَعْرِف الْخُشُوع لَيْسَ الْخُشُوع بِأَكْلِ الْخَشِن وَلُبْس الْخَشِن وَتَطَأْطُؤ الرَّأْس لَكِنْ الْخُشُوع أَنْ تَرَى الشَّرِيف وَالدَّنِيء فِي الْحَقّ سَوَاء وَتَخْشَع لِلَّهِ فِي كُلّ فَرْض اُفْتُرِضَ عَلَيْك وَنَظَرَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى شَابّ قَدْ نَكَّسَ رَأْسه فَقَالَ يَا هَذَا اِرْفَعْ رَأَسَك ( فَإِنَّ الْخُشُوع لَا يَزِيد عَلَى مَا فِي الْقَلْب.
) وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب :( الْخُشُوع فِي الْقَلْب، وَأَنْ تُلِينَ كَفَّيْك لِلْمَرْءِ الْمُسْلِم، وَأَلَّا تَلْتَفِت فِي صَلَاتِكَ.
) وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا عِنْد قَوْله تَعَالَى " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتهمْ خَاشِعُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ :
١ - ٢ ] فَمَنْ أَظْهَر لِلنَّاسِ خُشُوعًا فَوْق مَا فِي قَلْبه فَإِنَّمَا أَظْهَرَ نِفَاقًا عَلَى نِفَاق قَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه لَا يَكُون خَاشِعًا حَتَّى تَخْشَع كُلّ شَعْرَة عَلَى جَسَده لِقَوْلِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى " تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " [ الزُّمَر : ٢٣ ] قُلْت : هَذَا هُوَ الْخُشُوع الْمَحْمُود لِأَنَّ الْخَوْف إِذَا سَكَنَ الْقَلْب أَوْجَبَ خُشُوع الظَّاهِر فَلَا يَمْلِك صَاحِبه دَفْعه فَتَرَاهُ مُطْرِقًا مُتَأَدِّبًا مُتَذَلِّلًا وَقَدْ كَانَ السَّلَف يَجْتَهِدُونَ فِي سَتْر مَا يَظْهَر مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَذْمُوم فَتَكَلُّفه وَالتَّبَاكِي وَمُطَأْطَأَة الرَّأْس كَمَا يَفْعَلهُ الْجُهَّال لِيُرَوْا بِعَيْنِ الْبِرّ وَالْإِجْلَال وَذَلِكَ خَدْع مِنْ الشَّيْطَان وَتَسْوِيل مِنْ نَفْس الْإِنْسَان، رَوَى الْحَسَن أَنَّ رَجُلًا تَنَفَّسَ عِنْد عُمَر بْن الْخَطَّاب كَأَنَّهُ يَتَحَازَن فَلَكَزَهُ عُمَر أَوْ قَالَ لَكَمَهُ وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَعَ وَإِذَا مَشَى أَسْرَعَ وَإِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ وَكَانَ نَاسِكًا صِدْقًا وَخَاشِعًا حَقًّا وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ الْخَاشِعُونَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا.
الْخَاشِعُونَ جَمْع خَاشِع، وَهُوَ الْمُتَوَاضِع، وَالْخُشُوع هَيْئَة فِي النَّفْس يَظْهَر مِنْهَا فِي الْجَوَارِح سُكُون وَتَوَاضُع وَقَالَ قَتَادَة الْخُشُوع فِي الْقَلْب وَهُوَ الْخَوْف وَغَضّ الْبَصَر فِي الصَّلَاة قَالَ الزَّجَّاج : الْخَاشِع الَّذِي يُرَى أَثَر الذُّلّ وَالْخُشُوع عَلَيْهِ كَخُشُوعِ الدَّار بَعْد الْإِقْوَاء هَذَا هُوَ الْأَصْل قَالَ النَّابِغَة
| رَمَاد كَكُحْلِ الْعَيْن لَأْيًا أُبَيِّنهُ | وَنُؤْي كَجِذْمِ الْحَوْض أَثْلَم خَاشِع |
وَخَشَعَتْ الْأَصْوَات أَيْ سَكَنَتْ وَخَشَعَتْ خَرَاشِيّ صَدْره إِذَا أَلْقَى بُصَاقًا لَزِجًا وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ إِذَا غَضَّهُ وَالْخُشْعَة قِطْعَة مِنْ الْأَرْض رَخْوَة، وَفِي الْحَدِيث ( كَانَتْ خُشْعَة عَلَى الْمَاء ثُمَّ دُحِيَتْ بَعْد ) وَبَلْدَة خَاشِعَة مُغْبَرَّة لَا مَنْزِل بِهَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ سَأَلْت الْأَعْمَش عَنْ الْخُشُوع فَقَالَ يَا ثَوْرِيّ أَنْتَ تُرِيد أَنْ تَكُون إِمَامًا لِلنَّاسِ وَلَا تَعْرِف الْخُشُوع سَأَلْت إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ عَنْ الْخُشُوع فَقَالَ أُعَيْمِش تُرِيد أَنْ تَكُون إِمَامًا لِلنَّاسِ وَلَا تَعْرِف الْخُشُوع لَيْسَ الْخُشُوع بِأَكْلِ الْخَشِن وَلُبْس الْخَشِن وَتَطَأْطُؤ الرَّأْس لَكِنْ الْخُشُوع أَنْ تَرَى الشَّرِيف وَالدَّنِيء فِي الْحَقّ سَوَاء وَتَخْشَع لِلَّهِ فِي كُلّ فَرْض اُفْتُرِضَ عَلَيْك وَنَظَرَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى شَابّ قَدْ نَكَّسَ رَأْسه فَقَالَ يَا هَذَا اِرْفَعْ رَأَسَك ( فَإِنَّ الْخُشُوع لَا يَزِيد عَلَى مَا فِي الْقَلْب.
) وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب :( الْخُشُوع فِي الْقَلْب، وَأَنْ تُلِينَ كَفَّيْك لِلْمَرْءِ الْمُسْلِم، وَأَلَّا تَلْتَفِت فِي صَلَاتِكَ.
) وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا عِنْد قَوْله تَعَالَى " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتهمْ خَاشِعُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ :
١ - ٢ ] فَمَنْ أَظْهَر لِلنَّاسِ خُشُوعًا فَوْق مَا فِي قَلْبه فَإِنَّمَا أَظْهَرَ نِفَاقًا عَلَى نِفَاق قَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه لَا يَكُون خَاشِعًا حَتَّى تَخْشَع كُلّ شَعْرَة عَلَى جَسَده لِقَوْلِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى " تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " [ الزُّمَر : ٢٣ ] قُلْت : هَذَا هُوَ الْخُشُوع الْمَحْمُود لِأَنَّ الْخَوْف إِذَا سَكَنَ الْقَلْب أَوْجَبَ خُشُوع الظَّاهِر فَلَا يَمْلِك صَاحِبه دَفْعه فَتَرَاهُ مُطْرِقًا مُتَأَدِّبًا مُتَذَلِّلًا وَقَدْ كَانَ السَّلَف يَجْتَهِدُونَ فِي سَتْر مَا يَظْهَر مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَذْمُوم فَتَكَلُّفه وَالتَّبَاكِي وَمُطَأْطَأَة الرَّأْس كَمَا يَفْعَلهُ الْجُهَّال لِيُرَوْا بِعَيْنِ الْبِرّ وَالْإِجْلَال وَذَلِكَ خَدْع مِنْ الشَّيْطَان وَتَسْوِيل مِنْ نَفْس الْإِنْسَان، رَوَى الْحَسَن أَنَّ رَجُلًا تَنَفَّسَ عِنْد عُمَر بْن الْخَطَّاب كَأَنَّهُ يَتَحَازَن فَلَكَزَهُ عُمَر أَوْ قَالَ لَكَمَهُ وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَعَ وَإِذَا مَشَى أَسْرَعَ وَإِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ وَكَانَ نَاسِكًا صِدْقًا وَخَاشِعًا حَقًّا وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ الْخَاشِعُونَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا.
الَّذِينَ يَظُنُّونَ
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى النَّعْت لِلْخَاشِعِينَ، وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الْقَطْع.
وَالظَّنّ هُنَا فِي قَوْل الْجُمْهُور بِمَعْنَى الْيَقِين وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَه " [ الْحَاقَّة : ٢٠ ] وَقَوْله :" فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا " [ الْكَهْف : ٥٣ ].
قَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّة
وَقَالَ أَبُو دَاوُد
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الظَّنّ فِي الْآيَة يَصِحّ أَنْ يَكُون عَلَى بَابه وَيُضْمَر فِي الْكَلَام بِذُنُوبِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ لِقَاءَهُ مُذْنِبِينَ ذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ قَالَ اِبْن عَطِيَّة، وَهَذَا تَعَسُّف وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الظَّنّ قَدْ يَقَع بِمَعْنَى الْكَذِب وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ الْبَصْرِيُّونَ وَأَصْل الظَّنّ وَقَاعِدَته الشَّكّ مَعَ مَيْل إِلَى أَحَد مُعْتَقَدَيْهِ وَقَدْ يُوقَع مَوْقِع الْيَقِين كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا لَكُنَّهُ لَا يُوقَع فِيمَا قَدْ خَرَجَ إِلَى الْحِسّ لَا تَقُول الْعَرَب فِي رَجُل مَرْئِيّ حَاضِر أَظُنّ هَذَا إِنْسَانًا وَإِنَّمَا تَجِد الِاسْتِعْمَال فِيمَا لَمْ يَخْرُج إِلَى الْحِسّ بَعْد كَهَذِهِ الْآيَة وَالشِّعْر وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا " وَقَدْ يَجِيء الْيَقِين بِمَعْنَى الظَّنّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه أَوَّل السُّورَة، وَتَقُول سُؤْت بِهِ ظَنًّا وَأَسَأْت بِهِ الظَّنّ يُدْخِلُونَ الْأَلِف إِذَا جَاءُوا بِالْأَلِفِ وَاللَّام
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى النَّعْت لِلْخَاشِعِينَ، وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الْقَطْع.
وَالظَّنّ هُنَا فِي قَوْل الْجُمْهُور بِمَعْنَى الْيَقِين وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَه " [ الْحَاقَّة : ٢٠ ] وَقَوْله :" فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا " [ الْكَهْف : ٥٣ ].
قَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّة
| فَقُلْت لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّج | سُرَاتُهُمْ فِي الْفَارِسِيّ الْمُسَرَّد |
| رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيم | وَغُيُوب كَشَفْتهَا بِظُنُون |
أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ
جَزَاء رَبِّهِمْ.
وَقِيلَ : جَاءَ عَلَى الْمُفَاعَلَة، وَهُوَ مِنْ وَاحِد، مِثْل عَافَاهُ اللَّه
جَزَاء رَبِّهِمْ.
وَقِيلَ : جَاءَ عَلَى الْمُفَاعَلَة، وَهُوَ مِنْ وَاحِد، مِثْل عَافَاهُ اللَّه
وَأَنَّهُمْ
بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَطْف عَلَى الْأَوَّل، وَيَجُوز " وَإِنَّهُمْ " بِكَسْرِهَا عَلَى الْقَطْع.
بِفَتْحِ الْهَمْزَة عَطْف عَلَى الْأَوَّل، وَيَجُوز " وَإِنَّهُمْ " بِكَسْرِهَا عَلَى الْقَطْع.
إِلَيْهِ
أَيْ إِلَى رَبّهمْ وَقِيلَ إِلَى جَزَائِهِ.
أَيْ إِلَى رَبّهمْ وَقِيلَ إِلَى جَزَائِهِ.
رَاجِعُونَ
إِقْرَار بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء وَالْعَرْض عَلَى الْمَلِك الْأَعْلَى
إِقْرَار بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاء وَالْعَرْض عَلَى الْمَلِك الْأَعْلَى
يَا بَنِي
نِدَاء مُضَاف عَلَامَة النَّصْب فِيهِ الْيَاء، وَحُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِلْإِضَافَةِ.
الْوَاحِد اِبْن وَالْأَصْل فِيهِ بَنِي وَقِيلَ بَنُو فَمَنْ قَالَ الْمَحْذُوف مِنْهُ وَاو اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ الْبُنُوَّة وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا الْفُتُوَّة وَأَصْله الْيَاء، وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَحْذُوف مِنْهُ عِنْدِي يَاء كَأَنَّهُ مِنْ بَنَيْت الْأَخْفَش اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو لِأَنَّ حَذْفَهَا أَكْثَر لِثِقَلِهَا، وَيُقَال اِبْن بَيِّن الْبُنُوَّة وَالتَّصْغِير بُنَيّ قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْل يَا أَبَتِ وَيَا أَبَتَ، وَقُرِئَ بِهِمَا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْبِنَاء، وَهُوَ وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء، وَالِابْن فَرْع لِلْأَبِ، وَهُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ، وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ السَّلَام قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ : وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء مَنْ لَهُ اِسْمَانِ غَيْره إِلَّا نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة ذَكَرَهُ فِي كِتَاب " فُهُوم الْآثَار " لَهُ.
قُلْت : وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسِيح إِنَّهُ اِسْم عَلَم لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام غَيْر مُشْتَقّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه رُوحًا وَكَلِمَة، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ أَبِيل الْأَبِيلِينَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " دَلَائِل النُّبُوَّة " عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد خَمْسَة مِنْ الْأَنْبِيَاء ذَوُو اِسْمَيْنِ مُحَمَّد وَأَحْمَد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَالْمَسِيح وَإِسْرَائِيل وَيَعْقُوب وَيُونُس وَذُو النُّون وَإِلْيَاس وَذُو الْكِفْل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ قُلْت : ذَكَرْنَا أَنَّ لِعِيسَى أَرْبَعَة أَسْمَاء وَأَمَّا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا وَإِسْرَائِيل اِسْم أَعْجَمِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف وَهُوَ فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ وَفِيهِ سَبْع لُغَات إِسْرَائِيل وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ مَهْمُوزَة مُخْتَلَسَة حَكَاهَا شَنَّبُوذ عَنْ وَرْش وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ بَعْد الْيَاء مِنْ غَيْر هَمْز وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش وَعِيسَى بْن عُمَر وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ بِغَيْرِ هَمْز وَلَا مَدّ وَإِسْرَائِل بِغَيْرِ يَاء بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَة وَإِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة وَتَمِيم يَقُولُونَ إِسْرَائِين بِالنُّونِ وَمَعْنَى إِسْرَائِيل عَبْد اللَّه قَالَ اِبْن عَبَّاس ( إِسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ هُوَ عَبْد وَإِيل هُوَ اللَّه.
) وَقِيلَ إِسْرَا هُوَ صَفْوَة اللَّه وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا مِنْ الشَّدّ فَكَأَنَّ إِسْرَائِيل الَّذِي شَدَّهُ اللَّه وَأَتْقَنَ خَلْقه ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : سُمِّيَ إِسْرَائِيل ; لِأَنَّهُ أَسْرَى ذَات لَيْلَة حِين هَاجَرَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَسُمِّيَ إِسْرَائِيل أَيْ أَسْرَى إِلَى اللَّه وَنَحْو هَذَا فَيَكُون بَعْض الِاسْم عِبْرَانِيَّا وَبَعْضه مُوَافِقًا لِلْعَرَبِ وَاَللَّه أَعْلَم.
نِدَاء مُضَاف عَلَامَة النَّصْب فِيهِ الْيَاء، وَحُذِفَتْ مِنْهُ النُّون لِلْإِضَافَةِ.
الْوَاحِد اِبْن وَالْأَصْل فِيهِ بَنِي وَقِيلَ بَنُو فَمَنْ قَالَ الْمَحْذُوف مِنْهُ وَاو اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ الْبُنُوَّة وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا الْفُتُوَّة وَأَصْله الْيَاء، وَقَالَ الزَّجَّاج الْمَحْذُوف مِنْهُ عِنْدِي يَاء كَأَنَّهُ مِنْ بَنَيْت الْأَخْفَش اِخْتَارَ أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو لِأَنَّ حَذْفَهَا أَكْثَر لِثِقَلِهَا، وَيُقَال اِبْن بَيِّن الْبُنُوَّة وَالتَّصْغِير بُنَيّ قَالَ الْفَرَّاء : يُقَال يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْل يَا أَبَتِ وَيَا أَبَتَ، وَقُرِئَ بِهِمَا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الْبِنَاء، وَهُوَ وَضْع الشَّيْء عَلَى الشَّيْء، وَالِابْن فَرْع لِلْأَبِ، وَهُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ، وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ السَّلَام قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ : وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء مَنْ لَهُ اِسْمَانِ غَيْره إِلَّا نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة ذَكَرَهُ فِي كِتَاب " فُهُوم الْآثَار " لَهُ.
قُلْت : وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسِيح إِنَّهُ اِسْم عَلَم لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام غَيْر مُشْتَقّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه رُوحًا وَكَلِمَة، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ أَبِيل الْأَبِيلِينَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ فِي " دَلَائِل النُّبُوَّة " عَنْ الْخَلِيل بْن أَحْمَد خَمْسَة مِنْ الْأَنْبِيَاء ذَوُو اِسْمَيْنِ مُحَمَّد وَأَحْمَد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَالْمَسِيح وَإِسْرَائِيل وَيَعْقُوب وَيُونُس وَذُو النُّون وَإِلْيَاس وَذُو الْكِفْل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ قُلْت : ذَكَرْنَا أَنَّ لِعِيسَى أَرْبَعَة أَسْمَاء وَأَمَّا نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَسْمَاء كَثِيرَة بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا وَإِسْرَائِيل اِسْم أَعْجَمِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف وَهُوَ فِي مَوْضِع خَفْض بِالْإِضَافَةِ وَفِيهِ سَبْع لُغَات إِسْرَائِيل وَهِيَ لُغَة الْقُرْآن وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ مَهْمُوزَة مُخْتَلَسَة حَكَاهَا شَنَّبُوذ عَنْ وَرْش وَإِسْرَائِيل بِمَدَّةٍ بَعْد الْيَاء مِنْ غَيْر هَمْز وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش وَعِيسَى بْن عُمَر وَقَرَأَ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ بِغَيْرِ هَمْز وَلَا مَدّ وَإِسْرَائِل بِغَيْرِ يَاء بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَة وَإِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة وَتَمِيم يَقُولُونَ إِسْرَائِين بِالنُّونِ وَمَعْنَى إِسْرَائِيل عَبْد اللَّه قَالَ اِبْن عَبَّاس ( إِسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ هُوَ عَبْد وَإِيل هُوَ اللَّه.
) وَقِيلَ إِسْرَا هُوَ صَفْوَة اللَّه وَإِيل هُوَ اللَّه وَقِيلَ إِسْرَا مِنْ الشَّدّ فَكَأَنَّ إِسْرَائِيل الَّذِي شَدَّهُ اللَّه وَأَتْقَنَ خَلْقه ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : سُمِّيَ إِسْرَائِيل ; لِأَنَّهُ أَسْرَى ذَات لَيْلَة حِين هَاجَرَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فَسُمِّيَ إِسْرَائِيل أَيْ أَسْرَى إِلَى اللَّه وَنَحْو هَذَا فَيَكُون بَعْض الِاسْم عِبْرَانِيَّا وَبَعْضه مُوَافِقًا لِلْعَرَبِ وَاَللَّه أَعْلَم.
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
الذِّكْر اِسْم مُشْتَرَك، فَالذِّكْر بِالْقَلْبِ ضِدّ النِّسْيَان وَالذِّكْر بِاللِّسَانِ ضِدّ الْإِنْصَات وَذَكَرْت الشَّيْء بِلِسَانِي وَقَلْبِي ذِكْرًا وَاجْعَلْهُ مِنْك عَلَى ذُكْر ( بِضَمِّ الذَّال ) أَيْ لَا تَنْسَهُ قَالَ الْكِسَائِيّ مَا كَانَ بِالضَّمِيرِ فَهُوَ مَضْمُوم الذَّال وَمَا كَانَ بِاللِّسَانِ فَهُوَ مَكْسُور الذَّال وَقَالَ غَيْره هُمَا لُغَتَانِ يُقَال ذِكْر وَذُكْر، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد وَالذَّكَر ( بِفَتْحِ الذَّال ) خِلَاف الْأُنْثَى وَالذِّكْر أَيْضًا الشَّرَف وَمِنْهُ قَوْله " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف ٤٤ ] قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة اُذْكُرُوا شُكْر نِعْمَتِي فَحَذَفَ الشُّكْر اِكْتِفَاء بِذِكْرِ النِّعْمَة وَقِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ الذِّكْر بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمَطْلُوب أَيْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَلَا تَنَاسَوْهَا وَهُوَ حَسَن وَالنِّعْمَة هُنَا اِسْم جِنْس فَهِيَ مُفْرَدَة بِمَعْنَى الْجَمْع قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا " [ إِبْرَاهِيم : ٣٤ ] أَيْ نِعَمه وَمِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاء وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب وَالْمَنّ وَالسَّلْوَى وَفَجَّرَ لَهُمْ فِي الْحَجَر الْمَاء إِلَى مَا اِسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَرِسَالَته، وَالنِّعَم عَلَى الْآبَاء نِعَم عَلَى الْأَبْنَاء لِأَنَّهُمْ يَشْرُفُونَ بِشَرَفِ آبَائِهِمْ تَنْبِيه : قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي رَبَطَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيل بِذِكْرِ النِّعْمَة وَأَسْقَطَهُ عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى ذِكْره فَقَالَ " اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٥٢ ] لِيَكُونَ نَظَر الْأُمَم مِنْ النِّعْمَة إِلَى الْمُنْعِم وَنَظَر أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْعِم إِلَى النِّعْمَة
الذِّكْر اِسْم مُشْتَرَك، فَالذِّكْر بِالْقَلْبِ ضِدّ النِّسْيَان وَالذِّكْر بِاللِّسَانِ ضِدّ الْإِنْصَات وَذَكَرْت الشَّيْء بِلِسَانِي وَقَلْبِي ذِكْرًا وَاجْعَلْهُ مِنْك عَلَى ذُكْر ( بِضَمِّ الذَّال ) أَيْ لَا تَنْسَهُ قَالَ الْكِسَائِيّ مَا كَانَ بِالضَّمِيرِ فَهُوَ مَضْمُوم الذَّال وَمَا كَانَ بِاللِّسَانِ فَهُوَ مَكْسُور الذَّال وَقَالَ غَيْره هُمَا لُغَتَانِ يُقَال ذِكْر وَذُكْر، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد وَالذَّكَر ( بِفَتْحِ الذَّال ) خِلَاف الْأُنْثَى وَالذِّكْر أَيْضًا الشَّرَف وَمِنْهُ قَوْله " وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف ٤٤ ] قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة اُذْكُرُوا شُكْر نِعْمَتِي فَحَذَفَ الشُّكْر اِكْتِفَاء بِذِكْرِ النِّعْمَة وَقِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ الذِّكْر بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْمَطْلُوب أَيْ لَا تَغْفُلُوا عَنْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَلَا تَنَاسَوْهَا وَهُوَ حَسَن وَالنِّعْمَة هُنَا اِسْم جِنْس فَهِيَ مُفْرَدَة بِمَعْنَى الْجَمْع قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا " [ إِبْرَاهِيم : ٣٤ ] أَيْ نِعَمه وَمِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْن وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَنْبِيَاء وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُب وَالْمَنّ وَالسَّلْوَى وَفَجَّرَ لَهُمْ فِي الْحَجَر الْمَاء إِلَى مَا اِسْتَوْدَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي فِيهَا صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَرِسَالَته، وَالنِّعَم عَلَى الْآبَاء نِعَم عَلَى الْأَبْنَاء لِأَنَّهُمْ يَشْرُفُونَ بِشَرَفِ آبَائِهِمْ تَنْبِيه : قَالَ أَرْبَاب الْمَعَانِي رَبَطَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيل بِذِكْرِ النِّعْمَة وَأَسْقَطَهُ عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى ذِكْره فَقَالَ " اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٥٢ ] لِيَكُونَ نَظَر الْأُمَم مِنْ النِّعْمَة إِلَى الْمُنْعِم وَنَظَر أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْعِم إِلَى النِّعْمَة
عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
يُرِيد عَلَى عَالَمَيْ زَمَانهمْ، وَأَهْل كُلّ زَمَان عَالَم.
وَقِيلَ : عَلَى كُلّ الْعَالَمِينَ بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَهَذَا خَاصَّة لَهُمْ وَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ
يُرِيد عَلَى عَالَمَيْ زَمَانهمْ، وَأَهْل كُلّ زَمَان عَالَم.
وَقِيلَ : عَلَى كُلّ الْعَالَمِينَ بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَهَذَا خَاصَّة لَهُمْ وَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
أَمْر مَعْنَاهُ الْوَعِيد وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي التَّقْوَى " يَوْمًا " يُرِيد عَذَابه وَهَوْله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُول بِـ " اِتَّقُوا " وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يَوْم لَا تَجْزِي عَلَى الْإِضَافَة وَفِي الْكَلَام حَذْف بَيْن النَّحْوِيِّينَ فِيهِ اِخْتِلَاف قَالَ الْبَصْرِيُّونَ التَّقْدِير يَوْمًا لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا ثُمَّ حَذَفَ فِيهِ كَمَا قَالَ
وَيَوْمًا شَهِدْنَاهُ سَلِيمًا وَعَامِرًا
أَيْ شَهِدْنَا فِيهِ وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هَذَا خَطَأ لَا يَجُوز حَذْف " فِيهِ " وَلَكِنَّ التَّقْدِير وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِيه نَفْس ثُمَّ حَذَفَ الْهَاء، وَإِنَّمَا يَجُوز حَذْف الْهَاء ; لِأَنَّ الظُّرُوف عِنْده لَا يَجُوز حَذْفهَا قَالَ : لَا يَجُوز أَنْ تَقُول هَذَا رَجُلًا قَصَدْت وَلَا رَأَيْت رَجُلًا أَرْغَب وَأَنْتَ تُرِيد قَصَدْت إِلَيْهِ وَأَرْغَب فِيهِ قَالَ : وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ الَّذِي تَكَلَّمْت زَيْد بِمَعْنَى تَكَلَّمْت فِيهِ زَيْد، وَقَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز أَنْ تُحْذَف الْهَاء وَفِيهِ وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَائِزَانِ عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَش وَالزَّجَّاج وَمَعْنَى " لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا " أَيْ لَا تُؤَاخَذ نَفْس بِذَنْبِ أُخْرَى وَلَا تَدْفَع عَنْهَا شَيْئًا تَقُول جَزَى عَنِّي هَذَا الْأَمْر يَجْزِي كَمَا تَقُول قَضَى عَنِّي وَاجْتَزَأْت بِالشَّيْءِ اِجْتِزَاء إِذَا اِكْتَفَيْت بِهِ قَالَ الشَّاعِر
أَيْ يَكْتَفِي بِهَا وَفِي حَدِيث عُمَر ( إِذَا أَجْرَيْت الْمَاء عَلَى الْمَاء جَزَى عَنْك ) يُرِيد إِذَا صَبَبْت الْمَاء عَلَى الْبَوْل فِي الْأَرْض فَجَرَى عَلَيْهِ طَهُرَ الْمَكَان، وَلَا حَاجَة بِك إِلَى غَسْل ذَلِكَ الْمَوْضِع وَتَنْشِيف الْمَاء بِخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرهَا كَمَا يَفْعَل كَثِير مِنْ النَّاس وَفِي صَحِيح الْحَدِيث عَنْ أَبِي بُرْدَة بْن نِيَار فِي الْأُضْحِيَّة ( لَنْ تَجْزِي عَنْ أَحَد بَعْدك ) أَيْ لَنْ تُغْنِي فَمَعْنَى لَا تَجْزِي لَا تَقْضِي وَلَا تُغْنِي وَلَا تَكْفِي إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْء فَإِنْ كَانَ فَإِنَّهَا تَجْزِي وَتَقْضِي وَتُغْنِي بِغَيْرِ اِخْتِيَارهَا مِنْ حَسَنَاتهَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحُقُوق كَمَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ كَانَتْ عِنْده مَظْلِمَة لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضه أَوْ شَيْء فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمِثْله حَدِيثه الْآخَر فِي الْمُفْلِس وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَة خَرَّجَهُ مُسْلِم وَقُرِئَ " تُجْزِئ " بِضَمِّ التَّاء وَالْهَمْز وَيُقَال جَزَى وَأَجْزَى بِمَعْنًى وَاحِد وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنهمَا قَوْم فَقَالُوا جَزَى بِمَعْنَى قَضَى وَكَافَأَ وَأَجْزَى بِمَعْنَى أَغْنَى وَكَفَى أَجْزَأَنِي الشَّيْء يُجْزِئنِي أَيْ كَفَانِي قَالَ الشَّاعِر
أَمْر مَعْنَاهُ الْوَعِيد وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي التَّقْوَى " يَوْمًا " يُرِيد عَذَابه وَهَوْله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُول بِـ " اِتَّقُوا " وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن يَوْم لَا تَجْزِي عَلَى الْإِضَافَة وَفِي الْكَلَام حَذْف بَيْن النَّحْوِيِّينَ فِيهِ اِخْتِلَاف قَالَ الْبَصْرِيُّونَ التَّقْدِير يَوْمًا لَا تَجْزِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا ثُمَّ حَذَفَ فِيهِ كَمَا قَالَ
وَيَوْمًا شَهِدْنَاهُ سَلِيمًا وَعَامِرًا
أَيْ شَهِدْنَا فِيهِ وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هَذَا خَطَأ لَا يَجُوز حَذْف " فِيهِ " وَلَكِنَّ التَّقْدِير وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِيه نَفْس ثُمَّ حَذَفَ الْهَاء، وَإِنَّمَا يَجُوز حَذْف الْهَاء ; لِأَنَّ الظُّرُوف عِنْده لَا يَجُوز حَذْفهَا قَالَ : لَا يَجُوز أَنْ تَقُول هَذَا رَجُلًا قَصَدْت وَلَا رَأَيْت رَجُلًا أَرْغَب وَأَنْتَ تُرِيد قَصَدْت إِلَيْهِ وَأَرْغَب فِيهِ قَالَ : وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ الَّذِي تَكَلَّمْت زَيْد بِمَعْنَى تَكَلَّمْت فِيهِ زَيْد، وَقَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز أَنْ تُحْذَف الْهَاء وَفِيهِ وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَائِزَانِ عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَش وَالزَّجَّاج وَمَعْنَى " لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا " أَيْ لَا تُؤَاخَذ نَفْس بِذَنْبِ أُخْرَى وَلَا تَدْفَع عَنْهَا شَيْئًا تَقُول جَزَى عَنِّي هَذَا الْأَمْر يَجْزِي كَمَا تَقُول قَضَى عَنِّي وَاجْتَزَأْت بِالشَّيْءِ اِجْتِزَاء إِذَا اِكْتَفَيْت بِهِ قَالَ الشَّاعِر
| فَإِنَّ الْغَدْر فِي الْأَقْوَام عَارٍ | وَإِنَّ الْحُرّ يُجْزَأ بِالْكُرَاعِ |
| وَأَجْزَأْت أَمْر الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَكُنْ | لِيُجْزِئ إِلَّا كَامِل وَابْن كَامِل |
| إِذَا دَخَلَ الشَّهْر الْحَرَام فَوَدِّعِي | بِلَاد تَمِيم وَانْصُرِي أَرْض عَامِر |
| إِنِّي وَأَسْطَار سُطِرْن سَطْرًا | لِقَائِلٍ يَا نَصْر نَصْرًا نَصْرَا |
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَطْف عَلَى " اُذْكُرُوا نِعْمَتِي " وَهَذَا وَمَا بَعْده تَذْكِير بِبَعْضِ النِّعَم الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ أَيْ اُذْكُرُوا نِعْمَتِي بِإِنْجَائِكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَجَعْل الْأَنْبِيَاء فِيكُمْ، وَالْخِطَاب لِلْمَوْجُودِينَ، وَالْمُرَاد مَنْ سَلَفَ مِنْ الْآبَاء كَمَا قَالَ " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة " [ الْحَاقَّة : ١١ ] أَيْ حَمَلْنَا آبَاءَكُمْ وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ " نَجَّيْنَاكُمْ " لِأَنَّ نَجَاة الْآبَاء كَانَتْ سَبَبًا لِنَجَاةِ هَؤُلَاءِ الْمَوْجُودِينَ، وَمَعْنَى " نَجَّيْنَاكُمْ " أَلْقَيْنَاكُمْ عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض، وَهِيَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْهَا هَذَا هُوَ الْأَصْل ثُمَّ سُمِّيَ كُلّ فَائِز نَاجِيًا فَالنَّاجِي مَنْ خَرَجَ مِنْ ضِيق إِلَى سَعَة وَقُرِئَ " وَإِذْ نَجَّيْتُكُمْ " عَلَى التَّوْحِيد
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَطْف عَلَى " اُذْكُرُوا نِعْمَتِي " وَهَذَا وَمَا بَعْده تَذْكِير بِبَعْضِ النِّعَم الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ أَيْ اُذْكُرُوا نِعْمَتِي بِإِنْجَائِكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَجَعْل الْأَنْبِيَاء فِيكُمْ، وَالْخِطَاب لِلْمَوْجُودِينَ، وَالْمُرَاد مَنْ سَلَفَ مِنْ الْآبَاء كَمَا قَالَ " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة " [ الْحَاقَّة : ١١ ] أَيْ حَمَلْنَا آبَاءَكُمْ وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ " نَجَّيْنَاكُمْ " لِأَنَّ نَجَاة الْآبَاء كَانَتْ سَبَبًا لِنَجَاةِ هَؤُلَاءِ الْمَوْجُودِينَ، وَمَعْنَى " نَجَّيْنَاكُمْ " أَلْقَيْنَاكُمْ عَلَى نَجْوَة مِنْ الْأَرْض، وَهِيَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْهَا هَذَا هُوَ الْأَصْل ثُمَّ سُمِّيَ كُلّ فَائِز نَاجِيًا فَالنَّاجِي مَنْ خَرَجَ مِنْ ضِيق إِلَى سَعَة وَقُرِئَ " وَإِذْ نَجَّيْتُكُمْ " عَلَى التَّوْحِيد
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
" آل فِرْعَوْن " قَوْمه وَأَتْبَاعه وَأَهْل دِينه وَكَذَلِكَ آل الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُوَ عَلَى دِينه وَمِلَّته فِي عَصْره وَسَائِر الْأَعْصَار سَوَاء كَانَ نَسِيبًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينه وَمِلَّته فَلَيْسَ مِنْ آلِهِ وَلَا أَهْله وَإِنْ كَانَ نَسِيبه وَقَرِيبه خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ حَيْثُ قَالَتْ إِنَّ آل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن فَقَطْ دَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى " وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْن " [ الْبَقَرَة : ٥٠ ] " أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب " [ غَافِر : ٤٦ ] أَيْ آل دِينه إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اِبْن وَلَا بِنْت وَلَا أَب وَلَا عَمّ وَلَا أَخ وَلَا عَصَبَة وَلِأَنَّهُ لَا خِلَاف أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا مُوَحِّد فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلِ مُحَمَّد وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَهُ وَلِأَجْلِ هَذَا يُقَال إِنَّ أَبَا لَهَب وَأَبَا جَهْل لَيْسَا مِنْ آلِهِ وَلَا مِنْ أَهْله وَإِنْ كَانَ بَيْنهمَا وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَابَة وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي اِبْن نُوح " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَل غَيْر صَالِح " [ هُود : ٤٦ ] وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْر سِرّ يَقُول ( أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاء إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّه وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ ) وَقَالَتْ طَائِفَة آلُ مُحَمَّد أَزْوَاجه وَذُرِّيَّته خَاصَّة لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُول اللَّه كَيْف نُصَلِّي عَلَيْك ؟ قَالَ ( قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزْوَاجه وَذُرِّيَّته كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى أَزْوَاجه وَذُرِّيَّته كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إِبْرَاهِيم إِنَّك حَمِيد مَجِيد ) رَوَاهُ مُسْلِم، وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم الْأَهْل مَعْلُوم وَالْآل الْأَتْبَاع وَالْأَوَّل أَصَحّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْم بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ ) فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ) اِخْتَلَفَ النُّحَاة هَلْ يُضَاف الْآل إِلَى الْبُلْدَان أَوْ لَا فَقَالَ الْكِسَائِيّ إِنَّمَا يُقَال آل فُلَان وَآل فُلَانَة وَلَا يُقَال فِي الْبُلْدَان هُوَ مِنْ آل حِمْص وَلَا مِنْ آل الْمَدِينَة قَالَ الْأَخْفَش إِنَّمَا يُقَال فِي الرَّئِيس الْأَعْظَم نَحْو آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآل فِرْعَوْن لِأَنَّهُ رَئِيسهمْ فِي الضَّلَالَة قَالَ وَقَدْ سَمِعْنَاهُ فِي الْبُلْدَان قَالُوا أَهْل الْمَدِينَة وَآل الْمَدِينَة وَاخْتَلَفَ النُّحَاة أَيْضًا هَلْ يُضَاف الْآل إِلَى الْمُضْمَر أَوْ لَا فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ النَّحَّاس وَالزُّبَيْدِيّ وَالْكِسَائِيّ فَلَا يُقَال إِلَّا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَلَا يُقَال وَآله وَالصَّوَاب أَنْ يُقَال أَهْله وَذَهَبَتْ طَائِفَة أُخْرَى إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يُقَال مِنْهُمْ اِبْن السَّيِّد وَهُوَ الصَّوَاب لِأَنَّ السَّمَاع الصَّحِيح يَعْضُدهُ
فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي قَوْل عَبْد الْمُطَّلَب
وَقَالَ نُدْبَة
الْحَقِيقَة [ بِقَافَيْنِ ] مَا يَحِقّ عَلَى الْإِنْسَان أَنْ يَحْمِيَهُ أَيْ تَجِب عَلَيْهِ حِمَايَته وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي أَصْل آل فَقَالَ النَّحَّاس أَصْله أَهْل ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْ الْهَاء أَلِفًا فَإِنْ صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى أَصْله فَقُلْت أُهَيْل وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : أَصْله أَوْل وَقِيلَ أَهْل قُلِبَتْ الْهَاء هَمْزَة ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَة أَلِفًا وَجَمْعه آلُون وَتَصْغِيره أُوَيْل فِيمَا حَكَى الْكِسَائِيّ، وَحَكَى غَيْره أُهَيْل وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّحَّاس، وَقَالَ أَبُو الْحَسَن ابْن كَيْسَان إِذَا جَمَعْت آلًا قُلْت آلُون فَإِنْ جَمَعْت آلًا الَّذِي هُوَ السَّرَاب قُلْت آوَالٍ مِثْل مَال وَأَمْوَال.
" فِرْعَوْن " قِيلَ إِنَّهُ اِسْم ذَلِكَ الْمَلِك بِعَيْنِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْم كُلّ مَلِك مِنْ مُلُوك الْعَمَالِقَة مِثْل كِسْرَى لِلْفُرْسِ وَقَيْصَر لِلرُّومِ وَالنَّجَاشِيّ لِلْحَبَشَةِ وَإِنَّ اِسْم فِرْعَوْن مُوسَى قَابُوس فِي قَوْل أَهْل الْكِتَاب وَقَالَ وَهْب اِسْمه الْوَلِيد بْن مُصْعَب بْن الرَّيَّان وَيُكَنَّى أَبَا مُرَّة وَهُوَ مِنْ بَنِي عِمْلِيق بْن لاوذ بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ السُّهَيْلِيّ، وَكُلّ مَنْ وَلِيَ الْقِبْط وَمِصْر فَهُوَ فِرْعَوْن، وَكَانَ فَارِسِيًّا مِنْ أَهْل اِصْطَخْر قَالَ الْمَسْعُودِيّ لَا يُعْرَف لِفِرْعَوْن تَفْسِير بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : فِرْعَوْن لَقَب الْوَلِيد بْن مُصْعَب مَلِك مِصْر وَكُلّ عَاتٍ فِرْعَوْن وَالْعُتَاة الْفَرَاعِنَة وَقَدْ تَفَرْعَنَ وَهُوَ ذُو فَرْعَنَة أَيْ دَهَاء وَنُكْر وَفِي الْحَدِيث ( أَخَذْنَا فِرْعَوْن هَذِهِ الْأُمَّة ) " وَفِرْعَوْن " فِي مَوْضِع خَفْض إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْصَرِف لِعُجْمَتِهِ
| لَا هُمَّ إِنَّ الْعَبْد يَمْ | نَع رَحْله فَامْنَعْ حِلَالك |
| وَانْصُرْ عَلَى آل الصَّلِي | ب وَعَابِدِيهِ الْيَوْم آلَك |
| أَنَا الْفَارِس الْحَامِي حَقِيقَة وَالِدِي | وَآلِي كَمَا تَحْمِي حَقِيقَة آلِكَا |
" فِرْعَوْن " قِيلَ إِنَّهُ اِسْم ذَلِكَ الْمَلِك بِعَيْنِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْم كُلّ مَلِك مِنْ مُلُوك الْعَمَالِقَة مِثْل كِسْرَى لِلْفُرْسِ وَقَيْصَر لِلرُّومِ وَالنَّجَاشِيّ لِلْحَبَشَةِ وَإِنَّ اِسْم فِرْعَوْن مُوسَى قَابُوس فِي قَوْل أَهْل الْكِتَاب وَقَالَ وَهْب اِسْمه الْوَلِيد بْن مُصْعَب بْن الرَّيَّان وَيُكَنَّى أَبَا مُرَّة وَهُوَ مِنْ بَنِي عِمْلِيق بْن لاوذ بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ السُّهَيْلِيّ، وَكُلّ مَنْ وَلِيَ الْقِبْط وَمِصْر فَهُوَ فِرْعَوْن، وَكَانَ فَارِسِيًّا مِنْ أَهْل اِصْطَخْر قَالَ الْمَسْعُودِيّ لَا يُعْرَف لِفِرْعَوْن تَفْسِير بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ الْجَوْهَرِيّ : فِرْعَوْن لَقَب الْوَلِيد بْن مُصْعَب مَلِك مِصْر وَكُلّ عَاتٍ فِرْعَوْن وَالْعُتَاة الْفَرَاعِنَة وَقَدْ تَفَرْعَنَ وَهُوَ ذُو فَرْعَنَة أَيْ دَهَاء وَنُكْر وَفِي الْحَدِيث ( أَخَذْنَا فِرْعَوْن هَذِهِ الْأُمَّة ) " وَفِرْعَوْن " فِي مَوْضِع خَفْض إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْصَرِف لِعُجْمَتِهِ
يَسُومُونَكُمْ
قِيلَ مَعْنَاهُ يُذِيقُونَكُمْ وَيُلْزِمُونَكُمْ إِيَّاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُوَلُّونَكُمْ يُقَال سَامَهُ خُطَّة خَسْف إِذَا أَوْلَاهُ إِيَّاهَا وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم
وَقِيلَ يُدِيمُونَ تَعْذِيبكُمْ وَالسَّوْم الدَّوَام، وَمِنْهُ سَائِمَة الْغَنَم لِمُدَاوَمَتِهَا الرَّعْي قَالَ الْأَخْفَش : وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الِابْتِدَاء، وَإِنْ شِئْت كَانَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال أَيْ سَائِمِينَ لَكُمْ.
قِيلَ مَعْنَاهُ يُذِيقُونَكُمْ وَيُلْزِمُونَكُمْ إِيَّاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُوَلُّونَكُمْ يُقَال سَامَهُ خُطَّة خَسْف إِذَا أَوْلَاهُ إِيَّاهَا وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم
| إِذَا مَا الْمَلْك سَامَ النَّاس خَسْفًا | أَبَيْنَا أَنْ نُقِرّ الذُّلّ فِينَا |
سُوءَ الْعَذَابِ
مَفْعُول ثَانٍ ل " يَسُومُونَكُمْ " وَمَعْنَاهُ أَشَدّ الْعَذَاب، وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى سَوْم الْعَذَاب، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا بِمَعْنَى سَوْمًا سَيِّئًا فَرُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْن جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيل خَدَمًا وَخَوَلًا وَصَنَّفَهُمْ فِي أَعْمَاله فَصِنْف يَبْنُونَ وَصِنْف يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ وَصِنْف يَتَخَدَّمُونَ، وَكَانَ قَوْمه جُنْدًا مُلُوكًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عَمَل مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَال ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَة فَذَلِكَ سُوء الْعَذَاب
مَفْعُول ثَانٍ ل " يَسُومُونَكُمْ " وَمَعْنَاهُ أَشَدّ الْعَذَاب، وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى سَوْم الْعَذَاب، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا بِمَعْنَى سَوْمًا سَيِّئًا فَرُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْن جَعَلَ بَنِي إِسْرَائِيل خَدَمًا وَخَوَلًا وَصَنَّفَهُمْ فِي أَعْمَاله فَصِنْف يَبْنُونَ وَصِنْف يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ وَصِنْف يَتَخَدَّمُونَ، وَكَانَ قَوْمه جُنْدًا مُلُوكًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عَمَل مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَال ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَة فَذَلِكَ سُوء الْعَذَاب
يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ
" يُذَبِّحُونَ " بِغَيْرِ وَاو عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله " يَسُومُونَكُمْ " كَمَا قَالَ أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ
قَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره " يُذَبِّحُونَ " بِغَيْرِ وَاو عَلَى التَّفْسِير لِقَوْلِهِ " يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَاب " [ الْبَقَرَة : ٤٩ ] كَمَا تَقُول أَتَانِي الْقَوْم زَيْد وَعَمْرو فَلَا تَحْتَاج إِلَى الْوَاو فِي زَيْد وَنَظِيره :" وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب " [ الْفُرْقَان :
٦٨ - ٦٩ ] وَفِي سُورَة إِبْرَاهِيم " وَيُذَبِّحُونَ " بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالذَّبْحِ وَبِغَيْرِ الذَّبْح فَقَوْله " وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ " جِنْس آخَر مِنْ الْعَذَاب لَا تَفْسِير لِمَا قَبْله وَاَللَّه أَعْلَم قُلْت : قَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُقَال إِنَّ الْوَاو زَائِدَة بِدَلِيلِ سُورَة " الْبَقَرَة " وَالْوَاو قَدْ تُزَاد كَمَا قَالَ
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى
أَيْ قَدْ اِنْتَحَى وَقَالَ آخَر
" يُذَبِّحُونَ " بِغَيْرِ وَاو عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله " يَسُومُونَكُمْ " كَمَا قَالَ أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ
| مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا | تَجِد حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا |
٦٨ - ٦٩ ] وَفِي سُورَة إِبْرَاهِيم " وَيُذَبِّحُونَ " بِالْوَاوِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالذَّبْحِ وَبِغَيْرِ الذَّبْح فَقَوْله " وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ " جِنْس آخَر مِنْ الْعَذَاب لَا تَفْسِير لِمَا قَبْله وَاَللَّه أَعْلَم قُلْت : قَدْ يُحْتَمَل أَنْ يُقَال إِنَّ الْوَاو زَائِدَة بِدَلِيلِ سُورَة " الْبَقَرَة " وَالْوَاو قَدْ تُزَاد كَمَا قَالَ
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى
أَيْ قَدْ اِنْتَحَى وَقَالَ آخَر
| إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهَمَّام | وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحم |
| جَزَى اللَّه بِالْإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ | وَأَبْلَاهُمَا خَيْر الْبَلَاء الَّذِي يَبْلُو |
وَإِذْ فَرَقْنَا
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَ " فَرَقْنَا " فَلَقْنَا فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم أَيْ الْجَبَل الْعَظِيم وَأَصْل الْفَرْق الْفَصْل وَمِنْهُ فَرْق الشَّعْر، وَمِنْهُ الْفُرْقَان لِأَنَّهُ يَفْرُق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل أَيْ يَفْصِل وَمِنْهُ " فَالْفَارِقَات فَرْقًا " [ الْمُرْسَلَات : ٤ ] يَعْنِي الْمَلَائِكَة تَنْزِل بِالْفَرْقِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَمِنْهُ " يَوْم الْفُرْقَان " [ الْأَنْفَال : ٤١ ] ] يَعْنِي يَوْم بَدْر كَانَ فِيهِ فَرْق بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِل وَمِنْهُ " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ " [ الْإِسْرَاء : ١٠٦ ] أَيْ فَصَلْنَاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " فَرَّقْنَا " بِتَشْدِيدِ الرَّاء أَيْ جَعَلْنَاهُ فِرَقًا وَمَعْنَى " بِكُمْ " أَيْ لَكُمْ فَالْبَاء بِمَعْنَى اللَّام وَقِيلَ الْبَاء فِي مَكَانهَا أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْر بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ أَيْ صَارُوا بَيْن الْمَاءَيْنِ فَصَارَ الْفَرْق بِهِمْ وَهَذَا أَوْلَى يُبَيِّنهُ " فَانْفَلَقَ "
" إِذْ " فِي مَوْضِع نَصْب وَ " فَرَقْنَا " فَلَقْنَا فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم أَيْ الْجَبَل الْعَظِيم وَأَصْل الْفَرْق الْفَصْل وَمِنْهُ فَرْق الشَّعْر، وَمِنْهُ الْفُرْقَان لِأَنَّهُ يَفْرُق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل أَيْ يَفْصِل وَمِنْهُ " فَالْفَارِقَات فَرْقًا " [ الْمُرْسَلَات : ٤ ] يَعْنِي الْمَلَائِكَة تَنْزِل بِالْفَرْقِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَمِنْهُ " يَوْم الْفُرْقَان " [ الْأَنْفَال : ٤١ ] ] يَعْنِي يَوْم بَدْر كَانَ فِيهِ فَرْق بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِل وَمِنْهُ " وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ " [ الْإِسْرَاء : ١٠٦ ] أَيْ فَصَلْنَاهُ وَأَحْكَمْنَاهُ وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " فَرَّقْنَا " بِتَشْدِيدِ الرَّاء أَيْ جَعَلْنَاهُ فِرَقًا وَمَعْنَى " بِكُمْ " أَيْ لَكُمْ فَالْبَاء بِمَعْنَى اللَّام وَقِيلَ الْبَاء فِي مَكَانهَا أَيْ فَرَقْنَا الْبَحْر بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ أَيْ صَارُوا بَيْن الْمَاءَيْنِ فَصَارَ الْفَرْق بِهِمْ وَهَذَا أَوْلَى يُبَيِّنهُ " فَانْفَلَقَ "
بِكُمُ الْبَحْرَ
الْبَحْر مَعْرُوف سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاتِّسَاعِهِ وَيُقَال فَرَس بَحْر إِذَا كَانَ وَاسِع الْجَرْي أَيْ كَثِيره وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْدُوب فَرَس أَبِي طَلْحَة ( وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ) وَالْبَحْر الْمَاء الْمِلْح وَيُقَال أَبْحَرَ الْمَاء مَلُحَ قَالَ نُصَيْب
وَالْبَحْر الْبَلْدَة يُقَال هَذِهِ بَحْرَتنَا أَيْ بَلْدَتنَا قَالَهُ الْأُمَوِيّ وَالْبَحْر السُّلَال يُصِيب الْإِنْسَان.
وَيَقُولُونَ لَقِيته صَحْرَة بَحْرَة أَيْ بَارِزًا مَكْشُوفًا، وَفِي الْخَبَر عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يُقَال لَهُ صندفاييل الْبِحَار كُلّهَا فِي نَقْرَة إِبْهَامه ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ كَعْب
الْبَحْر مَعْرُوف سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاتِّسَاعِهِ وَيُقَال فَرَس بَحْر إِذَا كَانَ وَاسِع الْجَرْي أَيْ كَثِيره وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْدُوب فَرَس أَبِي طَلْحَة ( وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا ) وَالْبَحْر الْمَاء الْمِلْح وَيُقَال أَبْحَرَ الْمَاء مَلُحَ قَالَ نُصَيْب
| وَقَدْ عَادَ مَاء الْأَرْض بَحْرًا فَزَادَنِي | إِلَى مَرَضِيّ أَنْ أَبْحَرَ الْمَشْرَب الْعَذْب |
وَيَقُولُونَ لَقِيته صَحْرَة بَحْرَة أَيْ بَارِزًا مَكْشُوفًا، وَفِي الْخَبَر عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا يُقَال لَهُ صندفاييل الْبِحَار كُلّهَا فِي نَقْرَة إِبْهَامه ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ كَعْب
فَأَنْجَيْنَاكُمْ
أَيْ أَخْرَجْنَاكُمْ مِنْهُ يُقَال نَجَوْت مِنْ كَذَا نجَاء مَمْدُود وَنَجَاة مَقْصُور وَالصِّدْق مَنْجَاة وَأَنْجَيْت غَيْرِي وَنَجَّيْته وَقُرِئَ بِهِمَا " وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ " " فَأَنْجَيْنَاكُمْ ".
أَيْ أَخْرَجْنَاكُمْ مِنْهُ يُقَال نَجَوْت مِنْ كَذَا نجَاء مَمْدُود وَنَجَاة مَقْصُور وَالصِّدْق مَنْجَاة وَأَنْجَيْت غَيْرِي وَنَجَّيْته وَقُرِئَ بِهِمَا " وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ " " فَأَنْجَيْنَاكُمْ ".
وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ
يُقَال غَرِقَ فِي الْمَاء غَرَقًا فَهُوَ غَرِق وَغَارِق أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم
مِنْ بَيْن مَقْتُول وَطَافٍ غَارِق
وَأَغْرَقَهُ غَيْره وَغَرَّقَهُ فَهُوَ مُغْرِق وَغَرِيق وَلِجَام مُغَرِّق بِالْفِضَّةِ أَيْ مُحَلَّى وَالتَّغْرِيق الْقَتْل قَالَ الْأَعْشَى
أَلَا لَيْتَ قَيْسًا غَرَّقَتْهُ الْقَوَابِل
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَابِلَة كَانَتْ تُغْرِق الْمَوْلُود فِي مَاء السَّلَى عَام الْقَحْط ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حَتَّى يَمُوت ثُمَّ جُعِلَ كُلّ قَتْل تَغْرِيقًا، وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة
وَالْأَرْبَاض الْحِبَال وَالْبَكْرَة النَّاقَة الْفَتِيَّة وَثِنْيهَا بَطْنهَا.
الثَّانِي : وَإِنَّمَا لَمْ تَعْطِف عَلَى وَلَدهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنْ التَّعَب
الْقَوْل فِي اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة إِنْجَاء بَنِي إِسْرَائِيل
يُقَال غَرِقَ فِي الْمَاء غَرَقًا فَهُوَ غَرِق وَغَارِق أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم
مِنْ بَيْن مَقْتُول وَطَافٍ غَارِق
وَأَغْرَقَهُ غَيْره وَغَرَّقَهُ فَهُوَ مُغْرِق وَغَرِيق وَلِجَام مُغَرِّق بِالْفِضَّةِ أَيْ مُحَلَّى وَالتَّغْرِيق الْقَتْل قَالَ الْأَعْشَى
أَلَا لَيْتَ قَيْسًا غَرَّقَتْهُ الْقَوَابِل
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَابِلَة كَانَتْ تُغْرِق الْمَوْلُود فِي مَاء السَّلَى عَام الْقَحْط ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حَتَّى يَمُوت ثُمَّ جُعِلَ كُلّ قَتْل تَغْرِيقًا، وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة
| إِذَا غَرَّقَتْ أَرْبَاضُهَا ثِنْيَ بَكْرَة | بِتَيْهَاء لَمْ تُصْبِح رَءُومًا سَلُوبُهَا |
الثَّانِي : وَإِنَّمَا لَمْ تَعْطِف عَلَى وَلَدهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنْ التَّعَب
الْقَوْل فِي اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة إِنْجَاء بَنِي إِسْرَائِيل
فَذَكَرَ الطَّبَرِيّ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يُسْرِي مِنْ مِصْر بِبَنِي إِسْرَائِيل فَأَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَسْتَعِيرُوا الْحُلِيّ وَالْمَتَاع مِنْ الْقِبْط وَأَحَلَّ اللَّه ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَسَرَى بِهِمْ مُوسَى مِنْ أَوَّل اللَّيْل فَأُعْلِمَ فِرْعَوْن فَقَالَ لَا يَتْبَعهُمْ أَحَد حَتَّى تَصِيح الدِّيَكَة فَلَمْ يَصِحْ تِلْكَ اللَّيْلَة بِمِصْر دِيك وَأَمَاتَ اللَّه تِلْكَ اللَّيْلَة كَثِيرًا مِنْ أَبْنَاء الْقِبْط فَاشْتَغَلُوا فِي الدَّفْن وَخَرَجُوا فِي الْأَتْبَاع مُشْرِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ " [ الشُّعَرَاء : ٦٠ ] وَذَهَبَ مُوسَى إِلَى نَاحِيَة الْبَحْر حَتَّى بَلَغَهُ وَكَانَتْ عِدَّة بَنِي إِسْرَائِيل نَيِّفًا عَلَى سِتّمِائَةِ أَلْف وَكَانَتْ عِدَّة فِرْعَوْن أَلْف أَلْف وَمِائَتَيْ أَلْف وَقِيلَ إِنَّ فِرْعَوْن أَتْبَعَهُ فِي أَلْف أَلْف حِصَان سِوَى الْإِنَاث وَقِيلَ دَخَلَ إِسْرَائِيل وَهُوَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام مِصْر فِي سِتَّة وَسَبْعِينَ نَفْسًا مِنْ وَلَده وَوَلَد وَلَده فَأَنْمَى اللَّه عَدَدهمْ وَبَارَكَ فِي ذُرِّيَّته حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْبَحْر يَوْم فِرْعَوْن وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْمُقَاتِلَة سِوَى الشُّيُوخ وَالذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء وَذَكَرَ أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي شَيْبَة قَالَ حَدَّثَنَا شَبَّابَة بْن سَوَّار عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين أَسْرَى بِبَنِي إِسْرَائِيل بَلَغَ فِرْعَوْن فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ ثُمَّ قَالَ لَا وَاَللَّه لَا يَفْرُغ مِنْ سَلْخهَا حَتَّى تَجْتَمِع لِي سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ الْقِبْط قَالَ فَانْطَلَقَ مُوسَى حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر فَقَالَ لَهُ : اُفْرُقْ فَقَالَ لَهُ الْبَحْر لَقَدْ اِسْتَكْبَرْت يَا مُوسَى وَهَلْ فَرَقْت لِأَحَدٍ مِنْ وَلَد آدَم فَأَفْرُق لَك قَالَ وَمَعَ مُوسَى رَجُل عَلَى حِصَان لَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُل أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه قَالَ فَأَقْحَمَ فَرَسه فَسَبَحَ فَخَرَجَ فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه قَالَ وَاَللَّه مَا كَذَبْت وَلَا كَذَبْت ثُمَّ اِقْتَحَمَ الثَّانِيَة فَسَبَحَ بِهِ حَتَّى خَرَجَ فَقَالَ أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَقَالَ مَا أُمِرْت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه قَالَ وَاَللَّه مَا كَذَبْت وَلَا كَذَبْت قَالَ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ " أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر " [ الْأَعْرَاف ١٦٠ ] فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ " فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم " [ الشُّعَرَاء ٦٣ ] فَكَانَ فِيهِ اِثْنَا عَشَر فَرْقًا لِاثْنَيْ عَشَر سِبْطًا لِكُلِّ سِبْط طَرِيق يَتَرَاءَوْنَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَطْوَاد الْمَاء صَارَ فِيهَا طِيقَانًا وَشَبَابِيك يَرَى مِنْهَا بَعْضهمْ بَعْضًا فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَاب مُوسَى وَقَامَ أَصْحَاب فِرْعَوْن اِلْتَطَمَ الْبَحْر عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ، وَيُذْكَر أَنَّ الْبَحْر هُوَ بَحْر الْقُلْزُم، وَأَنَّ الرَّجُل الَّذِي كَانَ مَعَ مُوسَى عَلَى الْفَرَس هُوَ فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْبَحْر أَنْ اِنْفَرِقْ
لِمُوسَى إِذَا ضَرَبَك فَبَاتَ الْبَحْر تِلْكَ اللَّيْلَة يَضْطَرِب فَحِين أَصْبَحَ ضَرَبَ الْبَحْر وَكَنَّاهُ أَبَا خَالِد ذَكَرَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة أَيْضًا، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَصَص هَذَا الْمَعْنَى، وَمَا ذَكَرْنَاهُ كَافٍ وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " يُونُس وَالشُّعَرَاء " زِيَادَة بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَصْل ذِكْر اللَّه تَعَالَى الْإِنْجَاء وَالْإِغْرَاق وَلَمْ يَذْكُر الْيَوْم الَّذِي كَانَ ذَلِكَ فِيهِ فَرَوَى مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة فَوَجَدَ الْيَهُود صِيَامًا يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تَصُومُونَهُ ) فَقَالُوا هَذَا يَوْم عَظِيم أَنْجَى اللَّه فِيهِ مُوسَى وَقَوْمه وَغَرَّقَ فِرْعَوْن وَقَوْمه فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَنَحْنُ أَحَقّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ) فَصَامَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ( أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا ) مَسْأَلَة ظَاهِر هَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَامَ عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ اِقْتِدَاء بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْيَهُود، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا رَوَتْهُ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْم عَاشُورَاء تَصُومهُ قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَان تَرَكَ صِيَام يَوْم عَاشُورَاء فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَل أَنْ تَكُون قُرَيْش إِنَّمَا صَامَتْهُ بِإِخْبَارِ الْيَهُود لَهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدهمْ أَهْل عِلْم فَصَامَهُ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة أَيْ بِمَكَّة فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة، وَوَجَدَ الْيَهُود يَصُومُونَهُ قَالَ ( نَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ) فَصَامَهُ اِتِّبَاعًا لِمُوسَى ( وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) أَيْ أَوْجَبَهُ وَأَكَّدَ أَمْره حَتَّى كَانُوا يَصُومُونَهُ الصِّغَار قُلْنَا هَذِهِ شُبْهَة مَنْ قَالَ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَنْعَام " عِنْد قَوْله تَعَالَى " فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ " [ الْأَنْعَام : ٩٠ ] مَسْأَلَة : اُخْتُلِفَ فِي يَوْم عَاشُورَاء هَلْ هُوَ التَّاسِع مِنْ الْمُحَرَّم أَوْ الْعَاشِر ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّهُ التَّاسِع لِحَدِيثِ الْحَكَم بْن الْأَعْرَج قَالَ اِنْتَهَيْت إِلَى اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَهُوَ مُتَوَسِّد رِدَاءَهُ فِي زَمْزَم فَقُلْت لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ إِذَا رَأَيْت هِلَال الْمُحَرَّم فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْم التَّاسِع
صَائِمًا قُلْت هَكَذَا كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهُ قَالَ نَعَمْ خَرَّجَهُ مُسْلِم وَذَهَبَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَالِك وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف إِلَى أَنَّهُ الْعَاشِر وَذَكَرَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث الْحَكَم وَلَمْ يَصِفهُ بِصِحَّةٍ وَلَا حُسْن ثُمَّ أَرْدَفَهُ أَنْبَأَنَا قُتَيْبَة أَنْبَأَنَا عَبْد الْوَارِث عَنْ يُونُس عَنْ الْحَسَن عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاء يَوْم الْعَاشِر قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس حَدِيث حَسَن صَحِيح قَالَ التِّرْمِذِيّ وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ صُومُوا التَّاسِع وَالْعَاشِر وَخَالِفُوا الْيَهُود، وَبِهَذَا الْحَدِيث يَقُول الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد ابْن حَنْبَل وَإِسْحَاق قَالَ غَيْره : وَقَوْل اِبْن عَبَّاس لِلسَّائِلِ ( فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْم التَّاسِع صَائِمًا ) لَيْسَ فِيهِ دَلِيل عَلَى تَرْك صَوْم الْعَاشِر بَلْ وَعَدَ أَنْ يَصُوم التَّاسِع مُضَافًا إِلَى الْعَاشِر قَالُوا فَصِيَام الْيَوْمَيْنِ جَمْع بَيْن الْأَحَادِيث وَقَوْل اِبْن عَبَّاس لِلْحَكَمِ لَمَّا قَالَ لَهُ هَكَذَا كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهُ قَالَ نَعَمْ مَعْنَاهُ أَنْ لَوْ عَاشَ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ التَّاسِع قَطُّ يُبَيِّنهُ مَا خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَمُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَئِنْ بَقِيت إِلَى قَابِل لَأَصُومَن الْيَوْم التَّاسِع ) فَضِيلَة : رَوَى أَبُو قَتَادَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( صِيَام يَوْم عَاشُورَاء اُحْتُسِبَ عَلَى اللَّه أَنْ يُكَفِّر السَّنَة الَّتِي قَبْله ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ : لَا نَعْلَم فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات أَنَّهُ قَالَ ( صِيَام يَوْم عَاشُورَاء كَفَّارَة سَنَة ) إِلَّا فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَة
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال وَمَعْنَاهُ بِأَبْصَارِكُمْ فَيُقَال : إِنَّ آلَ فِرْعَوْن طَفَوْا عَلَى الْمَاء فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ يَغْرَقُونَ وَإِلَى أَنْفُسهمْ يَنْجُونَ فَفِي هَذَا أَعْظَم الْمِنَّة، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ أُخْرِجُوا لَهُمْ حَتَّى رَأَوْهُمْ فَهَذِهِ مِنَّة بَعْد مِنَّة، وَقِيلَ الْمَعْنَى " وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ " أَيْ بِبَصَائِرِكُمْ الِاعْتِبَار لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي شُغْل عَنْ الْوُقُوف وَالنَّظَر بِالْأَبْصَارِ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ بِحَالِ مَنْ يَنْظُر لَوْ نَظَرَ كَمَا تَقُول هَذَا الْأَمْر مِنْك بِمَرْأَى وَمِسْمَع أَيْ بِحَالٍ تَرَاهُ وَتَسْمَعهُ إِنْ شِئْت وَهَذَا الْقَوْل وَالْأَوَّل أَشْبَه بِأَحْوَالِ بَنِي إِسْرَائِيل لِتَوَالِي عَدَم الِاعْتِبَار فِيمَا صَدَرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بَعْد خُرُوجهمْ مِنْ الْبَحْر، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَنْجَاهُمْ وَغَرَّقَ عَدُوّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ قُلُوبنَا لَا تَطْمَئِنُّ، إِنَّ فِرْعَوْن قَدْ غَرِقَ حَتَّى أَمَرَ اللَّه الْبَحْر فَلَفَظَهُ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل قَالَتْ مَا مَاتَ فِرْعَوْن، وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ أَبَدًا قَالَ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ اللَّه تَكْذِيبَهُمْ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَمَى بِهِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل فَلَمَّا اِطْمَأَنُّوا وَبَعَثُوا مِنْ طَرِيق الْبَرّ إِلَى مَدَائِن فِرْعَوْن حَتَّى نَقَلُوا كُنُوزه وَغَرِقُوا فِي النِّعْمَة رَأَوْا قَوْمًا يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اِجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة حَتَّى زَجَرَهُمْ مُوسَى، وَقَالَ أَغَيْر اللَّه أَبْغِيكُمْ إِلَهًا، وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ أَيْ عَالَمَيْ زَمَانه ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَانَتْ مَسَاكِن آبَائِهِمْ وَيَتَطَهَّرُوا مِنْ أَرْض فِرْعَوْن وَكَانَتْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة فِي أَيْدِي الْجَبَّارِينَ قَدْ غُلِبُوا عَلَيْهَا فَاحْتَاجُوا إِلَى دَفْعهمْ عَنْهَا بِالْقِتَالِ فَقَالُوا أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَنَا لُحْمَة لِلْجَبَّارِينَ فَلَوْ أَنَّك تَرَكْتنَا فِي يَد فِرْعَوْن كَانَ خَيْرًا لَنَا قَالَ " يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٢١ ] إِلَى قَوْله " قَاعِدُونَ " حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسْقِينَ فَبَقُوا فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَة عُقُوبَة ثُمَّ رَحِمَهُمْ فَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّلْوَى وَبِالْغَمَامِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه ثُمَّ سَارَ مُوسَى إِلَى طُور سَيْنَاء لِيَجِيئَهُمْ بِالتَّوْرَاةِ فَاِتَّخَذُوا الْعِجْل عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : قَدْ وَصَلْتُمْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة عَلَى مَا يَأْتِي وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام شَدِيد الْحَيَاء سِتِّيرًا فَقَالُوا إِنَّهُ آدَر فَلَمَّا اِغْتَسَلَ وَضَعَ عَلَى الْحَجَر ثَوْبه فَعَدَا الْحَجَر بِثَوْبِهِ إِلَى مَجَالِس بَنِي إِسْرَائِيل وَمُوسَى عَلَى أَثَره عُرْيَان وَهُوَ يَقُول يَا حَجَر ثَوْبِي فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى " يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا
قَالُوا " [ الْأَحْزَاب : ٦٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه ثُمَّ لَمَّا مَاتَ هَارُون قَالُوا لَهُ أَنْتَ قَتَلْت هَارُون وَحَسَدْته حَتَّى نَزَلَتْ الْمَلَائِكَة بِسَرِيرِهِ وَهَارُون مَيِّت عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَائِدَة ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَعْلَمُوا آيَة فِي قَبُول قُرْبَانهمْ فَجَعَلَتْ نَار تَجِيء مِنْ السَّمَاء فَتَقْبَل قُرْبَانهمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ بَيِّن لَنَا كَفَّارَات ذُنُوبنَا فِي الدُّنْيَا فَكَانَ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا أَصْبَحَ عَلَى بَابه مَكْتُوب ( عَمِلْت كَذَا وَكَفَّارَته قَطْع عُضْو مِنْ أَعْضَائِك ) يُسَمِّيه لَهُ وَمَنْ أَصَابَهُ بَوْل لَمْ يَطْهُر حَتَّى يَقْرِضهُ وَيُزِيل جِلْدَته مِنْ بَدَنه ثُمَّ بَدَّلُوا التَّوْرَاة وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّه وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرَضًا ثُمَّ صَارَ أَمْرهمْ إِلَى أَنْ قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُلَهُمْ فَهَذِهِ مُعَامَلَتهمْ مَعَ رَبّهمْ وَسِيرَتهمْ فِي دِينهمْ وَسُوء أَخْلَاقهمْ وَسَيَأْتِي بَيَان كُلّ فَصْل مِنْ هَذِهِ الْفُصُول مُسْتَوْفًى فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَقَالَ الطَّبَرِيّ وَفِي أَخْبَار الْقُرْآن عَلَى لِسَان مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذِهِ الْمُغَيَّبَات الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِنْ عِلْم الْعَرَب وَلَا وَقَعَتْ إِلَّا فِي حَقّ بَنِي إِسْرَائِيل دَلِيل وَاضِح عِنْد بَنِي إِسْرَائِيل قَائِم عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
قَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَعَدْنَا " بِغَيْرِ أَلِف، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَرَجَّحَهُ وَأَنْكَرَ " وَاعَدْنَا " قَالَ : لِأَنَّ الْمُوَاعَدَة إِنَّمَا تَكُون مِنْ الْبَشَر فَأَمَّا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فَإِنَّمَا هُوَ الْمُنْفَرِد بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد.
عَلَى هَذَا وَجَدْنَا الْقُرْآن، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ " ( إِبْرَاهِيم : ٢٢ ) وَقَوْله :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " ( الْفَتْح : ٢٩ ) وَقَوْله :" وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ " [ الْأَنْفَال : ٧ ] قَالَ مَكِّيّ : وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِر اللَّفْظ فِيهِ وَعْد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى، وَلَيْسَ فِيهِ وَعْد مِنْ مُوسَى، فَوَجَبَ حَمْله عَلَى الْوَاحِد، لِظَاهِرِ النَّصّ أَنَّ الْفِعْل مُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى وَحْده، وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن وَأَبِي رَجَاء وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة وَعِيسَى بْن عُمَر، وَبِهِ قَرَأَ قَتَادَة وَابْن أَبِي إِسْحَاق قَالَ أَبُو حَاتِم : قِرَاءَة الْعَامَّة عِنْدنَا " وَعَدْنَا " بِغَيْرِ أَلِف ; لِأَنَّ الْمُوَاعَدَة أَكْثَر مَا تَكُون بَيْن الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُتَكَافِئِينَ، كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَعِد صَاحِبه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْمِيعَاد : الْمُوَاعَدَة وَالْوَقْت وَالْمَوْضِع.
قَالَ مَكِّيّ : الْمُوَاعَدَة أَصْلهَا مِنْ اِثْنَيْنِ، وَقَدْ تَأْتِي الْمُفَاعَلَة مِنْ وَاحِد فِي كَلَام الْعَرَب، قَالُوا : طَارَقْت النَّعْل، وَدَاوَيْت الْعَلِيل، وَعَاقَبْت اللِّصّ، وَالْفِعْل مِنْ وَاحِد.
فَيَكُون لَفْظ الْمُوَاعَدَة مِنْ اللَّه خَاصَّة لِمُوسَى كَمَعْنَى وَعَدْنَا، فَتَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد وَالِاخْتِيَار " وَاعَدْنَا " بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى " وَعَدْنَا " فِي أَحَد مَعْنَيَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِمُوسَى مِنْ وَعْد أَوْ قَبُول يَقُوم مَقَام الْوَعْد فَتَصِحّ الْمُفَاعَلَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَقِرَاءَة " وَاعَدْنَا " بِالْأَلِفِ أَجْوَد وَأَحْسَن، وَهِيَ قِرَاءَة مُجَاهِد وَالْأَعْرَج وَابْن كَثِير وَنَافِع وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، وَلَيْسَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " مِنْ هَذَا فِي شَيْء ; لِأَنَّ " وَاعَدْنَا مُوسَى " إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَاب الْمُوَافَاة، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِك : مَوْعِدك يَوْم الْجُمُعَة، وَمَوْعِدك مَوْضِع كَذَا.
وَالْفَصِيح فِي هَذَا أَنْ يُقَال : وَاعَدْته.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج :" وَاعَدْنَا " هَا هُنَا بِالْأَلِفِ جَيِّد، لِأَنَّ الطَّاعَة فِي الْقَبُول بِمَنْزِلَةِ الْمُوَاعَدَة، فَمِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَعْد، وَمِنْ مُوسَى قَبُول وَاتِّبَاع يَجْرِي مَجْرَى الْمُوَاعَدَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة.
وَرَجَّحَ أَبُو عُبَيْدَة " وَعَدْنَا " وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ قَبُول مُوسَى لِوَعْدِ اللَّه وَالْتِزَامه وَارْتِقَابه يُشْبِه الْمُوَاعَدَة.
" مُوسَى " مُوسَى اِسْم أَعْجَمِيّ لَا يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف وَالْقِبْط عَلَى - مَا يُرْوَى - يَقُولُونَ لِلْمَاءِ : مُو، وَلِلشَّجَرِ : شَا.
قَرَأَ أَبُو عَمْرو " وَعَدْنَا " بِغَيْرِ أَلِف، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَرَجَّحَهُ وَأَنْكَرَ " وَاعَدْنَا " قَالَ : لِأَنَّ الْمُوَاعَدَة إِنَّمَا تَكُون مِنْ الْبَشَر فَأَمَّا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فَإِنَّمَا هُوَ الْمُنْفَرِد بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد.
عَلَى هَذَا وَجَدْنَا الْقُرْآن، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ " ( إِبْرَاهِيم : ٢٢ ) وَقَوْله :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " ( الْفَتْح : ٢٩ ) وَقَوْله :" وَإِذْ يَعِدكُمْ اللَّه إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ " [ الْأَنْفَال : ٧ ] قَالَ مَكِّيّ : وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِر اللَّفْظ فِيهِ وَعْد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى، وَلَيْسَ فِيهِ وَعْد مِنْ مُوسَى، فَوَجَبَ حَمْله عَلَى الْوَاحِد، لِظَاهِرِ النَّصّ أَنَّ الْفِعْل مُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى وَحْده، وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن وَأَبِي رَجَاء وَأَبِي جَعْفَر وَشَيْبَة وَعِيسَى بْن عُمَر، وَبِهِ قَرَأَ قَتَادَة وَابْن أَبِي إِسْحَاق قَالَ أَبُو حَاتِم : قِرَاءَة الْعَامَّة عِنْدنَا " وَعَدْنَا " بِغَيْرِ أَلِف ; لِأَنَّ الْمُوَاعَدَة أَكْثَر مَا تَكُون بَيْن الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُتَكَافِئِينَ، كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَعِد صَاحِبه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْمِيعَاد : الْمُوَاعَدَة وَالْوَقْت وَالْمَوْضِع.
قَالَ مَكِّيّ : الْمُوَاعَدَة أَصْلهَا مِنْ اِثْنَيْنِ، وَقَدْ تَأْتِي الْمُفَاعَلَة مِنْ وَاحِد فِي كَلَام الْعَرَب، قَالُوا : طَارَقْت النَّعْل، وَدَاوَيْت الْعَلِيل، وَعَاقَبْت اللِّصّ، وَالْفِعْل مِنْ وَاحِد.
فَيَكُون لَفْظ الْمُوَاعَدَة مِنْ اللَّه خَاصَّة لِمُوسَى كَمَعْنَى وَعَدْنَا، فَتَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد وَالِاخْتِيَار " وَاعَدْنَا " بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى " وَعَدْنَا " فِي أَحَد مَعْنَيَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِمُوسَى مِنْ وَعْد أَوْ قَبُول يَقُوم مَقَام الْوَعْد فَتَصِحّ الْمُفَاعَلَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَقِرَاءَة " وَاعَدْنَا " بِالْأَلِفِ أَجْوَد وَأَحْسَن، وَهِيَ قِرَاءَة مُجَاهِد وَالْأَعْرَج وَابْن كَثِير وَنَافِع وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، وَلَيْسَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات " مِنْ هَذَا فِي شَيْء ; لِأَنَّ " وَاعَدْنَا مُوسَى " إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَاب الْمُوَافَاة، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد فِي شَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِك : مَوْعِدك يَوْم الْجُمُعَة، وَمَوْعِدك مَوْضِع كَذَا.
وَالْفَصِيح فِي هَذَا أَنْ يُقَال : وَاعَدْته.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج :" وَاعَدْنَا " هَا هُنَا بِالْأَلِفِ جَيِّد، لِأَنَّ الطَّاعَة فِي الْقَبُول بِمَنْزِلَةِ الْمُوَاعَدَة، فَمِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَعْد، وَمِنْ مُوسَى قَبُول وَاتِّبَاع يَجْرِي مَجْرَى الْمُوَاعَدَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة.
وَرَجَّحَ أَبُو عُبَيْدَة " وَعَدْنَا " وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ قَبُول مُوسَى لِوَعْدِ اللَّه وَالْتِزَامه وَارْتِقَابه يُشْبِه الْمُوَاعَدَة.
" مُوسَى " مُوسَى اِسْم أَعْجَمِيّ لَا يَنْصَرِف لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف وَالْقِبْط عَلَى - مَا يُرْوَى - يَقُولُونَ لِلْمَاءِ : مُو، وَلِلشَّجَرِ : شَا.
فَلَمَّا وُجِدَ مُوسَى فِي التَّابُوت عِنْد مَاء وَشَجَر سُمِّيَ مُوسَى.
قَالَ السُّدِّيّ : لَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ أُمّه جَعَلَتْهُ فِي التَّابُوت وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ - كَمَا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهَا - فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ بَيْن أَشْجَار عِنْد بَيْت فِرْعَوْن، فَخَرَجَ جَوَارِي آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن يَغْتَسِلْنَ فَوَجَدْنَهُ، فَسُمِّيَ بِاسْمِ الْمَكَان.
وَذَكَرَ النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ اِسْم الَّذِي اِلْتَقَطَتْهُ صابوث.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَمُوسَى هُوَ مُوسَى بْن عِمْرَان بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي بْن يَعْقُوب إِسْرَائِيل اللَّه بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
" أَرْبَعِينَ لَيْلَة " أَرْبَعِينَ نَصْب عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي، وَفِي الْكَلَام حَذْف قَالَ الْأَخْفَش : التَّقْدِير وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى تَمَام أَرْبَعِينَ لَيْلَة كَمَا قَالَ " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " وَالْأَرْبَعُونَ كُلّهَا دَاخِلَة فِي الْمِيعَاد وَالْأَرْبَعُونَ فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ ذُو الْقَعْدَة وَعَشْرَة مِنْ ذِي الْحَجَّة، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْد أَنْ جَاوَزَ الْبَحْر وَسَأَلَهُ قَوْمه أَنْ يَأْتِيهِمْ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْد اللَّه فَخَرَجَ إِلَى الطُّور فِي سَبْعِينَ مِنْ خِيَار بَنِي إِسْرَائِيل وَصَعِدُوا الْجَبَل وَوَاعَدَهُمْ إِلَى تَمَام أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَعَدُّوا فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة وَقَالُوا قَدْ أَخْلَفَنَا مَوْعِده فَاِتَّخَذُوا الْعِجْل وَقَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَاطْمَأَنُّوا إِلَى قَوْله وَنَهَاهُمْ هَارُون وَقَالَ " يَا قَوْم إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إِلَيْنَا مُوسَى " ( طَه : ٩٠ ) فَلَمْ يَتَّبِعْ هَارُون وَلَمْ يُطِعْهُ فِي تَرْك عِبَادَة الْعِجْل إِلَّا اِثْنَا عَشَر أَلْفًا فِيمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر وَتَهَافَتَ فِي عِبَادَته سَائِرهمْ وَهُمْ أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ أَلْف فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى وَوَجَدَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَال أَلْقَى الْأَلْوَاح فَرُفِعَ مِنْ جُمْلَتهَا سِتَّة أَجْزَاء وَبَقِيَ جُزْء وَاحِد، وَهُوَ الْحَلَال وَالْحَرَام وَمَا يَحْتَاجُونَ، وَأَحْرَقَ الْعِجْل وَذَرَاهُ فِي الْبَحْر فَشَرِبُوا مِنْ مَائِهِ حُبًّا لِلْعِجْلِ فَظَهَرَتْ عَلَى شِفَاهِهِمْ صُفْرَة وَوَرِمَتْ بُطُونهمْ فَتَابُوا وَلَمْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ دُون أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٤ ] فَقَامُوا بِالْخَنَاجِرِ وَالسُّيُوف بَعْضهمْ إِلَى بَعْض مِنْ لَدُنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى اِرْتِفَاع الضُّحَى فَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا لَا يَسْأَل وَالِد عَنْ وَلَده وَلَا وَلَد عَنْ وَالِده وَلَا أَخ عَنْ أَخِيهِ وَلَا أَحَد عَنْ أَحَد كُلّ مَنْ اِسْتَقْبَلَهُ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَضَرَبَهُ الْآخَر بِمِثْلِهِ حَتَّى عَجَّ مُوسَى إِلَى اللَّه صَارِخًا يَا رَبَّاهُ قَدْ فَنِيَتْ بَنُو إِسْرَائِيل فَرَحِمَهُمْ اللَّه وَجَادَ عَلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ فَقَبِلَ تَوْبَة مَنْ بَقِيَ وَجَعَلَ مَنْ قُتِلَ فِي الشُّهَدَاء عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ السُّدِّيّ : لَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ أُمّه جَعَلَتْهُ فِي التَّابُوت وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ - كَمَا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهَا - فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمّ بَيْن أَشْجَار عِنْد بَيْت فِرْعَوْن، فَخَرَجَ جَوَارِي آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن يَغْتَسِلْنَ فَوَجَدْنَهُ، فَسُمِّيَ بِاسْمِ الْمَكَان.
وَذَكَرَ النَّقَّاش وَغَيْره : أَنَّ اِسْم الَّذِي اِلْتَقَطَتْهُ صابوث.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَمُوسَى هُوَ مُوسَى بْن عِمْرَان بْن يصهر بْن قاهث بْن لاوي بْن يَعْقُوب إِسْرَائِيل اللَّه بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
" أَرْبَعِينَ لَيْلَة " أَرْبَعِينَ نَصْب عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي، وَفِي الْكَلَام حَذْف قَالَ الْأَخْفَش : التَّقْدِير وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى تَمَام أَرْبَعِينَ لَيْلَة كَمَا قَالَ " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " وَالْأَرْبَعُونَ كُلّهَا دَاخِلَة فِي الْمِيعَاد وَالْأَرْبَعُونَ فِي قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ ذُو الْقَعْدَة وَعَشْرَة مِنْ ذِي الْحَجَّة، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْد أَنْ جَاوَزَ الْبَحْر وَسَأَلَهُ قَوْمه أَنْ يَأْتِيهِمْ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْد اللَّه فَخَرَجَ إِلَى الطُّور فِي سَبْعِينَ مِنْ خِيَار بَنِي إِسْرَائِيل وَصَعِدُوا الْجَبَل وَوَاعَدَهُمْ إِلَى تَمَام أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَعَدُّوا فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة وَقَالُوا قَدْ أَخْلَفَنَا مَوْعِده فَاِتَّخَذُوا الْعِجْل وَقَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى فَاطْمَأَنُّوا إِلَى قَوْله وَنَهَاهُمْ هَارُون وَقَالَ " يَا قَوْم إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبّكُمْ الرَّحْمَن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِع إِلَيْنَا مُوسَى " ( طَه : ٩٠ ) فَلَمْ يَتَّبِعْ هَارُون وَلَمْ يُطِعْهُ فِي تَرْك عِبَادَة الْعِجْل إِلَّا اِثْنَا عَشَر أَلْفًا فِيمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر وَتَهَافَتَ فِي عِبَادَته سَائِرهمْ وَهُمْ أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ أَلْف فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى وَوَجَدَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَال أَلْقَى الْأَلْوَاح فَرُفِعَ مِنْ جُمْلَتهَا سِتَّة أَجْزَاء وَبَقِيَ جُزْء وَاحِد، وَهُوَ الْحَلَال وَالْحَرَام وَمَا يَحْتَاجُونَ، وَأَحْرَقَ الْعِجْل وَذَرَاهُ فِي الْبَحْر فَشَرِبُوا مِنْ مَائِهِ حُبًّا لِلْعِجْلِ فَظَهَرَتْ عَلَى شِفَاهِهِمْ صُفْرَة وَوَرِمَتْ بُطُونهمْ فَتَابُوا وَلَمْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ دُون أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٤ ] فَقَامُوا بِالْخَنَاجِرِ وَالسُّيُوف بَعْضهمْ إِلَى بَعْض مِنْ لَدُنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى اِرْتِفَاع الضُّحَى فَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا لَا يَسْأَل وَالِد عَنْ وَلَده وَلَا وَلَد عَنْ وَالِده وَلَا أَخ عَنْ أَخِيهِ وَلَا أَحَد عَنْ أَحَد كُلّ مَنْ اِسْتَقْبَلَهُ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ وَضَرَبَهُ الْآخَر بِمِثْلِهِ حَتَّى عَجَّ مُوسَى إِلَى اللَّه صَارِخًا يَا رَبَّاهُ قَدْ فَنِيَتْ بَنُو إِسْرَائِيل فَرَحِمَهُمْ اللَّه وَجَادَ عَلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ فَقَبِلَ تَوْبَة مَنْ بَقِيَ وَجَعَلَ مَنْ قُتِلَ فِي الشُّهَدَاء عَلَى مَا يَأْتِي.
إِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ اللَّيَالِي بِالذِّكْرِ دُون الْأَيَّام ؟ قِيلَ لَهُ لِأَنَّ اللَّيْلَة أَسْبَق مِنْ الْيَوْم فَهِيَ قَبْله فِي الرُّتْبَة ; وَلِذَلِكَ وَقَعَ بِهَا التَّارِيخ فَاللَّيَالِي أَوَّل الشُّهُور وَالْأَيَّام تَبَع لَهَا قَالَ النَّقَّاش : فِي هَذِهِ الْآيَة إِشَارَة إِلَى صِلَة الصَّوْم ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ ذَكَرَ الْأَيَّام لَأَمْكَنَ أَنْ يُعْتَقَد أَنَّهُ كَانَ يُفْطِر بِاللَّيْلِ فَلَمَّا نَصَّ عَلَى اللَّيَالِي اِقْتَضَتْ قُوَّة الْكَلَام أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَاصَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا قَالَ اِبْن عَطِيَّة : سَمِعْت أَبِي يَقُول : سَمِعْت الشَّيْخ الزَّاهِد الْإِمَام الْوَاعِظ أَبَا الْفَضْل الْجَوْهَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه يَعِظ النَّاس فِي الْخَلْوَة بِاَللَّهِ وَالدُّنُوّ مِنْهُ فِي الصَّلَاة وَنَحْوه وَأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَل عَنْ كُلّ طَعَام وَشَرَاب وَيَقُول أَيْنَ حَال مُوسَى فِي الْقُرْب مِنْ اللَّه وَوِصَال ثَمَانِينَ مِنْ الدَّهْر مِنْ قَوْله حِين سَارَ إِلَى الْخَضِر لِفَتَاهُ فِي بَعْض يَوْم " آتِنَا غَدَاءَنَا " [ الْكَهْف : ٦٢ ] قُلْت : وَبِهَذَا اِسْتَدَلَّ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة عَلَى الْوِصَال، وَأَنَّ أَفْضَله أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الْوِصَال فِي آي الصِّيَام مِنْ هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَيَأْتِي فِي " الْأَعْرَاف " زِيَادَة أَحْكَام لِهَذِهِ الْآيَة عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة " [ الْأَعْرَاف : ١٤٢ ] وَيَأْتِي لِقِصَّةِ الْعِجْل بَيَان فِي كَيْفِيَّته وَخُوَاره هُنَاكَ وَفِي " طَه " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ
أَيْ اِتَّخَذْتُمُوهُ إِلَهًا مِنْ بَعْد مُوسَى وَأَصْل اِتَّخَذْتُمْ اِئْتَخَذْتُمْ مِنْ الْأَخْذ وَوَزْنه اِفْتَعَلْتُمْ سُهِّلَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة لِامْتِنَاعِ هَمْزَتَيْنِ فَجَاءَ اِيتَخَذْتُمْ فَاضْطَرَبَتْ الْيَاء فِي التَّصْرِيف جَاءَتْ أَلِفًا فِي يَاتَّخِذْ وَوَاوًا فِي مُوتَّخِذ فَبُدِّلَتْ بِحَرْف جَلْد ثَابِت مِنْ جِنْس مَا بَعْدهَا وَهِيَ التَّاء وَأُدْغِمَتْ ثُمَّ اُجْتُلِبَتْ أَلِف الْوَصْل لِلنُّطْقِ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام التَّقْرِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى " قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] فَاسْتَغْنَى عَنْ أَلِف الْوَصْل بِأَلِفِ التَّقْرِير قَالَ الشَّاعِر :
وَنَحْوه فِي الْقُرْآن " أَطَّلَعَ الْغَيْب " [ مَرْيَم : ٦٨ ] " أَصْطَفَى الْبَنَات " [ الصَّافَّات : ١٥٣ ] " أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت " [ ص : ٧٥ ] وَمَذْهَب أَبِي عَلِيّ الْفَارِسِيّ أَنَّ " اِتَّخَذْتُمْ " مِنْ تَخِذَ لَا مِنْ أَخَذَ
أَيْ اِتَّخَذْتُمُوهُ إِلَهًا مِنْ بَعْد مُوسَى وَأَصْل اِتَّخَذْتُمْ اِئْتَخَذْتُمْ مِنْ الْأَخْذ وَوَزْنه اِفْتَعَلْتُمْ سُهِّلَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة لِامْتِنَاعِ هَمْزَتَيْنِ فَجَاءَ اِيتَخَذْتُمْ فَاضْطَرَبَتْ الْيَاء فِي التَّصْرِيف جَاءَتْ أَلِفًا فِي يَاتَّخِذْ وَوَاوًا فِي مُوتَّخِذ فَبُدِّلَتْ بِحَرْف جَلْد ثَابِت مِنْ جِنْس مَا بَعْدهَا وَهِيَ التَّاء وَأُدْغِمَتْ ثُمَّ اُجْتُلِبَتْ أَلِف الْوَصْل لِلنُّطْقِ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام التَّقْرِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى " قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] فَاسْتَغْنَى عَنْ أَلِف الْوَصْل بِأَلِفِ التَّقْرِير قَالَ الشَّاعِر :
| اِسْتَحْدَثَ الرَّكْب عَنْ أَشْيَاعِهِمْ خَبَرًا | أَمْ رَاجَعَ الْقَلْب مِنْ أَطْرَابِه طَرَب |
وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الظُّلْم وَالْحَمْد لِلَّهِ
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الظُّلْم وَالْحَمْد لِلَّهِ
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ
الْعَفْو عَفْو اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ خَلْقه، وَقَدْ يَكُون بَعْد الْعُقُوبَة وَقَبْلهَا بِخِلَافِ الْغُفْرَان فَإِنَّهُ لَا يَكُون مَعَهُ عُقُوبَة الْبَتَّة، وَكُلّ مَنْ اِسْتَحَقَّ عُقُوبَة فَتُرِكَتْ لَهُ فَقَدْ عُفِيَ عَنْهُ فَالْعَفْو مَحْو الذَّنْب أَيْ مَحَوْنَا ذُنُوبكُمْ وَتَجَاوَزْنَا عَنْكُمْ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلِكَ عَفَتْ الرِّيح الْأَثَر أَيْ أَذْهَبَتْهُ وَعَفَا الشَّيْء كَثُرَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " حَتَّى عَفَوْا ".
[ الْأَعْرَاف ٩٥ ]
الْعَفْو عَفْو اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ خَلْقه، وَقَدْ يَكُون بَعْد الْعُقُوبَة وَقَبْلهَا بِخِلَافِ الْغُفْرَان فَإِنَّهُ لَا يَكُون مَعَهُ عُقُوبَة الْبَتَّة، وَكُلّ مَنْ اِسْتَحَقَّ عُقُوبَة فَتُرِكَتْ لَهُ فَقَدْ عُفِيَ عَنْهُ فَالْعَفْو مَحْو الذَّنْب أَيْ مَحَوْنَا ذُنُوبكُمْ وَتَجَاوَزْنَا عَنْكُمْ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلِكَ عَفَتْ الرِّيح الْأَثَر أَيْ أَذْهَبَتْهُ وَعَفَا الشَّيْء كَثُرَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " حَتَّى عَفَوْا ".
[ الْأَعْرَاف ٩٥ ]
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
أَيْ مِنْ بَعْد عِبَادَتكُمْ الْعِجْل وَسُمِّيَ الْعِجْل عِجْلًا لِاسْتِعْجَالِهِمْ عِبَادَته وَاَللَّه أَعْلَم وَالْعِجْل وَلَد الْبَقَرَة وَالْعُجُول مِثْله وَالْجَمْع الْعَجَاجِيل وَالْأُنْثَى عِجْلَة عَنْ أَبِي الْجَرَّاح.
أَيْ مِنْ بَعْد عِبَادَتكُمْ الْعِجْل وَسُمِّيَ الْعِجْل عِجْلًا لِاسْتِعْجَالِهِمْ عِبَادَته وَاَللَّه أَعْلَم وَالْعِجْل وَلَد الْبَقَرَة وَالْعُجُول مِثْله وَالْجَمْع الْعَجَاجِيل وَالْأُنْثَى عِجْلَة عَنْ أَبِي الْجَرَّاح.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
كَيْ تَشْكُرُوا عَفْو اللَّه عَنْكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى لَعَلَّ وَأَمَّا الشُّكْر فَهُوَ فِي اللُّغَة الظُّهُور مِنْ قَوْله دَابَّة شَكُور إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنْ السِّمَن فَوْق مَا تُعْطَى مِنْ الْعَلَف وَحَقِيقَته الثَّنَاء عَلَى الْإِنْسَان بِمَعْرُوفٍ يُولِيكَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَة قَالَ الْجَوْهَرِيّ الشُّكْر الثَّنَاء عَلَى الْمُحْسِن بِمَا أَوْلَاكَهُ مِنْ الْمَعْرُوف يُقَال شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ وَبِاللَّامِ أَفْصَح وَالشُّكْرَان خِلَاف الْكُفْرَان وَتَشَكَّرْت لَهُ مِثْل شَكَرْت لَهُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَا يَشْكُر اللَّه مَنْ لَا يَشْكُر النَّاس ) قَالَ الْخَطَّابِيّ هَذَا الْكَلَام يَتَأَوَّل عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ كُفْرَانُ نِعْمَة النَّاس وَتَرْك الشُّكْر لِمَعْرُوفِهِمْ كَانَ مِنْ عَادَته كُفْرَان نِعْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَتَرْك الشُّكْر لَهُ، وَالْوَجْه الْآخَر أَنَّ اللَّه سُبْحَانه لَا يَقْبَل شُكْر الْعَبْد عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَبْد لَا يَشْكُر إِحْسَان النَّاس إِلَيْهِ، وَيَكْفُر مَعْرُوفهمْ لِاتِّصَالِ أَحَد الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ.
فِي عِبَارَات الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الشُّكْر فَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه الشُّكْر الِاجْتِهَاد فِي بَذْل الطَّاعَة مَعَ الِاجْتِنَاب لِلْمَعْصِيَةِ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : الشُّكْر هُوَ الِاعْتِرَاف فِي تَقْصِير الشُّكْر لِلْمُنْعِمِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى " اِعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا " [ سَبَأ : ١٣ ] فَقَالَ دَاوُد : كَيْف أَشْكُرك يَا رَبّ وَالشُّكْر نِعْمَة مِنْك قَالَ الْآن قَدْ عَرَفْتنِي وَشَكَرْتنِي إِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الشُّكْر مِنِّي نِعْمَة قَالَ يَا رَبّ فَأَرِنِي أَخْفَى نِعَمك عَلِيّ قَالَ يَا دَاوُد تَنَفَّسْ فَتَنَفَّسَ دَاوُد فَقَالَ اللَّه تَعَالَى مَنْ يُحْصِي هَذِهِ النِّعْمَة اللَّيْل وَالنَّهَار وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَيْف أَشْكُرك وَأَصْغَر نِعْمَة وَضَعْتهَا بِيَدَيَّ مِنْ نِعَمك لَا يُجَازَى بِهَا عَمَلِي كُلّه فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ يَا مُوسَى الْآن شَكَرْتنِي، وَقَالَ الْجُنَيْد حَقِيقَة الشُّكْر الْعَجْز عَنْ الشُّكْر وَعَنْهُ قَالَ كُنْت بَيْن يَدَيْ السَّرِيّ السَّقَطِيّ أَلْعَب وَأَنَا اِبْن سَبْع سِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهِ جَمَاعَة يَتَكَلَّمُونَ فِي الشُّكْر فَقَالَ لِي يَا غُلَام مَا الشُّكْر ؟ فَقُلْت أَلَّا يُعْصَى اللَّه بِنِعَمِهِ فَقَالَ لِي أَخْشَى أَنْ يَكُون حَظّك مِنْ اللَّه لِسَانك قَالَ الْجُنَيْد فَلَا أَزَالَ أَبْكِي عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا السَّرِيّ لِي وَقَالَ الشِّبْلِيّ الشُّكْر التَّوَاضُع وَالْمُحَافَظَة عَلَى الْحَسَنَات وَمُخَالَفَة الشَّهَوَات وَبَذْل الطَّاعَات وَمُرَاقَبَة جَبَّار الْأَرْض وَالسَّمَوَات وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ أَبُو الْفَيْض الشُّكْر لِمَنْ فَوْقك بِالطَّاعَةِ وَلِنَظِيرِك بِالْمُكَافَأَةِ وَلِمَنْ دُونك بِالْإِحْسَانِ وَالْإِفْضَال
كَيْ تَشْكُرُوا عَفْو اللَّه عَنْكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى لَعَلَّ وَأَمَّا الشُّكْر فَهُوَ فِي اللُّغَة الظُّهُور مِنْ قَوْله دَابَّة شَكُور إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنْ السِّمَن فَوْق مَا تُعْطَى مِنْ الْعَلَف وَحَقِيقَته الثَّنَاء عَلَى الْإِنْسَان بِمَعْرُوفٍ يُولِيكَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَة قَالَ الْجَوْهَرِيّ الشُّكْر الثَّنَاء عَلَى الْمُحْسِن بِمَا أَوْلَاكَهُ مِنْ الْمَعْرُوف يُقَال شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ وَبِاللَّامِ أَفْصَح وَالشُّكْرَان خِلَاف الْكُفْرَان وَتَشَكَّرْت لَهُ مِثْل شَكَرْت لَهُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَا يَشْكُر اللَّه مَنْ لَا يَشْكُر النَّاس ) قَالَ الْخَطَّابِيّ هَذَا الْكَلَام يَتَأَوَّل عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ كُفْرَانُ نِعْمَة النَّاس وَتَرْك الشُّكْر لِمَعْرُوفِهِمْ كَانَ مِنْ عَادَته كُفْرَان نِعْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَتَرْك الشُّكْر لَهُ، وَالْوَجْه الْآخَر أَنَّ اللَّه سُبْحَانه لَا يَقْبَل شُكْر الْعَبْد عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَبْد لَا يَشْكُر إِحْسَان النَّاس إِلَيْهِ، وَيَكْفُر مَعْرُوفهمْ لِاتِّصَالِ أَحَد الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ.
فِي عِبَارَات الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الشُّكْر فَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه الشُّكْر الِاجْتِهَاد فِي بَذْل الطَّاعَة مَعَ الِاجْتِنَاب لِلْمَعْصِيَةِ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : الشُّكْر هُوَ الِاعْتِرَاف فِي تَقْصِير الشُّكْر لِلْمُنْعِمِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى " اِعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا " [ سَبَأ : ١٣ ] فَقَالَ دَاوُد : كَيْف أَشْكُرك يَا رَبّ وَالشُّكْر نِعْمَة مِنْك قَالَ الْآن قَدْ عَرَفْتنِي وَشَكَرْتنِي إِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الشُّكْر مِنِّي نِعْمَة قَالَ يَا رَبّ فَأَرِنِي أَخْفَى نِعَمك عَلِيّ قَالَ يَا دَاوُد تَنَفَّسْ فَتَنَفَّسَ دَاوُد فَقَالَ اللَّه تَعَالَى مَنْ يُحْصِي هَذِهِ النِّعْمَة اللَّيْل وَالنَّهَار وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَيْف أَشْكُرك وَأَصْغَر نِعْمَة وَضَعْتهَا بِيَدَيَّ مِنْ نِعَمك لَا يُجَازَى بِهَا عَمَلِي كُلّه فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ يَا مُوسَى الْآن شَكَرْتنِي، وَقَالَ الْجُنَيْد حَقِيقَة الشُّكْر الْعَجْز عَنْ الشُّكْر وَعَنْهُ قَالَ كُنْت بَيْن يَدَيْ السَّرِيّ السَّقَطِيّ أَلْعَب وَأَنَا اِبْن سَبْع سِنِينَ وَبَيْن يَدَيْهِ جَمَاعَة يَتَكَلَّمُونَ فِي الشُّكْر فَقَالَ لِي يَا غُلَام مَا الشُّكْر ؟ فَقُلْت أَلَّا يُعْصَى اللَّه بِنِعَمِهِ فَقَالَ لِي أَخْشَى أَنْ يَكُون حَظّك مِنْ اللَّه لِسَانك قَالَ الْجُنَيْد فَلَا أَزَالَ أَبْكِي عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا السَّرِيّ لِي وَقَالَ الشِّبْلِيّ الشُّكْر التَّوَاضُع وَالْمُحَافَظَة عَلَى الْحَسَنَات وَمُخَالَفَة الشَّهَوَات وَبَذْل الطَّاعَات وَمُرَاقَبَة جَبَّار الْأَرْض وَالسَّمَوَات وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ أَبُو الْفَيْض الشُّكْر لِمَنْ فَوْقك بِالطَّاعَةِ وَلِنَظِيرِك بِالْمُكَافَأَةِ وَلِمَنْ دُونك بِالْإِحْسَانِ وَالْإِفْضَال
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ
" إِذْ " اِسْم لِلْوَقْتِ الْمَاضِي وَ " إِذْ " اِسْم لِلْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَل وَ " آتَيْنَا " أَعْطَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا وَالْكِتَاب التَّوْرَاة بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ وَاخْتُلِفَ فِي الْفُرْقَان فَقَالَ الْفَرَّاء وَقُطْرُب : الْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام الْفُرْقَان قَالَ النَّحَّاس هَذَا خَطَأ فِي الْإِعْرَاب وَالْمَعْنَى أَمَّا الْإِعْرَاب فَإِنَّ الْمَعْطُوف عَلَى الشَّيْء مِثْله وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَكُون الْمَعْطُوف عَلَى الشَّيْء خِلَافه وَأَمَّا الْمَعْنَى فَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان " قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج يَكُون الْفُرْقَان هُوَ الْكِتَاب أُعِيدَ ذِكْره بِاسْمَيْنِ تَأْكِيدًا وَحُكِيَ عَنْ الْفَرَّاء وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَالَ آخَر :
فَنَسَق الْبُعْد عَلَى النَّأْي وَالْمَيْن عَلَى الْكَذِب لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا، وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة
قَالَ النَّحَّاس وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيء فِي الشِّعْر وَأَحْسَن مَا قِيلَ فِي هَذَا قَوْل مُجَاهِد فَرْقًا بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل أَيْ الَّذِي عَلَّمَهُ إِيَّاهُ وَقَالَ اِبْن زَيْد الْفُرْقَان اِنْفِرَاق الْبَحْر لَهُ حَتَّى صَارَ فِرَقًا فَعَبَرُوا، وَقِيلَ الْفُرْقَان الْفَرَج مِنْ الْكَرْب لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعْبَدِينَ مَعَ الْقِبْط، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " إِنْ تَتَّقُوا اللَّه يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا " [ الْأَنْفَال : ٢٩ ] أَيْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَقِيلَ : إِنَّهُ الْحُجَّة وَالْبَيَان قَالَهُ اِبْن بَحْر وَقِيلَ الْوَاو صِلَة وَالْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب الْفُرْقَان وَالْوَاو قَدْ تُزَاد فِي النُّعُوت كَقَوْلِهِمْ فُلَان حَسَن وَطَوِيل وَأَنْشَدَ
أَرَادَ إِلَى الْمَلِك الْقَرْم اِبْن الْهُمَام لَيْث الْكَتِيبَة وَدَلِيل هَذَا التَّأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ١٥٤ ] أَيْ بَيْن الْحَرَام وَالْحَلَال وَالْكُفْر وَالْإِيمَان وَالْوَعْد وَالْوَعِيد وَغَيْر ذَلِكَ، وَقِيلَ الْفُرْقَان الْفَرْق بَيْنهمْ وَبَيْن قَوْم فِرْعَوْن أَنْجَى هَؤُلَاءِ وَأَغْرَقَ أُولَئِكَ وَنَظِيره " يَوْم الْفُرْقَان " فَقِيلَ يَعْنِي بِهِ يَوْم بَدْر نَصَرَ اللَّه فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَهْلَكَ أَبَا جَهْل وَأَصْحَابه.
" إِذْ " اِسْم لِلْوَقْتِ الْمَاضِي وَ " إِذْ " اِسْم لِلْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَل وَ " آتَيْنَا " أَعْطَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا وَالْكِتَاب التَّوْرَاة بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ وَاخْتُلِفَ فِي الْفُرْقَان فَقَالَ الْفَرَّاء وَقُطْرُب : الْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام الْفُرْقَان قَالَ النَّحَّاس هَذَا خَطَأ فِي الْإِعْرَاب وَالْمَعْنَى أَمَّا الْإِعْرَاب فَإِنَّ الْمَعْطُوف عَلَى الشَّيْء مِثْله وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَكُون الْمَعْطُوف عَلَى الشَّيْء خِلَافه وَأَمَّا الْمَعْنَى فَقَدْ قَالَ تَعَالَى " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان " قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج يَكُون الْفُرْقَان هُوَ الْكِتَاب أُعِيدَ ذِكْره بِاسْمَيْنِ تَأْكِيدًا وَحُكِيَ عَنْ الْفَرَّاء وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| وَقَدَّمْت الْأَدِيم لِرَاهِشَيْهِ | وَأَلْفَى قَوْلهَا كَذِبًا وَمَيْنَا |
| أَلَا حَبَّذَا هِنْد وَأَرْض بِهَا هِنْد | وَهِنْد أَتَى مِنْ دُونهَا النَّأْي وَالْبُعْد |
| حُيِّيت مِنْ طَلَل تَقَادَمَ عَهْده | أَقْوَى وَأَقْفَر بَعْد أُمّ الْهَيْثَم |
| إِلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام | وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحم |
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنْ الضَّلَالَة وَقَدْ تَقَدَّمَ.
لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنْ الضَّلَالَة وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
الْقَوْم الْجَمَاعَة الرِّجَال دُون النِّسَاء قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْخَر قَوْم مِنْ قَوْم " [ الْحُجُرَات : ١١ ] ثُمَّ قَالَ " وَلَا نِسَاء مِنْ نِسَاء " [ الْحُجُرَات : ١١ ] وَقَالَ زُهَيْر :
وَقَالَ تَعَالَى " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ " [ الْأَعْرَاف : ٨٠ ] أَرَادَ الرِّجَال دُون النِّسَاء وَقَدْ يَقَع الْقَوْم عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاء قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه " [ نُوح : ١ ] وَكَذَا كُلّ نَبِيّ مُرْسَل إِلَى النِّسَاء وَالرِّجَال جَمِيعًا
الْقَوْم الْجَمَاعَة الرِّجَال دُون النِّسَاء قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا يَسْخَر قَوْم مِنْ قَوْم " [ الْحُجُرَات : ١١ ] ثُمَّ قَالَ " وَلَا نِسَاء مِنْ نِسَاء " [ الْحُجُرَات : ١١ ] وَقَالَ زُهَيْر :
| وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَال أَدْرِي | أَقَوْم آلُ حِصْن أَمْ نِسَاء |
يَا
مُنَادَى مُضَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء فِي " يَا قَوْم " لِأَنَّهُ مَوْضِع حَذْف وَالْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِين فَحَذَفْتهَا كَمَا تَحْذِف التَّنْوِين مِنْ الْمُفْرَد وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن إِثْبَاتهَا سَاكِنَة فَتَقُول يَا قَوْمِي لِأَنَّهَا اِسْم وَهِيَ فِي مَوْضِع خَفْض وَإِنْ شِئْت فَتَحْتهَا وَإِنْ شِئْت أَلْحَقْت مَعَهَا هَاء فَقُلْت يَا قَوْمِيَهْ وَإِنْ شِئْت أَبْدَلْت مِنْهَا أَلِفًا لِأَنَّهَا أَخَفّ فَقُلْت يَا قَوْمًا وَإِنْ شِئْت قُلْت يَا قَوْم بِمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَوْم وَإِنْ جَعَلْتهمْ نَكِرَة نَصَبْت وَنَوَّنْت وَوَاحِد الْقَوْم اِمْرُؤٌ عَلَى غَيْر اللَّفْظ وَتَقُول قَوْم وَأَقْوَام وَأَقَاوِم جَمْع الْجَمْع وَالْمُرَاد هُنَا بِالْقَوْمِ عَبَدَة الْعِجْل وَكَانَتْ مُخَاطَبَته عَلَيْهِ السَّلَام لَهُمْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى.
مُنَادَى مُضَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء فِي " يَا قَوْم " لِأَنَّهُ مَوْضِع حَذْف وَالْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِين فَحَذَفْتهَا كَمَا تَحْذِف التَّنْوِين مِنْ الْمُفْرَد وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن إِثْبَاتهَا سَاكِنَة فَتَقُول يَا قَوْمِي لِأَنَّهَا اِسْم وَهِيَ فِي مَوْضِع خَفْض وَإِنْ شِئْت فَتَحْتهَا وَإِنْ شِئْت أَلْحَقْت مَعَهَا هَاء فَقُلْت يَا قَوْمِيَهْ وَإِنْ شِئْت أَبْدَلْت مِنْهَا أَلِفًا لِأَنَّهَا أَخَفّ فَقُلْت يَا قَوْمًا وَإِنْ شِئْت قُلْت يَا قَوْم بِمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَوْم وَإِنْ جَعَلْتهمْ نَكِرَة نَصَبْت وَنَوَّنْت وَوَاحِد الْقَوْم اِمْرُؤٌ عَلَى غَيْر اللَّفْظ وَتَقُول قَوْم وَأَقْوَام وَأَقَاوِم جَمْع الْجَمْع وَالْمُرَاد هُنَا بِالْقَوْمِ عَبَدَة الْعِجْل وَكَانَتْ مُخَاطَبَته عَلَيْهِ السَّلَام لَهُمْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى.
قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
اِسْتَغْنَى بِالْجَمْعِ الْقَلِيل عَنْ الْكَثِير وَالْكَثِير نُفُوس وَقَدْ يُوضَع الْجَمْع الْكَثِير مَوْضِع جَمْع الْقِلَّة وَالْقَلِيل مَوْضِع الْكَثْرَة قَالَ اللَّه تَعَالَى " ثَلَاثَة قُرُوء " " الْبَقَرَة : ٢٢٨ ] وَقَالَ " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس " [ الزُّخْرُف : ٧١ ] وَيُقَال لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا يَعُود عَلَيْهِ ضَرَره إِنَّمَا أَسَأْت إِلَى نَفْسك، وَأَصْل الظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه.
اِسْتَغْنَى بِالْجَمْعِ الْقَلِيل عَنْ الْكَثِير وَالْكَثِير نُفُوس وَقَدْ يُوضَع الْجَمْع الْكَثِير مَوْضِع جَمْع الْقِلَّة وَالْقَلِيل مَوْضِع الْكَثْرَة قَالَ اللَّه تَعَالَى " ثَلَاثَة قُرُوء " " الْبَقَرَة : ٢٢٨ ] وَقَالَ " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس " [ الزُّخْرُف : ٧١ ] وَيُقَال لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا يَعُود عَلَيْهِ ضَرَره إِنَّمَا أَسَأْت إِلَى نَفْسك، وَأَصْل الظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه.
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ
قَالَ بَعْض أَرْبَاب الْمَعَانِي عِجْل كُلّ إِنْسَان نَفْسه فَمَنْ أَسْقَطَهُ وَخَالَفَ مُرَاده فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ظُلْمه وَالصَّحِيح أَنَّهُ هُنَا عِجْل عَلَى الْحَقِيقَة عَبَدُوهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيل وَالْحَمْد لِلَّهِ
قَالَ بَعْض أَرْبَاب الْمَعَانِي عِجْل كُلّ إِنْسَان نَفْسه فَمَنْ أَسْقَطَهُ وَخَالَفَ مُرَاده فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ظُلْمه وَالصَّحِيح أَنَّهُ هُنَا عِجْل عَلَى الْحَقِيقَة عَبَدُوهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيل وَالْحَمْد لِلَّهِ
الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
لَمَّا قَالَ لَهُمْ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ قَالُوا كَيْف ؟ قَالَ " فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " قَالَ أَرْبَاب الْخَوَاطِر ذَلِّلُوهَا بِالطَّاعَاتِ وَكُفُّوهَا عَنْ الشَّهَوَات وَالصَّحِيح أَنَّهُ قَتْل عَلَى الْحَقِيقَة هُنَا، وَالْقَتْل إِمَاتَة الْحَرَكَة وَقَتَلْت الْخَمْر كَسَرْت شِدَّتهَا بِالْمَاءِ قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة التَّوْبَة نِعْمَة مِنْ اللَّه أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة دُون غَيْرهَا مِنْ الْأُمَم وَكَانَتْ تَوْبَة بَنِي إِسْرَائِيل الْقَتْل وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَر كُلّ وَاحِد مِنْ عَبَدَة الْعِجْل بِأَنْ يَقْتُل نَفْسه بِيَدِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " قَامُوا صَفَّيْنِ وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا حَتَّى قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا فَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَة لِلْمَقْتُولِ وَتَوْبَة لِلْحَيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ ظَلَامًا فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَقِيلَ : وَقَفَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْل صَفًّا وَدَخَلَ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوهُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلَاحِ فَقَتَلُوهُمْ وَقِيلَ قَامَ السَّبْعُونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُوسَى فَقَتَلُوا - إِذْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل - مَنْ عَبَدَ الْعِجْل وَيُرْوَى أَنَّ يُوشَع بْن نُون خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُحْتَبُونَ فَقَالَ مَلْعُون مَنْ حَلَّ حَبْوَته أَوْ مَدَّ طَرَفه إِلَى قَاتِله أَوْ اِتَّقَاهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْل فَمَا حَلَّ أَحَد مِنْهُمْ حَبْوَته حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ يَعْنِي مَنْ قُتِلَ، وَأَقْبَلَ الرَّجُل يَقْتُل مَنْ يَلِيهِ ذِكْره النَّحَّاس وَغَيْره، وَإِنَّمَا عُوقِبَ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل بِقَتْلِ أَنْفُسهمْ عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُغَيِّرُوا الْمُنْكَر حِين عَبَدُوهُ، وَإِنَّمَا اِعْتَزَلُوا وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَنْ عَبَدَهُ، وَهَذِهِ سُنَّة اللَّه فِي عِبَاده إِذَا فَشَا الْمُنْكَر، وَلَمْ يُغَيَّر عُوقِبَ الْجَمِيع رَوَى جَرِير قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا مِنْ قَوْم يَعْمَل فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزّ مِنْهُمْ وَأَمْنَع لَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابٍ ) أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي هَذَا الْمَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَلَمَّا اِسْتَحَرَّ فِيهِمْ الْقَتْل، وَبَلَغَ سَبْعِينَ أَلْفًا عَفَا اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا رَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ الْقَتْل لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْا الْمَجْهُود فِي قَتْل أَنْفُسهمْ فَمَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة نِعْمَة بَعْد الْإِسْلَام هِيَ أَفْضَل مِنْ التَّوْبَة، وَقَرَأَ قَتَادَة فَأَقِيلُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ الْإِقَالَة أَيْ اِسْتَقْبِلُوهَا مِنْ الْعَثْرَة بِالْقَتْلِ " بَارِئِكُمْ " الْبَارِئ الْخَالِق وَبَيْنَهُمَا فَرْق، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَارِئ هُوَ الْمُبْدِع الْمُحْدِث وَالْخَالِق هُوَ الْمُقَدِّر النَّاقِل مِنْ حَال إِلَى حَال وَالْبَرِيَّة الْخَلْق، وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة غَيْر أَنَّهَا لَا تُهْمَز وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو " بَارِئْكُمْ " بِسُكُونِ الْهَمْزَة وَيُشْعِركُمْ وَيَنْصُركُمْ وَيَأْمُركُمْ وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي هَذَا
فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّن الضَّمَّة وَالْكَسْرَة فِي الْوَصْل، وَذَلِكَ فِي الشِّعْر وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد : لَا يَجُوز التَّسْكِين مَعَ تَوَالِي الْحَرَكَات فِي حَرْف الْإِعْرَاب فِي كَلَام وَلَا شِعْر وَقِرَاءَة أَبِي عَمْرو لَحْن قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره : وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ النَّحْوِيُّونَ الْقُدَمَاء الْأَئِمَّة وَأَنْشَدُوا
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس
وَقَالَ آخَر
قَالَتْ سُلَيْمَى اِشْتَرِ لَنَا سَوِيقًا
وَقَالَ الْآخَر
فَمَنْ أَنْكَرَ التَّسْكِين فِي حَرْف الْإِعْرَاب فَحُجَّته أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز مِنْ حَيْثُ كَانَ عِلْمًا لِلْإِعْرَابِ قَالَ أَبُو عَلِيّ وَأَمَّا حَرَكَة الْبِنَاء فَلَمْ يَخْتَلِف النُّحَاة فِي جَوَاز تَسْكِينهَا مَعَ تَوَالِي الْحَرَكَات، وَأَصْل بَرَأَ مِنْ تَبَرِّي الشَّيْء مِنْ الشَّيْء، وَهُوَ اِنْفِصَاله مِنْهُ فَالْخَلْق قَدْ فُصِلُوا مِنْ الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَمِنْهُ بَرَأْت مِنْ الْمَرَض بَرْءًا ( بِالْفَتْحِ ) كَذَا يَقُول أَهْل الْحِجَاز وَغَيْرهمْ يَقُول بَرِئْت مِنْ الْمَرَض بُرْءًا ( بِالضَّمِّ ) وَبَرِئْت مِنْك وَمِنْ الدُّيُون وَالْعُيُوب بَرَاءَة وَمِنْهُ الْمُبَارَأَة لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ بَارَأَ شَرِيكه وَامْرَأَته
| إِذَا اِعْوَجَجْن قُلْت صَاحِب قَوِّم | بِالدَّوِّ أَمْثَال السَّفِين الْعُوَّم |
| فَالْيَوْم أَشْرَبْ غَيْر مُسْتَحْقِب | إِثْمًا مِنْ اللَّه وَلَا وَاغِل |
قَالَتْ سُلَيْمَى اِشْتَرِ لَنَا سَوِيقًا
وَقَالَ الْآخَر
| رُحْت وَفِي رِجْلَيْك مَا فِيهِمَا | وَقَدْ بَدَا هَنْك مِنْ الْمِئْزَر |
بَارِئِكُمْ فَتَابَ
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَفَعَلْتُمْ " فَتَابَ عَلَيْكُمْ " أَيْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ أَيْ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْكُمْ.
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَفَعَلْتُمْ " فَتَابَ عَلَيْكُمْ " أَيْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ أَيْ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْكُمْ.
عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعُهُ مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة، وَقَالَ آخَرُونَ : تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُوله تَوْبَته، وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يَرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة.
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعُهُ مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة، وَقَالَ آخَرُونَ : تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُوله تَوْبَته، وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يَرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة.
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
" وَإِذْ قُلْتُمْ " مَعْطُوف " يَا مُوسَى " نِدَاء مُفْرَد " لَنْ نُؤْمِن لَك " أَيْ نُصَدِّقك " حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة " قِيلَ هُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَسْمَعَهُمْ كَلَام اللَّه تَعَالَى قَالُوا لَهُ بَعْد ذَلِكَ " لَنْ نُؤْمِن لَك " [ الْبَقَرَة : ٥٥ ] وَالْإِيمَان بِالْأَنْبِيَاءِ وَاجِب بَعْد ظُهُور مُعْجِزَاتِهِمْ فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا مِنْ السَّمَاء فَأَحْرَقَهُمْ ثُمَّ دَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَأَحْيَاهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتِكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٦ ] وَسَتَأْتِي قِصَّة السَّبْعِينَ فِي الْأَعْرَاف إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى قَالَ اِبْن فَوْرك يُحْتَمَل أَنْ تَكُون مُعَاقَبَتهمْ لِإِخْرَاجِهِمْ طَلَب الرُّؤْيَة عَنْ طَرِيقَة بِقَوْلِهِمْ لِمُوسَى " أَرِنَا اللَّه جَهْرَة " [ النِّسَاء : ١٥٣ ] وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَقْدُور مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَاز رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فَأَكْثَر الْمُبْتَدِعَة عَلَى إِنْكَارهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَهْل السُّنَّة وَالسَّلَف عَلَى جَوَازهَا فِيهِمَا وَوُقُوعهَا فِي الْآخِرَة فَعَلَى هَذَا لَمْ يَطْلُبُوا مِنْ الرُّؤْيَة مُحَالًا وَقَدْ سَأَلَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الرُّؤْيَة فِي " الْأَنْعَام " وَ " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
" وَإِذْ قُلْتُمْ " مَعْطُوف " يَا مُوسَى " نِدَاء مُفْرَد " لَنْ نُؤْمِن لَك " أَيْ نُصَدِّقك " حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة " قِيلَ هُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَسْمَعَهُمْ كَلَام اللَّه تَعَالَى قَالُوا لَهُ بَعْد ذَلِكَ " لَنْ نُؤْمِن لَك " [ الْبَقَرَة : ٥٥ ] وَالْإِيمَان بِالْأَنْبِيَاءِ وَاجِب بَعْد ظُهُور مُعْجِزَاتِهِمْ فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا مِنْ السَّمَاء فَأَحْرَقَهُمْ ثُمَّ دَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَأَحْيَاهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتِكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٦ ] وَسَتَأْتِي قِصَّة السَّبْعِينَ فِي الْأَعْرَاف إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى قَالَ اِبْن فَوْرك يُحْتَمَل أَنْ تَكُون مُعَاقَبَتهمْ لِإِخْرَاجِهِمْ طَلَب الرُّؤْيَة عَنْ طَرِيقَة بِقَوْلِهِمْ لِمُوسَى " أَرِنَا اللَّه جَهْرَة " [ النِّسَاء : ١٥٣ ] وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَقْدُور مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَاز رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فَأَكْثَر الْمُبْتَدِعَة عَلَى إِنْكَارهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَهْل السُّنَّة وَالسَّلَف عَلَى جَوَازهَا فِيهِمَا وَوُقُوعهَا فِي الْآخِرَة فَعَلَى هَذَا لَمْ يَطْلُبُوا مِنْ الرُّؤْيَة مُحَالًا وَقَدْ سَأَلَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الرُّؤْيَة فِي " الْأَنْعَام " وَ " الْأَعْرَاف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
اللَّهَ
مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال وَمَعْنَاهُ عَلَانِيَة وَقِيلَ عِيَانًا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَأَصْل الْجَهْر الظُّهُور وَمِنْهُ الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارهَا وَالْمُجَاهَرَة بِالْمَعَاصِي الْمُظَاهَرَة بِهَا وَرَأَيْت الْأَمِير جِهَارًا وَجَهْرَة أَيْ غَيْر مُسْتَتِر بِشَيْءٍ وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " جَهَرَة " بِفَتْحِ الْهَاء، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل زَهْرَة وَزَهَرَة وَفِي الْجَهْر وَجْهَانِ [ أَحَدهمَا ] أَنَّهُ صِفَة لِخِطَابِهِمْ لِمُوسَى أَنَّهُمْ جَهَرُوا بِهِ وَأَعْلَنُوا فَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَالتَّقْدِير وَإِذْ قُلْتُمْ جَهْرَة يَا مُوسَى.
[ الثَّانِي ] أَنَّهُ صِفَة لِمَا سَأَلُوهُ مِنْ رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرَوْهُ جَهْرَة وَعِيَانًا فَيَكُون الْكَلَام عَلَى نَسَقه لَا تَقْدِيم فِيهِ وَلَا تَأْخِير وَأَكَّدَ بِالْجَهْرِ فَرْقًا بَيْن رُؤْيَة الْعِيَان وَرُؤْيَة الْمَنَام
مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال وَمَعْنَاهُ عَلَانِيَة وَقِيلَ عِيَانًا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَأَصْل الْجَهْر الظُّهُور وَمِنْهُ الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ إِنَّمَا هُوَ إِظْهَارهَا وَالْمُجَاهَرَة بِالْمَعَاصِي الْمُظَاهَرَة بِهَا وَرَأَيْت الْأَمِير جِهَارًا وَجَهْرَة أَيْ غَيْر مُسْتَتِر بِشَيْءٍ وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " جَهَرَة " بِفَتْحِ الْهَاء، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل زَهْرَة وَزَهَرَة وَفِي الْجَهْر وَجْهَانِ [ أَحَدهمَا ] أَنَّهُ صِفَة لِخِطَابِهِمْ لِمُوسَى أَنَّهُمْ جَهَرُوا بِهِ وَأَعْلَنُوا فَيَكُون فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَالتَّقْدِير وَإِذْ قُلْتُمْ جَهْرَة يَا مُوسَى.
[ الثَّانِي ] أَنَّهُ صِفَة لِمَا سَأَلُوهُ مِنْ رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرَوْهُ جَهْرَة وَعِيَانًا فَيَكُون الْكَلَام عَلَى نَسَقه لَا تَقْدِيم فِيهِ وَلَا تَأْخِير وَأَكَّدَ بِالْجَهْرِ فَرْقًا بَيْن رُؤْيَة الْعِيَان وَرُؤْيَة الْمَنَام
جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة مَعْنَى الصَّاعِقَة، وَقَرَأَ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ " الصَّعْقَة " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن فِي جَمِيع الْقُرْآن.
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة مَعْنَى الصَّاعِقَة، وَقَرَأَ عُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ " الصَّعْقَة " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن فِي جَمِيع الْقُرْآن.
الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال وَيُقَال كَيْف يَمُوتُونَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْعَرَب تَقُول دُور آلِ فُلَان تَرَاءَى أَيْ يُقَابِل بَعْضهَا بَعْضًا، وَقِيلَ الْمَعْنَى " تَنْظُرُونَ " أَيْ إِلَى حَالكُمْ وَمَا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْمَوْت وَآثَار الصَّعْقَة
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال وَيُقَال كَيْف يَمُوتُونَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْعَرَب تَقُول دُور آلِ فُلَان تَرَاءَى أَيْ يُقَابِل بَعْضهَا بَعْضًا، وَقِيلَ الْمَعْنَى " تَنْظُرُونَ " أَيْ إِلَى حَالكُمْ وَمَا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْمَوْت وَآثَار الصَّعْقَة
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
أَيْ أَحْيَيْنَاكُمْ قَالَ قَتَادَة مَاتُوا وَذَهَبَتْ أَرْوَاحهمْ ثُمَّ رُدُّوا لِاسْتِيفَاءِ آجَالِهِمْ قَالَ النَّحَّاس وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِالْبَعْثِ مِنْ قُرَيْش وَاحْتِجَاج عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذْ خُبِّرُوا بِهَذَا وَالْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " مَا فُعِلَ بِكُمْ مِنْ الْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَقِيلَ مَاتُوا مَوْت هُمُود يَعْتَبِر بِهِ الْغَيْر ثُمَّ أُرْسِلُوا وَأَصْل الْبَعْث الْإِرْسَال وَقِيلَ بَلْ أَصْله إِثَارَة الشَّيْء مِنْ مَحَلّه يُقَال بَعَثَتْ النَّاقَة أَثَرَتهَا أَيْ حَرَّكَتْهَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس
وَقَالَ عَنْتَرَة
وَقَالَ بَعْضهمْ " بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْد مَوْتكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٦ ] عَلَّمْنَاكُمْ مِنْ بَعْد جَهْلكُمْ قُلْت وَالْأَوَّل أَصَحّ لِأَنَّ الْأَصْل الْحَقِيقَة وَكَانَ مَوْت عُقُوبَة وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ " عَلَى مَا يَأْتِي [ الْبَقَرَة : ٢٤٣ ] قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَاخْتُلِفَ فِي بَقَاء تَكْلِيف مِنْ أُعِيدَ بَعْد مَوْته وَمُعَايَنَة الْأَحْوَال الْمُضْطَرَّة إِلَى الْمَعْرِفَة عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدهمَا بَقَاء تَكْلِيفهمْ لِئَلَّا يَخْلُو عَاقِل مِنْ تَعَبُّد الثَّانِي سُقُوط تَكْلِيفهمْ مُعْتَبَرًا بِالِاسْتِدْلَالِ دُون الِاضْطِرَار قُلْت : وَالْأَوَّل أَصَحّ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل قَدْ رَأَوْا الْجَبَل فِي الْهَوَاء سَاقِطًا عَلَيْهِمْ وَالنَّار مُحِيطَة بِهِمْ، وَذَلِكَ مِمَّا اِضْطَرَّهُمْ إِلَى الْإِيمَان، وَبَقَاء التَّكْلِيف ثَابِت عَلَيْهِمْ وَمِثْلهمْ قَوْم يُونُس وَمُحَال أَنْ يَكُونُوا غَيْر مُكَلَّفِينَ وَاَللَّه أَعْلَم
أَيْ أَحْيَيْنَاكُمْ قَالَ قَتَادَة مَاتُوا وَذَهَبَتْ أَرْوَاحهمْ ثُمَّ رُدُّوا لِاسْتِيفَاءِ آجَالِهِمْ قَالَ النَّحَّاس وَهَذَا اِحْتِجَاج عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِالْبَعْثِ مِنْ قُرَيْش وَاحْتِجَاج عَلَى أَهْل الْكِتَاب إِذْ خُبِّرُوا بِهَذَا وَالْمَعْنَى " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " مَا فُعِلَ بِكُمْ مِنْ الْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَقِيلَ مَاتُوا مَوْت هُمُود يَعْتَبِر بِهِ الْغَيْر ثُمَّ أُرْسِلُوا وَأَصْل الْبَعْث الْإِرْسَال وَقِيلَ بَلْ أَصْله إِثَارَة الشَّيْء مِنْ مَحَلّه يُقَال بَعَثَتْ النَّاقَة أَثَرَتهَا أَيْ حَرَّكَتْهَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس
| وَفَتَيَانِ صِدْق قَدْ بَعَثْت بِسُحْرَةٍ | فَقَامُوا جَمِيعًا بَيْن عَاثٍ وَنَشْوَان |
| وَصَحَابَة شُمّ الْأُنُوف بَعَثْتهمْ | لَيْلًا وَقَدْ مَالَ الْكرَى بُطْلَاهَا |
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ
أَيْ جَعَلْنَاهُ عَلَيْكُمْ كَالظُّلَّةِ وَالْغَمَام جَمْع غَمَامَة كَسَحَابَةٍ وَسَحَاب قَالَهُ الْأَخْفَش سَعِيد قَالَ الْفَرَّاء وَيَجُوز غَمَائِم وَهِيَ السَّحَاب لِأَنَّهَا تَغُمّ السَّمَاء أَيْ تَسْتُرهَا وَكُلّ مُغَطًّى فَهُوَ مَغْمُوم، وَمِنْهُ الْمَغْمُوم عَلَى عَقْله وَغُمَّ الْهِلَال إِذَا غَطَّاهُ الْغَيْم وَالْغَيْن مِثْل الْغَيْم، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( إِنَّهُ لَيُغَان عَلَى قَلْبِي ) قَالَ صَاحِب الْعَيْن غِينَ عَلَيْهِ غُطِّيَ عَلَيْهِ وَالْغَيْن شَجَر مُلْتَفّ وَقَالَ السُّدِّيّ الْغَمَام السَّحَاب الْأَبْيَض وَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ لِيَقِيَهُمْ حَرّ الشَّمْس نَهَارًا وَيَنْجَلِي فِي آخِره لِيَسْتَضِيئُوا بِالْقَمَرِ لَيْلًا وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ هَذَا جَرَى فِي التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام لَمَّا اِمْتَنَعُوا مِنْ دُخُول مَدِينَة الْجَبَّارِينَ وَقِتَالِهِمْ وَقَالُوا لِمُوسَى " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا " [ الْمَائِدَة : ٢٤ ] فَعُوقِبُوا فِي ذَلِكَ الْفَحْص أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي خَمْسَة فَرَاسِخ أَوْ سِتَّة رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ النَّهَار كُلّه وَيَنْزِلُونَ لِلْمَبِيتِ فَيُصْبِحُونَ حَيْثُ كَانُوا بُكْرَة أَمْس وَإِذْ كَانُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِي التِّيه قَالُوا لِمُوسَى مَنْ لَنَا بِالطَّعَامِ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى قَالُوا مَنْ لَنَا مِنْ حَرّ الشَّمْس فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام قَالُوا فَبِمَ نَسْتَصْبِح فَضَرَبَ لَهُمْ عَمُود نُور فِي وَسَط مَحَلَّتهمْ وَذَكَرَ مَكِّيّ عَمُود مِنْ نَار قَالُوا مَنْ لَنَا بِالْمَاءِ فَأَمَرَ مُوسَى بِضَرْبِ الْحَجَر قَالُوا مَنْ لَنَا بِاللِّبَاسِ فَأُعْطُوا أَلَّا يَبْلَى لَهُمْ ثَوْب وَلَا يَخْلَق وَلَا يَدْرَن وَأَنْ تَنْمُو صِغَارهَا حَسَب نُمُوّ الصِّبْيَان وَاَللَّه أَعْلَم
أَيْ جَعَلْنَاهُ عَلَيْكُمْ كَالظُّلَّةِ وَالْغَمَام جَمْع غَمَامَة كَسَحَابَةٍ وَسَحَاب قَالَهُ الْأَخْفَش سَعِيد قَالَ الْفَرَّاء وَيَجُوز غَمَائِم وَهِيَ السَّحَاب لِأَنَّهَا تَغُمّ السَّمَاء أَيْ تَسْتُرهَا وَكُلّ مُغَطًّى فَهُوَ مَغْمُوم، وَمِنْهُ الْمَغْمُوم عَلَى عَقْله وَغُمَّ الْهِلَال إِذَا غَطَّاهُ الْغَيْم وَالْغَيْن مِثْل الْغَيْم، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام ( إِنَّهُ لَيُغَان عَلَى قَلْبِي ) قَالَ صَاحِب الْعَيْن غِينَ عَلَيْهِ غُطِّيَ عَلَيْهِ وَالْغَيْن شَجَر مُلْتَفّ وَقَالَ السُّدِّيّ الْغَمَام السَّحَاب الْأَبْيَض وَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ لِيَقِيَهُمْ حَرّ الشَّمْس نَهَارًا وَيَنْجَلِي فِي آخِره لِيَسْتَضِيئُوا بِالْقَمَرِ لَيْلًا وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ هَذَا جَرَى فِي التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام لَمَّا اِمْتَنَعُوا مِنْ دُخُول مَدِينَة الْجَبَّارِينَ وَقِتَالِهِمْ وَقَالُوا لِمُوسَى " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا " [ الْمَائِدَة : ٢٤ ] فَعُوقِبُوا فِي ذَلِكَ الْفَحْص أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي خَمْسَة فَرَاسِخ أَوْ سِتَّة رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ النَّهَار كُلّه وَيَنْزِلُونَ لِلْمَبِيتِ فَيُصْبِحُونَ حَيْثُ كَانُوا بُكْرَة أَمْس وَإِذْ كَانُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِي التِّيه قَالُوا لِمُوسَى مَنْ لَنَا بِالطَّعَامِ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى قَالُوا مَنْ لَنَا مِنْ حَرّ الشَّمْس فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام قَالُوا فَبِمَ نَسْتَصْبِح فَضَرَبَ لَهُمْ عَمُود نُور فِي وَسَط مَحَلَّتهمْ وَذَكَرَ مَكِّيّ عَمُود مِنْ نَار قَالُوا مَنْ لَنَا بِالْمَاءِ فَأَمَرَ مُوسَى بِضَرْبِ الْحَجَر قَالُوا مَنْ لَنَا بِاللِّبَاسِ فَأُعْطُوا أَلَّا يَبْلَى لَهُمْ ثَوْب وَلَا يَخْلَق وَلَا يَدْرَن وَأَنْ تَنْمُو صِغَارهَا حَسَب نُمُوّ الصِّبْيَان وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
اُخْتُلِفَ فِي الْمَنّ مَا هُوَ وَتَعْيِينه عَلَى أَقْوَال فَقِيلَ التَّرَّنْجَبِين بِتَشْدِيدِ الرَّاء وَتَسْكِين النُّون ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَيُقَال الطَّرَّنْجَبِين بِالطَّاءِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ.
وَقِيلَ : صَمْغَة حُلْوَة وَقِيلَ عَسَل وَقِيلَ شَرَاب حُلْو وَقِيلَ خُبْز الرِّقَاق عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه وَقِيلَ " الْمَنّ " مَصْدَر يَعُمّ جَمِيع مَا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَى عِبَاده مِنْ غَيْر تَعَب وَلَا زَرْع، وَمِنْهُ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل ( الْكَمْأَة مِنْ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ ) فِي رِوَايَة ( مِنْ الْمَنّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى ) رَوَاهُ مُسْلِم قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَمْأَة مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَيْ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّه لَهُمْ فِي التِّيه قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِنَّمَا شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ لِأَنَّهُ لَا مَئُونَة فِيهَا بِبَذْرٍ وَلَا سَقْي وَلَا عِلَاج فَهِيَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِنْس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي أَنَّهُ كَانَ دُون تَكَلُّف رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس كَالثَّلْجِ فَيَأْخُذ الرَّجُل مَا يَكْفِيه لِيَوْمِهِ فَإِنْ اِدَّخَرَ مِنْهُ شَيْئًا فَسَدَ عَلَيْهِ إِلَّا فِي يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدَّخِرُونَ لِيَوْمِ السَّبْت فَلَا يَفْسُد عَلَيْهِمْ لِأَنَّ يَوْم السَّبْت يَوْم عِبَادَة وَمَا كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ يَوْم السَّبْت شَيْء الثَّالِثَة لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَنَّ مَاء الْكَمْأَة شِفَاء لِلْعَيْنِ قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالطِّبِّ أَمَّا لِتَبْرِيدِ الْعَيْن مِنْ بَعْض مَا يَكُون فِيهَا مِنْ الْحَرَارَة فَتُسْتَعْمَل بِنَفْسِهَا مُفْرَدَة وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكَّبَة مَعَ غَيْرهَا وَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى اِسْتِعْمَالهَا بَحْتًا فِي جَمِيع مَرَض الْعَيْن وَهَذَا كَمَا اِسْتَعْمَلَ أَبُو وَجْزَة الْعَسَل فِي جَمِيع الْأَمْرَاض كُلّهَا حَتَّى فِي الْكُحْل عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : الْكَمْء وَاحِد وَكَمْآن اِثْنَانِ وَأَكْمُؤ ثَلَاثَة فَإِذَا زَادُوا قَالُوا كَمْأَة بِالتَّاءِ عَلَى عَكْس شَجَرَة وَشَجَر، وَالْمَنّ اِسْم جِنْس لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه مِثْل الْخَيْر وَالشَّرّ قَالَهُ الْأَخْفَش.
اُخْتُلِفَ فِي الْمَنّ مَا هُوَ وَتَعْيِينه عَلَى أَقْوَال فَقِيلَ التَّرَّنْجَبِين بِتَشْدِيدِ الرَّاء وَتَسْكِين النُّون ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَيُقَال الطَّرَّنْجَبِين بِالطَّاءِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ.
وَقِيلَ : صَمْغَة حُلْوَة وَقِيلَ عَسَل وَقِيلَ شَرَاب حُلْو وَقِيلَ خُبْز الرِّقَاق عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه وَقِيلَ " الْمَنّ " مَصْدَر يَعُمّ جَمِيع مَا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَى عِبَاده مِنْ غَيْر تَعَب وَلَا زَرْع، وَمِنْهُ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل ( الْكَمْأَة مِنْ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ ) فِي رِوَايَة ( مِنْ الْمَنّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُوسَى ) رَوَاهُ مُسْلِم قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَمْأَة مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَيْ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّه لَهُمْ فِي التِّيه قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِنَّمَا شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ لِأَنَّهُ لَا مَئُونَة فِيهَا بِبَذْرٍ وَلَا سَقْي وَلَا عِلَاج فَهِيَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِنْس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي أَنَّهُ كَانَ دُون تَكَلُّف رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس كَالثَّلْجِ فَيَأْخُذ الرَّجُل مَا يَكْفِيه لِيَوْمِهِ فَإِنْ اِدَّخَرَ مِنْهُ شَيْئًا فَسَدَ عَلَيْهِ إِلَّا فِي يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدَّخِرُونَ لِيَوْمِ السَّبْت فَلَا يَفْسُد عَلَيْهِمْ لِأَنَّ يَوْم السَّبْت يَوْم عِبَادَة وَمَا كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ يَوْم السَّبْت شَيْء الثَّالِثَة لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَنَّ مَاء الْكَمْأَة شِفَاء لِلْعَيْنِ قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالطِّبِّ أَمَّا لِتَبْرِيدِ الْعَيْن مِنْ بَعْض مَا يَكُون فِيهَا مِنْ الْحَرَارَة فَتُسْتَعْمَل بِنَفْسِهَا مُفْرَدَة وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكَّبَة مَعَ غَيْرهَا وَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى اِسْتِعْمَالهَا بَحْتًا فِي جَمِيع مَرَض الْعَيْن وَهَذَا كَمَا اِسْتَعْمَلَ أَبُو وَجْزَة الْعَسَل فِي جَمِيع الْأَمْرَاض كُلّهَا حَتَّى فِي الْكُحْل عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : الْكَمْء وَاحِد وَكَمْآن اِثْنَانِ وَأَكْمُؤ ثَلَاثَة فَإِذَا زَادُوا قَالُوا كَمْأَة بِالتَّاءِ عَلَى عَكْس شَجَرَة وَشَجَر، وَالْمَنّ اِسْم جِنْس لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه مِثْل الْخَيْر وَالشَّرّ قَالَهُ الْأَخْفَش.
وَالسَّلْوَى
اُخْتُلِفَ فِي السَّلْوَى فَقِيلَ هُوَ السُّمَانَى بِعَيْنِهِ قَالَهُ الضَّحَّاك قَالَ اِبْن عَطِيَّة السَّلْوَى طَيْر بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ وَقَدْ غَلِطَ الْهُذَلِيّ فَقَالَ
ظَنّ السَّلْوَى الْعَسَل قُلْت مَا اِدَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاع لَا يَصِحّ، وَقَدْ قَالَ الْمُؤَرِّج أَحَد عُلَمَاء اللُّغَة وَالتَّفْسِير إِنَّهُ الْعَسَل وَاسْتَدَلَّ بِبَيْتِ الْهُذَلِيّ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِلُغَةِ كِنَانَة سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسَلَّى بِهِ، وَمِنْهُ عَيْن السُّلْوَان، وَأَنْشَدَ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ وَالسَّلْوَى الْعَسَل، وَذَكَرَ بَيْت الْهُذَلِيّ
أَلَذّ مِنْ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورهَا
وَلَمْ يَذْكُر غَلَطًا وَالسُّلْوَانَة ( بِالضَّمِّ ) خَرَزَة كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَاء الْمَطَر فَشَرِبَهُ الْعَاشِق سَلَا قَالَ
وَاسْم ذَلِكَ الْمَاء السُّلْوَان وَقَالَ بَعْضهمْ : السُّلْوَان دَوَاء يُسْقَاهُ الْحَزِين فَيَسْلُو وَالْأَطِبَّاء يُسَمُّونَهُ الْمُفَرِّح يُقَال سَلَيْت وَسَلَوْت لُغَتَانِ وَهُوَ فِي سَلْوَة مِنْ الْعَيْش أَيْ فِي رَغَد عَنْ أَبِي زَيْد وَاخْتُلِفَ فِي السَّلْوَى هَلْ هُوَ جَمْع أَوْ مُفْرَد فَقَالَ الْأَخْفَش : جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه مِثْل الْخَيْر وَالشَّرّ، وَهُوَ يُشْبِه أَنْ يَكُون وَاحِده سَلْوَى مِثْل جَمَاعَته كَمَا قَالُوا : دِفْلَى لِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَة وَسُمَانَى وَشُكَاعَى فِي الْوَاحِد وَالْجَمِيع وَقَالَ الْخَلِيل وَاحِده سَلْوَاة وَأَنْشَدَ :
وَقَالَ الْكِسَائِيّ السَّلْوَى وَاحِدَة وَجَمْعه سَلَاوَى.
" السَّلْوَى " عَطْف عَلَى " الْمَنّ " وَلَمْ يَظْهَر فِيهِ الْإِعْرَاب ; لِأَنَّهُ مَقْصُور وَوَجَبَ هَذَا فِي الْمَقْصُور كُلّه ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُون فِي آخِره أَلِف قَالَ الْخَلِيل وَالْأَلِف حَرْف هَوَائِيٌّ لَا مُسْتَقَرّ لَهُ فَأَشْبَهَ الْحَرَكَة فَاسْتَحَالَتْ حَرَكَته وَقَالَ الْفَرَّاء لَوْ حُرِّكَتْ الْأَلِف صَارَتْ هَمْزَة
اُخْتُلِفَ فِي السَّلْوَى فَقِيلَ هُوَ السُّمَانَى بِعَيْنِهِ قَالَهُ الضَّحَّاك قَالَ اِبْن عَطِيَّة السَّلْوَى طَيْر بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ وَقَدْ غَلِطَ الْهُذَلِيّ فَقَالَ
| وَقَاسَمَهَا بِاَللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمْ | أَلَذّ مِنْ السَّلْوَى إِذَا مَا نُشُورهَا |
| لَوْ أَشْرَب السُّلْوَان مَا سَلَيْت | مَا بِي غِنًى عَنْك وَإِنْ غَنِيت |
أَلَذّ مِنْ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورهَا
وَلَمْ يَذْكُر غَلَطًا وَالسُّلْوَانَة ( بِالضَّمِّ ) خَرَزَة كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَاء الْمَطَر فَشَرِبَهُ الْعَاشِق سَلَا قَالَ
| شَرِبْت عَلَى سُلْوَانَة مَاء مُزْنَة | فَلَا وَجَدِيد الْعَيْش يَا مَيّ مَا أَسْلُو |
| وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرِك هِزَّة | كَمَا اِنْتَفَضَ السَّلْوَاة مِنْ بَلَل الْقَطْر |
" السَّلْوَى " عَطْف عَلَى " الْمَنّ " وَلَمْ يَظْهَر فِيهِ الْإِعْرَاب ; لِأَنَّهُ مَقْصُور وَوَجَبَ هَذَا فِي الْمَقْصُور كُلّه ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُون فِي آخِره أَلِف قَالَ الْخَلِيل وَالْأَلِف حَرْف هَوَائِيٌّ لَا مُسْتَقَرّ لَهُ فَأَشْبَهَ الْحَرَكَة فَاسْتَحَالَتْ حَرَكَته وَقَالَ الْفَرَّاء لَوْ حُرِّكَتْ الْأَلِف صَارَتْ هَمْزَة
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ
" كُلُوا " فِيهِ حَذْف تَقْدِيره، وَقُلْنَا كُلُوا فَحَذَفَ اِخْتِصَار الدَّلَالَة الظَّاهِر عَلَيْهِ وَالطَّيِّبَات هُنَا قَدْ جَمَعَتْ الْحَلَال وَاللَّذِيذ
" كُلُوا " فِيهِ حَذْف تَقْدِيره، وَقُلْنَا كُلُوا فَحَذَفَ اِخْتِصَار الدَّلَالَة الظَّاهِر عَلَيْهِ وَالطَّيِّبَات هُنَا قَدْ جَمَعَتْ الْحَلَال وَاللَّذِيذ
وَمَا ظَلَمُونَا
يُقَدَّر قَبْله فَعَصَوْا وَلَمْ يُقَابِلُوا النِّعَم بِالشُّكْرِ
يُقَدَّر قَبْله فَعَصَوْا وَلَمْ يُقَابِلُوا النِّعَم بِالشُّكْرِ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
لِمُقَابَلَتِهِمْ النِّعَم بِالْمَعَاصِي.
لِمُقَابَلَتِهِمْ النِّعَم بِالْمَعَاصِي.
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا
حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " قُلْنَا " لِسُكُونِهَا وَسُكُون الدَّال بَعْدهَا وَالْأَلِف الَّتِي يُبْتَدَأ بِهَا قَبْل الدَّال أَلِف وَصْل لِأَنَّهُ مِنْ يَدْخُل.
حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " قُلْنَا " لِسُكُونِهَا وَسُكُون الدَّال بَعْدهَا وَالْأَلِف الَّتِي يُبْتَدَأ بِهَا قَبْل الدَّال أَلِف وَصْل لِأَنَّهُ مِنْ يَدْخُل.
هَذِهِ الْقَرْيَةَ
أَيْ الْمَدِينَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقَرَّتْ أَيْ اِجْتَمَعَتْ وَمِنْهُ قَرَيْت الْمَاء فِي الْحَوْض أَيْ جَمَعْته وَاسْم ذَلِكَ الْمَاء قِرًى ( بِكَسْرِ الْقَاف ) مَقْصُور وَكَذَلِكَ مَا قُرِيَ بِهِ الضَّيْف قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ وَالْمِقْرَاة لِلْحَوْضِ وَالْقَرِيّ لِمَسِيلِ الْمَاء وَالْقَرَا لِلظُّهْرِ وَمِنْهُ قَوْله
لَاحِق بَطْن بِقَرًا سَمِين
وَالْمَقَارِي : الْجِفَان الْكِبَار قَالَ
عِظَام الْمَقَارِي ضَيْفهمْ لَا يُفَزَّع
وَوَاحِد الْمَقَارِي مِقْرَاة وَكُلّه بِمَعْنَى الْجَمْع غَيْر مَهْمُوز وَالْقِرْيَة ( بِكَسْرِ الْقَاف ) لُغَة الْيَمَن وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينهَا فَقَالَ الْجُمْهُور : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس وَقِيلَ أَرِيحَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس قَالَ عُمَر بْن شَبَّة كَانَتْ قَاعِدَة وَمَسْكَن مُلُوك اِبْن كَيْسَان الشَّام الضَّحَّاك الرَّمْلَة وَالْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين وَتَدْمُر وَهَذِهِ نِعْمَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ دُخُول الْبَلْدَة وَأَزَالَ عَنْهُمْ التِّيه
أَيْ الْمَدِينَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقَرَّتْ أَيْ اِجْتَمَعَتْ وَمِنْهُ قَرَيْت الْمَاء فِي الْحَوْض أَيْ جَمَعْته وَاسْم ذَلِكَ الْمَاء قِرًى ( بِكَسْرِ الْقَاف ) مَقْصُور وَكَذَلِكَ مَا قُرِيَ بِهِ الضَّيْف قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ وَالْمِقْرَاة لِلْحَوْضِ وَالْقَرِيّ لِمَسِيلِ الْمَاء وَالْقَرَا لِلظُّهْرِ وَمِنْهُ قَوْله
لَاحِق بَطْن بِقَرًا سَمِين
وَالْمَقَارِي : الْجِفَان الْكِبَار قَالَ
عِظَام الْمَقَارِي ضَيْفهمْ لَا يُفَزَّع
وَوَاحِد الْمَقَارِي مِقْرَاة وَكُلّه بِمَعْنَى الْجَمْع غَيْر مَهْمُوز وَالْقِرْيَة ( بِكَسْرِ الْقَاف ) لُغَة الْيَمَن وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينهَا فَقَالَ الْجُمْهُور : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس وَقِيلَ أَرِيحَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس قَالَ عُمَر بْن شَبَّة كَانَتْ قَاعِدَة وَمَسْكَن مُلُوك اِبْن كَيْسَان الشَّام الضَّحَّاك الرَّمْلَة وَالْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين وَتَدْمُر وَهَذِهِ نِعْمَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ دُخُول الْبَلْدَة وَأَزَالَ عَنْهُمْ التِّيه
فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ
إِبَاحَة
إِبَاحَة
رَغَدًا
كَثِيرًا وَاسِعًا وَهُوَ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف أَيْ أَكْلًا رَغَدًا، وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع الْحَال عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَانَتْ أَرْضًا مُبَارَكَة عَظِيمَة الْغَلَّة فَلِذَلِكَ قَالَ " رَغَدًا "
كَثِيرًا وَاسِعًا وَهُوَ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف أَيْ أَكْلًا رَغَدًا، وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع الْحَال عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَانَتْ أَرْضًا مُبَارَكَة عَظِيمَة الْغَلَّة فَلِذَلِكَ قَالَ " رَغَدًا "
وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
الْبَاب يُجْمَع أَبْوَابًا، وَقَدْ قَالُوا أَبْوِبَة لِلِازْدِوَاجِ قَالَ الشَّاعِر
وَلَوْ أَفْرَدَهُ لَمْ يَجُزْ وَمِثْله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْر خَزَايَا وَلَا نَدَامَى ) وَتَبَوَّبْت بَوَّابًا اِتَّخَذْته وَأَبْوَاب مُبَوَّبَة كَمَا قَالُوا أَصْنَاف مُصَنَّفَة وَهَذَا شَيْء مِنْ بَابَتِك أَيْ يَصْلُح لَك، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى السُّجُود فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ وَالْحَمْد لِلَّهِ وَالْبَاب الَّذِي أُمِرُوا بِدُخُولِهِ هُوَ بَاب فِي بَيْت الْمَقْدِس يُعْرَف الْيَوْم بِـ " بَاب حِطَّة " عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره وَقِيلَ : بَاب الْقُبَّة الَّتِي كَانَ يُصَلِّي إِلَيْهَا مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل وَ " سُجَّدًا " قَالَ اِبْن عَبَّاس مُنْحَنِينَ رُكُوعًا وَقِيلَ مُتَوَاضِعِينَ خُضُوعًا لَا عَلَى هَيْئَة مُتَعَيِّنَة.
الْبَاب يُجْمَع أَبْوَابًا، وَقَدْ قَالُوا أَبْوِبَة لِلِازْدِوَاجِ قَالَ الشَّاعِر
| هَتَّاك أَخْبِيَة وَلَّاج أَبْوِبَة | يَخْلِط بِالْبِرِّ مِنْهُ الْجِدّ وَاللِّينَا |
وَقُولُوا
عَطْف عَلَى اُدْخُلُوا
عَطْف عَلَى اُدْخُلُوا
حِطَّةٌ
بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْجُمْهُور عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأٍ أَيْ مَسْأَلَتنَا حِطَّة أَوْ يَكُون حِكَايَة قَالَ الْأَخْفَش وَقُرِئَتْ " حِطَّة " بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَحْطِطْ عَنَّا ذُنُوبنَا حِطَّة قَالَ النَّحَّاس : الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَفِي حَدِيث آخَر عَنْهُ قِيلَ لَهُمْ قُولُوا مَغْفِرَة تَفْسِير لِلنَّصْبِ أَيْ قُولُوا شَيْئًا يَحُطّ ذُنُوبكُمْ كَمَا يُقَال قُلْ خَيْرًا وَالْأَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى الرَّفْع وَهُوَ أَوْلَى فِي اللُّغَة لِمَا حُكِيَ عَنْ الْعَرَب فِي مَعْنَى بَدَل قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى يُقَال بَدَّلْته أَيْ غَيَّرْته وَلَمْ أُزِلْ عَيْنه وَأَبْدَلْته أَزَلْت عَيْنه وَشَخْصه كَمَا قَالَ
عَزْل الْأَمِير لِلْأَمِيرِ الْمُبْدَل
وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ " [ يُونُس : ١٥ ] وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود قَالُوا " حِطَّة " تَفْسِير عَلَى الرَّفْع هَذَا كُلّه قَوْل النَّحَّاس وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة " حِطَّة " بِمَعْنَى حَطَّ ذُنُوبنَا أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لِيَحُطّ بِهَا ذُنُوبهمْ وَقَالَ اِبْن جُبَيْر مَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَار أَبَان بْن تَغْلِب التَّوْبَة قَالَ الشَّاعِر
بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْجُمْهُور عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأٍ أَيْ مَسْأَلَتنَا حِطَّة أَوْ يَكُون حِكَايَة قَالَ الْأَخْفَش وَقُرِئَتْ " حِطَّة " بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَحْطِطْ عَنَّا ذُنُوبنَا حِطَّة قَالَ النَّحَّاس : الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَفِي حَدِيث آخَر عَنْهُ قِيلَ لَهُمْ قُولُوا مَغْفِرَة تَفْسِير لِلنَّصْبِ أَيْ قُولُوا شَيْئًا يَحُطّ ذُنُوبكُمْ كَمَا يُقَال قُلْ خَيْرًا وَالْأَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى الرَّفْع وَهُوَ أَوْلَى فِي اللُّغَة لِمَا حُكِيَ عَنْ الْعَرَب فِي مَعْنَى بَدَل قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى يُقَال بَدَّلْته أَيْ غَيَّرْته وَلَمْ أُزِلْ عَيْنه وَأَبْدَلْته أَزَلْت عَيْنه وَشَخْصه كَمَا قَالَ
عَزْل الْأَمِير لِلْأَمِيرِ الْمُبْدَل
وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْر هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ " [ يُونُس : ١٥ ] وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود قَالُوا " حِطَّة " تَفْسِير عَلَى الرَّفْع هَذَا كُلّه قَوْل النَّحَّاس وَقَالَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة " حِطَّة " بِمَعْنَى حَطَّ ذُنُوبنَا أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه لِيَحُطّ بِهَا ذُنُوبهمْ وَقَالَ اِبْن جُبَيْر مَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَار أَبَان بْن تَغْلِب التَّوْبَة قَالَ الشَّاعِر
| فَازَ بِالْحِطَّةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّـ | ـه بِهَا ذَنْب عَبْده مَغْفُورًا |
| تَعَرَّقَنِي الدَّهْر نَهْسًا وَحَزَّا | وَأَوْجَعَنِي الدَّهْر قَرْعًا وَغَمْزَا |
١ - ٢ ] الْآيَة وَ " الْقَارِعَة مَا الْقَارِعَة " [ الْقَارِعَة :
١ - ٢ ] الْآيَة كَانَ الْقِيَاس لَوْلَا مَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيم وَالتَّفْخِيم الْحَاقَّة مَا هِيَ وَالْقَارِعَة مَا هِيَ وَمِثْله " فَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة " كَرَّرَ " أَصْحَاب الْمَيْمَنَة " تَفْخِيمًا لِمَا يُنِيلهُمْ مِنْ جَزِيل الثَّوَاب وَكَرَّرَ لَفْظ " أَصْحَاب الْمَشْأَمَة " لِمَا يَنَالهُمْ مِنْ أَلِيم الْعَذَاب، وَمِنْ هَذَا الضَّرْب قَوْل الشَّاعِر
| لَيْتَ الْغُرَاب غَدَاة يَنْعَب دَائِبًا | كَانَ الْغُرَاب مُقَطَّع الْأَوْدَاج |
| لَا أَرَى الْمَوْت يَسْبِق الْمَوْت شَيْء | نَغَّصَ الْمَوْت ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا |
| أَلَا حَبَّذَا هِنْد وَأَرْض بِهَا هِنْد | وَهِنْد أَتَى مِنْ دُونهَا النَّأْي وَالْبُعْد |
رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ
قِرَاءَة الْجَمَاعَة " رِجْزًا " بِكَسْرِ الرَّاء وَابْن مُحَيْصِن بِضَمِّ الرَّاء وَالرِّجْز الْعَذَاب ( بِالزَّايِ ) و ( بِالسِّينِ ) النَّتْن وَالْقَذَر وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ " [ التَّوْبَة : ١٢٥ ] أَيْ نَتْنًا إِلَى نَتْنهمْ قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَقَالَ الْفَرَّاء الرِّجْز هُوَ الرِّجْس قَالَ أَبُو عُبَيْد كَمَا يُقَال السُّدْغ وَالزُّدْغ وَكَذَا رِجْس وَرِجْز بِمَعْنًى قَالَ الْفَرَّاء وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ الرُّجْز ( بِالضَّمِّ ) اِسْم صَنَم كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَقُرِئَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَالرُّجْز فَاهْجُرْ " وَالرَّجَز ( بِفَتْحِ الرَّاء وَالْجِيم ) نَوْع مِنْ الشِّعْر وَأَنْكَرَ الْخَلِيل أَنْ يَكُون شِعْرًا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الرَّجَز وَهُوَ دَاء يُصِيب الْإِبِل فِي أَعْجَازهَا فَإِذَا ثَارَتْ اِرْتَعَشَتْ أَفْخَاذهَا.
قِرَاءَة الْجَمَاعَة " رِجْزًا " بِكَسْرِ الرَّاء وَابْن مُحَيْصِن بِضَمِّ الرَّاء وَالرِّجْز الْعَذَاب ( بِالزَّايِ ) و ( بِالسِّينِ ) النَّتْن وَالْقَذَر وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسهمْ " [ التَّوْبَة : ١٢٥ ] أَيْ نَتْنًا إِلَى نَتْنهمْ قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَقَالَ الْفَرَّاء الرِّجْز هُوَ الرِّجْس قَالَ أَبُو عُبَيْد كَمَا يُقَال السُّدْغ وَالزُّدْغ وَكَذَا رِجْس وَرِجْز بِمَعْنًى قَالَ الْفَرَّاء وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ الرُّجْز ( بِالضَّمِّ ) اِسْم صَنَم كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَقُرِئَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَالرُّجْز فَاهْجُرْ " وَالرَّجَز ( بِفَتْحِ الرَّاء وَالْجِيم ) نَوْع مِنْ الشِّعْر وَأَنْكَرَ الْخَلِيل أَنْ يَكُون شِعْرًا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الرَّجَز وَهُوَ دَاء يُصِيب الْإِبِل فِي أَعْجَازهَا فَإِذَا ثَارَتْ اِرْتَعَشَتْ أَفْخَاذهَا.
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
أَيْ بِفِسْقِهِمْ وَالْفِسْق الْخُرُوج وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ اِبْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ " يَفْسُقُونَ " بِكَسْرِ السِّين.
أَيْ بِفِسْقِهِمْ وَالْفِسْق الْخُرُوج وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَرَأَ اِبْن وَثَّاب وَالنَّخَعِيّ " يَفْسُقُونَ " بِكَسْرِ السِّين.
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ
كُسِرَتْ الذَّال لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالسِّين سِين السُّؤَال مِثْل اِسْتَعْلَمَ وَاسْتَخْبَرَ وَاسْتَنْصَرَ وَنَحْو ذَلِكَ أَيْ طَلَبَ وَسَأَلَ السَّقْي لِقَوْمِهِ وَالْعَرَب تَقُول سَقَيْته وَأَسْقَيْته لُغَتَانِ بِمَعْنًى، قَالَ :
وَقِيلَ : سَقَيْته مِنْ سَقْي الشَّفَة وَأَسْقَيْته دَلَلْته عَلَى الْمَاء الِاسْتِسْقَاء إِنَّمَا يَكُون عِنْد عُدْم الْمَاء وَحَبْس الْقَطْر، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحُكْم حِينَئِذٍ إِظْهَار الْعُبُودِيَّة وَالْفَقْر وَالْمَسْكَنَة وَالذِّلَّة مَعَ التَّوْبَة النَّصُوح، وَقَدْ اِسْتَسْقَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى مُتَوَاضِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا وَحَسْبك بِهِ فَكَيْف بِنَا وَلَا تَوْبَة مَعَنَا إِلَّا الْعِنَاد وَمُخَالَفَة رَبّ الْعِبَاد فَأَنَّى نُسْقَى لَكِنْ قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر ( وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاة أَمْوَالهمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْر مِنْ السَّمَاء وَلَوْلَا الْبَهَائِم لَمْ يُمْطَرُوا ) الْحَدِيث وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ إِنْ شَاءَ اللَّه.
سُنَّة الِاسْتِسْقَاء الْخُرُوج إِلَى الْمُصَلَّى عَلَى الصِّفَة الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْخُطْبَة وَالصَّلَاة وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّته صَلَاة وَلَا خُرُوج وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَا غَيْر وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَس الصَّحِيح أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَلَا حُجَّة لَهُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ دُعَاء عُجِّلَتْ إِجَابَته فَاكْتُفِيَ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَلَمْ يَقْصِد بِذَلِكَ بَيَان سُنَّة وَلَمَّا قَصَدَ الْبَيَان بَيَّنَ بِفِعْلِهِ حَسَب مَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْمَازِنِيّ قَالَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِم وَسَيَأْتِي مِنْ أَحْكَام الِاسْتِسْقَاء زِيَادَة فِي سُورَة " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه.
كُسِرَتْ الذَّال لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالسِّين سِين السُّؤَال مِثْل اِسْتَعْلَمَ وَاسْتَخْبَرَ وَاسْتَنْصَرَ وَنَحْو ذَلِكَ أَيْ طَلَبَ وَسَأَلَ السَّقْي لِقَوْمِهِ وَالْعَرَب تَقُول سَقَيْته وَأَسْقَيْته لُغَتَانِ بِمَعْنًى، قَالَ :
| سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْد وَأَسْقَى | نُمَيْرًا وَالْقَبَائِل مِنْ هِلَال |
سُنَّة الِاسْتِسْقَاء الْخُرُوج إِلَى الْمُصَلَّى عَلَى الصِّفَة الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْخُطْبَة وَالصَّلَاة وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّته صَلَاة وَلَا خُرُوج وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَا غَيْر وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَس الصَّحِيح أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَلَا حُجَّة لَهُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ دُعَاء عُجِّلَتْ إِجَابَته فَاكْتُفِيَ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَلَمْ يَقْصِد بِذَلِكَ بَيَان سُنَّة وَلَمَّا قَصَدَ الْبَيَان بَيَّنَ بِفِعْلِهِ حَسَب مَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْمَازِنِيّ قَالَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِم وَسَيَأْتِي مِنْ أَحْكَام الِاسْتِسْقَاء زِيَادَة فِي سُورَة " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه.
فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ
الْعَصَا مَعْرُوف وَهُوَ اِسْم مَقْصُور مُؤَنَّث وَأَلِفه مُنْقَلِبَة عَنْ وَاو، قَالَ :
عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِرِيّ مُشَبْرَق
وَالْجَمْع عُصِيّ وَعِصِيّ وَهُوَ فُعُول وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْعَيْن لِمَا بَعْدهَا مِنْ الْكَسْرَة وَأَعْصٍ أَيْضًا مِثْله مِثْل زَمَن وَأَزْمُن وَفِي الْمَثَل " الْعَصَا مِنْ الْعُصَيَّة " أَيْ بَعْض الْأَمْر مِنْ بَعْض وَقَوْلهمْ " أَلْقَى عَصَاهُ " أَيْ أَقَامَ وَتَرَكَ الْأَسْفَار وَهُوَ مَثَل قَالَ
وَفِي التَّنْزِيل " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأ عَلَيْهَا " [ طَه :
١٧ - ١٨ ] وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَام فِي مَنَافِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى قَالَ الْفَرَّاء أَوَّل لَحْن سُمِعَ بِالْعِرَاقِ هَذِهِ عَصَاتِي، وَقَدْ يُعَبَّر بِالْعَصَا عَنْ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق وَمِنْهُ يُقَال فِي الْخَوَارِج قَدْ شَقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ أَيْ اِجْتِمَاعهمْ وَائْتِلَافهمْ وَانْشَقَّتْ الْعَصَا أَيْ وَقَعَ الْخِلَاف قَالَ الشَّاعِر
أَيْ يَكْفِيك وَيَكْفِي الضَّحَّاك وَقَوْلهمْ لَا تَرْفَع عَصَاك عَنْ أَهْلك يُرَاد بِهِ الْأَدَب وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْحَجَر مَعْرُوف وَقِيَاس جَمْعه فِي أَدْنَى الْعَدَد أَحْجَار، وَفِي الْكَثِير حِجَار وَحِجَارَة وَالْحِجَارَة نَادِر، وَهُوَ كَقَوْلِنَا جَمَل وَجِمَالَة وَذَكَر وَذِكَارَة كَذَا قَالَ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ قُلْت وَفِي الْقُرْآن " فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ] " وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ] " قُلْ كُونُوا حِجَارَة " [ الْإِسْرَاء : ٥٠ ] " تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ " [ الْفِيل : ٤ ] " وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة " [ الْحِجْر : ٧٤ ] فَكَيْف يَكُون نَادِرًا إِلَّا أَنْ يُرِيدَا أَنَّهُ نَادِر فِي الْقِيَاس كَثِير فِي الِاسْتِعْمَال فَيَصِحّ وَاَللَّه أَعْلَم
الْعَصَا مَعْرُوف وَهُوَ اِسْم مَقْصُور مُؤَنَّث وَأَلِفه مُنْقَلِبَة عَنْ وَاو، قَالَ :
عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِرِيّ مُشَبْرَق
وَالْجَمْع عُصِيّ وَعِصِيّ وَهُوَ فُعُول وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْعَيْن لِمَا بَعْدهَا مِنْ الْكَسْرَة وَأَعْصٍ أَيْضًا مِثْله مِثْل زَمَن وَأَزْمُن وَفِي الْمَثَل " الْعَصَا مِنْ الْعُصَيَّة " أَيْ بَعْض الْأَمْر مِنْ بَعْض وَقَوْلهمْ " أَلْقَى عَصَاهُ " أَيْ أَقَامَ وَتَرَكَ الْأَسْفَار وَهُوَ مَثَل قَالَ
| فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى | كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِر |
١٧ - ١٨ ] وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَام فِي مَنَافِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى قَالَ الْفَرَّاء أَوَّل لَحْن سُمِعَ بِالْعِرَاقِ هَذِهِ عَصَاتِي، وَقَدْ يُعَبَّر بِالْعَصَا عَنْ الِاجْتِمَاع وَالِافْتِرَاق وَمِنْهُ يُقَال فِي الْخَوَارِج قَدْ شَقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ أَيْ اِجْتِمَاعهمْ وَائْتِلَافهمْ وَانْشَقَّتْ الْعَصَا أَيْ وَقَعَ الْخِلَاف قَالَ الشَّاعِر
| إِذَا كَانَتْ الْهَيْجَاء وَانْشَقَّتْ الْعَصَا | فَحَسْبك وَالضَّحَّاك سَيْف مُهَنَّد |
وَالْحَجَر مَعْرُوف وَقِيَاس جَمْعه فِي أَدْنَى الْعَدَد أَحْجَار، وَفِي الْكَثِير حِجَار وَحِجَارَة وَالْحِجَارَة نَادِر، وَهُوَ كَقَوْلِنَا جَمَل وَجِمَالَة وَذَكَر وَذِكَارَة كَذَا قَالَ اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيّ قُلْت وَفِي الْقُرْآن " فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ] " وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة " [ الْبَقَرَة : ٧٤ ] " قُلْ كُونُوا حِجَارَة " [ الْإِسْرَاء : ٥٠ ] " تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ " [ الْفِيل : ٤ ] " وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَة " [ الْحِجْر : ٧٤ ] فَكَيْف يَكُون نَادِرًا إِلَّا أَنْ يُرِيدَا أَنَّهُ نَادِر فِي الْقِيَاس كَثِير فِي الِاسْتِعْمَال فَيَصِحّ وَاَللَّه أَعْلَم
فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ وَقَدْ كَانَ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى تَفْجِير الْمَاء وَفَلْق الْحَجَر مِنْ غَيْر ضَرْب لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْبِط الْمُسَبِّبَات بِالْأَسْبَابِ حِكْمَة مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِي وُصُولهمْ إِلَى الْمُرَاد وَلِيُرَتِّب عَلَى ذَلِكَ ثَوَابهمْ وَعِقَابهمْ فِي الْمَعَاد وَالِانْفِجَار الِانْشِقَاق، وَمِنْهُ اِنْشَقَّ الْفَجْر وَانْفَجَرَ الْمَاء اِنْفِجَارًا اِنْفَتَحَ وَالْفُجْرَة مَوْضِع تَفَجُّر الْمَاء وَالِانْبِجَاس أَضْيَق مِنْ الِانْفِجَار ; لِأَنَّهُ يَكُون اِنْبِجَاسًا ثُمَّ يَصِير اِنْفِجَارًا وَقِيلَ اِنْبَجَسَ وَتَبَجَّسَ وَتَفَجَّرَ وَتَفَتَّقَ بِمَعْنًى وَاحِد حَكَاهُ الْهَرَوِيّ وَغَيْره.
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ وَقَدْ كَانَ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى تَفْجِير الْمَاء وَفَلْق الْحَجَر مِنْ غَيْر ضَرْب لَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْبِط الْمُسَبِّبَات بِالْأَسْبَابِ حِكْمَة مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِي وُصُولهمْ إِلَى الْمُرَاد وَلِيُرَتِّب عَلَى ذَلِكَ ثَوَابهمْ وَعِقَابهمْ فِي الْمَعَاد وَالِانْفِجَار الِانْشِقَاق، وَمِنْهُ اِنْشَقَّ الْفَجْر وَانْفَجَرَ الْمَاء اِنْفِجَارًا اِنْفَتَحَ وَالْفُجْرَة مَوْضِع تَفَجُّر الْمَاء وَالِانْبِجَاس أَضْيَق مِنْ الِانْفِجَار ; لِأَنَّهُ يَكُون اِنْبِجَاسًا ثُمَّ يَصِير اِنْفِجَارًا وَقِيلَ اِنْبَجَسَ وَتَبَجَّسَ وَتَفَجَّرَ وَتَفَتَّقَ بِمَعْنًى وَاحِد حَكَاهُ الْهَرَوِيّ وَغَيْره.
اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا
" اِثْنَتَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِـ " اِنْفَجَرَتْ " وَعَلَامَة الرَّفْع فِيهَا الْأَلِف وَأُعْرِبَتْ دُون نَظَائِرهَا لِأَنَّ التَّثْنِيَة مُعْرَبَة أَبَدًا لِصِحَّةِ مَعْنَاهَا " عَيْنًا " نَصْب عَلَى الْبَيَان وَقَرَأَ مُجَاهِد وَطَلْحَة وَعِيسَى " عَشِرَة " بِكَسْرِ الشِّين، وَهِيَ لُغَة بَنِي تَمِيم وَهَذَا مِنْ لُغَتهمْ نَادِر لِأَنَّ سَبِيلهمْ التَّخْفِيف وَلُغَة أَهْل الْحِجَاز " عَشْرَة " وَسَبِيلهمْ التَّثْقِيل قَالَ جَمِيعه النَّحَّاس وَالْعَيْن مِنْ الْأَسْمَاء الْمُشْتَرَكَة يُقَال عَيْن الْمَاء وَعَيْن الْإِنْسَان وَعَيْن الرُّكْبَة وَعَيْن الشَّمْس وَالْعَيْن سَحَابَة تُقْبِل مِنْ نَاحِيَة الْقِبْلَة وَالْعَيْن مَطَر يَدُوم خَمْسًا أَوْ سِتًّا لَا يُقْلِع وَبَلَد قَلِيل الْعَيْن أَيْ قَلِيل النَّاس وَمَا بِهَا عَيْن مُحَرَّكَة الْيَاء وَالْعَيْن الثَّقْب فِي الْمَزَادَة وَالْعَيْن مِنْ الْمَاء مُشَبَّهَة بِالْعَيْنِ مِنْ الْحَيَوَان لِخُرُوجِ الْمَاء مِنْهَا كَخُرُوجِ الدَّمْع مِنْ عَيْن الْحَيَوَان وَقِيلَ لَمَّا كَانَ عَيْن الْحَيَوَان أَشْرَف مَا فِيهِ شُبِّهَتْ بِهِ عَيْن الْمَاء لِأَنَّهَا أَشْرَف مَا فِي الْأَرْض لَمَّا اِسْتَسْقَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ أُمِرَ أَنْ يَضْرِب عِنْد اِسْتِسْقَائِهِ بِعَصَاهُ حَجَرًا قِيلَ مُرَبَّعًا طُورِيًّا ( مِنْ الطُّور ) عَلَى قَدْر رَأْس الشَّاة يُلْقَى فِي كَسْر جُوَالِق وَيُرْحَل بِهِ فَإِذَا نَزَلُوا وُضِعَ فِي وَسَط مَحَلَّتهمْ وَذُكِرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْمِلُونَ الْحَجَر لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَهُ فِي كُلّ مَرْحَلَة فِي مَنْزِلَته مِنْ الْمَرْحَلَة الْأُولَى، وَهَذَا أَعْظَم فِي الْآيَة وَالْإِعْجَاز، وَقِيلَ : إِنَّهُ أَطْلَقَ لَهُ اِسْم الْحَجَر لِيَضْرِب مُوسَى أَيّ حَجَر شَاءَ، وَهَذَا أَبْلَغ فِي الْإِعْجَاز وَقِيلَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِب حَجَرًا بِعَيْنِهِ بَيَّنَهُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ التَّعْرِيف قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر هُوَ الْحَجَر الَّذِي وَضَعَ عَلَيْهِ مُوسَى ثَوْبه لَمَّا اِغْتَسَلَ وَفَرَّ بِثَوْبِهِ حَتَّى بَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا رَمَاهُ بِهِ قَوْمه قَالَ اِبْن عَطِيَّة وَلَا خِلَاف أَنَّهُ كَانَ حَجَرًا مُنْفَصِلًا مُرَبَّعًا تَطَّرِد مِنْ كُلّ جِهَة ثَلَاث عُيُون إِذَا ضَرَبَهُ مُوسَى وَإِذَا اِسْتَغْنَوْا عَنْ الْمَاء وَرَحَلُوا جَفَّتْ الْعُيُون قُلْت : مَا أُوتِيَ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَبْع الْمَاء وَانْفِجَاره مِنْ يَده وَبَيْن أَصَابِعه أَعْظَم فِي الْمُعْجِزَة فَإِنَّا نُشَاهِد الْمَاء يَتَفَجَّر مِنْ الْأَحْجَار آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار وَمُعْجِزَة نَبِيّنَا عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ تَكُنْ لِنَبِيٍّ قَبْل نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُج الْمَاء مِنْ بَيْن لَحْم وَدَم رَوَى الْأَئِمَّة الثِّقَات وَالْفُقَهَاء الْأَثْبَات عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَجِد مَاء فَأُتِيَ بِتَوْرٍ فَأَدْخَلَ يَده فِيهِ فَلَقَدْ رَأَيْت الْمَاء يَتَفَجَّر مِنْ بَيْن أَصَابِعه وَيَقُول ( حَيّ عَلَى الطَّهُور ) قَالَ الْأَعْمَش فَحَدَّثَنِي سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد قَالَ قُلْت لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ ؟ قَالَ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةٍ لَفْظ النَّسَائِيّ
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ
يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنًا قَدْ عَرَفَهَا لَا يَشْرَب مِنْ غَيْرهَا وَالْمَشْرَب مَوْضِع الشُّرْب وَقِيلَ الْمَشْرُوب وَالْأَسْبَاط فِي بَنِي إِسْرَائِيل كَالْقَبَائِلِ فِي الْعَرَب وَهُمْ ذُرِّيَّة الِاثْنَيْ عَشَر أَوْلَاد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ لِكُلِّ سِبْط عَيْن مِنْ تِلْكَ الْعُيُون لَا يَتَعَدَّاهَا قَالَ عَطَاء كَانَ لِلْحَجَرِ أَرْبَعَة أَوْجُه يَخْرُج مِنْ كُلّ وَجْه ثَلَاث أَعْيُن لِكُلِّ سِبْط عَيْن لَا يُخَالِطهُمْ سِوَاهُمْ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي كُلّ سِبْط خَمْسُونَ أَلْف مُقَاتِل سِوَى خَيْلهمْ وَدَوَابّهمْ قَالَ عَطَاء كَانَ يَظْهَر عَلَى كُلّ مَوْضِع مِنْ ضَرْبَة مُوسَى مِثْل ثَدْي الْمَرْأَة عَلَى الْحَجَر فَيَعْرَق أَوَّلًا ثُمَّ يَسِيل
يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنًا قَدْ عَرَفَهَا لَا يَشْرَب مِنْ غَيْرهَا وَالْمَشْرَب مَوْضِع الشُّرْب وَقِيلَ الْمَشْرُوب وَالْأَسْبَاط فِي بَنِي إِسْرَائِيل كَالْقَبَائِلِ فِي الْعَرَب وَهُمْ ذُرِّيَّة الِاثْنَيْ عَشَر أَوْلَاد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ لِكُلِّ سِبْط عَيْن مِنْ تِلْكَ الْعُيُون لَا يَتَعَدَّاهَا قَالَ عَطَاء كَانَ لِلْحَجَرِ أَرْبَعَة أَوْجُه يَخْرُج مِنْ كُلّ وَجْه ثَلَاث أَعْيُن لِكُلِّ سِبْط عَيْن لَا يُخَالِطهُمْ سِوَاهُمْ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي كُلّ سِبْط خَمْسُونَ أَلْف مُقَاتِل سِوَى خَيْلهمْ وَدَوَابّهمْ قَالَ عَطَاء كَانَ يَظْهَر عَلَى كُلّ مَوْضِع مِنْ ضَرْبَة مُوسَى مِثْل ثَدْي الْمَرْأَة عَلَى الْحَجَر فَيَعْرَق أَوَّلًا ثُمَّ يَسِيل
كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره، وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا الْمَاء الْمُتَفَجِّر مِنْ الْحَجَر الْمُنْفَصِل.
فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره، وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا الْمَاء الْمُتَفَجِّر مِنْ الْحَجَر الْمُنْفَصِل.
وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
أَيْ لَا تُفْسِدُوا وَالْعَيْث شِدَّة الْفَسَاد نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ يُقَال عَثِيَ يَعْثَى عُثِيًّا وَعَثَا يَعْثُو عُثُوًّا وَعَاثَ يَعِيث عَيْثًا وَعُيُوثًا وَمَعَاثًا وَالْأَوَّل لُغَة الْقُرْآن وَيُقَال عَثَّ يَعُثّ فِي الْمُضَاعَف أَفْسَدَ وَمِنْهُ الْعُثَّة وَهِيَ السُّوسَة الَّتِي تَلْحَس الصُّوف
أَيْ لَا تُفْسِدُوا وَالْعَيْث شِدَّة الْفَسَاد نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ يُقَال عَثِيَ يَعْثَى عُثِيًّا وَعَثَا يَعْثُو عُثُوًّا وَعَاثَ يَعِيث عَيْثًا وَعُيُوثًا وَمَعَاثًا وَالْأَوَّل لُغَة الْقُرْآن وَيُقَال عَثَّ يَعُثّ فِي الْمُضَاعَف أَفْسَدَ وَمِنْهُ الْعُثَّة وَهِيَ السُّوسَة الَّتِي تَلْحَس الصُّوف
مُفْسِدِينَ
حَال وَتَكَرَّرَ الْمَعْنَى تَأْكِيدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ، وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَات إِبَاحَة النِّعَم وَتَعْدَادهَا وَالتَّقَدُّم فِي الْمَعَاصِي وَالنَّهْي عَنْهَا.
حَال وَتَكَرَّرَ الْمَعْنَى تَأْكِيدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ، وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَات إِبَاحَة النِّعَم وَتَعْدَادهَا وَالتَّقَدُّم فِي الْمَعَاصِي وَالنَّهْي عَنْهَا.
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ
كَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْهُمْ فِي التِّيه حِين مَلُّوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَتَذَكَّرُوا عَيْشهمْ الْأَوَّل بِمِصْر قَالَ الْحَسَن كَانُوا نَتَانَى أَهْل كُرَّاث وَأَبْصَال وَأَعْدَاس فَنَزَعُوا إِلَى عِكْرهمْ عِكْر السُّوء وَاشْتَاقَتْ طِبَاعهمْ إِلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتهمْ فَقَالُوا لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد وَكَنَّوْا عَنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى بِطَعَامٍ وَاحِد وَهُمَا اِثْنَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدهمَا بِالْآخَرِ فَلِذَلِكَ قَالُوا طَعَام وَاحِد وَقِيلَ لِتَكْرَارِهِمَا فِي كُلّ يَوْم غِذَاء كَمَا تَقُول لِمَنْ يُدَاوِم عَلَى الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْقِرَاءَة هُوَ عَلَى أَمْر وَاحِد لِمُلَازَمَتِهِ لِذَلِكَ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَنْ نَصْبِر عَلَى الْغِنَى فَيَكُون جَمِيعنَا أَغْنِيَاء فَلَا يَقْدِر بَعْضنَا عَلَى الِاسْتِعَانَة بِبَعْضٍ لِاسْتِغْنَاءِ كُلّ وَاحِد مِنَّا بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ كَانُوا فَهُمْ أَوَّل مَنْ اِتَّخَذَ الْعَبِيد وَالْخَدَم
كَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْهُمْ فِي التِّيه حِين مَلُّوا الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَتَذَكَّرُوا عَيْشهمْ الْأَوَّل بِمِصْر قَالَ الْحَسَن كَانُوا نَتَانَى أَهْل كُرَّاث وَأَبْصَال وَأَعْدَاس فَنَزَعُوا إِلَى عِكْرهمْ عِكْر السُّوء وَاشْتَاقَتْ طِبَاعهمْ إِلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتهمْ فَقَالُوا لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد وَكَنَّوْا عَنْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى بِطَعَامٍ وَاحِد وَهُمَا اِثْنَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدهمَا بِالْآخَرِ فَلِذَلِكَ قَالُوا طَعَام وَاحِد وَقِيلَ لِتَكْرَارِهِمَا فِي كُلّ يَوْم غِذَاء كَمَا تَقُول لِمَنْ يُدَاوِم عَلَى الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْقِرَاءَة هُوَ عَلَى أَمْر وَاحِد لِمُلَازَمَتِهِ لِذَلِكَ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَنْ نَصْبِر عَلَى الْغِنَى فَيَكُون جَمِيعنَا أَغْنِيَاء فَلَا يَقْدِر بَعْضنَا عَلَى الِاسْتِعَانَة بِبَعْضٍ لِاسْتِغْنَاءِ كُلّ وَاحِد مِنَّا بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ كَانُوا فَهُمْ أَوَّل مَنْ اِتَّخَذَ الْعَبِيد وَالْخَدَم
نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ
الطَّعَام يُطْلَق عَلَى مَا يُطْعَم وَيُشْرَب قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " وَقَالَ " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا " [ الْمَائِدَة : ٩٣ ] أَيْ مَا شَرِبُوهُ مِنْ الْخَمْر عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه وَإِنْ كَانَ السَّلْوَى الْعَسَل كَمَا حَكَى الْمُؤَرِّج فَهُوَ مَشْرُوب أَيْضًا وَرُبَّمَا خُصَّ بِالطَّعَامِ الْبُرّ وَالتَّمْر كَمَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ كُنَّا نُخْرِج صَدَقَة الْفِطْر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَام أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير الْحَدِيث وَالْعُرْف جَارٍ بِأَنَّ الْقَائِل ذَهَبْت إِلَى سُوق الطَّعَام فَلَيْسَ يُفْهَم مِنْهُ إِلَّا مَوْضِع بَيْعه دُون غَيْره مِمَّا يُؤْكَل أَوْ يُشْرَب وَالطَّعْم ( بِالْفَتْحِ ) هُوَ مَا يُؤَدِّيه الذَّوْق يُقَال طَعْمه مُرّ وَالطَّعْم أَيْضًا مَا يُشْتَهَى مِنْهُ يُقَال لَيْسَ لَهُ طَعْم وَمَا فُلَان بِذِي طَعْم إِذَا كَانَ غَثًّا وَالطُّعْم ( بِالضَّمِّ ) الطَّعَام قَالَ أَبُو خِرَاش
أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الطَّعَام وَبِالثَّانِي مَا يُشْتَهَى مِنْهُ وَقَدْ طَعِمَ يَطْعَم فَهُوَ طَاعِم إِذَا أَكَلَ وَذَاقَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " [ الْبَقَرَة : ٢٤٩ ] أَيْ مَنْ لَمْ يَذُقْهُ وَقَالَ " فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا " [ الْأَحْزَاب : ٥٣ ] أَيْ أَكَلْتُمْ وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمْزَم ( إِنَّهَا طَعَام طُعْم وَشِفَاء سُقْم ) وَاسْتَطْعَمَنِي فُلَان الْحَدِيث إِذَا أَرَادَ أَنْ تُحَدِّثهُ وَفِي الْحَدِيث ( إِذَا اِسْتَطْعَمَكُمْ الْإِمَام فَأَطْعِمُوهُ ) يَقُول إِذَا اِسْتَفْتَحَ فَافْتَحُوا عَلَيْهِ وَفُلَان مَا يَطْعَم النَّوْم إِلَّا قَائِمًا وَقَالَ الشَّاعِر
الطَّعَام يُطْلَق عَلَى مَا يُطْعَم وَيُشْرَب قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " وَقَالَ " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا " [ الْمَائِدَة : ٩٣ ] أَيْ مَا شَرِبُوهُ مِنْ الْخَمْر عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه وَإِنْ كَانَ السَّلْوَى الْعَسَل كَمَا حَكَى الْمُؤَرِّج فَهُوَ مَشْرُوب أَيْضًا وَرُبَّمَا خُصَّ بِالطَّعَامِ الْبُرّ وَالتَّمْر كَمَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ كُنَّا نُخْرِج صَدَقَة الْفِطْر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَام أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير الْحَدِيث وَالْعُرْف جَارٍ بِأَنَّ الْقَائِل ذَهَبْت إِلَى سُوق الطَّعَام فَلَيْسَ يُفْهَم مِنْهُ إِلَّا مَوْضِع بَيْعه دُون غَيْره مِمَّا يُؤْكَل أَوْ يُشْرَب وَالطَّعْم ( بِالْفَتْحِ ) هُوَ مَا يُؤَدِّيه الذَّوْق يُقَال طَعْمه مُرّ وَالطَّعْم أَيْضًا مَا يُشْتَهَى مِنْهُ يُقَال لَيْسَ لَهُ طَعْم وَمَا فُلَان بِذِي طَعْم إِذَا كَانَ غَثًّا وَالطُّعْم ( بِالضَّمِّ ) الطَّعَام قَالَ أَبُو خِرَاش
| أَرُدّ شُجَاع الْبَطْن لَوْ تَعْلَمِينَهُ | وَأُوثِر غَيْرِي مِنْ عِيَالك بِالطُّعْمِ |
| وَأَغْتَبِق الْمَاء الْقَرَاح فَانْتَهَى | إِذَا الزَّاد أَمْسَى لِلْمُزَلَّجِ ذَا طَعْم |
| نَعَامًا بِوَجْرَة صُفْر الْخُدُو | د مَا تَطْعَم النَّوْم إِلَّا صِيَامًا |
| تَفُور عَلَيْنَا قِدْرهمْ فَنُدِيمهَا | وَنَفْثَؤُهَا عَنَّا إِذَا حَمْيهَا غَلَا |
وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَتْ أُمِّي تُعَالِجنِي لِلسِّمْنَة تُرِيد أَنْ تُدْخِلنِي عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا اِسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْت الْقِثَّاء بِالرُّطَبِ فَسَمِنْتُ كَأَحْسَن سِمْنَة وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح
وَقِثَّائِهَا
اُخْتُلِفَ فِي الْفُوم فَقِيلَ هُوَ الثُّوم لِأَنَّهُ الْمُشَاكِل لِلْبَصَلِ رَوَاهُ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك وَالثَّاء تُبْدَل مِنْ الْفَاء كَمَا قَالُوا مَغَافِير وَمَغَاثِير وَجَدَث وَجَدَف لِلْقَبْرِ وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " ثُومهَا " بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت
الْفَرَادِيس وَاحِدهَا فَرْدِيس وَكَرْم مُفَرْدَس أَيْ مُعَرَّش وَقَالَ حَسَّان
يَعْنِي الثُّوم وَالْبَصَل وَهُوَ قَوْل الْكِسَائِيّ وَالنَّضْر بْن شُمَيْل وَقِيلَ الْفُوم الْحِنْطَة رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ بِهِ أَعْلَى وَأَسَانِيده صِحَاح، وَلَيْسَ جُوَيْبِر بِنَظِيرٍ لِرِوَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء قَدْ اِخْتَارَا الْقَوْل الْأَوَّل لِإِبْدَالِ الْعَرَب الْفَاء مِنْ الثَّاء، وَالْإِبْدَال لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ فِي كَلَام الْعَرَب وَأَنْشَدَ اِبْن عَبَّاس لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ الْفُوم وَأَنَّهُ الْحِنْطَة قَوْل أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج وَكَيْف يَطْلُب الْقَوْم طَعَامًا لَا بِرّ فِيهِ وَالْبِرّ أَصْل الْغِذَاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ أَبُو نَصْر : الْفُوم الْحِنْطَة وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش
وَقَالَ اِبْن دُرَيْد الْفُومَة السُّنْبُلَة وَأَنْشَدَ
وَالْهَاء فِي " كَفّه " غَيْر مُشْبَعَة وَقَالَ بَعْضهمْ الْفُوم الْحِمَّص لُغَة شَامِيَّة وَبَائِعه فَامِيّ مُغَيَّر عَنْ فُومِيّ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُغَيِّرُونَ فِي النَّسَب، كَمَا قَالُوا سُهْلِيّ وَدُهْرِيّ.
وَيُقَال : فَوِّمُوا لَنَا أَيْ اِخْتَبِزُوا.
قَالَ الْفَرَّاء : هِيَ لُغَة قَدِيمَة.
وَقَالَ عَطَاء وَقَتَادَة : الْفُوم كُلّ حَبّ يُخْتَبَز مَسْأَلَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَكْل الْبَصَل وَالثُّوم وَمَا لَهُ رَائِحَة كَرِيهَة مِنْ سَائِر الْبُقُول فَذَهَبَ جُمْهُور الْعُلَمَاء إِلَى إِبَاحَة ذَلِكَ، لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَة فِي ذَلِكَ وَذَهَبَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الظَّاهِر الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَرْضًا إِلَى الْمَنْع، وَقَالُوا : كُلّ مَا مَنَعَ مِنْ إِتْيَان الْفَرْض وَالْقِيَام بِهِ فَحَرَام عَمَله وَالتَّشَاغُل بِهِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا خَبِيثَة، وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَصَفَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام بِأَنَّهُ يُحَرِّم الْخَبَائِث.
اُخْتُلِفَ فِي الْفُوم فَقِيلَ هُوَ الثُّوم لِأَنَّهُ الْمُشَاكِل لِلْبَصَلِ رَوَاهُ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك وَالثَّاء تُبْدَل مِنْ الْفَاء كَمَا قَالُوا مَغَافِير وَمَغَاثِير وَجَدَث وَجَدَف لِلْقَبْرِ وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " ثُومهَا " بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت
| كَانَتْ مَنَازِلهمْ إِذْ ذَاكَ ظَاهِرَة | فِيهَا الْفَرَادِيس وَالْفُومَان وَالْبَصَل |
| وَأَنْتُمْ أُنَاس لِئَام الْأُصُول | طَعَامكُمْ الْفُوم وَالْحَوْقَل |
| قَدْ كُنْت أَغْنَى النَّاس شَخْصًا وَاجِدَا | وَرَدَ الْمَدِينَة عَنْ زِرَاعَة فُوم |
| قَدْ كُنْت أَحْسَبنِي كَأَغْنَى وَاجِد | نَزَلَ الْمَدِينَة عَنْ زِرَاعَة فُوم |
| وَقَالَ رَبِيئُهُمْ لَمَّا أَتَانَا | بِكَفِّهِ فُومَة أَوْ فُومَتَانِ |
وَيُقَال : فَوِّمُوا لَنَا أَيْ اِخْتَبِزُوا.
قَالَ الْفَرَّاء : هِيَ لُغَة قَدِيمَة.
وَقَالَ عَطَاء وَقَتَادَة : الْفُوم كُلّ حَبّ يُخْتَبَز مَسْأَلَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَكْل الْبَصَل وَالثُّوم وَمَا لَهُ رَائِحَة كَرِيهَة مِنْ سَائِر الْبُقُول فَذَهَبَ جُمْهُور الْعُلَمَاء إِلَى إِبَاحَة ذَلِكَ، لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَة فِي ذَلِكَ وَذَهَبَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الظَّاهِر الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَرْضًا إِلَى الْمَنْع، وَقَالُوا : كُلّ مَا مَنَعَ مِنْ إِتْيَان الْفَرْض وَالْقِيَام بِهِ فَحَرَام عَمَله وَالتَّشَاغُل بِهِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا خَبِيثَة، وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَصَفَ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام بِأَنَّهُ يُحَرِّم الْخَبَائِث.
وَمِنْ الْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ مَا ثَبَتَ عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِبَدْرٍ فِيهِ خَضِرَات مِنْ بُقُول فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، قَالَ : فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُول، فَقَالَ ( قَرِّبُوهَا ) إِلَى بَعْض أَصْحَابه كَانَ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلهَا، قَالَ :( كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُد.
فَهَذَا بَيِّن فِي الْخُصُوص لَهُ وَالْإِبَاحَة لِغَيْرِهِ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي أَيُّوب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوب، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فِيهِ ثُوم، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِع أَصَابِع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ : لَمْ يَأْكُل فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَحَرَام هُوَ ؟ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا وَلَكِنِّي أَكْرَههُ ).
قَالَ فَإِنِّي أَكْرَه مَا تَكْرَه أَوْ مَا كَرِهْت، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى ( يَعْنِي يَأْتِيه الْوَحْي ) فَهَذَا نَصّ عَلَى عَدَم التَّحْرِيم.
وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَكَلُوا الثُّوم زَمَن خَيْبَر وَفَتْحهَا :( أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه وَلَكِنَّهَا شَجَرَة أَكْرَهُ رِيحهَا ) فَهَذِهِ الْأَحَادِيث تُشْعِر بِأَنَّ الْحُكْم خَاصّ بِهِ، إِذْ هُوَ الْمَخْصُوص بِمُنَاجَاةِ الْمَلَك.
لَكِنْ قَدْ عَلِمْنَا هَذَا الْحُكْم فِي حَدِيث جَابِر بِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَيْنه وَبَيْن غَيْره فِي هَذَا الْحُكْم حَيْثُ قَالَ :( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَة الثُّوم وَقَالَ مَرَّة مَنْ أَكَلَ الْبَصَل وَالثُّوم وَالْكُرَّاث فَلَا يَقْرَبَن مَسْجِدنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَم ) وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَدِيث فِيهِ طُول إِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَل وَالثُّوم.
وَلَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحهمَا مِنْ الرَّجُل فِي الْمَسْجِد أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيع، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُد.
فَهَذَا بَيِّن فِي الْخُصُوص لَهُ وَالْإِبَاحَة لِغَيْرِهِ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي أَيُّوب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوب، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فِيهِ ثُوم، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِع أَصَابِع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ : لَمْ يَأْكُل فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَحَرَام هُوَ ؟ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا وَلَكِنِّي أَكْرَههُ ).
قَالَ فَإِنِّي أَكْرَه مَا تَكْرَه أَوْ مَا كَرِهْت، قَالَ : وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى ( يَعْنِي يَأْتِيه الْوَحْي ) فَهَذَا نَصّ عَلَى عَدَم التَّحْرِيم.
وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَكَلُوا الثُّوم زَمَن خَيْبَر وَفَتْحهَا :( أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه وَلَكِنَّهَا شَجَرَة أَكْرَهُ رِيحهَا ) فَهَذِهِ الْأَحَادِيث تُشْعِر بِأَنَّ الْحُكْم خَاصّ بِهِ، إِذْ هُوَ الْمَخْصُوص بِمُنَاجَاةِ الْمَلَك.
لَكِنْ قَدْ عَلِمْنَا هَذَا الْحُكْم فِي حَدِيث جَابِر بِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَيْنه وَبَيْن غَيْره فِي هَذَا الْحُكْم حَيْثُ قَالَ :( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَة الثُّوم وَقَالَ مَرَّة مَنْ أَكَلَ الْبَصَل وَالثُّوم وَالْكُرَّاث فَلَا يَقْرَبَن مَسْجِدنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَم ) وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَدِيث فِيهِ طُول إِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَل وَالثُّوم.
وَلَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحهمَا مِنْ الرَّجُل فِي الْمَسْجِد أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيع، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا
الْعَدَس مَعْرُوف.
وَالْعَدَسَة : بَثْرَة تَخْرُج بِالْإِنْسَانِ، وَرُبَّمَا قَتَلَتْ وَعَدَس : زَجْر لِلْبِغَالِ، قَالَ :
وَالْعَدَس : شِدَّة الْوَطْء، وَالْكَدْح أَيْضًا، يُقَال : عَدَسَهُ.
وَعَدَسَ فِي الْأَرْض : ذَهَبَ فِيهَا.
وَعَدَسَتْ إِلَيْهِ الْمَنِيَّة أَيْ سَارَتْ، قَالَ الْكُمَيْت :
أَيْ يُسَار إِلَيَّ بِاللَّيْلِ.
وَعَدَس : لُغَة فِي حَدَس، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَيُؤْثَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ :( عَلَيْكُمْ بِالْعَدَسِ فَإِنَّهُ مُبَارَك مُقَدَّس وَإِنَّهُ يَرِقّ الْقَلْب وَيُكْثِر الدَّمْعَة فَإِنَّهُ بَارَكَ فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا آخِرهمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم )، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره.
وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَأْكُل يَوْمًا خُبْزًا بِزَيْتٍ، وَيَوْمًا بِلَحْمٍ، وَيَوْمًا بِعَدَسٍ.
قَالَ الْحَلِيمِيّ : وَالْعَدَس وَالزَّيْت طَعَام الصَّالِحِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَة إِلَّا أَنَّهُ ضِيَافَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَدِينَته لَا تَخْلُو مِنْهُ لَكَانَ فِيهِ كِفَايَة.
وَهُوَ مِمَّا يُخَفِّف الْبَدَن فَيَخِفّ لِلْعِبَادَةِ، لَا تَثُور مِنْهُ الشَّهَوَات كَمَا تَثُور مِنْ اللَّحْم.
وَالْحِنْطَة مِنْ جُمْلَة الْحُبُوب وَهِيَ الْفُوم عَلَى الصَّحِيح، وَالشَّعِير قَرِيب مِنْهَا وَكَانَ طَعَام أَهْل الْمَدِينَة، كَمَا كَانَ الْعَدَس مِنْ طَعَام قَرْيَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْحَبَّتَيْنِ بِأَحَدِ النَّبِيَّيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَام فَضِيلَة، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْبَع هُوَ وَأَهْله مِنْ خُبْز بُرّ ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَة مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَة إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
الْعَدَس مَعْرُوف.
وَالْعَدَسَة : بَثْرَة تَخْرُج بِالْإِنْسَانِ، وَرُبَّمَا قَتَلَتْ وَعَدَس : زَجْر لِلْبِغَالِ، قَالَ :
| عَدَس مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْك إِمَارَة | نَجَوْت وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيق |
وَعَدَسَ فِي الْأَرْض : ذَهَبَ فِيهَا.
وَعَدَسَتْ إِلَيْهِ الْمَنِيَّة أَيْ سَارَتْ، قَالَ الْكُمَيْت :
| أُكَلِّفهَا هَوْل الظَّلَام وَلَمْ أَزَلْ | أَخَا اللَّيْل مَعْدُوسًا إِلَيَّ وَعَادِسًا |
وَعَدَس : لُغَة فِي حَدَس، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَيُؤْثَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ :( عَلَيْكُمْ بِالْعَدَسِ فَإِنَّهُ مُبَارَك مُقَدَّس وَإِنَّهُ يَرِقّ الْقَلْب وَيُكْثِر الدَّمْعَة فَإِنَّهُ بَارَكَ فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا آخِرهمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم )، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره.
وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَأْكُل يَوْمًا خُبْزًا بِزَيْتٍ، وَيَوْمًا بِلَحْمٍ، وَيَوْمًا بِعَدَسٍ.
قَالَ الْحَلِيمِيّ : وَالْعَدَس وَالزَّيْت طَعَام الصَّالِحِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَة إِلَّا أَنَّهُ ضِيَافَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَدِينَته لَا تَخْلُو مِنْهُ لَكَانَ فِيهِ كِفَايَة.
وَهُوَ مِمَّا يُخَفِّف الْبَدَن فَيَخِفّ لِلْعِبَادَةِ، لَا تَثُور مِنْهُ الشَّهَوَات كَمَا تَثُور مِنْ اللَّحْم.
وَالْحِنْطَة مِنْ جُمْلَة الْحُبُوب وَهِيَ الْفُوم عَلَى الصَّحِيح، وَالشَّعِير قَرِيب مِنْهَا وَكَانَ طَعَام أَهْل الْمَدِينَة، كَمَا كَانَ الْعَدَس مِنْ طَعَام قَرْيَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْحَبَّتَيْنِ بِأَحَدِ النَّبِيَّيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَام فَضِيلَة، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْبَع هُوَ وَأَهْله مِنْ خُبْز بُرّ ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَة مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَة إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ
الِاسْتِبْدَال : وَضْع الشَّيْء مَوْضِع الْآخَر، وَمِنْهُ الْبَدَل، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَ " أَدْنَى " مَأْخُوذ عِنْد الزَّجَّاج مِنْ الدُّنُوّ أَيْ الْقُرْب فِي الْقِيمَة، مِنْ قَوْلهمْ : ثَوْب مُقَارِب، أَيْ قَلِيل الثَّمَن.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : هُوَ مَهْمُوز مِنْ الدَّنِيء الْبَيِّن الدَّنَاءَة بِمَعْنَى الْأَخَسّ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ هَمْزَته.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الدُّون أَيْ الْأَحَطّ، فَأَصْله أَدْوَن، أَفْعَل، قُلِبَ فَجَاءَ أَفْلَع، وَحُوِّلَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَطَرُّفِهَا.
وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذّ " أَدْنَى ".
وَمَعْنَى الْآيَة : أَتَسْتَبْدِلُونَ الْبَقْل وَالْقِثَّاء وَالْفُوم وَالْعَدَس وَالْبَصَل الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالْمَنِّ وَالسَّلْوَى الَّذِي هُوَ خَيْر.
وَاخْتُلِفَ فِي الْوُجُوه الَّتِي تُوجِب فَضْل الْمَنّ وَالسَّلْوَى عَلَى الشَّيْء الَّذِي طَلَبُوهُ وَهِيَ خَمْسَة :[ الْأَوَّل ] أَنَّ الْبُقُول لَمَّا كَانَتْ لَا خَطَر لَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنّ وَالسَّلْوَى كَانَا أَفْضَل، قَالَهُ الزَّجَّاج.
[ الثَّانِي ] لَمَّا كَانَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى طَعَامًا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ وَكَانَ فِي اِسْتِدَامَة أَمْر اللَّه وَشُكْر نِعْمَته أَجْر وَذُخْر فِي الْآخِرَة، وَاَلَّذِي طَلَبُوهُ عَارٍ مِنْ هَذِهِ الْخَصَائِل كَانَ أَدْنَى فِي هَذَا الْوَجْه.
[ الثَّالِث ] لَمَّا كَانَ مَا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ أَطْيَب وَأَلَذّ مِنْ الَّذِي سَأَلُوهُ، كَانَ مَا سَأَلُوهُ أَدْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْه لَا مَحَالَة.
[ الرَّابِع ] لَمَّا كَانَ مَا أُعْطُوا لَا كُلْفَة فِيهِ وَلَا تَعَب، وَاَلَّذِي طَلَبُوهُ لَا يَجِيء إِلَّا بِالْحَرْثِ وَالزِّرَاعَة وَالتَّعَب كَانَ أَدْنَى.
[ الْخَامِس ] لَمَّا كَانَ مَا يَنْزِل عَلَيْهِمْ لَا مِرْيَة فِي حِلّه وَخُلُوصه لِنُزُولِهِ مِنْ عِنْد اللَّه، الْحُبُوب وَالْأَرْض يَتَخَلَّلهَا الْبُيُوع وَالْغُصُوب وَتَدْخُلهَا الشُّبَه، كَانَتْ أَدْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْه.
مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز أَكْل الطَّيِّبَات وَالْمَطَاعِم الْمُسْتَلَذَّات، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْحَلْوَى وَالْعَسَل، وَيَشْرَب الْمَاء الْبَارِد الْعَذْب، وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْمَائِدَة " وَ " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه مُسْتَوْفًى.
الِاسْتِبْدَال : وَضْع الشَّيْء مَوْضِع الْآخَر، وَمِنْهُ الْبَدَل، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَ " أَدْنَى " مَأْخُوذ عِنْد الزَّجَّاج مِنْ الدُّنُوّ أَيْ الْقُرْب فِي الْقِيمَة، مِنْ قَوْلهمْ : ثَوْب مُقَارِب، أَيْ قَلِيل الثَّمَن.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان : هُوَ مَهْمُوز مِنْ الدَّنِيء الْبَيِّن الدَّنَاءَة بِمَعْنَى الْأَخَسّ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ هَمْزَته.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الدُّون أَيْ الْأَحَطّ، فَأَصْله أَدْوَن، أَفْعَل، قُلِبَ فَجَاءَ أَفْلَع، وَحُوِّلَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَطَرُّفِهَا.
وَقُرِئَ فِي الشَّوَاذّ " أَدْنَى ".
وَمَعْنَى الْآيَة : أَتَسْتَبْدِلُونَ الْبَقْل وَالْقِثَّاء وَالْفُوم وَالْعَدَس وَالْبَصَل الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالْمَنِّ وَالسَّلْوَى الَّذِي هُوَ خَيْر.
وَاخْتُلِفَ فِي الْوُجُوه الَّتِي تُوجِب فَضْل الْمَنّ وَالسَّلْوَى عَلَى الشَّيْء الَّذِي طَلَبُوهُ وَهِيَ خَمْسَة :[ الْأَوَّل ] أَنَّ الْبُقُول لَمَّا كَانَتْ لَا خَطَر لَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنّ وَالسَّلْوَى كَانَا أَفْضَل، قَالَهُ الزَّجَّاج.
[ الثَّانِي ] لَمَّا كَانَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى طَعَامًا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ وَكَانَ فِي اِسْتِدَامَة أَمْر اللَّه وَشُكْر نِعْمَته أَجْر وَذُخْر فِي الْآخِرَة، وَاَلَّذِي طَلَبُوهُ عَارٍ مِنْ هَذِهِ الْخَصَائِل كَانَ أَدْنَى فِي هَذَا الْوَجْه.
[ الثَّالِث ] لَمَّا كَانَ مَا مَنَّ اللَّه بِهِ عَلَيْهِمْ أَطْيَب وَأَلَذّ مِنْ الَّذِي سَأَلُوهُ، كَانَ مَا سَأَلُوهُ أَدْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْه لَا مَحَالَة.
[ الرَّابِع ] لَمَّا كَانَ مَا أُعْطُوا لَا كُلْفَة فِيهِ وَلَا تَعَب، وَاَلَّذِي طَلَبُوهُ لَا يَجِيء إِلَّا بِالْحَرْثِ وَالزِّرَاعَة وَالتَّعَب كَانَ أَدْنَى.
[ الْخَامِس ] لَمَّا كَانَ مَا يَنْزِل عَلَيْهِمْ لَا مِرْيَة فِي حِلّه وَخُلُوصه لِنُزُولِهِ مِنْ عِنْد اللَّه، الْحُبُوب وَالْأَرْض يَتَخَلَّلهَا الْبُيُوع وَالْغُصُوب وَتَدْخُلهَا الشُّبَه، كَانَتْ أَدْنَى مِنْ هَذَا الْوَجْه.
مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز أَكْل الطَّيِّبَات وَالْمَطَاعِم الْمُسْتَلَذَّات، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْحَلْوَى وَالْعَسَل، وَيَشْرَب الْمَاء الْبَارِد الْعَذْب، وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْمَائِدَة " وَ " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه مُسْتَوْفًى.
خَيْرٌ اهْبِطُوا
تَقَدَّمَ مَعْنَى الْهُبُوط، وَهَذَا أَمْر مَعْنَاهُ التَّعْجِيز، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" قُلْ كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا " [ الْإِسْرَاء : ٥٠ ] لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي التِّيه وَهَذَا عُقُوبَة لَهُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ أُعْطُوا مَا طَلَبُوهُ.
وَ " مِصْرًا " بِالتَّنْوِينِ مُنَكَّرًا قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَهُوَ خَطّ الْمُصْحَف، قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : فَمَنْ صَرَفَهَا أَرَادَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار غَيْر مُعَيَّن.
وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" اِهْبِطُوا مِصْرًا " قَالَ : مِصْرًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَار.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِمَّنْ صَرَفَهَا أَيْضًا : أَرَادَ مِصْر فِرْعَوْن بِعَيْنِهَا.
اِسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا اِقْتَضَاهُ ظَاهِر الْقُرْآن مِنْ أَمْرهمْ دُخُول الْقَرْيَة، وَبِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَة أَنَّهُمْ سَكَنُوا الشَّام بَعْد التِّيه.
وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ بِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ أَنَّ اللَّه أَوْرَثَ بَنِي إِسْرَائِيل دِيَار آل فِرْعَوْن وَآثَارهمْ، وَأَجَازُوا صَرْفهَا.
قَالَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ : لِخِفَّتِهَا وَشَبَههَا بِهِنْدٍ وَدَعْد، وَأَنْشَدَ :
فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ.
وَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل وَالْفَرَّاء لَا يُجِيزُونَ هَذَا ; لِأَنَّك لَوْ سَمَّيْت اِمْرَأَة بِزَيْدٍ لَمْ تَصْرِف.
وَقَالَ غَيْر الْأَخْفَش : أَرَادَ الْمَكَان فَصَرَفَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبَان بْن تَغْلِب وَطَلْحَة :" مِصْر " بِتَرْكِ الصَّرْف.
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب وَقِرَاءَة اِبْن مَسْعُود.
وَقَالُوا : هِيَ مِصْر فِرْعَوْن.
قَالَ أَشْهَب قَالَ لِي مَالِك : هِيَ عِنْدِي مِصْر قَرْيَتك مَسْكَن فِرْعَوْن، ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة وَالْمِصْر أَصْله فِي اللُّغَة الْحَدّ.
وَمِصْر الدَّار : حُدُودهَا.
قَالَ اِبْن فَارِس وَيُقَال : إِنَّ أَهْل هَجَر يَكْتُبُونَ فِي شُرُوطهمْ " اِشْتَرَى فُلَان الدَّار بِمُصُورِهَا " أَيْ حُدُودهَا، قَالَ عَدِيّ :
تَقَدَّمَ مَعْنَى الْهُبُوط، وَهَذَا أَمْر مَعْنَاهُ التَّعْجِيز، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" قُلْ كُونُوا حِجَارَة أَوْ حَدِيدًا " [ الْإِسْرَاء : ٥٠ ] لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي التِّيه وَهَذَا عُقُوبَة لَهُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ أُعْطُوا مَا طَلَبُوهُ.
وَ " مِصْرًا " بِالتَّنْوِينِ مُنَكَّرًا قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَهُوَ خَطّ الْمُصْحَف، قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : فَمَنْ صَرَفَهَا أَرَادَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار غَيْر مُعَيَّن.
وَرَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" اِهْبِطُوا مِصْرًا " قَالَ : مِصْرًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَار.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِمَّنْ صَرَفَهَا أَيْضًا : أَرَادَ مِصْر فِرْعَوْن بِعَيْنِهَا.
اِسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا اِقْتَضَاهُ ظَاهِر الْقُرْآن مِنْ أَمْرهمْ دُخُول الْقَرْيَة، وَبِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَة أَنَّهُمْ سَكَنُوا الشَّام بَعْد التِّيه.
وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ بِمَا فِي الْقُرْآن مِنْ أَنَّ اللَّه أَوْرَثَ بَنِي إِسْرَائِيل دِيَار آل فِرْعَوْن وَآثَارهمْ، وَأَجَازُوا صَرْفهَا.
قَالَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ : لِخِفَّتِهَا وَشَبَههَا بِهِنْدٍ وَدَعْد، وَأَنْشَدَ :
| لَمْ تَتَلَفَّع بِفَضْلِ مِئْزَرهَا | دَعْدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ فِي الْعُلَب |
وَسِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيل وَالْفَرَّاء لَا يُجِيزُونَ هَذَا ; لِأَنَّك لَوْ سَمَّيْت اِمْرَأَة بِزَيْدٍ لَمْ تَصْرِف.
وَقَالَ غَيْر الْأَخْفَش : أَرَادَ الْمَكَان فَصَرَفَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبَان بْن تَغْلِب وَطَلْحَة :" مِصْر " بِتَرْكِ الصَّرْف.
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب وَقِرَاءَة اِبْن مَسْعُود.
وَقَالُوا : هِيَ مِصْر فِرْعَوْن.
قَالَ أَشْهَب قَالَ لِي مَالِك : هِيَ عِنْدِي مِصْر قَرْيَتك مَسْكَن فِرْعَوْن، ذَكَرَهُ اِبْن عَطِيَّة وَالْمِصْر أَصْله فِي اللُّغَة الْحَدّ.
وَمِصْر الدَّار : حُدُودهَا.
قَالَ اِبْن فَارِس وَيُقَال : إِنَّ أَهْل هَجَر يَكْتُبُونَ فِي شُرُوطهمْ " اِشْتَرَى فُلَان الدَّار بِمُصُورِهَا " أَيْ حُدُودهَا، قَالَ عَدِيّ :
| وَجَاعِل الشَّمْس مِصْرًا لَا خَفَاء بِهِ | بَيْن النَّهَار وَبَيْن اللَّيْل قَدْ فَصَلَا |
| ضَرَبَتْ عَلَيْك الْعَنْكَبُوت بِنَسْجِهَا | وَقَضَى عَلَيْك بِهِ الْكِتَاب الْمُنْزَل |
وَالذِّلَّة : الذُّلّ وَالصَّغَار.
وَالْمَسْكَنَة : الْفَقْر.
فَلَا يُوجَد يَهُودِيّ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا خَالِيًا مِنْ زِيّ الْفَقْر وَخُضُوعه وَمَهَانَته.
وَقِيلَ : الذِّلَّة فَرْض الْجِزْيَة، عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة.
وَالْمَسْكَنَة الْخُضُوع، وَهِيَ مَأْخُوذَة مِنْ السُّكُون، أَيْ قَلَّلَ الْفَقْر حَرَكَته، قَالَهُ الزَّجَّاج.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الذِّلَّة الصَّغَار.
وَالْمَسْكَنَة مَصْدَر الْمِسْكِين.
وَرَوَى الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم عَنْ اِبْن عَبَّاس :" وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة " قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْقَبَالَات.
وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ
أَيْ اِنْقَلَبُوا وَرَجَعُوا، أَيْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي دُعَائِهِ وَمُنَاجَاته :( أَبُوء بِنِعْمَتِك عَلَيَّ ) أَيْ أُقِرّ بِهَا وَأُلْزِمهَا نَفْسِي.
وَأَصْله فِي اللُّغَة الرُّجُوع، يُقَال بَاءَ بِكَذَا، أَيْ رَجَعَ بِهِ، وَبَاءَ إِلَى الْمَبَاءَة وَهِيَ الْمَنْزِل أَيْ رَجَعَ.
وَالْبَوَاء : الرُّجُوع بِالْقَوَدِ.
وَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْر بَوَاء، أَيْ سَوَاء، يَرْجِعُونَ فِيهِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيْ لَا يَرْجِع الدَّم بِالدَّمِ فِي الْقَوَد.
وَقَالَ :
أَيْ رَجَعُوا وَرَجَعْنَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْغَضَب فِي الْفَاتِحَة.
أَيْ اِنْقَلَبُوا وَرَجَعُوا، أَيْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي دُعَائِهِ وَمُنَاجَاته :( أَبُوء بِنِعْمَتِك عَلَيَّ ) أَيْ أُقِرّ بِهَا وَأُلْزِمهَا نَفْسِي.
وَأَصْله فِي اللُّغَة الرُّجُوع، يُقَال بَاءَ بِكَذَا، أَيْ رَجَعَ بِهِ، وَبَاءَ إِلَى الْمَبَاءَة وَهِيَ الْمَنْزِل أَيْ رَجَعَ.
وَالْبَوَاء : الرُّجُوع بِالْقَوَدِ.
وَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْر بَوَاء، أَيْ سَوَاء، يَرْجِعُونَ فِيهِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| أَلَا تَنْتَهِي عَنَّا مُلُوك وَتَتَّقِي | مَحَارِمنَا لَا يَبُوء الدَّم بِالدَّمِ |
وَقَالَ :
| فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا | وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا |
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْغَضَب فِي الْفَاتِحَة.
اللَّهِ
ذَلِكَ تَعْلِيل.
ذَلِكَ تَعْلِيل.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا
أَيْ يَكْذِبُونَ
أَيْ يَكْذِبُونَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ
أَيْ بِكِتَابِهِ وَمُعْجِزَات أَنْبِيَائِهِ، كَعِيسَى وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّد عَلَيْهِمْ السَّلَام.
أَيْ بِكِتَابِهِ وَمُعْجِزَات أَنْبِيَائِهِ، كَعِيسَى وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّد عَلَيْهِمْ السَّلَام.
اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
مَعْطُوف عَلَى " يَكْفُرُونَ " وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن " يَقْتُلُونَ " وَعَنْهُ أَيْضًا كَالْجَمَاعَةِ.
وَقَرَأَ نَافِع " النَّبِيئِينَ " بِالْهَمْزِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : فِي سُورَة الْأَحْزَاب :" إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ " [ الْأَحْزَاب.
٥٠ ].
وَ " لَا تَدْخُلُوا بُيُوت النَّبِيّ إِلَّا " [ الْأَحْزَاب : ٥٣ ] فَإِنَّهُ قَرَأَ بِلَا مَدّ وَلَا هَمْز.
وَإِنَّمَا تُرِكَ هَمْز هَذَيْنِ لِاجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ.
وَتَرَكَ الْهَمْزَ فِي جَمِيع ذَلِكَ الْبَاقُونَ.
فَأَمَّا مَنْ هَمَزَ فَهُوَ عِنْده مِنْ أَنْبَأَ إِذَا أَخْبَرَ، وَاسْم فَاعِله مُنْبِئ.
وَيُجْمَع نَبِيء أَنْبِيَاء، وَقَدْ جَاءَ فِي جَمْع نَبِيّ نُبَآء، قَالَ الْعَبَّاس ابْن مِرْدَاس السُّلَمِيّ يَمْدَح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
هَذَا مَعْنَى قِرَاءَة الْهَمْز.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِ الْهَمْز، فَمِنْهُمْ مَنْ اِشْتَقَّ اِشْتِقَاق مَنْ هَمَزَ، ثُمَّ سَهَّلَ الْهَمْز.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ نَبَا يَنْبُو إِذَا ظَهَرَ.
فَالنَّبِيّ مِنْ النُّبُوَّة وَهُوَ الِارْتِفَاع، فَمَنْزِلَة النَّبِيّ رَفِيعَة.
وَالنَّبِيّ بِتَرْكِ الْهَمْز أَيْضًا الطَّرِيق، فَسُمِّيَ الرَّسُول نَبِيًّا لِاهْتِدَاءِ الْخَلْق بِهِ كَالطَّرِيقِ، قَالَ الشَّاعِر :
رَتَمْت الشَّيْء : كَسَرْته، يُقَال : رَتَمَ أَنْفه وَرَثَمَهُ، بِالتَّاءِ وَالثَّاء جَمِيعًا.
وَالرَّتْم أَيْضًا الْمَرْتُوم أَيْ الْمَكْسُور.
وَالْكَاثِب اِسْم جَبَل.
فَالْأَنْبِيَاء لَنَا كَالسُّبُلِ فِي الْأَرْض.
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِيء اللَّه، وَهَمَزَ.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَسْت بِنَبِيءِ اللَّه وَهَمَزَ وَلَكِنِّي نَبِيّ اللَّه ) وَلَمْ يَهْمِز.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : ضُعِّفَ سَنَد هَذَا الْحَدِيث، وَمِمَّا يُقَوِّي ضَعْفه أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ أَنْشَدَهُ الْمَادِح :
يَا خَاتَم النُّبَآء.
وَلَمْ يُؤْثَر فِي ذَلِكَ إِنْكَار.
مَعْطُوف عَلَى " يَكْفُرُونَ " وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن " يَقْتُلُونَ " وَعَنْهُ أَيْضًا كَالْجَمَاعَةِ.
وَقَرَأَ نَافِع " النَّبِيئِينَ " بِالْهَمْزِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : فِي سُورَة الْأَحْزَاب :" إِنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ " [ الْأَحْزَاب.
٥٠ ].
وَ " لَا تَدْخُلُوا بُيُوت النَّبِيّ إِلَّا " [ الْأَحْزَاب : ٥٣ ] فَإِنَّهُ قَرَأَ بِلَا مَدّ وَلَا هَمْز.
وَإِنَّمَا تُرِكَ هَمْز هَذَيْنِ لِاجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ.
وَتَرَكَ الْهَمْزَ فِي جَمِيع ذَلِكَ الْبَاقُونَ.
فَأَمَّا مَنْ هَمَزَ فَهُوَ عِنْده مِنْ أَنْبَأَ إِذَا أَخْبَرَ، وَاسْم فَاعِله مُنْبِئ.
وَيُجْمَع نَبِيء أَنْبِيَاء، وَقَدْ جَاءَ فِي جَمْع نَبِيّ نُبَآء، قَالَ الْعَبَّاس ابْن مِرْدَاس السُّلَمِيّ يَمْدَح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
| يَا خَاتَم النُّبَآء إِنَّك مُرْسَل | بِالْحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا |
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِ الْهَمْز، فَمِنْهُمْ مَنْ اِشْتَقَّ اِشْتِقَاق مَنْ هَمَزَ، ثُمَّ سَهَّلَ الْهَمْز.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ مُشْتَقّ مِنْ نَبَا يَنْبُو إِذَا ظَهَرَ.
فَالنَّبِيّ مِنْ النُّبُوَّة وَهُوَ الِارْتِفَاع، فَمَنْزِلَة النَّبِيّ رَفِيعَة.
وَالنَّبِيّ بِتَرْكِ الْهَمْز أَيْضًا الطَّرِيق، فَسُمِّيَ الرَّسُول نَبِيًّا لِاهْتِدَاءِ الْخَلْق بِهِ كَالطَّرِيقِ، قَالَ الشَّاعِر :
| لَأَصْبَحَ رَتْمًا دِقَاق الْحَصَى | مَكَان النَّبِيّ مِنْ الْكَاثِب |
وَالرَّتْم أَيْضًا الْمَرْتُوم أَيْ الْمَكْسُور.
وَالْكَاثِب اِسْم جَبَل.
فَالْأَنْبِيَاء لَنَا كَالسُّبُلِ فِي الْأَرْض.
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِيء اللَّه، وَهَمَزَ.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَسْت بِنَبِيءِ اللَّه وَهَمَزَ وَلَكِنِّي نَبِيّ اللَّه ) وَلَمْ يَهْمِز.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : ضُعِّفَ سَنَد هَذَا الْحَدِيث، وَمِمَّا يُقَوِّي ضَعْفه أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَدْ أَنْشَدَهُ الْمَادِح :
يَا خَاتَم النُّبَآء.
وَلَمْ يُؤْثَر فِي ذَلِكَ إِنْكَار.
النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
تَعْظِيم لِلشُّنْعَةِ وَالذَّنْب الَّذِي أَتَوْهُ فَإِنْ قِيلَ : هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِحّ أَنْ يَقْتُلُوا بِالْحَقِّ، وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ مِنْ أَنْ يَصْدُر مِنْهُمْ مَا يُقْتَلُونَ بِهِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا مَخْرَج الصِّفَة لِقَتْلِهِمْ أَنَّهُ ظُلْم وَلَيْسَ بِحَقٍّ، فَكَانَ هَذَا تَعْظِيمًا لِلشُّنْعَةِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يُقْتَل نَبِيّ بِحَقٍّ، وَلَكِنْ يُقْتَل عَلَى الْحَقّ، فَصَرَّحَ قَوْله :" بِغَيْرِ الْحَقّ " عَنْ شُنْعَة الذَّنْب وَوُضُوحه، وَلَمْ يَأْتِ نَبِيّ قَطُّ بِشَيْءٍ يُوجِب قَتْله.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف جَازَ أَنْ يُخَلِّي بَيْن الْكَافِرِينَ وَقَتْل الْأَنْبِيَاء ؟ قِيلَ : ذَلِكَ كَرَامَة لَهُمْ وَزِيَادَة فِي مَنَازِلِهِمْ، كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِذْلَانٍ لَهُمْ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن : لَمْ يُقْتَل نَبِيّ قَطُّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِلَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَر بِقِتَالٍ، وَكُلّ مَنْ أُمِرَ بِقِتَالٍ نُصِرَ.
تَعْظِيم لِلشُّنْعَةِ وَالذَّنْب الَّذِي أَتَوْهُ فَإِنْ قِيلَ : هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِحّ أَنْ يَقْتُلُوا بِالْحَقِّ، وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ مِنْ أَنْ يَصْدُر مِنْهُمْ مَا يُقْتَلُونَ بِهِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا مَخْرَج الصِّفَة لِقَتْلِهِمْ أَنَّهُ ظُلْم وَلَيْسَ بِحَقٍّ، فَكَانَ هَذَا تَعْظِيمًا لِلشُّنْعَةِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يُقْتَل نَبِيّ بِحَقٍّ، وَلَكِنْ يُقْتَل عَلَى الْحَقّ، فَصَرَّحَ قَوْله :" بِغَيْرِ الْحَقّ " عَنْ شُنْعَة الذَّنْب وَوُضُوحه، وَلَمْ يَأْتِ نَبِيّ قَطُّ بِشَيْءٍ يُوجِب قَتْله.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف جَازَ أَنْ يُخَلِّي بَيْن الْكَافِرِينَ وَقَتْل الْأَنْبِيَاء ؟ قِيلَ : ذَلِكَ كَرَامَة لَهُمْ وَزِيَادَة فِي مَنَازِلِهِمْ، كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِذْلَانٍ لَهُمْ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن : لَمْ يُقْتَل نَبِيّ قَطُّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِلَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَر بِقِتَالٍ، وَكُلّ مَنْ أُمِرَ بِقِتَالٍ نُصِرَ.
الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
" ذَلِكَ " رَدّ عَلَى الْأَوَّل وَتَأْكِيد لِلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ.
وَالْبَاء فِي " بِمَا " بَاءَ السَّبَب.
قَالَ الْأَخْفَش : أَيْ بِعِصْيَانِهِمْ.
وَالْعِصْيَان : خِلَاف الطَّاعَة.
وَاعْتَصَتْ النَّوَاة إِذَا اِشْتَدَّتْ.
وَالِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْحَدّ فِي كُلّ شَيْء، وَعُرِفَ.
فِي الظُّلْم وَالْمَعَاصِي.
" ذَلِكَ " رَدّ عَلَى الْأَوَّل وَتَأْكِيد لِلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ.
وَالْبَاء فِي " بِمَا " بَاءَ السَّبَب.
قَالَ الْأَخْفَش : أَيْ بِعِصْيَانِهِمْ.
وَالْعِصْيَان : خِلَاف الطَّاعَة.
وَاعْتَصَتْ النَّوَاة إِذَا اِشْتَدَّتْ.
وَالِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْحَدّ فِي كُلّ شَيْء، وَعُرِفَ.
فِي الظُّلْم وَالْمَعَاصِي.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
أَيْ صَدَّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سُفْيَان : الْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ.
كَأَنَّهُ قَالَ : الَّذِينَ آمَنُوا فِي ظَاهِر أَمْرهمْ، فَلِذَلِكَ قَرَنَهُمْ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، ثُمَّ بَيَّنَ حُكْم مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر مِنْ جَمِيعهمْ
أَيْ صَدَّقُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سُفْيَان : الْمُرَاد الْمُنَافِقُونَ.
كَأَنَّهُ قَالَ : الَّذِينَ آمَنُوا فِي ظَاهِر أَمْرهمْ، فَلِذَلِكَ قَرَنَهُمْ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، ثُمَّ بَيَّنَ حُكْم مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر مِنْ جَمِيعهمْ
وَالَّذِينَ هَادُوا
مَعْنَاهُ صَارُوا يَهُودًا، نُسِبُوا إِلَى يَهُوذَا وَهُوَ أَكْبَر وَلَد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَلَبَتْ الْعَرَب الذَّال دَالًا ; لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّة إِذَا عُرِّبَتْ غُيِّرَتْ عَنْ لَفْظهَا.
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَوْبَتِهِمْ عَنْ عِبَادَة الْعِجْل.
هَادَ : تَابَ.
وَالْهَائِد : التَّائِب، قَالَ الشَّاعِر :
إِنِّي اِمْرُؤٌ مِنْ حُبّه هَائِد
أَيْ تَائِب.
وَفِي التَّنْزِيل :" إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ] أَيْ تُبْنَا.
وَهَادَ الْقَوْم يَهُودُونَ هَوْدًا وَهِيَادَة إِذَا تَابُوا.
وَقَالَ اِبْن عَرَفَة :" هُدْنَا إِلَيْك " أَيْ سَكَنَّا إِلَى أَمْرك.
وَالْهَوَادَة السُّكُون وَالْمُوَادَعَة.
قَالَ : وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا ".
وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال :" هَادُوا " بِفَتْحِ الدَّال.
مَعْنَاهُ صَارُوا يَهُودًا، نُسِبُوا إِلَى يَهُوذَا وَهُوَ أَكْبَر وَلَد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَلَبَتْ الْعَرَب الذَّال دَالًا ; لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّة إِذَا عُرِّبَتْ غُيِّرَتْ عَنْ لَفْظهَا.
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَوْبَتِهِمْ عَنْ عِبَادَة الْعِجْل.
هَادَ : تَابَ.
وَالْهَائِد : التَّائِب، قَالَ الشَّاعِر :
إِنِّي اِمْرُؤٌ مِنْ حُبّه هَائِد
أَيْ تَائِب.
وَفِي التَّنْزِيل :" إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ] أَيْ تُبْنَا.
وَهَادَ الْقَوْم يَهُودُونَ هَوْدًا وَهِيَادَة إِذَا تَابُوا.
وَقَالَ اِبْن عَرَفَة :" هُدْنَا إِلَيْك " أَيْ سَكَنَّا إِلَى أَمْرك.
وَالْهَوَادَة السُّكُون وَالْمُوَادَعَة.
قَالَ : وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا ".
وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال :" هَادُوا " بِفَتْحِ الدَّال.
وَالنَّصَارَى
جَمْع وَاحِده نَصْرَانِيّ.
وَقِيلَ : نَصْرَان بِإِسْقَاطِ الْيَاء، وَهَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ.
وَالْأُنْثَى نَصْرَانَة، كَنَدْمَان وَنَدْمَانَة.
وَهُوَ نَكِرَة يُعَرَّف بِالْأَلِفِ وَاللَّام، قَالَ الشَّاعِر :
فَوَصَفَهُ بِالنَّكِرَةِ.
وَقَالَ الْخَلِيل : وَاحِد النَّصَارَى نَصْرِي، كَمَهْرِيّ وَمَهَارَى.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ شَاهِدًا عَلَى قَوْله :
وَأُنْشِدَ :
يُقَال : أُسْجِدَ إِذَا مَالَ.
وَلَكِنْ لَا يُسْتَعْمَل نَصْرَان وَنَصْرَانَة إِلَّا بِيَاءَيْ النَّسَب ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : رَجُل نَصْرَانِيّ وَامْرَأَة نَصْرَانِيَّة.
وَنَصَّرَهُ : جَعَلَهُ نَصْرَانِيًّا.
وَفِي الْحَدِيث :( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ).
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِن بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّار ).
وَقَدْ جَاءَتْ جُمُوع عَلَى غَيْر مَا يُسْتَعْمَل وَاحِدهَا، وَقِيَاسه النَّصْرَانِيُّونَ.
ثُمَّ قِيلَ : سُمُوًّا بِذَلِكَ لِقَرْيَةٍ تُسَمَّى " نَاصِرَة " كَانَ يَنْزِلهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَقِيلَ : عِيسَى النَّاصِرِيّ، فَلَمَّا نُسِبَ أَصْحَابه إِلَيْهِ قِيلَ النَّصَارَى، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنَصْرَان قَرْيَة بِالشَّامِ يُنْسَب إِلَيْهَا النَّصَارَى، وَيُقَال نَاصِرَة.
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُصْرَةِ بَعْضهمْ بَعْضًا، قَالَ الشَّاعِر :
كُنْت لَهُمْ مِنْ النَّصَارَى جَارَا
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ :" مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه " [ آل عِمْرَان : ٥٢ ].
جَمْع وَاحِده نَصْرَانِيّ.
وَقِيلَ : نَصْرَان بِإِسْقَاطِ الْيَاء، وَهَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ.
وَالْأُنْثَى نَصْرَانَة، كَنَدْمَان وَنَدْمَانَة.
وَهُوَ نَكِرَة يُعَرَّف بِالْأَلِفِ وَاللَّام، قَالَ الشَّاعِر :
| صَدَّتْ كَمَا صَدَّ عَمَّا لَا يَحِلّ لَهُ | سَاقِي نَصَارَى قُبَيْل الْفِصْح صُوَّام |
وَقَالَ الْخَلِيل : وَاحِد النَّصَارَى نَصْرِي، كَمَهْرِيّ وَمَهَارَى.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ شَاهِدًا عَلَى قَوْله :
| تَرَاهُ إِذَا دَار الْعِشَا مُتَحَنِّفًا | وَيُضْحِي لَدَيْهِ وَهُوَ نَصْرَان شَامِس |
| فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأُسْجِد رَأْسهَا | كَمَا أَسُجِدَتْ نَصْرَانَة لَمْ تَحَنَّف |
وَلَكِنْ لَا يُسْتَعْمَل نَصْرَان وَنَصْرَانَة إِلَّا بِيَاءَيْ النَّسَب ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا : رَجُل نَصْرَانِيّ وَامْرَأَة نَصْرَانِيَّة.
وَنَصَّرَهُ : جَعَلَهُ نَصْرَانِيًّا.
وَفِي الْحَدِيث :( فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ).
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِن بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّار ).
وَقَدْ جَاءَتْ جُمُوع عَلَى غَيْر مَا يُسْتَعْمَل وَاحِدهَا، وَقِيَاسه النَّصْرَانِيُّونَ.
ثُمَّ قِيلَ : سُمُوًّا بِذَلِكَ لِقَرْيَةٍ تُسَمَّى " نَاصِرَة " كَانَ يَنْزِلهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَقِيلَ : عِيسَى النَّاصِرِيّ، فَلَمَّا نُسِبَ أَصْحَابه إِلَيْهِ قِيلَ النَّصَارَى، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَنَصْرَان قَرْيَة بِالشَّامِ يُنْسَب إِلَيْهَا النَّصَارَى، وَيُقَال نَاصِرَة.
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُصْرَةِ بَعْضهمْ بَعْضًا، قَالَ الشَّاعِر :
| لَمَّا رَأَيْت نَبَطًا أَنْصَارًا | شَمَّرْت عَنْ رُكْبَتِي الْإِزَارَا |
وَقِيلَ : سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ :" مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه " [ آل عِمْرَان : ٥٢ ].
وَالصَّابِئِينَ
جَمْع صَابِئ، وَقِيلَ : صَابَ، وَلِذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي هَمْزه، وَهَمَزَهُ الْجُمْهُور إِلَّا نَافِعًا.
فَمَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنْ صَبَأَتْ النُّجُوم إِذَا طَلَعَتْ، وَصَبَأَتْ ثَنِيَّة الْغُلَام إِذَا خَرَجَتْ.
وَمَنْ لَمْ يَهْمِز جَعَلَهُ مِنْ صَبَا يَصْبُو إِذَا مَالَ.
فَالصَّابِئ فِي اللُّغَة : مَنْ خَرَجَ وَمَالَ مِنْ دِين إِلَى دِين، وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِمَنْ أَسْلَمَ قَدْ صَبَأَ.
فَالصَّابِئُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِين أَهْل الْكِتَاب.
لَا خِلَاف فِي أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَهْل كِتَاب وَلِأَجْلِ كِتَابهمْ جَازَ نِكَاح نِسَائِهِمْ وَأَكْل طَعَامهمْ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي الْمَائِدَة وَضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَة " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَاخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ، فَقَالَ السُّدِّيّ : هُمْ فِرْقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب، وَقَالَهُ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَقَالَ إِسْحَاق : لَا بَأْس بِذَبَائِح الصَّابِئِينَ لِأَنَّهُمْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا بَأْس بِذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَة نِسَائِهِمْ.
وَقَالَ الْخَلِيل : هُمْ قَوْم يُشْبِه دِينهمْ دِين النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّ قِبْلَتهمْ نَحْو مَهَبّ الْجَنُوب، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِين نُوح عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَابْن أَبِي نَجِيح : هُمْ قَوْم تَرَكَّبَ دِينهمْ بَيْن الْيَهُودِيَّة وَالْمَجُوسِيَّة، لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ.
اِبْن عَبَّاس : وَلَا تُنْكَح نِسَاؤُهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة هُمْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَة وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور وَيُصَلُّونَ الْخَمْس، رَآهُمْ زِيَاد اِبْن أَبِي سُفْيَان فَأَرَادَ وَضْع الْجِزْيَة عَنْهُمْ حِين عَرَفَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة.
وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبهمْ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْض عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ مُعْتَقِدُونَ تَأْثِير النُّجُوم، وَأَنَّهَا فَعَالَة، وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيد الْإِصْطَخْرِيّ الْقَادِر بِاَللَّهِ بِكُفْرِهِمْ حِين سَأَلَهُ عَنْهُمْ.
جَمْع صَابِئ، وَقِيلَ : صَابَ، وَلِذَلِكَ اِخْتَلَفُوا فِي هَمْزه، وَهَمَزَهُ الْجُمْهُور إِلَّا نَافِعًا.
فَمَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنْ صَبَأَتْ النُّجُوم إِذَا طَلَعَتْ، وَصَبَأَتْ ثَنِيَّة الْغُلَام إِذَا خَرَجَتْ.
وَمَنْ لَمْ يَهْمِز جَعَلَهُ مِنْ صَبَا يَصْبُو إِذَا مَالَ.
فَالصَّابِئ فِي اللُّغَة : مَنْ خَرَجَ وَمَالَ مِنْ دِين إِلَى دِين، وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِمَنْ أَسْلَمَ قَدْ صَبَأَ.
فَالصَّابِئُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِين أَهْل الْكِتَاب.
لَا خِلَاف فِي أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَهْل كِتَاب وَلِأَجْلِ كِتَابهمْ جَازَ نِكَاح نِسَائِهِمْ وَأَكْل طَعَامهمْ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي الْمَائِدَة وَضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَة " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَاخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ، فَقَالَ السُّدِّيّ : هُمْ فِرْقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب، وَقَالَهُ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَقَالَ إِسْحَاق : لَا بَأْس بِذَبَائِح الصَّابِئِينَ لِأَنَّهُمْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا بَأْس بِذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَة نِسَائِهِمْ.
وَقَالَ الْخَلِيل : هُمْ قَوْم يُشْبِه دِينهمْ دِين النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّ قِبْلَتهمْ نَحْو مَهَبّ الْجَنُوب، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِين نُوح عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَابْن أَبِي نَجِيح : هُمْ قَوْم تَرَكَّبَ دِينهمْ بَيْن الْيَهُودِيَّة وَالْمَجُوسِيَّة، لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ.
اِبْن عَبَّاس : وَلَا تُنْكَح نِسَاؤُهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة هُمْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَة وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور وَيُصَلُّونَ الْخَمْس، رَآهُمْ زِيَاد اِبْن أَبِي سُفْيَان فَأَرَادَ وَضْع الْجِزْيَة عَنْهُمْ حِين عَرَفَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة.
وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبهمْ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْض عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ مُعْتَقِدُونَ تَأْثِير النُّجُوم، وَأَنَّهَا فَعَالَة، وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيد الْإِصْطَخْرِيّ الْقَادِر بِاَللَّهِ بِكُفْرِهِمْ حِين سَأَلَهُ عَنْهُمْ.
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
أَيْ صَدَّقَ.
وَ " مَنْ " فِي قَوْله :" مَنْ آمَنَ " فِي مَوْضِع نَصْب بَدَل مِنْ " الَّذِينَ ".
وَالْفَاء فِي قَوْله " فَلَهُمْ " دَاخِلَة بِسَبَبِ الْإِبْهَام الَّذِي فِي " مَنْ ".
وَ " لَهُمْ أَجْرهمْ " اِبْتِدَاء وَخَبَر فِي مَوْضِع خَبَر إِنَّ.
وَيَحْسُن أَنْ يَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَمَعْنَاهَا الشَّرْط.
وَ " آمَنَ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ، وَالْفَاء الْجَوَاب.
وَ " لَهُمْ أَجْرهمْ " خَبَر " مَنْ "، وَالْجُمْلَة كُلّهَا خَبَر " إِنَّ "، وَالْعَائِد عَلَى " الَّذِينَ " مَحْذُوف، تَقْدِيره مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ.
وَفِي الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر اِنْدِرَاج الْإِيمَان بِالرُّسُلِ وَالْكُتُب وَالْبَعْث.
إِنْ قَالَ قَائِل : لِمَ جُمِعَ الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ أَجْرهمْ " وَ " آمَنَ " لَفْظ مُفْرَد لَيْسَ بِجَمْعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيم لَوْ قَالَ : لَهُ أَجْره.
فَالْجَوَاب أَنَّ " مَنْ " يَقَع عَلَى الْوَاحِد وَالتَّثْنِيَة وَالْجَمْع، فَجَائِز أَنْ يَرْجِع الضَّمِير مُفْرَدًا وَمُثَنًّى وَمَجْمُوعًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك " [ يُونُس : ٤٢ ] عَلَى الْمَعْنَى.
وَقَالَ :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك " عَلَى اللَّفْظ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظ لَقَالَ : يَصْطَحِب وَتَخَلَّفَ.
قَالَ تَعَالَى :" وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ جَنَّات " فَحُمِلَ عَلَى اللَّفْظ.
ثُمَّ قَالَ :" خَالِدِينَ " فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظ لَقَالَ : خَالِدًا فِيهَا.
وَإِذَا جَرَى مَا بَعْد " مَنْ " عَلَى اللَّفْظ فَجَائِز أَنْ يُخَالَف بِهِ بَعْد عَلَى الْمَعْنَى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَإِذَا جَرَى مَا بَعْدهَا عَلَى الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَالَف بِهِ بَعْد عَلَى اللَّفْظ لِأَنَّ الْإِلْبَاس يَدْخُل فِي الْكَلَام.
أَيْ صَدَّقَ.
وَ " مَنْ " فِي قَوْله :" مَنْ آمَنَ " فِي مَوْضِع نَصْب بَدَل مِنْ " الَّذِينَ ".
وَالْفَاء فِي قَوْله " فَلَهُمْ " دَاخِلَة بِسَبَبِ الْإِبْهَام الَّذِي فِي " مَنْ ".
وَ " لَهُمْ أَجْرهمْ " اِبْتِدَاء وَخَبَر فِي مَوْضِع خَبَر إِنَّ.
وَيَحْسُن أَنْ يَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَمَعْنَاهَا الشَّرْط.
وَ " آمَنَ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ، وَالْفَاء الْجَوَاب.
وَ " لَهُمْ أَجْرهمْ " خَبَر " مَنْ "، وَالْجُمْلَة كُلّهَا خَبَر " إِنَّ "، وَالْعَائِد عَلَى " الَّذِينَ " مَحْذُوف، تَقْدِيره مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ.
وَفِي الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر اِنْدِرَاج الْإِيمَان بِالرُّسُلِ وَالْكُتُب وَالْبَعْث.
إِنْ قَالَ قَائِل : لِمَ جُمِعَ الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى :" لَهُمْ أَجْرهمْ " وَ " آمَنَ " لَفْظ مُفْرَد لَيْسَ بِجَمْعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيم لَوْ قَالَ : لَهُ أَجْره.
فَالْجَوَاب أَنَّ " مَنْ " يَقَع عَلَى الْوَاحِد وَالتَّثْنِيَة وَالْجَمْع، فَجَائِز أَنْ يَرْجِع الضَّمِير مُفْرَدًا وَمُثَنًّى وَمَجْمُوعًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك " [ يُونُس : ٤٢ ] عَلَى الْمَعْنَى.
وَقَالَ :" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إِلَيْك " عَلَى اللَّفْظ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا | وَقُولَا لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا |
| تَعَسّ فَإِنْ عَاهَدْتنِي لَا تَخُوننِي | نَكُنْ مِثْل مَنْ يَا ذِئْب يَصْطَحِبَانِ |
قَالَ تَعَالَى :" وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَرَسُوله يُدْخِلهُ جَنَّات " فَحُمِلَ عَلَى اللَّفْظ.
ثُمَّ قَالَ :" خَالِدِينَ " فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظ لَقَالَ : خَالِدًا فِيهَا.
وَإِذَا جَرَى مَا بَعْد " مَنْ " عَلَى اللَّفْظ فَجَائِز أَنْ يُخَالَف بِهِ بَعْد عَلَى الْمَعْنَى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَإِذَا جَرَى مَا بَعْدهَا عَلَى الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَالَف بِهِ بَعْد عَلَى اللَّفْظ لِأَنَّ الْإِلْبَاس يَدْخُل فِي الْكَلَام.
وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الْخَوْف هُوَ الذُّعْر وَلَا يَكُون إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَل وَخَاوَفَنِي فُلَان فَخِفْته أَيْ كُنْت أَشَدّ خَوْفًا مِنْهُ وَالتَّخَوُّف التَّنَقُّص، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف " [ النَّحْل : ٤٧ ] وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْحَسَن وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَعْقُوب " فَلَا خَوْف " بِفَتْحِ الْفَاء عَلَى التَّبْرِئَة وَالِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيِّينَ الرَّفْع وَالتَّنْوِين عَلَى الِابْتِدَاء لِأَنَّ الثَّانِي مَعْرِفَة لَا يَكُون فِيهِ إِلَّا الرَّفْع لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَل فِي مَعْرِفَة فَاخْتَارُوا فِي الْأَوَّل الرَّفْع أَيْضًا لِيَكُونَ الْكَلَام مِنْ وَجْه وَاحِد وَيَجُوز أَنْ تَكُون " لَا " فِي قَوْلك فَلَا خَوْف بِمَعْنَى لَيْسَ وَالْحُزْن وَالْحَزَن ضِدّ السُّرُور، وَلَا يَكُون إِلَّا عَلَى مَاضٍ وَحَزِنَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ حَزِن وَحَزِين وَأَحْزَنَهُ غَيْره، وَحَزَّنَهُ أَيْضًا مِثْل أَسْلَكَهُ وَسَلَّكَهُ وَمَحْزُون بُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْيَزِيدِيّ : حَزَّنَهُ لُغَة قُرَيْش وَأَحْزَنَهُ لُغَة تَمِيم، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَاِحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْآخِرَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيل عَلَى نَفْي أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَخَوْفهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله مِنْ شَدَائِد الْقِيَامَة إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفهُ عَنْ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَته فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا وَاَللَّه أَعْلَم.
رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ قَوْله :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا " [ الْحَجّ : ١٧ ] الْآيَة.
مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ " [ آل عِمْرَان : ٨٥ ] الْآيَة.
وَقَالَ غَيْره : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
وَهِيَ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام.
الْخَوْف هُوَ الذُّعْر وَلَا يَكُون إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَل وَخَاوَفَنِي فُلَان فَخِفْته أَيْ كُنْت أَشَدّ خَوْفًا مِنْهُ وَالتَّخَوُّف التَّنَقُّص، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف " [ النَّحْل : ٤٧ ] وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَالْحَسَن وَعِيسَى بْن عُمَر وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَيَعْقُوب " فَلَا خَوْف " بِفَتْحِ الْفَاء عَلَى التَّبْرِئَة وَالِاخْتِيَار عِنْد النَّحْوِيِّينَ الرَّفْع وَالتَّنْوِين عَلَى الِابْتِدَاء لِأَنَّ الثَّانِي مَعْرِفَة لَا يَكُون فِيهِ إِلَّا الرَّفْع لِأَنَّ " لَا " لَا تَعْمَل فِي مَعْرِفَة فَاخْتَارُوا فِي الْأَوَّل الرَّفْع أَيْضًا لِيَكُونَ الْكَلَام مِنْ وَجْه وَاحِد وَيَجُوز أَنْ تَكُون " لَا " فِي قَوْلك فَلَا خَوْف بِمَعْنَى لَيْسَ وَالْحُزْن وَالْحَزَن ضِدّ السُّرُور، وَلَا يَكُون إِلَّا عَلَى مَاضٍ وَحَزِنَ الرَّجُل ( بِالْكَسْرِ ) فَهُوَ حَزِن وَحَزِين وَأَحْزَنَهُ غَيْره، وَحَزَّنَهُ أَيْضًا مِثْل أَسْلَكَهُ وَسَلَّكَهُ وَمَحْزُون بُنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْيَزِيدِيّ : حَزَّنَهُ لُغَة قُرَيْش وَأَحْزَنَهُ لُغَة تَمِيم، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَاِحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى، وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الْآخِرَة وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيل عَلَى نَفْي أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَخَوْفهَا عَلَى الْمُطِيعِينَ لِمَا وَصَفَهُ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله مِنْ شَدَائِد الْقِيَامَة إِلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفهُ عَنْ الْمُطِيعِينَ وَإِذَا صَارُوا إِلَى رَحْمَته فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا وَاَللَّه أَعْلَم.
رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ قَوْله :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا " [ الْحَجّ : ١٧ ] الْآيَة.
مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ " [ آل عِمْرَان : ٨٥ ] الْآيَة.
وَقَالَ غَيْره : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
وَهِيَ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
هَذِهِ الْآيَة تُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى زَعْزَعْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ مِنْ مَكَانه.
قَالَ : وَكُلّ شَيْء قَلَعْته فَرَمَيْت بِهِ فَقَدْ نَتَقْته.
وَقِيلَ : نَتَقْنَاهُ رَفَعْنَاهُ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : النَّاتِق الرَّافِع، وَالنَّاتِق الْبَاسِط، وَالنَّاتِق الْفَاتِق.
وَامْرَأَة نَاتِق وَمُنْتَاق : كَثِيرَة الْوَلَد.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ نَتْق السِّقَاء، وَهُوَ نَفْضه حَتَّى تُقْتَلَع الزُّبْدَة مِنْهُ.
قَالَ وَقَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " قَالَ : قُلِعَ مِنْ أَصْله.
وَاخْتُلِفَ فِي الطُّور، فَقِيلَ : الطُّور اِسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ التَّوْرَاة دُون غَيْره، رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّ الطُّور مَا أَنْبَتَ مِنْ الْجِبَال خَاصَّة دُون مَا لَمْ يُنْبِتْ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَيّ جَبَل كَانَ.
إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ : هُوَ اِسْم لِكُلِّ جَبَل بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآن أَلْفَاظ مُفْرَدَة غَيْر مُعَرَّبَة مِنْ غَيْر كَلَام فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَزَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنَّهُ سُمِّيَ بِطُورِ بْن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
الْقَوْل فِي سَبَب رَفْع الطُّور
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عِنْد اللَّه بِالْأَلْوَاحِ فِيهَا التَّوْرَاة قَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا.
فَقَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يُكَلِّمَنَا اللَّه بِهَا كَمَا كَلَّمَك.
فَصُعِقُوا ثُمَّ أُحْيُوا.
فَقَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا.
فَقَالُوا لَا، فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَة فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا مِنْ جِبَال فِلَسْطِين طُوله فَرْسَخ فِي مِثْله، وَكَذَلِكَ كَانَ عَسْكَرهمْ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْل الظُّلَّة، وَأُتُوا بِبَحْرٍ مِنْ خَلْفهمْ، وَنَار مِنْ قِبَل وُجُوههمْ، وَقِيلَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَعَلَيْكُمْ الْمِيثَاق أَلَّا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمْ الْجَبَل.
فَسَجَدُوا تَوْبَةً للَّه وَأَخَذُوا التَّوْرَاة بِالْمِيثَاقِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء : لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّل مَرَّة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاق.
وَكَانَ سُجُودهمْ عَلَى شِقّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُبُونَ الْجَبَل خَوْفًا، فَلَمَّا رَحِمَهُمْ اللَّه قَالُوا : لَا سَجْدَة أَفْضَل مِنْ سَجْدَة تَقَبَّلَهَا اللَّه وَرَحِمَ بِهَا عِبَاده، فَأَمَرُّوا سُجُودهمْ عَلَى شِقّ وَاحِد.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي لَا يَصِحّ سِوَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَرَعَ وَقْت سُجُودهمْ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ لَا أَنَّهُمْ آمَنُوا كُرْهًا وَقُلُوبهمْ غَيْر مُطْمَئِنَّة بِذَلِكَ.
هَذِهِ الْآيَة تُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى زَعْزَعْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ مِنْ مَكَانه.
قَالَ : وَكُلّ شَيْء قَلَعْته فَرَمَيْت بِهِ فَقَدْ نَتَقْته.
وَقِيلَ : نَتَقْنَاهُ رَفَعْنَاهُ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : النَّاتِق الرَّافِع، وَالنَّاتِق الْبَاسِط، وَالنَّاتِق الْفَاتِق.
وَامْرَأَة نَاتِق وَمُنْتَاق : كَثِيرَة الْوَلَد.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ نَتْق السِّقَاء، وَهُوَ نَفْضه حَتَّى تُقْتَلَع الزُّبْدَة مِنْهُ.
قَالَ وَقَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " قَالَ : قُلِعَ مِنْ أَصْله.
وَاخْتُلِفَ فِي الطُّور، فَقِيلَ : الطُّور اِسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ التَّوْرَاة دُون غَيْره، رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّ الطُّور مَا أَنْبَتَ مِنْ الْجِبَال خَاصَّة دُون مَا لَمْ يُنْبِتْ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَيّ جَبَل كَانَ.
إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ : هُوَ اِسْم لِكُلِّ جَبَل بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآن أَلْفَاظ مُفْرَدَة غَيْر مُعَرَّبَة مِنْ غَيْر كَلَام فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَزَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنَّهُ سُمِّيَ بِطُورِ بْن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
الْقَوْل فِي سَبَب رَفْع الطُّور
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عِنْد اللَّه بِالْأَلْوَاحِ فِيهَا التَّوْرَاة قَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا.
فَقَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يُكَلِّمَنَا اللَّه بِهَا كَمَا كَلَّمَك.
فَصُعِقُوا ثُمَّ أُحْيُوا.
فَقَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا.
فَقَالُوا لَا، فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَة فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا مِنْ جِبَال فِلَسْطِين طُوله فَرْسَخ فِي مِثْله، وَكَذَلِكَ كَانَ عَسْكَرهمْ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْل الظُّلَّة، وَأُتُوا بِبَحْرٍ مِنْ خَلْفهمْ، وَنَار مِنْ قِبَل وُجُوههمْ، وَقِيلَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَعَلَيْكُمْ الْمِيثَاق أَلَّا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمْ الْجَبَل.
فَسَجَدُوا تَوْبَةً للَّه وَأَخَذُوا التَّوْرَاة بِالْمِيثَاقِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء : لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّل مَرَّة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاق.
وَكَانَ سُجُودهمْ عَلَى شِقّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُبُونَ الْجَبَل خَوْفًا، فَلَمَّا رَحِمَهُمْ اللَّه قَالُوا : لَا سَجْدَة أَفْضَل مِنْ سَجْدَة تَقَبَّلَهَا اللَّه وَرَحِمَ بِهَا عِبَاده، فَأَمَرُّوا سُجُودهمْ عَلَى شِقّ وَاحِد.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي لَا يَصِحّ سِوَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَرَعَ وَقْت سُجُودهمْ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ لَا أَنَّهُمْ آمَنُوا كُرْهًا وَقُلُوبهمْ غَيْر مُطْمَئِنَّة بِذَلِكَ.
خُذُوا
أَيْ فَقُلْنَا خُذُوا، فَحُذِفَ.
أَيْ فَقُلْنَا خُذُوا، فَحُذِفَ.
مَا آتَيْنَاكُمْ
أَعْطَيْنَاكُمْ.
أَعْطَيْنَاكُمْ.
بِقُوَّةٍ
أَيْ بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد، قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : بِنِيَّةٍ وَإِخْلَاص.
مُجَاهِد : الْقُوَّة الْعَمَل بِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ : بِقُوَّةٍ، بِكَثْرَةِ دَرْس.
أَيْ بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد، قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : بِنِيَّةٍ وَإِخْلَاص.
مُجَاهِد : الْقُوَّة الْعَمَل بِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ : بِقُوَّةٍ، بِكَثْرَةِ دَرْس.
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ
أَيْ تَدَبَّرُوهُ وَاحْفَظُوا أَوَامِره وَوَعِيده، وَلَا تَنْسَوْهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ.
قُلْت : هَذَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْ الْكُتُب، الْعَمَل بِمُقْتَضَاهَا لَا تِلَاوَتهَا بِاللِّسَانِ وَتَرْتِيلهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ نَبْذ لَهَا، عَلَى مَا قَالَهُ الشَّعْبِيّ وَابْن عُيَيْنَة، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُمَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" نَبَذَ فَرِيق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْبَقَرَة : ١٠١ ].
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ مِنْ شَرّ النَّاس رَجُلًا فَاسِقًا يَقْرَأ الْقُرْآن لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيْء مِنْهُ ).
فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَقْصُود الْعَمَل كَمَا بَيَّنَّا.
وَقَالَ مَالِك : قَدْ يَقْرَأ الْقُرْآن مَنْ لَا خَيْر فِيهِ.
فَمَا لَزِمَ إِذًا مَنْ قَبْلنَا وَأُخِذَ عَلَيْهِمْ لَازِم لَنَا وَوَاجِب عَلَيْنَا.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ " [ الزُّمَر : ٥٥ ] فَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ كِتَابه وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ، كَمَا تَرَكْت الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَبَقِيَتْ أَشْخَاص الْكُتُب وَالْمَصَاحِف لَا تُفِيد شَيْئًا، لِغَلَبَةِ الْجَهْل وَطَلَب الرِّيَاسَة وَاتِّبَاع الْأَهْوَاء.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ قَالَ :( هَذَا أَوَان يُخْتَلَس فِيهِ الْعِلْم مِنْ النَّاس حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْء ).
فَقَالَ زِيَاد بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ : كَيْف يُخْتَلَس مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآن فَوَاَللَّهِ لَأَقْرَأَنهُ وَلَأُقْرِئَنهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا.
فَقَالَ :( ثَكِلَتْك أُمّك يَا زِيَاد إِنْ كُنْت لَأَعُدّك مِنْ فُقَهَاء الْمَدِينَة هَذِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث جُبَيْر بْن نُفَيْر أَيْضًا عَنْ عَوْف بْن مَالِك الْأَشْجَعِيّ مِنْ طَرِيق صَحِيحَة، وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزِيَادٍ :( ثَكِلَتْك أُمّك يَا زِيَاد هَذِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى ).
وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ لِإِنْسَانٍ :" إِنَّك فِي زَمَان كَثِير فُقَهَاؤُهُ، قَلِيل قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظ فِيهِ حُدُود الْقُرْآن وَتُضَيَّع حُرُوفه، قَلِيل مَنْ يَسْأَل، كَثِير مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ الصَّلَاة وَيُقْصِرُونَ فِيهِ الْخُطْبَة، يَبْدَءُونَ فِيهِ أَعْمَالهمْ قَبْل أَهْوَائِهِمْ.
وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان قَلِيل فُقَهَاؤُهُ، كَثِير قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظ فِيهِ حُرُوف الْقُرْآن، وَتُضَيَّع حُدُوده، كَثِير مَنْ يَسْأَل، قَلِيل مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَة، وَيُقْصِرُونَ الصَّلَاة، يَبْدَءُونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْل أَعْمَالهمْ ".
وَهَذِهِ نُصُوص تَدُلّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
أَيْ تَدَبَّرُوهُ وَاحْفَظُوا أَوَامِره وَوَعِيده، وَلَا تَنْسَوْهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ.
قُلْت : هَذَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْ الْكُتُب، الْعَمَل بِمُقْتَضَاهَا لَا تِلَاوَتهَا بِاللِّسَانِ وَتَرْتِيلهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ نَبْذ لَهَا، عَلَى مَا قَالَهُ الشَّعْبِيّ وَابْن عُيَيْنَة، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُمَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" نَبَذَ فَرِيق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْبَقَرَة : ١٠١ ].
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ مِنْ شَرّ النَّاس رَجُلًا فَاسِقًا يَقْرَأ الْقُرْآن لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيْء مِنْهُ ).
فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَقْصُود الْعَمَل كَمَا بَيَّنَّا.
وَقَالَ مَالِك : قَدْ يَقْرَأ الْقُرْآن مَنْ لَا خَيْر فِيهِ.
فَمَا لَزِمَ إِذًا مَنْ قَبْلنَا وَأُخِذَ عَلَيْهِمْ لَازِم لَنَا وَوَاجِب عَلَيْنَا.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ " [ الزُّمَر : ٥٥ ] فَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ كِتَابه وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ، كَمَا تَرَكْت الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَبَقِيَتْ أَشْخَاص الْكُتُب وَالْمَصَاحِف لَا تُفِيد شَيْئًا، لِغَلَبَةِ الْجَهْل وَطَلَب الرِّيَاسَة وَاتِّبَاع الْأَهْوَاء.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ قَالَ :( هَذَا أَوَان يُخْتَلَس فِيهِ الْعِلْم مِنْ النَّاس حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْء ).
فَقَالَ زِيَاد بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ : كَيْف يُخْتَلَس مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآن فَوَاَللَّهِ لَأَقْرَأَنهُ وَلَأُقْرِئَنهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا.
فَقَالَ :( ثَكِلَتْك أُمّك يَا زِيَاد إِنْ كُنْت لَأَعُدّك مِنْ فُقَهَاء الْمَدِينَة هَذِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث جُبَيْر بْن نُفَيْر أَيْضًا عَنْ عَوْف بْن مَالِك الْأَشْجَعِيّ مِنْ طَرِيق صَحِيحَة، وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزِيَادٍ :( ثَكِلَتْك أُمّك يَا زِيَاد هَذِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى ).
وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ لِإِنْسَانٍ :" إِنَّك فِي زَمَان كَثِير فُقَهَاؤُهُ، قَلِيل قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظ فِيهِ حُدُود الْقُرْآن وَتُضَيَّع حُرُوفه، قَلِيل مَنْ يَسْأَل، كَثِير مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ الصَّلَاة وَيُقْصِرُونَ فِيهِ الْخُطْبَة، يَبْدَءُونَ فِيهِ أَعْمَالهمْ قَبْل أَهْوَائِهِمْ.
وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان قَلِيل فُقَهَاؤُهُ، كَثِير قُرَّاؤُهُ، تُحْفَظ فِيهِ حُرُوف الْقُرْآن، وَتُضَيَّع حُدُوده، كَثِير مَنْ يَسْأَل، قَلِيل مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَة، وَيُقْصِرُونَ الصَّلَاة، يَبْدَءُونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْل أَعْمَالهمْ ".
وَهَذِهِ نُصُوص تَدُلّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى سَأَلْت اِبْن نَافِع عَنْ قَوْله : يَبْدَءُونَ أَهْوَاءَهُمْ قَبْل أَعْمَالهمْ ؟ قَالَ يَقُول : يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَيَتْرُكُونَ الْعَمَل بِاَلَّذِي اُفْتُرِضَ عَلَيْهِمْ.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وَتَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
تَوَلَّى تَفَعَّلَ، وَأَصْله الْإِعْرَاض وَالْإِدْبَار عَنْ الشَّيْء بِالْجِسْمِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِعْرَاض عَنْ الْأَوَامِر وَالْأَدْيَان وَالْمُعْتَقَدَات اِتِّسَاعًا وَمَجَازًا.
تَوَلَّى تَفَعَّلَ، وَأَصْله الْإِعْرَاض وَالْإِدْبَار عَنْ الشَّيْء بِالْجِسْمِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِعْرَاض عَنْ الْأَوَامِر وَالْأَدْيَان وَالْمُعْتَقَدَات اِتِّسَاعًا وَمَجَازًا.
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
أَيْ مِنْ بَعْد الْبُرْهَان، وَهُوَ أَخْذ الْمِيثَاق وَرَفْع الْجَبَل.
أَيْ مِنْ بَعْد الْبُرْهَان، وَهُوَ أَخْذ الْمِيثَاق وَرَفْع الْجَبَل.
فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
" فَضْل " مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف لَا يَجُوز إِظْهَاره ; لِأَنَّ الْعَرَب اِسْتَغْنَتْ عَنْ إِظْهَاره، إِلَّا أَنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا إِظْهَاره جَاءُوا بِأَنَّ، فَإِذَا جَاءُوا بِهَا لَمْ يَحْذِفُوا الْخَبَر.
وَالتَّقْدِير فَلَوْلَا فَضْل اللَّه تَدَارَكَكُمْ.
" فَضْل " مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ عِنْد سِيبَوَيْهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف لَا يَجُوز إِظْهَاره ; لِأَنَّ الْعَرَب اِسْتَغْنَتْ عَنْ إِظْهَاره، إِلَّا أَنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا إِظْهَاره جَاءُوا بِأَنَّ، فَإِذَا جَاءُوا بِهَا لَمْ يَحْذِفُوا الْخَبَر.
وَالتَّقْدِير فَلَوْلَا فَضْل اللَّه تَدَارَكَكُمْ.
وَرَحْمَتُهُ
عَطْف عَلَى " فَضْل " أَيْ لُطْفه وَإِمْهَاله
عَطْف عَلَى " فَضْل " أَيْ لُطْفه وَإِمْهَاله
لَكُنْتُمْ
جَوَاب " لَوْلَا "
جَوَاب " لَوْلَا "
مِنَ الْخَاسِرِينَ
خَبَر كُنْتُمْ.
وَالْخُسْرَان : النُّقْصَان، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : فَضْله قَبُول التَّوْبَة، و " رَحْمَته " الْعَفْو.
وَالْفَضْل : الزِّيَادَة عَلَى مَا وَجَبَ.
وَالْإِفْضَال : فِعْل مَا لَمْ يَجِب.
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : الْفَضْل الزِّيَادَة وَالْخَيْر، وَالْإِفْضَال : الْإِحْسَان.
خَبَر كُنْتُمْ.
وَالْخُسْرَان : النُّقْصَان، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : فَضْله قَبُول التَّوْبَة، و " رَحْمَته " الْعَفْو.
وَالْفَضْل : الزِّيَادَة عَلَى مَا وَجَبَ.
وَالْإِفْضَال : فِعْل مَا لَمْ يَجِب.
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : الْفَضْل الزِّيَادَة وَالْخَيْر، وَالْإِفْضَال : الْإِحْسَان.
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ
" عَلِمْتُمْ " مَعْنَاهُ عَرَفْتُمْ أَعْيَانهمْ.
وَقِيلَ : عَلِمْتُمْ أَحْكَامهمْ.
وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْمَعْرِفَة مُتَوَجِّهَة إِلَى ذَات الْمُسَمَّى.
وَالْعِلْم مُتَوَجِّه إِلَى أَحْوَال الْمُسَمَّى.
فَإِذَا قُلْت : عَرَفْت زَيْدًا، فَالْمُرَاد شَخْصه وَإِذَا قُلْت : عَلِمْت زَيْدًا، فَالْمُرَاد بِهِ الْعِلْم بِأَحْوَالِهِ مِنْ فَضْل وَنَقْص.
فَعَلَى الْأَوَّل يَتَعَدَّى الْفِعْل إِلَى مَفْعُول وَاحِد، وَهُوَ قَوْل سِيبَوَيْهِ :" عَلِمْتُمْ " بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ.
وَعَلَى الثَّانِي إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَحَكَى الْأَخْفَش وَلَقَدْ عَلِمْت زَيْدًا وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمهُ.
وَفِي التَّنْزِيل :" لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ " [ الْأَنْفَال : ٦٠ ] كُلّ هَذَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَة، فَاعْلَمْ.
" الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت " [ الْبَقَرَة : ٦٥ ] صِلَة " الَّذِينَ ".
وَالِاعْتِدَاء.
التَّجَاوُز، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال قَالَ : قَالَ يَهُودِيّ لِصَاحِبِهِ : اِذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيّ.
فَقَالَ لَهُ صَاحِبه : لَا تَقُلْ نَبِيّ لَوْ سَمِعَك فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَة أَعْيُن.
فَأَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْع آيَات بَيِّنَات، فَقَالَ لَهُمْ :( لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَان وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَة وَلَا تُوَلُّوا يَوْم الزَّحْف وَعَلَيْكُمْ خَاصَّة يَهُود أَلَّا تَعْدُوا فِي السَّبْت ).
فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا : نَشْهَد أَنَّك نَبِيّ.
قَالَ :( فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ) قَالُوا : إِنَّ دَاوُد دَعَا بِأَلَّا يُزَال مِنْ ذُرِّيَّته نَبِيّ وَإِنَّا نَخَاف إِنْ اِتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلنَا يَهُود.
وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَسَيَأْتِي لَفْظه فِي سُورَة " سُبْحَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" عَلِمْتُمْ " مَعْنَاهُ عَرَفْتُمْ أَعْيَانهمْ.
وَقِيلَ : عَلِمْتُمْ أَحْكَامهمْ.
وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْمَعْرِفَة مُتَوَجِّهَة إِلَى ذَات الْمُسَمَّى.
وَالْعِلْم مُتَوَجِّه إِلَى أَحْوَال الْمُسَمَّى.
فَإِذَا قُلْت : عَرَفْت زَيْدًا، فَالْمُرَاد شَخْصه وَإِذَا قُلْت : عَلِمْت زَيْدًا، فَالْمُرَاد بِهِ الْعِلْم بِأَحْوَالِهِ مِنْ فَضْل وَنَقْص.
فَعَلَى الْأَوَّل يَتَعَدَّى الْفِعْل إِلَى مَفْعُول وَاحِد، وَهُوَ قَوْل سِيبَوَيْهِ :" عَلِمْتُمْ " بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ.
وَعَلَى الثَّانِي إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَحَكَى الْأَخْفَش وَلَقَدْ عَلِمْت زَيْدًا وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمهُ.
وَفِي التَّنْزِيل :" لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ " [ الْأَنْفَال : ٦٠ ] كُلّ هَذَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَة، فَاعْلَمْ.
" الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت " [ الْبَقَرَة : ٦٥ ] صِلَة " الَّذِينَ ".
وَالِاعْتِدَاء.
التَّجَاوُز، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال قَالَ : قَالَ يَهُودِيّ لِصَاحِبِهِ : اِذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيّ.
فَقَالَ لَهُ صَاحِبه : لَا تَقُلْ نَبِيّ لَوْ سَمِعَك فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَة أَعْيُن.
فَأَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْع آيَات بَيِّنَات، فَقَالَ لَهُمْ :( لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَان وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَة وَلَا تُوَلُّوا يَوْم الزَّحْف وَعَلَيْكُمْ خَاصَّة يَهُود أَلَّا تَعْدُوا فِي السَّبْت ).
فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا : نَشْهَد أَنَّك نَبِيّ.
قَالَ :( فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي ) قَالُوا : إِنَّ دَاوُد دَعَا بِأَلَّا يُزَال مِنْ ذُرِّيَّته نَبِيّ وَإِنَّا نَخَاف إِنْ اِتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلنَا يَهُود.
وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَسَيَأْتِي لَفْظه فِي سُورَة " سُبْحَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فِي السَّبْتِ
مَعْنَاهُ فِي يَوْم السَّبْت، وَيُحْتَمَل أَنْ يُرِيد فِي حُكْم السَّبْت.
وَالْأَوَّل قَوْل الْحَسَن، وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ الْحِيتَان عَلَى جِهَة الِاسْتِحْلَال.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك قَالَ : زَعَمَ اِبْن رُومَان أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذ الرَّجُل مِنْهُمْ خَيْطًا وَيَضَع فِيهِ وَهْقَة وَأَلْقَاهَا فِي ذَنَب الْحُوت، وَفِي الطَّرَف الْآخَر مِنْ الْخَيْط وَتَد وَتَرَكَهُ كَذَلِكَ إِلَى الْأَحَد، ثُمَّ تَطَرَّقَ النَّاس حِين رَأَوْا مَنْ صَنَعَ لَا يُبْتَلَى، حَتَّى كَثُرَ صَيْد الْحُوت وَمُشِيَ بِهِ فِي الْأَسْوَاق، وَأَعْلَنَ الْفَسَقَة بِصَيْدِهِ.
فَقَامَتْ فِرْقَة فَنَهَتْ وَجَاهَرَتْ بِالنَّهْيِ وَاعْتَزَلَتْ.
وَيُقَال : إِنَّ النَّاهِينَ قَالُوا : لَا نُسَاكِنكُمْ، فَقَسَمُوا الْقَرْيَة بِجِدَارٍ.
فَأَصْبَحَ النَّاهُونَ ذَات يَوْم فِي مَجَالِسهمْ وَلَمْ يَخْرُج مِنْ الْمُعْتَدِينَ أَحَد، فَقَالُوا : إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا، فَعَلَوْا عَلَى الْجِدَار فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ قِرَدَة، فَفَتَحُوا الْبَاب وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتْ الْقِرَدَة أَنْسَابهَا مِنْ الْإِنْس، وَلَا يَعْرِف الْإِنْس أَنْسَابهمْ مِنْ الْقِرَدَة، فَجَعَلَتْ الْقِرَدَة تَأْتِي نَسِيبهَا مِنْ الْإِنْس فَتَشُمّ ثِيَابه وَتَبْكِي، فَيَقُول : أَلَمْ نَنْهَكُمْ فَتَقُول بِرَأْسِهَا نَعَمْ.
قَالَ قَتَادَة : صَارَ الشُّبَّان قِرَدَة، وَالشُّيُوخ خَنَازِير، فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرهمْ.
وَسَيَأْتِي فِي " الْأَعْرَاف " قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاث فِرَق.
وَهُوَ أَصَحّ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَفْتَرِقُوا إِلَّا فِرْقَتَيْنِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالسَّبْت مَأْخُوذ مِنْ السَّبْت وَهُوَ الْقَطْع، فَقِيلَ : إِنَّ الْأَشْيَاء سَبَتَتْ وَتَمَّتْ خِلْقَتهَا.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ السُّبُوت الَّذِي هُوَ الرَّاحَة وَالدَّعَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَمْسُوخ هَلْ يَنْسِل عَلَى قَوْلَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج : قَالَ قَوْم يَجُوز أَنْ تَكُون هَذِهِ الْقِرَدَة مِنْهُمْ.
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل وَإِنَّ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَغَيْرهمَا كَانَتْ قَبْل ذَلِكَ، وَاَلَّذِينَ مَسَخَهُمْ اللَّه قَدْ هَلَكُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْل ; لِأَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُمْ السُّخْط وَالْعَذَاب، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَرَار فِي الدُّنْيَا بَعْد ثَلَاثَة أَيَّام.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَعِشْ مَسْخ قَطُّ فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَمْ يَأْكُل وَلَمْ يَشْرَب وَلَمْ يَنْسِل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ أَنَّ الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل، وَلَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب وَلَا يَعِيش أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام.
قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا مَا اِحْتَجَّ بِهِ اِبْن الْعَرَبِيّ وَغَيْره عَلَى صِحَّة الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فُقِدَتْ أُمَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْر أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الْإِبِل لَمْ تَشْرَبهُ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الشَّاء شَرِبَتْهُ ).
مَعْنَاهُ فِي يَوْم السَّبْت، وَيُحْتَمَل أَنْ يُرِيد فِي حُكْم السَّبْت.
وَالْأَوَّل قَوْل الْحَسَن، وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ الْحِيتَان عَلَى جِهَة الِاسْتِحْلَال.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك قَالَ : زَعَمَ اِبْن رُومَان أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذ الرَّجُل مِنْهُمْ خَيْطًا وَيَضَع فِيهِ وَهْقَة وَأَلْقَاهَا فِي ذَنَب الْحُوت، وَفِي الطَّرَف الْآخَر مِنْ الْخَيْط وَتَد وَتَرَكَهُ كَذَلِكَ إِلَى الْأَحَد، ثُمَّ تَطَرَّقَ النَّاس حِين رَأَوْا مَنْ صَنَعَ لَا يُبْتَلَى، حَتَّى كَثُرَ صَيْد الْحُوت وَمُشِيَ بِهِ فِي الْأَسْوَاق، وَأَعْلَنَ الْفَسَقَة بِصَيْدِهِ.
فَقَامَتْ فِرْقَة فَنَهَتْ وَجَاهَرَتْ بِالنَّهْيِ وَاعْتَزَلَتْ.
وَيُقَال : إِنَّ النَّاهِينَ قَالُوا : لَا نُسَاكِنكُمْ، فَقَسَمُوا الْقَرْيَة بِجِدَارٍ.
فَأَصْبَحَ النَّاهُونَ ذَات يَوْم فِي مَجَالِسهمْ وَلَمْ يَخْرُج مِنْ الْمُعْتَدِينَ أَحَد، فَقَالُوا : إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا، فَعَلَوْا عَلَى الْجِدَار فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ قِرَدَة، فَفَتَحُوا الْبَاب وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتْ الْقِرَدَة أَنْسَابهَا مِنْ الْإِنْس، وَلَا يَعْرِف الْإِنْس أَنْسَابهمْ مِنْ الْقِرَدَة، فَجَعَلَتْ الْقِرَدَة تَأْتِي نَسِيبهَا مِنْ الْإِنْس فَتَشُمّ ثِيَابه وَتَبْكِي، فَيَقُول : أَلَمْ نَنْهَكُمْ فَتَقُول بِرَأْسِهَا نَعَمْ.
قَالَ قَتَادَة : صَارَ الشُّبَّان قِرَدَة، وَالشُّيُوخ خَنَازِير، فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرهمْ.
وَسَيَأْتِي فِي " الْأَعْرَاف " قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاث فِرَق.
وَهُوَ أَصَحّ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَفْتَرِقُوا إِلَّا فِرْقَتَيْنِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالسَّبْت مَأْخُوذ مِنْ السَّبْت وَهُوَ الْقَطْع، فَقِيلَ : إِنَّ الْأَشْيَاء سَبَتَتْ وَتَمَّتْ خِلْقَتهَا.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ السُّبُوت الَّذِي هُوَ الرَّاحَة وَالدَّعَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَمْسُوخ هَلْ يَنْسِل عَلَى قَوْلَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج : قَالَ قَوْم يَجُوز أَنْ تَكُون هَذِهِ الْقِرَدَة مِنْهُمْ.
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل وَإِنَّ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَغَيْرهمَا كَانَتْ قَبْل ذَلِكَ، وَاَلَّذِينَ مَسَخَهُمْ اللَّه قَدْ هَلَكُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْل ; لِأَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُمْ السُّخْط وَالْعَذَاب، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَرَار فِي الدُّنْيَا بَعْد ثَلَاثَة أَيَّام.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمْ يَعِشْ مَسْخ قَطُّ فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَمْ يَأْكُل وَلَمْ يَشْرَب وَلَمْ يَنْسِل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ أَنَّ الْمَمْسُوخ لَا يَنْسِل، وَلَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب وَلَا يَعِيش أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام.
قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا مَا اِحْتَجَّ بِهِ اِبْن الْعَرَبِيّ وَغَيْره عَلَى صِحَّة الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فُقِدَتْ أُمَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْر أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الْإِبِل لَمْ تَشْرَبهُ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَان الشَّاء شَرِبَتْهُ ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَبِحَدِيثِ الضَّبّ رَوَاهُ مُسْلِم أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيد وَجَابِر، قَالَ جَابِر : أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْكُل مِنْهُ، وَقَالَ :( لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْ الْقُرُون الَّتِي مُسِخَتْ ) فَمُتَأَوَّل عَلَى مَا يَأْتِي.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ :/و فِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
ثَبَتَ فِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ وَسَقَطَ فِي بَعْضهَا، وَثَبَتَ فِي نَصّ الْحَدِيث " قَدْ زَنَتْ " وَسَقَطَ هَذَا اللَّفْظ عِنْد بَعْضهمْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ قِيلَ : وَكَأَنَّ الْبَهَائِم بَقِيَتْ فِيهِمْ مَعَارِف الشَّرَائِع حَتَّى وَرِثُوهَا خَلَفًا عَنْ سَلَف إِلَى زَمَان عَمْرو ؟ قُلْنَا : نَعَمْ كَذَلِكَ كَانَ، لِأَنَّ الْيَهُود غَيَّرُوا الرَّجْم فَأَرَادَ اللَّه أَنْ يُقِيمهُ فِي مُسُوخهمْ حَتَّى يَكُون أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيَّرُوهُ، حَتَّى تَشْهَد عَلَيْهِمْ كُتُبهمْ وَأَحْبَارهمْ وَمُسُوخهمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَيُحْصِي مَا يُبَدِّلُونَ وَمَا يُغَيِّرُونَ، وَيُقِيم عَلَيْهِمْ الْحُجَّة مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَنْصُر نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ.
قُلْت : هَذَا كَلَامه فِي الْأَحْكَام، وَلَا حُجَّة فِي شَيْء مِنْهُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّة عَمْرو فَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي جَمْع الصَّحِيحَيْنِ : حَكَى أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ أَنَّ لِعَمْرِو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَة مِنْ رِوَايَة حُصَيْن عَنْهُ قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَة فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
كَذَا حَكَى أَبُو مَسْعُود وَلَمْ يَذْكُر فِي أَيّ مَوْضِع أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ كِتَابه، فَبَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ فِي بَعْض النُّسَخ لَا فِي كُلّهَا، فَذَكَرَ فِي كِتَاب أَيَّام الْجَاهِلِيَّة.
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النُّعَيْمِيّ عَنْ الْفَرَبْرِيّ أَصْلًا شَيْء مِنْ هَذَا الْخَبَر فِي الْقِرَدَة، وَلَعَلَّهَا مِنْ الْمُقْحَمَات فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ.
وَاَلَّذِي قَالَ الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ الْكَبِير : قَالَ لِي نُعَيْم بْن حَمَّاد أَخْبَرَنَا هُشَيْم عَنْ أَبِي بَلْج وَحُصَيْن عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا قُرُود فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
وَلَيْسَ فِيهِ " قَدْ زَنَتْ ".
فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيّ دَلَالَة عَلَى أَنَّ عَمْرو بْن مَيْمُون قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّة وَلَمْ يُبَالِ بِظَنِّهِ الَّذِي ظَنَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَذَكَرَ أَبُو عُمَر فِي الِاسْتِيعَاب عَمْرو بْن مَيْمُون وَأَنَّ كُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه " مَعْدُود فِي كِبَار التَّابِعِينَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى الرَّجْم فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ الْقِرَدَة إِنْ صَحَّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ رُوَاته مَجْهُولُونَ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ :/و فِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
ثَبَتَ فِي بَعْض نُسَخ الْبُخَارِيّ وَسَقَطَ فِي بَعْضهَا، وَثَبَتَ فِي نَصّ الْحَدِيث " قَدْ زَنَتْ " وَسَقَطَ هَذَا اللَّفْظ عِنْد بَعْضهمْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ قِيلَ : وَكَأَنَّ الْبَهَائِم بَقِيَتْ فِيهِمْ مَعَارِف الشَّرَائِع حَتَّى وَرِثُوهَا خَلَفًا عَنْ سَلَف إِلَى زَمَان عَمْرو ؟ قُلْنَا : نَعَمْ كَذَلِكَ كَانَ، لِأَنَّ الْيَهُود غَيَّرُوا الرَّجْم فَأَرَادَ اللَّه أَنْ يُقِيمهُ فِي مُسُوخهمْ حَتَّى يَكُون أَبْلَغ فِي الْحُجَّة عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيَّرُوهُ، حَتَّى تَشْهَد عَلَيْهِمْ كُتُبهمْ وَأَحْبَارهمْ وَمُسُوخهمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَيُحْصِي مَا يُبَدِّلُونَ وَمَا يُغَيِّرُونَ، وَيُقِيم عَلَيْهِمْ الْحُجَّة مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَنْصُر نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ.
قُلْت : هَذَا كَلَامه فِي الْأَحْكَام، وَلَا حُجَّة فِي شَيْء مِنْهُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّة عَمْرو فَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي جَمْع الصَّحِيحَيْنِ : حَكَى أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيّ أَنَّ لِعَمْرِو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَة مِنْ رِوَايَة حُصَيْن عَنْهُ قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَة فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
كَذَا حَكَى أَبُو مَسْعُود وَلَمْ يَذْكُر فِي أَيّ مَوْضِع أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ كِتَابه، فَبَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ فِي بَعْض النُّسَخ لَا فِي كُلّهَا، فَذَكَرَ فِي كِتَاب أَيَّام الْجَاهِلِيَّة.
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النُّعَيْمِيّ عَنْ الْفَرَبْرِيّ أَصْلًا شَيْء مِنْ هَذَا الْخَبَر فِي الْقِرَدَة، وَلَعَلَّهَا مِنْ الْمُقْحَمَات فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ.
وَاَلَّذِي قَالَ الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ الْكَبِير : قَالَ لِي نُعَيْم بْن حَمَّاد أَخْبَرَنَا هُشَيْم عَنْ أَبِي بَلْج وَحُصَيْن عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة اِجْتَمَعَ عَلَيْهَا قُرُود فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
وَلَيْسَ فِيهِ " قَدْ زَنَتْ ".
فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيّ دَلَالَة عَلَى أَنَّ عَمْرو بْن مَيْمُون قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّة وَلَمْ يُبَالِ بِظَنِّهِ الَّذِي ظَنَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَذَكَرَ أَبُو عُمَر فِي الِاسْتِيعَاب عَمْرو بْن مَيْمُون وَأَنَّ كُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه " مَعْدُود فِي كِبَار التَّابِعِينَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى الرَّجْم فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ الْقِرَدَة إِنْ صَحَّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ رُوَاته مَجْهُولُونَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ نُعَيْم عَنْ هُشَيْم عَنْ حُصَيْن عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ مُخْتَصَرًا قَالَ : رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قِرَدَة زَنَتْ فَرَجَمُوهَا يَعْنِي الْقِرَدَة فَرَجَمْتهَا مَعَهُمْ.
وَرَوَاهُ عَبَّاد بْن الْعَوَّام عَنْ حُصَيْن كَمَا رَوَاهُ هُشَيْم مُخْتَصَرًا.
وَأَمَّا الْقِصَّة بِطُولِهَا فَإِنَّهَا تَدُور عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مُسْلِم عَنْ عِيسَى بْن حِطَّان، وَلَيْسَا مِمَّنْ يُحْتَجّ بِهِمَا.
وَهَذَا عِنْد جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم مُنْكَر إِضَافَة الزِّنَى إِلَى غَيْر مُكَلَّف، وَإِقَامَة الْحُدُود فِي الْبَهَائِم.
وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا مِنْ الْجِنّ ; لِأَنَّ الْعِبَادَات فِي الْإِنْس وَالْجِنّ دُون غَيْرهمَا ".
وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة :( وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْر ) وَفِي الضَّبّ :( لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْ الْقُرُون الَّتِي مُسِخَتْ ) وَمَا كَانَ مِثْله، فَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا وَخَوْفًا لِأَنْ يَكُون الضَّبّ وَالْفَأْر وَغَيْرهمَا مِمَّا مُسِخَ، وَكَانَ هَذَا حَدْسًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لِلْمَسْخِ نَسْلًا، فَلَمَّا أَوْحَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ التَّخَوُّف، وَعَلِمَ أَنَّ الضَّبّ وَالْفَأْر لَيْسَا مِمَّا مُسِخَ، وَعِنْد ذَلِكَ أَخْبَرَنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير : هِيَ مِمَّا مُسِخَ فَقَالَ :( إِنَّ اللَّه لَمْ يُهْلِك قَوْمًا أَوْ يُعَذِّب قَوْمًا فَيَجْعَل لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير كَانُوا قَبْل ذَلِكَ ).
وَهَذَا نَصّ صَرِيح صَحِيح رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي كِتَاب الْقَدَر.
وَثَبَتَتْ النُّصُوص بِأَكْلِ الضَّبّ بِحَضْرَتِهِ وَعَلَى مَائِدَته وَلَمْ يُنْكِر، فَدَلَّ عَلَى صِحَّة مَا ذَكَرْنَا.
وَبِاَللَّهِ تَوْفِيقنَا.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ إِنَّمَا مُسِخَتْ قُلُوبهمْ فَقَطْ، وَرُدَّتْ أَفْهَامهمْ كَأَفْهَامِ الْقِرَدَة.
وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا أَعْلَم، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَرَوَاهُ عَبَّاد بْن الْعَوَّام عَنْ حُصَيْن كَمَا رَوَاهُ هُشَيْم مُخْتَصَرًا.
وَأَمَّا الْقِصَّة بِطُولِهَا فَإِنَّهَا تَدُور عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مُسْلِم عَنْ عِيسَى بْن حِطَّان، وَلَيْسَا مِمَّنْ يُحْتَجّ بِهِمَا.
وَهَذَا عِنْد جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم مُنْكَر إِضَافَة الزِّنَى إِلَى غَيْر مُكَلَّف، وَإِقَامَة الْحُدُود فِي الْبَهَائِم.
وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا مِنْ الْجِنّ ; لِأَنَّ الْعِبَادَات فِي الْإِنْس وَالْجِنّ دُون غَيْرهمَا ".
وَأَمَّا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة :( وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْر ) وَفِي الضَّبّ :( لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنْ الْقُرُون الَّتِي مُسِخَتْ ) وَمَا كَانَ مِثْله، فَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا وَخَوْفًا لِأَنْ يَكُون الضَّبّ وَالْفَأْر وَغَيْرهمَا مِمَّا مُسِخَ، وَكَانَ هَذَا حَدْسًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لِلْمَسْخِ نَسْلًا، فَلَمَّا أَوْحَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ التَّخَوُّف، وَعَلِمَ أَنَّ الضَّبّ وَالْفَأْر لَيْسَا مِمَّا مُسِخَ، وَعِنْد ذَلِكَ أَخْبَرَنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير : هِيَ مِمَّا مُسِخَ فَقَالَ :( إِنَّ اللَّه لَمْ يُهْلِك قَوْمًا أَوْ يُعَذِّب قَوْمًا فَيَجْعَل لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير كَانُوا قَبْل ذَلِكَ ).
وَهَذَا نَصّ صَرِيح صَحِيح رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي كِتَاب الْقَدَر.
وَثَبَتَتْ النُّصُوص بِأَكْلِ الضَّبّ بِحَضْرَتِهِ وَعَلَى مَائِدَته وَلَمْ يُنْكِر، فَدَلَّ عَلَى صِحَّة مَا ذَكَرْنَا.
وَبِاَللَّهِ تَوْفِيقنَا.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ إِنَّمَا مُسِخَتْ قُلُوبهمْ فَقَطْ، وَرُدَّتْ أَفْهَامهمْ كَأَفْهَامِ الْقِرَدَة.
وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا أَعْلَم، وَاَللَّه أَعْلَم.
فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
" قِرَدَة " خَبَر كَانَ.
" خَاسِئِينَ " نَعْت، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته خَبَرًا ثَانِيًا لِكَانَ، أَوْ حَالًا مِنْ الضَّمِير فِي " كُونُوا ".
وَمَعْنَاهُ مُبْعَدِينَ.
يُقَال : خَسَأْته فَخَسَأَ وَخُسِئَ، وَانْخَسَأَ أَيْ أَبْعَدْته فَبَعُدَ.
وَقَوْله تَعَالَى :" يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا " [ الْمُلْك : ٤ ] أَيْ مُبْعَدًا.
وَقَوْلُهُ :" اِخْسَئُوا فِيهَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٠٨ ] أَيْ تَبَاعَدُوا.
تَبَاعُد سُخْط.
قَالَ الْكِسَائِيّ : خَسَأَ الرَّجُل خُسُوءًا، وَخَسَأْته خَسْأً.
وَيَكُون الْخَاسِئ بِمَعْنَى الصَّاغِر الْقَمِيء.
يُقَال : قَمُؤَ الرَّجُل قِمَاء وَقَمَاءَة صَارَ قَمِيئًا، وَهُوَ الصَّاغِر الذَّلِيل.
وَأَقْمَأْته : صَغَّرْته وَذَلَّلْته، فَهُوَ قَمِيء عَلَى فَعِيل.
" قِرَدَة " خَبَر كَانَ.
" خَاسِئِينَ " نَعْت، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته خَبَرًا ثَانِيًا لِكَانَ، أَوْ حَالًا مِنْ الضَّمِير فِي " كُونُوا ".
وَمَعْنَاهُ مُبْعَدِينَ.
يُقَال : خَسَأْته فَخَسَأَ وَخُسِئَ، وَانْخَسَأَ أَيْ أَبْعَدْته فَبَعُدَ.
وَقَوْله تَعَالَى :" يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا " [ الْمُلْك : ٤ ] أَيْ مُبْعَدًا.
وَقَوْلُهُ :" اِخْسَئُوا فِيهَا " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٠٨ ] أَيْ تَبَاعَدُوا.
تَبَاعُد سُخْط.
قَالَ الْكِسَائِيّ : خَسَأَ الرَّجُل خُسُوءًا، وَخَسَأْته خَسْأً.
وَيَكُون الْخَاسِئ بِمَعْنَى الصَّاغِر الْقَمِيء.
يُقَال : قَمُؤَ الرَّجُل قِمَاء وَقَمَاءَة صَارَ قَمِيئًا، وَهُوَ الصَّاغِر الذَّلِيل.
وَأَقْمَأْته : صَغَّرْته وَذَلَّلْته، فَهُوَ قَمِيء عَلَى فَعِيل.
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا
نَصْب عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَفِي الْمَجْعُول نَكَالًا أَقَاوِيل، قِيلَ : الْعُقُوبَة.
وَقِيلَ : الْقَرْيَة ; إِذْ مَعْنَى الْكَلَام يَقْتَضِيهَا وَقِيلَ : الْأُمَّة الَّتِي مُسِخَتْ.
وَقِيلَ : الْحِيتَان، وَفِيهِ بُعْد.
وَالنَّكَال : الزَّجْر وَالْعِقَاب.
وَالنِّكْل وَالْأَنْكَال : الْقُيُود.
وَسُمِّيَتْ الْقُيُود أَنْكَالًا لِأَنَّهَا يُنْكَل بِهَا، أَيْ يُمْنَع.
وَيُقَال لِلِّجَامِ الثَّقِيل : نَكْل وَنِكْل ; لِأَنَّ الدَّابَّة تُمْنَع بِهِ وَنَكَلَ عَنْ الْأَمْر يَنْكُل، وَنَكِلَ يَنْكَل إِذَا اِمْتَنَعَ.
وَالتَّنْكِيل : إِصَابَة الْأَعْدَاء بِعُقُوبَةٍ تُنَكِّل مَنْ وَرَاءَهُمْ، أَيْ تُجَبِّنهُمْ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : النَّكَال الْعُقُوبَة.
اِبْن دُرَيْد : وَالْمَنْكَل : الشَّيْء الَّذِي يُنَكِّل بِالْإِنْسَانِ، قَالَ :
فَارْمِ عَلَى أَقْفَائِهِمْ بِمَنْكَل
نَصْب عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي.
وَفِي الْمَجْعُول نَكَالًا أَقَاوِيل، قِيلَ : الْعُقُوبَة.
وَقِيلَ : الْقَرْيَة ; إِذْ مَعْنَى الْكَلَام يَقْتَضِيهَا وَقِيلَ : الْأُمَّة الَّتِي مُسِخَتْ.
وَقِيلَ : الْحِيتَان، وَفِيهِ بُعْد.
وَالنَّكَال : الزَّجْر وَالْعِقَاب.
وَالنِّكْل وَالْأَنْكَال : الْقُيُود.
وَسُمِّيَتْ الْقُيُود أَنْكَالًا لِأَنَّهَا يُنْكَل بِهَا، أَيْ يُمْنَع.
وَيُقَال لِلِّجَامِ الثَّقِيل : نَكْل وَنِكْل ; لِأَنَّ الدَّابَّة تُمْنَع بِهِ وَنَكَلَ عَنْ الْأَمْر يَنْكُل، وَنَكِلَ يَنْكَل إِذَا اِمْتَنَعَ.
وَالتَّنْكِيل : إِصَابَة الْأَعْدَاء بِعُقُوبَةٍ تُنَكِّل مَنْ وَرَاءَهُمْ، أَيْ تُجَبِّنهُمْ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : النَّكَال الْعُقُوبَة.
اِبْن دُرَيْد : وَالْمَنْكَل : الشَّيْء الَّذِي يُنَكِّل بِالْإِنْسَانِ، قَالَ :
فَارْمِ عَلَى أَقْفَائِهِمْ بِمَنْكَل
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : لِمَا بَيْن يَدَيْ الْمَسْخَة مَا قَبْلهَا مِنْ ذُنُوب الْقَوْم.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : لِمَا بَيْن يَدَيْ الْمَسْخَة مَا قَبْلهَا مِنْ ذُنُوب الْقَوْم.
وَمَا خَلْفَهَا
لِمَنْ يَعْمَل مِثْل تِلْكَ الذُّنُوب.
قَالَ الْفَرَّاء : جُعِلَتْ الْمَسْخَة نَكَالًا لِمَا مَضَى مِنْ الذُّنُوب، وَلِمَا يُعْمَل بَعْدهَا لِيَخَافُوا الْمَسْخ بِذُنُوبِهِمْ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا قَوْل جَيِّد، وَالضَّمِيرَانِ لِلْعُقُوبَةِ.
وَرَوَى الْحَكَم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ.
وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس، قَالَ : وَهُوَ أَشْبَه بِالْمَعْنَى، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
" لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا " مِنْ الْقُرَى.
وَقَالَ قَتَادَة :" لِمَا بَيْن يَدَيْهَا " مِنْ ذُنُوبهمْ " وَمَا خَلْفهَا " مِنْ صَيْد الْحِيتَان.
لِمَنْ يَعْمَل مِثْل تِلْكَ الذُّنُوب.
قَالَ الْفَرَّاء : جُعِلَتْ الْمَسْخَة نَكَالًا لِمَا مَضَى مِنْ الذُّنُوب، وَلِمَا يُعْمَل بَعْدهَا لِيَخَافُوا الْمَسْخ بِذُنُوبِهِمْ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا قَوْل جَيِّد، وَالضَّمِيرَانِ لِلْعُقُوبَةِ.
وَرَوَى الْحَكَم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدهمْ.
وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس، قَالَ : وَهُوَ أَشْبَه بِالْمَعْنَى، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
" لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا " مِنْ الْقُرَى.
وَقَالَ قَتَادَة :" لِمَا بَيْن يَدَيْهَا " مِنْ ذُنُوبهمْ " وَمَا خَلْفهَا " مِنْ صَيْد الْحِيتَان.
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
عَطْف عَلَى نَكَال، وَوَزْنهَا مَفْعِلَة مِنْ الِاتِّعَاظ وَالِانْزِجَار.
وَالْوَعْظ : التَّخْوِيف.
وَالْعِظَة الِاسْم.
قَالَ الْخَلِيل : الْوَعْظ التَّذْكِير بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقّ لَهُ الْقَلْب.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْعِظَة لِلْعَالَمِينَ لِتَفَرُّدِهِمْ بِهَا عَنْ الْكَافِرِينَ الْمُعَانِدِينَ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاللَّفْظ يَعُمّ كُلّ مُتَّقٍ مِنْ كُلّ أُمَّة، وَقَالَ الزَّجَّاج " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ " لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَهِكُوا مِنْ حُرَم اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَيُصِيبهُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَاب السَّبْت ; إِذْ اِنْتَهَكُوا حُرَم اللَّه فِي سَبْتهمْ
عَطْف عَلَى نَكَال، وَوَزْنهَا مَفْعِلَة مِنْ الِاتِّعَاظ وَالِانْزِجَار.
وَالْوَعْظ : التَّخْوِيف.
وَالْعِظَة الِاسْم.
قَالَ الْخَلِيل : الْوَعْظ التَّذْكِير بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقّ لَهُ الْقَلْب.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْعِظَة لِلْعَالَمِينَ لِتَفَرُّدِهِمْ بِهَا عَنْ الْكَافِرِينَ الْمُعَانِدِينَ قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاللَّفْظ يَعُمّ كُلّ مُتَّقٍ مِنْ كُلّ أُمَّة، وَقَالَ الزَّجَّاج " وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ " لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَهِكُوا مِنْ حُرَم اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَيُصِيبهُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَاب السَّبْت ; إِذْ اِنْتَهَكُوا حُرَم اللَّه فِي سَبْتهمْ
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
حُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ قَرَأَ " يَأْمُركُمْ " بِالسُّكُونِ، وَحَذْف الضَّمَّة مِنْ الرَّاء لِثِقَلِهَا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد : لَا يَجُوز هَذَا لِأَنَّ الرَّاء حَرْف الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا الصَّحِيح عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِس الْحَرَكَة.
" أَنْ تَذْبَحُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " يَأْمُركُمْ " أَيْ بِأَنْ تَذْبَحُوا.
" بَقَرَة " نَصْب بِـ " تَذْبَحُوا ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الذَّبْح فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.
" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " مُقَدَّم فِي التِّلَاوَة وَقَوْله " قَتَلْتُمْ نَفْسًا " مُقَدَّم فِي الْمَعْنَى عَلَى جَمِيع مَا اِبْتَدَأَ بِهِ مِنْ شَأْن الْبَقَرَة.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون قَوْله :" قَتَلْتُمْ " فِي النُّزُول مُقَدَّمًا، وَالْأَمْر بِالذَّبْحِ مُؤَخَّرًا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَرْتِيب نُزُولهَا عَلَى حَسَب تِلَاوَتهَا، فَكَأَنَّ اللَّه أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَة حَتَّى ذَبَحُوهَا ثُمَّ وَقَعَ مَا وَقَعَ فِي أَمْر الْقَتْل، فَأُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، وَيَكُون " وَإِذْ قَتَلْتُمْ " مُقَدَّمًا فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل حَسَب مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الْوَاو لَا تُوجِب التَّرْتِيب.
وَنَظِيره فِي التَّنْزِيل فِي قِصَّة نُوح بَعْد ذِكْر الطُّوفَان وَانْقِضَائِهِ فِي قَوْله :" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور قُلْنَا اِحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ " إِلَى قَوْله " إِلَّا قَلِيل " [ هُود : ٤٠ ].
فَذَكَرَ إِهْلَاك مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :" وَقَالَ اِرْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا " [ هُود : ٤١ ].
فَذَكَرَ الرُّكُوب مُتَأَخِّرًا فِي الْخِطَاب، وَمَعْلُوم أَنَّ رُكُوبهمْ كَانَ قَبْل الْهَلَاك.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا " [ هُود : ١٩ ].
وَتَقْدِيره : أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا، وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الذَّبْح أَوْلَى فِي الْغَنَم، وَالنَّحْر أَوْلَى فِي الْإِبِل، وَالتَّخَيُّر فِي الْبَقَر.
وَقِيلَ : الذَّبْح أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه، وَلِقُرْبِ الْمَنْحَر مِنْ الْمَذْبَح.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا أَعْلَم أَحَدًا حَرَّمَ أَكْل مَا نُحِرَ مِمَّا يُذْبَح، أَوْ ذُبِحَ مِمَّا يُنْحَر.
وَكَرِهَ مَالِك ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكْرَه الْمَرْء الشَّيْء وَلَا يُحَرِّمهُ.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْمَائِدَة " أَحْكَام الذَّبْح وَالذَّابِح وَشَرَائِطهمَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ] مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَإِنَّمَا أُمِرُوا وَاَللَّه أَعْلَم بِذَبْحِ بَقَرَة دُون غَيْرهَا ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْس مَا عَبَدُوهُ مِنْ الْعِجْل لِيُهَوِّن عِنْدهمْ مَا كَانَ يَرَوْنَهُ مِنْ تَعْظِيمه، وَلِيَعْلَم بِإِجَابَتِهِمْ مَا كَانَ فِي نُفُوسهمْ مِنْ عِبَادَته.
حُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ قَرَأَ " يَأْمُركُمْ " بِالسُّكُونِ، وَحَذْف الضَّمَّة مِنْ الرَّاء لِثِقَلِهَا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد : لَا يَجُوز هَذَا لِأَنَّ الرَّاء حَرْف الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا الصَّحِيح عَنْ أَبِي عَمْرو أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِس الْحَرَكَة.
" أَنْ تَذْبَحُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " يَأْمُركُمْ " أَيْ بِأَنْ تَذْبَحُوا.
" بَقَرَة " نَصْب بِـ " تَذْبَحُوا ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الذَّبْح فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.
" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " مُقَدَّم فِي التِّلَاوَة وَقَوْله " قَتَلْتُمْ نَفْسًا " مُقَدَّم فِي الْمَعْنَى عَلَى جَمِيع مَا اِبْتَدَأَ بِهِ مِنْ شَأْن الْبَقَرَة.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون قَوْله :" قَتَلْتُمْ " فِي النُّزُول مُقَدَّمًا، وَالْأَمْر بِالذَّبْحِ مُؤَخَّرًا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون تَرْتِيب نُزُولهَا عَلَى حَسَب تِلَاوَتهَا، فَكَأَنَّ اللَّه أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَة حَتَّى ذَبَحُوهَا ثُمَّ وَقَعَ مَا وَقَعَ فِي أَمْر الْقَتْل، فَأُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، وَيَكُون " وَإِذْ قَتَلْتُمْ " مُقَدَّمًا فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل حَسَب مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الْوَاو لَا تُوجِب التَّرْتِيب.
وَنَظِيره فِي التَّنْزِيل فِي قِصَّة نُوح بَعْد ذِكْر الطُّوفَان وَانْقِضَائِهِ فِي قَوْله :" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرنَا وَفَارَ التَّنُّور قُلْنَا اِحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ " إِلَى قَوْله " إِلَّا قَلِيل " [ هُود : ٤٠ ].
فَذَكَرَ إِهْلَاك مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :" وَقَالَ اِرْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا " [ هُود : ٤١ ].
فَذَكَرَ الرُّكُوب مُتَأَخِّرًا فِي الْخِطَاب، وَمَعْلُوم أَنَّ رُكُوبهمْ كَانَ قَبْل الْهَلَاك.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا " [ هُود : ١٩ ].
وَتَقْدِيره : أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا، وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الذَّبْح أَوْلَى فِي الْغَنَم، وَالنَّحْر أَوْلَى فِي الْإِبِل، وَالتَّخَيُّر فِي الْبَقَر.
وَقِيلَ : الذَّبْح أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه، وَلِقُرْبِ الْمَنْحَر مِنْ الْمَذْبَح.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا أَعْلَم أَحَدًا حَرَّمَ أَكْل مَا نُحِرَ مِمَّا يُذْبَح، أَوْ ذُبِحَ مِمَّا يُنْحَر.
وَكَرِهَ مَالِك ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكْرَه الْمَرْء الشَّيْء وَلَا يُحَرِّمهُ.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْمَائِدَة " أَحْكَام الذَّبْح وَالذَّابِح وَشَرَائِطهمَا عِنْد قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ] مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَإِنَّمَا أُمِرُوا وَاَللَّه أَعْلَم بِذَبْحِ بَقَرَة دُون غَيْرهَا ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْس مَا عَبَدُوهُ مِنْ الْعِجْل لِيُهَوِّن عِنْدهمْ مَا كَانَ يَرَوْنَهُ مِنْ تَعْظِيمه، وَلِيَعْلَم بِإِجَابَتِهِمْ مَا كَانَ فِي نُفُوسهمْ مِنْ عِبَادَته.
وَهَذَا الْمَعْنَى عِلَّة فِي ذَبْح الْبَقَرَة، وَلَيْسَ بَعِلَّة فِي جَوَاب السَّائِل، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَحْيَا الْقَتِيل بِقَتْلِ حَيّ، فَيَكُون أَظْهَر لِقُدْرَتِهِ فِي اِخْتِرَاع الْأَشْيَاء مِنْ أَضْدَادهَا.
" بَقَرَة " الْبَقَرَة اِسْم لِلْأُنْثَى، وَالثَّوْر اِسْم لِلذَّكَرِ مِثْل نَاقَة وَجَمَل وَامْرَأَة وَرَجُل.
وَقِيلَ : الْبَقَرَة وَاحِد الْبَقَر، الْأُنْثَى وَالذَّكَر سَوَاء.
وَأَصْله مِنْ قَوْلك : بَقَرَ بَطْنه، أَيْ شَقَّهُ، فَالْبَقَرَة تَشُقّ الْأَرْض بِالْحَرْثِ وَتُثِيرهُ.
وَمِنْهُ الْبَاقِر لِأَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ زَيْن الْعَابِدِينَ ; لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْم وَعَرَفَ أَصْله، أَيْ شَقَّهُ.
وَالْبَقِيرَة : ثَوْب يُشَقّ فَتُلْقِيه الْمَرْأَة فِي عُنُقهَا مِنْ غَيْر كُمَّيْنِ.
وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي شَأْن الْهُدْهُد ( فَبَقَرَ الْأَرْض ).
قَالَ شَمِر : بَقَرَ نَظَرَ مَوْضِع الْمَاء، فَرَأَى الْمَاء تَحْت الْأَرْض.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْبَقَر اِسْم لِلْجِنْسِ وَجَمْعه بَاقِر.
اِبْن عَرَفَة : يُقَال بَقِير وَبَاقِر وَبَيْقُور.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَابْن يَعْمُر " إِنَّ الْبَاقِر ".
وَالثَّوْر : وَاحِد الثِّيرَان.
وَالثَّوْر : السَّيِّد مِنْ الرِّجَال.
وَالثَّوْر الْقِطْعَة مِنْ الْأَقِط.
وَالثَّوْر : الطُّحْلُب وَثَوْر جَبَل.
وَثَوْر : قَبِيلَة مِنْ الْعَرَب.
وَفِي الْحَدِيث :( وَوَقْت الْعِشَاء مَا لَمْ يَغِبْ ثَوْر الشَّفَق ) يَعْنِي اِنْتِشَاره، يُقَال : ثَارَ يَثُور ثَوْرًا وَثَوَرَانًا إِذَا اِنْتَشَرَ فِي الْأُفُق وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَرَادَ الْعِلْم فَلْيُثَوِّرْ الْقُرْآن ).
قَالَ شَمِر : تَثْوِير الْقُرْآن قِرَاءَته وَمُفَاتَشَة الْعُلَمَاء بِهِ.
" بَقَرَة " الْبَقَرَة اِسْم لِلْأُنْثَى، وَالثَّوْر اِسْم لِلذَّكَرِ مِثْل نَاقَة وَجَمَل وَامْرَأَة وَرَجُل.
وَقِيلَ : الْبَقَرَة وَاحِد الْبَقَر، الْأُنْثَى وَالذَّكَر سَوَاء.
وَأَصْله مِنْ قَوْلك : بَقَرَ بَطْنه، أَيْ شَقَّهُ، فَالْبَقَرَة تَشُقّ الْأَرْض بِالْحَرْثِ وَتُثِيرهُ.
وَمِنْهُ الْبَاقِر لِأَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ زَيْن الْعَابِدِينَ ; لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْم وَعَرَفَ أَصْله، أَيْ شَقَّهُ.
وَالْبَقِيرَة : ثَوْب يُشَقّ فَتُلْقِيه الْمَرْأَة فِي عُنُقهَا مِنْ غَيْر كُمَّيْنِ.
وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي شَأْن الْهُدْهُد ( فَبَقَرَ الْأَرْض ).
قَالَ شَمِر : بَقَرَ نَظَرَ مَوْضِع الْمَاء، فَرَأَى الْمَاء تَحْت الْأَرْض.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْبَقَر اِسْم لِلْجِنْسِ وَجَمْعه بَاقِر.
اِبْن عَرَفَة : يُقَال بَقِير وَبَاقِر وَبَيْقُور.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَابْن يَعْمُر " إِنَّ الْبَاقِر ".
وَالثَّوْر : وَاحِد الثِّيرَان.
وَالثَّوْر : السَّيِّد مِنْ الرِّجَال.
وَالثَّوْر الْقِطْعَة مِنْ الْأَقِط.
وَالثَّوْر : الطُّحْلُب وَثَوْر جَبَل.
وَثَوْر : قَبِيلَة مِنْ الْعَرَب.
وَفِي الْحَدِيث :( وَوَقْت الْعِشَاء مَا لَمْ يَغِبْ ثَوْر الشَّفَق ) يَعْنِي اِنْتِشَاره، يُقَال : ثَارَ يَثُور ثَوْرًا وَثَوَرَانًا إِذَا اِنْتَشَرَ فِي الْأُفُق وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَرَادَ الْعِلْم فَلْيُثَوِّرْ الْقُرْآن ).
قَالَ شَمِر : تَثْوِير الْقُرْآن قِرَاءَته وَمُفَاتَشَة الْعُلَمَاء بِهِ.
قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
هَذَا جَوَاب مِنْهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ، لَهُمْ :" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا قَتِيلًا بَيْن أَظْهُرهمْ قِيلَ : اِسْمه عاميل وَاشْتَبَهَ أَمْر قَاتِله عَلَيْهِمْ، وَوَقَعَ بَيْنهمْ خِلَاف، فَقَالُوا : نَقْتَتِل وَرَسُول اللَّه بَيْن أَظْهُرنَا، فَأَتَوْهُ وَسَأَلُوهُ الْبَيَان - وَذَلِكَ قَبْل نُزُول الْقَسَامَة فِي التَّوْرَاة، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُو اللَّه فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَة، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ مُوسَى وَلَيْسَ فِي ظَاهِره جَوَاب عَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهُ وَاحْتَكَمُوا فِيهِ عِنْده، قَالُوا : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا وَالْهُزْء : اللَّعِب وَالسُّخْرِيَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " أَيَتَّخِذُنَا " بِالْيَاءِ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ فَأَجَابَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِقَوْلِهِ :" أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] لِأَنَّ الْخُرُوج عَنْ جَوَاب السَّائِل الْمُسْتَرْشِد إِلَى الْهُزْء جَهْل، فَاسْتَعَاذَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَنَّهَا صِفَة تَنْتِفِي عَنْ الْأَنْبِيَاء.
وَالْجَهْل نَقِيض الْعِلْم.
فَاسْتَعَاذَ مِنْ الْجَهْل، كَمَا جَهِلُوا فِي قَوْلهمْ : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا، لِمَنْ يُخْبِرهُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى، وَظَاهِر هَذَا الْقَوْل يَدُلّ عَلَى فَسَاد اِعْتِقَاد مَنْ قَالَهُ.
وَلَا يَصِحّ إِيمَان مَنْ قَالَ لِنَبِيٍّ قَدْ ظَهَرَتْ مُعْجِزَته، وَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَأْمُرك بِكَذَا : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْم أَحَد عَنْ بَعْض أَقْوَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَجَبَ تَكْفِيره.
وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَة غِلَظ الطَّبْع وَالْجَفَاء وَالْمَعْصِيَة، عَلَى نَحْو مَا قَالَ الْقَائِل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِسْمَة غَنَائِم حُنَيْن : إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَة مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْه اللَّه.
وَكَمَا قَالَ لَهُ الْآخَر : اِعْدِلْ يَا مُحَمَّد وَفِي هَذَا كُلّه أَدَلّ دَلِيل عَلَى قُبْح الْجَهْل، وَأَنَّهُ مُفْسِد لِلدِّينِ.
" هُزُوًا " مَفْعُول ثَانٍ، وَيَجُوز تَخْفِيف الْهَمْزَة تَجْعَلهَا بَيْن الْوَاو وَالْهَمْزَة.
وَجَعَلَهَا حَفْص وَاوًا مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة قَبْلهَا ضَمَّة فَهِيَ تَجْرِي عَلَى الْبَدَل، كَقَوْلِهِ :" السُّفَهَاء وَلَكِنْ ".
وَيَجُوز حَذْف الضَّمَّة مِنْ الزَّاي كَمَا تَحْذِفهَا مِنْ عَضُد، فَتَقُول : هُزُؤًا، كَمَا قَرَأَ أَهْل الْكُوفَة، وَكَذَلِكَ " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَد ".
وَحَكَى الْأَخْفَش عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّ كُلّ اِسْم عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف أَوَّلُهُ مَضْمُوم فَفِيهِ لُغَتَانِ : التَّخْفِيف وَالتَّثْقِيل، نَحْو الْعُسْر وَالْيُسْر وَالْهُزْء.
وَمِثْله مَا كَانَ مِنْ الْجَمْع عَلَى فُعُل كَكُتُبٍ وَكُتْب، وَرُسُل وَرُسْل، وَعُوُن وَعُون.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا " [ الزُّخْرُف : ١٥ ] فَلَيْسَ مِثْل هُزْء وَكُفْء ; لِأَنَّهُ عَلَى فُعْل، مِنْ الْأَصْل.
هَذَا جَوَاب مِنْهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا قَالَ، لَهُمْ :" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا قَتِيلًا بَيْن أَظْهُرهمْ قِيلَ : اِسْمه عاميل وَاشْتَبَهَ أَمْر قَاتِله عَلَيْهِمْ، وَوَقَعَ بَيْنهمْ خِلَاف، فَقَالُوا : نَقْتَتِل وَرَسُول اللَّه بَيْن أَظْهُرنَا، فَأَتَوْهُ وَسَأَلُوهُ الْبَيَان - وَذَلِكَ قَبْل نُزُول الْقَسَامَة فِي التَّوْرَاة، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُو اللَّه فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَبّه فَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَة، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ مُوسَى وَلَيْسَ فِي ظَاهِره جَوَاب عَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهُ وَاحْتَكَمُوا فِيهِ عِنْده، قَالُوا : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا وَالْهُزْء : اللَّعِب وَالسُّخْرِيَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " أَيَتَّخِذُنَا " بِالْيَاءِ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ فَأَجَابَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِقَوْلِهِ :" أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] لِأَنَّ الْخُرُوج عَنْ جَوَاب السَّائِل الْمُسْتَرْشِد إِلَى الْهُزْء جَهْل، فَاسْتَعَاذَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَنَّهَا صِفَة تَنْتِفِي عَنْ الْأَنْبِيَاء.
وَالْجَهْل نَقِيض الْعِلْم.
فَاسْتَعَاذَ مِنْ الْجَهْل، كَمَا جَهِلُوا فِي قَوْلهمْ : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا، لِمَنْ يُخْبِرهُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى، وَظَاهِر هَذَا الْقَوْل يَدُلّ عَلَى فَسَاد اِعْتِقَاد مَنْ قَالَهُ.
وَلَا يَصِحّ إِيمَان مَنْ قَالَ لِنَبِيٍّ قَدْ ظَهَرَتْ مُعْجِزَته، وَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَأْمُرك بِكَذَا : أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْم أَحَد عَنْ بَعْض أَقْوَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوَجَبَ تَكْفِيره.
وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَة غِلَظ الطَّبْع وَالْجَفَاء وَالْمَعْصِيَة، عَلَى نَحْو مَا قَالَ الْقَائِل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِسْمَة غَنَائِم حُنَيْن : إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَة مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْه اللَّه.
وَكَمَا قَالَ لَهُ الْآخَر : اِعْدِلْ يَا مُحَمَّد وَفِي هَذَا كُلّه أَدَلّ دَلِيل عَلَى قُبْح الْجَهْل، وَأَنَّهُ مُفْسِد لِلدِّينِ.
" هُزُوًا " مَفْعُول ثَانٍ، وَيَجُوز تَخْفِيف الْهَمْزَة تَجْعَلهَا بَيْن الْوَاو وَالْهَمْزَة.
وَجَعَلَهَا حَفْص وَاوًا مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة قَبْلهَا ضَمَّة فَهِيَ تَجْرِي عَلَى الْبَدَل، كَقَوْلِهِ :" السُّفَهَاء وَلَكِنْ ".
وَيَجُوز حَذْف الضَّمَّة مِنْ الزَّاي كَمَا تَحْذِفهَا مِنْ عَضُد، فَتَقُول : هُزُؤًا، كَمَا قَرَأَ أَهْل الْكُوفَة، وَكَذَلِكَ " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَد ".
وَحَكَى الْأَخْفَش عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّ كُلّ اِسْم عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف أَوَّلُهُ مَضْمُوم فَفِيهِ لُغَتَانِ : التَّخْفِيف وَالتَّثْقِيل، نَحْو الْعُسْر وَالْيُسْر وَالْهُزْء.
وَمِثْله مَا كَانَ مِنْ الْجَمْع عَلَى فُعُل كَكُتُبٍ وَكُتْب، وَرُسُل وَرُسْل، وَعُوُن وَعُون.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا " [ الزُّخْرُف : ١٥ ] فَلَيْسَ مِثْل هُزْء وَكُفْء ; لِأَنَّهُ عَلَى فُعْل، مِنْ الْأَصْل.
عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
مَسْأَلَة : فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى مَنْع الِاسْتِهْزَاء بِدِينِ اللَّه وَدِين الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَجِب تَعْظِيمه، وَأَنَّ ذَلِكَ جَهْل وَصَاحِبه مُسْتَحِقّ لِلْوَعِيدِ.
وَلَيْسَ الْمُزَاح مِنْ الِاسْتِهْزَاء بِسَبِيلٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْزَح وَالْأَئِمَّة بَعْده.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا تَقَدَّمَ إِلَى عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَة فَمَازَحَهُ عُبَيْد اللَّه فَقَالَ : جُبَّتك هَذِهِ مِنْ صُوف نَعْجَة أَوْ صُوف كَبْش فَقَالَ لَهُ : لَا تَجْهَل أَيّهَا الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللَّه : وَأَيْنَ وَجَدْت الْمُزَاح جَهْلًا فَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُبَيْد اللَّه ; لِأَنَّهُ رَآهُ جَاهِلًا لَا يَعْرِف الْمَزْح مِنْ الِاسْتِهْزَاء، وَلَيْسَ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر بِسَبِيلٍ.
مَسْأَلَة : فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى مَنْع الِاسْتِهْزَاء بِدِينِ اللَّه وَدِين الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَجِب تَعْظِيمه، وَأَنَّ ذَلِكَ جَهْل وَصَاحِبه مُسْتَحِقّ لِلْوَعِيدِ.
وَلَيْسَ الْمُزَاح مِنْ الِاسْتِهْزَاء بِسَبِيلٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْزَح وَالْأَئِمَّة بَعْده.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا تَقَدَّمَ إِلَى عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَة فَمَازَحَهُ عُبَيْد اللَّه فَقَالَ : جُبَّتك هَذِهِ مِنْ صُوف نَعْجَة أَوْ صُوف كَبْش فَقَالَ لَهُ : لَا تَجْهَل أَيّهَا الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللَّه : وَأَيْنَ وَجَدْت الْمُزَاح جَهْلًا فَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُبَيْد اللَّه ; لِأَنَّهُ رَآهُ جَاهِلًا لَا يَعْرِف الْمَزْح مِنْ الِاسْتِهْزَاء، وَلَيْسَ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر بِسَبِيلٍ.
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
هَذَا تَعْنِيت مِنْهُمْ وَقِلَّة طَوَاعِيَة، وَلَوْ اِمْتَثَلُوا الْأَمْر وَذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَحَصَلَ الْمَقْصُود، لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَغَيْرهمَا.
وَنَحْو ذَلِكَ رَوَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلُغَة بَنِي عَامِر " اُدْعُ ".
هَذَا تَعْنِيت مِنْهُمْ وَقِلَّة طَوَاعِيَة، وَلَوْ اِمْتَثَلُوا الْأَمْر وَذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَحَصَلَ الْمَقْصُود، لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَغَيْرهمَا.
وَنَحْو ذَلِكَ رَوَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلُغَة بَنِي عَامِر " اُدْعُ ".
يُبَيِّنْ لَنَا
مَجْزُوم عَلَى جَوَاب الْأَمْر
مَجْزُوم عَلَى جَوَاب الْأَمْر
مَا هِيَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر وَمَاهِيَّة الشَّيْء : حَقِيقَته وَذَاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
اِبْتِدَاء وَخَبَر وَمَاهِيَّة الشَّيْء : حَقِيقَته وَذَاته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز النَّسْخ قَبْل وَقْت الْفِعْل ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ اِقْتَضَى أَيّ بَقَرَة كَانَتْ، فَلَمَّا زَادَ فِي الصِّفَة نَسَخَ الْحُكْم الْأَوَّل بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ : فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِل بِنْت مَخَاض، ثُمَّ نَسَخَهُ بِابْنَةِ لَبُون أَوْ حِقَّة.
وَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا عَيَّنَ الصِّفَة صَارَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّم.
وَالْفَارِض : الْمُسِنَّة.
وَقَدْ فَرَضَتْ تَفْرِض فُرُوضًا، أَيْ أَسَنَّتْ.
وَيُقَال لِلشَّيْءِ الْقَدِيم فَارِض، قَالَ الرَّاجِز :
يَعْنِي هَرْمَى، قَالَ آخَر :
أَيْ قَدِيمًا، وَقَالَ آخَر :
أَيْ قَدِيم.
وَ " لَا فَارِض " رَفْع عَلَى الصِّفَة لِبَقَرَةٍ.
" وَلَا بِكْر " عِطْف.
وَقِيلَ :" لَا فَارِض " خَبَر مُبْتَدَأ مُضْمَر، أَيْ لَا هِيَ فَارِض وَكَذَا " لَا ذَلُول "، وَكَذَلِكَ " لَا تَسْقِ الْحَرْث " وَكَذَلِكَ " مُسَلَّمَة " فَاعْلَمْهُ.
وَقِيلَ : الْفَارِض الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بُطُونًا كَثِيرَة فَيَتَّسِع جَوْفهَا لِذَلِكَ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْفَارِض فِي اللُّغَة الْوَاسِع، قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالْبِكْر : الصَّغِيرَة الَّتِي لَمْ تَحْمِل.
وَحَكَى الْقُتَبِيّ أَنَّهَا الَّتِي وَلَدَتْ.
وَالْبِكْر : الْأَوَّل مِنْ الْأَوْلَاد، قَالَ :
وَالْبِكْر أَيْضًا فِي إِنَاث الْبَهَائِم وَبَنِي آدَم : مَا لَمْ يَفْتَحِلهُ الْفَحْل، وَهِيَ مَكْسُورَة الْبَاء.
وَبِفَتْحِهَا الْفَتِيّ مِنْ الْإِبِل.
وَالْعَوَان : النِّصْف الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ، وَهِيَ أَقْوَى مَا تَكُون مِنْ الْبَقَر وَأَحْسَنه، بِخِلَافِ الْخَيْل، قَالَ الشَّاعِر يَصِف فَرَسًا :
فَرَس أُخْصَف : إِذَا اِرْتَفَعَ الْبَلَق مِنْ بَطْنه إِلَى جَنْبه.
وَقَالَ مُجَاهِد : الْعَوَان مِنْ الْبَقَرَة هِيَ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ مَرَّة بَعْد مَرَّة.
وَحَكَاهُ أَهْل اللُّغَة.
وَيُقَال : إِنَّ الْعَوَان النَّخْلَة الطَّوِيلَة، وَهِيَ فِيمَا زَعَمُوا لُغَة يَمَانِيَّة.
وَحَرْب عَوَان : إِذَا كَانَ قَبْلهَا حَرْب بِكْر، قَالَ زُهَيْر :
أَيْ لَا هِيَ صَغِيرَة وَلَا هِيَ مُسِنَّة، أَيْ هِيَ عَوَان، وَجَمْعهَا " عُوْن " بِضَمِّ الْعَيْن وَسُكُون الْوَاو وَسُمِعَ " عُوُن " بِضَمِّ الْوَاو كَرُسُلٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَحَكَى الْفَرَّاء مِنْ الْعَوَان عَوَّنَتْ تَعْوِينًا.
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز النَّسْخ قَبْل وَقْت الْفِعْل ; لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ اِقْتَضَى أَيّ بَقَرَة كَانَتْ، فَلَمَّا زَادَ فِي الصِّفَة نَسَخَ الْحُكْم الْأَوَّل بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ : فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِل بِنْت مَخَاض، ثُمَّ نَسَخَهُ بِابْنَةِ لَبُون أَوْ حِقَّة.
وَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا عَيَّنَ الصِّفَة صَارَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّم.
وَالْفَارِض : الْمُسِنَّة.
وَقَدْ فَرَضَتْ تَفْرِض فُرُوضًا، أَيْ أَسَنَّتْ.
وَيُقَال لِلشَّيْءِ الْقَدِيم فَارِض، قَالَ الرَّاجِز :
| شَيَّبَ أَصْدَاغِي فَرَأْسِي أَبْيَض | مَحَامِل فِيهَا رِجَال فُرَّض |
| لَعَمْرك قَدْ أَعْطَيْت جَارك فَارِضًا | تُسَاق إِلَيْهِ مَا تَقُوم عَلَى رِجْل |
| يَا رُبَّ ذِي ضِغْن عَلَيَّ فَارِض | لَهُ قُرُوء كَقُرُوءِ الْحَائِض |
وَ " لَا فَارِض " رَفْع عَلَى الصِّفَة لِبَقَرَةٍ.
" وَلَا بِكْر " عِطْف.
وَقِيلَ :" لَا فَارِض " خَبَر مُبْتَدَأ مُضْمَر، أَيْ لَا هِيَ فَارِض وَكَذَا " لَا ذَلُول "، وَكَذَلِكَ " لَا تَسْقِ الْحَرْث " وَكَذَلِكَ " مُسَلَّمَة " فَاعْلَمْهُ.
وَقِيلَ : الْفَارِض الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بُطُونًا كَثِيرَة فَيَتَّسِع جَوْفهَا لِذَلِكَ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْفَارِض فِي اللُّغَة الْوَاسِع، قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالْبِكْر : الصَّغِيرَة الَّتِي لَمْ تَحْمِل.
وَحَكَى الْقُتَبِيّ أَنَّهَا الَّتِي وَلَدَتْ.
وَالْبِكْر : الْأَوَّل مِنْ الْأَوْلَاد، قَالَ :
| يَا بِكْر بِكْرَيْنِ وَيَا خِلْب الْكَبِد | أَصْبَحْت مِنِّي كَذِرَاع مِنْ عَضُد |
وَبِفَتْحِهَا الْفَتِيّ مِنْ الْإِبِل.
وَالْعَوَان : النِّصْف الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ، وَهِيَ أَقْوَى مَا تَكُون مِنْ الْبَقَر وَأَحْسَنه، بِخِلَافِ الْخَيْل، قَالَ الشَّاعِر يَصِف فَرَسًا :
| كُمَيْت بَهِيم اللَّوْن لَيْسَ بِفَارِضٍ | وَلَا بِعَوَانٍ ذَات لَوْن مُخَصَّف |
وَقَالَ مُجَاهِد : الْعَوَان مِنْ الْبَقَرَة هِيَ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ مَرَّة بَعْد مَرَّة.
وَحَكَاهُ أَهْل اللُّغَة.
وَيُقَال : إِنَّ الْعَوَان النَّخْلَة الطَّوِيلَة، وَهِيَ فِيمَا زَعَمُوا لُغَة يَمَانِيَّة.
وَحَرْب عَوَان : إِذَا كَانَ قَبْلهَا حَرْب بِكْر، قَالَ زُهَيْر :
| إِذَا لَقِحَتْ حَرْب عَوَان مُضِرَّة | ضَرُوس تُهِرّ النَّاس أَنْيَابهَا عُصْل |
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَحَكَى الْفَرَّاء مِنْ الْعَوَان عَوَّنَتْ تَعْوِينًا.
فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ
تَجْدِيد لِلْأَمْرِ وَتَأْكِيد وَتَنْبِيه عَلَى تَرْك التَّعَنُّت فَمَا تَرَكُوهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْر الْوُجُوب كَمَا تَقُولهُ الْفُقَهَاء، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا هُوَ مَذْكُور فِي أُصُول الْفِقْه، وَعَلَى أَنَّ الْأَمْر عَلَى الْفَوْر، وَهُوَ مَذْهَب أَكْثَر الْفُقَهَاء أَيْضًا وَيَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى اِسْتَقْصَرَهُمْ حِين لَمْ يُبَادِرُوا إِلَى فِعْل مَا أُمِرُوا بِهِ فَقَالَ :" فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ " [ الْبَقَرَة : ٧١ ].
وَقِيلَ : لَا، بَلْ عَلَى التَّرَاخِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعَنِّفْهُمْ عَلَى التَّأْخِير وَالْمُرَاجَعَة فِي الْخِطَاب.
قَالَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد.
تَجْدِيد لِلْأَمْرِ وَتَأْكِيد وَتَنْبِيه عَلَى تَرْك التَّعَنُّت فَمَا تَرَكُوهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْر الْوُجُوب كَمَا تَقُولهُ الْفُقَهَاء، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا هُوَ مَذْكُور فِي أُصُول الْفِقْه، وَعَلَى أَنَّ الْأَمْر عَلَى الْفَوْر، وَهُوَ مَذْهَب أَكْثَر الْفُقَهَاء أَيْضًا وَيَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى اِسْتَقْصَرَهُمْ حِين لَمْ يُبَادِرُوا إِلَى فِعْل مَا أُمِرُوا بِهِ فَقَالَ :" فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ " [ الْبَقَرَة : ٧١ ].
وَقِيلَ : لَا، بَلْ عَلَى التَّرَاخِي ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعَنِّفْهُمْ عَلَى التَّأْخِير وَالْمُرَاجَعَة فِي الْخِطَاب.
قَالَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد.
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا
" مَا " اِسْتِفْهَام مُبْتَدَأَة وَ " لَوْنُهَا " الْخَبَر.
وَيَجُوز نَصْب " لَوْنهَا بِـ " يُبَيِّن "، وَتَكُون " مَا " زَائِدَة.
وَاللَّوْن وَاحِد الْأَلْوَان وَهُوَ هَيْئَة كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاض وَالْحُمْرَة.
وَاللَّوْن : النَّوْع.
وَفُلَان مُتَلَوِّن : إِذَا كَانَ لَا يَثْبُت عَلَى خَلَاق وَاحِد وَحَال وَاحِد، قَالَ :
وَلَوَّنَ الْبُسْر تَلْوِينًا : إِذَا بَدَا فِيهِ أَثَر النُّضْج.
وَاللَّوْن : الدَّقَل، وَهُوَ ضَرْب مِنْ النَّخْل.
قَالَ الْأَخْفَش هُوَ جَمَاعَة، وَاحِدهَا لِينَة.
" مَا " اِسْتِفْهَام مُبْتَدَأَة وَ " لَوْنُهَا " الْخَبَر.
وَيَجُوز نَصْب " لَوْنهَا بِـ " يُبَيِّن "، وَتَكُون " مَا " زَائِدَة.
وَاللَّوْن وَاحِد الْأَلْوَان وَهُوَ هَيْئَة كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاض وَالْحُمْرَة.
وَاللَّوْن : النَّوْع.
وَفُلَان مُتَلَوِّن : إِذَا كَانَ لَا يَثْبُت عَلَى خَلَاق وَاحِد وَحَال وَاحِد، قَالَ :
| كُلّ يَوْم تَتَلَوَّن | غَيْر هَذَا بِك أَجْمَل |
وَاللَّوْن : الدَّقَل، وَهُوَ ضَرْب مِنْ النَّخْل.
قَالَ الْأَخْفَش هُوَ جَمَاعَة، وَاحِدهَا لِينَة.
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ
جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا صَفْرَاء اللَّوْن، مِنْ الصُّفْرَة الْمَعْرُوفَة.
قَالَ مَكِّيّ عَنْ بَعْضهمْ : حَتَّى الْقَرْن وَالظِّلْف.
وَقَالَ الْحَسَن وَابْن جُبَيْر : كَانَتْ صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف فَقَطْ وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا :" صَفْرَاء " مَعْنَاهُ سَوْدَاء، قَالَ الشَّاعِر :
قُلْت : وَالْأَوَّل أَصَحّ لِأَنَّهُ الظَّاهِر، وَهَذَا شَاذّ لَا يُسْتَعْمَل مَجَازًا إِلَّا فِي الْإِبِل، قَالَ اللَّه تَعَالَى " كَأَنَّهُ جِمَالَة صُفْر " [ الْمُرْسَلَات : ٣٣ ] وَذَلِكَ أَنَّ السُّود مِنْ الْإِبِل سَوَادهَا صُفْرَة.
وَلَوْ أَرَاد السَّوَاد لَمَا أَكَّدَهُ بِالْفُقُوعِ، وَذَلِكَ نَعْت مُخْتَصّ بِالصُّفْرَةِ، وَلَيْسَ يُوصَف السَّوَاد بِذَلِكَ تَقُول الْعَرَب : أَسْوَد حَالِك وَحَلَكُوك وَحُلْكُوك، وَدَجُوجِيّ وَغِرْبِيب، وَأَحْمَر قَانِئ، وَأَبْيَض نَاصِع وَلَهِق وَلِهَاق وَيَقِق، وَأَخْضَر نَاضِر، وَأَصْفَر فَاقِع، هَكَذَا نَصَّ نَقَلَة اللُّغَة عَنْ الْعَرَب.
قَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال فَقَعَ لَوْنهَا يَفْقَع فُقُوعًا إِذَا خَلَصَتْ صُفْرَته.
وَالْإِفْقَاع : سُوء الْحَال.
وَفَوَاقِع الدَّهْر بَوَائِقه.
وَفَقَّعَ بِأَصَابِعِهِ إِذَا صَوَّتَ، وَمِنْهُ حَدِيث اِبْن عَبَّاس : نَهَى عَنْ التَّفْقِيع فِي الصَّلَاة، وَهِيَ الْفَرْقَعَة، وَهِيَ غَمْز الْأَصَابِع حَتَّى تُنْقِض.
وَلَمْ يَنْصَرِف " صَفْرَاء " فِي مَعْرِفَة وَلَا نَكِرَة ; لِأَنَّ فِيهَا أَلِف التَّأْنِيث وَهِيَ مُلَازَمَة فَخَالَفَتْ الْهَاء ; لِأَنَّ مَا فِيهِ الْهَاء يَنْصَرِف فِي النَّكِرَة، كَفَاطِمَة وَعَائِشَة.
جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا صَفْرَاء اللَّوْن، مِنْ الصُّفْرَة الْمَعْرُوفَة.
قَالَ مَكِّيّ عَنْ بَعْضهمْ : حَتَّى الْقَرْن وَالظِّلْف.
وَقَالَ الْحَسَن وَابْن جُبَيْر : كَانَتْ صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف فَقَطْ وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا :" صَفْرَاء " مَعْنَاهُ سَوْدَاء، قَالَ الشَّاعِر :
| تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي | هُنَّ صُفْر أَوْلَادهَا كَالزَّبِيبِ |
وَلَوْ أَرَاد السَّوَاد لَمَا أَكَّدَهُ بِالْفُقُوعِ، وَذَلِكَ نَعْت مُخْتَصّ بِالصُّفْرَةِ، وَلَيْسَ يُوصَف السَّوَاد بِذَلِكَ تَقُول الْعَرَب : أَسْوَد حَالِك وَحَلَكُوك وَحُلْكُوك، وَدَجُوجِيّ وَغِرْبِيب، وَأَحْمَر قَانِئ، وَأَبْيَض نَاصِع وَلَهِق وَلِهَاق وَيَقِق، وَأَخْضَر نَاضِر، وَأَصْفَر فَاقِع، هَكَذَا نَصَّ نَقَلَة اللُّغَة عَنْ الْعَرَب.
قَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال فَقَعَ لَوْنهَا يَفْقَع فُقُوعًا إِذَا خَلَصَتْ صُفْرَته.
وَالْإِفْقَاع : سُوء الْحَال.
وَفَوَاقِع الدَّهْر بَوَائِقه.
وَفَقَّعَ بِأَصَابِعِهِ إِذَا صَوَّتَ، وَمِنْهُ حَدِيث اِبْن عَبَّاس : نَهَى عَنْ التَّفْقِيع فِي الصَّلَاة، وَهِيَ الْفَرْقَعَة، وَهِيَ غَمْز الْأَصَابِع حَتَّى تُنْقِض.
وَلَمْ يَنْصَرِف " صَفْرَاء " فِي مَعْرِفَة وَلَا نَكِرَة ; لِأَنَّ فِيهَا أَلِف التَّأْنِيث وَهِيَ مُلَازَمَة فَخَالَفَتْ الْهَاء ; لِأَنَّ مَا فِيهِ الْهَاء يَنْصَرِف فِي النَّكِرَة، كَفَاطِمَة وَعَائِشَة.
فَاقِعٌ لَوْنُهَا
يُرِيد خَالِصًا لَوْنهَا لَا لَوْن فِيهَا سِوَى لَوْن جِلْدهَا.
يُرِيد خَالِصًا لَوْنهَا لَا لَوْن فِيهَا سِوَى لَوْن جِلْدهَا.
تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
قَالَ وَهْب : كَأَنَّ شُعَاع الشَّمْس يَخْرُج مِنْ جِلْدهَا، وَلِهَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : الصُّفْرَة تَسُرّ النَّفْس.
وَحَضَّ عَلَى لِبَاس النِّعَال الصُّفْر، حَكَاهُ عَنْهُ النَّقَّاش.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَنْ لَبِسَ نَعْلَيْ جِلْد أَصْفَر قَلَّ هَمّه، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ " حَكَاهُ عَنْهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَنَهَى اِبْن الزُّبَيْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي كَثِير عَنْ لِبَاس النِّعَال السُّود ; لِأَنَّهَا تُهِمّ.
وَمَعْنَى " تَسُرّ " تُعْجِب.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : مَعْنَاهُ فِي سَمْتهَا وَمَنْظَرهَا فَهِيَ ذَات وَصْفَيْنِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ وَهْب : كَأَنَّ شُعَاع الشَّمْس يَخْرُج مِنْ جِلْدهَا، وَلِهَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس : الصُّفْرَة تَسُرّ النَّفْس.
وَحَضَّ عَلَى لِبَاس النِّعَال الصُّفْر، حَكَاهُ عَنْهُ النَّقَّاش.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَنْ لَبِسَ نَعْلَيْ جِلْد أَصْفَر قَلَّ هَمّه، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ " حَكَاهُ عَنْهُ الثَّعْلَبِيّ.
وَنَهَى اِبْن الزُّبَيْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي كَثِير عَنْ لِبَاس النِّعَال السُّود ; لِأَنَّهَا تُهِمّ.
وَمَعْنَى " تَسُرّ " تُعْجِب.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : مَعْنَاهُ فِي سَمْتهَا وَمَنْظَرهَا فَهِيَ ذَات وَصْفَيْنِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا
سَأَلُوا سُؤَالًا رَابِعًا، وَلَمْ يَمْتَثِلُوا الْأَمْر بَعْد الْبَيَان.
وَذَكَرَ الْبَقَر لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع، وَلِذَلِكَ قَالَ :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " فَذِكْرُهُ لِلَّفْظِ تَذْكِير الْبَقَر.
قَالَ قُطْرُب : جَمْع الْبَقَرَة بَاقِر وَبَاقُور وَبَقَر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْبَاقِر جَمْع بَاقِرَة، قَالَ : وَيُجْمَع بَقَر عَلَى بَاقُورَة، حَكَاهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى : إِنَّ جِنْس الْبَقَر.
وَقَرَأَ الْحَسَن فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاس، وَالْأَعْرَج فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ " إِنَّ الْبَقَر تَشَّابَهُ " بِالتَّاءِ وَشَدّ الشِّين، جَعَلَهُ فِعْلًا مُسْتَقْبِلًا وَأَنَّثَهُ.
وَالْأَصْل تَتَشَابَهُ، ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الشِّين.
وَقَرَأَ مُجَاهِد " تَشَّبَّهُ " كَقِرَاءَتِهِمَا، إِلَّا أَنَّهُ بِغَيْرِ أَلِف.
وَفِي مُصْحَف أُبَيّ " تَشَّابَهَتْ " بِتَشْدِيدِ الشِّين.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَهُوَ غَلَط ; لِأَنَّ التَّاء فِي هَذَا الْبَاب لَا تُدْغَم إِلَّا فِي الْمُضَارَعَة.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْن يَعْمُر " إِنَّ الْبَاقِر يَشَّابَه " جَعَلَهُ فِعْلًا مُسْتَقْبِلًا، وَذَكَرَ الْبَقَر وَأَدْغَمَ.
وَيَجُوز " إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهُ " بِتَخْفِيفِ الشِّين وَضَمّ الْهَاء، وَحَكَاهَا الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْحَسَن.
النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز " يَشَابَه " بِتَخْفِيفِ الشِّين وَالْيَاء، وَإِنَّمَا جَازَ فِي التَّاء لِأَنَّ الْأَصْل تَتَشَابَه فَحُذِفَتْ لِاجْتِمَاعِ التَّاءَيْنِ.
وَالْبَقَر وَالْبَاقِر وَالْبَيْقُور وَالْبَقِير لُغَات بِمَعْنًى، وَالْعَرَب تُذَكِّرهُ وَتُؤَنِّثهُ، وَإِلَى ذَلِكَ تَرْجِع مَعَانِي الْقِرَاءَات فِي " تَشَابَهَ ".
وَقِيلَ إِنَّمَا قَالُوا :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " لِأَنَّ وُجُوه الْبَقَر تَتَشَابَه، وَمِنْهُ حَدِيث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ ( فِتَنًا كَقِطْعِ اللَّيْل تَأْتِي كَوُجُوهِ الْبَقَر ).
يُرِيد أَنَّهَا يُشْبِه بَعْضهَا بَعْضًا.
وَوُجُوه الْبَقَر تَتَشَابَه ; وَلِذَلِكَ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا.
سَأَلُوا سُؤَالًا رَابِعًا، وَلَمْ يَمْتَثِلُوا الْأَمْر بَعْد الْبَيَان.
وَذَكَرَ الْبَقَر لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع، وَلِذَلِكَ قَالَ :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " فَذِكْرُهُ لِلَّفْظِ تَذْكِير الْبَقَر.
قَالَ قُطْرُب : جَمْع الْبَقَرَة بَاقِر وَبَاقُور وَبَقَر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْبَاقِر جَمْع بَاقِرَة، قَالَ : وَيُجْمَع بَقَر عَلَى بَاقُورَة، حَكَاهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى : إِنَّ جِنْس الْبَقَر.
وَقَرَأَ الْحَسَن فِيمَا ذَكَرَ النَّحَّاس، وَالْأَعْرَج فِيمَا ذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ " إِنَّ الْبَقَر تَشَّابَهُ " بِالتَّاءِ وَشَدّ الشِّين، جَعَلَهُ فِعْلًا مُسْتَقْبِلًا وَأَنَّثَهُ.
وَالْأَصْل تَتَشَابَهُ، ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الشِّين.
وَقَرَأَ مُجَاهِد " تَشَّبَّهُ " كَقِرَاءَتِهِمَا، إِلَّا أَنَّهُ بِغَيْرِ أَلِف.
وَفِي مُصْحَف أُبَيّ " تَشَّابَهَتْ " بِتَشْدِيدِ الشِّين.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَهُوَ غَلَط ; لِأَنَّ التَّاء فِي هَذَا الْبَاب لَا تُدْغَم إِلَّا فِي الْمُضَارَعَة.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْن يَعْمُر " إِنَّ الْبَاقِر يَشَّابَه " جَعَلَهُ فِعْلًا مُسْتَقْبِلًا، وَذَكَرَ الْبَقَر وَأَدْغَمَ.
وَيَجُوز " إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهُ " بِتَخْفِيفِ الشِّين وَضَمّ الْهَاء، وَحَكَاهَا الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْحَسَن.
النَّحَّاس : وَلَا يَجُوز " يَشَابَه " بِتَخْفِيفِ الشِّين وَالْيَاء، وَإِنَّمَا جَازَ فِي التَّاء لِأَنَّ الْأَصْل تَتَشَابَه فَحُذِفَتْ لِاجْتِمَاعِ التَّاءَيْنِ.
وَالْبَقَر وَالْبَاقِر وَالْبَيْقُور وَالْبَقِير لُغَات بِمَعْنًى، وَالْعَرَب تُذَكِّرهُ وَتُؤَنِّثهُ، وَإِلَى ذَلِكَ تَرْجِع مَعَانِي الْقِرَاءَات فِي " تَشَابَهَ ".
وَقِيلَ إِنَّمَا قَالُوا :" إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا " لِأَنَّ وُجُوه الْبَقَر تَتَشَابَه، وَمِنْهُ حَدِيث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ ( فِتَنًا كَقِطْعِ اللَّيْل تَأْتِي كَوُجُوهِ الْبَقَر ).
يُرِيد أَنَّهَا يُشْبِه بَعْضهَا بَعْضًا.
وَوُجُوه الْبَقَر تَتَشَابَه ; وَلِذَلِكَ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا.
وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
اِسْتِثْنَاء مِنْهُمْ، وَفِي اِسْتِثْنَائِهِمْ فِي هَذَا السُّؤَال الْأَخِير إِنَابَة مَا وَانْقِيَاد، وَدَلِيل نَدَم عَلَى عَدَم مُوَافَقَة الْأَمْر.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَوْ مَا اِسْتَثْنَوْا مَا اِهْتَدَوْا إِلَيْهَا أَبَدًا ).
وَتَقْدِير الْكَلَام وَإِنَّا لَمُهْتَدُونَ إِنْ شَاءَ اللَّه.
فَقَدَّمَ عَلَى ذِكْر الِاهْتِدَاء اِهْتِمَامًا بِهِ.
وَ " شَاءَ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ، وَجَوَابه عِنْد سِيبَوَيْهِ الْجُمْلَة " إِنْ " وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ.
وَعِنْد أَبِي الْعَبَّاس الْمُبَرِّد مَحْذُوف.
اِسْتِثْنَاء مِنْهُمْ، وَفِي اِسْتِثْنَائِهِمْ فِي هَذَا السُّؤَال الْأَخِير إِنَابَة مَا وَانْقِيَاد، وَدَلِيل نَدَم عَلَى عَدَم مُوَافَقَة الْأَمْر.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَوْ مَا اِسْتَثْنَوْا مَا اِهْتَدَوْا إِلَيْهَا أَبَدًا ).
وَتَقْدِير الْكَلَام وَإِنَّا لَمُهْتَدُونَ إِنْ شَاءَ اللَّه.
فَقَدَّمَ عَلَى ذِكْر الِاهْتِدَاء اِهْتِمَامًا بِهِ.
وَ " شَاءَ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ، وَجَوَابه عِنْد سِيبَوَيْهِ الْجُمْلَة " إِنْ " وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ.
وَعِنْد أَبِي الْعَبَّاس الْمُبَرِّد مَحْذُوف.
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ
قَرَأَ الْجُمْهُور " لَا ذَلُولٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى، الصِّفَة لِبَقَرَة.
قَالَ الْأَخْفَش :" لَا ذَلُول " نَعْته وَلَا يَجُوز نَصْبه.
وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ " لَا ذَلُول " بِالنَّصْبِ عَلَى النَّفْي وَالْخَبَر مُضْمَر.
وَيَجُوز لَا هِيَ ذَلُول، لَا هِيَ تَسْقِي الْحَرْث، هِيَ مُسَلَّمَة.
وَمَعْنَى " لَا ذَلُول " لَمْ يُذَلِّلهَا الْعَمَل، يُقَال : بَقَرَة مُذَلَّلَة بَيِّنَة الذِّلّ ( بِكَسْرِ الذَّال ).
وَرَجُل ذَلِيل بَيِّن الذُّلّ ( بِضَمِّ الذَّال ).
أَيْ هِيَ بَقَرَة صَعْبَة غَيْر رَيِّضَة لَمْ تُذَلَّل بِالْعَمَلِ.
قَرَأَ الْجُمْهُور " لَا ذَلُولٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى، الصِّفَة لِبَقَرَة.
قَالَ الْأَخْفَش :" لَا ذَلُول " نَعْته وَلَا يَجُوز نَصْبه.
وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ " لَا ذَلُول " بِالنَّصْبِ عَلَى النَّفْي وَالْخَبَر مُضْمَر.
وَيَجُوز لَا هِيَ ذَلُول، لَا هِيَ تَسْقِي الْحَرْث، هِيَ مُسَلَّمَة.
وَمَعْنَى " لَا ذَلُول " لَمْ يُذَلِّلهَا الْعَمَل، يُقَال : بَقَرَة مُذَلَّلَة بَيِّنَة الذِّلّ ( بِكَسْرِ الذَّال ).
وَرَجُل ذَلِيل بَيِّن الذُّلّ ( بِضَمِّ الذَّال ).
أَيْ هِيَ بَقَرَة صَعْبَة غَيْر رَيِّضَة لَمْ تُذَلَّل بِالْعَمَلِ.
تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ
" تُثِير " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الصِّفَة لِلْبَقَرَةِ أَيْ هِيَ بَقَرَة لَا ذَلُول مُثِيرَة.
قَالَ الْحَسَن : وَكَانَتْ تِلْكَ الْبَقَرَة وَحْشِيَّة ; وَلِهَذَا وَصَفَهَا اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهَا لَا تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث أَيْ لَا يُسْنَى بِهَا لِسَقْيِ الزَّرْع وَلَا يُسْقَى عَلَيْهَا.
وَالْوَقْف هَاهُنَا حَسَن.
وَقَالَ قَوْم :" تُثِير " فِعْل مُسْتَأْنَف، وَالْمَعْنَى إِيجَاب الْحَرْث لَهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَحْرُث وَلَا تَسْقِي.
وَالْوَقْف عَلَى هَذَا التَّأْوِيل " لَا ذَلُول " وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا ذَكَرَهُ النَّحَّاس، عَنْ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " تُثِير " مُسْتَأْنَفًا ; لِأَنَّ بَعْده " وَلَا تَسْقِي الْحَرْث "، فَلَوْ كَانَ مُسْتَأْنَفًا لَمَا جَمَعَ بَيْن الْوَاو وَ " لَا ".
الثَّانِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُثِير الْأَرْض لَكَانَتْ الْإِثَارَة قَدْ ذَلَّلَتْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَفَى عَنْهَا الذُّلَّ بِقَوْلِهِ :" لَا ذَلُول " قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون " تُثِير الْأَرْض " فِي غَيْر الْعَمَل مَرَحًا وَنَشَاطًا، كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
فَعَلَى هَذَا يَكُون " تُثِير " مُسْتَأْنَفًا، " وَلَا تَسْقِي " مَعْطُوف عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْهُ.
وَإِثَارَة الْأَرْض : تَحْرِيكهَا وَبَحْثهَا، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( أَثِيرُوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ عِلْم الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى :( مَنْ أَرَادَ الْعِلْم فَلْيُثَوِّرْ الْقُرْآن ) وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَأَثَارُوا الْأَرْض " [ الرُّوم : ٩ ] أَيْ قَلَّبُوهَا لِلزِّرَاعَةِ.
وَالْحَرْث : مَا حُرِثَ وَزُرِعَ.
وَسَيَأْتِي.
مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيل عَلَى حَصْر الْحَيَوَان بِصِفَاتِهِ، وَإِذَا ضُبِطَ بِالصِّفَةِ وَحُصِرَ بِهَا جَازَ السَّلَم فِيهِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ.
وَكَذَلِكَ كُلّ مَا يُضْبَط بِالصِّفَةِ، لِوَصْفِ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه وَصْفًا يَقُوم مَقَام التَّعْيِين، وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَصِف الْمَرْأَة الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُر إِلَيْهَا ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّفَة تَقُوم مَقَام الرُّؤْيَة، وَجَعَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَة الْخَطَأ فِي ذِمَّة مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دَيْنًا إِلَى أَجَل، وَلَمْ يَجْعَلهَا عَلَى الْحُلُول.
وَهُوَ يَرُدّ قَوْل الْكُوفِيِّينَ أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح حَيْثُ قَالُوا : لَا يَجُوز السَّلَم فِي الْحَيَوَان.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة ; لِأَنَّ الْحَيَوَان لَا يُوقَف عَلَى حَقِيقَة صِفَته مِنْ مَشْي وَحَرَكَة، وَكُلّ ذَلِكَ يَزِيد فِي ثَمَنه وَيَرْفَع مِنْ قِيمَته.
وَسَيَأْتِي حُكْم السَّلَم وَشُرُوطه فِي آخِر السُّورَة فِي آيَة الدَّيْن، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" تُثِير " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الصِّفَة لِلْبَقَرَةِ أَيْ هِيَ بَقَرَة لَا ذَلُول مُثِيرَة.
قَالَ الْحَسَن : وَكَانَتْ تِلْكَ الْبَقَرَة وَحْشِيَّة ; وَلِهَذَا وَصَفَهَا اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهَا لَا تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث أَيْ لَا يُسْنَى بِهَا لِسَقْيِ الزَّرْع وَلَا يُسْقَى عَلَيْهَا.
وَالْوَقْف هَاهُنَا حَسَن.
وَقَالَ قَوْم :" تُثِير " فِعْل مُسْتَأْنَف، وَالْمَعْنَى إِيجَاب الْحَرْث لَهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَحْرُث وَلَا تَسْقِي.
وَالْوَقْف عَلَى هَذَا التَّأْوِيل " لَا ذَلُول " وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا ذَكَرَهُ النَّحَّاس، عَنْ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " تُثِير " مُسْتَأْنَفًا ; لِأَنَّ بَعْده " وَلَا تَسْقِي الْحَرْث "، فَلَوْ كَانَ مُسْتَأْنَفًا لَمَا جَمَعَ بَيْن الْوَاو وَ " لَا ".
الثَّانِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُثِير الْأَرْض لَكَانَتْ الْإِثَارَة قَدْ ذَلَّلَتْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَفَى عَنْهَا الذُّلَّ بِقَوْلِهِ :" لَا ذَلُول " قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون " تُثِير الْأَرْض " فِي غَيْر الْعَمَل مَرَحًا وَنَشَاطًا، كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
| يُهِيل وَيُذْرِي تُرْبه وَيُثِيرهُ | إِثَارَة نَبَّاث الْهَوَاجِر مُخْمِس |
وَإِثَارَة الْأَرْض : تَحْرِيكهَا وَبَحْثهَا، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( أَثِيرُوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ عِلْم الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى :( مَنْ أَرَادَ الْعِلْم فَلْيُثَوِّرْ الْقُرْآن ) وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَأَثَارُوا الْأَرْض " [ الرُّوم : ٩ ] أَيْ قَلَّبُوهَا لِلزِّرَاعَةِ.
وَالْحَرْث : مَا حُرِثَ وَزُرِعَ.
وَسَيَأْتِي.
مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيل عَلَى حَصْر الْحَيَوَان بِصِفَاتِهِ، وَإِذَا ضُبِطَ بِالصِّفَةِ وَحُصِرَ بِهَا جَازَ السَّلَم فِيهِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ.
وَكَذَلِكَ كُلّ مَا يُضْبَط بِالصِّفَةِ، لِوَصْفِ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه وَصْفًا يَقُوم مَقَام التَّعْيِين، وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَصِف الْمَرْأَة الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُر إِلَيْهَا ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّفَة تَقُوم مَقَام الرُّؤْيَة، وَجَعَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَة الْخَطَأ فِي ذِمَّة مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دَيْنًا إِلَى أَجَل، وَلَمْ يَجْعَلهَا عَلَى الْحُلُول.
وَهُوَ يَرُدّ قَوْل الْكُوفِيِّينَ أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح حَيْثُ قَالُوا : لَا يَجُوز السَّلَم فِي الْحَيَوَان.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة ; لِأَنَّ الْحَيَوَان لَا يُوقَف عَلَى حَقِيقَة صِفَته مِنْ مَشْي وَحَرَكَة، وَكُلّ ذَلِكَ يَزِيد فِي ثَمَنه وَيَرْفَع مِنْ قِيمَته.
وَسَيَأْتِي حُكْم السَّلَم وَشُرُوطه فِي آخِر السُّورَة فِي آيَة الدَّيْن، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
مُسَلَّمَةٌ
أَيْ هِيَ مُسَلَّمَة.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون وَصْفًا، أَيْ أَنَّهَا بَقَرَة مُسَلَّمَة مِنْ الْعَرَج وَسَائِر الْعُيُوب، قَالَهُ قَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة.
وَلَا يُقَال : مُسَلَّمَة مِنْ الْعَمَل لِنَفْيِ اللَّه الْعَمَل عَنْهَا.
وَقَالَ الْحَسَن : يَعْنِي سَلِيمَة الْقَوَائِم لَا أَثَر فِيهَا لِلْعَمَلِ.
أَيْ هِيَ مُسَلَّمَة.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون وَصْفًا، أَيْ أَنَّهَا بَقَرَة مُسَلَّمَة مِنْ الْعَرَج وَسَائِر الْعُيُوب، قَالَهُ قَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة.
وَلَا يُقَال : مُسَلَّمَة مِنْ الْعَمَل لِنَفْيِ اللَّه الْعَمَل عَنْهَا.
وَقَالَ الْحَسَن : يَعْنِي سَلِيمَة الْقَوَائِم لَا أَثَر فِيهَا لِلْعَمَلِ.
لَا شِيَةَ فِيهَا
أَيْ لَيْسَ فِيهَا لَوْن يُخَالِف مُعْظَم لَوْنهَا، هِيَ صَفْرَاء كُلّهَا لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا حُمْرَة وَلَا سَوَاد، كَمَا قَالَ :" فَاقِع لَوْنهَا ".
وَأَصْل " شِيَة " وَشِي حُذِفَتْ الْوَاو كَمَا حُذِفَتْ مِنْ يَشِي، وَالْأَصْل يُوشِي، وَنَظِيره الزِّنَة وَالْعِدَة وَالصِّلَة.
وَالشِّيَة مَأْخُوذَة مِنْ وَشْي الثَّوْب إِذَا نُسِجَ عَلَى لَوْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَثَوْر مُوَشًّى : فِي وَجْهه وَقَوَائِمه سَوَاد.
قَالَ اِبْن عَرَفَة : الشِّيَة اللَّوْن.
وَلَا يُقَال لِمَنْ نَمَّ : وَاشٍ، حَتَّى يُغَيِّر الْكَلَام وَيُلَوِّنهُ فَيَجْعَلهُ ضُرُوبًا وَيُزَيِّن مِنْهُ مَا شَاءَ.
وَالْوَشْي : الْكَثْرَة.
وَوَشَى بَنُو فُلَان : كَثُرُوا.
وَيُقَال : فَرَس أَبْلَق، وَكَبْش أَخْرَج، وَتَيْس أَبْرَق، وَغُرَاب أَبْقَع، وَثَوْر أَشِيه كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْبُلْقَة، هَكَذَا نَصَّ أَهْل اللُّغَة.
وَهَذِهِ الْأَوْصَاف فِي الْبَقَرَة سَبَبهَا أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ، وَدِين اللَّه يُسْر، وَالتَّعَمُّق فِي سُؤَال الْأَنْبِيَاء وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء مَذْمُوم، نَسْأَل اللَّه الْعَافِيَة.
وَرُوِيَ فِي قَصَص هَذِهِ الْبَقَرَة رِوَايَات تَلْخِيصهَا : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وُلِدَ لَهُ اِبْن، وَكَانَتْ لَهُ عِجْلَة فَأَرْسَلَهَا فِي غَيْضَة وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعك هَذِهِ الْعِجْلَة لِهَذَا الصَّبِيّ.
وَمَاتَ الرَّجُل، فَلَمَّا كَبِرَ الصَّبِيّ قَالَتْ لَهُ أُمّه وَكَانَ بَرًّا بِهَا : إِنَّ أَبَاك اِسْتَوْدَعَ اللَّه عِجْلَة لَك فَاذْهَبْ فَخُذْهَا، فَذَهَبَ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْبَقَرَة جَاءَتْ إِلَيْهِ حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا وَكَانَتْ مُسْتَوْحِشَة فَجَعَلَ يَقُودهَا نَحْو أُمّه، فَلَقِيَهُ بَنُو إِسْرَائِيل وَوَجَدُوا بَقَرَة عَلَى الصِّفَة الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، فَسَامُوهُ فَاشْتَطَّ عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ قِيمَتهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة ثَلَاثَة دَنَانِير، فَأَتَوْا بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا اِشْتَطَّ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُمْ : أَرْضُوهُ فِي مُلْكه، فَاشْتَرَوْهَا مِنْهُ بِوَزْنِهَا مَرَّة، قَالَهُ عُبَيْدَة.
السُّدِّيّ : بِوَزْنِهَا عَشْر مَرَّات.
وَقِيلَ : بِمِلْءِ مَسْكهَا دَنَانِير.
وَذَكَرَ مَكِّيّ : أَنَّ هَذِهِ الْبَقَرَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء وَلَمْ تَكُنْ مِنْ بَقَر الْأَرْض فَاَللَّه أَعْلَم.
أَيْ لَيْسَ فِيهَا لَوْن يُخَالِف مُعْظَم لَوْنهَا، هِيَ صَفْرَاء كُلّهَا لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا حُمْرَة وَلَا سَوَاد، كَمَا قَالَ :" فَاقِع لَوْنهَا ".
وَأَصْل " شِيَة " وَشِي حُذِفَتْ الْوَاو كَمَا حُذِفَتْ مِنْ يَشِي، وَالْأَصْل يُوشِي، وَنَظِيره الزِّنَة وَالْعِدَة وَالصِّلَة.
وَالشِّيَة مَأْخُوذَة مِنْ وَشْي الثَّوْب إِذَا نُسِجَ عَلَى لَوْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَثَوْر مُوَشًّى : فِي وَجْهه وَقَوَائِمه سَوَاد.
قَالَ اِبْن عَرَفَة : الشِّيَة اللَّوْن.
وَلَا يُقَال لِمَنْ نَمَّ : وَاشٍ، حَتَّى يُغَيِّر الْكَلَام وَيُلَوِّنهُ فَيَجْعَلهُ ضُرُوبًا وَيُزَيِّن مِنْهُ مَا شَاءَ.
وَالْوَشْي : الْكَثْرَة.
وَوَشَى بَنُو فُلَان : كَثُرُوا.
وَيُقَال : فَرَس أَبْلَق، وَكَبْش أَخْرَج، وَتَيْس أَبْرَق، وَغُرَاب أَبْقَع، وَثَوْر أَشِيه كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْبُلْقَة، هَكَذَا نَصَّ أَهْل اللُّغَة.
وَهَذِهِ الْأَوْصَاف فِي الْبَقَرَة سَبَبهَا أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ، وَدِين اللَّه يُسْر، وَالتَّعَمُّق فِي سُؤَال الْأَنْبِيَاء وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء مَذْمُوم، نَسْأَل اللَّه الْعَافِيَة.
وَرُوِيَ فِي قَصَص هَذِهِ الْبَقَرَة رِوَايَات تَلْخِيصهَا : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وُلِدَ لَهُ اِبْن، وَكَانَتْ لَهُ عِجْلَة فَأَرْسَلَهَا فِي غَيْضَة وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعك هَذِهِ الْعِجْلَة لِهَذَا الصَّبِيّ.
وَمَاتَ الرَّجُل، فَلَمَّا كَبِرَ الصَّبِيّ قَالَتْ لَهُ أُمّه وَكَانَ بَرًّا بِهَا : إِنَّ أَبَاك اِسْتَوْدَعَ اللَّه عِجْلَة لَك فَاذْهَبْ فَخُذْهَا، فَذَهَبَ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْبَقَرَة جَاءَتْ إِلَيْهِ حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا وَكَانَتْ مُسْتَوْحِشَة فَجَعَلَ يَقُودهَا نَحْو أُمّه، فَلَقِيَهُ بَنُو إِسْرَائِيل وَوَجَدُوا بَقَرَة عَلَى الصِّفَة الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، فَسَامُوهُ فَاشْتَطَّ عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ قِيمَتهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة ثَلَاثَة دَنَانِير، فَأَتَوْا بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا اِشْتَطَّ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُمْ : أَرْضُوهُ فِي مُلْكه، فَاشْتَرَوْهَا مِنْهُ بِوَزْنِهَا مَرَّة، قَالَهُ عُبَيْدَة.
السُّدِّيّ : بِوَزْنِهَا عَشْر مَرَّات.
وَقِيلَ : بِمِلْءِ مَسْكهَا دَنَانِير.
وَذَكَرَ مَكِّيّ : أَنَّ هَذِهِ الْبَقَرَة نَزَلَتْ مِنْ السَّمَاء وَلَمْ تَكُنْ مِنْ بَقَر الْأَرْض فَاَللَّه أَعْلَم.
قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
أَيْ بَيَّنْت الْحَقّ، قَالَهُ قَتَادَة.
وَحَكَى الْأَخْفَش :" قَالُوا أَلْآنَ " قَطَعَ أَلِف الْوَصْل، كَمَا يُقَال : يَا أَللَّه.
وَحَكَى وَجْهًا آخَر " قَالُوا لَانَ " بِإِثْبَاتِ الْوَاو.
نَظِيره قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَبِي عَمْرو " عَادًا لُولَى " وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " قَالُوا الْآن " بِالْهَمْزِ.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة " قَالُ لَانَ " بِتَخْفِيفِ الْهَمْز مَعَ حَذْف الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج :" الْآن " مَبْنِيّ عَلَى الْفَتْح لِمُخَالَفَتِهِ سَائِر مَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّ الْأَلِف وَاللَّام دَخَلَتَا لِغَيْرِ عَهْد، تَقُول : أَنْتَ إِلَى الْآن هُنَا، فَالْمَعْنَى إِلَى هَذَا الْوَقْت.
فَبُنِيَتْ كَمَا بُنِيَ هَذَا، وَفُتِحَتْ النُّون لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَهُوَ عِبَارَة عَمَّا بَيْن الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل.
أَيْ بَيَّنْت الْحَقّ، قَالَهُ قَتَادَة.
وَحَكَى الْأَخْفَش :" قَالُوا أَلْآنَ " قَطَعَ أَلِف الْوَصْل، كَمَا يُقَال : يَا أَللَّه.
وَحَكَى وَجْهًا آخَر " قَالُوا لَانَ " بِإِثْبَاتِ الْوَاو.
نَظِيره قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَبِي عَمْرو " عَادًا لُولَى " وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " قَالُوا الْآن " بِالْهَمْزِ.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة " قَالُ لَانَ " بِتَخْفِيفِ الْهَمْز مَعَ حَذْف الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ الزَّجَّاج :" الْآن " مَبْنِيّ عَلَى الْفَتْح لِمُخَالَفَتِهِ سَائِر مَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام ; لِأَنَّ الْأَلِف وَاللَّام دَخَلَتَا لِغَيْرِ عَهْد، تَقُول : أَنْتَ إِلَى الْآن هُنَا، فَالْمَعْنَى إِلَى هَذَا الْوَقْت.
فَبُنِيَتْ كَمَا بُنِيَ هَذَا، وَفُتِحَتْ النُّون لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَهُوَ عِبَارَة عَمَّا بَيْن الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل.
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
أَجَازَ سِيبَوَيْهِ : كَادَ أَنْ يَفْعَل، تَشْبِيهًا بِعَسَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل السُّورَة.
وَهَذَا إِخْبَار عَنْ تَثْبِيطهمْ فِي ذَبْحهَا وَقِلَّة مُبَادَرَتهمْ إِلَى أَمْر اللَّه.
وَقَالَ الْقُرَظِيّ مُحَمَّد بْن كَعْب : لِغَلَاءِ ثَمَنهَا.
وَقِيلَ : خَوْفًا مِنْ الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ فِي مَعْرِفَة الْقَاتِل مِنْهُمْ، قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
أَجَازَ سِيبَوَيْهِ : كَادَ أَنْ يَفْعَل، تَشْبِيهًا بِعَسَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل السُّورَة.
وَهَذَا إِخْبَار عَنْ تَثْبِيطهمْ فِي ذَبْحهَا وَقِلَّة مُبَادَرَتهمْ إِلَى أَمْر اللَّه.
وَقَالَ الْقُرَظِيّ مُحَمَّد بْن كَعْب : لِغَلَاءِ ثَمَنهَا.
وَقِيلَ : خَوْفًا مِنْ الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ فِي مَعْرِفَة الْقَاتِل مِنْهُمْ، قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
هَذَا الْكَلَام مُقَدَّم عَلَى أَوَّل الْقِصَّة، التَّقْدِير : وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا.
فَقَالَ مُوسَى : إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ بِكَذَا.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ :" الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا.
قَيِّمًا " [ الْكَهْف :
١ - ٢ ] أَيْ أَنْزَلَ عَلَى عَبْده قَيِّمًا، وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا، وَمِثْله كَثِير، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ أَوَّل الْقِصَّة.
وَفِي سَبَب قَتْله قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : لِابْنَةٍ لَهُ حَسْنَاء أَحَبَّ أَنْ يَتَزَوَّجهَا اِبْن عَمّهَا فَمَنَعَهُ عَمّه، فَقَتَلَهُ وَحَمَلَهُ مِنْ قَرْيَته إِلَى قَرْيَة أُخْرَى فَأَلْقَاهُ هُنَاكَ.
وَقِيلَ : أَلْقَاهُ بَيْن قَرْيَتَيْنِ.
الثَّانِي : قَتَلَهُ طَلَبًا لِمِيرَاثِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرًا وَادَّعَى قَتْله عَلَى بَعْض الْأَسْبَاط.
قَالَ عِكْرِمَة : كَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيل مَسْجِد لَهُ اِثْنَا عَشَر بَابًا لِكُلِّ بَاب قَوْم يَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَوَجَدُوا قَتِيلًا فِي سِبْط مِنْ الْأَسْبَاط، فَادَّعَى هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَادَّعَى هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، ثُمَّ أَتَوْا مُوسَى يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ :" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] الْآيَة.
وَمَعْنَى " اِدَّارَأْتُمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٢ ] الْآيَة.
وَمَعْنَى " اِدَّارَأْتُمْ " : اِخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ، قَالَهُ مُجَاهِد.
وَأَصْله تَدَارَأْتُمْ ثُمَّ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال، وَلَا يَجُوز الِابْتِدَاء بِالْمُدْغَمِ ; لِأَنَّهُ سَاكِن فَزِيدَ أَلِف الْوَصْل.
" وَاَللَّه مُخْرِج " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
" مَا كُنْتُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " مُخْرِج "، وَيَجُوز حَذْف التَّنْوِين عَلَى الْإِضَافَة.
" تَكْتُمُونَ " جُمْلَة فِي مَوْضِع خَبَر كَانَ وَالْعَائِد مَحْذُوف التَّقْدِير تَكْتُمُونَهُ.
وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ قَتَلَهُ طَلَبًا لِمِيرَاثِهِ لَمْ يَرِث قَاتِل عَمْد مِنْ حِينَئِذٍ، قَالَهُ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ هَذَا الرَّجُل عَمّه لِيَرِثهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَبِمِثْلِهِ جَاءَ شَرْعنَا.
وَحَكَى مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي " مُوَطَّئِهِ " أَنَّ قِصَّة أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح فِي عَمّه هِيَ كَانَتْ سَبَب أَلَّا يَرِثَ قَاتِل، ثُمَّ ثَبَّتَ ذَلِكَ الْإِسْلَام كَمَا ثَبَّتَ كَثِيرًا مِنْ نَوَازِل الْجَاهِلِيَّة.
وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَرِث قَاتِل الْعَمْد مِنْ الدِّيَة وَلَا مِنْ الْمَال، إِلَّا فِرْقَة شَذَّتْ عَنْ الْجُمْهُور كُلّهمْ أَهْل بِدَع.
وَيَرِث قَاتِل الْخَطَأ مِنْ الْمَال وَلَا يَرِث مِنْ الدِّيَة فِي قَوْل مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَالشَّافِعِيّ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَم عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثهُ وَيَأْخُذ مَاله.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه، وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْل لَهُ آخَر : لَا يَرِث الْقَاتِل عَمْدًا وَلَا خَطَأ شَيْئًا مِنْ الْمَال وَلَا مِنْ الدِّيَة.
وَهُوَ قَوْل شُرَيْح وَطَاوُس وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ.
وَرَوَاهُ الشَّعْبِيّ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَزَيْد قَالُوا : لَا يَرِث الْقَاتِل عَمْدًا وَلَا خَطَأ شَيْئًا.
هَذَا الْكَلَام مُقَدَّم عَلَى أَوَّل الْقِصَّة، التَّقْدِير : وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا.
فَقَالَ مُوسَى : إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ بِكَذَا.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ :" الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا.
قَيِّمًا " [ الْكَهْف :
١ - ٢ ] أَيْ أَنْزَلَ عَلَى عَبْده قَيِّمًا، وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا، وَمِثْله كَثِير، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ أَوَّل الْقِصَّة.
وَفِي سَبَب قَتْله قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : لِابْنَةٍ لَهُ حَسْنَاء أَحَبَّ أَنْ يَتَزَوَّجهَا اِبْن عَمّهَا فَمَنَعَهُ عَمّه، فَقَتَلَهُ وَحَمَلَهُ مِنْ قَرْيَته إِلَى قَرْيَة أُخْرَى فَأَلْقَاهُ هُنَاكَ.
وَقِيلَ : أَلْقَاهُ بَيْن قَرْيَتَيْنِ.
الثَّانِي : قَتَلَهُ طَلَبًا لِمِيرَاثِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرًا وَادَّعَى قَتْله عَلَى بَعْض الْأَسْبَاط.
قَالَ عِكْرِمَة : كَانَ لِبَنِي إِسْرَائِيل مَسْجِد لَهُ اِثْنَا عَشَر بَابًا لِكُلِّ بَاب قَوْم يَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَوَجَدُوا قَتِيلًا فِي سِبْط مِنْ الْأَسْبَاط، فَادَّعَى هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَادَّعَى هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، ثُمَّ أَتَوْا مُوسَى يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ :" إِنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة " [ الْبَقَرَة : ٦٧ ] الْآيَة.
وَمَعْنَى " اِدَّارَأْتُمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٢ ] الْآيَة.
وَمَعْنَى " اِدَّارَأْتُمْ " : اِخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ، قَالَهُ مُجَاهِد.
وَأَصْله تَدَارَأْتُمْ ثُمَّ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال، وَلَا يَجُوز الِابْتِدَاء بِالْمُدْغَمِ ; لِأَنَّهُ سَاكِن فَزِيدَ أَلِف الْوَصْل.
" وَاَللَّه مُخْرِج " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
" مَا كُنْتُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " مُخْرِج "، وَيَجُوز حَذْف التَّنْوِين عَلَى الْإِضَافَة.
" تَكْتُمُونَ " جُمْلَة فِي مَوْضِع خَبَر كَانَ وَالْعَائِد مَحْذُوف التَّقْدِير تَكْتُمُونَهُ.
وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ قَتَلَهُ طَلَبًا لِمِيرَاثِهِ لَمْ يَرِث قَاتِل عَمْد مِنْ حِينَئِذٍ، قَالَهُ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَتَلَ هَذَا الرَّجُل عَمّه لِيَرِثهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَبِمِثْلِهِ جَاءَ شَرْعنَا.
وَحَكَى مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي " مُوَطَّئِهِ " أَنَّ قِصَّة أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح فِي عَمّه هِيَ كَانَتْ سَبَب أَلَّا يَرِثَ قَاتِل، ثُمَّ ثَبَّتَ ذَلِكَ الْإِسْلَام كَمَا ثَبَّتَ كَثِيرًا مِنْ نَوَازِل الْجَاهِلِيَّة.
وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَرِث قَاتِل الْعَمْد مِنْ الدِّيَة وَلَا مِنْ الْمَال، إِلَّا فِرْقَة شَذَّتْ عَنْ الْجُمْهُور كُلّهمْ أَهْل بِدَع.
وَيَرِث قَاتِل الْخَطَأ مِنْ الْمَال وَلَا يَرِث مِنْ الدِّيَة فِي قَوْل مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَالشَّافِعِيّ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَم عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثهُ وَيَأْخُذ مَاله.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه، وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْل لَهُ آخَر : لَا يَرِث الْقَاتِل عَمْدًا وَلَا خَطَأ شَيْئًا مِنْ الْمَال وَلَا مِنْ الدِّيَة.
وَهُوَ قَوْل شُرَيْح وَطَاوُس وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ.
وَرَوَاهُ الشَّعْبِيّ عَنْ عُمَر وَعَلِيّ وَزَيْد قَالُوا : لَا يَرِث الْقَاتِل عَمْدًا وَلَا خَطَأ شَيْئًا.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد الْقَوْلَانِ جَمِيعًا.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ : يَرِث قَاتِل الْخَطَأ مِنْ الدِّيَة وَمِنْ الْمَال جَمِيعًا، حَكَاهُ أَبُو عُمَر.
وَقَوْل مَالِك أَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي آيَة الْمَوَارِيث إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ : يَرِث قَاتِل الْخَطَأ مِنْ الدِّيَة وَمِنْ الْمَال جَمِيعًا، حَكَاهُ أَبُو عُمَر.
وَقَوْل مَالِك أَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي آيَة الْمَوَارِيث إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
قِيلَ : بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ آلَة الْكَلَام.
وَقِيلَ : بِعَجْبِ الذَّنَب، إِذْ فِيهِ يُرَكَّب خَلْق الْإِنْسَان.
وَقِيلَ : بِالْفَخِذِ.
وَقِيلَ : بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامهَا، وَالْمَقْطُوع بِهِ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهَا، فَلَمَّا ضُرِبَ بِهِ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ.
مَسْأَلَة : اِسْتَدَلَّ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي رِوَايَة اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِ الْمَقْتُول : دَمِي عِنْد فُلَان، أَوْ فُلَان قَتَلَنِي.
وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، قَالُوا : وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ قَوْل الْمَقْتُول : دَمِي عِنْد فُلَان، أَوْ فُلَان قَتَلَنِي، خَبَر يَحْتَمِل الصِّدْق وَالْكَذِب.
وَلَا خِلَاف أَنَّ دَم الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْصُوم إِبَاحَته إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِين مَعَ الِاحْتِمَال، فَبَطَلَ اِعْتِبَار قَوْل الْمَقْتُول دَمِي عِنْد فُلَان.
وَأَمَّا قَتِيل بَنِي إِسْرَائِيل فَكَانَتْ مُعْجِزَة وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِيه، وَذَلِكَ يَتَضَمَّن الْإِخْبَار بِقَاتِلِهِ خَبَرًا جَزْمًا لَا يَدْخُلهُ اِحْتِمَال، فَافْتَرَقَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْمُعْجِزَة كَانَتْ فِي إِحْيَائِهِ، فَلَمَّا صَارَ حَيًّا كَانَ كَلَامه كَسَائِرِ كَلَام النَّاس كُلّهمْ فِي الْقَبُول وَالرَّدّ.
وَهَذَا فَنّ دَقِيق مِنْ الْعِلْم لَمْ يَتَفَطَّن لَهُ إِلَّا مَالِك، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ وَجَبَ صِدْقه، فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْقَسَامَةِ مَعَهُ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْبُخَارِيّ وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء فَقَالُوا : كَيْف يُقْبَل قَوْله فِي الدَّم وَهُوَ لَا يُقْبَل قَوْله فِي دِرْهَم.
مَسْأَلَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحُكْم بِالْقَسَامَةِ، فَرُوِيَ عَنْ سَالِم وَأَبِي قِلَابَة وَعُمْر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة التَّوَقُّف فِي الْحُكْم بِهَا.
وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيّ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِحَدِيثِ الْقَسَامَة فِي غَيْر مَوْضِعه.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْحُكْم بِالْقَسَامَةِ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة الْحُكْم بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَة : يَبْدَأ فِيهَا الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا اِسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرَءُوا.
هَذَا قَوْل أَهْل الْمَدِينَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر.
وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيث حُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَة، خَرَّجَهُ الْأَئِمَّة مَالِك وَغَيْره.
وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ وَيَبْرَءُونَ.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ شُعْبَة بْن عُبَيْد عَنْ بَشِير بْن يَسَار، وَفِيهِ : فَبَدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَهُمْ الْيَهُود.
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة ابْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ رِجَال مِنْ الْأَنْصَار أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ :( أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا ).
قِيلَ : بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ آلَة الْكَلَام.
وَقِيلَ : بِعَجْبِ الذَّنَب، إِذْ فِيهِ يُرَكَّب خَلْق الْإِنْسَان.
وَقِيلَ : بِالْفَخِذِ.
وَقِيلَ : بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامهَا، وَالْمَقْطُوع بِهِ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهَا، فَلَمَّا ضُرِبَ بِهِ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ.
مَسْأَلَة : اِسْتَدَلَّ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه فِي رِوَايَة اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِ الْمَقْتُول : دَمِي عِنْد فُلَان، أَوْ فُلَان قَتَلَنِي.
وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، قَالُوا : وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ قَوْل الْمَقْتُول : دَمِي عِنْد فُلَان، أَوْ فُلَان قَتَلَنِي، خَبَر يَحْتَمِل الصِّدْق وَالْكَذِب.
وَلَا خِلَاف أَنَّ دَم الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْصُوم إِبَاحَته إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِين مَعَ الِاحْتِمَال، فَبَطَلَ اِعْتِبَار قَوْل الْمَقْتُول دَمِي عِنْد فُلَان.
وَأَمَّا قَتِيل بَنِي إِسْرَائِيل فَكَانَتْ مُعْجِزَة وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِيه، وَذَلِكَ يَتَضَمَّن الْإِخْبَار بِقَاتِلِهِ خَبَرًا جَزْمًا لَا يَدْخُلهُ اِحْتِمَال، فَافْتَرَقَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْمُعْجِزَة كَانَتْ فِي إِحْيَائِهِ، فَلَمَّا صَارَ حَيًّا كَانَ كَلَامه كَسَائِرِ كَلَام النَّاس كُلّهمْ فِي الْقَبُول وَالرَّدّ.
وَهَذَا فَنّ دَقِيق مِنْ الْعِلْم لَمْ يَتَفَطَّن لَهُ إِلَّا مَالِك، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ وَجَبَ صِدْقه، فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْقَسَامَةِ مَعَهُ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْبُخَارِيّ وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء فَقَالُوا : كَيْف يُقْبَل قَوْله فِي الدَّم وَهُوَ لَا يُقْبَل قَوْله فِي دِرْهَم.
مَسْأَلَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحُكْم بِالْقَسَامَةِ، فَرُوِيَ عَنْ سَالِم وَأَبِي قِلَابَة وَعُمْر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة التَّوَقُّف فِي الْحُكْم بِهَا.
وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيّ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِحَدِيثِ الْقَسَامَة فِي غَيْر مَوْضِعه.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْحُكْم بِالْقَسَامَةِ ثَابِت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة الْحُكْم بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَة : يَبْدَأ فِيهَا الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا اِسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرَءُوا.
هَذَا قَوْل أَهْل الْمَدِينَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر.
وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيث حُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَة، خَرَّجَهُ الْأَئِمَّة مَالِك وَغَيْره.
وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ وَيَبْرَءُونَ.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ شُعْبَة بْن عُبَيْد عَنْ بَشِير بْن يَسَار، وَفِيهِ : فَبَدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَهُمْ الْيَهُود.
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة ابْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ رِجَال مِنْ الْأَنْصَار أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ :( أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا ).
فَأَبَوْا، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ :( اِسْتَحِقُّوا ) فَقَالُوا : نَحْلِف عَلَى الْغَيْب يَا رَسُول اللَّه فَجَعَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَة عَلَى يَهُود ; لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْن أَظْهُرهمْ.
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) فَعُيِّنُوا قَالُوا : وَهَذَا هُوَ الْأَصْل الْمَقْطُوع بِهِ فِي الدَّعَاوَى الَّذِي نَبَّهَ الشَّرْع عَلَى حِكْمَته بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاس دِمَاء رِجَال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) رَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى فَقَالُوا : حَدِيث سَعِيد بْن عُبَيْد فِي تَبْدِيَة الْيَهُود وَهْم عِنْد أَهْل الْحَدِيث، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ : وَلَمْ يُتَابَع سَعِيد فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِيمَا أَعْلَم، وَقَدْ أَسْنَدَ حَدِيث بُشَيْر عَنْ سَهْل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ يَحْيَى بْن سَعِيد وَابْن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بْن زَيْد وَعَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعِيسَى بْن حَمَّاد وَبِشْر بْن الْمُفَضَّل، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة.
وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ مَالِك فَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَة الْحُفَّاظ، وَهُوَ أَصَحّ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن عُبَيْد.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَصِيلِيّ : فَلَا يَجُوز أَنْ يُعْتَرَض بِخَبَرٍ وَاحِد عَلَى خَبَر جَمَاعَة، مَعَ أَنَّ سَعِيد بْن عُبَيْد قَالَ فِي حَدِيثه : فَوَدَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَة مِنْ إِبِل الصَّدَقَة، وَالصَّدَقَة لَا تُعْطَى فِي الدِّيَات وَلَا يُصَالَح بِهَا عَنْ غَيْر أَهْلهَا، وَحَدِيث أَبِي دَاوُد مُرْسَل فَلَا تُعَارَض بِهِ الْأَحَادِيث الصِّحَاح الْمُتَّصِلَة، وَأَجَابُوا عَنْ التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْم أَصْل بِنَفْسِهِ لِحُرْمَةِ الدِّمَاء.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْم بِظَاهِرِ ذَلِكَ يَجِب، إِلَّا أَنْ يَخُصّ اللَّه فِي كِتَابه أَوْ عَلَى لِسَان نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء فَيُسْتَثْنَى مِنْ جُمْلَة هَذَا الْخَبَر.
فَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَاب إِلْزَام الْقَاذِف حَدّ الْمَقْذُوف إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْبَعَة شُهَدَاء يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى صِدْق مَا رَمَى بِهِ الْمَقْذُوف وَخَصَّ مَنْ رَمَى زَوْجَته بِأَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْحَدّ إِذَا شَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات.
وَمِمَّا خَصَّتْهُ السُّنَّة حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ.
وَقَدْ رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْبَيِّنَة عَلَى مَنْ اِدَّعَى وَالْيَمِين عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَة ).
خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَدْ اِحْتَجَّ مَالِك لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي مُوَطَّئِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ.
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) فَعُيِّنُوا قَالُوا : وَهَذَا هُوَ الْأَصْل الْمَقْطُوع بِهِ فِي الدَّعَاوَى الَّذِي نَبَّهَ الشَّرْع عَلَى حِكْمَته بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاس دِمَاء رِجَال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) رَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى فَقَالُوا : حَدِيث سَعِيد بْن عُبَيْد فِي تَبْدِيَة الْيَهُود وَهْم عِنْد أَهْل الْحَدِيث، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ : وَلَمْ يُتَابَع سَعِيد فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فِيمَا أَعْلَم، وَقَدْ أَسْنَدَ حَدِيث بُشَيْر عَنْ سَهْل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ يَحْيَى بْن سَعِيد وَابْن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بْن زَيْد وَعَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعِيسَى بْن حَمَّاد وَبِشْر بْن الْمُفَضَّل، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة.
وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ مَالِك فَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَة الْحُفَّاظ، وَهُوَ أَصَحّ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن عُبَيْد.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأَصِيلِيّ : فَلَا يَجُوز أَنْ يُعْتَرَض بِخَبَرٍ وَاحِد عَلَى خَبَر جَمَاعَة، مَعَ أَنَّ سَعِيد بْن عُبَيْد قَالَ فِي حَدِيثه : فَوَدَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَة مِنْ إِبِل الصَّدَقَة، وَالصَّدَقَة لَا تُعْطَى فِي الدِّيَات وَلَا يُصَالَح بِهَا عَنْ غَيْر أَهْلهَا، وَحَدِيث أَبِي دَاوُد مُرْسَل فَلَا تُعَارَض بِهِ الْأَحَادِيث الصِّحَاح الْمُتَّصِلَة، وَأَجَابُوا عَنْ التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْم أَصْل بِنَفْسِهِ لِحُرْمَةِ الدِّمَاء.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْم بِظَاهِرِ ذَلِكَ يَجِب، إِلَّا أَنْ يَخُصّ اللَّه فِي كِتَابه أَوْ عَلَى لِسَان نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء فَيُسْتَثْنَى مِنْ جُمْلَة هَذَا الْخَبَر.
فَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَاب إِلْزَام الْقَاذِف حَدّ الْمَقْذُوف إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْبَعَة شُهَدَاء يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى صِدْق مَا رَمَى بِهِ الْمَقْذُوف وَخَصَّ مَنْ رَمَى زَوْجَته بِأَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْحَدّ إِذَا شَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات.
وَمِمَّا خَصَّتْهُ السُّنَّة حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ.
وَقَدْ رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْبَيِّنَة عَلَى مَنْ اِدَّعَى وَالْيَمِين عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَة ).
خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَدْ اِحْتَجَّ مَالِك لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي مُوَطَّئِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَقُوا أَيْضًا فِي وُجُوب الْقَوَد بِالْقَسَامَةِ، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَة الْقَوَد بِهَا، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَاللَّيْث وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِحُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَة وَعَبْد الرَّحْمَن :( أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَم صَاحِبكُمْ ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ مِنْ بَنِي نَضْر بْن مَالِك.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : نُسْخَة عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه صَحِيحَة، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ يُصَحِّح حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب، وَيَحْتَجّ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ : رَأَيْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْحُمَيْدِيّ وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ يَحْتَجُّونَ بِهِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي السُّنَن.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا قَوَد بِالْقَسَامَةِ، وَإِنَّمَا تُوجِب الدِّيَة.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ وَالْحَسَن، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى بْن عَبْد اللَّه عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله لِلْأَنْصَارِ :( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ ).
قَالُوا : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الدِّيَة لَا عَلَى الْقَوَد، قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَتَسْتَحِقُّونَ دَم صَاحِبكُمْ ) دِيَة دَم قَتِيلكُمْ لِأَنَّ الْيَهُود لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ لَهُمْ، وَمَنْ اِسْتَحَقَّ دِيَة صَاحِبه فَقَدْ اِسْتَحَقَّ دَمَهُ ; لِأَنَّ الدِّيَة قَدْ تُؤْخَذ فِي الْعَمْد فَيَكُون ذَلِكَ اِسْتِحْقَاقًا لِلدَّمِ.
مَسْأَلَة : الْمُوجِب لِلْقَسَامَةِ اللَّوْث وَلَا بُدّ مِنْهُ.
وَاللَّوْث : أَمَارَة تَغْلِب عَلَى الظَّنّ صِدْق مُدَّعِي الْقَتْل، كَشَهَادَةِ الْعَدْل الْوَاحِد عَلَى رُؤْيَة الْقَتْل، أَوْ يُرَى الْمَقْتُول يَتَشَحَّط دَمه، وَالْمُتَّهَم نَحْوه أَوْ قُرْبه عَلَيْهِ آثَار الْقَتْل.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اللَّوْث وَالْقَوْل بِهِ، فَقَالَ مَالِك : هُوَ قَوْل الْمَقْتُول دَمِي عِنْد فُلَان.
وَالشَّاهِد الْعَدْل لَوْث.
كَذَا فِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك أَنَّهُ يَقْسِم مَعَ الشَّاهِد غَيْر الْعَدْل وَمَعَ الْمَرْأَة.
وَرَوَى اِبْن وَهْب أَنَّ شَهَادَة النِّسَاء لَوْث.
وَذَكَرَ مُحَمَّد عَنْ اِبْن الْقَاسِم أَنَّ شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ لَوْث دُون شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : اُخْتُلِفَ فِي اللَّوْث اِخْتِلَافًا كَثِيرًا، مَشْهُور الْمَذْهَب أَنَّهُ الشَّاهِد الْعَدْل.
وَقَالَ مُحَمَّد : هُوَ أَحَبّ إِلَيَّ.
قَالَ : وَأَخَذَ بِهِ اِبْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان : أَنَّ الْمَجْرُوح أَوْ الْمَضْرُوب إِذَا قَالَ دَمِي عِنْد فُلَان وَمَاتَ كَانَتْ الْقَسَامَة.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث بْن سَعْد.
وَاحْتَجَّ مَالِك بِقَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ قَالَ : قَتَلَنِي فُلَان.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ مِنْ بَنِي نَضْر بْن مَالِك.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : نُسْخَة عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه صَحِيحَة، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ يُصَحِّح حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب، وَيَحْتَجّ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ : رَأَيْت عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْحُمَيْدِيّ وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ يَحْتَجُّونَ بِهِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي السُّنَن.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا قَوَد بِالْقَسَامَةِ، وَإِنَّمَا تُوجِب الدِّيَة.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ وَالْحَسَن، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى بْن عَبْد اللَّه عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله لِلْأَنْصَارِ :( إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ ).
قَالُوا : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الدِّيَة لَا عَلَى الْقَوَد، قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَتَسْتَحِقُّونَ دَم صَاحِبكُمْ ) دِيَة دَم قَتِيلكُمْ لِأَنَّ الْيَهُود لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ لَهُمْ، وَمَنْ اِسْتَحَقَّ دِيَة صَاحِبه فَقَدْ اِسْتَحَقَّ دَمَهُ ; لِأَنَّ الدِّيَة قَدْ تُؤْخَذ فِي الْعَمْد فَيَكُون ذَلِكَ اِسْتِحْقَاقًا لِلدَّمِ.
مَسْأَلَة : الْمُوجِب لِلْقَسَامَةِ اللَّوْث وَلَا بُدّ مِنْهُ.
وَاللَّوْث : أَمَارَة تَغْلِب عَلَى الظَّنّ صِدْق مُدَّعِي الْقَتْل، كَشَهَادَةِ الْعَدْل الْوَاحِد عَلَى رُؤْيَة الْقَتْل، أَوْ يُرَى الْمَقْتُول يَتَشَحَّط دَمه، وَالْمُتَّهَم نَحْوه أَوْ قُرْبه عَلَيْهِ آثَار الْقَتْل.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اللَّوْث وَالْقَوْل بِهِ، فَقَالَ مَالِك : هُوَ قَوْل الْمَقْتُول دَمِي عِنْد فُلَان.
وَالشَّاهِد الْعَدْل لَوْث.
كَذَا فِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ.
وَرَوَى أَشْهَب عَنْ مَالِك أَنَّهُ يَقْسِم مَعَ الشَّاهِد غَيْر الْعَدْل وَمَعَ الْمَرْأَة.
وَرَوَى اِبْن وَهْب أَنَّ شَهَادَة النِّسَاء لَوْث.
وَذَكَرَ مُحَمَّد عَنْ اِبْن الْقَاسِم أَنَّ شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ لَوْث دُون شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : اُخْتُلِفَ فِي اللَّوْث اِخْتِلَافًا كَثِيرًا، مَشْهُور الْمَذْهَب أَنَّهُ الشَّاهِد الْعَدْل.
وَقَالَ مُحَمَّد : هُوَ أَحَبّ إِلَيَّ.
قَالَ : وَأَخَذَ بِهِ اِبْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان : أَنَّ الْمَجْرُوح أَوْ الْمَضْرُوب إِذَا قَالَ دَمِي عِنْد فُلَان وَمَاتَ كَانَتْ الْقَسَامَة.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث بْن سَعْد.
وَاحْتَجَّ مَالِك بِقَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ قَالَ : قَتَلَنِي فُلَان.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : اللَّوْث الشَّاهِد الْعَدْل، أَوْ يَأْتِي بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا.
وَأَوْجَبَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ الْقَسَامَة بِوُجُودِ الْقَتِيل فَقَطْ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْ مُرَاعَاة قَوْل الْمَقْتُول وَعَنْ الشَّاهِد، قَالُوا : إِذَا وُجِدَ قَتِيل فِي مَحَلَّة قَوْم وَبِهِ أَثَر حَلَفَ أَهْل ذَلِكَ الْمَوْضِع أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ وَيَكُون عَقْله عَلَيْهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَر لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَاقِلَة شَيْء إِلَّا أَنْ تَقُوم الْبَيِّنَة عَلَى وَاحِد.
وَقَالَ سُفْيَان : وَهَذَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف خَالَفُوا فِيهِ أَهْل الْعِلْم، وَلَا سَلَف لَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ مُخَالِف لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّة، وَلِأَنَّ فِيهِ إِلْزَام الْعَاقِلَة مَالًا بِغَيْرِ بَيِّنَة ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ وَلَا إِقْرَار مِنْهُمْ.
وَذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّ الْقَتِيل إِذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّة قَوْم أَنَّهُ هَدَر، لَا يُؤْخَذ بِهِ أَقْرَب النَّاس دَارًا ; لِأَنَّ الْقَتِيل قَدْ يُقْتَل ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَاب قَوْم لِيُلَطَّخُوا بِهِ، فَلَا يُؤَاخَذ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى تَكُون الْأَسْبَاب الَّتِي شَرَطُوهَا فِي وُجُوب الْقَسَامَة.
وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز هَذَا مِمَّا يُؤَخَّر فِيهِ الْقَضَاء حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة.
مَسْأَلَة : قَالَ الْقَاسِم بْن مَسْعَدَة قُلْت لِلنَّسَائِيّ : لَا يَقُول مَالِك بِالْقَسَامَةِ إِلَّا بِاللَّوْثِ، فَلَمْ أَوْرَدَ حَدِيث الْقَسَامَة وَلَا لَوْث فِيهِ قَالَ النَّسَائِيّ : أَنْزَلَ مَالِك الْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ وَبَيْن الْيَهُود بِمَنْزِلَةِ اللَّوْث، وَأَنْزَلَ اللَّوْث أَوْ قَوْل الْمَيِّت بِمَنْزِلَةِ الْعَدَاوَة.
قَالَ اِبْن أَبِي زَيْد : وَأَصْل هَذَا فِي قِصَّة بَنِي إِسْرَائِيل حِين أَحْيَا اللَّه الَّذِي ضُرِبَ بِبَعْضِ الْبَقَرَة فَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان، وَبِأَنَّ الْعَدَاوَة لَوْث قَالَ الشَّافِعِيّ : وَلَا نَرَى قَوْل الْمَقْتُول لَوْثًا، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا كَانَ بَيْن قَوْم وَقَوْم عَدَاوَة ظَاهِرَة كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْن الْأَنْصَار وَالْيَهُود، وَوُجِدَ قَتِيل فِي أَحَد الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يُخَالِطهُمْ غَيْرهمْ وَجَبَتْ الْقَسَامَة فِيهِ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَتِيل يُوجَد فِي الْمَحَلَّة الَّتِي أَكْرَاهَا أَرْبَابهَا، فَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : هُوَ عَلَى أَهْل الْخُطَّة وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان شَيْء، فَإِنْ بَاعُوا دُورهمْ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيل فَالدِّيَة عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان شَيْء، وَإِنْ كَانَ أَرْبَاب الدُّور غُيَّبًا وَقَدْ أَكْرَوْا دُورهمْ فَالْقَسَامَة وَالدِّيَة عَلَى أَرْبَاب الدُّور وَالْغُيَّب وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيل بَيْن أَظْهُرهمْ شَيْء.
ثُمَّ رَجَعَ يَعْقُوب مِنْ بَيْنهمْ عَنْ هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : الْقَسَامَة وَالدِّيَة عَلَى السُّكَّان فِي الدُّور.
وَحَكَى هَذَا الْقَوْل عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَهْل خَيْبَر كَانُوا عُمَّالًا سُكَّانًا يَعْمَلُونَ فَوُجِدَ الْقَتِيل فِيهِمْ.
قَالَ الثَّوْرِيّ : وَنَحْنُ نَقُول : هُوَ عَلَى أَصْحَاب الْأَصْل، يَعْنِي أَهْل الدُّور.
وَأَوْجَبَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ الْقَسَامَة بِوُجُودِ الْقَتِيل فَقَطْ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْ مُرَاعَاة قَوْل الْمَقْتُول وَعَنْ الشَّاهِد، قَالُوا : إِذَا وُجِدَ قَتِيل فِي مَحَلَّة قَوْم وَبِهِ أَثَر حَلَفَ أَهْل ذَلِكَ الْمَوْضِع أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ وَيَكُون عَقْله عَلَيْهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَر لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَاقِلَة شَيْء إِلَّا أَنْ تَقُوم الْبَيِّنَة عَلَى وَاحِد.
وَقَالَ سُفْيَان : وَهَذَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف خَالَفُوا فِيهِ أَهْل الْعِلْم، وَلَا سَلَف لَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ مُخَالِف لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّة، وَلِأَنَّ فِيهِ إِلْزَام الْعَاقِلَة مَالًا بِغَيْرِ بَيِّنَة ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ وَلَا إِقْرَار مِنْهُمْ.
وَذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّ الْقَتِيل إِذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّة قَوْم أَنَّهُ هَدَر، لَا يُؤْخَذ بِهِ أَقْرَب النَّاس دَارًا ; لِأَنَّ الْقَتِيل قَدْ يُقْتَل ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَاب قَوْم لِيُلَطَّخُوا بِهِ، فَلَا يُؤَاخَذ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى تَكُون الْأَسْبَاب الَّتِي شَرَطُوهَا فِي وُجُوب الْقَسَامَة.
وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز هَذَا مِمَّا يُؤَخَّر فِيهِ الْقَضَاء حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة.
مَسْأَلَة : قَالَ الْقَاسِم بْن مَسْعَدَة قُلْت لِلنَّسَائِيّ : لَا يَقُول مَالِك بِالْقَسَامَةِ إِلَّا بِاللَّوْثِ، فَلَمْ أَوْرَدَ حَدِيث الْقَسَامَة وَلَا لَوْث فِيهِ قَالَ النَّسَائِيّ : أَنْزَلَ مَالِك الْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ وَبَيْن الْيَهُود بِمَنْزِلَةِ اللَّوْث، وَأَنْزَلَ اللَّوْث أَوْ قَوْل الْمَيِّت بِمَنْزِلَةِ الْعَدَاوَة.
قَالَ اِبْن أَبِي زَيْد : وَأَصْل هَذَا فِي قِصَّة بَنِي إِسْرَائِيل حِين أَحْيَا اللَّه الَّذِي ضُرِبَ بِبَعْضِ الْبَقَرَة فَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان، وَبِأَنَّ الْعَدَاوَة لَوْث قَالَ الشَّافِعِيّ : وَلَا نَرَى قَوْل الْمَقْتُول لَوْثًا، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا كَانَ بَيْن قَوْم وَقَوْم عَدَاوَة ظَاهِرَة كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْن الْأَنْصَار وَالْيَهُود، وَوُجِدَ قَتِيل فِي أَحَد الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يُخَالِطهُمْ غَيْرهمْ وَجَبَتْ الْقَسَامَة فِيهِ.
مَسْأَلَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَتِيل يُوجَد فِي الْمَحَلَّة الَّتِي أَكْرَاهَا أَرْبَابهَا، فَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي : هُوَ عَلَى أَهْل الْخُطَّة وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان شَيْء، فَإِنْ بَاعُوا دُورهمْ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيل فَالدِّيَة عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان شَيْء، وَإِنْ كَانَ أَرْبَاب الدُّور غُيَّبًا وَقَدْ أَكْرَوْا دُورهمْ فَالْقَسَامَة وَالدِّيَة عَلَى أَرْبَاب الدُّور وَالْغُيَّب وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّان الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيل بَيْن أَظْهُرهمْ شَيْء.
ثُمَّ رَجَعَ يَعْقُوب مِنْ بَيْنهمْ عَنْ هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : الْقَسَامَة وَالدِّيَة عَلَى السُّكَّان فِي الدُّور.
وَحَكَى هَذَا الْقَوْل عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَهْل خَيْبَر كَانُوا عُمَّالًا سُكَّانًا يَعْمَلُونَ فَوُجِدَ الْقَتِيل فِيهِمْ.
قَالَ الثَّوْرِيّ : وَنَحْنُ نَقُول : هُوَ عَلَى أَصْحَاب الْأَصْل، يَعْنِي أَهْل الدُّور.
وَقَالَ أَحْمَد : الْقَوْل قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى فِي الْقَسَامَة لَا فِي الدِّيَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : وَذَلِكَ كُلّه سَوَاء، وَلَا عَقْل وَلَا قَوَد إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُوم، أَوْ مَا يُوجِب الْقَسَامَة فَيُقْسِم الْأَوْلِيَاء.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ.
مَسْأَلَة : وَلَا يُحْلَف فِي الْقَسَامَة أَقَلّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث حُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَة :( يُقْسِم خَمْسِينَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُل مِنْهُمْ ).
فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ خَمْسِينَ حَلَفَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَة، فَإِنْ كَانُوا أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ نَكَلَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوز عَفْوه رُدَّتْ الْأَيْمَان عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ عَدَدهمْ.
وَلَا يَحْلِف فِي الْعَمْد أَقَلّ مِنْ اِثْنَيْنِ مِنْ الرِّجَال، لَا يَحْلِف فِيهِ الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال وَلَا النِّسَاء، يَحْلِف الْأَوْلِيَاء وَمَنْ يَسْتَعِين بِهِمْ الْأَوْلِيَاء مِنْ الْعَصَبَة خَمْسِينَ يَمِينًا.
هَذَا مَذْهَب مَالِك وَاللَّيْث وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد.
وَرَوَى مُطَرِّف عَنْ مَالِك أَنَّهُ لَا يَحْلِف مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَد وَيَحْلِف هُمْ أَنْفُسهمْ كَمَا لَوْ كَانُوا وَاحِدًا فَأَكْثَر خَمْسِينَ يَمِينًا يُبَرِّئُونَ بِهَا أَنْفُسهمْ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَقْسِم إِلَّا وَارِث، كَانَ الْقَتْل عَمْدًا أَوْ خَطَأ.
وَلَا يَحْلِف عَلَى مَال وَيَسْتَحِقّهُ إِلَّا مَنْ لَهُ الْمِلْك لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ جَعَلَ اللَّه لَهُ الْمِلْك مِنْ الْوَرَثَة، وَالْوَرَثَة يَقْسِمُونَ عَلَى قَدْر مَوَارِيثهمْ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدَّعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَب يَتَوَجَّه عَلَيْهِ فِيهِ يَمِين.
ثُمَّ مَقْصُود هَذِهِ الْأَيْمَان الْبَرَاءَة مِنْ الدَّعْوَى، وَمَنْ لَمْ يُدَّعَ عَلَيْهِ بَرِيء.
وَقَالَ مَالِك فِي الْخَطَأ : يَحْلِف فِيهَا الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَمهمَا كَمُلَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا مِنْ وَاحِد أَوْ أَكْثَر اِسْتَحَقَّ الْحَالِف مِيرَاثه، وَمَنْ نَكَلَ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا، فَإِنْ جَاءَ مَنْ غَابَ حَلَفَ مِنْ الْأَيْمَان مَا كَانَ يَجِب عَلَيْهِ لَوْ حَضَرَ بِحَسَبِ مِيرَاثه.
هَذَا قَوْل مَالِك الْمَشْهُور عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْخَطَأ قَسَامَة.
وَتَتْمِيم مَسَائِل الْقَسَامَة وَفُرُوعهَا وَأَحْكَامهَا مَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه وَالْخِلَاف، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
مَسْأَلَة : فِي قِصَّة الْبَقَرَة هَذِهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا، وَقَالَ بِهِ طَوَائِف مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَوْم مِنْ الْفُقَهَاء، وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيّ وَنَصَّ عَلَيْهِ اِبْن بُكَيْر الْقَاضِي مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُول مَالِك وَمَنَازِعه فِي كُتُبه، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيّ، وَقَدْ قَالَ اللَّه :" فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ " [ الْأَنْعَام : ٩٠ ] عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : وَذَلِكَ كُلّه سَوَاء، وَلَا عَقْل وَلَا قَوَد إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُوم، أَوْ مَا يُوجِب الْقَسَامَة فَيُقْسِم الْأَوْلِيَاء.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ.
مَسْأَلَة : وَلَا يُحْلَف فِي الْقَسَامَة أَقَلّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث حُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَة :( يُقْسِم خَمْسِينَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُل مِنْهُمْ ).
فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ خَمْسِينَ حَلَفَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَة، فَإِنْ كَانُوا أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ نَكَلَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوز عَفْوه رُدَّتْ الْأَيْمَان عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ عَدَدهمْ.
وَلَا يَحْلِف فِي الْعَمْد أَقَلّ مِنْ اِثْنَيْنِ مِنْ الرِّجَال، لَا يَحْلِف فِيهِ الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال وَلَا النِّسَاء، يَحْلِف الْأَوْلِيَاء وَمَنْ يَسْتَعِين بِهِمْ الْأَوْلِيَاء مِنْ الْعَصَبَة خَمْسِينَ يَمِينًا.
هَذَا مَذْهَب مَالِك وَاللَّيْث وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد.
وَرَوَى مُطَرِّف عَنْ مَالِك أَنَّهُ لَا يَحْلِف مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَد وَيَحْلِف هُمْ أَنْفُسهمْ كَمَا لَوْ كَانُوا وَاحِدًا فَأَكْثَر خَمْسِينَ يَمِينًا يُبَرِّئُونَ بِهَا أَنْفُسهمْ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
قَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَقْسِم إِلَّا وَارِث، كَانَ الْقَتْل عَمْدًا أَوْ خَطَأ.
وَلَا يَحْلِف عَلَى مَال وَيَسْتَحِقّهُ إِلَّا مَنْ لَهُ الْمِلْك لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ جَعَلَ اللَّه لَهُ الْمِلْك مِنْ الْوَرَثَة، وَالْوَرَثَة يَقْسِمُونَ عَلَى قَدْر مَوَارِيثهمْ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدَّعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَب يَتَوَجَّه عَلَيْهِ فِيهِ يَمِين.
ثُمَّ مَقْصُود هَذِهِ الْأَيْمَان الْبَرَاءَة مِنْ الدَّعْوَى، وَمَنْ لَمْ يُدَّعَ عَلَيْهِ بَرِيء.
وَقَالَ مَالِك فِي الْخَطَأ : يَحْلِف فِيهَا الْوَاحِد مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَمهمَا كَمُلَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا مِنْ وَاحِد أَوْ أَكْثَر اِسْتَحَقَّ الْحَالِف مِيرَاثه، وَمَنْ نَكَلَ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا، فَإِنْ جَاءَ مَنْ غَابَ حَلَفَ مِنْ الْأَيْمَان مَا كَانَ يَجِب عَلَيْهِ لَوْ حَضَرَ بِحَسَبِ مِيرَاثه.
هَذَا قَوْل مَالِك الْمَشْهُور عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْخَطَأ قَسَامَة.
وَتَتْمِيم مَسَائِل الْقَسَامَة وَفُرُوعهَا وَأَحْكَامهَا مَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه وَالْخِلَاف، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
مَسْأَلَة : فِي قِصَّة الْبَقَرَة هَذِهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ شَرْع مَنْ قَبْلنَا شَرْع لَنَا، وَقَالَ بِهِ طَوَائِف مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَوْم مِنْ الْفُقَهَاء، وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيّ وَنَصَّ عَلَيْهِ اِبْن بُكَيْر الْقَاضِي مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُول مَالِك وَمَنَازِعه فِي كُتُبه، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيّ، وَقَدْ قَالَ اللَّه :" فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ " [ الْأَنْعَام : ٩٠ ] عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى
أَيْ كَمَا أَحْيَا هَذَا بَعْد مَوْته كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه كُلّ مَنْ مَاتَ فَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
أَيْ كَمَا أَحْيَا هَذَا بَعْد مَوْته كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه كُلّ مَنْ مَاتَ فَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ
أَيْ عَلَامَاته وَقُدْرَته.
أَيْ عَلَامَاته وَقُدْرَته.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
كَيْ تَعْقِلُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْ تَمْتَنِعُونَ مِنْ عِصْيَانه وَعَقَلْت نَفْسِي عَنْ كَذَا أَيْ مَنَعْتهَا مِنْهُ وَالْمَعَاقِل : الْحُصُون.
كَيْ تَعْقِلُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْ تَمْتَنِعُونَ مِنْ عِصْيَانه وَعَقَلْت نَفْسِي عَنْ كَذَا أَيْ مَنَعْتهَا مِنْهُ وَالْمَعَاقِل : الْحُصُون.
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
الْقَسْوَة : الصَّلَابَة وَالشِّدَّة وَالْيُبْس وَهِيَ عِبَارَة عَنْ خُلُوّهَا مِنْ الْإِنَابَة وَالْإِذْعَان لِآيَاتِ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : الْمُرَاد قُلُوب جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد قُلُوب وَرَثَة الْقَتِيل ; لِأَنَّهُمْ حِين حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَعَادَ إِلَى مَوْته أَنْكَرُوا قَتْله، وَقَالُوا : كَذَبَ، بَعْد مَا رَأَوْا هَذِهِ الْآيَة الْعُظْمَى، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قُلُوبًا، وَلَا أَشَدّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ، لَكِنْ نَفَذَ حُكْم اللَّه بِقَتْلِهِ.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُكْثِرُوا الْكَلَام بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه فَإِنَّ كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه قَسْوَة لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَد النَّاس مِنْ اللَّه الْقَلْب الْقَاسِي ).
وَفِي مُسْنَد الْبَزَّار عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَعَة مِنْ الشَّقَاء جُمُود الْعَيْن وَقَسَاوَة الْقَلْب وَطُول الْأَمَل وَالْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا ).
الْقَسْوَة : الصَّلَابَة وَالشِّدَّة وَالْيُبْس وَهِيَ عِبَارَة عَنْ خُلُوّهَا مِنْ الْإِنَابَة وَالْإِذْعَان لِآيَاتِ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : الْمُرَاد قُلُوب جَمِيع بَنِي إِسْرَائِيل.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد قُلُوب وَرَثَة الْقَتِيل ; لِأَنَّهُمْ حِين حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَعَادَ إِلَى مَوْته أَنْكَرُوا قَتْله، وَقَالُوا : كَذَبَ، بَعْد مَا رَأَوْا هَذِهِ الْآيَة الْعُظْمَى، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قُلُوبًا، وَلَا أَشَدّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ، لَكِنْ نَفَذَ حُكْم اللَّه بِقَتْلِهِ.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُكْثِرُوا الْكَلَام بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه فَإِنَّ كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه قَسْوَة لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَد النَّاس مِنْ اللَّه الْقَلْب الْقَاسِي ).
وَفِي مُسْنَد الْبَزَّار عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرْبَعَة مِنْ الشَّقَاء جُمُود الْعَيْن وَقَسَاوَة الْقَلْب وَطُول الْأَمَل وَالْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا ).
فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
" أَوْ " قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاو كَمَا قَالَ :" آثِمًا أَوْ كَفُورًا " [ الْإِنْسَان : ٢٤ ].
" عُذْرًا أَوْ نُذْرًا " وَقَالَ الشَّاعِر :
نَالَ الْخِلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا
أَيْ وَكَانَتْ.
وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى بَلْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : ١٤٧ ] الْمَعْنَى بَلْ يَزِيدُونَ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَيْ بَلْ أَنْتَ وَقِيلَ : مَعْنَاهَا الْإِبْهَام عَلَى الْمُخَاطَب، وَمِنْهُ قَوْل أَبِي الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ
وَلَمْ يَشُكّ أَبُو الْأَسْوَد أَنَّ حُبّهمْ رُشْد ظَاهِر، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِبْهَام.
وَقَدْ قِيلَ لِأَبِي الْأَسْوَد حِين قَالَ ذَلِكَ : شَكَكْت قَالَ : كَلَّا، ثُمَّ اِسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين " [ سَبَأ : ٢٤ ] وَقَالَ : أَوَ كَانَ شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا وَقِيلَ : مَعْنَاهَا التَّخْيِير، أَيْ شَبِّهُوهَا بِالْحِجَارَةِ تُصِيبُوا، أَوْ بِأَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة تُصِيبُوا، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِل : جَالِس الْحَسَن أَوْ اِبْن سِيرِينَ، وَتَعَلَّمَ الْفِقْه أَوْ الْحَدِيث أَوْ النَّحْو.
قِيلَ : بَلْ هِيَ عَلَى بَابهَا مِنْ الشَّكّ، وَمَعْنَاهَا عِنْدكُمْ أَيّهَا الْمُخَاطَبُونَ وَفِي نَظَركُمْ أَنْ لَوْ شَاهَدْتُمْ قَسْوَتهَا لَشَكَكْتُمْ : أَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة وَقَدْ قِيلَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى :" إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : ١٤٧ ] وَقَالَتْ فِرْقَة : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ قَلْبه كَالْحَجَرِ، وَفِيهِمْ مَنْ قَلْبه أَشَدّ مِنْ الْحَجَر فَالْمَعْنَى هُمْ فِرْقَتَانِ.
" أَوْ أَشَدّ " أَشَدّ مَرْفُوع بِالْعَطْفِ عَلَى مَوْضِع الْكَاف فِي قَوْله " كَالْحِجَارَةِ " ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَهِيَ مِثْل الْحِجَارَة أَوْ أَشَدّ.
وَيَجُوز أَوْ " أَشَدّ " بِالْفَتْحِ عَطْف عَلَى الْحِجَارَة.
وَ " قَسْوَة " نَصْب عَلَى التَّمْيِيز.
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة " قَسَاوَة " وَالْمَعْنَى وَاحِد.
" أَوْ " قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاو كَمَا قَالَ :" آثِمًا أَوْ كَفُورًا " [ الْإِنْسَان : ٢٤ ].
" عُذْرًا أَوْ نُذْرًا " وَقَالَ الشَّاعِر :
نَالَ الْخِلَافَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا
أَيْ وَكَانَتْ.
وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى بَلْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : ١٤٧ ] الْمَعْنَى بَلْ يَزِيدُونَ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| بَدَتْ مِثْل قَرْن الشَّمْس فِي رَوْنَق الضُّحَى | وَصُورَتهَا أَوْ أَنْتَ فِي الْعَيْن أَمْلَح |
| أُحِبّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا | وَعَبَّاسًا وَحَمْزَة أَوْ عَلِيًّا |
| فَإِنْ يَكُ حُبّهمْ رُشْدًا أُصِبْهُ | وَلَسْت بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيًّا |
وَقَدْ قِيلَ لِأَبِي الْأَسْوَد حِين قَالَ ذَلِكَ : شَكَكْت قَالَ : كَلَّا، ثُمَّ اِسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين " [ سَبَأ : ٢٤ ] وَقَالَ : أَوَ كَانَ شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا وَقِيلَ : مَعْنَاهَا التَّخْيِير، أَيْ شَبِّهُوهَا بِالْحِجَارَةِ تُصِيبُوا، أَوْ بِأَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة تُصِيبُوا، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِل : جَالِس الْحَسَن أَوْ اِبْن سِيرِينَ، وَتَعَلَّمَ الْفِقْه أَوْ الْحَدِيث أَوْ النَّحْو.
قِيلَ : بَلْ هِيَ عَلَى بَابهَا مِنْ الشَّكّ، وَمَعْنَاهَا عِنْدكُمْ أَيّهَا الْمُخَاطَبُونَ وَفِي نَظَركُمْ أَنْ لَوْ شَاهَدْتُمْ قَسْوَتهَا لَشَكَكْتُمْ : أَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة وَقَدْ قِيلَ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى :" إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ " [ الصَّافَّات : ١٤٧ ] وَقَالَتْ فِرْقَة : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ قَلْبه كَالْحَجَرِ، وَفِيهِمْ مَنْ قَلْبه أَشَدّ مِنْ الْحَجَر فَالْمَعْنَى هُمْ فِرْقَتَانِ.
" أَوْ أَشَدّ " أَشَدّ مَرْفُوع بِالْعَطْفِ عَلَى مَوْضِع الْكَاف فِي قَوْله " كَالْحِجَارَةِ " ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَهِيَ مِثْل الْحِجَارَة أَوْ أَشَدّ.
وَيَجُوز أَوْ " أَشَدّ " بِالْفَتْحِ عَطْف عَلَى الْحِجَارَة.
وَ " قَسْوَة " نَصْب عَلَى التَّمْيِيز.
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة " قَسَاوَة " وَالْمَعْنَى وَاحِد.
وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الِانْفِجَار.
وَيَشَّقَّق أَصْله يَتَشَقَّق، أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الشِّين، وَهَذِهِ عِبَارَة عَنْ الْعُيُون الَّتِي لَمْ تَعْظُم حَتَّى تَكُون أَنْهَارًا، أَوْ عَنْ الْحِجَارَة الَّتِي تَتَشَقَّق، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ مَاء مُنْفَسِح.
وَقَرَأَ اِبْن مُصَرِّف " يَنْشَقِق " بِالنُّونِ، وَقَرَأَ " لَمَّا يَتَفَجَّر " " لَمَّا يَتَشَقَّق " بِتَشْدِيدِ " لَمَّا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَهِيَ قِرَاءَة غَيْر مُتَّجَهَة.
وَقَرَأَ مَالِك بْن دِينَار " يَنْفَجِر " بِالنُّونِ وَكَسْر الْجِيم.
قَالَ قَتَادَة : عَذَرَ الْحِجَارَة وَلَمْ يَعْذِر شَقِيّ بَنِي آدَم.
قَالَ أَبُو حَاتِم : يَجُوز لَمَا تَتَفَجَّر بِالتَّاءِ، وَلَا يَجُوز لَمَا تَتَشَقَّق بِالتَّاءِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ تَتَفَجَّر أَنَّثَهُ بِتَأْنِيثِ الْأَنْهَار، وَهَذَا لَا يَكُون فِي تَشَقَّقَ.
قَالَ النَّحَّاس : يَجُوز مَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَإِنَّ مِنْهَا لَحِجَارَة تَتَشَقَّق، وَأَمَّا يَشَّقَّق فَمَحْمُول عَلَى لَفْظ مَا.
وَالشَّقّ وَاحِد الشُّقُوق، فَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر، تَقُول : بِيَدِ فُلَان وَرِجْلَيْهِ شُقُوق، وَلَا تَقُلْ : شِقَاق، إِنَّمَا الشِّقَاق دَاء يَكُون بِالدَّوَابِّ، وَهُوَ تَشَقُّق يُصِيب أَرْسَاغَهَا، وَرُبَّمَا اِرْتَفَعَ إِلَى وَظِيفهَا، عَنْ يَعْقُوب.
وَالشَّقّ : الصُّبْح.
وَ " مَا " فِي قَوْله :" لَمَا يَتَفَجَّر " فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا اِسْم إِنَّ وَاللَّام لِلتَّأْكِيدِ.
" مِنْهُ " عَلَى لَفْظ مَا، وَيَجُوز مِنْهَا عَلَى الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء ".
وَقَرَأَ قَتَادَة " وَإِنْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الِانْفِجَار.
وَيَشَّقَّق أَصْله يَتَشَقَّق، أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الشِّين، وَهَذِهِ عِبَارَة عَنْ الْعُيُون الَّتِي لَمْ تَعْظُم حَتَّى تَكُون أَنْهَارًا، أَوْ عَنْ الْحِجَارَة الَّتِي تَتَشَقَّق، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ مَاء مُنْفَسِح.
وَقَرَأَ اِبْن مُصَرِّف " يَنْشَقِق " بِالنُّونِ، وَقَرَأَ " لَمَّا يَتَفَجَّر " " لَمَّا يَتَشَقَّق " بِتَشْدِيدِ " لَمَّا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَهِيَ قِرَاءَة غَيْر مُتَّجَهَة.
وَقَرَأَ مَالِك بْن دِينَار " يَنْفَجِر " بِالنُّونِ وَكَسْر الْجِيم.
قَالَ قَتَادَة : عَذَرَ الْحِجَارَة وَلَمْ يَعْذِر شَقِيّ بَنِي آدَم.
قَالَ أَبُو حَاتِم : يَجُوز لَمَا تَتَفَجَّر بِالتَّاءِ، وَلَا يَجُوز لَمَا تَتَشَقَّق بِالتَّاءِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ تَتَفَجَّر أَنَّثَهُ بِتَأْنِيثِ الْأَنْهَار، وَهَذَا لَا يَكُون فِي تَشَقَّقَ.
قَالَ النَّحَّاس : يَجُوز مَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَإِنَّ مِنْهَا لَحِجَارَة تَتَشَقَّق، وَأَمَّا يَشَّقَّق فَمَحْمُول عَلَى لَفْظ مَا.
وَالشَّقّ وَاحِد الشُّقُوق، فَهُوَ فِي الْأَصْل مَصْدَر، تَقُول : بِيَدِ فُلَان وَرِجْلَيْهِ شُقُوق، وَلَا تَقُلْ : شِقَاق، إِنَّمَا الشِّقَاق دَاء يَكُون بِالدَّوَابِّ، وَهُوَ تَشَقُّق يُصِيب أَرْسَاغَهَا، وَرُبَّمَا اِرْتَفَعَ إِلَى وَظِيفهَا، عَنْ يَعْقُوب.
وَالشَّقّ : الصُّبْح.
وَ " مَا " فِي قَوْله :" لَمَا يَتَفَجَّر " فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهَا اِسْم إِنَّ وَاللَّام لِلتَّأْكِيدِ.
" مِنْهُ " عَلَى لَفْظ مَا، وَيَجُوز مِنْهَا عَلَى الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء ".
وَقَرَأَ قَتَادَة " وَإِنْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
يَقُول إِنَّ مِنْ الْحِجَارَة مَا هُوَ أَنْفَع مِنْ قُلُوبكُمْ، لِخُرُوجِ الْمَاء مِنْهَا وَتَرَدِّيهَا.
قَالَ مُجَاهِد : مَا تَرَدَّى حَجَر مِنْ رَأْس جَبَل، وَلَا تَفَجَّرَ نَهْر مِنْ حَجَر، وَلَا خَرَجَ مِنْهُ مَاء إِلَّا مِنْ خَشْيَة اللَّه، نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآن الْكَرِيم.
وَمِثْله عَنْ اِبْن جُرَيْج.
وَقَالَ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ فِي قَوْله :" وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه " : الْبَرَد الْهَابِط مِنْ السَّحَاب.
وَقِيلَ : لَفْظَة الْهُبُوط مَجَاز، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِجَارَة لَمَّا كَانَتْ الْقُلُوب تَعْتَبِر بِخَلْقِهَا، وَتَخْشَع بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، أُضِيفَ تَوَاضُع النَّاظِر إِلَيْهَا، كَمَا قَالَتْ الْعَرَب : نَاقَة تَاجِرَة، أَيْ تَبْعَث مَنْ يَرَاهَا عَلَى شِرَائِهَا.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة أَنَّ الْخَشْيَة لِلْحِجَارَةِ مُسْتَعَارَة، كَمَا اُسْتُعِيرَتْ الْإِرَادَة لِلْجِدَارِ فِي قَوْله :" يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ "، وَكَمَا قَالَ زَيْد الْخَيْل :
وَذَكَرَ اِبْن بَحْر أَنَّ الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى :" وَإِنَّ مِنْهَا " رَاجِع إِلَى الْقُلُوب لَا إِلَى الْحِجَارَة أَيْ مِنْ الْقُلُوب لَمَا يَخْضَع مِنْ خَشْيَة اللَّه.
قُلْت : كُلّ مَا قِيلَ يَحْتَمِلهُ اللَّفْظ، وَالْأَوَّل صَحِيح، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يُعْطَى بَعْض الْجَمَادَات الْمَعْرِفَة فَيَعْقِل، كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ الْجِذْع الَّذِي كَانَ يَسْتَنِد إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّة إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآن ).
وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ لِي ثَبِير اِهْبِطْ فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَقْتُلُوك عَلَى ظَهْرِي فَيُعَذِّبنِي اللَّه ).
فَنَادَاهُ حِرَاء : إِلَيَّ يَا رَسُول اللَّه.
وَفِي التَّنْزِيل :" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال " [ الْأَحْزَاب : ٧٢ ] الْآيَة.
وَقَالَ :" لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه " [ الْحَشْر : ٢١ ] يَعْنِي تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " سُبْحَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
يَقُول إِنَّ مِنْ الْحِجَارَة مَا هُوَ أَنْفَع مِنْ قُلُوبكُمْ، لِخُرُوجِ الْمَاء مِنْهَا وَتَرَدِّيهَا.
قَالَ مُجَاهِد : مَا تَرَدَّى حَجَر مِنْ رَأْس جَبَل، وَلَا تَفَجَّرَ نَهْر مِنْ حَجَر، وَلَا خَرَجَ مِنْهُ مَاء إِلَّا مِنْ خَشْيَة اللَّه، نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآن الْكَرِيم.
وَمِثْله عَنْ اِبْن جُرَيْج.
وَقَالَ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ فِي قَوْله :" وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه " : الْبَرَد الْهَابِط مِنْ السَّحَاب.
وَقِيلَ : لَفْظَة الْهُبُوط مَجَاز، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِجَارَة لَمَّا كَانَتْ الْقُلُوب تَعْتَبِر بِخَلْقِهَا، وَتَخْشَع بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، أُضِيفَ تَوَاضُع النَّاظِر إِلَيْهَا، كَمَا قَالَتْ الْعَرَب : نَاقَة تَاجِرَة، أَيْ تَبْعَث مَنْ يَرَاهَا عَلَى شِرَائِهَا.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة أَنَّ الْخَشْيَة لِلْحِجَارَةِ مُسْتَعَارَة، كَمَا اُسْتُعِيرَتْ الْإِرَادَة لِلْجِدَارِ فِي قَوْله :" يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ "، وَكَمَا قَالَ زَيْد الْخَيْل :
| لَمَّا أَتَى خَبَر الزُّبَيْر تَوَاضَعَتْ | سُوَر الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع |
قُلْت : كُلّ مَا قِيلَ يَحْتَمِلهُ اللَّفْظ، وَالْأَوَّل صَحِيح، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يُعْطَى بَعْض الْجَمَادَات الْمَعْرِفَة فَيَعْقِل، كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ الْجِذْع الَّذِي كَانَ يَسْتَنِد إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّة إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآن ).
وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ لِي ثَبِير اِهْبِطْ فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَقْتُلُوك عَلَى ظَهْرِي فَيُعَذِّبنِي اللَّه ).
فَنَادَاهُ حِرَاء : إِلَيَّ يَا رَسُول اللَّه.
وَفِي التَّنْزِيل :" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال " [ الْأَحْزَاب : ٧٢ ] الْآيَة.
وَقَالَ :" لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل لَرَأَيْته خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة اللَّه " [ الْحَشْر : ٢١ ] يَعْنِي تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " سُبْحَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
" بِغَافِلٍ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَعَلَى لُغَة تَمِيم فِي مَوْضِع رَفْع.
وَالْبَاء تَوْكِيد " عَمَّا تَعْمَلُونَ " أَيْ عَنْ عَمَلِكُمْ حَتَّى لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ، " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " [ الزَّلْزَلَة : ٧، ٨ ] وَلَا تَحْتَاج " مَا " إِلَى عَائِد إِلَّا أَنْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي فَيُحْذَف الْعَائِد لِطُولِ الِاسْم، أَيْ عَنْ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " يَعْلَمُونَ " بِالْيَاءِ، وَالْمُخَاطَبَة عَلَى هَذَا لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام.
" بِغَافِلٍ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَعَلَى لُغَة تَمِيم فِي مَوْضِع رَفْع.
وَالْبَاء تَوْكِيد " عَمَّا تَعْمَلُونَ " أَيْ عَنْ عَمَلِكُمْ حَتَّى لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ، " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " [ الزَّلْزَلَة : ٧، ٨ ] وَلَا تَحْتَاج " مَا " إِلَى عَائِد إِلَّا أَنْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي فَيُحْذَف الْعَائِد لِطُولِ الِاسْم، أَيْ عَنْ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " يَعْلَمُونَ " بِالْيَاءِ، وَالْمُخَاطَبَة عَلَى هَذَا لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام.
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ
هَذَا اِسْتِفْهَام فِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَار، كَأَنَّهُ أَيْأَسَهُمْ مِنْ إِيمَان هَذِهِ الْفِرْقَة مِنْ الْيَهُود، أَيْ إِنْ كَفَرُوا فَلَهُمْ سَابِقَة فِي ذَلِكَ.
وَالْخِطَاب لِأَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْصَار كَانَ لَهُمْ حِرْص عَلَى إِسْلَام الْيَهُود لِلْحِلْفِ وَالْجِوَار الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
أَيْ لَا تَحْزَن عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل السُّوء الَّذِينَ مَضَوْا.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ فِي أَنْ يُؤْمِنُوا، نُصِبَ بِأَنْ، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّون.
يُقَال : طَمِعَ فِيهِ طَمَعًا وَطَمَاعِيَة - مُخَفَّف - فَهُوَ طَمِع، عَلَى وَزْن فَعِل.
وَأَطْمَعَهُ فِيهِ غَيْره.
وَيُقَال فِي التَّعَجُّب : طُمِعَ الرَّجُل - بِضَمِّ الْمِيم - أَيْ صَارَ كَثِير الطَّمَع.
وَالطَّمَع : رِزْق الْجُنْد، يُقَال : أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِير بِأَطْمَاعِهِمْ، أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ.
وَامْرَأَة مِطْمَاع : تُطْمِع وَلَا تُمَكِّن.
هَذَا اِسْتِفْهَام فِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَار، كَأَنَّهُ أَيْأَسَهُمْ مِنْ إِيمَان هَذِهِ الْفِرْقَة مِنْ الْيَهُود، أَيْ إِنْ كَفَرُوا فَلَهُمْ سَابِقَة فِي ذَلِكَ.
وَالْخِطَاب لِأَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْصَار كَانَ لَهُمْ حِرْص عَلَى إِسْلَام الْيَهُود لِلْحِلْفِ وَالْجِوَار الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
أَيْ لَا تَحْزَن عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل السُّوء الَّذِينَ مَضَوْا.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ فِي أَنْ يُؤْمِنُوا، نُصِبَ بِأَنْ، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّون.
يُقَال : طَمِعَ فِيهِ طَمَعًا وَطَمَاعِيَة - مُخَفَّف - فَهُوَ طَمِع، عَلَى وَزْن فَعِل.
وَأَطْمَعَهُ فِيهِ غَيْره.
وَيُقَال فِي التَّعَجُّب : طُمِعَ الرَّجُل - بِضَمِّ الْمِيم - أَيْ صَارَ كَثِير الطَّمَع.
وَالطَّمَع : رِزْق الْجُنْد، يُقَال : أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِير بِأَطْمَاعِهِمْ، أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ.
وَامْرَأَة مِطْمَاع : تُطْمِع وَلَا تُمَكِّن.
وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
الْفَرِيق اِسْم جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه، وَجَمْعه فِي أَدْنَى الْعَدَد أَفْرِقَة، وَفِي الْكَثِير أَفْرِقَاء.
الْفَرِيق اِسْم جَمْع لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه، وَجَمْعه فِي أَدْنَى الْعَدَد أَفْرِقَة، وَفِي الْكَثِير أَفْرِقَاء.
يَسْمَعُونَ
فِي مَوْضِع نَصْب خَبَر " كَانَ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر " مِنْهُمْ "، وَيَكُون " يَسْمَعُونَ " نَعْتًا لِفَرِيقٍ وَفِيهِ بُعْد.
فِي مَوْضِع نَصْب خَبَر " كَانَ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْخَبَر " مِنْهُمْ "، وَيَكُون " يَسْمَعُونَ " نَعْتًا لِفَرِيقٍ وَفِيهِ بُعْد.
كَلَامَ اللَّهِ
قِرَاءَة الْجَمَاعَة.
وَقَرَأَ الْأَعْمَش " كَلِم اللَّه " عَلَى جَمْع كَلِمَة.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ رَبِيعَة يَقُولُونَ " مِنْهِمْ " بِكَسْرِ الْهَاء إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ الْمِيم، وَلَمْ يَكُنْ الْمُسَكَّن حَاجِزًا حَصِينًا عِنْده.
" كَلَام اللَّه " مَفْعُول ب " يَسْمَعُونَ ".
وَالْمُرَاد السَّبْعُونَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَمِعُوا كَلَام اللَّه فَلَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْره، وَحَرَّفُوا الْقَوْل فِي إِخْبَارهمْ لِقَوْمِهِمْ.
هَذَا قَوْل الرَّبِيع وَابْن إِسْحَاق، وَفِي هَذَا الْقَوْل ضَعْف.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّ السَّبْعِينَ سَمِعُوا مَا سَمِعَ مُوسَى فَقَدْ أَخْطَأَ، وَأَذْهَبَ بِفَضِيلَةِ مُوسَى وَاخْتِصَاصه بِالتَّكْلِيمِ.
وَقَدْ قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : لَمْ يُطِيقُوا سَمَاعه، وَاخْتَلَطَتْ أَذْهَانهمْ وَرَغِبُوا أَنْ يَكُون مُوسَى يَسْمَع وَيُعِيدهُ لَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا وَخَرَجُوا بَدَّلَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَا سَمِعَتْ مِنْ كَلَام اللَّه عَلَى لِسَان نَبِيّهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه ".
[ التَّوْبَة : ٦ ].
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ قَوْم مُوسَى سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُسْمِعهُمْ كَلَامه، فَسَمِعُوا صَوْتًا كَصَوْتِ الشَّبُّور :" إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا الْحَيّ الْقَيُّوم أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْر بِيَدٍ رَفِيعَة وَذِرَاع شَدِيدَة ".
قُلْت : هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا يَصِحّ، رَوَاهُ اِبْن مَرْوَان عَنْ الْكَلْبِيّ وَكِلَاهُمَا ضَعِيف لَا يُحْتَجّ بِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَام شَيْء خُصَّ بِهِ مُوسَى مِنْ بَيْن جَمِيع وَلَد آدَم، فَإِنْ كَانَ كَلَّمَ قَوْمه أَيْضًا حَتَّى أَسْمَعَهُمْ كَلَامه فَمَا فَضْل مُوسَى عَلَيْهِمْ، وَقَدْ قَالَ وَقَوْله الْحَقّ :" إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي " [ الْأَعْرَاف : ١٤٤ ].
وَهَذَا وَاضِح.
وَاخْتَلَفَ النَّاس بِمَاذَا عَرَفَ مُوسَى كَلَام اللَّه وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَ قَبْل ذَلِكَ خِطَابه، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ سَمِعَ كَلَامًا لَيْسَ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَات، وَلَيْسَ فِيهِ تَقْطِيع وَلَا نَفَس، فَحِينَئِذٍ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ كَلَام الْبَشَر وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ كَلَامًا لَا مِنْ جِهَة، وَكَلَام الْبَشَر يُسْمَع مِنْ جِهَة مِنْ الْجِهَات السِّتّ، عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَام الْبَشَر.
وَقِيلَ : إِنَّهُ صَارَ جَسَده كُلّه مَسَامِع حَتَّى سَمِعَ بِهَا ذَلِكَ الْكَلَام، فَعَلِمَ أَنَّهُ كَلَام اللَّه.
وَقِيلَ فِيهِ : إِنَّ الْمُعْجِزَة دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَا سَمِعَهُ هُوَ كَلَام اللَّه، وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَلْقِ عَصَاك، فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ ثُعْبَانًا، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَة عَلَى صِدْق الْحَال، وَأَنَّ الَّذِي يَقُول لَهُ :" إِنِّي أَنَا رَبّك " [ طَه : ١٢ ] هُوَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ.
قِرَاءَة الْجَمَاعَة.
وَقَرَأَ الْأَعْمَش " كَلِم اللَّه " عَلَى جَمْع كَلِمَة.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ رَبِيعَة يَقُولُونَ " مِنْهِمْ " بِكَسْرِ الْهَاء إِتْبَاعًا لِكَسْرَةِ الْمِيم، وَلَمْ يَكُنْ الْمُسَكَّن حَاجِزًا حَصِينًا عِنْده.
" كَلَام اللَّه " مَفْعُول ب " يَسْمَعُونَ ".
وَالْمُرَاد السَّبْعُونَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَمِعُوا كَلَام اللَّه فَلَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْره، وَحَرَّفُوا الْقَوْل فِي إِخْبَارهمْ لِقَوْمِهِمْ.
هَذَا قَوْل الرَّبِيع وَابْن إِسْحَاق، وَفِي هَذَا الْقَوْل ضَعْف.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّ السَّبْعِينَ سَمِعُوا مَا سَمِعَ مُوسَى فَقَدْ أَخْطَأَ، وَأَذْهَبَ بِفَضِيلَةِ مُوسَى وَاخْتِصَاصه بِالتَّكْلِيمِ.
وَقَدْ قَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره : لَمْ يُطِيقُوا سَمَاعه، وَاخْتَلَطَتْ أَذْهَانهمْ وَرَغِبُوا أَنْ يَكُون مُوسَى يَسْمَع وَيُعِيدهُ لَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا وَخَرَجُوا بَدَّلَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَا سَمِعَتْ مِنْ كَلَام اللَّه عَلَى لِسَان نَبِيّهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه ".
[ التَّوْبَة : ٦ ].
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ قَوْم مُوسَى سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُسْمِعهُمْ كَلَامه، فَسَمِعُوا صَوْتًا كَصَوْتِ الشَّبُّور :" إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا الْحَيّ الْقَيُّوم أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ مِصْر بِيَدٍ رَفِيعَة وَذِرَاع شَدِيدَة ".
قُلْت : هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا يَصِحّ، رَوَاهُ اِبْن مَرْوَان عَنْ الْكَلْبِيّ وَكِلَاهُمَا ضَعِيف لَا يُحْتَجّ بِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَام شَيْء خُصَّ بِهِ مُوسَى مِنْ بَيْن جَمِيع وَلَد آدَم، فَإِنْ كَانَ كَلَّمَ قَوْمه أَيْضًا حَتَّى أَسْمَعَهُمْ كَلَامه فَمَا فَضْل مُوسَى عَلَيْهِمْ، وَقَدْ قَالَ وَقَوْله الْحَقّ :" إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي " [ الْأَعْرَاف : ١٤٤ ].
وَهَذَا وَاضِح.
وَاخْتَلَفَ النَّاس بِمَاذَا عَرَفَ مُوسَى كَلَام اللَّه وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَ قَبْل ذَلِكَ خِطَابه، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ سَمِعَ كَلَامًا لَيْسَ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَات، وَلَيْسَ فِيهِ تَقْطِيع وَلَا نَفَس، فَحِينَئِذٍ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ كَلَام الْبَشَر وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ لَمَّا سَمِعَ كَلَامًا لَا مِنْ جِهَة، وَكَلَام الْبَشَر يُسْمَع مِنْ جِهَة مِنْ الْجِهَات السِّتّ، عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَام الْبَشَر.
وَقِيلَ : إِنَّهُ صَارَ جَسَده كُلّه مَسَامِع حَتَّى سَمِعَ بِهَا ذَلِكَ الْكَلَام، فَعَلِمَ أَنَّهُ كَلَام اللَّه.
وَقِيلَ فِيهِ : إِنَّ الْمُعْجِزَة دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَا سَمِعَهُ هُوَ كَلَام اللَّه، وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَلْقِ عَصَاك، فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ ثُعْبَانًا، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَة عَلَى صِدْق الْحَال، وَأَنَّ الَّذِي يَقُول لَهُ :" إِنِّي أَنَا رَبّك " [ طَه : ١٢ ] هُوَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ أَضْمَرَ فِي نَفْسه شَيْئًا لَا يَقِف عَلَيْهِ إِلَّا عَلَّام الْغُيُوب، فَأَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي خِطَابه بِذَلِكَ الضَّمِير، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي يُخَاطِبهُ هُوَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْقَصَص " بَيَان مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" نُودِيَ مِنْ شَاطِئ الْوَادِي الْأَيْمَن فِي الْبُقْعَة الْمُبَارَكَة مِنْ الشَّجَرَة " [ الْقَصَص : ٣٠ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْقَصَص " بَيَان مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" نُودِيَ مِنْ شَاطِئ الْوَادِي الْأَيْمَن فِي الْبُقْعَة الْمُبَارَكَة مِنْ الشَّجَرَة " [ الْقَصَص : ٣٠ ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : هُمْ عُلَمَاء الْيَهُود الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ التَّوْرَاة فَيَجْعَلُونَ الْحَرَام حَلَالًا وَالْحَلَال حَرَامًا اِتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ.
قَالَ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : هُمْ عُلَمَاء الْيَهُود الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ التَّوْرَاة فَيَجْعَلُونَ الْحَرَام حَلَالًا وَالْحَلَال حَرَامًا اِتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ.
مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
أَيْ عَرَفُوهُ وَعَلِمُوهُ.
وَهَذَا تَوْبِيخ لَهُمْ، أَيْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود قَدْ سَلَفَتْ لِآبَائِهِمْ أَفَاعِيل سُوء وَعِنَاد فَهَؤُلَاءِ عَلَى ذَلِكَ السُّنَن، فَكَيْف تَطْمَعُونَ فِي إِيمَانهمْ
وَدَلَّ هَذَا الْكَلَام أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَالِم بِالْحَقِّ الْمُعَانِد فِيهِ بَعِيد مِنْ الرُّشْد ; لِأَنَّهُ عَلِمَ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَلَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنْ عِنَاده.
أَيْ عَرَفُوهُ وَعَلِمُوهُ.
وَهَذَا تَوْبِيخ لَهُمْ، أَيْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود قَدْ سَلَفَتْ لِآبَائِهِمْ أَفَاعِيل سُوء وَعِنَاد فَهَؤُلَاءِ عَلَى ذَلِكَ السُّنَن، فَكَيْف تَطْمَعُونَ فِي إِيمَانهمْ
وَدَلَّ هَذَا الْكَلَام أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَالِم بِالْحَقِّ الْمُعَانِد فِيهِ بَعِيد مِنْ الرُّشْد ; لِأَنَّهُ عَلِمَ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَلَمْ يَنْهَهُ ذَلِكَ عَنْ عِنَاده.
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا
أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ.
وأَصْل لَقُوا : لَقِيُوا، نُقِلَتْ الضَّمَّة إِلَى الْقَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع الْيَمَانِيّ :" لَاقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ".
وَالْأَصْل لَاقِيُوا، تَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة اِنْقَلَبَتْ أَلِفًا، اِجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِف وَالْوَاو فَحُذِفَتْ الْأَلِف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ.
وَإِنْ قِيلَ : لِمَ ضُمَّتْ الْوَاو فِي لَاقُوا فِي الْإِدْرَاج وَحُذِفَتْ مِنْ لَقُوا ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ قَبْل الْوَاو الَّتِي فِي لَقُوا ضَمَّة فَلَوْ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ لَثَقُلَ عَلَى اللِّسَان النُّطْق بِهَا فَحُذِفَتْ لِثِقَلِهَا، وَحُرِّكَتْ فِي لَاقُوا لِأَنَّ قَبْلهَا فَتْحَة.
أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ.
وأَصْل لَقُوا : لَقِيُوا، نُقِلَتْ الضَّمَّة إِلَى الْقَاف وَحُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع الْيَمَانِيّ :" لَاقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ".
وَالْأَصْل لَاقِيُوا، تَحَرَّكَتْ الْيَاء وَقَبْلهَا فَتْحَة اِنْقَلَبَتْ أَلِفًا، اِجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِف وَالْوَاو فَحُذِفَتْ الْأَلِف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ثُمَّ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ.
وَإِنْ قِيلَ : لِمَ ضُمَّتْ الْوَاو فِي لَاقُوا فِي الْإِدْرَاج وَحُذِفَتْ مِنْ لَقُوا ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّ قَبْل الْوَاو الَّتِي فِي لَقُوا ضَمَّة فَلَوْ حُرِّكَتْ الْوَاو بِالضَّمِّ لَثَقُلَ عَلَى اللِّسَان النُّطْق بِهَا فَحُذِفَتْ لِثِقَلِهَا، وَحُرِّكَتْ فِي لَاقُوا لِأَنَّ قَبْلهَا فَتْحَة.
وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
الْآيَة فِي الْيَهُود، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ نَافَقُوا فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَرَب بِمَا عُذِّبَ بِهِ آبَاؤُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمْ الْيَهُود :" أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ " أَيْ حَكَمَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَذَاب، لِيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ، عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَازَلَ قُرَيْظَة يَوْم خَيْبَر سَمِعَ سَبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، لَا تَبْلُغ إِلَيْهِمْ، وَعَرَضَ لَهُ، فَقَالَ :( أَظُنّك سَمِعْت شَتْمِي مِنْهُمْ لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ ) وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا، فَقَالَ لَهُمْ :( أَنَقَضْتُمْ الْعَهْد يَا إِخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير أَخْزَاكُمْ اللَّه وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَته ) فَقَالُوا : مَا كُنْت جَاهِلًا يَا مُحَمَّد فَلَا تَجْهَل عَلَيْنَا، مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا ؟ مَا خَرَجَ هَذَا الْخَبَر إِلَّا مِنْ عِنْدنَا ! رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مُجَاهِد.
" وَإِذَا خَلَا " الْأَصْل فِي " خَلَا " خَلَوَ، قُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاح مَا قَبْلهَا، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى " خَلَا " فِي أَوَّل السُّورَة.
وَمَعْنَى " فَتَحَ " حَكَمَ.
وَالْفَتْح عِنْد الْعَرَب : الْقَضَاء وَالْحُكْم، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ " أَيْ الْحَاكِمِينَ، وَالْفَتَّاح : الْقَاضِي بِلُغَةِ الْيَمَن، يُقَال : بَيْنِي وَبَيْنك الْفَتَّاح، قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْصُر الْمَظْلُوم عَلَى الظَّالِم.
وَالْفَتْح : النَّصْر، وَمِنْهُ قَوْله :" يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا "، [ الْبَقَرَة : ٨٩ ]، وَقَوْله :" إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح " [ الْأَنْفَال : ١٩ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْفَرْق بَيْن الشَّيْئَيْنِ.
الْآيَة فِي الْيَهُود، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ نَافَقُوا فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَرَب بِمَا عُذِّبَ بِهِ آبَاؤُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمْ الْيَهُود :" أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ " أَيْ حَكَمَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَذَاب، لِيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ، عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَازَلَ قُرَيْظَة يَوْم خَيْبَر سَمِعَ سَبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، لَا تَبْلُغ إِلَيْهِمْ، وَعَرَضَ لَهُ، فَقَالَ :( أَظُنّك سَمِعْت شَتْمِي مِنْهُمْ لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ ) وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا، فَقَالَ لَهُمْ :( أَنَقَضْتُمْ الْعَهْد يَا إِخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير أَخْزَاكُمْ اللَّه وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَته ) فَقَالُوا : مَا كُنْت جَاهِلًا يَا مُحَمَّد فَلَا تَجْهَل عَلَيْنَا، مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا ؟ مَا خَرَجَ هَذَا الْخَبَر إِلَّا مِنْ عِنْدنَا ! رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مُجَاهِد.
" وَإِذَا خَلَا " الْأَصْل فِي " خَلَا " خَلَوَ، قُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاح مَا قَبْلهَا، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى " خَلَا " فِي أَوَّل السُّورَة.
وَمَعْنَى " فَتَحَ " حَكَمَ.
وَالْفَتْح عِنْد الْعَرَب : الْقَضَاء وَالْحُكْم، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ " أَيْ الْحَاكِمِينَ، وَالْفَتَّاح : الْقَاضِي بِلُغَةِ الْيَمَن، يُقَال : بَيْنِي وَبَيْنك الْفَتَّاح، قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْصُر الْمَظْلُوم عَلَى الظَّالِم.
وَالْفَتْح : النَّصْر، وَمِنْهُ قَوْله :" يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا "، [ الْبَقَرَة : ٨٩ ]، وَقَوْله :" إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْح " [ الْأَنْفَال : ١٩ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْفَرْق بَيْن الشَّيْئَيْنِ.
لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ
نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، وَإِنْ شِئْت بِإِضْمَارِ أَنْ، وَعَلَامَة النَّصْب، حَذْف النُّون.
قَالَ يُونُس : وَنَاس مِنْ الْعَرَب يَفْتَحُونَ لَام كَيْ.
قَالَ الْأَخْفَش : لِأَنَّ الْفَتْح الْأَصْل.
قَالَ خَلَف الْأَحْمَر : هِيَ لُغَة بَنِي الْعَنْبَر.
وَمَعْنَى " لِيُحَاجُّوكُمْ " لِيُعَيِّرُوكُمْ، وَيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، يَقُولُونَ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْد أَنْ وَقَفْتُمْ عَلَى صِدْقه.
وَقِيلَ : إِنَّ الرَّجُل مِنْ الْيَهُود كَانَ يَلْقَى صَدِيقه مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقُول لَهُ : تَمَسَّكْ بِدِينِ مُحَمَّد فَإِنَّهُ نَبِيّ حَقًّا.
نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، وَإِنْ شِئْت بِإِضْمَارِ أَنْ، وَعَلَامَة النَّصْب، حَذْف النُّون.
قَالَ يُونُس : وَنَاس مِنْ الْعَرَب يَفْتَحُونَ لَام كَيْ.
قَالَ الْأَخْفَش : لِأَنَّ الْفَتْح الْأَصْل.
قَالَ خَلَف الْأَحْمَر : هِيَ لُغَة بَنِي الْعَنْبَر.
وَمَعْنَى " لِيُحَاجُّوكُمْ " لِيُعَيِّرُوكُمْ، وَيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، يَقُولُونَ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْد أَنْ وَقَفْتُمْ عَلَى صِدْقه.
وَقِيلَ : إِنَّ الرَّجُل مِنْ الْيَهُود كَانَ يَلْقَى صَدِيقه مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقُول لَهُ : تَمَسَّكْ بِدِينِ مُحَمَّد فَإِنَّهُ نَبِيّ حَقًّا.
عِنْدَ رَبِّكُمْ
قِيلَ فِي الْآخِرَة، كَمَا قَالَ :" ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ " [ الزُّمَر : ٣١ ].
وَقِيلَ : عِنْد ذِكْر رَبّكُمْ.
وَقِيلَ :" عِنْد " بِمَعْنَى " فِي " أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ فِي رَبّكُمْ، فَيَكُونُوا أَحَقّ بِهِ مِنْكُمْ لِظُهُورِ الْحُجَّة عَلَيْكُمْ، رُوِيَ عَنْ الْحَسَن.
وَالْحُجَّة : الْكَلَام الْمُسْتَقِيم عَلَى الْإِطْلَاق، وَمِنْ ذَلِكَ مَحَجَّة الطَّرِيق.
وَحَاجَجْت فُلَانًا فَحَجَجْته، أَيْ غَلَبْته بِالْحُجَّةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيث :( فَحَجَّ آدَم مُوسَى ).
قِيلَ فِي الْآخِرَة، كَمَا قَالَ :" ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ " [ الزُّمَر : ٣١ ].
وَقِيلَ : عِنْد ذِكْر رَبّكُمْ.
وَقِيلَ :" عِنْد " بِمَعْنَى " فِي " أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ فِي رَبّكُمْ، فَيَكُونُوا أَحَقّ بِهِ مِنْكُمْ لِظُهُورِ الْحُجَّة عَلَيْكُمْ، رُوِيَ عَنْ الْحَسَن.
وَالْحُجَّة : الْكَلَام الْمُسْتَقِيم عَلَى الْإِطْلَاق، وَمِنْ ذَلِكَ مَحَجَّة الطَّرِيق.
وَحَاجَجْت فُلَانًا فَحَجَجْته، أَيْ غَلَبْته بِالْحُجَّةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيث :( فَحَجَّ آدَم مُوسَى ).
أَفَلَا تَعْقِلُونَ
قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْأَحْبَار لِلْأَتْبَاعِ.
وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ بِهَذِهِ الْأَحْوَال.
قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْأَحْبَار لِلْأَتْبَاعِ.
وَقِيلَ : هُوَ خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ بِهَذِهِ الْأَحْوَال.
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
وَبَّخَهُمْ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ :" أَوَلَا يَعْلَمُونَ " الْآيَة.
فَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِيع.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " يَعْلَمُونَ " بِالْيَاءِ، وَابْن مُحَيْصِن بِالتَّاءِ، خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَاَلَّذِي أَسَرُّوهُ كُفْرهمْ، وَاَلَّذِي أَعْلَنُوهُ الْجَحْد بِهِ.
وَبَّخَهُمْ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ :" أَوَلَا يَعْلَمُونَ " الْآيَة.
فَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّقْرِيع.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " يَعْلَمُونَ " بِالْيَاءِ، وَابْن مُحَيْصِن بِالتَّاءِ، خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَاَلَّذِي أَسَرُّوهُ كُفْرهمْ، وَاَلَّذِي أَعْلَنُوهُ الْجَحْد بِهِ.
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ
أَيْ مِنْ الْيَهُود.
وَقِيلَ : مِنْ الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ أُمِّيُّونَ، أَيْ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَقْرَأ، وَاحِدهمْ أُمِّيّ، مَنْسُوب إِلَى الْأُمَّة الْأُمِّيَّة الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْل وِلَادَة أُمَّهَاتهَا لَمْ تَتَعَلَّم الْكِتَابَة وَلَا قِرَاءَتهَا، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسُب ) الْحَدِيث.
وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِأُمِّ الْكِتَاب، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ أُمِّيُّونَ لِنُزُولِ الْكِتَاب عَلَيْهِمْ، كَأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى أُمّ الْكِتَاب، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَمِنْهُمْ أَهْل الْكِتَاب لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب.
عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : هُمْ نَصَارَى الْعَرَب.
وَقِيلَ : هُمْ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب، رُفِعَ كِتَابهمْ لِذُنُوبٍ اِرْتَكَبُوهَا فَصَارُوا أُمِّيِّينَ.
عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ الْمَجُوس.
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
أَيْ مِنْ الْيَهُود.
وَقِيلَ : مِنْ الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ أُمِّيُّونَ، أَيْ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَقْرَأ، وَاحِدهمْ أُمِّيّ، مَنْسُوب إِلَى الْأُمَّة الْأُمِّيَّة الَّتِي هِيَ عَلَى أَصْل وِلَادَة أُمَّهَاتهَا لَمْ تَتَعَلَّم الْكِتَابَة وَلَا قِرَاءَتهَا، وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسُب ) الْحَدِيث.
وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِأُمِّ الْكِتَاب، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ أُمِّيُّونَ لِنُزُولِ الْكِتَاب عَلَيْهِمْ، كَأَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى أُمّ الْكِتَاب، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَمِنْهُمْ أَهْل الْكِتَاب لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب.
عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك : هُمْ نَصَارَى الْعَرَب.
وَقِيلَ : هُمْ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب، رُفِعَ كِتَابهمْ لِذُنُوبٍ اِرْتَكَبُوهَا فَصَارُوا أُمِّيِّينَ.
عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ الْمَجُوس.
قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ
" إِلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى لَكِنْ، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " [ النِّسَاء : ١٥٧ ].
وَقَالَ النَّابِغَة :
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالْأَعْرَج " إِلَّا أَمَانِي " خَفِيفَة الْيَاء، حَذَفُوا إِحْدَى الْيَاءَيْنِ اِسْتِخْفَافًا.
قَالَ أَبُو حَاتِم : كُلّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا النَّحْو وَاحِده مُشَدَّد، فَلَك فِيهِ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف، مِثْل أَثَافِيّ وَأَغَانِيّ وَأَمَانِيّ، وَنَحْوه.
وَقَالَ الْأَخْفَش : هَذَا كَمَا يُقَال فِي جَمْع مِفْتَاح : مَفَاتِيح وَمَفَاتِح، وَهِيَ يَاء الْجَمْع.
قَالَ النَّحَّاس : الْحَذْف فِي الْمُعْتَلّ أَكْثَر، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَالْأَمَانِيّ جَمْع أُمْنِيَّة وَهِيَ التِّلَاوَة، وَأَصْلهَا أُمْنُويَة عَلَى وَزْن أُفْعُولَة، فَأُدْغِمَتْ الْوَاو فِي الْيَاء فَانْكَسَرَتْ النُّون مِنْ أَجْل الْيَاء فَصَارَتْ أُمْنِيَّة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّته " [ الْحَجّ : ٥٢ ] أَيْ إِذَا تَلَا أَلْقَى الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته.
وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ آخَر :
وَالْأَمَانِيّ أَيْضًا الْأَكَاذِيب، وَمِنْهُ قَوْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا تَمَنَّيْت مُنْذُ أَسْلَمْت، أَيْ مَا كَذَبْت.
وَقَوْل بَعْض الْعَرَب لِابْنِ دَأْب وَهُوَ يُحَدِّث : أَهَذَا شَيْء رُوِّيته أَمْ شَيْء تَمَنَّيْته ؟ أَيْ اِفْتَعَلْته.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد " أَمَانِيّ " فِي الْآيَة.
وَالْأَمَانِيّ أَيْضًا مَا يَتَمَنَّاهُ الْإِنْسَان وَيَشْتَهِيه.
قَالَ قَتَادَة :" إِلَّا أَمَانِيّ " يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ.
وَقِيلَ : الْأَمَانِيّ التَّقْدِير، يُقَال : مُنِّيَ لَهُ أَيْ قُدِّرَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ، وَحَكَاهُ اِبْن بَحْر، وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر :
أَيْ يُقَدِّر لَك الْمُقَدِّر.
" إِلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى لَكِنْ، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " [ النِّسَاء : ١٥٧ ].
وَقَالَ النَّابِغَة :
| حَلَفْت يَمِينًا غَيْر ذِي مَثْنَوِيَّة | وَلَا عِلْم إِلَّا حُسْن ظَنّ بِصَاحِبٍ |
قَالَ أَبُو حَاتِم : كُلّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا النَّحْو وَاحِده مُشَدَّد، فَلَك فِيهِ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف، مِثْل أَثَافِيّ وَأَغَانِيّ وَأَمَانِيّ، وَنَحْوه.
وَقَالَ الْأَخْفَش : هَذَا كَمَا يُقَال فِي جَمْع مِفْتَاح : مَفَاتِيح وَمَفَاتِح، وَهِيَ يَاء الْجَمْع.
قَالَ النَّحَّاس : الْحَذْف فِي الْمُعْتَلّ أَكْثَر، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| وَهَلْ يَرْجِع التَّسْلِيم أَوْ يَكْشِف الْعَمَى | ثَلَاث الْأَثَافِي وَالرُّسُوم الْبَلَاقِع |
وَقَالَ كَعْب بْن مَالِك : وَقَالَ آخَر :
| تَمَنَّى كِتَاب اللَّه أَوَّل لَيْله | وَآخِره لَاقَى حِمَام الْمُقَادِر |
| تَمَنَّى كِتَاب اللَّه آخِر لَيْله | تَمَنِّي دَاوُد الزَّبُور عَلَى رِسْل |
وَقَوْل بَعْض الْعَرَب لِابْنِ دَأْب وَهُوَ يُحَدِّث : أَهَذَا شَيْء رُوِّيته أَمْ شَيْء تَمَنَّيْته ؟ أَيْ اِفْتَعَلْته.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد " أَمَانِيّ " فِي الْآيَة.
وَالْأَمَانِيّ أَيْضًا مَا يَتَمَنَّاهُ الْإِنْسَان وَيَشْتَهِيه.
قَالَ قَتَادَة :" إِلَّا أَمَانِيّ " يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ.
وَقِيلَ : الْأَمَانِيّ التَّقْدِير، يُقَال : مُنِّيَ لَهُ أَيْ قُدِّرَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ، وَحَكَاهُ اِبْن بَحْر، وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر :
| لَا تَأْمَنَنّ وَإِنْ أَمْسَيْت فِي حَرَم | حَتَّى تُلَاقِي مَا يَمْنِي لَك الْمَانِي |
وَإِنْ هُمْ
" إِنْ " بِمَعْنَى مَا النَّافِيَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" إِنْ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُور " [ الْمُلْك : ٢٠ ].
" إِنْ " بِمَعْنَى مَا النَّافِيَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" إِنْ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُور " [ الْمُلْك : ٢٠ ].
إِلَّا يَظُنُّونَ
يَكْذِبُونَ وَيُحْدِثُونَ، لِأَنَّهُمْ لَا عِلْم لَهُمْ بِصِحَّةِ مَا يَتْلُونَ، وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ لِأَحْبَارِهِمْ فِيمَا يَقْرَءُونَ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى النَّحْوِيّ أَنَّ الْعَرَب تَجْعَل الظَّنّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا، وَقَالَ : إِذَا قَامَتْ بَرَاهِين الْعِلْم فَكَانَتْ أَكْثَر مِنْ بَرَاهِين الشَّكّ فَالظَّنّ يَقِين، وَإِذَا اِعْتَدَلَتْ بَرَاهِين الْيَقِين وَبَرَاهِين الشَّكّ فَالظَّنّ شَكّ، وَإِذَا زَادَتْ بَرَاهِين الشَّكّ عَلَى بَرَاهِين الْيَقِين فَالظَّنّ كَذِب، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ " أَرَادَ إِلَّا يَكْذِبُونَ.
يَكْذِبُونَ وَيُحْدِثُونَ، لِأَنَّهُمْ لَا عِلْم لَهُمْ بِصِحَّةِ مَا يَتْلُونَ، وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ لِأَحْبَارِهِمْ فِيمَا يَقْرَءُونَ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى النَّحْوِيّ أَنَّ الْعَرَب تَجْعَل الظَّنّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا، وَقَالَ : إِذَا قَامَتْ بَرَاهِين الْعِلْم فَكَانَتْ أَكْثَر مِنْ بَرَاهِين الشَّكّ فَالظَّنّ يَقِين، وَإِذَا اِعْتَدَلَتْ بَرَاهِين الْيَقِين وَبَرَاهِين الشَّكّ فَالظَّنّ شَكّ، وَإِذَا زَادَتْ بَرَاهِين الشَّكّ عَلَى بَرَاهِين الْيَقِين فَالظَّنّ كَذِب، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ " أَرَادَ إِلَّا يَكْذِبُونَ.
فَوَيْلٌ
" فَوَيْل " اُخْتُلِفَ فِي الْوَيْل مَا هُوَ، فَرَوَى عُثْمَان بْن عَفَّان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَبَل مِنْ نَار.
وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ الْوَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم بَيْن جَبَلَيْنِ يَهْوِي فِيهِ الْهَاوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَرَوَى سُفْيَان وَعَطَاء بْن يَسَار : إِنَّ الْوَيْل فِي هَذِهِ الْآيَة وَادٍ يَجْرِي بِفِنَاءِ جَهَنَّم مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار.
وَقِيلَ : صِهْرِيج فِي جَهَنَّم.
وَحَكَى الزَّهْرَاوِيّ عَنْ آخَرِينَ : أَنَّهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب جَهَنَّم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : الْوَيْل الْمَشَقَّة مِنْ الْعَذَاب.
وَقَالَ الْخَلِيل : الْوَيْل شِدَّة الشَّرّ.
الْأَصْمَعِيّ : الْوَيْل تَفَجُّع وَتَرَحُّم.
سِيبَوَيْهِ : وَيْل لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَكَة، وَوَيْح زَجْر لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَة.
اِبْن عَرَفَة : الْوَيْل الْحُزْن : يُقَال : تَوَيَّلَ الرَّجُل إِذَا دَعَا بِالْوَيْلِ، وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِكَ عِنْد الْحُزْن وَالْمَكْرُوه، وَمِنْهُ قَوْله :" فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ].
وَقِيلَ : أَصْله الْهَلَكَة، وَكُلّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة دَعَا بِالْوَيْلِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" يَا وَيْلَتنَا مَا لِهَذَا الْكِتَاب " [ الْكَهْف : ٤٩ ].
وَهِيَ الْوَيْل وَالْوَيْلَة، وَهُمَا الْهَلَكَة، وَالْجَمْع الْوَيْلَات، قَالَ :
لَهُ الْوَيْل إِنْ أَمْسَى وَلَا أُمّ هَاشِم
وَقَالَ أَيْضًا :
فَقَالَتْ لَك الْوَيْلَات إِنَّك مُرْجِلِي
وَارْتَفَعَ " وَيْل " بِالِابْتِدَاءِ، وَجَازَ الِابْتِدَاء بِهِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَة لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاء.
قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز النَّصْب عَلَى إِضْمَار فِعْل، أَيْ أَلْزَمَهُمْ اللَّه وَيْلًا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْأَصْل فِي الْوَيْل " وَيْ " أَيْ حُزْن، كَمَا تَقُول : وَيْ لِفُلَانٍ، أَيْ حُزْن لَهُ، فَوَصَلَتْهُ الْعَرَب بِاللَّامِ وَقَدَّرُوهَا مِنْهُ فَأَعْرَبُوهَا.
وَالْأَحْسَن فِيهِ إِذَا فُصِلَ عَنْ الْإِضَافَة الرَّفْع ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوع.
وَيَصِحّ النَّصْب عَلَى مَعْنَى الدُّعَاء، كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْخَلِيل : وَلَمْ يُسْمَع عَلَى بِنَائِهِ إِلَّا وَيْح وَوَيْس وَوَيْه وَوَيْك وَوَيْل وَوَيْب، وَكُلّه يَتَقَارَب فِي الْمَعْنَى.
وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنهَا قَوْم، وَهِيَ مَصَادِر لَمْ تَنْطِق الْعَرَب مِنْهَا بِفِعْلٍ.
قَالَ الْجَرْمِيّ : وَمِمَّا يَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَصَادِر وَيْله وَعَوْله وَوَيْحه وَوَيْسه، فَإِذَا أُدْخِلَتْ اللَّام رُفِعَتْ فَقُلْت : وَيْل لَهُ، وَوَيْح لَهُ.
" فَوَيْل " اُخْتُلِفَ فِي الْوَيْل مَا هُوَ، فَرَوَى عُثْمَان بْن عَفَّان عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَبَل مِنْ نَار.
وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ الْوَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم بَيْن جَبَلَيْنِ يَهْوِي فِيهِ الْهَاوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَرَوَى سُفْيَان وَعَطَاء بْن يَسَار : إِنَّ الْوَيْل فِي هَذِهِ الْآيَة وَادٍ يَجْرِي بِفِنَاءِ جَهَنَّم مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار.
وَقِيلَ : صِهْرِيج فِي جَهَنَّم.
وَحَكَى الزَّهْرَاوِيّ عَنْ آخَرِينَ : أَنَّهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب جَهَنَّم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : الْوَيْل الْمَشَقَّة مِنْ الْعَذَاب.
وَقَالَ الْخَلِيل : الْوَيْل شِدَّة الشَّرّ.
الْأَصْمَعِيّ : الْوَيْل تَفَجُّع وَتَرَحُّم.
سِيبَوَيْهِ : وَيْل لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَكَة، وَوَيْح زَجْر لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَة.
اِبْن عَرَفَة : الْوَيْل الْحُزْن : يُقَال : تَوَيَّلَ الرَّجُل إِذَا دَعَا بِالْوَيْلِ، وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِكَ عِنْد الْحُزْن وَالْمَكْرُوه، وَمِنْهُ قَوْله :" فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ].
وَقِيلَ : أَصْله الْهَلَكَة، وَكُلّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة دَعَا بِالْوَيْلِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" يَا وَيْلَتنَا مَا لِهَذَا الْكِتَاب " [ الْكَهْف : ٤٩ ].
وَهِيَ الْوَيْل وَالْوَيْلَة، وَهُمَا الْهَلَكَة، وَالْجَمْع الْوَيْلَات، قَالَ :
لَهُ الْوَيْل إِنْ أَمْسَى وَلَا أُمّ هَاشِم
وَقَالَ أَيْضًا :
فَقَالَتْ لَك الْوَيْلَات إِنَّك مُرْجِلِي
وَارْتَفَعَ " وَيْل " بِالِابْتِدَاءِ، وَجَازَ الِابْتِدَاء بِهِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَة لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاء.
قَالَ الْأَخْفَش : وَيَجُوز النَّصْب عَلَى إِضْمَار فِعْل، أَيْ أَلْزَمَهُمْ اللَّه وَيْلًا.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْأَصْل فِي الْوَيْل " وَيْ " أَيْ حُزْن، كَمَا تَقُول : وَيْ لِفُلَانٍ، أَيْ حُزْن لَهُ، فَوَصَلَتْهُ الْعَرَب بِاللَّامِ وَقَدَّرُوهَا مِنْهُ فَأَعْرَبُوهَا.
وَالْأَحْسَن فِيهِ إِذَا فُصِلَ عَنْ الْإِضَافَة الرَّفْع ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوع.
وَيَصِحّ النَّصْب عَلَى مَعْنَى الدُّعَاء، كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ الْخَلِيل : وَلَمْ يُسْمَع عَلَى بِنَائِهِ إِلَّا وَيْح وَوَيْس وَوَيْه وَوَيْك وَوَيْل وَوَيْب، وَكُلّه يَتَقَارَب فِي الْمَعْنَى.
وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنهَا قَوْم، وَهِيَ مَصَادِر لَمْ تَنْطِق الْعَرَب مِنْهَا بِفِعْلٍ.
قَالَ الْجَرْمِيّ : وَمِمَّا يَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَصَادِر وَيْله وَعَوْله وَوَيْحه وَوَيْسه، فَإِذَا أُدْخِلَتْ اللَّام رُفِعَتْ فَقُلْت : وَيْل لَهُ، وَوَيْح لَهُ.
لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ
الْكِتَابَة مَعْرُوفَة.
وَأَوَّل مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ وَخَطَّ بِهِ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام، وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، خَرَّجَهُ الْآجُرِّيّ وَغَيْره.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام أُعْطِيَ الْخَطّ فَصَارَ وِرَاثَة فِي وَلَده.
الْكِتَابَة مَعْرُوفَة.
وَأَوَّل مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ وَخَطَّ بِهِ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام، وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ، خَرَّجَهُ الْآجُرِّيّ وَغَيْره.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام أُعْطِيَ الْخَطّ فَصَارَ وِرَاثَة فِي وَلَده.
بِأَيْدِيهِمْ
تَأْكِيد، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَتْب لَا يَكُون إِلَّا بِالْيَدِ، فَهُوَ مِثْل قَوْله :" وَلَا طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ]، وَقَوْله :" يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ " [ آل عِمْرَان : ١٦٧ ].
وَقِيلَ : فَائِدَة " بِأَيْدِيهِمْ " بَيَان لِجُرْمِهِمْ وَإِثْبَات لِمُجَاهَرَتِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّى الْفِعْل أَشَدّ مُوَاقَعَة مِمَّنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا لَهُ وَقَالَ اِبْن السَّرَّاج :" بِأَيْدِيهِمْ " كِنَايَة عَنْ أَنَّهُمْ مِنْ تِلْقَائِهِمْ دُون أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَقِيقَة فِي كَتْب أَيْدِيهمْ.
فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا التَّحْذِير مِنْ التَّبْدِيل وَالتَّغْيِير وَالزِّيَادَة فِي الشَّرْع، فَكُلّ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ أَوْ اِبْتَدَعَ فِي دِين اللَّه مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَجُوز فِيهِ فَهُوَ دَاخِل تَحْت هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد، وَالْعَذَاب الْأَلِيم، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته لَمَّا قَدْ عَلِمَ مَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان فَقَالَ :( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب اِفْتَرَقُوا عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّة وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة ) الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
فَحَذَّرَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسهمْ فِي الدِّين خِلَاف كِتَاب اللَّه أَوْ سُنَّته أَوْ سُنَّة أَصْحَابه فَيُضِلُّوا بِهِ النَّاس، وَقَدْ وَقَعَ مَا حَذَّرَهُ وَشَاعَ، وَكَثُرَ وَذَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : نَعَتَ اللَّه تَعَالَى أَحْبَارهمْ بِأَنَّهُمْ يُبَدِّلُونَ وَيُحَرِّفُونَ فَقَالَ وَقَوْله الْحَقّ :" فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ] الْآيَة.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَرَسَ الْأَمْر فِيهِمْ، وَسَاءَتْ رَعِيَّة عُلَمَائِهِمْ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الدُّنْيَا حِرْصًا وَطَمَعًا، طَلَبُوا أَشْيَاء تَصْرِف وُجُوه النَّاس إِلَيْهِمْ، فَأَحْدَثُوا فِي شَرِيعَتهمْ وَبَدَّلُوهَا، وَأَلْحَقُوا ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ، وَقَالُوا لِسُفَهَائِهِمْ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه، لِيَقْبَلُوهَا عَنْهُمْ فَتَتَأَكَّد رِيَاسَتهمْ وَيَنَالُوا بِهِ حُطَام الدُّنْيَا وَأَوْسَاخهَا.
وَكَانَ مِمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ أَنْ قَالُوا : لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل، وَهُمْ الْعَرَب، أَيْ مَا أَخَذْنَا مِنْ أَمْوَالهمْ فَهُوَ حِلّ لَنَا.
وَكَانَ مِمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ أَنْ قَالُوا : لَا يَضُرّنَا ذَنْب، فَنَحْنُ أَحِبَّاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ ! وَإِنَّمَا كَانَ فِي التَّوْرَاة " يَا أَحْبَارِي وَيَا أَبْنَاء رُسُلِي " فَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا " يَا أَحِبَّائِي وَيَا أَبْنَائِي " فَأَنْزَلَ اللَّه تَكْذِيبهمْ :" وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ].
تَأْكِيد، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَتْب لَا يَكُون إِلَّا بِالْيَدِ، فَهُوَ مِثْل قَوْله :" وَلَا طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ]، وَقَوْله :" يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ " [ آل عِمْرَان : ١٦٧ ].
وَقِيلَ : فَائِدَة " بِأَيْدِيهِمْ " بَيَان لِجُرْمِهِمْ وَإِثْبَات لِمُجَاهَرَتِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّى الْفِعْل أَشَدّ مُوَاقَعَة مِمَّنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا لَهُ وَقَالَ اِبْن السَّرَّاج :" بِأَيْدِيهِمْ " كِنَايَة عَنْ أَنَّهُمْ مِنْ تِلْقَائِهِمْ دُون أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَقِيقَة فِي كَتْب أَيْدِيهمْ.
فِي هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا التَّحْذِير مِنْ التَّبْدِيل وَالتَّغْيِير وَالزِّيَادَة فِي الشَّرْع، فَكُلّ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ أَوْ اِبْتَدَعَ فِي دِين اللَّه مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَجُوز فِيهِ فَهُوَ دَاخِل تَحْت هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد، وَالْعَذَاب الْأَلِيم، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته لَمَّا قَدْ عَلِمَ مَا يَكُون فِي آخِر الزَّمَان فَقَالَ :( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب اِفْتَرَقُوا عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّة وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة ) الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
فَحَذَّرَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا مِنْ تِلْقَاء أَنْفُسهمْ فِي الدِّين خِلَاف كِتَاب اللَّه أَوْ سُنَّته أَوْ سُنَّة أَصْحَابه فَيُضِلُّوا بِهِ النَّاس، وَقَدْ وَقَعَ مَا حَذَّرَهُ وَشَاعَ، وَكَثُرَ وَذَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : نَعَتَ اللَّه تَعَالَى أَحْبَارهمْ بِأَنَّهُمْ يُبَدِّلُونَ وَيُحَرِّفُونَ فَقَالَ وَقَوْله الْحَقّ :" فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ] الْآيَة.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَرَسَ الْأَمْر فِيهِمْ، وَسَاءَتْ رَعِيَّة عُلَمَائِهِمْ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الدُّنْيَا حِرْصًا وَطَمَعًا، طَلَبُوا أَشْيَاء تَصْرِف وُجُوه النَّاس إِلَيْهِمْ، فَأَحْدَثُوا فِي شَرِيعَتهمْ وَبَدَّلُوهَا، وَأَلْحَقُوا ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ، وَقَالُوا لِسُفَهَائِهِمْ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه، لِيَقْبَلُوهَا عَنْهُمْ فَتَتَأَكَّد رِيَاسَتهمْ وَيَنَالُوا بِهِ حُطَام الدُّنْيَا وَأَوْسَاخهَا.
وَكَانَ مِمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ أَنْ قَالُوا : لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيل، وَهُمْ الْعَرَب، أَيْ مَا أَخَذْنَا مِنْ أَمْوَالهمْ فَهُوَ حِلّ لَنَا.
وَكَانَ مِمَّا أَحْدَثُوا فِيهِ أَنْ قَالُوا : لَا يَضُرّنَا ذَنْب، فَنَحْنُ أَحِبَّاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ ! وَإِنَّمَا كَانَ فِي التَّوْرَاة " يَا أَحْبَارِي وَيَا أَبْنَاء رُسُلِي " فَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا " يَا أَحِبَّائِي وَيَا أَبْنَائِي " فَأَنْزَلَ اللَّه تَكْذِيبهمْ :" وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ].
فَقَالَتْ : لَنْ يُعَذِّبنَا اللَّه، وَإِنْ عَذَّبْنَا فَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مِقْدَار أَيَّام الْعِجْل، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] قَالَ اِبْن مِقْسَم : يَعْنِي تَوْحِيدًا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَنْ اِتَّخَذَ عِنْد الرَّحْمَن عَهْدًا " [ مَرْيَم : ٨٧ ] يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ فَقَالَ :" بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ".
[ الْبَقَرَة :
٨١ - ٨٢ ].
فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخُلُود فِي النَّار وَالْجَنَّة إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْكُفْر وَالْإِيمَان، لَا بِمَا قَالُوهُ.
وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ".
[ الْبَقَرَة :
٨١ - ٨٢ ].
فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخُلُود فِي النَّار وَالْجَنَّة إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْكُفْر وَالْإِيمَان، لَا بِمَا قَالُوهُ.
ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
وَصَفَ اللَّه تَعَالَى مَا يَأْخُذُونَهُ بِالْقِلَّةِ، إِمَّا لِفَنَائِهِ وَعَدَم ثَبَاته، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَرَامًا ; لِأَنَّ الْحَرَام لَا بَرَكَة فِيهِ وَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق وَالْكَلْبِيّ : كَانَتْ صِفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ رَبْعَة أَسْمَر، فَجَعَلُوهُ آدَم سَبْطًا طَوِيلًا، وَقَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ وَأَتْبَاعهمْ : اُنْظُرُوا إِلَى صِفَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يُبْعَث فِي آخِر الزَّمَان لَيْسَ يُشْبِههُ نَعْت هَذَا، وَكَانَتْ لِلْأَحْبَارِ وَالْعُلَمَاء رِيَاسَة وَمَكَاسِب، فَخَافُوا إِنْ بَيَّنُوا أَنْ تَذْهَب مَآكِلهمْ وَرِيَاسَتهمْ، فَمِنْ ثَمَّ غَيَّرُوا.
وَصَفَ اللَّه تَعَالَى مَا يَأْخُذُونَهُ بِالْقِلَّةِ، إِمَّا لِفَنَائِهِ وَعَدَم ثَبَاته، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ حَرَامًا ; لِأَنَّ الْحَرَام لَا بَرَكَة فِيهِ وَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق وَالْكَلْبِيّ : كَانَتْ صِفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ رَبْعَة أَسْمَر، فَجَعَلُوهُ آدَم سَبْطًا طَوِيلًا، وَقَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ وَأَتْبَاعهمْ : اُنْظُرُوا إِلَى صِفَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يُبْعَث فِي آخِر الزَّمَان لَيْسَ يُشْبِههُ نَعْت هَذَا، وَكَانَتْ لِلْأَحْبَارِ وَالْعُلَمَاء رِيَاسَة وَمَكَاسِب، فَخَافُوا إِنْ بَيَّنُوا أَنْ تَذْهَب مَآكِلهمْ وَرِيَاسَتهمْ، فَمِنْ ثَمَّ غَيَّرُوا.
فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
قِيلَ مِنْ الْمَآكِل.
وَقِيلَ مِنْ الْمَعَاصِي.
وَكَرَّرَ الْوَيْل تَغْلِيظًا لِفِعْلِهِمْ.
قِيلَ مِنْ الْمَآكِل.
وَقِيلَ مِنْ الْمَعَاصِي.
وَكَرَّرَ الْوَيْل تَغْلِيظًا لِفِعْلِهِمْ.
وَقَالُوا
يَعْنِي الْيَهُود.
يَعْنِي الْيَهُود.
لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً
اُخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا، فَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ :( مَنْ أَهْل النَّار ).
قَالُوا : نَحْنُ، ثُمَّ تَخْلُفُونَا أَنْتُمْ.
فَقَالَ :( كَذَبْتُمْ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّا لَا نَخْلُفكُمْ ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، قَالَهُ اِبْن زَيْد.
وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَالْيَهُود تَقُول : إِنَّمَا هَذِهِ الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف، وَإِنَّمَا يُعَذَّب النَّاس فِي النَّار لِكُلِّ أَلْف سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا يَوْم وَاحِد فِي النَّار مِنْ أَيَّام الْآخِرَة، وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَة أَيَّام، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة، وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد.
وَقَالَتْ طَائِفَة : قَالَتْ الْيَهُود إِنَّ فِي التَّوْرَاة أَنَّ جَهَنَّم مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة، وَأَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ فِي كُلّ يَوْم سَنَة حَتَّى يُكْمِلُوهَا وَتَذْهَب جَهَنَّم.
وَرَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : زَعَمَ الْيَهُود أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا أَنَّ مَا بَيْن طَرَفَيْ جَهَنَّم مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة إِلَى أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى شَجَرَة الزَّقُّوم.
وَقَالُوا : إِنَّمَا نُعَذَّب حَتَّى نَنْتَهِي إِلَى شَجَرَة الزَّقُّوم فَتَذْهَب جَهَنَّم وَتَهْلِك.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة : أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ إِنَّ اللَّه أَقْسَمَ أَنْ يُدْخِلهُمْ النَّار أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَد عِبَادَتهمْ الْعِجْل، فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه، كَمَا تَقَدَّمَ.
فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه حَيْثُ اِسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( دَعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك ) فِي أَنَّ مُدَّة الْحَيْض مَا يُسَمَّى أَيَّام الْحَيْض، وَأَقَلّهَا ثَلَاثَة وَأَكْثَرهَا عَشَرَة، قَالُوا : لِأَنَّ مَا دُون الثَّلَاثَة يُسَمَّى يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشْرَة يُقَال فِيهِ أَحَد عَشَر يَوْمًا وَلَا يُقَال فِيهِ أَيَّام، وَإِنَّمَا يُقَال أَيَّام مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ " [ الْبَقَرَة.
١٩٦ ]، " تَمَتَّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام " [ هُود : ٦٥ ]، " سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا " [ هُود : ٧ ].
فَيُقَال لَهُمْ : فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي الصَّوْم :" أَيَّامًا مَعْدُودَات " يَعْنِي جَمِيع الشَّهْر، وَقَالَ :" لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات " [ آل عِمْرَان : ٢٤ ] يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَأَيْضًا فَإِذَا أُضِيفَتْ الْأَيَّام إِلَى عَارِض لَمْ يُرَدْ بِهِ تَحْدِيد الْعَدَد، بَلْ يُقَال : أَيَّام مَشْيك وَسَفَرك وَإِقَامَتك، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ وَعِشْرِينَ وَمَا شِئْت مِنْ الْعَدَد، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهَا، وَالْعَادَة سِتّ أَوْ سَبْع، فَخَرَجَ الْكَلَام عَلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
اُخْتُلِفَ فِي سَبَب نُزُولهَا، فَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ :( مَنْ أَهْل النَّار ).
قَالُوا : نَحْنُ، ثُمَّ تَخْلُفُونَا أَنْتُمْ.
فَقَالَ :( كَذَبْتُمْ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّا لَا نَخْلُفكُمْ ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، قَالَهُ اِبْن زَيْد.
وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَالْيَهُود تَقُول : إِنَّمَا هَذِهِ الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف، وَإِنَّمَا يُعَذَّب النَّاس فِي النَّار لِكُلِّ أَلْف سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا يَوْم وَاحِد فِي النَّار مِنْ أَيَّام الْآخِرَة، وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَة أَيَّام، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة، وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد.
وَقَالَتْ طَائِفَة : قَالَتْ الْيَهُود إِنَّ فِي التَّوْرَاة أَنَّ جَهَنَّم مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة، وَأَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ فِي كُلّ يَوْم سَنَة حَتَّى يُكْمِلُوهَا وَتَذْهَب جَهَنَّم.
وَرَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : زَعَمَ الْيَهُود أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا أَنَّ مَا بَيْن طَرَفَيْ جَهَنَّم مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة إِلَى أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى شَجَرَة الزَّقُّوم.
وَقَالُوا : إِنَّمَا نُعَذَّب حَتَّى نَنْتَهِي إِلَى شَجَرَة الزَّقُّوم فَتَذْهَب جَهَنَّم وَتَهْلِك.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَقَتَادَة : أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ إِنَّ اللَّه أَقْسَمَ أَنْ يُدْخِلهُمْ النَّار أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَد عِبَادَتهمْ الْعِجْل، فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه، كَمَا تَقَدَّمَ.
فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه حَيْثُ اِسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( دَعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك ) فِي أَنَّ مُدَّة الْحَيْض مَا يُسَمَّى أَيَّام الْحَيْض، وَأَقَلّهَا ثَلَاثَة وَأَكْثَرهَا عَشَرَة، قَالُوا : لِأَنَّ مَا دُون الثَّلَاثَة يُسَمَّى يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشْرَة يُقَال فِيهِ أَحَد عَشَر يَوْمًا وَلَا يُقَال فِيهِ أَيَّام، وَإِنَّمَا يُقَال أَيَّام مِنْ الثَّلَاثَة إِلَى الْعَشَرَة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ " [ الْبَقَرَة.
١٩٦ ]، " تَمَتَّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام " [ هُود : ٦٥ ]، " سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا " [ هُود : ٧ ].
فَيُقَال لَهُمْ : فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي الصَّوْم :" أَيَّامًا مَعْدُودَات " يَعْنِي جَمِيع الشَّهْر، وَقَالَ :" لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات " [ آل عِمْرَان : ٢٤ ] يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَأَيْضًا فَإِذَا أُضِيفَتْ الْأَيَّام إِلَى عَارِض لَمْ يُرَدْ بِهِ تَحْدِيد الْعَدَد، بَلْ يُقَال : أَيَّام مَشْيك وَسَفَرك وَإِقَامَتك، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ وَعِشْرِينَ وَمَا شِئْت مِنْ الْعَدَد، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهَا، وَالْعَادَة سِتّ أَوْ سَبْع، فَخَرَجَ الْكَلَام عَلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ
وَأَصْل أتَّخَذْتُمْ اِئْتَخَذْتُمْ مِنْ الْأَخْذ وَوَزْنه اِفْتَعَلْتُمْ سُهِّلَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة لِامْتِنَاعِ هَمْزَتَيْنِ فَجَاءَ اِيتَخَذْتُمْ فَاضْطَرَبَتْ الْيَاء فِي التَّصْرِيف جَاءَتْ أَلِفًا فِي يَاتَّخِذ وَوَاوًا فِي مُوتَّخِذ فَبُدِّلَتْ بِحَرْفٍ جَلْد ثَابِت مِنْ جِنْس مَا بَعْدهَا وَهِيَ التَّاء وَأُدْغِمَتْ ثُمَّ اُجْتُلِبَتْ أَلِف الْوَصْل لِلنُّطْقِ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام التَّقْرِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى " قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] فَاسْتَغْنَى عَنْ أَلِف الْوَصْل بِأَلِفِ التَّقْرِير قَالَ الشَّاعِر
وَنَحْوه فِي الْقُرْآن " أَطَّلَعَ الْغَيْب " [ مَرْيَم : ٧٨ ] " أَصْطَفَى الْبَنَات " [ الصَّافَّات : ١٥٣ ] " أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت " [ ص : ٧٥ ] وَمَذْهَب أَبِي عَلِيّ الْفَارِسِيّ أَنَّ " أتَّخَذْتُمْ " مِنْ تَخِذَ لَا مِنْ أَخَذَ،
وَأَصْل أتَّخَذْتُمْ اِئْتَخَذْتُمْ مِنْ الْأَخْذ وَوَزْنه اِفْتَعَلْتُمْ سُهِّلَتْ الْهَمْزَة الثَّانِيَة لِامْتِنَاعِ هَمْزَتَيْنِ فَجَاءَ اِيتَخَذْتُمْ فَاضْطَرَبَتْ الْيَاء فِي التَّصْرِيف جَاءَتْ أَلِفًا فِي يَاتَّخِذ وَوَاوًا فِي مُوتَّخِذ فَبُدِّلَتْ بِحَرْفٍ جَلْد ثَابِت مِنْ جِنْس مَا بَعْدهَا وَهِيَ التَّاء وَأُدْغِمَتْ ثُمَّ اُجْتُلِبَتْ أَلِف الْوَصْل لِلنُّطْقِ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام التَّقْرِير كَقَوْلِهِ تَعَالَى " قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ] فَاسْتَغْنَى عَنْ أَلِف الْوَصْل بِأَلِفِ التَّقْرِير قَالَ الشَّاعِر
| اسْتَحْدَثَ الرَّكْب عَنْ أَشْيَاعهمْ خَبَرًا | أَمْ رَاجَعَ الْقَلْب مِنْ أَطْرَابِه طَرَب |
عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا
أَيْ أَسْلَفْتُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَآمَنْتُمْ وَأَطَعْتُمْ فَتَسْتَوْجِبُونَ بِذَلِكَ الْخُرُوج مِنْ النَّار ! أَوْ هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ بِوَحْيِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ.
أَيْ أَسْلَفْتُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَآمَنْتُمْ وَأَطَعْتُمْ فَتَسْتَوْجِبُونَ بِذَلِكَ الْخُرُوج مِنْ النَّار ! أَوْ هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ بِوَحْيِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ.
فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
تَوْبِيخ وَتَقْرِيع.
تَوْبِيخ وَتَقْرِيع.
بَلَى
أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْتُمْ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَيْسَ " بَلَى " و " نَعَمْ " اِسْمَيْنِ.
وَإِنَّمَا هُمَا حَرْفَانِ مِثْل " بَلْ " وَغَيْره، وَهِيَ رَدّ لِقَوْلِهِمْ : لَنْ تَمَسّنَا النَّار.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : أَصْلهَا بَلْ الَّتِي لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّل، زِيدَتْ عَلَيْهَا الْيَاء لِيَحْسُن الْوَقْف، وَضُمِّنَتْ الْيَاء مَعْنَى الْإِيجَاب وَالْإِنْعَام.
ف " بَلْ " تَدُلّ عَلَى رَدّ الْجَحْد، وَالْيَاء تَدُلّ عَلَى الْإِيجَاب لِمَا بَعْد.
قَالُوا : وَلَوْ قَالَ قَائِل : أَلَمْ تَأْخُذ دِينَارًا ؟ فَقُلْت : نَعَمْ، لَكَانَ الْمَعْنَى لَا، لَمْ آخُذ ; لِأَنَّك حَقَّقْت النَّفْي وَمَا بَعْده.
فَإِذَا قُلْت : بَلَى، صَارَ الْمَعْنَى قَدْ أَخَذْت.
قَالَ الْفَرَّاء : إِذَا قَالَ الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : مَا لَك عَلَيَّ شَيْء، فَقَالَ الْآخَر : نَعَمْ، كَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا ; لِأَنَّ لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ : بَلَى، كَانَ رَدًّا لِقَوْلِهِ، وَتَقْدِيره : بَلَى لِي عَلَيْك.
وَفِي التَّنْزِيل " أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى " [ الْأَعْرَاف : ١٧٢ ] وَلَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا.
أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ذَكَرْتُمْ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَيْسَ " بَلَى " و " نَعَمْ " اِسْمَيْنِ.
وَإِنَّمَا هُمَا حَرْفَانِ مِثْل " بَلْ " وَغَيْره، وَهِيَ رَدّ لِقَوْلِهِمْ : لَنْ تَمَسّنَا النَّار.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : أَصْلهَا بَلْ الَّتِي لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّل، زِيدَتْ عَلَيْهَا الْيَاء لِيَحْسُن الْوَقْف، وَضُمِّنَتْ الْيَاء مَعْنَى الْإِيجَاب وَالْإِنْعَام.
ف " بَلْ " تَدُلّ عَلَى رَدّ الْجَحْد، وَالْيَاء تَدُلّ عَلَى الْإِيجَاب لِمَا بَعْد.
قَالُوا : وَلَوْ قَالَ قَائِل : أَلَمْ تَأْخُذ دِينَارًا ؟ فَقُلْت : نَعَمْ، لَكَانَ الْمَعْنَى لَا، لَمْ آخُذ ; لِأَنَّك حَقَّقْت النَّفْي وَمَا بَعْده.
فَإِذَا قُلْت : بَلَى، صَارَ الْمَعْنَى قَدْ أَخَذْت.
قَالَ الْفَرَّاء : إِذَا قَالَ الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : مَا لَك عَلَيَّ شَيْء، فَقَالَ الْآخَر : نَعَمْ، كَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا ; لِأَنَّ لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ : بَلَى، كَانَ رَدًّا لِقَوْلِهِ، وَتَقْدِيره : بَلَى لِي عَلَيْك.
وَفِي التَّنْزِيل " أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى " [ الْأَعْرَاف : ١٧٢ ] وَلَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا.
مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
" سَيِّئَة " السَّيِّئَة الشِّرْك.
قَالَ اِبْن جُرَيْج قُلْت لِعَطَاءٍ :" مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة " ؟ قَالَ : الشِّرْك، وَتَلَا " وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوههمْ فِي النَّار ".
وَكَذَا قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة، قَالَا : وَالْخَطِيئَة الْكَبِيرَة.
لِمَا قَالَ تَعَالَى :" بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته " دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّق عَلَى شَرْطَيْنِ لَا يَتِمّ بِأَقَلِّهِمَا، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " [ فُصِّلَتْ : ٣٠ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِسُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ وَقَدْ قَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَام قَوْلًا لَا أَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا بَعْدك.
قَالَ :( قُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اِسْتَقِمْ ).
رَوَاهُ مُسْلِم.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى لِآدَم وَحَوَّاء :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ].
وَقَرَأَ نَافِع " خَطِيئَاته " بِالْجَمْعِ، الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ، وَالْمَعْنَى الْكَثْرَة، مِثْل قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا ".
" سَيِّئَة " السَّيِّئَة الشِّرْك.
قَالَ اِبْن جُرَيْج قُلْت لِعَطَاءٍ :" مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة " ؟ قَالَ : الشِّرْك، وَتَلَا " وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوههمْ فِي النَّار ".
وَكَذَا قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة، قَالَا : وَالْخَطِيئَة الْكَبِيرَة.
لِمَا قَالَ تَعَالَى :" بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته " دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّق عَلَى شَرْطَيْنِ لَا يَتِمّ بِأَقَلِّهِمَا، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا " [ فُصِّلَتْ : ٣٠ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِسُفْيَان بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ وَقَدْ قَالَ لَهُ : يَا رَسُول اللَّه، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَام قَوْلًا لَا أَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا بَعْدك.
قَالَ :( قُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اِسْتَقِمْ ).
رَوَاهُ مُسْلِم.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ عِنْد قَوْله تَعَالَى لِآدَم وَحَوَّاء :" وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " [ الْبَقَرَة : ٣٥ ].
وَقَرَأَ نَافِع " خَطِيئَاته " بِالْجَمْعِ، الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ، وَالْمَعْنَى الْكَثْرَة، مِثْل قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا ".
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي بَيَان هَذِهِ الْأَلْفَاظ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيثَاق هُنَا، فَقَالَ مَكِّيّ : هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِين أُخْرِجُوا مِنْ صُلْب آدَم كَالذَّرِّ.
وَقِيلَ : هُوَ مِيثَاق أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عُقَلَاء فِي حَيَاتهمْ عَلَى أَلْسِنَة أَنْبِيَائِهِمْ.
تَقَدَّمَ الْكَلَام فِي بَيَان هَذِهِ الْأَلْفَاظ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيثَاق هُنَا، فَقَالَ مَكِّيّ : هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِين أُخْرِجُوا مِنْ صُلْب آدَم كَالذَّرِّ.
وَقِيلَ : هُوَ مِيثَاق أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عُقَلَاء فِي حَيَاتهمْ عَلَى أَلْسِنَة أَنْبِيَائِهِمْ.
لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَعِبَادَة اللَّه إِثْبَات تَوْحِيده، وَتَصْدِيق رُسُله، وَالْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ فِي كُتُبه.
" لَا تَعْبُدُونَ " قَالَ سِيبَوَيْهِ :" لَا تَعْبُدُونَ " مُتَعَلِّق بِقَسَمٍ، وَالْمَعْنَى وَإِذْ اِسْتَخْلَفْنَاهُمْ وَاَللَّه لَا تَعْبُدُونَ، وَأَجَازَهُ الْمُبَرِّد وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء.
وَقَرَأَ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود " لَا تَعْبُدُوا " عَلَى النَّهْي، وَلِهَذَا وَصَلَ الْكَلَام بِالْأَمْرِ فَقَالَ :" وَقُومُوا، وَقُولُوا، وَأَقِيمُوا، وَآتُوا ".
وَقِيلَ : هُوَ فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ مُوَحِّدِينَ، أَوْ غَيْر مُعَانِدِينَ، قَالَهُ قُطْرُب وَالْمُبَرِّد أَيْضًا.
وَهَذَا إِنَّمَا يُتَّجَه عَلَى قِرَاءَة اِبْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَعْبُدُونَ " بِالْيَاءِ مِنْ أَسْفَل.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج وَجَمَاعَة : الْمَعْنَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ بِأَلَّا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه، وَبِأَنْ يُحْسِنُوا لِلْوَالِدَيْنِ، وَبِأَلَّا يَسْفِكُوا الدِّمَاء، ثُمَّ حُذِفَتْ أَنْ وَالْبَاء فَارْتَفَعَ الْفِعْل لِزَوَالِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي ".
قَالَ الْمُبَرِّد : هَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ كُلّ مَا أُضْمِرَ فِي الْعَرَبِيَّة فَهُوَ يَعْمَل عَمَله مُظْهَرًا، تَقُول : وَبَلَد قُطِعَتْ، أَيْ رُبَّ بَلَد.
قُلْت : لَيْسَ هَذَا بِخَطَإٍ، بَلْ هُمَا وَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَعَلَيْهِمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع، فَالنَّصْب عَلَى إِضْمَار أَنْ، وَالرَّفْع عَلَى حَذْفهَا.
وَعِبَادَة اللَّه إِثْبَات تَوْحِيده، وَتَصْدِيق رُسُله، وَالْعَمَل بِمَا أَنْزَلَ فِي كُتُبه.
" لَا تَعْبُدُونَ " قَالَ سِيبَوَيْهِ :" لَا تَعْبُدُونَ " مُتَعَلِّق بِقَسَمٍ، وَالْمَعْنَى وَإِذْ اِسْتَخْلَفْنَاهُمْ وَاَللَّه لَا تَعْبُدُونَ، وَأَجَازَهُ الْمُبَرِّد وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء.
وَقَرَأَ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود " لَا تَعْبُدُوا " عَلَى النَّهْي، وَلِهَذَا وَصَلَ الْكَلَام بِالْأَمْرِ فَقَالَ :" وَقُومُوا، وَقُولُوا، وَأَقِيمُوا، وَآتُوا ".
وَقِيلَ : هُوَ فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ مُوَحِّدِينَ، أَوْ غَيْر مُعَانِدِينَ، قَالَهُ قُطْرُب وَالْمُبَرِّد أَيْضًا.
وَهَذَا إِنَّمَا يُتَّجَه عَلَى قِرَاءَة اِبْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَعْبُدُونَ " بِالْيَاءِ مِنْ أَسْفَل.
وَقَالَ الْفَرَّاء وَالزَّجَّاج وَجَمَاعَة : الْمَعْنَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ بِأَلَّا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّه، وَبِأَنْ يُحْسِنُوا لِلْوَالِدَيْنِ، وَبِأَلَّا يَسْفِكُوا الدِّمَاء، ثُمَّ حُذِفَتْ أَنْ وَالْبَاء فَارْتَفَعَ الْفِعْل لِزَوَالِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي ".
قَالَ الْمُبَرِّد : هَذَا خَطَأ ; لِأَنَّ كُلّ مَا أُضْمِرَ فِي الْعَرَبِيَّة فَهُوَ يَعْمَل عَمَله مُظْهَرًا، تَقُول : وَبَلَد قُطِعَتْ، أَيْ رُبَّ بَلَد.
قُلْت : لَيْسَ هَذَا بِخَطَإٍ، بَلْ هُمَا وَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَعَلَيْهِمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
| أَلَا أَيّهَا ذَا الزَّاجِرِي أَحْضُر الْوَغَى | وَأَنْ أَشْهَد اللَّذَّات هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي |
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
وَقَرَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة حَقّ الْوَالِدَيْنِ بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ النَّشْأَة الْأُولَى مِنْ عِنْد اللَّه، وَالنَّشْء الثَّانِي - وَهُوَ التَّرْبِيَة - مِنْ جِهَة الْوَالِدَيْنِ، وَلِهَذَا قَرَنَ تَعَالَى الشُّكْر لَهُمَا بِشُكْرِهِ فَقَالَ :" أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك " [ لُقْمَان : ١٤ ].
وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَالِدَيْنِ : مُعَاشَرَتهمَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالتَّوَاضُع لَهُمَا، وَامْتِثَال أَمْرهمَا، وَالدُّعَاء بِالْمَغْفِرَةِ بَعْد مَمَاتهمَا، وَصِلَة أَهْل وُدّهمَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه مُفَصَّلًا فِي " الْإِسْرَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
وَقَرَنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة حَقّ الْوَالِدَيْنِ بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّ النَّشْأَة الْأُولَى مِنْ عِنْد اللَّه، وَالنَّشْء الثَّانِي - وَهُوَ التَّرْبِيَة - مِنْ جِهَة الْوَالِدَيْنِ، وَلِهَذَا قَرَنَ تَعَالَى الشُّكْر لَهُمَا بِشُكْرِهِ فَقَالَ :" أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك " [ لُقْمَان : ١٤ ].
وَالْإِحْسَان إِلَى الْوَالِدَيْنِ : مُعَاشَرَتهمَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالتَّوَاضُع لَهُمَا، وَامْتِثَال أَمْرهمَا، وَالدُّعَاء بِالْمَغْفِرَةِ بَعْد مَمَاتهمَا، وَصِلَة أَهْل وُدّهمَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه مُفَصَّلًا فِي " الْإِسْرَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَذِي الْقُرْبَى
عَطَفَ ذِي الْقُرْبَى عَلَى الْوَالِدَيْنِ.
وَالْقُرْبَى : بِمَعْنَى الْقَرَابَة، وَهُوَ مَصْدَر كَالرُّجْعَى وَالْعُقْبَى، أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْقَرَابَات بِصِلَةِ أَرْحَامهمْ.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا مُفَصَّلًا فِي سُورَة " الْقِتَال " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
عَطَفَ ذِي الْقُرْبَى عَلَى الْوَالِدَيْنِ.
وَالْقُرْبَى : بِمَعْنَى الْقَرَابَة، وَهُوَ مَصْدَر كَالرُّجْعَى وَالْعُقْبَى، أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْقَرَابَات بِصِلَةِ أَرْحَامهمْ.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا مُفَصَّلًا فِي سُورَة " الْقِتَال " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْيَتَامَى
الْيَتَامَى عُطِفَ أَيْضًا، وَهُوَ جَمْع يَتِيم، مِثْل نَدْمَى جَمْع نَدِيم.
وَالَيْتُمْ فِي بَنِي آدَم بِفَقْدِ الْأَب، وَفِي الْبَهَائِم بِفَقْدِ الْأُمّ.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ أَنَّ الْيَتِيم يُقَال فِي بَنِي آدَم فِي فَقْد الْأُمّ، وَالْأَوَّل الْمَعْرُوف.
وَأَصْله الِانْفِرَاد، يُقَال : صَبِيّ يَتِيم، أَيْ مُنْفَرِد مِنْ أَبِيهِ.
وَبَيْت يَتِيم : أَيْ لَيْسَ قَبْله وَلَا بَعْده شَيْء مِنْ الشِّعْر.
وَدُرَّة يَتِيمَة : لَيْسَ لَهَا نَظِير.
وَقِيلَ : أَصْله الْإِبْطَاء، فَسُمِّيَ بِهِ الْيَتِيم ; لِأَنَّ الْبِرّ يُبْطِئ عَنْهُ.
وَيُقَال : يَتُمَ يَيْتُم يُتْمًا، مِثْل عَظُمَ يَعْظُم.
وَيَتِمَ يَيْتَم يُتْمًا وَيَتَمًا، مِثْل سَمِعَ يَسْمَع، ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْفَرَّاء.
وَقَدْ أَيْتَمَهُ اللَّه.
وَيَدُلّ هَذَا عَلَى الرَّأْفَة بِالْيَتِيمِ وَالْحَضّ عَلَى كَفَالَته وَحِفْظ مَاله، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء ".
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كَافِل الْيَتِيم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّة ).
وَأَشَارَ مَالِك بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَخَرَّجَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد مِنْ حَدِيث الْحَسَن بْن دِينَار أَبِي سَعِيد الْبَصْرِيّ وَهُوَ الْحَسَن بْن وَاصِل قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هِصَّان عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا قَعَدَ يَتِيم مَعَ قَوْم عَلَى قَصْعَتهمْ فَيَقْرَب قَصْعَتهمْ الشَّيْطَان ).
وَخُرِّجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث حُسَيْن بْن قَيْس وَهُوَ أَبُو عَلِيّ الرَّحَبِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا مِنْ بَيْن مُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامه وَشَرَابه حَتَّى يُغْنِيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه أَلْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَل عَمَلًا لَا يُغْفَر وَمَنْ أَذْهَبَ اللَّه كَرِيمَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه - قَالُوا : وَمَا كَرِيمَتَاهُ ؟ قَالَ :- عَيْنَاهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات أَوْ ثَلَاث أَخَوَات فَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه ألْبَتَّة إِلَّا أَنْ يَعْمَل عَمَلًا لَا يُغْفَر ) فَنَادَاهُ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب مِمَّنْ هَاجَرَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَوْ اِثْنَتَيْنِ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوْ اِثْنَتَيْنِ ).
فَكَانَ اِبْن عَبَّاس إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث قَالَ : هَذَا وَاَللَّه مِنْ غَرَائِب الْحَدِيث وَغُرَره.
السَّبَّابَة مِنْ الْأَصَابِع هِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة تُدْعَى بِالسَّبَّابَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ بِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ كَرِهُوا هَذَا الِاسْم فَسَمَّوْهَا الْمُشِيرَة ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إِلَى اللَّه فِي التَّوْحِيد.
وَتُسَمَّى أَيْضًا بِالسَّبَّاحَةِ، جَاءَ تَسْمِيَتهَا بِذَلِكَ فِي حَدِيث وَائِل بْن حُجْر وَغَيْره، وَلَكِنَّ اللُّغَة سَارَتْ بِمَا كَانَتْ تَعْرِفهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَغَلَبَتْ.
الْيَتَامَى عُطِفَ أَيْضًا، وَهُوَ جَمْع يَتِيم، مِثْل نَدْمَى جَمْع نَدِيم.
وَالَيْتُمْ فِي بَنِي آدَم بِفَقْدِ الْأَب، وَفِي الْبَهَائِم بِفَقْدِ الْأُمّ.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ أَنَّ الْيَتِيم يُقَال فِي بَنِي آدَم فِي فَقْد الْأُمّ، وَالْأَوَّل الْمَعْرُوف.
وَأَصْله الِانْفِرَاد، يُقَال : صَبِيّ يَتِيم، أَيْ مُنْفَرِد مِنْ أَبِيهِ.
وَبَيْت يَتِيم : أَيْ لَيْسَ قَبْله وَلَا بَعْده شَيْء مِنْ الشِّعْر.
وَدُرَّة يَتِيمَة : لَيْسَ لَهَا نَظِير.
وَقِيلَ : أَصْله الْإِبْطَاء، فَسُمِّيَ بِهِ الْيَتِيم ; لِأَنَّ الْبِرّ يُبْطِئ عَنْهُ.
وَيُقَال : يَتُمَ يَيْتُم يُتْمًا، مِثْل عَظُمَ يَعْظُم.
وَيَتِمَ يَيْتَم يُتْمًا وَيَتَمًا، مِثْل سَمِعَ يَسْمَع، ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْفَرَّاء.
وَقَدْ أَيْتَمَهُ اللَّه.
وَيَدُلّ هَذَا عَلَى الرَّأْفَة بِالْيَتِيمِ وَالْحَضّ عَلَى كَفَالَته وَحِفْظ مَاله، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء ".
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( كَافِل الْيَتِيم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّة ).
وَأَشَارَ مَالِك بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَخَرَّجَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد مِنْ حَدِيث الْحَسَن بْن دِينَار أَبِي سَعِيد الْبَصْرِيّ وَهُوَ الْحَسَن بْن وَاصِل قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هِصَّان عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا قَعَدَ يَتِيم مَعَ قَوْم عَلَى قَصْعَتهمْ فَيَقْرَب قَصْعَتهمْ الشَّيْطَان ).
وَخُرِّجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث حُسَيْن بْن قَيْس وَهُوَ أَبُو عَلِيّ الرَّحَبِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا مِنْ بَيْن مُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامه وَشَرَابه حَتَّى يُغْنِيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه أَلْبَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَل عَمَلًا لَا يُغْفَر وَمَنْ أَذْهَبَ اللَّه كَرِيمَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه - قَالُوا : وَمَا كَرِيمَتَاهُ ؟ قَالَ :- عَيْنَاهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات أَوْ ثَلَاث أَخَوَات فَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُتْنَ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبه ألْبَتَّة إِلَّا أَنْ يَعْمَل عَمَلًا لَا يُغْفَر ) فَنَادَاهُ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب مِمَّنْ هَاجَرَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَوْ اِثْنَتَيْنِ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوْ اِثْنَتَيْنِ ).
فَكَانَ اِبْن عَبَّاس إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيث قَالَ : هَذَا وَاَللَّه مِنْ غَرَائِب الْحَدِيث وَغُرَره.
السَّبَّابَة مِنْ الْأَصَابِع هِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة تُدْعَى بِالسَّبَّابَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسُبُّونَ بِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ كَرِهُوا هَذَا الِاسْم فَسَمَّوْهَا الْمُشِيرَة ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إِلَى اللَّه فِي التَّوْحِيد.
وَتُسَمَّى أَيْضًا بِالسَّبَّاحَةِ، جَاءَ تَسْمِيَتهَا بِذَلِكَ فِي حَدِيث وَائِل بْن حُجْر وَغَيْره، وَلَكِنَّ اللُّغَة سَارَتْ بِمَا كَانَتْ تَعْرِفهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَغَلَبَتْ.
وَرُوِيَ عَنْ أَصَابِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُشِيرَة مِنْهَا كَانَتْ أَطْوَل مِنْ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْوُسْطَى أَقْصَر مِنْهَا، ثُمَّ الْبِنْصِر أَقْصَر مِنْ الْوُسْطَى.
رَوَى يَزِيد بْن هَارُون قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مِقْسَم الطَّائِفِيّ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَّة بِنْت مِقْسَم أَنَّهَا سَمِعَتْ مَيْمُونَة بِنْت كَرْدَم قَالَتْ : خَرَجْت فِي حَجَّة حَجَّهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَته وَسَأَلَهُ أَبِي عَنْ أَشْيَاء، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي أَتَعَجَّب وَأَنَا جَارِيَة مِنْ طُول أُصْبُعه الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام عَلَى سَائِر أَصَابِعه.
فَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّة )، وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر :( أُحْشَر أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا ) وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاث، فَإِنَّمَا أَرَادَ ذِكْر الْمَنَازِل وَالْإِشْرَاف عَلَى الْخَلْق فَقَالَ : نُحْشَر هَكَذَا وَنَحْنُ مُشْرِفُونَ وَكَذَا كَافِل الْيَتِيم تَكُون مَنْزِلَته رَفِيعَة.
فَمَنْ لَمْ يَعْرِف شَأْن أَصَابِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ تَأْوِيل الْحَدِيث عَلَى الِانْضِمَام وَالِاقْتِرَاب بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي مَحَلّ الْقُرْبَة.
وَهَذَا مَعْنًى بَعِيد ; لِأَنَّ مَنَازِل الرُّسُل وَالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ مَرَاتِب مُتَبَايِنَة، وَمَنَازِل مُخْتَلِفَة.
رَوَى يَزِيد بْن هَارُون قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مِقْسَم الطَّائِفِيّ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَّة بِنْت مِقْسَم أَنَّهَا سَمِعَتْ مَيْمُونَة بِنْت كَرْدَم قَالَتْ : خَرَجْت فِي حَجَّة حَجَّهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَته وَسَأَلَهُ أَبِي عَنْ أَشْيَاء، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي أَتَعَجَّب وَأَنَا جَارِيَة مِنْ طُول أُصْبُعه الَّتِي تَلِي الْإِبْهَام عَلَى سَائِر أَصَابِعه.
فَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّة )، وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر :( أُحْشَر أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا ) وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاث، فَإِنَّمَا أَرَادَ ذِكْر الْمَنَازِل وَالْإِشْرَاف عَلَى الْخَلْق فَقَالَ : نُحْشَر هَكَذَا وَنَحْنُ مُشْرِفُونَ وَكَذَا كَافِل الْيَتِيم تَكُون مَنْزِلَته رَفِيعَة.
فَمَنْ لَمْ يَعْرِف شَأْن أَصَابِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ تَأْوِيل الْحَدِيث عَلَى الِانْضِمَام وَالِاقْتِرَاب بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي مَحَلّ الْقُرْبَة.
وَهَذَا مَعْنًى بَعِيد ; لِأَنَّ مَنَازِل الرُّسُل وَالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ مَرَاتِب مُتَبَايِنَة، وَمَنَازِل مُخْتَلِفَة.
وَالْمَسَاكِينِ
" الْمَسَاكِين " عَطْف أَيْضًا أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَسَاكِين، وَهُمْ الَّذِينَ أَسْكَنَتْهُمْ الْحَاجَة وَأَذَلَّتْهُمْ.
وَهَذَا يَتَضَمَّن الْحَضّ عَلَى الصَّدَقَة وَالْمُؤَاسَاة وَتَفَقُّد أَحْوَال الْمَسَاكِين وَالضُّعَفَاء.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة وَالْمِسْكِين كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّه - وَأَحْسِبهُ قَالَ - وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُر وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِر ).
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكَانَ طَاوُس يَرَى السَّعْي عَلَى الْأَخَوَات أَفْضَل مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه.
" الْمَسَاكِين " عَطْف أَيْضًا أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمَسَاكِين، وَهُمْ الَّذِينَ أَسْكَنَتْهُمْ الْحَاجَة وَأَذَلَّتْهُمْ.
وَهَذَا يَتَضَمَّن الْحَضّ عَلَى الصَّدَقَة وَالْمُؤَاسَاة وَتَفَقُّد أَحْوَال الْمَسَاكِين وَالضُّعَفَاء.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة وَالْمِسْكِين كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّه - وَأَحْسِبهُ قَالَ - وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُر وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِر ).
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكَانَ طَاوُس يَرَى السَّعْي عَلَى الْأَخَوَات أَفْضَل مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه.
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
" حُسْنًا " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لِيَحْسُنْ قَوْلكُمْ.
وَقِيلَ : التَّقْدِير وَقُولُوا لِلنَّاسِ قَوْلًا ذَا حُسْن، فَهُوَ مَصْدَر لَا عَلَى الْمَعْنَى.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " حَسَنًا " بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين.
قَالَ الْأَخْفَش : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد، مِثْل الْبُخْل وَالْبَخَل، وَالرُّشْد وَالرَّشَد.
وَحَكَى الْأَخْفَش :" حُسْنَى " بِغَيْرِ تَنْوِين عَلَى فُعْلَى.
قَالَ النَّحَّاس :" وَهَذَا لَا يَجُوز فِي الْعَرَبِيَّة، لَا يُقَال مِنْ هَذَا شَيْء إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّام، نَحْو الْفُضْلَى وَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى، هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " حُسُنًا " بِضَمَّتَيْنِ، مِثْل " الْحُلُم ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى قُولُوا لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَمُرُوهُمْ بِهَا.
اِبْن جُرَيْج : قُولُوا لِلنَّاسِ صِدْقًا فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُغَيِّرُوا نَعْته.
سُفْيَان الثَّوْرِيّ : مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر.
أَبُو الْعَالِيَة : قُولُوا لَهُمْ الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل، وَجَازُوهُمْ بِأَحْسَن مَا تُحِبُّونَ أَنْ تُجَازُوا بِهِ.
وَهَذَا كُلّه حَضّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُون قَوْله لِلنَّاسِ لَيِّنًا وَوَجْهه مُنْبَسِطًا طَلْقًا مَعَ الْبَرّ وَالْفَاجِر، وَالسُّنِّيّ وَالْمُبْتَدِع، مِنْ غَيْر مُدَاهَنَة، وَمِنْ غَيْر أَنْ يَتَكَلَّم مَعَهُ بِكَلَامٍ يَظُنّ أَنَّهُ يُرْضِي مَذْهَبه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى وَهَارُون :" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " [ طَه : ٤٤ ].
فَالْقَائِل لَيْسَ بِأَفْضَل مِنْ مُوسَى وَهَارُون، وَالْفَاجِر لَيْسَ بِأَخْبَث مِنْ فِرْعَوْن، وَقَدْ أَمَرَهُمَا اللَّه تَعَالَى بِاللِّينِ مَعَهُ.
وَقَالَ طَلْحَة بْن عُمَر : قُلْت لِعَطَاءٍ إِنَّك رَجُل يَجْتَمِع عِنْدك نَاس ذَوُو أَهْوَاء مُخْتَلِفَة، وَأَنَا رَجُل فِيَّ حِدَّة فَأَقُول لَهُمْ بَعْض الْقَوْل الْغَلِيظ، فَقَالَ : لَا تَفْعَل ! يَقُول اللَّه تَعَالَى :" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ".
فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَكَيْف بِالْحَنِيفِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَة :( لَا تَكُونِي فَحَّاشَة فَإِنَّ الْفُحْش لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ رَجُل سُوء ).
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالنَّاسِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ النِّسَاء : ٥٤ ].
فَكَأَنَّهُ قَالَ : قُولُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُسْنًا.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ قَتَادَة أَنَّ قَوْله :" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف.
وَحَكَاهُ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الِابْتِدَاء ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة خُوطِبَتْ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظ فِي صَدْر الْإِسْلَام، وَأَمَّا الْخَبَر عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَا أُمِرُوا بِهِ فَلَا نَسْخ فِيهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
" حُسْنًا " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لِيَحْسُنْ قَوْلكُمْ.
وَقِيلَ : التَّقْدِير وَقُولُوا لِلنَّاسِ قَوْلًا ذَا حُسْن، فَهُوَ مَصْدَر لَا عَلَى الْمَعْنَى.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " حَسَنًا " بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين.
قَالَ الْأَخْفَش : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد، مِثْل الْبُخْل وَالْبَخَل، وَالرُّشْد وَالرَّشَد.
وَحَكَى الْأَخْفَش :" حُسْنَى " بِغَيْرِ تَنْوِين عَلَى فُعْلَى.
قَالَ النَّحَّاس :" وَهَذَا لَا يَجُوز فِي الْعَرَبِيَّة، لَا يُقَال مِنْ هَذَا شَيْء إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّام، نَحْو الْفُضْلَى وَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى، هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " حُسُنًا " بِضَمَّتَيْنِ، مِثْل " الْحُلُم ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى قُولُوا لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَمُرُوهُمْ بِهَا.
اِبْن جُرَيْج : قُولُوا لِلنَّاسِ صِدْقًا فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُغَيِّرُوا نَعْته.
سُفْيَان الثَّوْرِيّ : مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر.
أَبُو الْعَالِيَة : قُولُوا لَهُمْ الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل، وَجَازُوهُمْ بِأَحْسَن مَا تُحِبُّونَ أَنْ تُجَازُوا بِهِ.
وَهَذَا كُلّه حَضّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُون قَوْله لِلنَّاسِ لَيِّنًا وَوَجْهه مُنْبَسِطًا طَلْقًا مَعَ الْبَرّ وَالْفَاجِر، وَالسُّنِّيّ وَالْمُبْتَدِع، مِنْ غَيْر مُدَاهَنَة، وَمِنْ غَيْر أَنْ يَتَكَلَّم مَعَهُ بِكَلَامٍ يَظُنّ أَنَّهُ يُرْضِي مَذْهَبه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى وَهَارُون :" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " [ طَه : ٤٤ ].
فَالْقَائِل لَيْسَ بِأَفْضَل مِنْ مُوسَى وَهَارُون، وَالْفَاجِر لَيْسَ بِأَخْبَث مِنْ فِرْعَوْن، وَقَدْ أَمَرَهُمَا اللَّه تَعَالَى بِاللِّينِ مَعَهُ.
وَقَالَ طَلْحَة بْن عُمَر : قُلْت لِعَطَاءٍ إِنَّك رَجُل يَجْتَمِع عِنْدك نَاس ذَوُو أَهْوَاء مُخْتَلِفَة، وَأَنَا رَجُل فِيَّ حِدَّة فَأَقُول لَهُمْ بَعْض الْقَوْل الْغَلِيظ، فَقَالَ : لَا تَفْعَل ! يَقُول اللَّه تَعَالَى :" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ".
فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَكَيْف بِالْحَنِيفِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَة :( لَا تَكُونِي فَحَّاشَة فَإِنَّ الْفُحْش لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ رَجُل سُوء ).
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالنَّاسِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ النِّسَاء : ٥٤ ].
فَكَأَنَّهُ قَالَ : قُولُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُسْنًا.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ قَتَادَة أَنَّ قَوْله :" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف.
وَحَكَاهُ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الِابْتِدَاء ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَة السَّيْف.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة خُوطِبَتْ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظ فِي صَدْر الْإِسْلَام، وَأَمَّا الْخَبَر عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَا أُمِرُوا بِهِ فَلَا نَسْخ فِيهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ.
وَالْخِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَزَكَاتهمْ هِيَ الَّتِي كَانُوا يَضَعُونَهَا فَتَنْزِل النَّار عَلَى مَا يُتَقَبَّل، وَلَا تَنْزِل عَلَى مَا لَمْ يُتَقَبَّل، وَلَمْ تَكُنْ كَزَكَاةِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْل، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْغَنَائِم.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الزَّكَاة الَّتِي أُمِرُوا بِهَا طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص.
تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ.
وَالْخِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَزَكَاتهمْ هِيَ الَّتِي كَانُوا يَضَعُونَهَا فَتَنْزِل النَّار عَلَى مَا يُتَقَبَّل، وَلَا تَنْزِل عَلَى مَا لَمْ يُتَقَبَّل، وَلَمْ تَكُنْ كَزَكَاةِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْل، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْغَنَائِم.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الزَّكَاة الَّتِي أُمِرُوا بِهَا طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
الْخِطَاب لِمُعَاصِرِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْنَدَ إِلَيْهِمْ تَوَلِّي أَسْلَافهمْ إِذْ هُمْ كُلّهمْ بِتِلْكَ السَّبِيل فِي إِعْرَاضهمْ عَنْ الْحَقّ مِثْلهمْ، كَمَا قَالَ :" شِنْشِنَة أَعْرِفهَا مِنْ أَخْزَم ".
الْخِطَاب لِمُعَاصِرِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْنَدَ إِلَيْهِمْ تَوَلِّي أَسْلَافهمْ إِذْ هُمْ كُلّهمْ بِتِلْكَ السَّبِيل فِي إِعْرَاضهمْ عَنْ الْحَقّ مِثْلهمْ، كَمَا قَالَ :" شِنْشِنَة أَعْرِفهَا مِنْ أَخْزَم ".
إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ
كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه.
و " قَلِيلًا " نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء، وَالْمُسْتَثْنَى عِنْد سِيبَوَيْهِ مَنْصُوب ; لِأَنَّهُ مُشَبَّه بِالْمَفْعُولِ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هُوَ مَفْعُول عَلَى الْحَقِيقَة، الْمَعْنَى اِسْتَثْنَيْت قَلِيلًا.
كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه.
و " قَلِيلًا " نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء، وَالْمُسْتَثْنَى عِنْد سِيبَوَيْهِ مَنْصُوب ; لِأَنَّهُ مُشَبَّه بِالْمَفْعُولِ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هُوَ مَفْعُول عَلَى الْحَقِيقَة، الْمَعْنَى اِسْتَثْنَيْت قَلِيلًا.
وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْإِعْرَاض وَالتَّوَلِّي بِمَعْنًى وَاحِد، مُخَالَف بَيْنهمَا فِي اللَّفْظ.
وَقِيلَ : التَّوَلِّي فِيهِ بِالْجِسْمِ، وَالْإِعْرَاض بِالْقَلْبِ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ :" وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ " حَال ; لِأَنَّ التَّوَلِّي فِيهِ دَلَالَة عَلَى الْإِعْرَاض.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْإِعْرَاض وَالتَّوَلِّي بِمَعْنًى وَاحِد، مُخَالَف بَيْنهمَا فِي اللَّفْظ.
وَقِيلَ : التَّوَلِّي فِيهِ بِالْجِسْمِ، وَالْإِعْرَاض بِالْقَلْبِ.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ :" وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ " حَال ; لِأَنَّ التَّوَلِّي فِيهِ دَلَالَة عَلَى الْإِعْرَاض.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ
وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيثَاق هُنَا، فَقَالَ مَكِّيّ : هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِين أُخْرِجُوا مِنْ صُلْب آدَم كَالذَّرِّ.
وَقِيلَ : هُوَ مِيثَاق أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عُقَلَاء فِي حَيَاتهمْ عَلَى أَلْسِنَة أَنْبِيَائِهِمْ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمِيثَاق هُنَا، فَقَالَ مَكِّيّ : هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِين أُخْرِجُوا مِنْ صُلْب آدَم كَالذَّرِّ.
وَقِيلَ : هُوَ مِيثَاق أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عُقَلَاء فِي حَيَاتهمْ عَلَى أَلْسِنَة أَنْبِيَائِهِمْ.
لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
الْمُرَاد بَنُو إِسْرَائِيل، وَدَخَلَ فِيهِ بِالْمَعْنَى مَنْ بَعْدهمْ.
" لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ " مِثْل " لَا تَعْبُدُونَ " [ الْبَقَرَة : ٨٣ ] فِي الْإِعْرَاب.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف وَشُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة بِضَمِّ الْفَاء، وَهِيَ لُغَة، وَأَبُو نَهِيك " تُسَفِّكُونَ " بِضَمِّ التَّاء وَتَشْدِيد الْفَاء وَفَتْح السِّين.
وَالسَّفْك : الصَّبّ.
فَإِنْ قِيلَ : وَهَلْ يَسْفِك أَحَد دَمه وَيُخْرِج نَفْسه مِنْ دَاره ؟ قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَتْ مِلَّتهمْ وَاحِدَة وَأَمْرهمْ وَاحِد وَكَانُوا فِي الْأُمَم كَالشَّخْصِ الْوَاحِد جُعِلَ قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا وَإِخْرَاج بَعْضهمْ بَعْضًا قَتْلًا لِأَنْفُسِهِمْ وَنَفْيًا لَهَا.
وَقِيلَ : الْمُرَاد الْقِصَاص، أَيْ لَا يَقْتُل أَحَد فَيُقْتَل قِصَاصًا، فَكَأَنَّهُ سَفَكَ دَمه.
وَكَذَلِكَ لَا يَزْنِي وَلَا يَرْتَدّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبِيح الدَّم.
وَلَا يُفْسِد فَيُنْفَى، فَيَكُون قَدْ أَخْرَجَ نَفْسه مِنْ دِيَاره.
وَهَذَا تَأْوِيل فِيهِ بُعْد وَإِنْ كَانَ صَحِيح الْمَعْنَى.
وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْر أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة مِيثَاقًا أَلَّا يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا، وَلَا يَنْفِيه وَلَا يَسْتَرِقّهُ، وَلَا يَدَعهُ يَسْرِق، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَات.
قُلْت : وَهَذَا كُلّه مُحَرَّم عَلَيْنَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كُلّه بِالْفِتَنِ فِينَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! وَفِي التَّنْزِيل :" أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض " [ الْأَنْعَام : ٦٥ ] وَسَيَأْتِي.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ الظَّاهِر، لَا يَقْتُل الْإِنْسَان نَفْسه، وَلَا يَخْرُج مِنْ دَاره سَفَهًا، كَمَا تَقْتُل الْهِنْد أَنْفُسهَا.
أَوْ يَقْتُل الْإِنْسَان نَفْسه مِنْ جَهْد وَبَلَاء يُصِيبهُ، أَوْ يَهِيم فِي الصَّحْرَاء وَلَا يَأْوِي الْبُيُوت جَهْلًا فِي دِيَانَته وَسَفَهًا فِي حِلْمه، فَهُوَ عُمُوم فِي جَمِيع ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان بْن مَظْعُون بَايَعَ فِي عَشَرَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَزَمُوا أَنْ يَلْبَسُوا الْمُسُوح، وَأَنْ يَهِيمُوا فِي الصَّحْرَاء وَلَا يَأْوُوا الْبُيُوت، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْم وَلَا يَغْشُوا النِّسَاء، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ إِلَى دَار عُثْمَان بْن مَظْعُون فَلَمْ يَجِدهُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ :( مَا حَدِيث بَلَغَنِي عَنْ عُثْمَان ) ؟ وَكَرِهَتْ أَنْ تُفْشِي سِرّ زَوْجهَا، وَأَنْ تَكْذِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَك شَيْء فَهُوَ كَمَا بَلَغَك، فَقَالَ :( قُولِي لِعُثْمَان أَخِلَاف لِسُنَّتِي أَمْ عَلَى غَيْر مِلَّتِي إِنِّي أُصَلِّي وَأَنَام وَأَصُوم وَأُفْطِر وَأَغْشَى النِّسَاء وَآوِي الْبُيُوت وَآكُل اللَّحْم فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) فَرَجَعَ عُثْمَان وَأَصْحَابه عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ.
الْمُرَاد بَنُو إِسْرَائِيل، وَدَخَلَ فِيهِ بِالْمَعْنَى مَنْ بَعْدهمْ.
" لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ " مِثْل " لَا تَعْبُدُونَ " [ الْبَقَرَة : ٨٣ ] فِي الْإِعْرَاب.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف وَشُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة بِضَمِّ الْفَاء، وَهِيَ لُغَة، وَأَبُو نَهِيك " تُسَفِّكُونَ " بِضَمِّ التَّاء وَتَشْدِيد الْفَاء وَفَتْح السِّين.
وَالسَّفْك : الصَّبّ.
فَإِنْ قِيلَ : وَهَلْ يَسْفِك أَحَد دَمه وَيُخْرِج نَفْسه مِنْ دَاره ؟ قِيلَ لَهُ : لَمَّا كَانَتْ مِلَّتهمْ وَاحِدَة وَأَمْرهمْ وَاحِد وَكَانُوا فِي الْأُمَم كَالشَّخْصِ الْوَاحِد جُعِلَ قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا وَإِخْرَاج بَعْضهمْ بَعْضًا قَتْلًا لِأَنْفُسِهِمْ وَنَفْيًا لَهَا.
وَقِيلَ : الْمُرَاد الْقِصَاص، أَيْ لَا يَقْتُل أَحَد فَيُقْتَل قِصَاصًا، فَكَأَنَّهُ سَفَكَ دَمه.
وَكَذَلِكَ لَا يَزْنِي وَلَا يَرْتَدّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبِيح الدَّم.
وَلَا يُفْسِد فَيُنْفَى، فَيَكُون قَدْ أَخْرَجَ نَفْسه مِنْ دِيَاره.
وَهَذَا تَأْوِيل فِيهِ بُعْد وَإِنْ كَانَ صَحِيح الْمَعْنَى.
وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْر أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة مِيثَاقًا أَلَّا يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا، وَلَا يَنْفِيه وَلَا يَسْتَرِقّهُ، وَلَا يَدَعهُ يَسْرِق، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَات.
قُلْت : وَهَذَا كُلّه مُحَرَّم عَلَيْنَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كُلّه بِالْفِتَنِ فِينَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! وَفِي التَّنْزِيل :" أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعًا وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض " [ الْأَنْعَام : ٦٥ ] وَسَيَأْتِي.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ الظَّاهِر، لَا يَقْتُل الْإِنْسَان نَفْسه، وَلَا يَخْرُج مِنْ دَاره سَفَهًا، كَمَا تَقْتُل الْهِنْد أَنْفُسهَا.
أَوْ يَقْتُل الْإِنْسَان نَفْسه مِنْ جَهْد وَبَلَاء يُصِيبهُ، أَوْ يَهِيم فِي الصَّحْرَاء وَلَا يَأْوِي الْبُيُوت جَهْلًا فِي دِيَانَته وَسَفَهًا فِي حِلْمه، فَهُوَ عُمُوم فِي جَمِيع ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَان بْن مَظْعُون بَايَعَ فِي عَشَرَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَزَمُوا أَنْ يَلْبَسُوا الْمُسُوح، وَأَنْ يَهِيمُوا فِي الصَّحْرَاء وَلَا يَأْوُوا الْبُيُوت، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْم وَلَا يَغْشُوا النِّسَاء، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ إِلَى دَار عُثْمَان بْن مَظْعُون فَلَمْ يَجِدهُ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ :( مَا حَدِيث بَلَغَنِي عَنْ عُثْمَان ) ؟ وَكَرِهَتْ أَنْ تُفْشِي سِرّ زَوْجهَا، وَأَنْ تَكْذِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَك شَيْء فَهُوَ كَمَا بَلَغَك، فَقَالَ :( قُولِي لِعُثْمَان أَخِلَاف لِسُنَّتِي أَمْ عَلَى غَيْر مِلَّتِي إِنِّي أُصَلِّي وَأَنَام وَأَصُوم وَأُفْطِر وَأَغْشَى النِّسَاء وَآوِي الْبُيُوت وَآكُل اللَّحْم فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) فَرَجَعَ عُثْمَان وَأَصْحَابه عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَلَا تُخْرِجُونَ
مَعْطُوف.
مَعْطُوف.
أَنْفُسَكُمْ
النَّفْس مَأْخُوذَة مِنْ النَّفَاسَة، فَنَفْس الْإِنْسَان أَشْرَف مَا فِيهِ.
النَّفْس مَأْخُوذَة مِنْ النَّفَاسَة، فَنَفْس الْإِنْسَان أَشْرَف مَا فِيهِ.
مِنْ دِيَارِكُمْ
وَالدَّار : الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ أَبْنِيَة الْمَقَام بِخِلَافِ مَنْزِل الِارْتِحَال.
وَقَالَ الْخَلِيل : كُلّ مَوْضِع حَلَّهُ قَوْم فَهُوَ دَار لَهُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ أَبْنِيَة.
وَقِيلَ : سُمِّيَتْ دَارًا لِدَوْرِهَا عَلَى سُكَّانهَا، كَمَا سُمِّيَ الْحَائِط حَائِطًا لِإِحَاطَتِهِ عَلَى مَا يَحْوِيه.
وَالدَّار : الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ أَبْنِيَة الْمَقَام بِخِلَافِ مَنْزِل الِارْتِحَال.
وَقَالَ الْخَلِيل : كُلّ مَوْضِع حَلَّهُ قَوْم فَهُوَ دَار لَهُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ أَبْنِيَة.
وَقِيلَ : سُمِّيَتْ دَارًا لِدَوْرِهَا عَلَى سُكَّانهَا، كَمَا سُمِّيَ الْحَائِط حَائِطًا لِإِحَاطَتِهِ عَلَى مَا يَحْوِيه.
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ
مِنْ الْإِقْرَار، أَيْ بِهَذَا الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَوَائِلكُمْ.
مِنْ الْإِقْرَار، أَيْ بِهَذَا الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَوَائِلكُمْ.
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
مِنْ الشَّهَادَة، أَيْ شُهَدَاء بِقُلُوبِكُمْ عَلَى هَذَا وَقِيلَ : الشَّهَادَة بِمَعْنَى الْحُضُور، أَيْ تَحْضُرُونَ سَفْك دِمَائِكُمْ، وَإِخْرَاج أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ.
مِنْ الشَّهَادَة، أَيْ شُهَدَاء بِقُلُوبِكُمْ عَلَى هَذَا وَقِيلَ : الشَّهَادَة بِمَعْنَى الْحُضُور، أَيْ تَحْضُرُونَ سَفْك دِمَائِكُمْ، وَإِخْرَاج أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ.
ثُمَّ أَنْتُمْ
" أَنْتُمْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَلَا يُعْرَب ; لِأَنَّهُ مُضْمَر.
وَضُمَّتْ التَّاء مِنْ " أَنْتُمْ " لِأَنَّهَا كَانَتْ مَفْتُوحَة إِذَا خَاطَبْت وَاحِدًا مُذَكَّرًا، وَمَكْسُورَة إِذَا خَاطَبْت وَاحِدَة مُؤَنَّثَة، فَلَمَّا ثُنِّيَتْ أَوْ جُمِعَتْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الضَّمَّة.
" أَنْتُمْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَلَا يُعْرَب ; لِأَنَّهُ مُضْمَر.
وَضُمَّتْ التَّاء مِنْ " أَنْتُمْ " لِأَنَّهَا كَانَتْ مَفْتُوحَة إِذَا خَاطَبْت وَاحِدًا مُذَكَّرًا، وَمَكْسُورَة إِذَا خَاطَبْت وَاحِدَة مُؤَنَّثَة، فَلَمَّا ثُنِّيَتْ أَوْ جُمِعَتْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الضَّمَّة.
هَؤُلَاءِ
قَالَ الْقُتَبِيّ : التَّقْدِير يَا هَؤُلَاءِ.
قَالَ النَّحَّاس : هَذَا خَطَأ عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ، وَلَا يَجُوز هَذَا أَقْبِلْ.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَؤُلَاءِ بِمَعْنَى الَّذِينَ.
قَالَ الْقُتَبِيّ : التَّقْدِير يَا هَؤُلَاءِ.
قَالَ النَّحَّاس : هَذَا خَطَأ عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ، وَلَا يَجُوز هَذَا أَقْبِلْ.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَؤُلَاءِ بِمَعْنَى الَّذِينَ.
تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ
دَاخِل فِي الصِّلَة، أَيْ ثُمَّ أَنْتُمْ الَّذِينَ تَقْتُلُونَ.
وَقِيلَ :" هَؤُلَاءِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، و " أَنْتُمْ " خَبَر مُقَدَّم، و " تَقْتُلُونَ " حَال مِنْ أُولَاءِ.
وَقِيلَ :" هَؤُلَاءِ " نُصِبَ بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " تُقَتِّلُونَ " بِضَمِّ التَّاء مُشَدَّدًا، وَكَذَلِكَ " فَلِمَ تُقَتِّلُونَ أَنْبِيَاء اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٩١ ].
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَاب لِلْمُوَاجَهِينَ لَا يُحْتَمَل رَدّه إِلَى الْأَسْلَاف.
نَزَلَتْ فِي بَنِي قَيْنُقَاع وَقُرَيْظَة وَالنَّضِير مِنْ الْيَهُود، وَكَانَتْ بَنُو قَيْنُقَاع أَعْدَاء قُرَيْظَة، وَكَانَتْ الْأَوْس حُلَفَاء بَنِي قَيْنُقَاع، وَالْخَزْرَج حُلَفَاء بَنِي قُرَيْظَة.
وَالنَّضِير وَالْأَوْس وَالْخَزْرَج إِخْوَان، وَقُرَيْظَة وَالنَّضِير أَيْضًا إِخْوَان، ثُمَّ اِفْتَرَقُوا فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ، ثُمَّ يَرْتَفِع الْحَرْب فَيَفْدُونَ أَسْرَاهُمْ، فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ فَقَالَ :" وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ".
دَاخِل فِي الصِّلَة، أَيْ ثُمَّ أَنْتُمْ الَّذِينَ تَقْتُلُونَ.
وَقِيلَ :" هَؤُلَاءِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، و " أَنْتُمْ " خَبَر مُقَدَّم، و " تَقْتُلُونَ " حَال مِنْ أُولَاءِ.
وَقِيلَ :" هَؤُلَاءِ " نُصِبَ بِإِضْمَارِ أَعْنِي.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " تُقَتِّلُونَ " بِضَمِّ التَّاء مُشَدَّدًا، وَكَذَلِكَ " فَلِمَ تُقَتِّلُونَ أَنْبِيَاء اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٩١ ].
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَاب لِلْمُوَاجَهِينَ لَا يُحْتَمَل رَدّه إِلَى الْأَسْلَاف.
نَزَلَتْ فِي بَنِي قَيْنُقَاع وَقُرَيْظَة وَالنَّضِير مِنْ الْيَهُود، وَكَانَتْ بَنُو قَيْنُقَاع أَعْدَاء قُرَيْظَة، وَكَانَتْ الْأَوْس حُلَفَاء بَنِي قَيْنُقَاع، وَالْخَزْرَج حُلَفَاء بَنِي قُرَيْظَة.
وَالنَّضِير وَالْأَوْس وَالْخَزْرَج إِخْوَان، وَقُرَيْظَة وَالنَّضِير أَيْضًا إِخْوَان، ثُمَّ اِفْتَرَقُوا فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ، ثُمَّ يَرْتَفِع الْحَرْب فَيَفْدُونَ أَسْرَاهُمْ، فَعَيَّرَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ فَقَالَ :" وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ".
تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ
مَعْنَى " تَظَاهَرُونَ " تَتَعَاوَنُونَ، مُشْتَقّ مِنْ الظَّهْر ; لِأَنَّ بَعْضهمْ يُقَوِّي بَعْضًا فَيَكُون لَهُ كَالظَّهْرِ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل مَكَّة " تَظَّاهَرُونَ " بِالتَّشْدِيدِ، يُدْغِمُونَ التَّاء فِي الظَّاء لِقُرْبِهَا مِنْهَا، وَالْأَصْل تَتَظَاهَرُونَ.
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَظَاهَرُونَ " مُخَفَّفًا، حَذَفُوا التَّاء الثَّانِيَة لِدَلَالَةِ الْأُولَى عَلَيْهَا، وَكَذَا " وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ " [ التَّحْرِيم : ٤ ].
وَقَرَأَ قَتَادَة " تَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ " وَكُلّه رَاجِع إِلَى مَعْنَى التَّعَاوُن، وَمِنْهُ :" وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا " [ الْفُرْقَان : ٥٥ ] وَقَوْله :" وَالْمَلَائِكَة بَعْد ذَلِكَ ظَهِير " [ التَّحْرِيم : ٤ ] فَاعْلَمْهُ.
مَعْنَى " تَظَاهَرُونَ " تَتَعَاوَنُونَ، مُشْتَقّ مِنْ الظَّهْر ; لِأَنَّ بَعْضهمْ يُقَوِّي بَعْضًا فَيَكُون لَهُ كَالظَّهْرِ، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| تَظَاهَرْتُمْ أَسْتَاه بَيْت تَجَمَّعَتْ | عَلَى وَاحِد لَا زِلْتُمْ قِرْن وَاحِد |
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَظَاهَرُونَ " مُخَفَّفًا، حَذَفُوا التَّاء الثَّانِيَة لِدَلَالَةِ الْأُولَى عَلَيْهَا، وَكَذَا " وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ " [ التَّحْرِيم : ٤ ].
وَقَرَأَ قَتَادَة " تَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ " وَكُلّه رَاجِع إِلَى مَعْنَى التَّعَاوُن، وَمِنْهُ :" وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا " [ الْفُرْقَان : ٥٥ ] وَقَوْله :" وَالْمَلَائِكَة بَعْد ذَلِكَ ظَهِير " [ التَّحْرِيم : ٤ ] فَاعْلَمْهُ.
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَالْإِثْم : الْفِعْل الَّذِي يَسْتَحِقّ عَلَيْهِ صَاحِبه الذَّمّ.
وَالْعُدْوَان : الْإِفْرَاط فِي الظُّلْم وَالتَّجَاوُز فِيهِ.
وَالْإِثْم : الْفِعْل الَّذِي يَسْتَحِقّ عَلَيْهِ صَاحِبه الذَّمّ.
وَالْعُدْوَان : الْإِفْرَاط فِي الظُّلْم وَالتَّجَاوُز فِيهِ.
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى
شَرْط وَجَوَابه :" تُفَادُوهُمْ " و " أُسَارَى " نُصِبَ عَلَى الْحَال.
قَالَ أَبُو عُبَيْد وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول : مَا صَارَ فِي أَيْدِيهمْ فَهُمْ الْأُسَارَى، وَمَا جَاءَ مُسْتَأْسَرًا فَهُمْ الْأَسْرَى.
وَلَا يَعْرِف أَهْل اللُّغَة مَا قَالَ أَبُو عَمْرو، إِنَّمَا هُوَ كَمَا تَقُول : سُكَارَى وَسَكْرَى.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " أُسَارَى " مَا عَدَا حَمْزَة فَإِنَّهُ قَرَأَ " أَسْرَى " عَلَى فَعْلَى، جَمْع أَسِير بِمَعْنَى مَأْسُور، وَالْبَاب - فِي تَكْسِيره إِذَا كَانَ كَذَلِكَ - فَعْلَى، كَمَا تَقُول : قَتِيل وَقَتْلَى، وَجَرِيح وَجَرْحَى.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَلَا يَجُوز أَسَارَى.
وَقَالَ الزَّجَّاج : يُقَال أَسَارَى كَمَا يُقَال سَكَارَى، وَفُعَالَى هُوَ الْأَصْل، وَفَعَالَى دَاخِلَة عَلَيْهَا.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : يُقَال أَسِير وَأُسَرَاء، كَظَرِيفٍ وَظُرَفَاء.
قَالَ اِبْن فَارِس : يُقَال فِي جَمْع أَسِير أَسْرَى وَأُسَارَى، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَقِيلَ : أَسَارَى ( بِفَتْحِ الْهَمْزَة ) وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ.
الْأَسِير مُشْتَقّ مِنْ الْإِسَار، وَهُوَ الْقِدّ الَّذِي يُشَدّ بِهِ الْمَحْمِل فَسُمِّيَ أَسِيرًا ; لِأَنَّهُ يُشَدّ وَثَاقه، وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ أَسَرَ قَتَبه، أَيْ شَدَّهُ، ثُمَّ سُمِّيَ كُلّ أَخِيذ أَسِيرًا وَإِنْ لَمْ يُؤْسَر، وَقَالَ الْأَعْشَى :
أَيْ أَنَا فِي بَيْته، يُرِيد ذَلِكَ بُلُوغه النِّهَايَة فِيهِ.
فَأَمَّا الْأَسْر فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَشَدَدْنَا أَسْرهمْ " [ الْإِنْسَان : ٢٨ ] فَهُوَ الْخَلْق.
وَأُسْرَة الرَّجُل رَهْطه ; لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِهِمْ.
شَرْط وَجَوَابه :" تُفَادُوهُمْ " و " أُسَارَى " نُصِبَ عَلَى الْحَال.
قَالَ أَبُو عُبَيْد وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول : مَا صَارَ فِي أَيْدِيهمْ فَهُمْ الْأُسَارَى، وَمَا جَاءَ مُسْتَأْسَرًا فَهُمْ الْأَسْرَى.
وَلَا يَعْرِف أَهْل اللُّغَة مَا قَالَ أَبُو عَمْرو، إِنَّمَا هُوَ كَمَا تَقُول : سُكَارَى وَسَكْرَى.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " أُسَارَى " مَا عَدَا حَمْزَة فَإِنَّهُ قَرَأَ " أَسْرَى " عَلَى فَعْلَى، جَمْع أَسِير بِمَعْنَى مَأْسُور، وَالْبَاب - فِي تَكْسِيره إِذَا كَانَ كَذَلِكَ - فَعْلَى، كَمَا تَقُول : قَتِيل وَقَتْلَى، وَجَرِيح وَجَرْحَى.
قَالَ أَبُو حَاتِم : وَلَا يَجُوز أَسَارَى.
وَقَالَ الزَّجَّاج : يُقَال أَسَارَى كَمَا يُقَال سَكَارَى، وَفُعَالَى هُوَ الْأَصْل، وَفَعَالَى دَاخِلَة عَلَيْهَا.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : يُقَال أَسِير وَأُسَرَاء، كَظَرِيفٍ وَظُرَفَاء.
قَالَ اِبْن فَارِس : يُقَال فِي جَمْع أَسِير أَسْرَى وَأُسَارَى، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَقِيلَ : أَسَارَى ( بِفَتْحِ الْهَمْزَة ) وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ.
الْأَسِير مُشْتَقّ مِنْ الْإِسَار، وَهُوَ الْقِدّ الَّذِي يُشَدّ بِهِ الْمَحْمِل فَسُمِّيَ أَسِيرًا ; لِأَنَّهُ يُشَدّ وَثَاقه، وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ أَسَرَ قَتَبه، أَيْ شَدَّهُ، ثُمَّ سُمِّيَ كُلّ أَخِيذ أَسِيرًا وَإِنْ لَمْ يُؤْسَر، وَقَالَ الْأَعْشَى :
| وَقَيَّدَنِي الشِّعْر فِي بَيْته | كَمَا قَيَّدَ الْآسِرَات الْحِمَارَا |
فَأَمَّا الْأَسْر فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" وَشَدَدْنَا أَسْرهمْ " [ الْإِنْسَان : ٢٨ ] فَهُوَ الْخَلْق.
وَأُسْرَة الرَّجُل رَهْطه ; لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِهِمْ.
تُفَادُوهُمْ
كَذَا قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ.
وَالْبَاقُونَ " تَفْدُوهُمْ " مِنْ الْفِدَاء.
وَالْفِدَاء : طَلَب الْفِدْيَة فِي الْأَسِير الَّذِي فِي أَيْدِيهمْ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" الْفِدَاء إِذَا كُسِرَ أَوَّله يُمَدّ وَيُقْصَر، وَإِذَا فُتِحَ فَهُوَ مَقْصُور، يُقَال : قُمْ فَدًى لَك أَبِي.
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَكْسِر " فِدَاء " بِالتَّنْوِينِ إِذَا جَاوَرَ لَام الْجَرّ خَاصَّة، فَيَقُول : فِدَاء لَك، لِأَنَّهُ نَكِرَة يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الدُّعَاء.
وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيّ لِلنَّابِغَةِ :
وَيُقَال : فَدَاهُ وَفَادَاهُ إِذَا أَعْطَى فِدَاءَهُ فَأَنْقَذَهُ.
وَفَدَاهُ بِنَفْسِهِ، وَفَدَاهُ يَفْدِيه إِذَا قَالَ جُعِلْت فِدَاك.
وَتَفَادَوْا، أَيْ فَدَى بَعْضهمْ بَعْضًا ".
وَالْفِدْيَة وَالْفِدَى وَالْفِدَاء كُلّه بِمَعْنًى وَاحِد.
وَفَادَيْت نَفْسِي إِذَا أَطْلَقْتهَا بَعْد أَنْ دَفَعْت شَيْئًا، بِمَعْنَى فَدَيْت، وَمِنْهُ قَوْل الْعَبَّاس لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَادَيْت نَفْسِي وَفَادَيْت عَقِيلًا.
وَهُمَا فِعْلَانِ يَتَعَدَّيَانِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا بِحَرْفِ الْجَرّ، تَقُول : فَدَيْت نَفْسِي بِمَالِي وَفَادَيْته بِمَالِي، قَالَ الشَّاعِر :
كَذَا قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ.
وَالْبَاقُونَ " تَفْدُوهُمْ " مِنْ الْفِدَاء.
وَالْفِدَاء : طَلَب الْفِدْيَة فِي الْأَسِير الَّذِي فِي أَيْدِيهمْ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ :" الْفِدَاء إِذَا كُسِرَ أَوَّله يُمَدّ وَيُقْصَر، وَإِذَا فُتِحَ فَهُوَ مَقْصُور، يُقَال : قُمْ فَدًى لَك أَبِي.
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَكْسِر " فِدَاء " بِالتَّنْوِينِ إِذَا جَاوَرَ لَام الْجَرّ خَاصَّة، فَيَقُول : فِدَاء لَك، لِأَنَّهُ نَكِرَة يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الدُّعَاء.
وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيّ لِلنَّابِغَةِ :
| مَهْلًا فِدَاء لَك الْأَقْوَام كُلّهمْ | وَمَا أُثَمِّر مِنْ مَال وَمِنْ وَلَد |
وَفَدَاهُ بِنَفْسِهِ، وَفَدَاهُ يَفْدِيه إِذَا قَالَ جُعِلْت فِدَاك.
وَتَفَادَوْا، أَيْ فَدَى بَعْضهمْ بَعْضًا ".
وَالْفِدْيَة وَالْفِدَى وَالْفِدَاء كُلّه بِمَعْنًى وَاحِد.
وَفَادَيْت نَفْسِي إِذَا أَطْلَقْتهَا بَعْد أَنْ دَفَعْت شَيْئًا، بِمَعْنَى فَدَيْت، وَمِنْهُ قَوْل الْعَبَّاس لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَادَيْت نَفْسِي وَفَادَيْت عَقِيلًا.
وَهُمَا فِعْلَانِ يَتَعَدَّيَانِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا بِحَرْفِ الْجَرّ، تَقُول : فَدَيْت نَفْسِي بِمَالِي وَفَادَيْته بِمَالِي، قَالَ الشَّاعِر :
| قِفِي فَادِي أَسِيرك إِنَّ قَوْمِي | وَقَوْمك مَا أَرَى لَهُمْ اِجْتِمَاعًا |
| فَهْوَ لَا تَنْمِي رَمِيَّته | مَا لَهُ لَا عُدَّ مِنْ نَفَره |
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَة عُهُود : تَرْك الْقَتْل، وَتَرْك الْإِخْرَاج، وَتَرْك الْمُظَاهَرَة، وَفِدَاء أُسَارَاهُمْ، فَأَعْرَضُوا عَنْ كُلّ مَا أُمِرُوا بِهِ إِلَّا الْفِدَاء، فَوَبَّخَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ :" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب " [ الْبَقَرَة : ٨٥ ] وَهُوَ التَّوْرَاة " وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ " [ الْبَقَرَة : ٨٥ ] ! !
قُلْت : وَلَعَمْر اللَّه لَقَدْ أَعْرَضْنَا نَحْنُ عَنْ الْجَمِيع بِالْفِتَنِ فَتَظَاهَرَ بَعْضنَا عَلَى بَعْض ! لَيْتَ بِالْمُسْلِمِينَ، بَلْ بِالْكَافِرِينَ ! حَتَّى تَرَكْنَا إِخْوَاننَا أَذِلَّاء صَاغِرِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْم الْمُشْرِكِينَ، فَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم !.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِدَاء الْأُسَارَى وَاجِب وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَم وَاحِد.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : تَضَمَّنَتْ الْآيَة وُجُوب فَكّ الْأَسْرَى، وَبِذَلِكَ وَرَدَتْ الْآثَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَكَّ الْأُسَارَى وَأَمَرَ بِفَكِّهِمْ، وَجَرَى بِذَلِكَ عَمَل الْمُسْلِمِينَ وَانْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاع.
وَيَجِب فَكّ الْأُسَارَى مِنْ بَيْت الْمَال، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ فَرْض عَلَى كَافَّة الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ قَامَ بِهِ مِنْهُمْ أَسْقَطَ الْفَرْض عَنْ الْبَاقِينَ.
وَسَيَأْتِي.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَة عُهُود : تَرْك الْقَتْل، وَتَرْك الْإِخْرَاج، وَتَرْك الْمُظَاهَرَة، وَفِدَاء أُسَارَاهُمْ، فَأَعْرَضُوا عَنْ كُلّ مَا أُمِرُوا بِهِ إِلَّا الْفِدَاء، فَوَبَّخَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ :" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب " [ الْبَقَرَة : ٨٥ ] وَهُوَ التَّوْرَاة " وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ " [ الْبَقَرَة : ٨٥ ] ! !
قُلْت : وَلَعَمْر اللَّه لَقَدْ أَعْرَضْنَا نَحْنُ عَنْ الْجَمِيع بِالْفِتَنِ فَتَظَاهَرَ بَعْضنَا عَلَى بَعْض ! لَيْتَ بِالْمُسْلِمِينَ، بَلْ بِالْكَافِرِينَ ! حَتَّى تَرَكْنَا إِخْوَاننَا أَذِلَّاء صَاغِرِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْم الْمُشْرِكِينَ، فَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم !.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِدَاء الْأُسَارَى وَاجِب وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَم وَاحِد.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : تَضَمَّنَتْ الْآيَة وُجُوب فَكّ الْأَسْرَى، وَبِذَلِكَ وَرَدَتْ الْآثَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَكَّ الْأُسَارَى وَأَمَرَ بِفَكِّهِمْ، وَجَرَى بِذَلِكَ عَمَل الْمُسْلِمِينَ وَانْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاع.
وَيَجِب فَكّ الْأُسَارَى مِنْ بَيْت الْمَال، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ فَرْض عَلَى كَافَّة الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ قَامَ بِهِ مِنْهُمْ أَسْقَطَ الْفَرْض عَنْ الْبَاقِينَ.
وَسَيَأْتِي.
فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْخِزْي الْهَوَان.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَخَزِيَ - بِالْكَسْرِ - يُخْزَى خِزْيًا إِذَا ذَلَّ وَهَانَ.
قَالَ اِبْن السِّكِّيت : وَقَعَ فِي بَلِيَّة.
وَأَخْزَاهُ اللَّه، وَخَزِيَ أَيْضًا يَخْزَى خِزَايَة إِذَا اِسْتَحْيَا، فَهُوَ خَزْيَان.
وَقَوْم خَزَايَا وَامْرَأَة خَزْيَا.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَالْخِزْي الْهَوَان.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَخَزِيَ - بِالْكَسْرِ - يُخْزَى خِزْيًا إِذَا ذَلَّ وَهَانَ.
قَالَ اِبْن السِّكِّيت : وَقَعَ فِي بَلِيَّة.
وَأَخْزَاهُ اللَّه، وَخَزِيَ أَيْضًا يَخْزَى خِزَايَة إِذَا اِسْتَحْيَا، فَهُوَ خَزْيَان.
وَقَوْم خَزَايَا وَامْرَأَة خَزْيَا.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
" يُرَدُّونَ " بِالْيَاءِ قِرَاءَة الْعَامَّة، وَقَرَأَ الْحَسَن " تُرَدُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب.
و " يَوْم " مَنْصُوب ب " يُرَدُّونَ ".
" يُرَدُّونَ " بِالْيَاءِ قِرَاءَة الْعَامَّة، وَقَرَأَ الْحَسَن " تُرَدُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب.
و " يَوْم " مَنْصُوب ب " يُرَدُّونَ ".
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
" بِغَافِلٍ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَعَلَى لُغَة تَمِيم فِي مَوْضِع رَفْع.
وَالْيَاء تَوْكِيد " عَمَّا تَعْمَلُونَ " أَيْ عَنْ عَمَلكُمْ حَتَّى لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ، " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " [ الزَّلْزَلَة : ٧، ٨ ] وَلَا تَحْتَاج " مَا " إِلَى عَائِد إِلَّا أَنْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي فَيَحْذِف الْعَائِد لِطُولِ الِاسْم، أَيْ عَنْ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " يَعْمَلُونَ " بِالْيَاءِ،
" بِغَافِلٍ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَعَلَى لُغَة تَمِيم فِي مَوْضِع رَفْع.
وَالْيَاء تَوْكِيد " عَمَّا تَعْمَلُونَ " أَيْ عَنْ عَمَلكُمْ حَتَّى لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ، " فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ.
وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ " [ الزَّلْزَلَة : ٧، ٨ ] وَلَا تَحْتَاج " مَا " إِلَى عَائِد إِلَّا أَنْ يَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي فَيَحْذِف الْعَائِد لِطُولِ الِاسْم، أَيْ عَنْ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " يَعْمَلُونَ " بِالْيَاءِ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
قَالَ سِيبَوَيْهِ : ضُمَّتْ الْوَاو فِي " اِشْتَرَوُا " فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن الْوَاو الْأَصْلِيَّة، نَحْو :" وَأَنْ لَوْ اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة ".
[ الْجِنّ : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : الضَّمَّة فِي الْوَاو أَخَفّ مِنْ غَيْرهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج : حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا فُعِلَ فِي " نَحْنُ ".
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَيَحْيَى بْن يَعْمَر بِكَسْرِ الْوَاو عَلَى أَصْل اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ.
وَرَوَى أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ عَنْ قَعْنَب أَبِي السَّمَّال الْعَدَوِيّ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاو لِخِفَّةِ الْفَتْحَة وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلهَا مَفْتُوحًا.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ هَمْز الْوَاو وَضَمّهَا كَأَدْؤُر.
وَاشْتَرَوْا : مِنْ الشِّرَاء.
وَالشِّرَاء هُنَا مُسْتَعَار.
وَالْمَعْنَى اِسْتَحَبُّوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان، كَمَا قَالَ :" فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ ; لِأَنَّ الشِّرَاء إِنَّمَا يَكُون فِيمَا يُحِبّهُ مُشْتَرِيه.
فَأَمَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى شِرَاء الْمُعَاوَضَة فَلَا ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُونَ إِيمَانهمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى.
وَمَعْنَاهُ اِسْتَبْدَلُوا وَاخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاء تَوَسُّعًا ; لِأَنَّ الشِّرَاء وَالتِّجَارَة رَاجِعَانِ إِلَى الِاسْتِبْدَال، وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ فِي كُلّ مَنْ اِسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
قَالَ سِيبَوَيْهِ : ضُمَّتْ الْوَاو فِي " اِشْتَرَوُا " فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن الْوَاو الْأَصْلِيَّة، نَحْو :" وَأَنْ لَوْ اِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة ".
[ الْجِنّ : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : الضَّمَّة فِي الْوَاو أَخَفّ مِنْ غَيْرهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج : حُرِّكَتْ بِالضَّمِّ كَمَا فُعِلَ فِي " نَحْنُ ".
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَيَحْيَى بْن يَعْمَر بِكَسْرِ الْوَاو عَلَى أَصْل اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ.
وَرَوَى أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ عَنْ قَعْنَب أَبِي السَّمَّال الْعَدَوِيّ أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاو لِخِفَّةِ الْفَتْحَة وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلهَا مَفْتُوحًا.
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ هَمْز الْوَاو وَضَمّهَا كَأَدْؤُر.
وَاشْتَرَوْا : مِنْ الشِّرَاء.
وَالشِّرَاء هُنَا مُسْتَعَار.
وَالْمَعْنَى اِسْتَحَبُّوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان، كَمَا قَالَ :" فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى " [ فُصِّلَتْ : ١٧ ] فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشِّرَاءِ ; لِأَنَّ الشِّرَاء إِنَّمَا يَكُون فِيمَا يُحِبّهُ مُشْتَرِيه.
فَأَمَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى شِرَاء الْمُعَاوَضَة فَلَا ; لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَيَبِيعُونَ إِيمَانهمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى.
وَمَعْنَاهُ اِسْتَبْدَلُوا وَاخْتَارُوا الْكُفْر عَلَى الْإِيمَان.
وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاء تَوَسُّعًا ; لِأَنَّ الشِّرَاء وَالتِّجَارَة رَاجِعَانِ إِلَى الِاسْتِبْدَال، وَالْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ فِي كُلّ مَنْ اِسْتَبْدَلَ شَيْئًا بِشَيْءٍ.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
| فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْت أَجْهَل فِيكُمْ | فَإِنِّي شَرَيْت الْحِلْم بَعْدك بِالْجَهْلِ |
| وَجِبْرِيل رَسُول اللَّه فِينَا | وَرُوح الْقُدُس لَيْسَ بِهِ خَفَاء |
وَرَوَى غَالِب بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُجَاهِد قَالَ : الْقُدُس هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَذَا قَالَ الْحَسَن : الْقُدُس هُوَ اللَّه، وَرُوحه جِبْرِيل.
وَرَوَى أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس :" بِرُوحِ الْقُدُس " قَالَ : هُوَ الِاسْم الَّذِي كَانَ يُحْيِي بِهِ عِيسَى الْمَوْتَى، وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعُبَيْد بْن عُمَيْر، وَهُوَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم.
وَقِيلَ : الْمُرَاد الْإِنْجِيل، سَمَّاهُ رُوحًا كَمَا سَمَّى اللَّه الْقُرْآن رُوحًا فِي قَوْله تَعَالَى :" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا " [ الشُّورَى : ٥٢ ].
وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَالْقُدُس : الطَّهَارَة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
أَيْ بِمَا لَا يُوَافِقهَا وَيُلَائِمهَا، وَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم، أَيْ بِمَا لَا تَهْوَاهُ.
أَيْ بِمَا لَا يُوَافِقهَا وَيُلَائِمهَا، وَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم، أَيْ بِمَا لَا تَهْوَاهُ.
اسْتَكْبَرْتُمْ
عَنْ إِجَابَته اِحْتِقَارًا لِلرُّسُلِ، وَاسْتِبْعَادًا لِلرِّسَالَةِ.
وَأَصْل الْهَوَى الْمَيْل إِلَى الشَّيْء، وَيُجْمَع أَهْوَاء، كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل، وَلَا يُجْمَع أَهْوِيَة، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا فِي نَدًى أَنْدِيَة، قَالَ الشَّاعِر :
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَهُوَ شَاذّ وَسُمِّيَ الْهَوَى هَوًى لِأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ إِلَى النَّار، وَلِذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَل فِي الْغَالِب إِلَّا فِيمَا لَيْسَ بِحَقٍّ وَفِيمَا لَا خَيْر فِيهِ، وَهَذِهِ الْآيَة مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْحَقّ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أُسَارَى بَدْر : فَهَوِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْر وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت.
وَقَالَتْ عَائِشَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح الْحَدِيث : وَاَللَّه مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك.
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
عَنْ إِجَابَته اِحْتِقَارًا لِلرُّسُلِ، وَاسْتِبْعَادًا لِلرِّسَالَةِ.
وَأَصْل الْهَوَى الْمَيْل إِلَى الشَّيْء، وَيُجْمَع أَهْوَاء، كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل، وَلَا يُجْمَع أَهْوِيَة، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا فِي نَدًى أَنْدِيَة، قَالَ الشَّاعِر :
| فِي لَيْلَة مِنْ جُمَادَى ذَات أَنْدِيَة | لَا يُبْصِر الْكَلْب فِي ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا |
وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الْحَقّ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أُسَارَى بَدْر : فَهَوِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْر وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت.
وَقَالَتْ عَائِشَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيح الْحَدِيث : وَاَللَّه مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك.
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ
" فَفَرِيقًا " مَنْصُوب ب " كَذَّبْتُمْ "، وَكَذَا " وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ "
" فَفَرِيقًا " مَنْصُوب ب " كَذَّبْتُمْ "، وَكَذَا " وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ "
وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
فَكَانَ مِمَّنْ كَذَّبُوهُ عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَمِمَّنْ قَتَلُوهُ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " سُبْحَان " [ الْإِسْرَاء ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَكَانَ مِمَّنْ كَذَّبُوهُ عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَمِمَّنْ قَتَلُوهُ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " سُبْحَان " [ الْإِسْرَاء ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالُوا
يَعْنِي الْيَهُود
يَعْنِي الْيَهُود
قُلُوبُنَا غُلْفٌ
بِسُكُونِ اللَّام جَمْع أَغْلَف، أَيْ عَلَيْهَا أَغْطِيَة.
وَهُوَ مِثْل قَوْله :" قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ " [ فُصِّلَتْ : ٥ ] أَيْ فِي أَوْعِيَة.
قَالَ مُجَاهِد :" غُلْف " عَلَيْهَا غِشَاوَة.
وَقَالَ عِكْرِمَة : عَلَيْهَا طَابَع.
وَحَكَى أَهْل اللُّغَة غَلَّفْت السَّيْف جَعَلْت لَهُ غِلَافًا، فَقَلْب أَغْلَف، أَيْ مَسْتُور عَنْ الْفَهْم وَالتَّمْيِيز.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالْأَعْرَج وَابْن مُحَيْصِن " غُلُف " بِضَمِّ اللَّام.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ قُلُوبنَا مُمْتَلِئَة عِلْمًا لَا تَحْتَاج إِلَى عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْره.
وَقِيلَ : هُوَ جَمْع غِلَاف.
مِثْل خِمَار وَخُمُر، أَيْ قُلُوبنَا أَوْعِيَة لِلْعِلْمِ فَمَا بَالهَا لَا تَفْهَم عَنْك وَقَدْ وَعَيْنَا عِلْمًا كَثِيرًا ! وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَكَيْف يَعْزُب عَنْهَا عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بِسُكُونِ اللَّام جَمْع أَغْلَف، أَيْ عَلَيْهَا أَغْطِيَة.
وَهُوَ مِثْل قَوْله :" قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ " [ فُصِّلَتْ : ٥ ] أَيْ فِي أَوْعِيَة.
قَالَ مُجَاهِد :" غُلْف " عَلَيْهَا غِشَاوَة.
وَقَالَ عِكْرِمَة : عَلَيْهَا طَابَع.
وَحَكَى أَهْل اللُّغَة غَلَّفْت السَّيْف جَعَلْت لَهُ غِلَافًا، فَقَلْب أَغْلَف، أَيْ مَسْتُور عَنْ الْفَهْم وَالتَّمْيِيز.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَالْأَعْرَج وَابْن مُحَيْصِن " غُلُف " بِضَمِّ اللَّام.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ قُلُوبنَا مُمْتَلِئَة عِلْمًا لَا تَحْتَاج إِلَى عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْره.
وَقِيلَ : هُوَ جَمْع غِلَاف.
مِثْل خِمَار وَخُمُر، أَيْ قُلُوبنَا أَوْعِيَة لِلْعِلْمِ فَمَا بَالهَا لَا تَفْهَم عَنْك وَقَدْ وَعَيْنَا عِلْمًا كَثِيرًا ! وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَكَيْف يَعْزُب عَنْهَا عِلْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ
بَيَّنَ أَنَّ السَّبَب فِي نُفُورهمْ عَنْ الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ أَنَّهُمْ لُعِنُوا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرهمْ وَاجْتِرَائِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الْجَزَاء عَلَى الذَّنْب بِأَعْظَم مِنْهُ.
وَأَصْل اللَّعْن فِي كَلَام الْعَرَب الطَّرْد وَالْإِبْعَاد.
وَيُقَال لِلذِّئْبِ : لَعِين.
وَلِلرَّجُلِ الطَّرِيد : لَعِين، وَقَالَ الشَّمَّاخ :
وَوَجْه الْكَلَام : مَقَام الذِّئْب اللَّعِين كَالرَّجُلِ، فَالْمَعْنَى أَبْعَدَهُمْ اللَّه مِنْ رَحْمَته.
وَقِيلَ : مِنْ تَوْفِيقه وَهِدَايَته.
وَقِيلَ : مِنْ كُلّ خَيْر، وَهَذَا عَامّ.
" فَقَلِيلًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، تَقْدِيره فَإِيمَانًا قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ مَعْمَر : الْمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، وَيَكُون " قَلِيلًا " مَنْصُوب بِنَزْعِ حَرْف الصِّفَة.
و " مَا " صِلَة، أَيْ فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، كَمَا تَقُول : مَا أَقَلّ مَا يَفْعَل كَذَا، أَيْ لَا يَفْعَلهُ ألْبَتَّة.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : تَقُول الْعَرَب مَرَرْنَا بِأَرْضٍ قَلَّ مَا تُنْبِت الْكُرَّاث وَالْبَصَل، أَيْ لَا تُنْبِت شَيْئًا.
بَيَّنَ أَنَّ السَّبَب فِي نُفُورهمْ عَنْ الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ أَنَّهُمْ لُعِنُوا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرهمْ وَاجْتِرَائِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الْجَزَاء عَلَى الذَّنْب بِأَعْظَم مِنْهُ.
وَأَصْل اللَّعْن فِي كَلَام الْعَرَب الطَّرْد وَالْإِبْعَاد.
وَيُقَال لِلذِّئْبِ : لَعِين.
وَلِلرَّجُلِ الطَّرِيد : لَعِين، وَقَالَ الشَّمَّاخ :
| ذَعَرْت بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْت عَنْهُ | مَقَام الذِّئْب كَالرَّجُلِ اللَّعِين |
وَقِيلَ : مِنْ تَوْفِيقه وَهِدَايَته.
وَقِيلَ : مِنْ كُلّ خَيْر، وَهَذَا عَامّ.
" فَقَلِيلًا " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، تَقْدِيره فَإِيمَانًا قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ مَعْمَر : الْمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، وَيَكُون " قَلِيلًا " مَنْصُوب بِنَزْعِ حَرْف الصِّفَة.
و " مَا " صِلَة، أَيْ فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، كَمَا تَقُول : مَا أَقَلّ مَا يَفْعَل كَذَا، أَيْ لَا يَفْعَلهُ ألْبَتَّة.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : تَقُول الْعَرَب مَرَرْنَا بِأَرْضٍ قَلَّ مَا تُنْبِت الْكُرَّاث وَالْبَصَل، أَيْ لَا تُنْبِت شَيْئًا.
وَلَمَّا جَاءَهُمْ
يَعْنِي الْيَهُود.
يَعْنِي الْيَهُود.
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
يَعْنِي الْقُرْآن.
يَعْنِي الْقُرْآن.
مُصَدِّقٌ
نَعْت لِكِتَابٍ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن نَصْبه عَلَى الْحَال، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ بِالنَّصْبِ فِيمَا رُوِيَ.
نَعْت لِكِتَابٍ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن نَصْبه عَلَى الْحَال، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أُبَيّ بِالنَّصْبِ فِيمَا رُوِيَ.
لِمَا مَعَهُمْ
يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يُخْبِرهُمْ بِمَا فِيهِمَا.
يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يُخْبِرهُمْ بِمَا فِيهِمَا.
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا
أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ.
وَالِاسْتِفْتَاح الِاسْتِنْصَار.
اِسْتَفْتَحْت : اِسْتَنْصَرْت.
وَفِي الْحَدِيث : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح بِصَعَالِيك الْمُهَاجِرِينَ، أَيْ يَسْتَنْصِر بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتهمْ.
وَمِنْهُ " فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده " [ الْمَائِدَة : ٥٢ ].
وَالنَّصْر : فَتْح شَيْء مُغْلَق، فَهُوَ يَرْجِع إِلَى قَوْلهمْ فَتَحْت الْبَاب.
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا نَصَرَ اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة بِضُعَفَائِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتهمْ وَإِخْلَاصهمْ ).
وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( أَبْغُونِي الضَّعِيف فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ يَهُود خَيْبَر تُقَاتِل غَطَفَان فَلَمَّا اِلْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُود، فَعَادَتْ يَهُود بِهَذَا الدُّعَاء وَقَالُوا : إِنَّا نَسْأَلك بِحَقِّ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي وَعَدْتنَا أَنْ تُخْرِجهُ لَنَا فِي آخِر الزَّمَان إِلَّا تَنْصُرنَا عَلَيْهِمْ.
قَالَ : فَكَانُوا إِذَا اِلْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاء فَهَزَمُوا غَطَفَان، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْ بِك يَا مُحَمَّد، إِلَى قَوْله :" فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ".
أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ.
وَالِاسْتِفْتَاح الِاسْتِنْصَار.
اِسْتَفْتَحْت : اِسْتَنْصَرْت.
وَفِي الْحَدِيث : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح بِصَعَالِيك الْمُهَاجِرِينَ، أَيْ يَسْتَنْصِر بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتهمْ.
وَمِنْهُ " فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده " [ الْمَائِدَة : ٥٢ ].
وَالنَّصْر : فَتْح شَيْء مُغْلَق، فَهُوَ يَرْجِع إِلَى قَوْلهمْ فَتَحْت الْبَاب.
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا نَصَرَ اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة بِضُعَفَائِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتهمْ وَإِخْلَاصهمْ ).
وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( أَبْغُونِي الضَّعِيف فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ يَهُود خَيْبَر تُقَاتِل غَطَفَان فَلَمَّا اِلْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُود، فَعَادَتْ يَهُود بِهَذَا الدُّعَاء وَقَالُوا : إِنَّا نَسْأَلك بِحَقِّ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي وَعَدْتنَا أَنْ تُخْرِجهُ لَنَا فِي آخِر الزَّمَان إِلَّا تَنْصُرنَا عَلَيْهِمْ.
قَالَ : فَكَانُوا إِذَا اِلْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاء فَهَزَمُوا غَطَفَان، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْ بِك يَا مُحَمَّد، إِلَى قَوْله :" فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ".
فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
" وَلَمَّا جَاءَهُمْ " جَوَاب " لَمَّا " الْفَاء وَمَا بَعْدهَا فِي قَوْله " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا " فِي قَوْل الْفَرَّاء، وَجَوَاب " لَمَّا " الثَّانِيَة " كَفَرُوا ".
وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : جَوَاب " لَمَّا " مَحْذُوف لِعِلْمِ السَّامِع، وَقَالَهُ الزَّجَّاج.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَوَاب " لَمَّا " فِي قَوْله :" كَفَرُوا "، وَأُعِيدَتْ " لَمَّا " الثَّانِيَة لِطُولِ الْكَلَام.
وَيُفِيد ذَلِكَ تَقْرِير الذَّنْب وَتَأْكِيدًا لَهُ.
" وَلَمَّا جَاءَهُمْ " جَوَاب " لَمَّا " الْفَاء وَمَا بَعْدهَا فِي قَوْله " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا " فِي قَوْل الْفَرَّاء، وَجَوَاب " لَمَّا " الثَّانِيَة " كَفَرُوا ".
وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد : جَوَاب " لَمَّا " مَحْذُوف لِعِلْمِ السَّامِع، وَقَالَهُ الزَّجَّاج.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَوَاب " لَمَّا " فِي قَوْله :" كَفَرُوا "، وَأُعِيدَتْ " لَمَّا " الثَّانِيَة لِطُولِ الْكَلَام.
وَيُفِيد ذَلِكَ تَقْرِير الذَّنْب وَتَأْكِيدًا لَهُ.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِئْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَوْفِيَة لِلذَّمِّ، كَمَا أَنَّ " نِعْمَ " مُسْتَوْفِيَة لِلْمَدْحِ.
وَفِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا أَرْبَع لُغَات : بِئْسَ بَئْس بَئِسَ بِئِسَ.
نِعْمَ نَعْم نَعِمَ نِعِمَ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ " مَا " فَاعِلَة بِئْسَ، وَلَا تَدْخُل إِلَّا عَلَى أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالنَّكِرَات.
وَكَذَا نِعْمَ، فَتَقُول نِعْمَ الرَّجُل زَيْد، وَنِعْمَ رَجُلًا زَيْد، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا اِسْم بِغَيْرِ أَلِف وَلَام فَهُوَ نَصْب أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ أَلِف وَلَام فَهُوَ رَفْع أَبَدًا، وَنَصْب رَجُل عَلَى التَّمْيِيز.
وَفِي نِعْمَ مُضْمَر عَلَى شَرِيطَة التَّفْسِير، وَزَيْد مَرْفُوع عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ الْمَمْدُوح ؟ قُلْت هُوَ زَيْد، وَالْآخَر عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَره.
وَأَجَازَ أَبُو عَلِيّ أَنْ تَلِيهَا " مَا " مَوْصُولَة وَغَيْر مَوْصُولَة مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْهَمَة تَقَع عَلَى الْكَثْرَة وَلَا تَخُصّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، وَالتَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهِ : بِئْسَ الشَّيْء اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا.
ف " أَنْ يَكْفُرُوا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره فِيمَا قَبْله، كَقَوْلِك : بِئْسَ الرَّجُل زَيْد، و " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل مَوْصُولَة.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى التَّمْيِيز، كَقَوْلِك : بِئْسَ رَجُلًا زَيْد، فَالتَّقْدِير بِئْسَ شَيْئًا أَنْ يَكْفُرُوا.
ف " اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ " عَلَى هَذَا الْقَوْل صِفَة " مَا ".
وَقَالَ الْفَرَّاء :" بِئْسَمَا " بِجُمْلَتِهِ شَيْء وَاحِد رُكِّبَ كَحَبَّذَا.
وَفِي هَذَا الْقَوْل اِعْتِرَاض ; لِأَنَّهُ يَبْقَى فِعْل بِلَا فَاعِل.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ :" مَا " و " اِشْتَرَوْا " بِمَنْزِلَةِ اِسْم وَاحِد قَائِم بِنَفْسِهِ، وَالتَّقْدِير بِئْسَ اِشْتِرَاؤُهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا.
وَهَذَا مَرْدُود، فَإِنَّ نِعْمَ وَبِئْسَ لَا يَدْخُلَانِ عَلَى اِسْم مُعَيَّن مُعَرَّف، وَالشِّرَاء قَدْ تَعَرَّفَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الضَّمِير.
قَالَ النَّحَّاس : وَأَبْيَن هَذِهِ الْأَقْوَال قَوْل الْأَخْفَش وَسِيبَوَيْهِ.
قَالَ الْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ :" أَنْ يَكْفُرُوا " إِنْ شِئْت كَانَتْ " أَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى الْهَاء فِي بِهِ.
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ اِشْتَرَوْا أَنْفُسهمْ بِأَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه.
فَاشْتَرَى بِمَعْنَى بَاعَ وَبِمَعْنَى اِبْتَاعَ، وَالْمَعْنَى : بِئْسَ الشَّيْء الَّذِي اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حَيْثُ اِسْتَبْدَلُوا الْبَاطِل بِالْحَقِّ، وَالْكُفْر بِالْإِيمَانِ.
بِئْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَوْفِيَة لِلذَّمِّ، كَمَا أَنَّ " نِعْمَ " مُسْتَوْفِيَة لِلْمَدْحِ.
وَفِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا أَرْبَع لُغَات : بِئْسَ بَئْس بَئِسَ بِئِسَ.
نِعْمَ نَعْم نَعِمَ نِعِمَ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ " مَا " فَاعِلَة بِئْسَ، وَلَا تَدْخُل إِلَّا عَلَى أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالنَّكِرَات.
وَكَذَا نِعْمَ، فَتَقُول نِعْمَ الرَّجُل زَيْد، وَنِعْمَ رَجُلًا زَيْد، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا اِسْم بِغَيْرِ أَلِف وَلَام فَهُوَ نَصْب أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ أَلِف وَلَام فَهُوَ رَفْع أَبَدًا، وَنَصْب رَجُل عَلَى التَّمْيِيز.
وَفِي نِعْمَ مُضْمَر عَلَى شَرِيطَة التَّفْسِير، وَزَيْد مَرْفُوع عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ الْمَمْدُوح ؟ قُلْت هُوَ زَيْد، وَالْآخَر عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَره.
وَأَجَازَ أَبُو عَلِيّ أَنْ تَلِيهَا " مَا " مَوْصُولَة وَغَيْر مَوْصُولَة مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْهَمَة تَقَع عَلَى الْكَثْرَة وَلَا تَخُصّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، وَالتَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهِ : بِئْسَ الشَّيْء اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا.
ف " أَنْ يَكْفُرُوا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره فِيمَا قَبْله، كَقَوْلِك : بِئْسَ الرَّجُل زَيْد، و " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل مَوْصُولَة.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" مَا " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى التَّمْيِيز، كَقَوْلِك : بِئْسَ رَجُلًا زَيْد، فَالتَّقْدِير بِئْسَ شَيْئًا أَنْ يَكْفُرُوا.
ف " اِشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ " عَلَى هَذَا الْقَوْل صِفَة " مَا ".
وَقَالَ الْفَرَّاء :" بِئْسَمَا " بِجُمْلَتِهِ شَيْء وَاحِد رُكِّبَ كَحَبَّذَا.
وَفِي هَذَا الْقَوْل اِعْتِرَاض ; لِأَنَّهُ يَبْقَى فِعْل بِلَا فَاعِل.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ :" مَا " و " اِشْتَرَوْا " بِمَنْزِلَةِ اِسْم وَاحِد قَائِم بِنَفْسِهِ، وَالتَّقْدِير بِئْسَ اِشْتِرَاؤُهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا.
وَهَذَا مَرْدُود، فَإِنَّ نِعْمَ وَبِئْسَ لَا يَدْخُلَانِ عَلَى اِسْم مُعَيَّن مُعَرَّف، وَالشِّرَاء قَدْ تَعَرَّفَ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الضَّمِير.
قَالَ النَّحَّاس : وَأَبْيَن هَذِهِ الْأَقْوَال قَوْل الْأَخْفَش وَسِيبَوَيْهِ.
قَالَ الْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ :" أَنْ يَكْفُرُوا " إِنْ شِئْت كَانَتْ " أَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى الْهَاء فِي بِهِ.
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ اِشْتَرَوْا أَنْفُسهمْ بِأَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه.
فَاشْتَرَى بِمَعْنَى بَاعَ وَبِمَعْنَى اِبْتَاعَ، وَالْمَعْنَى : بِئْسَ الشَّيْء الَّذِي اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حَيْثُ اِسْتَبْدَلُوا الْبَاطِل بِالْحَقِّ، وَالْكُفْر بِالْإِيمَانِ.
بَغْيًا
مَعْنَاهُ حَسَدًا، قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ، وَهُوَ مَفْعُول مِنْ أَجْله، وَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَة مَصْدَر.
الْأَصْمَعِيّ : وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ بَغَى الْجُرْح إِذَا فَسَدَ.
وَقِيلَ : أَصْله الطَّلَب، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الزَّانِيَة بَغِيًّا.
مَعْنَاهُ حَسَدًا، قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ، وَهُوَ مَفْعُول مِنْ أَجْله، وَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَة مَصْدَر.
الْأَصْمَعِيّ : وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ بَغَى الْجُرْح إِذَا فَسَدَ.
وَقِيلَ : أَصْله الطَّلَب، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الزَّانِيَة بَغِيًّا.
أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ لَأَنْ يُنَزِّل، أَيْ لِأَجْلِ إِنْزَال اللَّه الْفَضْل عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن " أَنْ يُنْزِل " مُخَفَّفًا، وَكَذَلِكَ سَائِر مَا فِي الْقُرْآن، إِلَّا " وَمَا نُنَزِّلهُ " فِي " الْحِجْر " [ الْحِجْر : ٢١ ]، وَفِي " الْأَنْعَام " " عَلَى أَنْ يُنَزِّل آيَة ".
[ الْأَنْعَام : ٣٧ ].
فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ لَأَنْ يُنَزِّل، أَيْ لِأَجْلِ إِنْزَال اللَّه الْفَضْل عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن " أَنْ يُنْزِل " مُخَفَّفًا، وَكَذَلِكَ سَائِر مَا فِي الْقُرْآن، إِلَّا " وَمَا نُنَزِّلهُ " فِي " الْحِجْر " [ الْحِجْر : ٢١ ]، وَفِي " الْأَنْعَام " " عَلَى أَنْ يُنَزِّل آيَة ".
[ الْأَنْعَام : ٣٧ ].
فَبَاءُوا
أَيْ رَجَعُوا، وَأَكْثَر مَا يُقَال فِي الشَّرّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
أَيْ رَجَعُوا، وَأَكْثَر مَا يُقَال فِي الشَّرّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ
تَقَدَّمَ مَعْنَى غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ، وَهُوَ عِقَابه، فَقِيلَ : الْغَضَب الْأَوَّل لِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل، وَالثَّانِي لِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ عِكْرِمَة : لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِعِيسَى ثُمَّ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ، يَعْنِي الْيَهُود.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة : الْأَوَّل لِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ، وَالثَّانِي لِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ قَوْم : الْمُرَاد التَّأْبِيد وَشِدَّة الْحَال عَلَيْهِمْ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ غَضَبَيْنِ مُعَلَّلَيْنِ بِمَعْصِيَتَيْنِ.
تَقَدَّمَ مَعْنَى غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ، وَهُوَ عِقَابه، فَقِيلَ : الْغَضَب الْأَوَّل لِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل، وَالثَّانِي لِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ عِكْرِمَة : لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِعِيسَى ثُمَّ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ، يَعْنِي الْيَهُود.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة : الْأَوَّل لِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ، وَالثَّانِي لِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ قَوْم : الْمُرَاد التَّأْبِيد وَشِدَّة الْحَال عَلَيْهِمْ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ غَضَبَيْنِ مُعَلَّلَيْنِ بِمَعْصِيَتَيْنِ.
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ
مَأْخُوذ مِنْ الْهَوَان، وَهُوَ مَا اِقْتَضَى الْخُلُود فِي النَّار دَائِمًا بِخِلَافِ خُلُود الْعُصَاة مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَمْحِيص لَهُمْ وَتَطْهِير، كَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْع يَد السَّارِق، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النِّسَاء " مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
مَأْخُوذ مِنْ الْهَوَان، وَهُوَ مَا اِقْتَضَى الْخُلُود فِي النَّار دَائِمًا بِخِلَافِ خُلُود الْعُصَاة مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَمْحِيص لَهُمْ وَتَطْهِير، كَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْع يَد السَّارِق، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النِّسَاء " مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا
أَيْ صَدِّقُوا
أَيْ صَدِّقُوا
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
يَعْنِي الْقُرْآن
يَعْنِي الْقُرْآن
قَالُوا نُؤْمِنُ
أَيْ نُصَدِّق
أَيْ نُصَدِّق
بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
يَعْنِي التَّوْرَاة.
يَعْنِي التَّوْرَاة.
وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ
أَيْ بِمَا سِوَاهُ، عَنْ الْفَرَّاء.
وَقَتَادَة : بِمَا بَعْده، وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة، وَالْمَعْنَى وَاحِد.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَرَاء بِمَعْنَى خَلْف، وَقَدْ تَكُون بِمَعْنَى قُدَّام.
وَهِيَ مِنْ الْأَضْدَاد، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك " أَيْ أَمَامهمْ، وَتَصْغِيرهَا وُرَيِّئَة ( بِالْهَاءِ ) وَهِيَ شَاذَّة.
وَانْتَصَبَ " وَرَاءَهُ " عَلَى الظَّرْف.
قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال لَقِيته مِنْ وَرَاء، فَتَرْفَعهُ عَلَى الْغَايَة إِذَا كَانَ غَيْر مُضَاف تَجْعَلهُ اِسْمًا وَهُوَ غَيْر مُتَمَكِّن، كَقَوْلِك : مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد، وَأُنْشِدَ :
قُلْت : وَمِنْهُ قَوْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الشَّفَاعَة :( إِنَّمَا كُنْت خَلِيلًا مِنْ وَرَاء وَرَاء ).
وَالْوَرَاء : وَلَد الْوَلَد أَيْضًا.
أَيْ بِمَا سِوَاهُ، عَنْ الْفَرَّاء.
وَقَتَادَة : بِمَا بَعْده، وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة، وَالْمَعْنَى وَاحِد.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَرَاء بِمَعْنَى خَلْف، وَقَدْ تَكُون بِمَعْنَى قُدَّام.
وَهِيَ مِنْ الْأَضْدَاد، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِك " أَيْ أَمَامهمْ، وَتَصْغِيرهَا وُرَيِّئَة ( بِالْهَاءِ ) وَهِيَ شَاذَّة.
وَانْتَصَبَ " وَرَاءَهُ " عَلَى الظَّرْف.
قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال لَقِيته مِنْ وَرَاء، فَتَرْفَعهُ عَلَى الْغَايَة إِذَا كَانَ غَيْر مُضَاف تَجْعَلهُ اِسْمًا وَهُوَ غَيْر مُتَمَكِّن، كَقَوْلِك : مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد، وَأُنْشِدَ :
| إِذَا أَنَا لَمْ أُومَن عَلَيْك وَلَمْ يَكُنْ | لِقَاؤُك إِلَّا مِنْ وَرَاء وَرَاء |
وَالْوَرَاء : وَلَد الْوَلَد أَيْضًا.
وَهُوَ الْحَقُّ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
مُصَدِّقًا
حَال مُؤَكِّدَة عِنْد سِيبَوَيْهِ.
حَال مُؤَكِّدَة عِنْد سِيبَوَيْهِ.
لِمَا مَعَهُمْ
مَا فِي مَوْضِع خَفْض بِاللَّامِ، و " مَعَهُمْ " صِلَتهَا، و " مَعَهُمْ " نُصِبَ بِالِاسْتِقْرَارِ، وَمَنْ أَسْكَنَ جَعَلَهُ حَرْفًا.
مَا فِي مَوْضِع خَفْض بِاللَّامِ، و " مَعَهُمْ " صِلَتهَا، و " مَعَهُمْ " نُصِبَ بِالِاسْتِقْرَارِ، وَمَنْ أَسْكَنَ جَعَلَهُ حَرْفًا.
قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ
رَدّ مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ إِنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، وَتَكْذِيب مِنْهُ لَهُمْ وَتَوْبِيخ، الْمَعْنَى : فَكَيْف قَتَلْتُمْ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ ذَلِكَ ! فَالْخِطَاب لِمَنْ حَضَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أَسْلَافهمْ.
وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ الْخِطَاب لِأَبْنَائِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَلُّونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَتَلُوا، كَمَا قَالَ :" وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء " [ الْمَائِدَة : ٨١ ] فَإِذَا تَوَلَّوْهُمْ فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ.
وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ رَضُوا فِعْلهمْ فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
وَجَاءَ " تَقْتُلُونَ " بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَال وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيّ لَمَّا اِرْتَفَعَ الْإِشْكَال بِقَوْلِهِ :" مِنْ قَبْل ".
وَإِذَا لَمْ يُشْكِل فَجَائِز أَنْ يَأْتِي الْمَاضِي بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل، وَالْمُسْتَقْبَل بِمَعْنَى الْمَاضِي، قَالَ الْحُطَيْئَة :
شَهِدَ بِمَعْنَى يَشْهَد.
رَدّ مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ إِنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، وَتَكْذِيب مِنْهُ لَهُمْ وَتَوْبِيخ، الْمَعْنَى : فَكَيْف قَتَلْتُمْ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ ذَلِكَ ! فَالْخِطَاب لِمَنْ حَضَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أَسْلَافهمْ.
وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ الْخِطَاب لِأَبْنَائِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَلُّونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَتَلُوا، كَمَا قَالَ :" وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء " [ الْمَائِدَة : ٨١ ] فَإِذَا تَوَلَّوْهُمْ فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ.
وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ رَضُوا فِعْلهمْ فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
وَجَاءَ " تَقْتُلُونَ " بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَال وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيّ لَمَّا اِرْتَفَعَ الْإِشْكَال بِقَوْلِهِ :" مِنْ قَبْل ".
وَإِذَا لَمْ يُشْكِل فَجَائِز أَنْ يَأْتِي الْمَاضِي بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل، وَالْمُسْتَقْبَل بِمَعْنَى الْمَاضِي، قَالَ الْحُطَيْئَة :
| شَهِدَ الْحُطَيْئَة يَوْم يَلْقَى رَبّه | أَنَّ الْوَلِيد أَحَقّ بِالْعُذْرِ |
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُعْتَقِدِينَ الْإِيمَان فَلِمَ رَضِيتُمْ بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء ! وَقِيلَ :" إِنَّ " بِمَعْنَى مَا، وَأَصْل " لِمَ " لِمَا، حُذِفَتْ الْأَلِف فَرْقًا بَيْن الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَف عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بِلَا هَاء كَانَ لَحْنًا، وَإِنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ زِيدَ فِي السَّوَاد.
أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُعْتَقِدِينَ الْإِيمَان فَلِمَ رَضِيتُمْ بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء ! وَقِيلَ :" إِنَّ " بِمَعْنَى مَا، وَأَصْل " لِمَ " لِمَا، حُذِفَتْ الْأَلِف فَرْقًا بَيْن الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَف عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بِلَا هَاء كَانَ لَحْنًا، وَإِنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ زِيدَ فِي السَّوَاد.
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ
اللَّام لَام الْقَسَم.
وَالْبَيِّنَات قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات " [ الْإِسْرَاء : ١٠١ ] وَهِيَ الْعَصَا، وَالسُّنُونَ، وَالْيَد، وَالدَّم، وَالطُّوفَان، وَالْجَرَاد وَالْقُمَّل، وَالضَّفَادِع، وَفَلْق الْبَحْر.
وَقِيلَ : الْبَيِّنَات التَّوْرَاة، وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّلَالَات.
اللَّام لَام الْقَسَم.
وَالْبَيِّنَات قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات " [ الْإِسْرَاء : ١٠١ ] وَهِيَ الْعَصَا، وَالسُّنُونَ، وَالْيَد، وَالدَّم، وَالطُّوفَان، وَالْجَرَاد وَالْقُمَّل، وَالضَّفَادِع، وَفَلْق الْبَحْر.
وَقِيلَ : الْبَيِّنَات التَّوْرَاة، وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّلَالَات.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
تَوْبِيخ، و " ثُمَّ " أَبْلَغ مِنْ الْوَاو فِي التَّقْرِيع، أَيْ بَعْد النَّظَر فِي الْآيَات وَالْإِتْيَان بِهَا اِتَّخَذْتُمْ.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْد مُهْلَة مِنْ النَّظَر فِي الْآيَة، وَذَلِكَ أَعْظَم لِجُرْمِهِمْ.
تَوْبِيخ، و " ثُمَّ " أَبْلَغ مِنْ الْوَاو فِي التَّقْرِيع، أَيْ بَعْد النَّظَر فِي الْآيَات وَالْإِتْيَان بِهَا اِتَّخَذْتُمْ.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْد مُهْلَة مِنْ النَّظَر فِي الْآيَة، وَذَلِكَ أَعْظَم لِجُرْمِهِمْ.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
هَذِهِ الْآيَة تُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى زَعْزَعْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ مِنْ مَكَانه.
قَالَ : وَكُلّ شَيْء قَلَعْته فَرَمَيْت بِهِ فَقَدْ نَتَقْته.
وَقِيلَ : نَتَقْنَاهُ رَفَعْنَاهُ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : النَّاتِق الرَّافِع، وَالنَّاتِق الْبَاسِط، وَالنَّاتِق الْفَاتِق.
ومَرْأَة نَاتِق وَمِنْتَاق : كَثِيرَة الْوَلَد.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ نَتْق السِّقَاء، وَهُوَ نَفْضه حَتَّى تَقْتَلِع الزُّبْدَة مِنْهُ.
قَالَ وَقَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " قَالَ : قُلِعَ مِنْ أَصْله.
وَاخْتُلِفَ فِي الطُّور، فَقِيلَ : الطُّور اِسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ التَّوْرَاة دُون غَيْره، رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّ الطُّور مَا أَنْبَتَ مِنْ الْجِبَال خَاصَّة دُون مَا لَمْ يُنْبِت.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَيّ جَبَل كَانَ.
إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ : هُوَ اِسْم لِكُلِّ جَبَل بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآن أَلْفَاظ مُفْرَدَة غَيْر مُعَرَّبَة مِنْ غَيْر كَلَام فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَزَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنَّهُ سُمِّيَ بِطُورِ بْن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
الْقَوْل فِي سَبَب رَفْع الطُّور
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عِنْد اللَّه بِالْأَلْوَاحِ فِيهَا التَّوْرَاة قَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا.
فَقَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يُكَلِّمنَا اللَّه بِهَا كَمَا كَلَّمَك.
فَصُعِقُوا ثُمَّ أُحْيُوا.
فَقَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا.
فَقَالُوا لَا، فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَة فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا مِنْ جِبَال فِلَسْطِين طُوله فَرْسَخ فِي مِثْله، وَكَذَلِكَ كَانَ عَسْكَرهمْ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْل الظُّلَّة، وَأُتُوا بِبَحْرٍ مِنْ خَلْفهمْ، وَنَار مِنْ قِبَل وُجُوههمْ، وَقِيلَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَعَلَيْكُمْ الْمِيثَاق أَلَّا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمْ الْجَبَل.
فَسَجَدُوا تَوْبَة لِلَّهِ وَأَخَذُوا التَّوْرَاة بِالْمِيثَاقِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء : لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّل مَرَّة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاق.
وَكَانَ سُجُودهمْ عَلَى شِقّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُبُونَ الْجَبَل خَوْفًا، فَلَمَّا رَحِمَهُمْ اللَّه قَالُوا : لَا سَجْدَة أَفْضَل مِنْ سَجْدَة تَقَبَّلَهَا اللَّه وَرَحِمَ بِهَا عِبَاده، فَأَمَرُّوا سُجُودهمْ عَلَى شِقّ وَاحِد.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي لَا يَصِحّ سِوَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَرَعَ وَقْت سُجُودهمْ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ لَا أَنَّهُمْ آمَنُوا كَرْهًا وَقُلُوبهمْ غَيْر مُطْمَئِنَّة بِذَلِكَ.
هَذِهِ الْآيَة تُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى زَعْزَعْنَاهُ فَاسْتَخْرَجْنَاهُ مِنْ مَكَانه.
قَالَ : وَكُلّ شَيْء قَلَعْته فَرَمَيْت بِهِ فَقَدْ نَتَقْته.
وَقِيلَ : نَتَقْنَاهُ رَفَعْنَاهُ.
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : النَّاتِق الرَّافِع، وَالنَّاتِق الْبَاسِط، وَالنَّاتِق الْفَاتِق.
ومَرْأَة نَاتِق وَمِنْتَاق : كَثِيرَة الْوَلَد.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ نَتْق السِّقَاء، وَهُوَ نَفْضه حَتَّى تَقْتَلِع الزُّبْدَة مِنْهُ.
قَالَ وَقَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة " قَالَ : قُلِعَ مِنْ أَصْله.
وَاخْتُلِفَ فِي الطُّور، فَقِيلَ : الطُّور اِسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيهِ التَّوْرَاة دُون غَيْره، رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْهُ أَنَّ الطُّور مَا أَنْبَتَ مِنْ الْجِبَال خَاصَّة دُون مَا لَمْ يُنْبِت.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : أَيّ جَبَل كَانَ.
إِلَّا أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ : هُوَ اِسْم لِكُلِّ جَبَل بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام هَلْ وَقَعَ فِي الْقُرْآن أَلْفَاظ مُفْرَدَة غَيْر مُعَرَّبَة مِنْ غَيْر كَلَام فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَزَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنَّهُ سُمِّيَ بِطُورِ بْن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
الْقَوْل فِي سَبَب رَفْع الطُّور
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عِنْد اللَّه بِالْأَلْوَاحِ فِيهَا التَّوْرَاة قَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا.
فَقَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يُكَلِّمنَا اللَّه بِهَا كَمَا كَلَّمَك.
فَصُعِقُوا ثُمَّ أُحْيُوا.
فَقَالَ لَهُمْ : خُذُوهَا.
فَقَالُوا لَا، فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَائِكَة فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا مِنْ جِبَال فِلَسْطِين طُوله فَرْسَخ فِي مِثْله، وَكَذَلِكَ كَانَ عَسْكَرهمْ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْل الظُّلَّة، وَأُتُوا بِبَحْرٍ مِنْ خَلْفهمْ، وَنَار مِنْ قِبَل وُجُوههمْ، وَقِيلَ لَهُمْ : خُذُوهَا وَعَلَيْكُمْ الْمِيثَاق أَلَّا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمْ الْجَبَل.
فَسَجَدُوا تَوْبَة لِلَّهِ وَأَخَذُوا التَّوْرَاة بِالْمِيثَاقِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء : لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّل مَرَّة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاق.
وَكَانَ سُجُودهمْ عَلَى شِقّ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْقُبُونَ الْجَبَل خَوْفًا، فَلَمَّا رَحِمَهُمْ اللَّه قَالُوا : لَا سَجْدَة أَفْضَل مِنْ سَجْدَة تَقَبَّلَهَا اللَّه وَرَحِمَ بِهَا عِبَاده، فَأَمَرُّوا سُجُودهمْ عَلَى شِقّ وَاحِد.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي لَا يَصِحّ سِوَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى اِخْتَرَعَ وَقْت سُجُودهمْ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ لَا أَنَّهُمْ آمَنُوا كَرْهًا وَقُلُوبهمْ غَيْر مُطْمَئِنَّة بِذَلِكَ.
خُذُوا
أَيْ فَقُلْنَا خُذُوا، فَحَذَفَ.
أَيْ فَقُلْنَا خُذُوا، فَحَذَفَ.
مَا آتَيْنَاكُمْ
أَعْطَيْنَاكُمْ.
أَعْطَيْنَاكُمْ.
بِقُوَّةٍ
أَيْ بِجَدٍّ وَاجْتِهَاد، قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : بِنِيَّةٍ وَإِخْلَاص.
مُجَاهِد : الْقُوَّة الْعَمَل بِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ : بِقُوَّةٍ، بِكَثْرَةِ دَرْس.
أَيْ بِجَدٍّ وَاجْتِهَاد، قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقِيلَ : بِنِيَّةٍ وَإِخْلَاص.
مُجَاهِد : الْقُوَّة الْعَمَل بِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ : بِقُوَّةٍ، بِكَثْرَةِ دَرْس.
وَاسْمَعُوا
أَطِيعُوا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْأَمْر بِإِدْرَاكِ الْقَوْل فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد اِعْلَمُوا بِمَا سَمِعْتُمْ وَالْتَزِمُوهُ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ قَبِلَ وَأَجَابَ.
قَالَ :
أَيْ يَقْبَل، وَقَالَ الرَّاجِز :
أَطِيعُوا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْأَمْر بِإِدْرَاكِ الْقَوْل فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد اِعْلَمُوا بِمَا سَمِعْتُمْ وَالْتَزِمُوهُ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ قَبِلَ وَأَجَابَ.
قَالَ :
| دَعَوْت اللَّه حَتَّى خِفْت أَلَّا | يَكُون اللَّه يَسْمَع مَا أَقُول |
| وَالسَّمْع وَالطَّاعَة وَالتَّسْلِيم | خَيْر وَأَعْفَى لِبَنِي تَمِيم |
| اِمْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قَطْنِي | مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْت بَطْنِي |
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ
أَيْ حُبّ الْعِجْل وَالْمَعْنَى : جُعِلَتْ قُلُوبهمْ تَشْرَبهُ، وَهَذَا تَشْبِيه وَمَجَاز عِبَارَة عَنْ تَمَكُّن أَمْر الْعِجْل فِي قُلُوبهمْ.
وَفِي الْحَدِيث :( تُعْرَض الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيّ قَلْب أُشْرِبهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء.
) الْحَدِيث، خَرَّجَهُ مُسْلِم.
يُقَال أُشْرِبَ قَلْبه حُبّ كَذَا، قَالَ زُهَيْر :
وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ حُبّ الْعِجْل بِالشُّرْبِ دُون الْأَكْل لِأَنَّ شُرْب الْمَاء يَتَغَلْغَل فِي الْأَعْضَاء حَتَّى يَصِل إِلَى بَاطِنهَا، وَالطَّعَام مُجَاوِر لَهَا غَيْر مُتَغَلْغِل فِيهَا.
وَقَدْ زَادَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحَد التَّابِعِينَ فَقَالَ فِي زَوْجَته عَثْمَة، وَكَانَ عَتَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْض الْأَمْر فَطَلَّقَهَا وَكَانَ مُحِبًّا لَهَا :
وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن جُرَيْج : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بَرَدَ الْعِجْل وَذَرَاهُ فِي الْمَاء، وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : اِشْرَبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاء، فَشَرِبَ جَمِيعهمْ، فَمَنْ كَانَ يُحِبّ الْعِجْل خَرَجَتْ بُرَادَة الذَّهَب عَلَى شَفَتَيْهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ مَا شَرِبَهُ أَحَد إِلَّا جُنَّ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ.
قُلْت : أَمَّا تَذْرِيَته فِي الْبَحْر فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمّ نَسْفًا " [ طَه : ٩٧ ]، وَأَمَّا شُرْب الْمَاء وَظُهُور الْبُرَادَة عَلَى الشِّفَاه فَيَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى :" وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل " وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
أَيْ حُبّ الْعِجْل وَالْمَعْنَى : جُعِلَتْ قُلُوبهمْ تَشْرَبهُ، وَهَذَا تَشْبِيه وَمَجَاز عِبَارَة عَنْ تَمَكُّن أَمْر الْعِجْل فِي قُلُوبهمْ.
وَفِي الْحَدِيث :( تُعْرَض الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيّ قَلْب أُشْرِبهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء.
) الْحَدِيث، خَرَّجَهُ مُسْلِم.
يُقَال أُشْرِبَ قَلْبه حُبّ كَذَا، قَالَ زُهَيْر :
| فَصَحَوْت عَنْهَا بَعْد حُبّ دَاخِل | وَالْحُبّ تُشْرِبهُ فُؤَادك دَاء |
وَقَدْ زَادَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحَد التَّابِعِينَ فَقَالَ فِي زَوْجَته عَثْمَة، وَكَانَ عَتَبَ عَلَيْهَا فِي بَعْض الْأَمْر فَطَلَّقَهَا وَكَانَ مُحِبًّا لَهَا :
| تَغَلْغَلَ حُبّ عَثْمَة فِي فُؤَادِي | فَبَادِيه مَعَ الْخَافِي يَسِير |
| تَغَلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغ شَرَاب | وَلَا حُزْن وَلَمْ يَبْلُغ سُرُور |
| أَكَاد إِذَا ذَكَرْت الْعَهْد مِنْهَا | أَطِير لَوْ انَّ إِنْسَانًا يَطِير |
وَرُوِيَ أَنَّهُ مَا شَرِبَهُ أَحَد إِلَّا جُنَّ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ.
قُلْت : أَمَّا تَذْرِيَته فِي الْبَحْر فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمّ نَسْفًا " [ طَه : ٩٧ ]، وَأَمَّا شُرْب الْمَاء وَظُهُور الْبُرَادَة عَلَى الشِّفَاه فَيَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى :" وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل " وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
بِئْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَوْفِيَة لِلذَّمِّ، كَمَا أَنَّ " نِعْمَ " مُسْتَوْفِيَة لِلْمَدْحِ.
وَفِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا أَرْبَع لُغَات : بِئْسَ بَئْس بَئِسَ بِئِسَ.
نِعْمَ نَعْمَ نَعِمَ نِعِم.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ " مَا " فَاعِلَة بِئْسَ، وَلَا تَدْخُل إِلَّا عَلَى أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالنَّكِرَات.
وَكَذَا نِعْمَ، فَتَقُول نِعْمَ الرَّجُل زَيْد، وَنِعْمَ رَجُلًا زَيْد، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا اِسْم بِغَيْرِ أَلِف وَلَام فَهُوَ نَصْب أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ أَلِف وَلَام فَهُوَ رَفْع أَبَدًا، وَنَصْب رَجُل عَلَى التَّمْيِيز.
وَفِي نِعْمَ مُضْمَر عَلَى شَرِيطَة التَّفْسِير، وَزَيْد مَرْفُوع عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ الْمَمْدُوح ؟ قُلْت هُوَ زَيْد، وَالْآخَر عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَره.
وَأَجَازَ أَبُو عَلِيّ أَنْ تَلِيهَا " مَا " مَوْصُولَة وَغَيْر مَوْصُولَة مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْهَمَة تَقَع عَلَى الْكَثْرَة وَلَا تَخُصّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ.
" إِيمَانكُمْ " أَيْ إِيمَانكُمْ الَّذِي زَعَمْتُمْ فِي قَوْلكُمْ : نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا.
وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الْكَلَام خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ أَنْ يُوَبِّخهُمْ، أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : بِئْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي فَعَلْتُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهَا إِيمَانكُمْ.
بِئْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مُسْتَوْفِيَة لِلذَّمِّ، كَمَا أَنَّ " نِعْمَ " مُسْتَوْفِيَة لِلْمَدْحِ.
وَفِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهَا أَرْبَع لُغَات : بِئْسَ بَئْس بَئِسَ بِئِسَ.
نِعْمَ نَعْمَ نَعِمَ نِعِم.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّ " مَا " فَاعِلَة بِئْسَ، وَلَا تَدْخُل إِلَّا عَلَى أَسْمَاء الْأَجْنَاس وَالنَّكِرَات.
وَكَذَا نِعْمَ، فَتَقُول نِعْمَ الرَّجُل زَيْد، وَنِعْمَ رَجُلًا زَيْد، فَإِذَا كَانَ مَعَهَا اِسْم بِغَيْرِ أَلِف وَلَام فَهُوَ نَصْب أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ فِيهِ أَلِف وَلَام فَهُوَ رَفْع أَبَدًا، وَنَصْب رَجُل عَلَى التَّمْيِيز.
وَفِي نِعْمَ مُضْمَر عَلَى شَرِيطَة التَّفْسِير، وَزَيْد مَرْفُوع عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ الْمَمْدُوح ؟ قُلْت هُوَ زَيْد، وَالْآخَر عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا قَبْله خَبَره.
وَأَجَازَ أَبُو عَلِيّ أَنْ تَلِيهَا " مَا " مَوْصُولَة وَغَيْر مَوْصُولَة مِنْ حَيْثُ كَانَتْ مُبْهَمَة تَقَع عَلَى الْكَثْرَة وَلَا تَخُصّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ.
" إِيمَانكُمْ " أَيْ إِيمَانكُمْ الَّذِي زَعَمْتُمْ فِي قَوْلكُمْ : نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا.
وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا الْكَلَام خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ أَنْ يُوَبِّخهُمْ، أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : بِئْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي فَعَلْتُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهَا إِيمَانكُمْ.
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ
لَمَّا اِدَّعَتْ الْيَهُود دَعَاوَى بَاطِلَة حَكَاهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فِي كِتَابه، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ]، وَقَوْله :" وَقَالُوا لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى " [ الْبَقَرَة : ١١١ ]، وَقَالُوا :" نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ] أَكْذَبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمَهُمْ الْحُجَّة فَقَالَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد :" إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّار الْآخِرَة " يَعْنِي الْجَنَّة.
لَمَّا اِدَّعَتْ الْيَهُود دَعَاوَى بَاطِلَة حَكَاهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فِي كِتَابه، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة " [ الْبَقَرَة : ٨٠ ]، وَقَوْله :" وَقَالُوا لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى " [ الْبَقَرَة : ١١١ ]، وَقَالُوا :" نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ] أَكْذَبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمَهُمْ الْحُجَّة فَقَالَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد :" إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّار الْآخِرَة " يَعْنِي الْجَنَّة.
عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ
نُصِبَ عَلَى خَبَر كَانَ، وَإِنْ شِئْت كَانَ حَالًا، وَيَكُون " عِنْد اللَّه " فِي مَوْضِع الْخَبَر.
نُصِبَ عَلَى خَبَر كَانَ، وَإِنْ شِئْت كَانَ حَالًا، وَيَكُون " عِنْد اللَّه " فِي مَوْضِع الْخَبَر.
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فِي أَقْوَالكُمْ ; لِأَنَّ مَنْ اِعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة كَانَ الْمَوْت أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ الْحَيَاة فِي الدُّنْيَا، لِمَا يَصِير إِلَيْهِ مِنْ نَعِيم الْجَنَّة، وَيَزُول عَنْهُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا، فَأَحْجَمُوا عَنْ تَمَنِّي ذَلِكَ فَرَقًا مِنْ اللَّه لِقُبْحِ أَعْمَالهمْ وَمَعْرِفَتهمْ بِكُفْرِهِمْ فِي قَوْلهمْ :" نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ]، وَحِرْصهمْ عَلَى الدُّنْيَا،
فِي أَقْوَالكُمْ ; لِأَنَّ مَنْ اِعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة كَانَ الْمَوْت أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ الْحَيَاة فِي الدُّنْيَا، لِمَا يَصِير إِلَيْهِ مِنْ نَعِيم الْجَنَّة، وَيَزُول عَنْهُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا، فَأَحْجَمُوا عَنْ تَمَنِّي ذَلِكَ فَرَقًا مِنْ اللَّه لِقُبْحِ أَعْمَالهمْ وَمَعْرِفَتهمْ بِكُفْرِهِمْ فِي قَوْلهمْ :" نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ " [ الْمَائِدَة : ١٨ ]، وَحِرْصهمْ عَلَى الدُّنْيَا،
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
تَحْقِيقًا لِكَذِبِهِمْ.
وَأَيْضًا لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْت لَمَاتُوا، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَوْ أَنَّ الْيَهُود تَمَنَّوْا الْمَوْت لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَامهمْ مِنْ النَّار ).
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه صَرَفَهُمْ عَنْ إِظْهَار التَّمَنِّي، وَقَصَرَهُمْ عَلَى الْإِمْسَاك لِيَجْعَل ذَلِكَ آيَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَوْجُه فِي تَرْكهمْ التَّمَنِّي.
وَحَكَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" فَتَمَنَّوْا الْمَوْت " أَنَّ الْمُرَاد اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَكْذَب الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَمَا دَعَوْا لِعِلْمِهِمْ بِكَذِبِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : فَالتَّمَنِّي يَكُون بِاللِّسَانِ تَارَة وَبِالْقَلْبِ أُخْرَى، فَمِنْ أَيْنَ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَنَّوْهُ بِقُلُوبِهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ : نَطَقَ الْقُرْآن بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ " وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا " وَلَوْ تَمَنَّوْهُ بِقُلُوبِهِمْ لَأَظْهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ رَدًّا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْطَالًا لِحُجَّتِهِ، وَهَذَا بَيِّن.
" أَبَدًا " ظَرْف زَمَان يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير، كَالْحِينِ وَالْوَقْت، وَهُوَ هُنَا مِنْ أَوَّل الْعُمُر إِلَى الْمَوْت.
و " مَا " فِي قَوْله " بِمَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِد مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير قَدَّمَتْهُ، وَتَكُون مَصْدَرِيَّة وَلَا تَحْتَاج إِلَى عَائِد.
و " أَيْدِيهمْ " فِي مَوْضِع رَفْع، حُذِفَتْ الضَّمَّة مِنْ الْيَاء لِثِقَلِهَا مَعَ الْكَسْرَة، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِع نَصْب حَرَّكْتهَا ; لِأَنَّ النَّصْب خَفِيف، وَيَجُوز إِسْكَانهَا فِي الشِّعْر.
" وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
تَحْقِيقًا لِكَذِبِهِمْ.
وَأَيْضًا لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْت لَمَاتُوا، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَوْ أَنَّ الْيَهُود تَمَنَّوْا الْمَوْت لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَامهمْ مِنْ النَّار ).
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه صَرَفَهُمْ عَنْ إِظْهَار التَّمَنِّي، وَقَصَرَهُمْ عَلَى الْإِمْسَاك لِيَجْعَل ذَلِكَ آيَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَوْجُه فِي تَرْكهمْ التَّمَنِّي.
وَحَكَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" فَتَمَنَّوْا الْمَوْت " أَنَّ الْمُرَاد اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَكْذَب الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَمَا دَعَوْا لِعِلْمِهِمْ بِكَذِبِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : فَالتَّمَنِّي يَكُون بِاللِّسَانِ تَارَة وَبِالْقَلْبِ أُخْرَى، فَمِنْ أَيْنَ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَنَّوْهُ بِقُلُوبِهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ : نَطَقَ الْقُرْآن بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ " وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا " وَلَوْ تَمَنَّوْهُ بِقُلُوبِهِمْ لَأَظْهَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ رَدًّا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْطَالًا لِحُجَّتِهِ، وَهَذَا بَيِّن.
" أَبَدًا " ظَرْف زَمَان يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير، كَالْحِينِ وَالْوَقْت، وَهُوَ هُنَا مِنْ أَوَّل الْعُمُر إِلَى الْمَوْت.
و " مَا " فِي قَوْله " بِمَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِد مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير قَدَّمَتْهُ، وَتَكُون مَصْدَرِيَّة وَلَا تَحْتَاج إِلَى عَائِد.
و " أَيْدِيهمْ " فِي مَوْضِع رَفْع، حُذِفَتْ الضَّمَّة مِنْ الْيَاء لِثِقَلِهَا مَعَ الْكَسْرَة، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِع نَصْب حَرَّكْتهَا ; لِأَنَّ النَّصْب خَفِيف، وَيَجُوز إِسْكَانهَا فِي الشِّعْر.
" وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ
يَعْنِي الْيَهُود.
يَعْنِي الْيَهُود.
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
قِيلَ : الْمَعْنَى وَأَحْرَص، فَحُذِفَ " مِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا " لِمَعْرِفَتِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَلَّا خَيْر لَهُمْ عِنْد اللَّه، وَمُشْرِكُو الْعَرَب لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاة وَلَا عِلْم لَهُمْ مِنْ الْآخِرَة، أَلَا تَرَى قَوْل شَاعِرهمْ :
وَالضَّمِير فِي " أَحَدهمْ " يَعُود فِي هَذَا الْقَوْل عَلَى الْيَهُود.
وَقِيلَ : إِنَّ الْكَلَام تَمَّ فِي " حَيَاة " ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ الْإِخْبَار عَنْ طَائِفَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
قِيلَ : هُمْ الْمَجُوس، وَذَلِكَ بَيِّن فِي أَدْعِيَاتِهِمْ لِلْعَاطِسِ بِلُغَاتِهِمْ بِمَا مَعْنَاهُ " عِشْ أَلْف سَنَة ".
وَخُصَّ الْأَلْف بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا نِهَايَة الْعَقْد فِي الْحِسَاب.
وَذَهَبَ الْحَسَن إِلَى أَنَّ " الَّذِينَ أَشْرَكُوا " مُشْرِكُو الْعَرَب، خُصُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، فَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ طُول الْعُمُر.
وَأَصْل سَنَة سَنْهَة.
وَقِيلَ : سَنْوَة.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالْمَعْنَى وَلَتَجِدَنهُمْ وَطَائِفَة مِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَحْرَص النَّاس عَلَى حَيَاة.
قِيلَ : الْمَعْنَى وَأَحْرَص، فَحُذِفَ " مِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا " لِمَعْرِفَتِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَلَّا خَيْر لَهُمْ عِنْد اللَّه، وَمُشْرِكُو الْعَرَب لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاة وَلَا عِلْم لَهُمْ مِنْ الْآخِرَة، أَلَا تَرَى قَوْل شَاعِرهمْ :
| تَمَتَّعْ مِنْ الدُّنْيَا فَإِنَّك فَانٍ | مِنْ النَّشَوَات وَالنِّسَاء الْحِسَان |
وَقِيلَ : إِنَّ الْكَلَام تَمَّ فِي " حَيَاة " ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ الْإِخْبَار عَنْ طَائِفَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
قِيلَ : هُمْ الْمَجُوس، وَذَلِكَ بَيِّن فِي أَدْعِيَاتِهِمْ لِلْعَاطِسِ بِلُغَاتِهِمْ بِمَا مَعْنَاهُ " عِشْ أَلْف سَنَة ".
وَخُصَّ الْأَلْف بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا نِهَايَة الْعَقْد فِي الْحِسَاب.
وَذَهَبَ الْحَسَن إِلَى أَنَّ " الَّذِينَ أَشْرَكُوا " مُشْرِكُو الْعَرَب، خُصُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، فَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ طُول الْعُمُر.
وَأَصْل سَنَة سَنْهَة.
وَقِيلَ : سَنْوَة.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالْمَعْنَى وَلَتَجِدَنهُمْ وَطَائِفَة مِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَحْرَص النَّاس عَلَى حَيَاة.
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ
أَصْل " يَوَدّ " يَوْدَد، أُدْغِمَتْ لِئَلَّا يُجْمَع بَيْن حَرْفَيْنِ مِنْ جِنْس وَاحِد مُتَحَرِّكَيْنِ، وَقُلِبَتْ حَرَكَة الدَّال عَلَى الْوَاو، لِيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَل.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ : وَدِدْت، فَيَجُوز عَلَى هَذَا يَوِدّ بِكَسْرِ الْوَاو.
وَمَعْنَى يَوَدّ : يَتَمَنَّى.
أَصْل " يَوَدّ " يَوْدَد، أُدْغِمَتْ لِئَلَّا يُجْمَع بَيْن حَرْفَيْنِ مِنْ جِنْس وَاحِد مُتَحَرِّكَيْنِ، وَقُلِبَتْ حَرَكَة الدَّال عَلَى الْوَاو، لِيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَل.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ : وَدِدْت، فَيَجُوز عَلَى هَذَا يَوِدّ بِكَسْرِ الْوَاو.
وَمَعْنَى يَوَدّ : يَتَمَنَّى.
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ
اِخْتَلَفَ النُّحَاة فِي هُوَ، فَقِيلَ : هُوَ ضَمِير الْأَحَد الْمُتَقَدِّم، التَّقْدِير مَا أَحَدهمْ بِمُزَحْزِحِهِ، وَخَبَر الِابْتِدَاء فِي الْمَجْرُور.
" أَنْ يُعَمَّر " فَاعِل بِمُزَحْزِحٍ وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ ضَمِير التَّعْمِير، وَالتَّقْدِير وَمَا التَّعْمِير بِمُزَحْزِحِهِ، وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور، " أَنْ يُعَمَّر " بَدَل مِنْ التَّعْمِير عَلَى هَذَا الْقَوْل.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة أَنَّهَا قَالَتْ :" هُوَ " عِمَاد.
قُلْت : وَفِيهِ بُعْد، فَإِنَّ حَقّ الْعِمَاد أَنْ يَكُون بَيْن شَيْئَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ، مِثْل قَوْله :" إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ " [ الْأَنْفَال : ٣٢ ]، وَقَوْله :" وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ " [ الزُّخْرُف : ٧٦ ] وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقِيلَ :" مَا " عَامِلَة حِجَازِيَّة، و " هُوَ " اِسْمهَا، وَالْخَبَر فِي " بِمُزَحْزِحِهِ ".
وَقَالَتْ طَائِفَة :" هُوَ " ضَمِير الْأَمْر وَالشَّأْن.
اِبْن عَطِيَّة : وَفِيهِ بُعْد، فَإِنَّ الْمَحْفُوظ عَنْ النُّحَاة أَنْ يُفَسَّر بِجُمْلَةٍ سَالِمَة مِنْ حَرْف جَرّ.
وَقَوْله :" بِمُزَحْزِحِهِ " الزَّحْزَحَة : الْإِبْعَاد وَالتَّنْحِيَة، يُقَال : زَحْزَحْته أَيْ بَاعَدْته فَتَزَحْزَحَ أَيْ تَنَحَّى وَتَبَاعَدَ، يَكُون لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا قَالَ الشَّاعِر فِي الْمُتَعَدِّي :
وَأَنْشَدَهُ ذُو الرُّمَّة :
وَقَالَ آخَر فِي اللَّازِم :
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل اللَّه زَحْزَحَ اللَّه وَجْهه عَنْ النَّار سَبْعِينَ خَرِيفًا ).
اِخْتَلَفَ النُّحَاة فِي هُوَ، فَقِيلَ : هُوَ ضَمِير الْأَحَد الْمُتَقَدِّم، التَّقْدِير مَا أَحَدهمْ بِمُزَحْزِحِهِ، وَخَبَر الِابْتِدَاء فِي الْمَجْرُور.
" أَنْ يُعَمَّر " فَاعِل بِمُزَحْزِحٍ وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ ضَمِير التَّعْمِير، وَالتَّقْدِير وَمَا التَّعْمِير بِمُزَحْزِحِهِ، وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور، " أَنْ يُعَمَّر " بَدَل مِنْ التَّعْمِير عَلَى هَذَا الْقَوْل.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة أَنَّهَا قَالَتْ :" هُوَ " عِمَاد.
قُلْت : وَفِيهِ بُعْد، فَإِنَّ حَقّ الْعِمَاد أَنْ يَكُون بَيْن شَيْئَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ، مِثْل قَوْله :" إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ " [ الْأَنْفَال : ٣٢ ]، وَقَوْله :" وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ " [ الزُّخْرُف : ٧٦ ] وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقِيلَ :" مَا " عَامِلَة حِجَازِيَّة، و " هُوَ " اِسْمهَا، وَالْخَبَر فِي " بِمُزَحْزِحِهِ ".
وَقَالَتْ طَائِفَة :" هُوَ " ضَمِير الْأَمْر وَالشَّأْن.
اِبْن عَطِيَّة : وَفِيهِ بُعْد، فَإِنَّ الْمَحْفُوظ عَنْ النُّحَاة أَنْ يُفَسَّر بِجُمْلَةٍ سَالِمَة مِنْ حَرْف جَرّ.
وَقَوْله :" بِمُزَحْزِحِهِ " الزَّحْزَحَة : الْإِبْعَاد وَالتَّنْحِيَة، يُقَال : زَحْزَحْته أَيْ بَاعَدْته فَتَزَحْزَحَ أَيْ تَنَحَّى وَتَبَاعَدَ، يَكُون لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا قَالَ الشَّاعِر فِي الْمُتَعَدِّي :
| يَا قَابِض الرُّوح مِنْ نَفْس إِذَا اُحْتُضِرَتْ | وَغَافِر الذَّنْب زَحْزِحْنِي عَنْ النَّار |
| يَا قَابِض الرُّوح عَنْ جِسْم عَصَى زَمَنًا | وَغَافِر الذَّنْب زَحْزِحْنِي عَنْ النَّار |
| خَلِيلَيَّ مَا بَال الدُّجَى لَا يَتَزَحْزَح | وَمَا بَال ضَوْء الصُّبْح لَا يَتَوَضَّح |
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
أَيْ بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَوَدّ أَحَدهمْ أَنْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة.
وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَالتَّقْدِير عِنْده.
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد اللَّه بَصِير بِمَا تَعْمَلُونَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاء : وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور.
وَالْبَصِير فِي كَلَام الْعَرَب : الْعَالِم بِالشَّيْءِ الْخَبِير بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : فُلَان بَصِير بِالطِّبِّ، وَبَصِير بِالْفِقْهِ، وَبَصِير بِمُلَاقَاةِ الرِّجَال، قَالَ :
قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْبَصِير الْعَالِم، وَالْبَصِير الْمُبْصِر.
وَقِيلَ : وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى جَاعِل الْأَشْيَاء الْمُبْصِرَة ذَوَات إِبْصَار، أَيْ مُدْرِكَة لِلْمُبْصَرَاتِ بِمَا خَلَقَ لَهَا مِنْ الْآلَة الْمُدْرِكَة وَالْقُوَّة، فَاَللَّه بَصِير بِعِبَادِهِ، أَيْ جَاعِل عِبَاده مُبْصِرِينَ.
أَيْ بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَوَدّ أَحَدهمْ أَنْ يُعَمَّر أَلْف سَنَة.
وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَالتَّقْدِير عِنْده.
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد اللَّه بَصِير بِمَا تَعْمَلُونَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاء : وَصَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور.
وَالْبَصِير فِي كَلَام الْعَرَب : الْعَالِم بِالشَّيْءِ الْخَبِير بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : فُلَان بَصِير بِالطِّبِّ، وَبَصِير بِالْفِقْهِ، وَبَصِير بِمُلَاقَاةِ الرِّجَال، قَالَ :
| فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي | بَصِير بِأَدْوَاءِ النِّسَاء طَبِيب |
وَقِيلَ : وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى جَاعِل الْأَشْيَاء الْمُبْصِرَة ذَوَات إِبْصَار، أَيْ مُدْرِكَة لِلْمُبْصَرَاتِ بِمَا خَلَقَ لَهَا مِنْ الْآلَة الْمُدْرِكَة وَالْقُوَّة، فَاَللَّه بَصِير بِعِبَادِهِ، أَيْ جَاعِل عِبَاده مُبْصِرِينَ.
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
سَبَب نُزُولهَا أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِلَّا يَأْتِيه مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة مِنْ عِنْد رَبّه بِالرِّسَالَةِ وَبِالْوَحْيِ، فَمَنْ صَاحِبك حَتَّى نُتَابِعك ؟ قَالَ :( جِبْرِيل ) قَالُوا : ذَاكَ الَّذِي يَنْزِل بِالْحَرْبِ وَبِالْقِتَالِ، ذَاكَ عَدُوّنَا ! لَوْ قُلْت : مِيكَائِيل الَّذِي يَنْزِل بِالْقَطْرِ وَبِالرَّحْمَةِ تَابَعْنَاك، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة إِلَى قَوْله :" لِلْكَافِرِينَ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ.
سَبَب نُزُولهَا أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ لَيْسَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِلَّا يَأْتِيه مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة مِنْ عِنْد رَبّه بِالرِّسَالَةِ وَبِالْوَحْيِ، فَمَنْ صَاحِبك حَتَّى نُتَابِعك ؟ قَالَ :( جِبْرِيل ) قَالُوا : ذَاكَ الَّذِي يَنْزِل بِالْحَرْبِ وَبِالْقِتَالِ، ذَاكَ عَدُوّنَا ! لَوْ قُلْت : مِيكَائِيل الَّذِي يَنْزِل بِالْقَطْرِ وَبِالرَّحْمَةِ تَابَعْنَاك، فَأَنْزَلَ اللَّه الْآيَة إِلَى قَوْله :" لِلْكَافِرِينَ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ.
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ
الضَّمِير فِي " إِنَّهُ " يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ، الْأَوَّل : فَإِنَّ اللَّه نَزَّلَ جِبْرِيل عَلَى قَلْبك.
الثَّانِي : فَإِنَّ جِبْرِيل نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَلْبك.
وَخُصَّ الْقَلْب بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضِع الْعَقْل وَالْعِلْم وَتَلَقِّي الْمَعَارِف.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى شَرَف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَذَمّ مُعَادِيهِ.
الضَّمِير فِي " إِنَّهُ " يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ، الْأَوَّل : فَإِنَّ اللَّه نَزَّلَ جِبْرِيل عَلَى قَلْبك.
الثَّانِي : فَإِنَّ جِبْرِيل نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَلْبك.
وَخُصَّ الْقَلْب بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضِع الْعَقْل وَالْعِلْم وَتَلَقِّي الْمَعَارِف.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى شَرَف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَذَمّ مُعَادِيهِ.
بِإِذْنِ اللَّهِ
أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَعِلْمه.
أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَعِلْمه.
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
يَعْنِي التَّوْرَاة.
يَعْنِي التَّوْرَاة.
وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
الْهُدَى لَفْظ مُؤَنَّث قَالَ الْفَرَّاء : بَعْض بَنِي أَسَد تُؤَنِّث الْهُدَى فَتَقُول : هَذِهِ هُدًى حَسَنَة.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ : هُوَ مُذَكَّر، وَلَمْ يُعْرَب لِأَنَّهُ مَقْصُور وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك، وَيَتَعَدَّى بِحَرْفٍ وَبِغَيْرِ حَرْف وَقَدْ مَضَى فِي " الْفَاتِحَة "، تَقُول : هَدَيْته الطَّرِيق وَإِلَى الطَّرِيق وَالدَّار وَإِلَى الدَّار، أَيْ عَرَّفْته.
الْأُولَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَالثَّانِيَة حَكَاهَا الْأَخْفَش.
وَفِي التَّنْزِيل :" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " و " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] وَقِيلَ : إِنَّ الْهُدَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّهَار ; لِأَنَّ النَّاس يَهْتَدُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ وَجَمِيع مَآرِبهمْ، وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل :
الْهُدَى لَفْظ مُؤَنَّث قَالَ الْفَرَّاء : بَعْض بَنِي أَسَد تُؤَنِّث الْهُدَى فَتَقُول : هَذِهِ هُدًى حَسَنَة.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ : هُوَ مُذَكَّر، وَلَمْ يُعْرَب لِأَنَّهُ مَقْصُور وَالْأَلِف لَا تَتَحَرَّك، وَيَتَعَدَّى بِحَرْفٍ وَبِغَيْرِ حَرْف وَقَدْ مَضَى فِي " الْفَاتِحَة "، تَقُول : هَدَيْته الطَّرِيق وَإِلَى الطَّرِيق وَالدَّار وَإِلَى الدَّار، أَيْ عَرَّفْته.
الْأُولَى لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَالثَّانِيَة حَكَاهَا الْأَخْفَش.
وَفِي التَّنْزِيل :" اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " و " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا " [ الْأَعْرَاف : ٤٣ ] وَقِيلَ : إِنَّ الْهُدَى اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّهَار ; لِأَنَّ النَّاس يَهْتَدُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ وَجَمِيع مَآرِبهمْ، وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل :
| حَتَّى اِسْتَبَنْت الْهُدَى وَالْبِيد هَاجِمَة | يَخْشَعْنَ فِي الْآل غُلْفًا أَوْ يُصَلِّينَا |
| شَهِدْنَا فَمَا تَلْقَى لَنَا مِنْ كَتِيبَة | مَدَى الدَّهْر إِلَّا جَبْرَئِيل أَمَامهَا |
الرَّابِعَة : جَبْرَئِل ( عَلَى وَزْن جَبْرَعِل ) مَقْصُور، وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم.
الْخَامِسَة : مِثْلهَا، وَهِيَ قِرَاءَة يَحْيَى بْن يَعْمَر، إِلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ اللَّام.
السَّادِسَة : جَبْرَائِل ( بِأَلِفٍ بَعْد الرَّاء ثُمَّ هَمْزَة ) وَبِهَا قَرَأَ عِكْرِمَة.
السَّابِعَة : مِثْلهَا، إِلَّا أَنَّ بَعْد الْهَمْزَة يَاء.
الثَّامِنَة : جَبْرَيِيل ( بِيَاءَيْنِ بِغَيْرِ هَمْزَة ) وَبِهَا قَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن يَعْمَر أَيْضًا.
التَّاسِعَة : جَبْرَئِين ( بِفَتْحِ الْجِيم مَعَ هَمْزَة مَكْسُورَة بَعْدهَا يَاء وَنُون ).
الْعَاشِرَة : جِبْرِين ( بِكَسْرِ الْجِيم وَتَسْكِين الْبَاء بِنُونٍ مِنْ غَيْر هَمْزَة ) وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد.
قَالَ الطَّبَرِيّ : وَلَمْ يُقْرَأ بِهَا.
قَالَ النَّحَّاس - وَذَكَرَ قِرَاءَة اِبْن كَثِير - :" لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب فَعْلِيل، وَفِيهِ فِعْلِيل، نَحْو دِهْلِيز وَقِطْمِير وَبِرْطِيل، وَلَيْسَ يُنْكَر أَنْ يَكُون فِي كَلَام الْعَجَم مَا لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي كَلَام الْعَرَب، وَلَيْسَ يُنْكَر أَنْ يَكْثُر تَغَيُّره، كَمَا قَالُوا : إِبْرَاهِيم وَإِبْرَهَم وَإِبْرَاهَم وَإِبْرَاهَام ".
قَالَ غَيْره : جِبْرِيل اِسْم أَعْجَمِيّ عَرَّبَتْهُ الْعَرَب، فَلَهَا فِيهِ هَذِهِ اللُّغَات وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف.
قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الْكِتَاب أَنَّ الصَّحِيح فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظ عَرَبِيَّة نَزَلَ بِهَا جِبْرِيل بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين.
قَالَ النَّحَّاس : وَيُجْمَع جِبْرِيل عَلَى التَّكْسِير جَبَارِيل.
وَأَمَّا اللُّغَات الَّتِي فِي مِيكَائِيل فَسِتّ :
الْأُولَى : مِيكَايِيل، قِرَاءَة نَافِع.
الثَّانِيَة : وَمِيكَائِيل ( بِيَاءٍ بَعْد الْهَمْزَة ) قِرَاءَة حَمْزَة.
الثَّالِثَة : مِيكَال، لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَحَفْص عَنْ عَاصِم.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن كَثِير الثَّلَاثَة أَوْجُه، قَالَ كَعْب بْن مَالِك :
وَقَالَ آخَر :
الرَّابِعَة : مِيكَئِيل، مِثْل مِيكَعِيل، وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مُحَيْصِن.
الْخَامِسَة : مِيكَايِيل ( بِيَاءَيْنِ ) وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ.
السَّادِسَة : مِيكَاءَل، كَمَا يُقَال ( إِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة )، وَهُوَ اِسْم أَعْجَمِيّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف.
وَذَكَرَ اِبْن عَبَّاس أَنَّ جَبْر وَمِيكَا وَإِسْرَاف هِيَ كُلّهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ بِمَعْنَى : عَبْد وَمَمْلُوك.
وَإِيل : اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَمِنْهُ قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين سَمِعَ سَجْع مُسَيْلِمَة : هَذَا كَلَام لَمْ يَخْرُج مِنْ إِلّ، وَفِي التَّنْزِيل :" لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلَا ذِمَّة " فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ، وَسَيَأْتِي.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : إِنَّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل اِسْمَانِ، أَحَدهمَا عَبْد اللَّه، وَالْآخَر عُبَيْد اللَّه ; لِأَنَّ إِيل هُوَ اللَّه تَعَالَى، وَجَبْر هُوَ عَبْد، وَمِيكَا هُوَ عُبَيْد، فَكَأَنَّ جِبْرِيل عَبْد اللَّه، وَمِيكَائِيل عُبَيْد اللَّه، هَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمُفَسِّرِينَ مُخَالِف.
قُلْت : وَزَادَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : وَإِسْرَافِيل عَبْد الرَّحْمَن.
قَالَ النَّحَّاس : وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيث " جَبْر " عَبْد، و " إِلّ " اللَّه وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول : هَذَا جَبْرُئل وَرَأَيْت جَبْرَئل وَمَرَرْت بِجَبْرِئل، وَهَذَا لَا يُقَال، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ مُسَمًّى بِهَذَا.
قَالَ غَيْره : وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ مَصْرُوفًا، فَتَرْك الصَّرْف يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ اِسْم وَاحِد مُفْرَد لَيْسَ بِمُضَافٍ.
وَرَوَى عَبْد الْغَنِيّ الْحَافِظ مِنْ حَدِيث أَفْلَتْ بْن خَلِيفَة - وَهُوَ فُلَيْت الْعَامِرِيّ وَهُوَ أَبُو حَسَّان - عَنْ جَسْرَة بِنْت دَجَاجَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيل وَمِيكَايِل وَإِسْرَافِيل أَعُوذ بِك مِنْ حَرّ النَّار وَعَذَاب الْقَبْر ).
قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الْكِتَاب أَنَّ الصَّحِيح فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظ عَرَبِيَّة نَزَلَ بِهَا جِبْرِيل بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين.
قَالَ النَّحَّاس : وَيُجْمَع جِبْرِيل عَلَى التَّكْسِير جَبَارِيل.
وَأَمَّا اللُّغَات الَّتِي فِي مِيكَائِيل فَسِتّ :
الْأُولَى : مِيكَايِيل، قِرَاءَة نَافِع.
الثَّانِيَة : وَمِيكَائِيل ( بِيَاءٍ بَعْد الْهَمْزَة ) قِرَاءَة حَمْزَة.
الثَّالِثَة : مِيكَال، لُغَة أَهْل الْحِجَاز، وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَحَفْص عَنْ عَاصِم.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن كَثِير الثَّلَاثَة أَوْجُه، قَالَ كَعْب بْن مَالِك :
| وَيَوْم بَدْر لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَد | فِيهِ مَعَ النَّصْر مِيكَال وَجِبْرِيل |
| عَبَدُوا الصَّلِيب وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ | وَبِجَبْرَئِيل وَكَذَّبُوا مِيكَالَا |
الْخَامِسَة : مِيكَايِيل ( بِيَاءَيْنِ ) وَهِيَ قِرَاءَة الْأَعْمَش بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ.
السَّادِسَة : مِيكَاءَل، كَمَا يُقَال ( إِسْرَاءَل بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَة )، وَهُوَ اِسْم أَعْجَمِيّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِف.
وَذَكَرَ اِبْن عَبَّاس أَنَّ جَبْر وَمِيكَا وَإِسْرَاف هِيَ كُلّهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ بِمَعْنَى : عَبْد وَمَمْلُوك.
وَإِيل : اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَمِنْهُ قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين سَمِعَ سَجْع مُسَيْلِمَة : هَذَا كَلَام لَمْ يَخْرُج مِنْ إِلّ، وَفِي التَّنْزِيل :" لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلَا ذِمَّة " فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ، وَسَيَأْتِي.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : إِنَّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل اِسْمَانِ، أَحَدهمَا عَبْد اللَّه، وَالْآخَر عُبَيْد اللَّه ; لِأَنَّ إِيل هُوَ اللَّه تَعَالَى، وَجَبْر هُوَ عَبْد، وَمِيكَا هُوَ عُبَيْد، فَكَأَنَّ جِبْرِيل عَبْد اللَّه، وَمِيكَائِيل عُبَيْد اللَّه، هَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمُفَسِّرِينَ مُخَالِف.
قُلْت : وَزَادَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : وَإِسْرَافِيل عَبْد الرَّحْمَن.
قَالَ النَّحَّاس : وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيث " جَبْر " عَبْد، و " إِلّ " اللَّه وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول : هَذَا جَبْرُئل وَرَأَيْت جَبْرَئل وَمَرَرْت بِجَبْرِئل، وَهَذَا لَا يُقَال، فَوَجَبَ أَنْ يَكُون مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ مُسَمًّى بِهَذَا.
قَالَ غَيْره : وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ مَصْرُوفًا، فَتَرْك الصَّرْف يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ اِسْم وَاحِد مُفْرَد لَيْسَ بِمُضَافٍ.
وَرَوَى عَبْد الْغَنِيّ الْحَافِظ مِنْ حَدِيث أَفْلَتْ بْن خَلِيفَة - وَهُوَ فُلَيْت الْعَامِرِيّ وَهُوَ أَبُو حَسَّان - عَنْ جَسْرَة بِنْت دَجَاجَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيل وَمِيكَايِل وَإِسْرَافِيل أَعُوذ بِك مِنْ حَرّ النَّار وَعَذَاب الْقَبْر ).
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : هَذَا جَوَاب لِابْنِ صُورِيَّا حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفهُ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْك مِنْ آيَة بَيِّنَة فَنَتَّبِعك بِهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : هَذَا جَوَاب لِابْنِ صُورِيَّا حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفهُ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْك مِنْ آيَة بَيِّنَة فَنَتَّبِعك بِهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ.
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا
الْوَاو وَاو الْعَطْف، دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف الِاسْتِفْهَام كَمَا تَدْخُل عَلَى الْفَاء فِي قَوْله :" أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة " [ الْمَائِدَة : ٥٠ ]، " أَفَأَنْت تُسْمِع الصُّمّ " [ الزُّخْرُف : ٤٠ ]، " أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته " [ الْكَهْف : ٥٠ ].
وَعَلَى ثُمَّ كَقَوْلِهِ :" أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ " [ يُونُس : ٥١ ] هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْوَاو زَائِدَة.
وَمَذْهَب الْكِسَائِيّ أَنَّهَا أَوْ، حُرِّكَتْ الْوَاو مِنْهَا تَسْهِيلًا.
وَقَرَأَهَا قَوْم أَوْ، سَاكِنَة الْوَاو فَتَجِيء بِمَعْنَى بَلْ، كَمَا يَقُول الْقَائِل : لَأَضْرِبَنَّك، فَيَقُول الْمُجِيب : أَوَيَكْفِي اللَّه.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا كُلّه مُتَكَلَّف، وَالصَّحِيح قَوْل سِيبَوَيْهِ.
" كُلَّمَا " نُصِبَ عَلَى الظَّرْف، وَالْمَعْنِيّ فِي الْآيَة مَالِك بْن الصَّيْف، وَيُقَال فِيهِ اِبْن الضَّيْف، كَانَ قَدْ قَالَ : وَاَللَّه مَا أُخِذَ عَلَيْنَا عَهْد فِي كِتَابنَا أَنْ نُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ وَلَا مِيثَاق، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَقِيلَ : إِنَّ الْيَهُود عَاهَدُوا لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّد لَنُؤْمِن بِهِ وَلَنَكُونَن مَعَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ.
وَقَالَ عَطَاء : هِيَ الْعُهُود الَّتِي كَانَتْ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْيَهُود فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ " [ الْأَنْفَال : ٥٦ ].
الْوَاو وَاو الْعَطْف، دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف الِاسْتِفْهَام كَمَا تَدْخُل عَلَى الْفَاء فِي قَوْله :" أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة " [ الْمَائِدَة : ٥٠ ]، " أَفَأَنْت تُسْمِع الصُّمّ " [ الزُّخْرُف : ٤٠ ]، " أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّته " [ الْكَهْف : ٥٠ ].
وَعَلَى ثُمَّ كَقَوْلِهِ :" أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ " [ يُونُس : ٥١ ] هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْوَاو زَائِدَة.
وَمَذْهَب الْكِسَائِيّ أَنَّهَا أَوْ، حُرِّكَتْ الْوَاو مِنْهَا تَسْهِيلًا.
وَقَرَأَهَا قَوْم أَوْ، سَاكِنَة الْوَاو فَتَجِيء بِمَعْنَى بَلْ، كَمَا يَقُول الْقَائِل : لَأَضْرِبَنَّك، فَيَقُول الْمُجِيب : أَوَيَكْفِي اللَّه.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا كُلّه مُتَكَلَّف، وَالصَّحِيح قَوْل سِيبَوَيْهِ.
" كُلَّمَا " نُصِبَ عَلَى الظَّرْف، وَالْمَعْنِيّ فِي الْآيَة مَالِك بْن الصَّيْف، وَيُقَال فِيهِ اِبْن الضَّيْف، كَانَ قَدْ قَالَ : وَاَللَّه مَا أُخِذَ عَلَيْنَا عَهْد فِي كِتَابنَا أَنْ نُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ وَلَا مِيثَاق، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَقِيلَ : إِنَّ الْيَهُود عَاهَدُوا لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّد لَنُؤْمِن بِهِ وَلَنَكُونَن مَعَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ.
وَقَالَ عَطَاء : هِيَ الْعُهُود الَّتِي كَانَتْ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْيَهُود فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ قُرَيْظَة وَالنَّضِير، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ " [ الْأَنْفَال : ٥٦ ].
نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
النَّبْذ : الطَّرْح وَالْإِلْقَاء، وَمِنْهُ النَّبِيذ وَالْمَنْبُوذ، قَالَ أَبُو الْأَسْوَد :
آخَر :
وَهَذَا مَثَل يُضْرَب لِمَنْ اِسْتَخَفَّ بِالشَّيْءِ فَلَا يَعْمَل بِهِ، تَقُول الْعَرَب : اِجْعَلْ هَذَا خَلْف ظَهْرك، وَدُبُرًا مِنْك، وَتَحْت قَدَمك، أَيْ اُتْرُكْهُ وَأَعْرِضْ عَنْهُ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاِتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا " [ هُود : ٩٢ ].
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
النَّبْذ : الطَّرْح وَالْإِلْقَاء، وَمِنْهُ النَّبِيذ وَالْمَنْبُوذ، قَالَ أَبُو الْأَسْوَد :
| وَخَبَّرَنِي مَنْ كُنْت أَرْسَلْت إِنَّمَا | أَخَذْت كِتَابِي مُعْرِضًا بِشِمَالِكَا |
| نَظَرْت إِلَى عُنْوَانه فَنَبَذْته | كَنَبْذِك نَعْلًا أَخَلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا |
| إِنَّ الَّذِينَ أَمَرْتهمْ أَنْ يَعْدِلُوا | نَبَذُوا كِتَابك وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَا |
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
| تَمِيم بْن زَيْد لَا تَكُونَن حَاجَتِي | بِظَهْرٍ فَلَا يَعْيَا عَلَيَّ جَوَابهَا |
| وَخَبَّرَنِي مَنْ كُنْت أَرْسَلْت إِنَّمَا | أَخَذْت كِتَابِي مُعْرِضًا بِشِمَالِكَا |
| نَظَرْت إِلَى عُنْوَانه فَنَبَذْته | كَنَبْذِك نَعْلًا أَخَلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا |
| إِنَّ الَّذِينَ أَمَرْتهمْ أَنْ يَعْدِلُوا | نَبَذُوا كِتَابك وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَا |
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء :
| تَمِيم بْن زَيْد لَا تَكُونَن حَاجَتِي | بِظَهْرٍ فَلَا يَعْيَا عَلَيَّ جَوَابهَا |
| وَإِذَا مَرَرْت بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ | كُوم الْهِجَان وَكُلّ طَرَف سَابِح |
| وَانَضْح جَوَانِب قَبْره بِدِمَائِهَا | فَلَقَدْ يَكُون أَخَا دَم وَذَبَائِح |
و " مَا " مَفْعُول ب " اِتَّبَعُوا " أَيْ اِتَّبَعُوا مَا تَقَوَّلَتْهُ الشَّيَاطِين عَلَى سُلَيْمَان وَتَلَتْهُ.
وَقِيلَ :" مَا " نَفْي، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لَا فِي نِظَام الْكَلَام وَلَا فِي صِحَّته، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
" عَلَى مُلْك سُلَيْمَان " أَيْ عَلَى شَرْعه وَنُبُوَّته.
قَالَ الزَّجَّاج : قَالَ الْفَرَّاء عَلَى عَهْد مُلْك سُلَيْمَان.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فِي مُلْك سُلَيْمَان، يَعْنِي فِي قَصَصه وَصِفَاته وَأَخْبَاره.
قَالَ الْفَرَّاء : تَصْلُح عَلَى وَفِي، فِي مِثْل هَذَا الْمَوْضِع.
وَقَالَ " عَلَى " وَلَمْ يَقُلْ بَعْد لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول وَلَا نَبِيّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّته " [ الْحَجّ : ٥٢ ] أَيْ فِي تِلَاوَته.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الشَّيْطَان وَاشْتِقَاقه، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ.
وَالشَّيَاطِين هُنَا قِيلَ : هُمْ شَيَاطِين الْجِنّ، وَهُوَ الْمَفْهُوم مِنْ هَذَا الِاسْم.
وَقِيلَ : الْمُرَاد شَيَاطِين الْإِنْس الْمُتَمَرِّدُونَ فِي الضَّلَال، كَقَوْلِ جَرِير :
وَالشَّيَاطِين هُنَا قِيلَ : هُمْ شَيَاطِين الْجِنّ، وَهُوَ الْمَفْهُوم مِنْ هَذَا الِاسْم.
وَقِيلَ : الْمُرَاد شَيَاطِين الْإِنْس الْمُتَمَرِّدُونَ فِي الضَّلَال، كَقَوْلِ جَرِير :
| أَيَّام يَدْعُونَنِي الشَّيْطَان مِنْ غَزَلِي | وَكُنَّ يَهْوَيْنَنِي إِذْ كُنْت شَيْطَانًا |
| فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا | عَصَافِير مِنْ هَذَا الْأَنَام الْمُسَحَّر |
| أَرَانَا مُوضِعِينَ لِأَمْرِ غَيْب | وَنُسْحَر بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ |
| عَصَافِير وَذِبَّان وَدُود | وَأَجْرَأ مِنْ مُجَلِّحَة الذِّئَاب |
وَقِيلَ : أَصْله الْخَفَاء، فَإِنَّ السَّاحِر يَفْعَلهُ فِي خُفْيَة.
وَقِيلَ : أَصْله الصَّرْف، يُقَال : مَا سَحَرَك عَنْ كَذَا، أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ، فَالسِّحْر مَصْرُوف عَنْ جِهَته.
وَقِيلَ : أَصْله الِاسْتِمَالَة، وَكُلّ مَنْ اِسْتَمَالَك فَقَدْ سَحَرَك.
وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى :" بَلْ نَحْنُ قَوْم مَسْحُورُونَ " [ الْحِجْر : ١٥ ] أَيْ سُحِرْنَا فَأُزِلْنَا بِالتَّخْيِيلِ عَنْ مَعْرِفَتنَا.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : السِّحْر الْأَخْذَة، وَكُلّ مَا لَطُفَ مَأْخَذه وَدَقَّ فَهُوَ سِحْر، وَقَدْ سَحَرَهُ يَسْحَرهُ سِحْرًا.
وَالسَّاحِر : الْعَالِم، وَسَحَرَهُ أَيْضًا بِمَعْنَى خَدَعَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : كُنَّا نُسَمِّي السِّحْر فِي الْجَاهِلِيَّة الْعِضَه.
وَالْعِضَه عِنْد الْعَرَب : شِدَّة الْبَهْت وَتَمْوِيه الْكَذِب، قَالَ الشَّاعِر :
| أَعُوذ بِرَبِّي مِنْ النَّافِثَا | تِ فِي عِضَهِ الْعَاضِه الْمُعْضِه |
قَالَ : وَعِنْدنَا أَصْله طِلَّسْم يُبْنَى عَلَى تَأْثِير خَصَائِص الْكَوَاكِب، كَتَأْثِيرِ الشَّمْس فِي زِئْبَق عِصِيّ فِرْعَوْن، أَوْ تَعْظِيم الشَّيَاطِين لِيُسَهِّلُوا لَهُ مَا عَسُرَ.
قُلْت : وَعِنْدنَا أَنَّهُ حَقّ وَلَهُ حَقِيقَة يَخْلُق اللَّه عِنْده مَا شَاءَ، عَلَى مَا يَأْتِي.
ثُمَّ مِنْ السِّحْر مَا يَكُون بِخِفَّةِ الْيَد كَالشَّعْوَذَةِ.
وَالشَّعْوَذِيّ : الْبَرِيد لِخِفَّةِ سَيْره.
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : الشَّعْوَذَة لَيْسَ مِنْ كَلَام أَهْل الْبَادِيَة، وَهِيَ خِفَّة فِي الْيَدَيْنِ وَأَخْذَة كَالسِّحْرِ، وَمِنْهُ مَا يَكُون كَلَامًا يُحْفَظ، وَرُقًى مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ يَكُون مِنْ عُهُود الشَّيَاطِين، وَيَكُون أَدْوِيَة وَأَدْخِنَة وَغَيْر ذَلِكَ.
سَمَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَصَاحَة فِي الْكَلَام وَاللِّسَانَة فِيهِ سِحْرًا، فَقَالَ :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) أَخْرَجَهُ مَالِك وَغَيْره.
وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَصْوِيب الْبَاطِل حَتَّى يَتَوَهَّم السَّامِع أَنَّهُ حَقّ، فَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) خَرَجَ مَخْرَج الذَّمّ لِلْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَة، إِذْ شَبَّهَهَا بِالسِّحْرِ.
وَقِيلَ : خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح لِلْبَلَاغَةِ وَالتَّفْضِيل لِلْبَيَانِ، قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَلَعَلَّ بَعْضكُمْ أَنْ يَكُون أَلْحَن بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض )، وَقَوْله :( إِنَّ أَبْغَضكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ ).
الثَّرْثَرَة : كَثْرَة الْكَلَام وَتَرْدِيده، يُقَال : ثَرْثَرَ الرَّجُل فَهُوَ ثَرْثَار مِهْذَار.
وَالْمُتَفَيْهِق نَحْوه.
قَالَ اِبْن دُرَيْد.
فُلَان يَتَفَيْهَق فِي كَلَامه إِذَا تَوَسَّعَ فِيهِ وَتَنَطَّعَ، قَالَ : وَأَصْله الْفَهْق وَهُوَ الِامْتِلَاء، كَأَنَّهُ مَلَأَ بِهِ فَمه.
قُلْت : وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَسَّرَهُ عَامِر الشَّعْبِيّ رَاوِي الْحَدِيث وَصَعْصَعَة بْن صُوحَان فَقَالَا : أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) فَالرَّجُل يَكُون عَلَيْهِ الْحَقّ وَهُوَ أَلْحَن بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِب الْحَقّ فَيَسْحَر الْقَوْم بِبَيَانِهِ فَيَذْهَب بِالْحَقِّ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْمَد الْعُلَمَاء الْبَلَاغَة وَاللِّسَانَة مَا لَمْ تَخْرُج إِلَى حَدّ الْإِسْهَاب وَالْإِطْنَاب، وَتَصْوِير الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ.
وَهَذَا بَيِّن، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
مِنْ السِّحْر مَا يَكُون كُفْرًا مِنْ فَاعِله، مِثْل مَا يَدْعُونَ مِنْ تَغْيِير صُوَر النَّاس، وَإِخْرَاجهمْ فِي هَيْئَة بَهِيمَة، وَقَطْع مَسَافَة شَهْر فِي لَيْلَة، وَالطَّيَرَان فِي الْهَوَاء، فَكُلّ مَنْ فَعَلَ هَذَا لِيُوهِم النَّاس أَنَّهُ مُحِقّ فَذَلِكَ كُفْر مِنْهُ، قَالَهُ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم الْقُشَيْرِيّ.
قُلْت : وَعِنْدنَا أَنَّهُ حَقّ وَلَهُ حَقِيقَة يَخْلُق اللَّه عِنْده مَا شَاءَ، عَلَى مَا يَأْتِي.
ثُمَّ مِنْ السِّحْر مَا يَكُون بِخِفَّةِ الْيَد كَالشَّعْوَذَةِ.
وَالشَّعْوَذِيّ : الْبَرِيد لِخِفَّةِ سَيْره.
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : الشَّعْوَذَة لَيْسَ مِنْ كَلَام أَهْل الْبَادِيَة، وَهِيَ خِفَّة فِي الْيَدَيْنِ وَأَخْذَة كَالسِّحْرِ، وَمِنْهُ مَا يَكُون كَلَامًا يُحْفَظ، وَرُقًى مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ يَكُون مِنْ عُهُود الشَّيَاطِين، وَيَكُون أَدْوِيَة وَأَدْخِنَة وَغَيْر ذَلِكَ.
سَمَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَصَاحَة فِي الْكَلَام وَاللِّسَانَة فِيهِ سِحْرًا، فَقَالَ :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) أَخْرَجَهُ مَالِك وَغَيْره.
وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَصْوِيب الْبَاطِل حَتَّى يَتَوَهَّم السَّامِع أَنَّهُ حَقّ، فَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) خَرَجَ مَخْرَج الذَّمّ لِلْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَة، إِذْ شَبَّهَهَا بِالسِّحْرِ.
وَقِيلَ : خَرَجَ مَخْرَج الْمَدْح لِلْبَلَاغَةِ وَالتَّفْضِيل لِلْبَيَانِ، قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَلَعَلَّ بَعْضكُمْ أَنْ يَكُون أَلْحَن بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض )، وَقَوْله :( إِنَّ أَبْغَضكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ ).
الثَّرْثَرَة : كَثْرَة الْكَلَام وَتَرْدِيده، يُقَال : ثَرْثَرَ الرَّجُل فَهُوَ ثَرْثَار مِهْذَار.
وَالْمُتَفَيْهِق نَحْوه.
قَالَ اِبْن دُرَيْد.
فُلَان يَتَفَيْهَق فِي كَلَامه إِذَا تَوَسَّعَ فِيهِ وَتَنَطَّعَ، قَالَ : وَأَصْله الْفَهْق وَهُوَ الِامْتِلَاء، كَأَنَّهُ مَلَأَ بِهِ فَمه.
قُلْت : وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَسَّرَهُ عَامِر الشَّعْبِيّ رَاوِي الْحَدِيث وَصَعْصَعَة بْن صُوحَان فَقَالَا : أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ مِنْ الْبَيَان لَسِحْرًا ) فَالرَّجُل يَكُون عَلَيْهِ الْحَقّ وَهُوَ أَلْحَن بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِب الْحَقّ فَيَسْحَر الْقَوْم بِبَيَانِهِ فَيَذْهَب بِالْحَقِّ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْمَد الْعُلَمَاء الْبَلَاغَة وَاللِّسَانَة مَا لَمْ تَخْرُج إِلَى حَدّ الْإِسْهَاب وَالْإِطْنَاب، وَتَصْوِير الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ.
وَهَذَا بَيِّن، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
مِنْ السِّحْر مَا يَكُون كُفْرًا مِنْ فَاعِله، مِثْل مَا يَدْعُونَ مِنْ تَغْيِير صُوَر النَّاس، وَإِخْرَاجهمْ فِي هَيْئَة بَهِيمَة، وَقَطْع مَسَافَة شَهْر فِي لَيْلَة، وَالطَّيَرَان فِي الْهَوَاء، فَكُلّ مَنْ فَعَلَ هَذَا لِيُوهِم النَّاس أَنَّهُ مُحِقّ فَذَلِكَ كُفْر مِنْهُ، قَالَهُ أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم الْقُشَيْرِيّ.
قَالَ أَبُو عَمْرو : مَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّاحِر يَقْلِب الْحَيَوَان مِنْ صُورَة إِلَى صُورَة، فَيَجْعَل الْإِنْسَان حِمَارًا أَوْ نَحْوه، وَيَقْدِر عَلَى نَقْل الْأَجْسَاد وَهَلَاكهَا وَتَبْدِيلهَا، فَهَذَا يَرَى قَتْل السَّاحِر لِأَنَّهُ كَافِر بِالْأَنْبِيَاءِ، يَدَّعِي مِثْل آيَاتهمْ وَمُعْجِزَاتهمْ، وَلَا يَتَهَيَّأ مَعَ هَذَا عِلْم صِحَّة النُّبُوَّة إِذْ قَدْ يَحْصُل مِثْلهَا بِالْحِيلَةِ.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ السِّحْر خُدَع وَمَخَارِيق وَتَمْوِيهَات وَتَخْيِيلَات فَلَمْ يَجِب عَلَى أَصْله قَتْل السَّاحِر، إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِفِعْلِهِ أَحَدًا فَيُقْتَل بِهِ.
ذَهَبَ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ السِّحْر ثَابِت وَلَهُ حَقِيقَة.
وَذَهَبَ عَامَّة الْمُعْتَزِلَة وَأَبُو إِسْحَاق الْإِسْتِرَابَاذِيّ مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّ السِّحْر لَا حَقِيقَة لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيه وَتَخْيِيل وَإِيهَام لِكَوْنِ الشَّيْء عَلَى غَيْر مَا هُوَ بِهِ، وَأَنَّهُ ضَرْب مِنْ الْخِفَّة وَالشَّعْوَذَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى " [ طَه : ٦٦ ] وَلَمْ يَقُلْ تَسْعَى عَلَى الْحَقِيقَة، وَلَكِنْ قَالَ " يُخَيَّل إِلَيْهِ ".
وَقَالَ أَيْضًا :" سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس " [ الْأَعْرَاف : ١١٦ ].
وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّا لَا نُنْكِر أَنْ يَكُون التَّخْيِيل وَغَيْره مِنْ جُمْلَة السِّحْر، وَلَكِنْ ثَبَتَ وَرَاء ذَلِكَ أُمُور جَوَّزَهَا الْعَقْل وَوَرَدَ بِهَا السَّمْع، فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ ذِكْر السِّحْر وَتَعْلِيمه، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَة لَمْ يُمْكِن تَعْلِيمه، وَلَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَهُ النَّاس، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَة.
وَقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّة سَحَرَة فِرْعَوْن :" وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم " وَسُورَة " الْفَلَق "، مَعَ اِتِّفَاق الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ سَبَب نُزُولهَا مَا كَانَ مِنْ سِحْر لَبِيد بْن الْأَعْصَم، وَهُوَ مِمَّا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَحَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق يُقَال لَهُ لَبِيد بْن الْأَعْصَم، الْحَدِيث.
وَفِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا حُلَّ السِّحْر :" إِنَّ اللَّه شَفَانِي ".
وَالشِّفَاء إِنَّمَا يَكُون بِرَفْعِ الْعِلَّة وَزَوَال الْمَرَض، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقًّا وَحَقِيقَة، فَهُوَ مَقْطُوع بِهِ بِإِخْبَارِ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله عَلَى وُجُوده وَوُقُوعه.
وَعَلَى هَذَا أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد الَّذِينَ يَنْعَقِد بِهِمْ الْإِجْمَاع، وَلَا عِبْرَة مَعَ اِتِّفَاقهمْ بِحُثَالَةِ الْمُعْتَزِلَة وَمُخَالَفَتهمْ أَهْل الْحَقّ.
وَلَقَدْ شَاعَ السِّحْر وَذَاعَ فِي سَابِق الزَّمَان وَتَكَلَّمَ النَّاس فِيهِ، وَلَمْ يَبْدُ مِنْ الصَّحَابَة وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ إِنْكَار لِأَصْلِهِ.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ أَبِي الْأَعْوَر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : عِلْم السِّحْر فِي قَرْيَة مِنْ قُرَى مِصْر يُقَال لَهَا :" الْفَرَمَا " فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَهُوَ كَافِر، مُكَذِّب لِلَّهِ وَرَسُوله، مُنْكِر لِمَا عُلِمَ مُشَاهَدَة وَعِيَانًا.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ السِّحْر خُدَع وَمَخَارِيق وَتَمْوِيهَات وَتَخْيِيلَات فَلَمْ يَجِب عَلَى أَصْله قَتْل السَّاحِر، إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِفِعْلِهِ أَحَدًا فَيُقْتَل بِهِ.
ذَهَبَ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ السِّحْر ثَابِت وَلَهُ حَقِيقَة.
وَذَهَبَ عَامَّة الْمُعْتَزِلَة وَأَبُو إِسْحَاق الْإِسْتِرَابَاذِيّ مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّ السِّحْر لَا حَقِيقَة لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيه وَتَخْيِيل وَإِيهَام لِكَوْنِ الشَّيْء عَلَى غَيْر مَا هُوَ بِهِ، وَأَنَّهُ ضَرْب مِنْ الْخِفَّة وَالشَّعْوَذَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى " [ طَه : ٦٦ ] وَلَمْ يَقُلْ تَسْعَى عَلَى الْحَقِيقَة، وَلَكِنْ قَالَ " يُخَيَّل إِلَيْهِ ".
وَقَالَ أَيْضًا :" سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس " [ الْأَعْرَاف : ١١٦ ].
وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّا لَا نُنْكِر أَنْ يَكُون التَّخْيِيل وَغَيْره مِنْ جُمْلَة السِّحْر، وَلَكِنْ ثَبَتَ وَرَاء ذَلِكَ أُمُور جَوَّزَهَا الْعَقْل وَوَرَدَ بِهَا السَّمْع، فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ ذِكْر السِّحْر وَتَعْلِيمه، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَة لَمْ يُمْكِن تَعْلِيمه، وَلَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَهُ النَّاس، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَة.
وَقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّة سَحَرَة فِرْعَوْن :" وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم " وَسُورَة " الْفَلَق "، مَعَ اِتِّفَاق الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ سَبَب نُزُولهَا مَا كَانَ مِنْ سِحْر لَبِيد بْن الْأَعْصَم، وَهُوَ مِمَّا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَحَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق يُقَال لَهُ لَبِيد بْن الْأَعْصَم، الْحَدِيث.
وَفِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا حُلَّ السِّحْر :" إِنَّ اللَّه شَفَانِي ".
وَالشِّفَاء إِنَّمَا يَكُون بِرَفْعِ الْعِلَّة وَزَوَال الْمَرَض، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقًّا وَحَقِيقَة، فَهُوَ مَقْطُوع بِهِ بِإِخْبَارِ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله عَلَى وُجُوده وَوُقُوعه.
وَعَلَى هَذَا أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد الَّذِينَ يَنْعَقِد بِهِمْ الْإِجْمَاع، وَلَا عِبْرَة مَعَ اِتِّفَاقهمْ بِحُثَالَةِ الْمُعْتَزِلَة وَمُخَالَفَتهمْ أَهْل الْحَقّ.
وَلَقَدْ شَاعَ السِّحْر وَذَاعَ فِي سَابِق الزَّمَان وَتَكَلَّمَ النَّاس فِيهِ، وَلَمْ يَبْدُ مِنْ الصَّحَابَة وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ إِنْكَار لِأَصْلِهِ.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ أَبِي الْأَعْوَر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : عِلْم السِّحْر فِي قَرْيَة مِنْ قُرَى مِصْر يُقَال لَهَا :" الْفَرَمَا " فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَهُوَ كَافِر، مُكَذِّب لِلَّهِ وَرَسُوله، مُنْكِر لِمَا عُلِمَ مُشَاهَدَة وَعِيَانًا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا يُنْكَر أَنْ يَظْهَر عَلَى يَد السَّاحِر خَرْق الْعَادَات مِمَّا لَيْسَ فِي مَقْدُور الْبَشَر مِنْ مَرَض وَتَفْرِيق وَزَوَال عَقْل وَتَعْوِيج عُضْو إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَامَ الدَّلِيل عَلَى اِسْتِحَالَة كَوْنه مِنْ مَقْدُورَات الْعِبَاد.
قَالُوا : وَلَا يَبْعُد فِي السِّحْر أَنْ يُسْتَدَقّ جِسْم السَّاحِر حَتَّى يَتَوَلَّج فِي الْكُوَّات وَالْخَوْخَات وَالِانْتِصَاب عَلَى رَأْس قَصَبَة، وَالْجَرْي عَلَى خَيْط مُسْتَدَقّ، وَالطَّيَرَان فِي الْهَوَاء وَالْمَشْي عَلَى الْمَاء وَرُكُوب كَلْب وَغَيْر ذَلِكَ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُون السِّحْر مُوجِبًا لِذَلِكَ، وَلَا عِلَّة لِوُقُوعِهِ وَلَا سَبَبًا مُوَلَّدًا، وَلَا يَكُون السَّاحِر مُسْتَقِلًّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَخْلُق اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأَشْيَاء وَيُحْدِثهَا عِنْد وُجُود السِّحْر، كَمَا يَخْلُق الشِّبَع عِنْد الْأَكْل، وَالرِّيّ عِنْد شُرْب الْمَاء.
رَوَى سُفْيَان عَنْ عَمَّار الذَّهَبِيّ أَنَّ سَاحِرًا كَانَ عِنْد الْوَلِيد بْن عُقْبَة يَمْشِي عَلَى الْحَبْل، وَيَدْخُل فِي اِسْت الْحِمَار وَيَخْرُج مِنْ فِيهِ، فَاشْتَمَلَ لَهُ جُنْدُب عَلَى السَّيْف فَقَتَلَهُ جُنْدُب - هَذَا هُوَ جُنْدُب بْن كَعْب الْأَزْدِيّ وَيُقَال الْبَجَلِيّ - وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي حَقّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَكُون فِي أُمَّتِي رَجُل يُقَال لَهُ جُنْدُب يَضْرِب ضَرْبَة بِالسَّيْفِ يُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل ).
فَكَانُوا يَرَوْنَهُ جُنْدُبًا هَذَا قَاتِل السَّاحِر.
قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : رَوَى عَنْهُ حَارِثَة بْن مُضَرِّب.
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّحْر مَا يَفْعَل اللَّه عِنْده إِنْزَال الْجَرَاد وَالْقُمَّل وَالضَّفَادِع وَفَلْق الْبَحْر وَقَلْب الْعَصَا وَإِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِنْطَاق الْعَجْمَاء، وَأَمْثَال ذَلِكَ مِنْ عَظِيم آيَات الرُّسُل عَلَيْهِمْ السَّلَام.
فَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا يَجِب الْقَطْع بِأَنَّهُ لَا يَكُون وَلَا يَفْعَلهُ اللَّه عِنْد إِرَادَة السَّاحِر.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب : وَإِنَّمَا مَنَعْنَا ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَأَجَزْنَاهُ.
فِي الْفَرْق بَيْن السِّحْر وَالْمُعْجِزَة، قَالَ عُلَمَاؤُنَا : السِّحْر يُوجَد مِنْ السَّاحِر وَغَيْره، وَقَدْ يَكُون جَمَاعَة يَعْرِفُونَهُ وَيُمْكِنهُمْ الْإِتْيَان بِهِ فِي وَقْت وَاحِد.
وَالْمُعْجِزَة لَا يُمَكِّن اللَّه أَحَدًا أَنْ يَأْتِي بِمِثْلِهَا وَبِمُعَارَضَتِهَا، ثُمَّ السَّاحِر لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّة فَاَلَّذِي يَصْدُر مِنْهُ مُتَمَيِّز عَنْ الْمُعْجِزَة، فَإِنَّ الْمُعْجِزَة شَرْطهَا اِقْتِرَان دَعْوَى النُّبُوَّة وَالتَّحَدِّي بِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي حُكْم السَّاحِر الْمُسْلِم وَالذِّمِّيّ، فَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّ الْمُسْلِم إِذَا سَحَرَ بِنَفْسِهِ بِكَلَامٍ يَكُون كُفْرًا يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب وَلَا تُقْبَل تَوْبَته ; لِأَنَّهُ أَمْر يَسْتَسِرّ بِهِ كَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّى السِّحْر كُفْرًا بِقَوْلِهِ :" وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر " وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَبِي ثَوْر وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة.
قَالُوا : وَلَا يَبْعُد فِي السِّحْر أَنْ يُسْتَدَقّ جِسْم السَّاحِر حَتَّى يَتَوَلَّج فِي الْكُوَّات وَالْخَوْخَات وَالِانْتِصَاب عَلَى رَأْس قَصَبَة، وَالْجَرْي عَلَى خَيْط مُسْتَدَقّ، وَالطَّيَرَان فِي الْهَوَاء وَالْمَشْي عَلَى الْمَاء وَرُكُوب كَلْب وَغَيْر ذَلِكَ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُون السِّحْر مُوجِبًا لِذَلِكَ، وَلَا عِلَّة لِوُقُوعِهِ وَلَا سَبَبًا مُوَلَّدًا، وَلَا يَكُون السَّاحِر مُسْتَقِلًّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَخْلُق اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأَشْيَاء وَيُحْدِثهَا عِنْد وُجُود السِّحْر، كَمَا يَخْلُق الشِّبَع عِنْد الْأَكْل، وَالرِّيّ عِنْد شُرْب الْمَاء.
رَوَى سُفْيَان عَنْ عَمَّار الذَّهَبِيّ أَنَّ سَاحِرًا كَانَ عِنْد الْوَلِيد بْن عُقْبَة يَمْشِي عَلَى الْحَبْل، وَيَدْخُل فِي اِسْت الْحِمَار وَيَخْرُج مِنْ فِيهِ، فَاشْتَمَلَ لَهُ جُنْدُب عَلَى السَّيْف فَقَتَلَهُ جُنْدُب - هَذَا هُوَ جُنْدُب بْن كَعْب الْأَزْدِيّ وَيُقَال الْبَجَلِيّ - وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي حَقّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَكُون فِي أُمَّتِي رَجُل يُقَال لَهُ جُنْدُب يَضْرِب ضَرْبَة بِالسَّيْفِ يُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل ).
فَكَانُوا يَرَوْنَهُ جُنْدُبًا هَذَا قَاتِل السَّاحِر.
قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : رَوَى عَنْهُ حَارِثَة بْن مُضَرِّب.
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّحْر مَا يَفْعَل اللَّه عِنْده إِنْزَال الْجَرَاد وَالْقُمَّل وَالضَّفَادِع وَفَلْق الْبَحْر وَقَلْب الْعَصَا وَإِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِنْطَاق الْعَجْمَاء، وَأَمْثَال ذَلِكَ مِنْ عَظِيم آيَات الرُّسُل عَلَيْهِمْ السَّلَام.
فَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا يَجِب الْقَطْع بِأَنَّهُ لَا يَكُون وَلَا يَفْعَلهُ اللَّه عِنْد إِرَادَة السَّاحِر.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب : وَإِنَّمَا مَنَعْنَا ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَاهُ لَأَجَزْنَاهُ.
فِي الْفَرْق بَيْن السِّحْر وَالْمُعْجِزَة، قَالَ عُلَمَاؤُنَا : السِّحْر يُوجَد مِنْ السَّاحِر وَغَيْره، وَقَدْ يَكُون جَمَاعَة يَعْرِفُونَهُ وَيُمْكِنهُمْ الْإِتْيَان بِهِ فِي وَقْت وَاحِد.
وَالْمُعْجِزَة لَا يُمَكِّن اللَّه أَحَدًا أَنْ يَأْتِي بِمِثْلِهَا وَبِمُعَارَضَتِهَا، ثُمَّ السَّاحِر لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّة فَاَلَّذِي يَصْدُر مِنْهُ مُتَمَيِّز عَنْ الْمُعْجِزَة، فَإِنَّ الْمُعْجِزَة شَرْطهَا اِقْتِرَان دَعْوَى النُّبُوَّة وَالتَّحَدِّي بِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي حُكْم السَّاحِر الْمُسْلِم وَالذِّمِّيّ، فَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّ الْمُسْلِم إِذَا سَحَرَ بِنَفْسِهِ بِكَلَامٍ يَكُون كُفْرًا يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب وَلَا تُقْبَل تَوْبَته ; لِأَنَّهُ أَمْر يَسْتَسِرّ بِهِ كَالزِّنْدِيقِ وَالزَّانِي ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى سَمَّى السِّحْر كُفْرًا بِقَوْلِهِ :" وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر " وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَبِي ثَوْر وَإِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة.
وَرُوِيَ قَتْل السَّاحِر عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن عُمَر وَحَفْصَة وَأَبِي مُوسَى وَقَيْس بْن سَعْد وَعَنْ سَبْعَة مِنْ التَّابِعِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، اِنْفَرَدَ بِهِ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهمْ، رَوَاهُ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ عَنْ جُنْدُب قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا بَاعَتْ سَاحِرَة كَانَتْ سَحَرَتْهَا وَجَعَلَتْ ثَمَنهَا فِي الرِّقَاب.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُل أَنَّهُ سَحَرَ بِكَلَامٍ يَكُون كُفْرًا وَجَبَ قَتْله إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَوَصَفَتْ الْبَيِّنَة كَلَامًا يَكُون كُفْرًا.
وَإِنْ كَانَ الْكَلَام الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ سَحَرَ بِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَمْ يَجُزْ قَتْله، فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الْمَسْحُور جِنَايَة تُوجِب الْقِصَاص اُقْتُصَّ مِنْهُ إِنْ كَانَ عَمَدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِصَاص فِيهِ فَفِيهِ دِيَة ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا اِخْتَلَفَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَة وَجَبَ اِتِّبَاع أَشْبَههمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون السِّحْر الَّذِي أَمَرَ مَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِقَتْلِ السَّاحِر سِحْرًا يَكُون كُفْرًا فَيَكُون ذَلِكَ مُوَافِقًا لِسُنَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَمَرَتْ بِبَيْعِ سَاحِرَة لَمْ يَكُنْ سِحْرهَا كُفْرًا.
فَإِنْ اِحْتَجَّ مُحْتَجّ بِحَدِيثِ جُنْدُب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ ) فَلَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُون أَمَرَ بِقَتْلِ السَّاحِر الَّذِي يَكُون سِحْره كُفْرًا، فَيَكُون ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث ).
قُلْت : وَهَذَا صَحِيح، وَدِمَاء الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَة لَا تُسْتَبَاح إِلَّا بِيَقِينٍ وَلَا يَقِين مَعَ الِاخْتِلَاف.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنْ قَالَ أَهْل الصِّنَاعَة إِنَّ السِّحْر لَا يَتِمّ إِلَّا مَعَ الْكُفْر وَالِاسْتِكْبَار، أَوْ تَعْظِيم الشَّيْطَان فَالسِّحْر إِذًا دَالّ عَلَى الْكُفْر عَلَى هَذَا التَّقْدِير، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ : لَا يُقْتَل السَّاحِر إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِسِحْرِهِ وَيَقُول تَعَمَّدْت الْقَتْل، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَتَعَمَّدهُ لَمْ يُقْتَل، وَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَة كَقَتْلِ الْخَطَأ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أُدِّبَ عَلَى قَدْر الضَّرَر.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدهمَا : إِنَّهُ لَمْ يَعْلَم السِّحْر، وَحَقِيقَته أَنَّهُ كَلَام مُؤَلَّف يُعَظِّم بِهِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، وَتُنْسَب إِلَيْهِ الْمَقَادِير وَالْكَائِنَات.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، اِنْفَرَدَ بِهِ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهمْ، رَوَاهُ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ عَنْ جُنْدُب قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا بَاعَتْ سَاحِرَة كَانَتْ سَحَرَتْهَا وَجَعَلَتْ ثَمَنهَا فِي الرِّقَاب.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُل أَنَّهُ سَحَرَ بِكَلَامٍ يَكُون كُفْرًا وَجَبَ قَتْله إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَوَصَفَتْ الْبَيِّنَة كَلَامًا يَكُون كُفْرًا.
وَإِنْ كَانَ الْكَلَام الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ سَحَرَ بِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَمْ يَجُزْ قَتْله، فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الْمَسْحُور جِنَايَة تُوجِب الْقِصَاص اُقْتُصَّ مِنْهُ إِنْ كَانَ عَمَدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِصَاص فِيهِ فَفِيهِ دِيَة ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا اِخْتَلَفَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَة وَجَبَ اِتِّبَاع أَشْبَههمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون السِّحْر الَّذِي أَمَرَ مَنْ أَمَرَ مِنْهُمْ بِقَتْلِ السَّاحِر سِحْرًا يَكُون كُفْرًا فَيَكُون ذَلِكَ مُوَافِقًا لِسُنَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَمَرَتْ بِبَيْعِ سَاحِرَة لَمْ يَكُنْ سِحْرهَا كُفْرًا.
فَإِنْ اِحْتَجَّ مُحْتَجّ بِحَدِيثِ جُنْدُب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَدّ السَّاحِر ضَرْبه بِالسَّيْفِ ) فَلَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُون أَمَرَ بِقَتْلِ السَّاحِر الَّذِي يَكُون سِحْره كُفْرًا، فَيَكُون ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث ).
قُلْت : وَهَذَا صَحِيح، وَدِمَاء الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَة لَا تُسْتَبَاح إِلَّا بِيَقِينٍ وَلَا يَقِين مَعَ الِاخْتِلَاف.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنْ قَالَ أَهْل الصِّنَاعَة إِنَّ السِّحْر لَا يَتِمّ إِلَّا مَعَ الْكُفْر وَالِاسْتِكْبَار، أَوْ تَعْظِيم الشَّيْطَان فَالسِّحْر إِذًا دَالّ عَلَى الْكُفْر عَلَى هَذَا التَّقْدِير، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ : لَا يُقْتَل السَّاحِر إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِسِحْرِهِ وَيَقُول تَعَمَّدْت الْقَتْل، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَتَعَمَّدهُ لَمْ يُقْتَل، وَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَة كَقَتْلِ الْخَطَأ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أُدِّبَ عَلَى قَدْر الضَّرَر.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدهمَا : إِنَّهُ لَمْ يَعْلَم السِّحْر، وَحَقِيقَته أَنَّهُ كَلَام مُؤَلَّف يُعَظِّم بِهِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، وَتُنْسَب إِلَيْهِ الْمَقَادِير وَالْكَائِنَات.
الثَّانِي : إِنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابه بِأَنَّهُ كُفْر فَقَالَ :" وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان " بِقَوْلِ السِّحْر " وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا " بِهِ وَبِتَعْلِيمِهِ، وَهَارُوت وَمَارُوت يَقُولَانِ :" إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر " وَهَذَا تَأْكِيد لِلْبَيَانِ.
اِحْتَجَّ أَصْحَاب مَالِك بِأَنَّهُ لَا تُقْبَل تَوْبَته ; لِأَنَّ السِّحْر بَاطِن لَا يُظْهِرهُ صَاحِبه فَلَا تُعْرَف تَوْبَته كَالزِّنْدِيقِ، وَإِنَّمَا يُسْتَتَاب مَنْ أَظْهَرَ الْكُفْر مُرْتَدًّا، قَالَ مَالِك : فَإِنْ جَاءَ السَّاحِر أَوْ الزِّنْدِيق تَائِبًا قَبْل أَنْ يُشْهَد عَلَيْهِمَا قُبِلَتْ تَوْبَتهمَا، وَالْحُجَّة لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا " [ غَافِر : ٨٥ ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ قَبْل نُزُول الْعَذَاب، فَكَذَلِكَ هَذَانِ.
وَأَمَّا سَاحِر الذِّمَّة، فَقِيلَ يُقْتَل.
وَقَالَ مَالِك : لَا يُقْتَل إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِسِحْرِهِ وَيَضْمَن مَا جَنَى، وَيُقْتَل إِنْ جَاءَ مِنْهُ مَا لَمْ يُعَاهَد عَلَيْهِ.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فَأَمَّا إِذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك، فَقَالَ مَرَّة : يُسْتَتَاب وَتَوْبَته الْإِسْلَام.
وَقَالَ مَرَّة : يُقْتَل وَإِنْ أَسْلَمَ.
وَأَمَّا الْحَرْبِيّ فَلَا يُقْتَل إِذَا تَابَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِك فِي ذِمِّيّ سَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُسْتَتَاب وَتَوْبَته الْإِسْلَام.
وَقَالَ مَرَّة : يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب كَالْمُسْلِمِ.
وَقَالَ مَالِك أَيْضًا فِي الذِّمِّيّ إِذَا سُحِرَ : يُعَاقَب، إِلَّا أَنْ يَكُون قَتَلَ بِسِحْرِهِ، أَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِقَدْرِهِ.
وَقَالَ غَيْره : يُقْتَل ; لِأَنَّهُ قَدْ نَقَضَ الْعَهْد.
وَلَا يَرِث السَّاحِر وَرَثَته ; لِأَنَّهُ كَافِر إِلَّا أَنْ يَكُون سِحْره لَا يُسَمَّى كُفْرًا.
وَقَالَ مَالِك فِي الْمَرْأَة تَعْقِد زَوْجهَا عَنْ نَفْسهَا أَوْ عَنْ غَيْرهَا : تُنَكَّل وَلَا تُقْتَل.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسْأَل السَّاحِر حَلّ السِّحْر عَنْ الْمَسْحُور، فَأَجَازَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُزَنِيّ وَكَرِهَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَا بَأْس بِالنُّشْرَةِ.
قَالَ اِبْن بَطَّال : وَفِي كِتَاب وَهْب بْن مُنَبِّه أَنْ يَأْخُذ سَبْع وَرَقَات مِنْ سِدْر أَخْضَر فَيَدُقّهُ بَيْن حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأ عَلَيْهِ آيَة الْكُرْسِيّ، ثُمَّ يَحْسُو مِنْهُ ثَلَاث حَسَوَات وَيَغْتَسِل بِهِ، فَإِنَّهُ يُذْهِب عَنْهُ كُلّ مَا بِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ جَيِّد لِلرَّجُلِ إِذَا حُبِسَ عَنْ أَهْله.
اِحْتَجَّ أَصْحَاب مَالِك بِأَنَّهُ لَا تُقْبَل تَوْبَته ; لِأَنَّ السِّحْر بَاطِن لَا يُظْهِرهُ صَاحِبه فَلَا تُعْرَف تَوْبَته كَالزِّنْدِيقِ، وَإِنَّمَا يُسْتَتَاب مَنْ أَظْهَرَ الْكُفْر مُرْتَدًّا، قَالَ مَالِك : فَإِنْ جَاءَ السَّاحِر أَوْ الزِّنْدِيق تَائِبًا قَبْل أَنْ يُشْهَد عَلَيْهِمَا قُبِلَتْ تَوْبَتهمَا، وَالْحُجَّة لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَلَمْ يَكُ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا " [ غَافِر : ٨٥ ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْفَعهُمْ إِيمَانهمْ قَبْل نُزُول الْعَذَاب، فَكَذَلِكَ هَذَانِ.
وَأَمَّا سَاحِر الذِّمَّة، فَقِيلَ يُقْتَل.
وَقَالَ مَالِك : لَا يُقْتَل إِلَّا أَنْ يَقْتُل بِسِحْرِهِ وَيَضْمَن مَا جَنَى، وَيُقْتَل إِنْ جَاءَ مِنْهُ مَا لَمْ يُعَاهَد عَلَيْهِ.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فَأَمَّا إِذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك، فَقَالَ مَرَّة : يُسْتَتَاب وَتَوْبَته الْإِسْلَام.
وَقَالَ مَرَّة : يُقْتَل وَإِنْ أَسْلَمَ.
وَأَمَّا الْحَرْبِيّ فَلَا يُقْتَل إِذَا تَابَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِك فِي ذِمِّيّ سَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُسْتَتَاب وَتَوْبَته الْإِسْلَام.
وَقَالَ مَرَّة : يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب كَالْمُسْلِمِ.
وَقَالَ مَالِك أَيْضًا فِي الذِّمِّيّ إِذَا سُحِرَ : يُعَاقَب، إِلَّا أَنْ يَكُون قَتَلَ بِسِحْرِهِ، أَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَيُؤْخَذ مِنْهُ بِقَدْرِهِ.
وَقَالَ غَيْره : يُقْتَل ; لِأَنَّهُ قَدْ نَقَضَ الْعَهْد.
وَلَا يَرِث السَّاحِر وَرَثَته ; لِأَنَّهُ كَافِر إِلَّا أَنْ يَكُون سِحْره لَا يُسَمَّى كُفْرًا.
وَقَالَ مَالِك فِي الْمَرْأَة تَعْقِد زَوْجهَا عَنْ نَفْسهَا أَوْ عَنْ غَيْرهَا : تُنَكَّل وَلَا تُقْتَل.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسْأَل السَّاحِر حَلّ السِّحْر عَنْ الْمَسْحُور، فَأَجَازَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُزَنِيّ وَكَرِهَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَا بَأْس بِالنُّشْرَةِ.
قَالَ اِبْن بَطَّال : وَفِي كِتَاب وَهْب بْن مُنَبِّه أَنْ يَأْخُذ سَبْع وَرَقَات مِنْ سِدْر أَخْضَر فَيَدُقّهُ بَيْن حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأ عَلَيْهِ آيَة الْكُرْسِيّ، ثُمَّ يَحْسُو مِنْهُ ثَلَاث حَسَوَات وَيَغْتَسِل بِهِ، فَإِنَّهُ يُذْهِب عَنْهُ كُلّ مَا بِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَهُوَ جَيِّد لِلرَّجُلِ إِذَا حُبِسَ عَنْ أَهْله.
أَنْكَرَ مُعْظَم الْمُعْتَزِلَة الشَّيَاطِين وَالْجِنّ، وَدَلَّ إِنْكَارهمْ عَلَى قِلَّة مُبَالَاتهمْ وَرَكَاكَة دِيَانَاتهمْ، وَلَيْسَ فِي إِثْبَاتهمْ مُسْتَحِيل عَقْلِيّ، وَقَدْ دَلَّتْ نُصُوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى إِثْبَاتهمْ، وَحَقّ عَلَى اللَّبِيب الْمُعْتَصِم بِحَبْلِ اللَّه أَنْ يُثْبِت مَا قَضَى الْعَقْل بِجَوَازِهِ، وَنَصَّ الشَّرْع عَلَى ثُبُوته، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا " وَقَالَ :" وَمِنْ الشَّيَاطِين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٢ ] إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآي، وَسُورَة " الْجِنّ " تَقْضِي بِذَلِكَ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم ).
وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْخَبَر كَثِير مِنْ النَّاس، وَأَحَالُوا رُوحَيْنِ فِي جَسَد، وَالْعَقْل لَا يُحِيل سُلُوكهمْ فِي الْإِنْس إِذَا كَانَتْ أَجْسَامهمْ رَقِيقَة بَسِيطَة عَلَى مَا يَقُولهُ بَعْض النَّاس بَلْ أَكْثَرهمْ، وَلَوْ كَانُوا كِثَافًا لَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُمْ، كَمَا يَصِحّ دُخُول الطَّعَام وَالشَّرَاب فِي الْفَرَاغ مِنْ الْجِسْم، وَكَذَلِكَ الدِّيدَان قَدْ تَكُون فِي بَنِي آدَم وَهِيَ أَحْيَاء.
وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْخَبَر كَثِير مِنْ النَّاس، وَأَحَالُوا رُوحَيْنِ فِي جَسَد، وَالْعَقْل لَا يُحِيل سُلُوكهمْ فِي الْإِنْس إِذَا كَانَتْ أَجْسَامهمْ رَقِيقَة بَسِيطَة عَلَى مَا يَقُولهُ بَعْض النَّاس بَلْ أَكْثَرهمْ، وَلَوْ كَانُوا كِثَافًا لَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُمْ، كَمَا يَصِحّ دُخُول الطَّعَام وَالشَّرَاب فِي الْفَرَاغ مِنْ الْجِسْم، وَكَذَلِكَ الدِّيدَان قَدْ تَكُون فِي بَنِي آدَم وَهِيَ أَحْيَاء.
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
" مَا " نَفْي، وَالْوَاو لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْله :" وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان " وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَنْزَلَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل بِالسِّحْرِ، فَنَفَى اللَّه ذَلِكَ.
وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، التَّقْدِير وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت، فَهَارُوت وَمَارُوت بَدَل مِنْ الشَّيَاطِين فِي قَوْله :" وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا ".
هَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل، وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِيهَا وَلَا يُلْتَفَت إِلَى سِوَاهُ، فَالسِّحْر مِنْ اِسْتِخْرَاج الشَّيَاطِين لِلَطَافَةِ جَوْهَرهمْ، وَدِقَّة أَفْهَامهمْ، وَأَكْثَر مَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْإِنْس النِّسَاء وَخَاصَّة فِي حَال طَمْثهنَّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد " [ الْفَلَق : ٤ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْف يَكُون اِثْنَانِ بَدَلًا مِنْ جَمْع وَالْبَدَل إِنَّمَا يَكُون عَلَى حَدّ الْمُبْدَل، فَالْجَوَاب مِنْ وُجُوه ثَلَاثَة،
الْأَوَّل : أَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُطْلَق عَلَيْهِمَا اِسْم الْجَمْع، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة فَلِأُمِّهِ السُّدُس " [ النِّسَاء : ١١ ] وَلَا يَحْجُبهَا عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس إِلَّا اِثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَة فَصَاعِدًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء ".
الثَّانِي : أنَّهُمَا لَمَّا كَانَا الرَّأْس فِي التَّعْلِيم نَصَّ عَلَيْهِمَا دُون أتْبَاعِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" عَلَيْهَا تِسْعَة عَشَر " [ الْمُدَّثِّر : ٣٠ ].
الثَّالِث : إِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنهمْ لِتَمَرُّدِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : ٦٨ ] وَقَوْله :" وَجِبْرِيل وَمِيكَال ".
وَهَذَا كَثِير فِي الْقُرْآن وَفِي كَلَام الْعَرَب، فَقَدْ يُنَصّ بِالذِّكْرِ عَلَى بَعْض أَشْخَاص الْعُمُوم إِمَّا لِشَرَفِهِ وَإِمَّا لِفَضْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيم لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ " [ آل عِمْرَان : ٦٨ ] وَقَوْله :" وَجِبْرِيل وَمِيكَال " [ الْبَقَرَة : ٩٨ ]، وَإِمَّا لِطِيبِهِ كَقَوْلِهِ :" فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : ٦٨ ]، وَإِمَّا لِأَكْثَرِيَّتِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَتُرْبَتهَا طَهُورًا )، وَإِمَّا لِتَمَرُّدِهِ وَعُتُوّهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " مَا " عَطْف عَلَى السِّحْر وَهِيَ مَفْعُولَة، فَعَلَى هَذَا يَكُون " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَكُون السِّحْر مُنَزَّلًا عَلَى الْمَلَكَيْنِ فِتْنَة لِلنَّاسِ وَامْتِحَانًا، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِن عِبَاده بِمَا شَاءَ، كَمَا اِمْتَحَنَ بِنَهَرِ طَالُوت، وَلِهَذَا يَقُول الْمَلَكَانِ : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة، أَيْ مِحْنَة مِنْ اللَّه، نُخْبِرك أَنَّ عَمَل السَّاحِر كُفْر فَإِنْ أَطَعْتنَا نَجَوْت، وَإِنْ عَصَيْتنَا هَلَكْت.
" مَا " نَفْي، وَالْوَاو لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْله :" وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان " وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَنْزَلَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل بِالسِّحْرِ، فَنَفَى اللَّه ذَلِكَ.
وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، التَّقْدِير وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر بِبَابِل هَارُوت وَمَارُوت، فَهَارُوت وَمَارُوت بَدَل مِنْ الشَّيَاطِين فِي قَوْله :" وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا ".
هَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل، وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِيهَا وَلَا يُلْتَفَت إِلَى سِوَاهُ، فَالسِّحْر مِنْ اِسْتِخْرَاج الشَّيَاطِين لِلَطَافَةِ جَوْهَرهمْ، وَدِقَّة أَفْهَامهمْ، وَأَكْثَر مَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْإِنْس النِّسَاء وَخَاصَّة فِي حَال طَمْثهنَّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد " [ الْفَلَق : ٤ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
| أَعُوذ بِرَبِّي مِنْ النَّافِثَا | تِ فِي عِضَهِ الْعَاضِهِ الْمُعْضِهِ |
الْأَوَّل : أَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُطْلَق عَلَيْهِمَا اِسْم الْجَمْع، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة فَلِأُمِّهِ السُّدُس " [ النِّسَاء : ١١ ] وَلَا يَحْجُبهَا عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس إِلَّا اِثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَة فَصَاعِدًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء ".
الثَّانِي : أنَّهُمَا لَمَّا كَانَا الرَّأْس فِي التَّعْلِيم نَصَّ عَلَيْهِمَا دُون أتْبَاعِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" عَلَيْهَا تِسْعَة عَشَر " [ الْمُدَّثِّر : ٣٠ ].
الثَّالِث : إِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنهمْ لِتَمَرُّدِهِمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فِيهِمَا فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : ٦٨ ] وَقَوْله :" وَجِبْرِيل وَمِيكَال ".
وَهَذَا كَثِير فِي الْقُرْآن وَفِي كَلَام الْعَرَب، فَقَدْ يُنَصّ بِالذِّكْرِ عَلَى بَعْض أَشْخَاص الْعُمُوم إِمَّا لِشَرَفِهِ وَإِمَّا لِفَضْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِإِبْرَاهِيم لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ " [ آل عِمْرَان : ٦٨ ] وَقَوْله :" وَجِبْرِيل وَمِيكَال " [ الْبَقَرَة : ٩٨ ]، وَإِمَّا لِطِيبِهِ كَقَوْلِهِ :" فَاكِهَة وَنَخْل وَرُمَّان " [ الرَّحْمَن : ٦٨ ]، وَإِمَّا لِأَكْثَرِيَّتِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَتُرْبَتهَا طَهُورًا )، وَإِمَّا لِتَمَرُّدِهِ وَعُتُوّهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " مَا " عَطْف عَلَى السِّحْر وَهِيَ مَفْعُولَة، فَعَلَى هَذَا يَكُون " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَكُون السِّحْر مُنَزَّلًا عَلَى الْمَلَكَيْنِ فِتْنَة لِلنَّاسِ وَامْتِحَانًا، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِن عِبَاده بِمَا شَاءَ، كَمَا اِمْتَحَنَ بِنَهَرِ طَالُوت، وَلِهَذَا يَقُول الْمَلَكَانِ : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة، أَيْ مِحْنَة مِنْ اللَّه، نُخْبِرك أَنَّ عَمَل السَّاحِر كُفْر فَإِنْ أَطَعْتنَا نَجَوْت، وَإِنْ عَصَيْتنَا هَلَكْت.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَكَعْب الْأَحْبَار وَالسُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ مَا مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْفَسَاد مِنْ أَوْلَاد آدَم عَلَيْهِ السَّلَام - وَذَلِكَ فِي زَمَن إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام - عَيَّرَتْهُمْ الْمَلَائِكَة، فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَكَانهمْ، وَرَكَّبْت فِيكُمْ مَا رَكَّبْت فِيهِمْ لَعَمِلْتُمْ مِثْل أَعْمَالهمْ، فَقَالُوا : سُبْحَانك ! مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا ذَلِكَ، قَالَ : فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ خِيَاركُمْ، فَاخْتَارُوا هَارُوت وَمَارُوت، فَأَنْزَلَهُمَا إِلَى الْأَرْض فَرَكَّبَ فِيهِمَا الشَّهْوَة، فَمَا مَرَّ بِهِمَا شَهْر حَتَّى فُتِنَا بِامْرَأَةٍ اِسْمهَا بِالنِّبْطِيَّةِ " بيدخت " وَبِالْفَارِسِيَّةِ " ناهيل " وَبِالْعَرَبِيَّةِ " الزُّهَرَة " اِخْتَصَمَتْ إِلَيْهِمَا، وَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَا فِي دِينهَا وَيَشْرَبَا الْخَمْر وَيَقْتُلَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه، فَأَجَابَاهَا وَشَرِبَا الْخَمْر وَأَلَمَّا بِهَا، فَرَآهُمَا رَجُل فَقَتَلَاهُ، وَسَأَلَتْهُمَا عَنْ الِاسْم الَّذِي يَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاء فَعَلَّمَاهَا فَتَكَلَّمَتْ بِهِ فَعَرَجَتْ فَمُسِخَتْ كَوْكَبًا.
وَقَالَ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه : فَحَدَّثَنِي كَعْب الْحَبْر أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَكْمِلَا يَوْمهمَا حَتَّى عَمِلَا بِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا.
وَفِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث : فَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا، فَهُمَا يُعَذَّبَانِ بِبَابِل فِي سَرَب مِنْ الْأَرْض.
قِيلَ : بَابِل الْعِرَاق.
وَقِيلَ : بَابِل نَهَاوَنْد، وَكَانَ اِبْن عُمَر فِيمَا يُرْوَى عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الزُّهَرَة وَسُهَيْلًا سَبَّهُمَا وَشَتَمَهُمَا، وَيَقُول : إِنَّ سُهَيْلًا كَانَ عَشَّارًا بِالْيَمَنِ يَظْلِم النَّاس، وَإِنَّ الزُّهَرَة كَانَتْ صَاحِبَة هَارُوت وَمَارُوت.
قُلْنَا : هَذَا كُلّه ضَعِيف وَبَعِيد عَنْ اِبْن عُمَر وَغَيْره، لَا يَصِحّ مِنْهُ شَيْء، فَإِنَّهُ قَوْل تَدْفَعهُ الْأُصُول فِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ أُمَنَاء اللَّه عَلَى وَحْيه، وَسُفَرَاؤُهُ إِلَى رُسُله " لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [ التَّحْرِيم : ٦ ].
" بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء :
٢٦ - ٢٧ ].
" يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتُرُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٠ ].
وَأَمَّا الْعَقْل فَلَا يُنْكِر وُقُوع الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة وَيُوجَد مِنْهُمْ خِلَاف مَا كُلِّفُوهُ، وَيَخْلُق فِيهِمْ الشَّهَوَات، إِذْ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كُلّ مَوْهُوم، وَمِنْ هَذَا خَوْف الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء الْفُضَلَاء الْعُلَمَاء، لَكِنْ وُقُوع هَذَا الْجَائِز لَا يُدْرَك إِلَّا بِالسَّمْعِ وَلَمْ يَصِحّ.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى عَدَم صِحَّته أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ النُّجُوم وَهَذِهِ الْكَوَاكِب حِين خَلَقَ السَّمَاء، فَفِي الْخَبَر :( أَنَّ السَّمَاء لَمَّا خُلِقَتْ خُلِقَ فِيهَا سَبْعَة دَوَّارَة زُحَل وَالْمُشْتَرِي وَبَهْرَام وَعُطَارِد وَالزُّهَرَة وَالشَّمْس وَالْقَمَر ".
وَقَالَ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه : فَحَدَّثَنِي كَعْب الْحَبْر أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَكْمِلَا يَوْمهمَا حَتَّى عَمِلَا بِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا.
وَفِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث : فَخُيِّرَا بَيْن عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فَاخْتَارَا عَذَاب الدُّنْيَا، فَهُمَا يُعَذَّبَانِ بِبَابِل فِي سَرَب مِنْ الْأَرْض.
قِيلَ : بَابِل الْعِرَاق.
وَقِيلَ : بَابِل نَهَاوَنْد، وَكَانَ اِبْن عُمَر فِيمَا يُرْوَى عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الزُّهَرَة وَسُهَيْلًا سَبَّهُمَا وَشَتَمَهُمَا، وَيَقُول : إِنَّ سُهَيْلًا كَانَ عَشَّارًا بِالْيَمَنِ يَظْلِم النَّاس، وَإِنَّ الزُّهَرَة كَانَتْ صَاحِبَة هَارُوت وَمَارُوت.
قُلْنَا : هَذَا كُلّه ضَعِيف وَبَعِيد عَنْ اِبْن عُمَر وَغَيْره، لَا يَصِحّ مِنْهُ شَيْء، فَإِنَّهُ قَوْل تَدْفَعهُ الْأُصُول فِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ أُمَنَاء اللَّه عَلَى وَحْيه، وَسُفَرَاؤُهُ إِلَى رُسُله " لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [ التَّحْرِيم : ٦ ].
" بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " [ الْأَنْبِيَاء :
٢٦ - ٢٧ ].
" يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتُرُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٠ ].
وَأَمَّا الْعَقْل فَلَا يُنْكِر وُقُوع الْمَعْصِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة وَيُوجَد مِنْهُمْ خِلَاف مَا كُلِّفُوهُ، وَيَخْلُق فِيهِمْ الشَّهَوَات، إِذْ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كُلّ مَوْهُوم، وَمِنْ هَذَا خَوْف الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء الْفُضَلَاء الْعُلَمَاء، لَكِنْ وُقُوع هَذَا الْجَائِز لَا يُدْرَك إِلَّا بِالسَّمْعِ وَلَمْ يَصِحّ.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى عَدَم صِحَّته أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ النُّجُوم وَهَذِهِ الْكَوَاكِب حِين خَلَقَ السَّمَاء، فَفِي الْخَبَر :( أَنَّ السَّمَاء لَمَّا خُلِقَتْ خُلِقَ فِيهَا سَبْعَة دَوَّارَة زُحَل وَالْمُشْتَرِي وَبَهْرَام وَعُطَارِد وَالزُّهَرَة وَالشَّمْس وَالْقَمَر ".
وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى :" وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٣٣ ].
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الزُّهَرَة وَسُهَيْلًا قَدْ كَانَا قَبْل خَلْق آدَم، ثُمَّ إِنَّ قَوْل الْمَلَائِكَة :" مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا " عَوْرَة : لَا تَقْدِر عَلَى فِتْنَتنَا، وَهَذَا كُفْر نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَمِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى الْمَلَائِكَة الْكِرَام صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ نَزَّهْنَاهُمْ وَهُمْ الْمُنَزَّهُونَ عَنْ كُلّ مَا ذَكَرَهُ وَنَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ، سُبْحَان رَبّك رَبّ الْعِزَّة عَمَّا يَصِفُونَ.
قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن أَبْزَى وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن :" الْمَلِكَيْنِ " بِكَسْرِ اللَّام.
قَالَ اِبْن أَبْزَى : هُمَا دَاوُد وَسُلَيْمَان.
ف " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل أَيْضًا نَافِيَة، وَضَعَّفَ هَذَا الْقَوْل اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُمَا عِلْجَانِ كَانَا بِبَابِل مَلَكَيْنِ، ف " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل مَفْعُولَة غَيْر نَافِيَة.
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الزُّهَرَة وَسُهَيْلًا قَدْ كَانَا قَبْل خَلْق آدَم، ثُمَّ إِنَّ قَوْل الْمَلَائِكَة :" مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا " عَوْرَة : لَا تَقْدِر عَلَى فِتْنَتنَا، وَهَذَا كُفْر نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَمِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى الْمَلَائِكَة الْكِرَام صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ نَزَّهْنَاهُمْ وَهُمْ الْمُنَزَّهُونَ عَنْ كُلّ مَا ذَكَرَهُ وَنَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ، سُبْحَان رَبّك رَبّ الْعِزَّة عَمَّا يَصِفُونَ.
قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن أَبْزَى وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن :" الْمَلِكَيْنِ " بِكَسْرِ اللَّام.
قَالَ اِبْن أَبْزَى : هُمَا دَاوُد وَسُلَيْمَان.
ف " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل أَيْضًا نَافِيَة، وَضَعَّفَ هَذَا الْقَوْل اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُمَا عِلْجَانِ كَانَا بِبَابِل مَلَكَيْنِ، ف " مَا " عَلَى هَذَا الْقَوْل مَفْعُولَة غَيْر نَافِيَة.
بِبَابِلَ
بَابِل لَا يَنْصَرِف لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيف وَالْعُجْمَة، وَهِيَ قُطْر مِنْ الْأَرْض، قِيلَ : الْعِرَاق وَمَا وَالَاهُ.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود لِأَهْلِ الْكُوفَة : أَنْتُمْ بَيْن الْحِيرَة وَبَابِل.
وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ مِنْ نَصِيبِينَ إِلَى رَأْس الْعَيْن.
وَقَالَ قَوْم : هِيَ بِالْمَغْرِبِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ قَوْم : هُوَ جَبَل نَهَاوَنْد، فَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَته بِبَابِل، فَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسُن بِهَا حِين سَقَطَ صَرْح نُمْرُوذ.
وَقِيلَ : سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُخَالِف بَيْن أَلْسِنَة بَنِي آدَم بَعَثَ رِيحًا فَحَشَرَتهمْ مِنْ الْآفَاق إِلَى بَابِل، فَبَلْبَلَ اللَّه أَلْسِنَتهمْ بِهَا، ثُمَّ فَرَّقَتْهُمْ تِلْكَ الرِّيح فِي الْبِلَاد.
وَالْبَلْبَلَة : التَّفْرِيق، قَالَ مَعْنَاهُ الْخَلِيل.
وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ أَخْصَر مَا قِيلَ فِي الْبَلْبَلَة وَأَحْسَنه مَا رَوَاهُ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ عِلْبَاء بْن أَحْمَر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا هَبَطَ إِلَى أَسْفَل الْجُودِيّ اِبْتَنَى قَرْيَة وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ، فَأَصْبَحَ ذَات يَوْم وَقَدْ تَبَلْبَلَتْ أَلْسِنَتهمْ عَلَى ثَمَانِينَ لُغَة، إِحْدَاهَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ، وَكَانَ لَا يَفْهَم بَعْضهمْ عَنْ بَعْض.
رَوَى عَبْد اللَّه بْن بِشْر الْمَازِنِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِتَّقُوا الدُّنْيَا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَأَسْحَر مِنْ هَارُوت وَمَارُوت ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا كَانَتْ الدُّنْيَا أَسْحَر مِنْهُمَا لِأَنَّهَا تَسْحَرك بِخُدَعِهَا، وَتَكْتُمك فِتْنَتهَا، فَتَدْعُوك إِلَى التَّحَارُص عَلَيْهَا وَالتَّنَافُس فِيهَا، وَالْجَمْع لَهَا وَالْمَنْع، حَتَّى تُفَرِّق بَيْنك وَبَيْن طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَتُفَرِّق بَيْنك وَبَيْن رُؤْيَة الْحَقّ وَرِعَايَته، فَالدُّنْيَا أَسْحَر مِنْهُمَا، تَأْخُذ بِقَلْبِك عَنْ اللَّه، وَعَنْ الْقِيَام بِحُقُوقِهِ، وَعَنْ وَعْده وَوَعِيده.
وَسِحْر الدُّنْيَا مَحَبَّتهَا وَتَلَذُّذك بِشَهَوَاتِهَا، وَتَمَنِّيك بِأَمَانِيِّهَا الْكَاذِبَة حَتَّى تَأْخُذ بِقَلْبِك، وَلِهَذَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيُصِمّ ).
بَابِل لَا يَنْصَرِف لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيف وَالْعُجْمَة، وَهِيَ قُطْر مِنْ الْأَرْض، قِيلَ : الْعِرَاق وَمَا وَالَاهُ.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود لِأَهْلِ الْكُوفَة : أَنْتُمْ بَيْن الْحِيرَة وَبَابِل.
وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ مِنْ نَصِيبِينَ إِلَى رَأْس الْعَيْن.
وَقَالَ قَوْم : هِيَ بِالْمَغْرِبِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ قَوْم : هُوَ جَبَل نَهَاوَنْد، فَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَته بِبَابِل، فَقِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسُن بِهَا حِين سَقَطَ صَرْح نُمْرُوذ.
وَقِيلَ : سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُخَالِف بَيْن أَلْسِنَة بَنِي آدَم بَعَثَ رِيحًا فَحَشَرَتهمْ مِنْ الْآفَاق إِلَى بَابِل، فَبَلْبَلَ اللَّه أَلْسِنَتهمْ بِهَا، ثُمَّ فَرَّقَتْهُمْ تِلْكَ الرِّيح فِي الْبِلَاد.
وَالْبَلْبَلَة : التَّفْرِيق، قَالَ مَعْنَاهُ الْخَلِيل.
وَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : مِنْ أَخْصَر مَا قِيلَ فِي الْبَلْبَلَة وَأَحْسَنه مَا رَوَاهُ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ عِلْبَاء بْن أَحْمَر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا هَبَطَ إِلَى أَسْفَل الْجُودِيّ اِبْتَنَى قَرْيَة وَسَمَّاهَا ثَمَانِينَ، فَأَصْبَحَ ذَات يَوْم وَقَدْ تَبَلْبَلَتْ أَلْسِنَتهمْ عَلَى ثَمَانِينَ لُغَة، إِحْدَاهَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ، وَكَانَ لَا يَفْهَم بَعْضهمْ عَنْ بَعْض.
رَوَى عَبْد اللَّه بْن بِشْر الْمَازِنِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِتَّقُوا الدُّنْيَا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَأَسْحَر مِنْ هَارُوت وَمَارُوت ).
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّمَا كَانَتْ الدُّنْيَا أَسْحَر مِنْهُمَا لِأَنَّهَا تَسْحَرك بِخُدَعِهَا، وَتَكْتُمك فِتْنَتهَا، فَتَدْعُوك إِلَى التَّحَارُص عَلَيْهَا وَالتَّنَافُس فِيهَا، وَالْجَمْع لَهَا وَالْمَنْع، حَتَّى تُفَرِّق بَيْنك وَبَيْن طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَتُفَرِّق بَيْنك وَبَيْن رُؤْيَة الْحَقّ وَرِعَايَته، فَالدُّنْيَا أَسْحَر مِنْهُمَا، تَأْخُذ بِقَلْبِك عَنْ اللَّه، وَعَنْ الْقِيَام بِحُقُوقِهِ، وَعَنْ وَعْده وَوَعِيده.
وَسِحْر الدُّنْيَا مَحَبَّتهَا وَتَلَذُّذك بِشَهَوَاتِهَا، وَتَمَنِّيك بِأَمَانِيِّهَا الْكَاذِبَة حَتَّى تَأْخُذ بِقَلْبِك، وَلِهَذَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حُبّك الشَّيْء يُعْمِي وَيُصِمّ ).
هَارُوتَ وَمَارُوتَ
لَا يَنْصَرِف " هَارُوت " ; لِأَنَّهُ أَعْجَمِيّ مَعْرِفَة، وَكَذَا " مَارُوت "، وَيُجْمَع هَوَارِيت وَمَوَارِيت، مِثْل طَوَاغِيت، وَيُقَال : هَوَارِتَة وَهَوَار، وَمَوَارِتَة وَمَوَار، وَمِثْله جَالُوت وَطَالُوت، فَاعْلَمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَلْ هُمَا مَلَكَانِ أَوْ غَيْرهمَا ؟ خِلَاف.
قَالَ الزَّجَّاج : وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيْ وَاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَأَنَّ الْمَلَكَيْنِ يُعَلِّمَانِ النَّاس تَعْلِيم إِنْذَار مِنْ السِّحْر لَا تَعْلِيم دُعَاء إِلَيْهِ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَالنَّظَر، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ النَّاس عَلَى النَّهْي فَيَقُولَانِ لَهُمْ : لَا تَفْعَلُوا كَذَا، وَلَا تَحْتَالُوا بِكَذَا لِتُفَرِّقُوا بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه.
وَاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا هُوَ النَّهْي، كَأَنَّهُ قُولَا لِلنَّاسِ : لَا تَعْمَلُوا كَذَا، ف " يُعَلِّمَانِ " بِمَعْنَى يُعْلِمَانِ، كَمَا قَالَ :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم " أَيْ أَكْرَمنَا.
لَا يَنْصَرِف " هَارُوت " ; لِأَنَّهُ أَعْجَمِيّ مَعْرِفَة، وَكَذَا " مَارُوت "، وَيُجْمَع هَوَارِيت وَمَوَارِيت، مِثْل طَوَاغِيت، وَيُقَال : هَوَارِتَة وَهَوَار، وَمَوَارِتَة وَمَوَار، وَمِثْله جَالُوت وَطَالُوت، فَاعْلَمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَلْ هُمَا مَلَكَانِ أَوْ غَيْرهمَا ؟ خِلَاف.
قَالَ الزَّجَّاج : وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيْ وَاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَأَنَّ الْمَلَكَيْنِ يُعَلِّمَانِ النَّاس تَعْلِيم إِنْذَار مِنْ السِّحْر لَا تَعْلِيم دُعَاء إِلَيْهِ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَالنَّظَر، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ النَّاس عَلَى النَّهْي فَيَقُولَانِ لَهُمْ : لَا تَفْعَلُوا كَذَا، وَلَا تَحْتَالُوا بِكَذَا لِتُفَرِّقُوا بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه.
وَاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا هُوَ النَّهْي، كَأَنَّهُ قُولَا لِلنَّاسِ : لَا تَعْمَلُوا كَذَا، ف " يُعَلِّمَانِ " بِمَعْنَى يُعْلِمَانِ، كَمَا قَالَ :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم " أَيْ أَكْرَمنَا.
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ
" مِنْ " زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ، وَالتَّقْدِير : وَمَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا.
وَالضَّمِير فِي " يُعَلِّمَانِ " لِهَارُوت وَمَارُوت.
وَفِي " يُعَلِّمَانِ " قَوْلَانِ، أَحَدهمَا : أَنَّهُ عَلَى بَابه مِنْ التَّعْلِيم.
الثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ الْإِعْلَام لَا مِنْ التَّعْلِيم، ف " يُعَلِّمَانِ " بِمَعْنَى يُعْلِمَانِ، وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب تَعَلَّمْ بِمَعْنَى اعْلَمْ، ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن الْأَنْبَارِيّ.
قَالَ كَعْب بْن مَالِك.
وَقَالَ الْقُطَامِيّ :
وَقَالَ زُهَيْر :
وَقَالَ آخَر :
" مِنْ " زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ، وَالتَّقْدِير : وَمَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا.
وَالضَّمِير فِي " يُعَلِّمَانِ " لِهَارُوت وَمَارُوت.
وَفِي " يُعَلِّمَانِ " قَوْلَانِ، أَحَدهمَا : أَنَّهُ عَلَى بَابه مِنْ التَّعْلِيم.
الثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ الْإِعْلَام لَا مِنْ التَّعْلِيم، ف " يُعَلِّمَانِ " بِمَعْنَى يُعْلِمَانِ، وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب تَعَلَّمْ بِمَعْنَى اعْلَمْ، ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن الْأَنْبَارِيّ.
قَالَ كَعْب بْن مَالِك.
| تَعَلَّمْ رَسُول اللَّه أَنَّك مُدْرِكِي | وَأَنَّ وَعِيدًا مِنْك كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ |
| تَعَلَّمْ أَنَّ بَعْد الْغَيّ رُشْدًا | وَأَنَّ لِذَلِكَ الْغَيّ اِنْقِشَاعَا |
| تَعَلَّمْنَ هَا لَعَمْر اللَّه ذَا قَسَمًا | فَاقْدِرْ بِذَرْعِك وَانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِك |
| تَعَلَّمْ أَنَّهُ لَا طَيْر إِلَّا | عَلَى مُتَطَيِّر وَهُوَ الثُّبُور |
| لَوْلَا اِبْن عُتْبَة عَمْرو وَالرَّجَاء لَهُ | مَا كَانَتْ الْبَصْرَة الرَّعْنَاء لِي وَطَنًا |
| ظَاهِرَات الْجَمَال وَالْحُسْن يَنْظُرْ | نَ كَمَا يَنْظُر الْأَرَاك الظِّبَاء |
وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى فَهِّمْنَا وَبَيِّن لَنَا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِنْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ بِنَا، قَالَ :
| فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِي سَاعَة | مِنْ الدَّهْر يَنْفَعنِي لَدَى أُمّ جُنْدُب |
وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَغَيْره " أَنْظِرْنَا " بِقَطْعِ الْأَلِف وَكَسْر الظَّاء، بِمَعْنَى أَخِّرْنَا وَأَمْهِلْنَا حَتَّى نَفْهَم عَنْك وَنَتَلَقَّى مِنْك، قَالَ الشَّاعِر :
| أَبَا هِنْد فَلَا تَعْجَل عَلَيْنَا | وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرك الْيَقِينَا |
| إِنَّ عَلَيَّ عُقْبَة أَقْضِيهَا | لَسْت بِنَاسِيهَا ولَا مُنْسِيهَا |
وَقَالَ الزَّجَّاج : إِنَّ الْقِرَاءَة بِضَمِّ النُّون لَا يَتَوَجَّه فِيهَا مَعْنَى التَّرْك، لَا يُقَال : أَنْسَى بِمَعْنَى تَرَكَ، وَمَا رَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَوْ نُنْسِهَا " قَالَ : نَتْرُكهَا لَا نُبَدِّلهَا، فَلَا يَصِحّ.
وَلَعَلَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَتْرُكهَا، فَلَمْ يَضْبِط.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَالنَّظَر أَنَّ مَعْنَى " أَوْ نُنْسِهَا " نُبِحْ لَكُمْ تَرْكهَا، مِنْ نَسِيَ إِذَا تَرَكَ، ثُمَّ تُعَدِّيهِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ وَغَيْره : ذَلِكَ مُتَّجَه ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَى نَجْعَلك تَتْرُكهَا.
وَقِيلَ : مِنْ النِّسْيَان عَلَى بَابه الَّذِي هُوَ عَدَم الذِّكْر، عَلَى مَعْنَى أَوْ نُنْسِكهَا يَا مُحَمَّد فَلَا تَذْكُرهَا، نُقِلَ بِالْهَمْزِ فَتَعَدَّى الْفِعْل إِلَى مَفْعُولَيْنِ : وَهُمَا النَّبِيّ وَالْهَاء، لَكِنْ اِسْم النَّبِيّ مَحْذُوف.
" نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا " لَفْظَة " بِخَيْرٍ " هُنَا صِفَة تَفْضِيل، وَالْمَعْنَى بِأَنْفَع لَكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي عَاجِل إِنْ كَانَتْ النَّاسِخَة أَخَفّ، وَفِي آجِل إِنْ كَانَتْ أَثْقَل، وَبِمِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَة.
وَقَالَ مَالِك : مُحْكَمَة مَكَان مَنْسُوخَة.
وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَاد بِأَخْيَر التَّفْضِيل ; لِأَنَّ كَلَام اللَّه لَا يَتَفَاضَل، وَإِنَّمَا هُوَ مِثْل قَوْله :" مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْر مِنْهَا " [ النَّمْل : ٨٩ ] أَيْ فَلَهُ مِنْهَا خَيْر، أَيْ نَفْع وَأَجْر، لَا الْخَيْر الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْأَفْضَل، وَيَدُلّ عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل قَوْله :" أَوْ مِثْلهَا ".
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
" أَلَمْ تَعْلَم " جُزِمَ بِلَمْ، وَحُرُوف الِاسْتِفْهَام لَا تُغَيِّر عَمَل الْعَامِل، وَفُتِحَتْ " أَنَّ " لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب.
" لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَيْ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع، وَالْمُلْك وَالسُّلْطَان، وَنُفُوذ الْأَمْر وَالْإِرَادَة.
وَارْتَفَعَ " مُلْك " بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " لَهُ " وَالْجُمْلَة خَبَر " أَنَّ ".
وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته.
" أَلَمْ تَعْلَم " جُزِمَ بِلَمْ، وَحُرُوف الِاسْتِفْهَام لَا تُغَيِّر عَمَل الْعَامِل، وَفُتِحَتْ " أَنَّ " لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب.
" لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض " أَيْ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع، وَالْمُلْك وَالسُّلْطَان، وَنُفُوذ الْأَمْر وَالْإِرَادَة.
وَارْتَفَعَ " مُلْك " بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " لَهُ " وَالْجُمْلَة خَبَر " أَنَّ ".
وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته.
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
الْمَعْنَى أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ، مِنْ وَلَيْت أَمْر فُلَان، أَيْ قُمْت بِهِ، وَمِنْهُ وَلِيّ الْعَهْد، أَيْ الْقَيِّم بِمَا عُهِدَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الْمُسْلِمِينَ.
وَمَعْنَى " مِنْ دُون اللَّه " سِوَى اللَّه وَبَعْد اللَّه، كَمَا قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت :
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة " وَلَا نَصِير " بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى " وَلِيّ " وَيَجُوز " وَلَا نَصِير " بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَوْضِع ; لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيّ وَلَا نَصِير.
الْمَعْنَى أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ، مِنْ وَلَيْت أَمْر فُلَان، أَيْ قُمْت بِهِ، وَمِنْهُ وَلِيّ الْعَهْد، أَيْ الْقَيِّم بِمَا عُهِدَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الْمُسْلِمِينَ.
وَمَعْنَى " مِنْ دُون اللَّه " سِوَى اللَّه وَبَعْد اللَّه، كَمَا قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت :
| يَا نَفْس مَا لَك دُون اللَّه مِنْ وَاقٍ | وَمَا عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْر مِنْ بَاق |
أَمْ تُرِيدُونَ
هَذِهِ " أَمْ " الْمُنْقَطِعَة الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ تُرِيدُونَ، وَمَعْنَى الْكَلَام التَّوْبِيخ.
هَذِهِ " أَمْ " الْمُنْقَطِعَة الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ تُرِيدُونَ، وَمَعْنَى الْكَلَام التَّوْبِيخ.
أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ
فِي مَوْضِع نَصْب ب " تُرِيدُونَ ".
فِي مَوْضِع نَصْب ب " تُرِيدُونَ ".
كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ
الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب نَعْت لِمَصْدَرٍ، أَيْ سُؤَالًا كَمَا.
و " مُوسَى " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
" مِنْ قَبْل " : سُؤَالهمْ إِيَّاهُ أَنْ يُرِيهُمْ اللَّه جَهْرَة، وَسَأَلُوا مُحَمَّدًا أَنْ يَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا.
عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : سَأَلُوا أَنْ يَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا.
وَقَرَأَ الْحَسَن " كَمَا سِيلَ "، وَهَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : سَلْت أَسْأَل، وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى بَدَل الْهَمْزَة يَاء سَاكِنَة عَلَى غَيْر قِيَاس فَانْكَسَرَتْ السِّين قَبْلهَا.
قَالَ النَّحَّاس : بَدَل الْهَمْزَة بَعِيد.
الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب نَعْت لِمَصْدَرٍ، أَيْ سُؤَالًا كَمَا.
و " مُوسَى " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
" مِنْ قَبْل " : سُؤَالهمْ إِيَّاهُ أَنْ يُرِيهُمْ اللَّه جَهْرَة، وَسَأَلُوا مُحَمَّدًا أَنْ يَأْتِي بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَة قَبِيلًا.
عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : سَأَلُوا أَنْ يَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا.
وَقَرَأَ الْحَسَن " كَمَا سِيلَ "، وَهَذَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : سَلْت أَسْأَل، وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى بَدَل الْهَمْزَة يَاء سَاكِنَة عَلَى غَيْر قِيَاس فَانْكَسَرَتْ السِّين قَبْلهَا.
قَالَ النَّحَّاس : بَدَل الْهَمْزَة بَعِيد.
وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
وَالسَّوَاء مِنْ كُلّ شَيْء : الْوَسَط.
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى، وَمِنْهُ قَوْله :" فِي سَوَاء الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ٥٥ ].
وَحَكَى عِيسَى بْن عُمَر قَالَ : مَا زِلْت أَكْتُب حَتَّى اِنْقَطَعَ سَوَائِي، وَأَنْشَدَ قَوْل حَسَّان يَرْثِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : السَّوَاء الْقَصْد، عَنْ الْفَرَّاء، أَيْ ذَهَبَ عَنْ قَصْد الطَّرِيق وَسَمْته، أَيْ طَرِيق طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة أَنَّ رَافِع بْن خُزَيْمَة وَوَهْب بْن زَيْد قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِئْتِنَا بِكِتَابٍ مِنْ السَّمَاء نَقْرَؤُهُ، وَفَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا نَتَّبِعك.
وَالسَّوَاء مِنْ كُلّ شَيْء : الْوَسَط.
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى، وَمِنْهُ قَوْله :" فِي سَوَاء الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ٥٥ ].
وَحَكَى عِيسَى بْن عُمَر قَالَ : مَا زِلْت أَكْتُب حَتَّى اِنْقَطَعَ سَوَائِي، وَأَنْشَدَ قَوْل حَسَّان يَرْثِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
| يَا وَيْح أَصْحَاب النَّبِيّ وَرَهْطه | بَعْد الْمُغَيَّب فِي سَوَاء الْمُلْحَد |
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة أَنَّ رَافِع بْن خُزَيْمَة وَوَهْب بْن زَيْد قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِئْتِنَا بِكِتَابٍ مِنْ السَّمَاء نَقْرَؤُهُ، وَفَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا نَتَّبِعك.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
" وَدَّ " تَمَنَّى، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" كُفَّارًا " مَفْعُول ثَانٍ ب " يَرُدُّونَكُمْ ".
" مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " قِيلَ : هُوَ مُتَعَلِّق ب " وَدَّ ".
وَقِيلَ : ب " حَسَدًا "، فَالْوَقْف عَلَى قَوْله :" كُفَّارًا ".
و " حَسَدًا " مَفْعُول لَهُ، أَيْ وَدُّوا ذَلِكَ لِلْحَسَدِ، أَوْ مَصْدَر دَلَّ عَلَى مَا قَبْله عَلَى الْفِعْل.
وَمَعْنَى " مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " أَيْ مِنْ تِلْقَائِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَجِدُوهُ فِي كِتَاب وَلَا أُمِرُوا بِهِ، وَلَفْظَة الْحَسَد تُعْطِي هَذَا.
فَجَاءَ ( مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " تَأْكِيدًا وَإِلْزَامًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ " [ آل عِمْرَان : ١٦٧ ]، " يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ]، " وَلَا طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ ".
[ الْأَنْعَام : ٣٨ ].
وَالْآيَة فِي الْيَهُود.
الْحَسَد نَوْعَانِ : مَذْمُوم وَمَحْمُود، فَالْمَذْمُوم أَنْ تَتَمَنَّى زَوَال نِعْمَة اللَّه عَنْ أَخِيك الْمُسْلِم، وَسَوَاء تَمَنَّيْت مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَعُود إِلَيْك أَوْ لَا، وَهَذَا النَّوْع الَّذِي ذَمَّهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه بِقَوْلِهِ :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ النِّسَاء : ٥٤ ] وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا لِأَنَّ فِيهِ تَسْفِيه الْحَقّ سُبْحَانه، وَأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقّ.
وَأَمَّا الْمَحْمُود فَهُوَ مَا جَاءَ فِي صَحِيح الْحَدِيث مِنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا حَسَد إِلَّا فِي اِثْنَيْنِ رَجُل آتَاهُ اللَّه الْقُرْآن فَهُوَ يَقُوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار وَرَجُل آتَاهُ اللَّه مَالًا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار ).
وَهَذَا الْحَسَد مَعْنَاهُ الْغِبْطَة.
وَكَذَلِكَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ " بَاب الِاغْتِبَاط فِي الْعِلْم وَالْحِكْمَة ".
وَحَقِيقَتهَا : أَنْ تَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَك مَا لِأَخِيك الْمُسْلِم مِنْ الْخَيْر وَالنِّعْمَة وَلَا يَزُول عَنْهُ خَيْره، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى هَذَا مُنَافَسَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ٢٦ ] أَيْ " مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ " أَيْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ الْحَقّ لَهُمْ وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ.
" وَدَّ " تَمَنَّى، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" كُفَّارًا " مَفْعُول ثَانٍ ب " يَرُدُّونَكُمْ ".
" مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " قِيلَ : هُوَ مُتَعَلِّق ب " وَدَّ ".
وَقِيلَ : ب " حَسَدًا "، فَالْوَقْف عَلَى قَوْله :" كُفَّارًا ".
و " حَسَدًا " مَفْعُول لَهُ، أَيْ وَدُّوا ذَلِكَ لِلْحَسَدِ، أَوْ مَصْدَر دَلَّ عَلَى مَا قَبْله عَلَى الْفِعْل.
وَمَعْنَى " مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " أَيْ مِنْ تِلْقَائِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَجِدُوهُ فِي كِتَاب وَلَا أُمِرُوا بِهِ، وَلَفْظَة الْحَسَد تُعْطِي هَذَا.
فَجَاءَ ( مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ " تَأْكِيدًا وَإِلْزَامًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ " [ آل عِمْرَان : ١٦٧ ]، " يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ " [ الْبَقَرَة : ٧٩ ]، " وَلَا طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ ".
[ الْأَنْعَام : ٣٨ ].
وَالْآيَة فِي الْيَهُود.
الْحَسَد نَوْعَانِ : مَذْمُوم وَمَحْمُود، فَالْمَذْمُوم أَنْ تَتَمَنَّى زَوَال نِعْمَة اللَّه عَنْ أَخِيك الْمُسْلِم، وَسَوَاء تَمَنَّيْت مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَعُود إِلَيْك أَوْ لَا، وَهَذَا النَّوْع الَّذِي ذَمَّهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه بِقَوْلِهِ :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " [ النِّسَاء : ٥٤ ] وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا لِأَنَّ فِيهِ تَسْفِيه الْحَقّ سُبْحَانه، وَأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقّ.
وَأَمَّا الْمَحْمُود فَهُوَ مَا جَاءَ فِي صَحِيح الْحَدِيث مِنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا حَسَد إِلَّا فِي اِثْنَيْنِ رَجُل آتَاهُ اللَّه الْقُرْآن فَهُوَ يَقُوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار وَرَجُل آتَاهُ اللَّه مَالًا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وَآنَاء النَّهَار ).
وَهَذَا الْحَسَد مَعْنَاهُ الْغِبْطَة.
وَكَذَلِكَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ " بَاب الِاغْتِبَاط فِي الْعِلْم وَالْحِكْمَة ".
وَحَقِيقَتهَا : أَنْ تَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَك مَا لِأَخِيك الْمُسْلِم مِنْ الْخَيْر وَالنِّعْمَة وَلَا يَزُول عَنْهُ خَيْره، وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى هَذَا مُنَافَسَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ " [ الْمُطَفِّفِينَ : ٢٦ ] أَيْ " مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ " أَيْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ الْحَقّ لَهُمْ وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ.
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا
" فَاعْفُوا " وَالْأَصْل اِعْفُوُوا حُذِفَتْ الضَّمَّة لِثِقَلِهَا، ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَالْعَفْو : تَرْك الْمُؤَاخَذَة بِالذَّنْبِ.
وَالصَّفْح : إِزَالَة أَثَره مِنْ النَّفْس.
صَفَحْت عَنْ فُلَان إِذَا أَعْرَضْت عَنْ ذَنْبه.
وَقَدْ ضَرَبْت عَنْهُ صَفْحًا إِذَا أَعْرَضْت عَنْهُ وَتَرَكْته، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أَفَنَضْرِب عَنْكُمْ الذِّكْر صَفْحًا " [ الزُّخْرُف : ٥ ].
هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " [ التَّوْبَة : ٢٩ ] إِلَى قَوْله :" صَاغِرُونَ " [ التَّوْبَة : ٢٩ ] عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : النَّاسِخ لَهَا " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " [ التَّوْبَة : ٥ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : كُلّ آيَة فِيهَا تَرْك لِلْقِتَالِ فَهِيَ مَكِّيَّة مَنْسُوخَة بِالْقِتَالِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحُكْمه بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة ضَعِيف ; لِأَنَّ مُعَانَدَات الْيَهُود إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح، رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَار عَلَيْهِ قَطِيفَة فَدَكِيَّة وَأُسَامَة وَرَاءَهُ، يَعُود سَعْد بْن عُبَادَة فِي بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج قَبْل وَقْعَة بَدْر، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول - وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُسْلِم عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ - فَإِذَا فِي الْمَجْلِس أَخْلَاط مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْيَهُود، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة، فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِس عَجَاجَة الدَّابَّة خَمَّرَ اِبْن أُبَيّ أَنْفه بِرِدَائِهِ وَقَالَ : لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا ! فَسَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول : أَيّهَا الْمَرْء، لَا أَحْسَن مِمَّا تَقُول إِنْ كَانَ حَقًّا ! فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسنَا، [ اِرْجِعْ إِلَى رَحْلك ] فَمَنْ جَاءَك فَاقْصُصْ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : بَلَى يَا رَسُول اللَّه، فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسنَا، فَإِنَّا نُحِبّ ذَلِكَ.
" فَاعْفُوا " وَالْأَصْل اِعْفُوُوا حُذِفَتْ الضَّمَّة لِثِقَلِهَا، ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَالْعَفْو : تَرْك الْمُؤَاخَذَة بِالذَّنْبِ.
وَالصَّفْح : إِزَالَة أَثَره مِنْ النَّفْس.
صَفَحْت عَنْ فُلَان إِذَا أَعْرَضْت عَنْ ذَنْبه.
وَقَدْ ضَرَبْت عَنْهُ صَفْحًا إِذَا أَعْرَضْت عَنْهُ وَتَرَكْته، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" أَفَنَضْرِب عَنْكُمْ الذِّكْر صَفْحًا " [ الزُّخْرُف : ٥ ].
هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " [ التَّوْبَة : ٢٩ ] إِلَى قَوْله :" صَاغِرُونَ " [ التَّوْبَة : ٢٩ ] عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : النَّاسِخ لَهَا " فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " [ التَّوْبَة : ٥ ].
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : كُلّ آيَة فِيهَا تَرْك لِلْقِتَالِ فَهِيَ مَكِّيَّة مَنْسُوخَة بِالْقِتَالِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَحُكْمه بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَكِّيَّة ضَعِيف ; لِأَنَّ مُعَانَدَات الْيَهُود إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح، رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَار عَلَيْهِ قَطِيفَة فَدَكِيَّة وَأُسَامَة وَرَاءَهُ، يَعُود سَعْد بْن عُبَادَة فِي بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج قَبْل وَقْعَة بَدْر، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول - وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُسْلِم عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ - فَإِذَا فِي الْمَجْلِس أَخْلَاط مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْيَهُود، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة، فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِس عَجَاجَة الدَّابَّة خَمَّرَ اِبْن أُبَيّ أَنْفه بِرِدَائِهِ وَقَالَ : لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا ! فَسَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول : أَيّهَا الْمَرْء، لَا أَحْسَن مِمَّا تَقُول إِنْ كَانَ حَقًّا ! فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسنَا، [ اِرْجِعْ إِلَى رَحْلك ] فَمَنْ جَاءَك فَاقْصُصْ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة : بَلَى يَا رَسُول اللَّه، فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسنَا، فَإِنَّا نُحِبّ ذَلِكَ.
فَاسْتَتَبَّ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُود حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّته فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْد بْن عُبَادَة، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( [ يَا سَعْد ] أَلَمْ تَسْمَع إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَاب - يُرِيد عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا ) فَقَالَ : أَيْ رَسُول اللَّه، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ! اُعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَوَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ لَقَدْ جَاءَك اللَّه بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك، وَلَقَدْ اِصْطَلَحَ أَهْل هَذِهِ الْبُحَيْرَة عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّه ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاك شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فِعْل مَا رَأَيْت، فَعَفَا عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا " [ آل عِمْرَان : ١٨٦ ]، وَقَالَ :" وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب " فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّل فِي الْعَفْو عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّه بِهِ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيد الْكُفَّار وَسَادَات قُرَيْش، فَقَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه غَانِمِينَ مَنْصُورِينَ، مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيد الْكُفَّار وَسَادَات قُرَيْش، قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَة الْأَوْثَان : هَذَا أَمْر قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَام، فَأَسْلَمُوا.
وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا " [ آل عِمْرَان : ١٨٦ ]، وَقَالَ :" وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب " فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّل فِي الْعَفْو عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّه بِهِ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيد الْكُفَّار وَسَادَات قُرَيْش، فَقَفَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه غَانِمِينَ مَنْصُورِينَ، مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيد الْكُفَّار وَسَادَات قُرَيْش، قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَة الْأَوْثَان : هَذَا أَمْر قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَام، فَأَسْلَمُوا.
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
يَعْنِي قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير.
يَعْنِي قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير.
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر، قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد، يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدُرَة وَقُدْرَانًا، أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقْدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ هُنَا تَعَالَى صِفَته الَّتِي هِيَ الْقُدْرَة بِالذِّكْرِ دُون غَيْرهَا، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر فِعْل مُضَمَّنه الْوَعِيد وَالْإِخَافَة، فَكَانَ ذِكْر الْقُدْرَة مُنَاسِبًا لِذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَهَذِهِ عِشْرُونَ آيَة عَلَى عَدَد الْكُوفِيِّينَ، أَرْبَع آيَات فِي وَصْف الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَلِيهَا آيَتَانِ فِي ذِكْر الْكَافِرِينَ، وَبَقِيَّتهَا فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة فِيهَا عَنْ اِبْن جُرَيْج، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضًا.
عُمُوم، وَمَعْنَاهُ عِنْد الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا يَجُوز وَصْفه تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى بِالْقَدِيرِ، فَهُوَ سُبْحَانه قَدِير قَادِر مُقْتَدِر.
وَالْقَدِير أَبْلَغ فِي الْوَصْف مِنْ الْقَادِر، قَالَهُ الزَّجَّاجِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ : وَالْقَدِير وَالْقَادِر بِمَعْنًى وَاحِد، يُقَال : قَدَرْت عَلَى الشَّيْء أَقْدِر قَدْرًا وَقَدَرًا وَمَقْدِرَة وَمَقْدُرَة وَقُدْرَانًا، أَيْ قُدْرَة.
وَالِاقْتِدَار عَلَى الشَّيْء : الْقُدْرَة عَلَيْهِ.
فَاَللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَادِر مُقْتَدِر قَدِير عَلَى كُلّ مُمْكِن يَقْبَل الْوُجُود وَالْعَدَم.
فَيَجِب عَلَى كُلّ مُكَلَّف أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَادِر، لَهُ قُدْرَة بِهَا فَعَلَ وَيَفْعَل مَا يَشَاء عَلَى وَفْق عِلْمه وَاخْتِيَاره.
وَيَجِب عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَم أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَة يَكْتَسِب بِهَا مَا أَقْدَرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَة، وَأَنَّهُ غَيْر مُسْتَبِدّ بِقُدْرَتِهِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ هُنَا تَعَالَى صِفَته الَّتِي هِيَ الْقُدْرَة بِالذِّكْرِ دُون غَيْرهَا، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْر فِعْل مُضَمَّنه الْوَعِيد وَالْإِخَافَة، فَكَانَ ذِكْر الْقُدْرَة مُنَاسِبًا لِذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَهَذِهِ عِشْرُونَ آيَة عَلَى عَدَد الْكُوفِيِّينَ، أَرْبَع آيَات فِي وَصْف الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَلِيهَا آيَتَانِ فِي ذِكْر الْكَافِرِينَ، وَبَقِيَّتهَا فِي الْمُنَافِقِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة فِيهَا عَنْ اِبْن جُرَيْج، وَقَالَهُ مُجَاهِد أَيْضًا.
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
أَمْر مَعْنَاهُ الْوُجُوب وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ، وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
يُقَال : قَامَ الشَّيْء أَيْ دَامَ وَثَبَتَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق
وَقَالَ آخَر :
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِمَا،
أَمْر مَعْنَاهُ الْوُجُوب وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ، وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
يُقَال : قَامَ الشَّيْء أَيْ دَامَ وَثَبَتَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق
وَقَالَ آخَر :
| وَإِذَا يُقَال أَتَيْتُمْ لَمْ يَبْرَحُوا | حَتَّى تُقِيم الْخَيْل سُوق طِعَان |
وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ
جَاءَ فِي الْحَدِيث ( أَنَّ الْعَبْد إِذَا مَاتَ قَالَ النَّاس مَا خَلَّفَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة مَا قَدَّمَ ).
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّكُمْ مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله ).
قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، مَا مِنَّا مِنْ أَحَد إِلَّا مَاله أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَال وَارِثه، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله.
مَالك مَا قَدَّمْت وَمَال وَارِثك مَا أَخَّرْت )، لَفْظ النَّسَائِيّ.
وَلَفْظ الْبُخَارِيّ : قَالَ عَبْد اللَّه قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّكُمْ مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، مَا مِنَّا أَحَد إِلَّا مَاله أَحَبّ إِلَيْهِ، قَالَ :( فَإِنَّ مَاله مَا قَدَّمَ وَمَال وَارِثه مَا أَخَّرَ ).
وَجَاءَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَد فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْقُبُور، أَخْبَار مَا عِنْدنَا أَنَّ نِسَاءَكُمْ قَدْ تَزَوَّجْنَ، وَدُوركُمْ قَدْ سُكِنَتْ، وَأَمْوَالكُمْ قَدْ قُسِمَتْ.
فَأَجَابَهُ هَاتِف : يَا ابْن الْخَطَّاب أَخْبَار مَا عِنْدنَا أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ، وَمَا أَنْفَقْنَاهُ فَقَدْ رَبِحْنَاهُ، وَمَا خَلَّفْنَاهُ فَقَدْ خَسِرْنَاهُ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِل :
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ آخَر :
وَأَحْسَن مِنْ هَذَا كُلّه قَوْل أَبِي الْعَتَاهِيَة :
جَاءَ فِي الْحَدِيث ( أَنَّ الْعَبْد إِذَا مَاتَ قَالَ النَّاس مَا خَلَّفَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَة مَا قَدَّمَ ).
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّكُمْ مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله ).
قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، مَا مِنَّا مِنْ أَحَد إِلَّا مَاله أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَال وَارِثه، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله.
مَالك مَا قَدَّمْت وَمَال وَارِثك مَا أَخَّرْت )، لَفْظ النَّسَائِيّ.
وَلَفْظ الْبُخَارِيّ : قَالَ عَبْد اللَّه قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّكُمْ مَال وَارِثه أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَاله ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، مَا مِنَّا أَحَد إِلَّا مَاله أَحَبّ إِلَيْهِ، قَالَ :( فَإِنَّ مَاله مَا قَدَّمَ وَمَال وَارِثه مَا أَخَّرَ ).
وَجَاءَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَد فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْقُبُور، أَخْبَار مَا عِنْدنَا أَنَّ نِسَاءَكُمْ قَدْ تَزَوَّجْنَ، وَدُوركُمْ قَدْ سُكِنَتْ، وَأَمْوَالكُمْ قَدْ قُسِمَتْ.
فَأَجَابَهُ هَاتِف : يَا ابْن الْخَطَّاب أَخْبَار مَا عِنْدنَا أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ، وَمَا أَنْفَقْنَاهُ فَقَدْ رَبِحْنَاهُ، وَمَا خَلَّفْنَاهُ فَقَدْ خَسِرْنَاهُ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِل :
| قَدِّمْ لِنَفْسِك قَبْل مَوْتك صَالِحًا | وَاعْمَلْ فَلَيْسَ إِلَى الْخُلُود سَبِيل |
| قَدِّمْ لِنَفْسِك تَوْبَة مَرْجُوَّة | قَبْل الْمَمَات وَقَبْل حَبْس الْأَلْسُن |
| وَلَدْتُك إِذْ وَلَدَتْك أُمّك بَاكِيًا | وَالْقَوْم حَوْلك يَضْحَكُونَ سُرُورًا |
| فَاعْمَلْ لِيَوْمٍ تَكُون فِيهِ إِذَا بَكَوْا | فِي يَوْم مَوْتك ضَاحِكًا مَسْرُورَا |
| سَابِقْ إِلَى الْخَيْر وَبَادِرْ بِهِ | فَإِنَّمَا خَلْفك مَا تَعْلَم |
| وَقَدِّمْ الْخَيْر فَكُلّ اِمْرِئٍ | عَلَى الَّذِي قَدَّمَهُ يَقْدَم |
| اِسْعَدْ بِمَالِك فِي حَيَاتك إِنَّمَا | يَبْقَى وَرَاءَك مُصْلِح أَوْ مُفْسِد |
| وَإِذَا تَرَكْت لِمُفْسِدٍ لَمْ يُبْقِهِ | وَأَخُو الصَّلَاح قَلِيله يَتَزَيَّد |
| وَإِنْ اِسْتَطَعْت فَكُنْ لِنَفْسِك وَارِثًا | إِنَّ الْمُوَرِّث نَفْسه لَمُسَدَّد |
| فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي | بَصِير بِأَدْوَاءِ النِّسَاء طَبِيب |
وَقِيلَ : وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِأَنَّهُ بَصِير عَلَى مَعْنَى جَاعِل الْأَشْيَاء الْمُبْصِرَة ذَوَات إِبْصَار، أَيْ مُدْرِكَة لِلْمُبْصِرَاتِ بِمَا خَلَقَ لَهَا مِنْ الْآلَة الْمُدْرِكَة وَالْقُوَّة، فَاَللَّه بَصِير بِعِبَادِهِ، أَيْ جَاعِل عِبَاده مُبْصِرِينَ.
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ
الْمَعْنَى : وَقَالَتْ الْيَهُود لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا.
وَقَالَتْ النَّصَارَى لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون " هُودًا " بِمَعْنَى يَهُودِيًّا، حُذِفَ مِنْهُ الزَّائِد، وَأَنْ يَكُون جَمْع هَائِد.
وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد :" إِلَّا مَنْ كَانَ " جَعَلَ " كَانَ " وَاحِدًا عَلَى لَفْظ " مَنْ "، ثُمَّ قَالَ هُودًا فَجَمَعَ ; لِأَنَّ مَعْنَى " مَنْ " جَمْع.
وَيَجُوز " تِلْكَ أَمَانِيّهمْ " وَتَقَدَّمَ الْكَلَام فِي هَذَا، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
الْمَعْنَى : وَقَالَتْ الْيَهُود لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا.
وَقَالَتْ النَّصَارَى لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا.
وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون " هُودًا " بِمَعْنَى يَهُودِيًّا، حُذِفَ مِنْهُ الزَّائِد، وَأَنْ يَكُون جَمْع هَائِد.
وَقَالَ الْأَخْفَش سَعِيد :" إِلَّا مَنْ كَانَ " جَعَلَ " كَانَ " وَاحِدًا عَلَى لَفْظ " مَنْ "، ثُمَّ قَالَ هُودًا فَجَمَعَ ; لِأَنَّ مَعْنَى " مَنْ " جَمْع.
وَيَجُوز " تِلْكَ أَمَانِيّهمْ " وَتَقَدَّمَ الْكَلَام فِي هَذَا، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ
أَصْل " هَاتُوا " هَاتِيُوا، حُذِفَتْ الضَّمَّة لِثِقَلِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، يُقَال فِي الْوَاحِد الْمُذَكَّر : هَات، مِثْل رَام، وَفِي الْمُؤَنَّث : هَاتِي، مِثْل رَامِي.
وَالْبُرْهَان : الدَّلِيل الَّذِي يُوقِع الْيَقِين، وَجَمْعه بَرَاهِين، مِثْل قُرْبَانِ وَقَرَابِين، وَسُلْطَان وَسَلَاطِين.
قَالَ الطَّبَرِيّ : طَلَب الدَّلِيل هُنَا يَقْضِي إِثْبَات النَّظَر وَيَرُدّ عَلَى مَنْ يَنْفِيه.
أَصْل " هَاتُوا " هَاتِيُوا، حُذِفَتْ الضَّمَّة لِثِقَلِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، يُقَال فِي الْوَاحِد الْمُذَكَّر : هَات، مِثْل رَام، وَفِي الْمُؤَنَّث : هَاتِي، مِثْل رَامِي.
وَالْبُرْهَان : الدَّلِيل الَّذِي يُوقِع الْيَقِين، وَجَمْعه بَرَاهِين، مِثْل قُرْبَانِ وَقَرَابِين، وَسُلْطَان وَسَلَاطِين.
قَالَ الطَّبَرِيّ : طَلَب الدَّلِيل هُنَا يَقْضِي إِثْبَات النَّظَر وَيَرُدّ عَلَى مَنْ يَنْفِيه.
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
يَعْنِي فِي إِيمَانكُمْ أَوْ فِي قَوْلكُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّة، أَيْ بَيِّنُوا مَا قُلْتُمْ بِبُرْهَانٍ،
يَعْنِي فِي إِيمَانكُمْ أَوْ فِي قَوْلكُمْ تَدْخُلُونَ الْجَنَّة، أَيْ بَيِّنُوا مَا قُلْتُمْ بِبُرْهَانٍ،
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ، أَيْ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ.
وَقِيلَ : إِنَّ " بَلَى " مَحْمُولَة عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ قِيلَ أَمَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد ؟ فَقِيلَ :" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ " وَمَعْنَى " أَسْلَمَ " اِسْتَسْلَمَ وَخَضَعَ.
وَقِيلَ : أَخْلَصَ عَمَله.
وَخَصَّ الْوَجْه بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ أَشْرَف مَا يُرَى مِنْ الْإِنْسَان ; وَلِأَنَّهُ مَوْضِع الْحَوَاسّ، وَفِيهِ يَظْهَر الْعِزّ وَالذُّلّ.
وَالْعَرَب تُخْبِر بِالْوَجْهِ عَنْ جُمْلَة الشَّيْء.
وَيَصِحّ أَنْ يَكُون الْوَجْه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَقْصِد.
رَدًّا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ، أَيْ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ.
وَقِيلَ : إِنَّ " بَلَى " مَحْمُولَة عَلَى الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ قِيلَ أَمَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد ؟ فَقِيلَ :" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ " وَمَعْنَى " أَسْلَمَ " اِسْتَسْلَمَ وَخَضَعَ.
وَقِيلَ : أَخْلَصَ عَمَله.
وَخَصَّ الْوَجْه بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ أَشْرَف مَا يُرَى مِنْ الْإِنْسَان ; وَلِأَنَّهُ مَوْضِع الْحَوَاسّ، وَفِيهِ يَظْهَر الْعِزّ وَالذُّلّ.
وَالْعَرَب تُخْبِر بِالْوَجْهِ عَنْ جُمْلَة الشَّيْء.
وَيَصِحّ أَنْ يَكُون الْوَجْه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَقْصِد.
وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال، وَعَادَ الضَّمِير فِي " وَجْهه " و " لَهُ " عَلَى لَفْظ " مَنْ " وَكَذَلِكَ " أَجْره " وَعَادَ فِي " عَلَيْهِمْ " عَلَى الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ فِي " يَحْزَنُونَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ.
جُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال، وَعَادَ الضَّمِير فِي " وَجْهه " و " لَهُ " عَلَى لَفْظ " مَنْ " وَكَذَلِكَ " أَجْره " وَعَادَ فِي " عَلَيْهِمْ " عَلَى الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ فِي " يَحْزَنُونَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ
مَعْنَاهُ اِدَّعَى كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ أَنَّ صَاحِبه لَيْسَ عَلَى شَيْء، وَأَنَّهُ أَحَقّ بِرَحْمَةِ اللَّه مِنْهُ.
مَعْنَاهُ اِدَّعَى كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ أَنَّ صَاحِبه لَيْسَ عَلَى شَيْء، وَأَنَّهُ أَحَقّ بِرَحْمَةِ اللَّه مِنْهُ.
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ
يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال.
يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال.
كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
وَالْمُرَاد ب " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فِي قَوْل الْجُمْهُور : كُفَّار الْعَرَب ; لِأَنَّهُمْ لَا كِتَاب لَهُمْ.
وَقَالَ عَطَاء : الْمُرَاد أُمَم كَانَتْ قَبْل الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
الرَّبِيع بْن أَنَس : الْمَعْنَى كَذَلِكَ قَالَتْ الْيَهُود قَبْل النَّصَارَى.
اِبْن عَبَّاس : قَدِمَ أَهْل نَجْرَان عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْهُمْ أَحْبَار يَهُود، فَتَنَازَعُوا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ لِلْأُخْرَى لَسْتُمْ عَلَى شَيْء، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَالْمُرَاد ب " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " فِي قَوْل الْجُمْهُور : كُفَّار الْعَرَب ; لِأَنَّهُمْ لَا كِتَاب لَهُمْ.
وَقَالَ عَطَاء : الْمُرَاد أُمَم كَانَتْ قَبْل الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
الرَّبِيع بْن أَنَس : الْمَعْنَى كَذَلِكَ قَالَتْ الْيَهُود قَبْل النَّصَارَى.
اِبْن عَبَّاس : قَدِمَ أَهْل نَجْرَان عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْهُمْ أَحْبَار يَهُود، فَتَنَازَعُوا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ لِلْأُخْرَى لَسْتُمْ عَلَى شَيْء، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا
" وَمَنْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، و " أَظْلَم " خَبَره، وَالْمَعْنَى لَا أَحَد أَظْلَم.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَسَاجِد "، وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : كَرَاهِيَة أَنْ يُذْكَر، ثُمَّ حُذِفَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : مِنْ أَنْ يُذْكَر فِيهَا، وَحَرْف الْخَفْض يُحْذَف مَعَ " أَنْ " لِطُولِ الْكَلَام.
وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ هُنَا بَيْت الْمَقْدِس وَمَحَارِيبه.
وَقِيلَ الْكَعْبَة، وَجُمِعَتْ لِأَنَّهَا قِبْلَة الْمَسَاجِد أَوْ لِلتَّعْظِيمِ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد سَائِر الْمَسَاجِد، وَالْوَاحِد مَسْجِد ( بِكَسْرِ الْجِيم )، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : مَسْجَد، ( بِفَتْحِهَا ).
قَالَ الْفَرَّاء :" كُلّ مَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُل، مِثْل دَخَلَ يَدْخُل، فَالْمَفْعَل مِنْهُ بِالْفَتْحِ اِسْمًا كَانَ أَوْ مَصْدَرًا، وَلَا يَقَع فِيهِ الْفَرْق، مِثْل دَخَلَ يَدْخُل مَدْخَلًا، وَهَذَا مَدْخَله، إِلَّا أَحْرُفًا مِنْ الْأَسْمَاء أَلْزَمُوهَا كَسْر الْعَيْن، مِنْ ذَلِكَ : الْمَسْجِد وَالْمَطْلِع وَالْمَغْرِب وَالْمَشْرِق وَالْمَسْقِط وَالْمَفْرِق وَالْمَجْزِر وَالْمَسْكِن وَالْمَرْفِق ( مِنْ رَفَقَ يَرْفُق ) وَالْمَنْبِت وَالْمَنْسِك ( مِنْ نَسَكَ يَنْسُك )، فَجَعَلُوا الْكَسْر عَلَامَة لِلِاسْمِ، وَرُبَّمَا فَتَحَهُ بَعْض الْعَرَب فِي الِاسْم ".
وَالْمَسْجَد ( بِالْفَتْحِ ) : جَبْهَة الرَّجُل حَيْثُ يُصِيبهُ نَدْب السُّجُود.
وَالْآرَاب السَّبْعَة مَسَاجِد، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة وَفِيمَنْ نَزَلَتْ، فَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بُخْت نَصَّر ; لِأَنَّهُ كَانَ أَخْرَبَ بَيْت الْمَقْدِس.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى، وَالْمَعْنَى كَيْف تَدَّعُونَ أَيّهَا النَّصَارَى أَنَّكُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ! وَقَدْ خَرَّبْتُمْ بَيْت الْمَقْدِس وَمَنَعْتُمْ الْمُصَلِّينَ مِنْ الصَّلَاة فِيهِ.
وَمَعْنَى الْآيَة عَلَى هَذَا : التَّعَجُّب مِنْ فِعْل النَّصَارَى بِبَيْتِ الْمَقْدِس مَعَ تَعْظِيمهمْ لَهُ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا عَدَاوَة لِلْيَهُودِ.
رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه النَّصَارَى.
حَمَلَهُمْ إِبْغَاض الْيَهُود عَلَى أَنْ أَعَانُوا بُخْت نَصَّر الْبَابِلِيّ الْمَجُوسِيّ عَلَى تَخْرِيب بَيْت الْمَقْدِس.
وَرُوِيَ أَنَّ هَذَا التَّخْرِيب بَقِيَ إِلَى زَمَن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ إِذْ مَنَعُوا الْمُصَلِّينَ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَدُّوهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة.
وَقِيلَ : الْمُرَاد مَنْ مَنَعَ مِنْ كُلّ مَسْجِد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْجَمْع، فَتَخْصِيصهَا بِبَعْضِ الْمَسَاجِد وَبَعْض الْأَشْخَاص ضَعِيف، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
" وَمَنْ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، و " أَظْلَم " خَبَره، وَالْمَعْنَى لَا أَحَد أَظْلَم.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَسَاجِد "، وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : كَرَاهِيَة أَنْ يُذْكَر، ثُمَّ حُذِفَ.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : مِنْ أَنْ يُذْكَر فِيهَا، وَحَرْف الْخَفْض يُحْذَف مَعَ " أَنْ " لِطُولِ الْكَلَام.
وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ هُنَا بَيْت الْمَقْدِس وَمَحَارِيبه.
وَقِيلَ الْكَعْبَة، وَجُمِعَتْ لِأَنَّهَا قِبْلَة الْمَسَاجِد أَوْ لِلتَّعْظِيمِ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد سَائِر الْمَسَاجِد، وَالْوَاحِد مَسْجِد ( بِكَسْرِ الْجِيم )، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : مَسْجَد، ( بِفَتْحِهَا ).
قَالَ الْفَرَّاء :" كُلّ مَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُل، مِثْل دَخَلَ يَدْخُل، فَالْمَفْعَل مِنْهُ بِالْفَتْحِ اِسْمًا كَانَ أَوْ مَصْدَرًا، وَلَا يَقَع فِيهِ الْفَرْق، مِثْل دَخَلَ يَدْخُل مَدْخَلًا، وَهَذَا مَدْخَله، إِلَّا أَحْرُفًا مِنْ الْأَسْمَاء أَلْزَمُوهَا كَسْر الْعَيْن، مِنْ ذَلِكَ : الْمَسْجِد وَالْمَطْلِع وَالْمَغْرِب وَالْمَشْرِق وَالْمَسْقِط وَالْمَفْرِق وَالْمَجْزِر وَالْمَسْكِن وَالْمَرْفِق ( مِنْ رَفَقَ يَرْفُق ) وَالْمَنْبِت وَالْمَنْسِك ( مِنْ نَسَكَ يَنْسُك )، فَجَعَلُوا الْكَسْر عَلَامَة لِلِاسْمِ، وَرُبَّمَا فَتَحَهُ بَعْض الْعَرَب فِي الِاسْم ".
وَالْمَسْجَد ( بِالْفَتْحِ ) : جَبْهَة الرَّجُل حَيْثُ يُصِيبهُ نَدْب السُّجُود.
وَالْآرَاب السَّبْعَة مَسَاجِد، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة وَفِيمَنْ نَزَلَتْ، فَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بُخْت نَصَّر ; لِأَنَّهُ كَانَ أَخْرَبَ بَيْت الْمَقْدِس.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى، وَالْمَعْنَى كَيْف تَدَّعُونَ أَيّهَا النَّصَارَى أَنَّكُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ! وَقَدْ خَرَّبْتُمْ بَيْت الْمَقْدِس وَمَنَعْتُمْ الْمُصَلِّينَ مِنْ الصَّلَاة فِيهِ.
وَمَعْنَى الْآيَة عَلَى هَذَا : التَّعَجُّب مِنْ فِعْل النَّصَارَى بِبَيْتِ الْمَقْدِس مَعَ تَعْظِيمهمْ لَهُ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا عَدَاوَة لِلْيَهُودِ.
رَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه النَّصَارَى.
حَمَلَهُمْ إِبْغَاض الْيَهُود عَلَى أَنْ أَعَانُوا بُخْت نَصَّر الْبَابِلِيّ الْمَجُوسِيّ عَلَى تَخْرِيب بَيْت الْمَقْدِس.
وَرُوِيَ أَنَّ هَذَا التَّخْرِيب بَقِيَ إِلَى زَمَن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ إِذْ مَنَعُوا الْمُصَلِّينَ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَدُّوهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة.
وَقِيلَ : الْمُرَاد مَنْ مَنَعَ مِنْ كُلّ مَسْجِد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْجَمْع، فَتَخْصِيصهَا بِبَعْضِ الْمَسَاجِد وَبَعْض الْأَشْخَاص ضَعِيف، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
خَرَاب الْمَسَاجِد قَدْ يَكُون حَقِيقِيًّا كَتَخْرِيبِ بُخْت نَصَّر وَالنَّصَارَى بَيْت الْمَقْدِس عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيل مَعَ بَعْض مُلُوكهمْ - قِيلَ : اِسْمه نطوس بْن اسبيسانوس الرُّومِيّ فِيمَا ذَكَرَ الْغَزْنَوِيّ - فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَحَرَّقُوا التَّوْرَاة، وَقَذَفُوا فِي بَيْت الْمَقْدِس الْعَذِرَة وَخَرَّبُوهُ.
وَيَكُون مَجَازًا كَمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْلِمِينَ حِين صَدُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام، وَعَلَى الْجُمْلَة فَتَعْطِيل الْمَسَاجِد عَنْ الصَّلَاة وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام فِيهَا خَرَاب لَهَا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَجُوز مَنْع الْمَرْأَة مِنْ الْحَجّ إِذَا كَانَتْ صَرُورَة، سَوَاء كَانَ لَهَا مَحْرَم أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا تُمْنَع أَيْضًا مِنْ الصَّلَاة فِي الْمَسَاجِد مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا الْفِتْنَة، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه ) وَلِذَلِكَ قُلْنَا : لَا يَجُوز نَقْض الْمَسْجِد وَلَا بَيْعه وَلَا تَعْطِيله وَإِنْ خَرِبَتْ الْمَحَلَّة، وَلَا يُمْنَع بِنَاء الْمَسَاجِد إِلَّا أَنْ يَقْصِدُوا الشِّقَاق وَالْخِلَاف، بِأَنْ يَبْنُوا مَسْجِدًا إِلَى جَنْب مَسْجِد أَوْ قُرْبه، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَفْرِيق أَهْل الْمَسْجِد الْأَوَّل وَخَرَابه وَاخْتِلَاف الْكَلِمَة، فَإِنَّ الْمَسْجِد الثَّانِي يُنْقَض وَيُمْنَع مِنْ بُنْيَانه، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِي الْمِصْر جَامِعَانِ، وَلَا لِمَسْجِدٍ وَاحِد إِمَامَانِ، وَلَا يُصَلِّي فِي مَسْجِد جَمَاعَتَانِ.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا كُلّه مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَفِي " النُّور " حُكْم الْمَسَاجِد وَبِنَائِهَا بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى.
وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى تَعْظِيم أَمْر الصَّلَاة، وَأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَفْضَل الْأَعْمَال وَأَعْظَمهَا أَجْرًا كَانَ مَنْعهَا أَعْظَم إِثْمًا.
كُلّ مَوْضِع يُمْكِن أَنْ يُعْبَد اللَّه فِيهِ وَيُسْجَد لَهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( جُعِلَتْ لِي الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا )، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْبُقْعَة إِذَا عُيِّنَتْ لِلصَّلَاةِ بِالْقَوْلِ خَرَجَتْ عَنْ جُمْلَة الْأَمْلَاك الْمُخْتَصَّة بِرَبِّهَا وَصَارَتْ عَامَّة لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ بَنَى رَجُل فِي دَاره مَسْجِدًا وَحَجَزَهُ عَلَى النَّاس وَاخْتَصَّ بِهِ لِنَفْسِهِ لَبَقِيَ عَلَى مِلْكه وَلَمْ يَخْرُج إِلَى حَدّ الْمَسْجِدِيَّة، وَلَوْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ كُلّهمْ كَانَ حُكْمه حُكْم سَائِر الْمَسَاجِد الْعَامَّة، وَخَرَجَ عَنْ اِخْتِصَاص الْأَمْلَاك.
وَيَكُون مَجَازًا كَمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْلِمِينَ حِين صَدُّوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام، وَعَلَى الْجُمْلَة فَتَعْطِيل الْمَسَاجِد عَنْ الصَّلَاة وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام فِيهَا خَرَاب لَهَا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَجُوز مَنْع الْمَرْأَة مِنْ الْحَجّ إِذَا كَانَتْ صَرُورَة، سَوَاء كَانَ لَهَا مَحْرَم أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا تُمْنَع أَيْضًا مِنْ الصَّلَاة فِي الْمَسَاجِد مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا الْفِتْنَة، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه ) وَلِذَلِكَ قُلْنَا : لَا يَجُوز نَقْض الْمَسْجِد وَلَا بَيْعه وَلَا تَعْطِيله وَإِنْ خَرِبَتْ الْمَحَلَّة، وَلَا يُمْنَع بِنَاء الْمَسَاجِد إِلَّا أَنْ يَقْصِدُوا الشِّقَاق وَالْخِلَاف، بِأَنْ يَبْنُوا مَسْجِدًا إِلَى جَنْب مَسْجِد أَوْ قُرْبه، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَفْرِيق أَهْل الْمَسْجِد الْأَوَّل وَخَرَابه وَاخْتِلَاف الْكَلِمَة، فَإِنَّ الْمَسْجِد الثَّانِي يُنْقَض وَيُمْنَع مِنْ بُنْيَانه، وَلِذَلِكَ قُلْنَا : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِي الْمِصْر جَامِعَانِ، وَلَا لِمَسْجِدٍ وَاحِد إِمَامَانِ، وَلَا يُصَلِّي فِي مَسْجِد جَمَاعَتَانِ.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا كُلّه مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَفِي " النُّور " حُكْم الْمَسَاجِد وَبِنَائِهَا بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى.
وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى تَعْظِيم أَمْر الصَّلَاة، وَأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَفْضَل الْأَعْمَال وَأَعْظَمهَا أَجْرًا كَانَ مَنْعهَا أَعْظَم إِثْمًا.
كُلّ مَوْضِع يُمْكِن أَنْ يُعْبَد اللَّه فِيهِ وَيُسْجَد لَهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( جُعِلَتْ لِي الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا )، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْبُقْعَة إِذَا عُيِّنَتْ لِلصَّلَاةِ بِالْقَوْلِ خَرَجَتْ عَنْ جُمْلَة الْأَمْلَاك الْمُخْتَصَّة بِرَبِّهَا وَصَارَتْ عَامَّة لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ بَنَى رَجُل فِي دَاره مَسْجِدًا وَحَجَزَهُ عَلَى النَّاس وَاخْتَصَّ بِهِ لِنَفْسِهِ لَبَقِيَ عَلَى مِلْكه وَلَمْ يَخْرُج إِلَى حَدّ الْمَسْجِدِيَّة، وَلَوْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ كُلّهمْ كَانَ حُكْمه حُكْم سَائِر الْمَسَاجِد الْعَامَّة، وَخَرَجَ عَنْ اِخْتِصَاص الْأَمْلَاك.
أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ
أُولَئِكَ مُبْتَدَأ وَمَا بَعْده خَبَره.
" خَائِفِينَ " حَال، يَعْنِي إِذَا اِسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَحَصَلَتْ تَحْت سُلْطَانهمْ فَلَا يَتَمَكَّن الْكَافِر حِينَئِذٍ مِنْ دُخُولهَا.
فَإِنْ دَخَلُوهَا، فَعَلَى خَوْف مِنْ إِخْرَاج الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَتَأْدِيبهمْ عَلَى دُخُولهَا.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْكَافِر لَيْسَ لَهُ دُخُول الْمَسْجِد بِحَالٍ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمَنْ جَعَلَ الْآيَة فِي النَّصَارَى رَوَى أَنَّهُ مَرَّ زَمَان بَعْد بِنَاء عُمَر بَيْت الْمَقْدِس فِي الْإِسْلَام لَا يَدْخُلهُ نَصْرَانِيّ إِلَّا أُوجِعَ ضَرْبًا بَعْد أَنْ كَانَ مُتَعَبَّدهمْ.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي قُرَيْش قَالَ : كَذَلِكَ نُودِيَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَا لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك، وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ).
وَقِيلَ : هُوَ خَبَر وَمَقْصُوده الْأَمْر، أَيْ جَاهِدُوهُمْ وَاسْتَأْصِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُل أَحَد مِنْهُمْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَّا خَائِفًا، كَقَوْلِهِ :" وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه " [ الْأَحْزَاب.
٥٣ ] فَإِنَّهُ نَهْي وَرَدَ بِلَفْظِ الْخَبَر.
أُولَئِكَ مُبْتَدَأ وَمَا بَعْده خَبَره.
" خَائِفِينَ " حَال، يَعْنِي إِذَا اِسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَحَصَلَتْ تَحْت سُلْطَانهمْ فَلَا يَتَمَكَّن الْكَافِر حِينَئِذٍ مِنْ دُخُولهَا.
فَإِنْ دَخَلُوهَا، فَعَلَى خَوْف مِنْ إِخْرَاج الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَتَأْدِيبهمْ عَلَى دُخُولهَا.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْكَافِر لَيْسَ لَهُ دُخُول الْمَسْجِد بِحَالٍ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " بَرَاءَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمَنْ جَعَلَ الْآيَة فِي النَّصَارَى رَوَى أَنَّهُ مَرَّ زَمَان بَعْد بِنَاء عُمَر بَيْت الْمَقْدِس فِي الْإِسْلَام لَا يَدْخُلهُ نَصْرَانِيّ إِلَّا أُوجِعَ ضَرْبًا بَعْد أَنْ كَانَ مُتَعَبَّدهمْ.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي قُرَيْش قَالَ : كَذَلِكَ نُودِيَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَا لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك، وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ).
وَقِيلَ : هُوَ خَبَر وَمَقْصُوده الْأَمْر، أَيْ جَاهِدُوهُمْ وَاسْتَأْصِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُل أَحَد مِنْهُمْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَّا خَائِفًا، كَقَوْلِهِ :" وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه " [ الْأَحْزَاب.
٥٣ ] فَإِنَّهُ نَهْي وَرَدَ بِلَفْظِ الْخَبَر.
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
قِيلَ الْقَتْل لِلْحَرْبِيِّ، وَالْجِزْيَة لِلذِّمِّيِّ، عَنْ قَتَادَة.
السُّدِّيّ : الْخِزْي لَهُمْ فِي الدُّنْيَا قِيَام الْمَهْدِيّ، وَفَتْح عَمُّورِيَّة وَرُومِيَّة وَقُسْطَنْطِينِيَّة، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مُدُنهمْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي قُرَيْش جَعَلَ الْخِزْي عَلَيْهِمْ فِي الْفَتْح، وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ كَافِرًا.
قِيلَ الْقَتْل لِلْحَرْبِيِّ، وَالْجِزْيَة لِلذِّمِّيِّ، عَنْ قَتَادَة.
السُّدِّيّ : الْخِزْي لَهُمْ فِي الدُّنْيَا قِيَام الْمَهْدِيّ، وَفَتْح عَمُّورِيَّة وَرُومِيَّة وَقُسْطَنْطِينِيَّة، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مُدُنهمْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة.
وَمَنْ جَعَلَهَا فِي قُرَيْش جَعَلَ الْخِزْي عَلَيْهِمْ فِي الْفَتْح، وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ كَافِرًا.
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
" الْمَشْرِق " مَوْضِع الشُّرُوق.
" وَالْمَغْرِب " مَوْضِع الْغُرُوب، أَيْ هُمَا لَهُ مِلْك وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْجِهَات وَالْمَخْلُوقَات بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ تَشْرِيفًا، نَحْو بَيْت اللَّه، وَنَاقَة اللَّه، وَلِأَنَّ سَبَب الْآيَة اِقْتَضَى ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي
قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَتْ الْيَهُود قَدْ اِسْتَحْسَنَتْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَالُوا : مَا اِهْتَدَى إِلَّا بِنَا، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَة قَالَتْ الْيَهُود : مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَنَزَلَتْ :" وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " فَوَجْه النَّظْم عَلَى هَذَا الْقَوْل : أَنَّ الْيَهُود لَمَّا أَنْكَرُوا أَمْر الْقِبْلَة بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَبَّد عِبَاده بِمَا شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة، فِعْل لَا حُجَّة عَلَيْهِ وَلَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
" الْمَشْرِق " مَوْضِع الشُّرُوق.
" وَالْمَغْرِب " مَوْضِع الْغُرُوب، أَيْ هُمَا لَهُ مِلْك وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْجِهَات وَالْمَخْلُوقَات بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَالْإِضَافَة إِلَيْهِ تَشْرِيفًا، نَحْو بَيْت اللَّه، وَنَاقَة اللَّه، وَلِأَنَّ سَبَب الْآيَة اِقْتَضَى ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي
قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَتْ الْيَهُود قَدْ اِسْتَحْسَنَتْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَالُوا : مَا اِهْتَدَى إِلَّا بِنَا، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَة قَالَتْ الْيَهُود : مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، فَنَزَلَتْ :" وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " فَوَجْه النَّظْم عَلَى هَذَا الْقَوْل : أَنَّ الْيَهُود لَمَّا أَنْكَرُوا أَمْر الْقِبْلَة بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَبَّد عِبَاده بِمَا شَاءَ، فَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَهُمْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة، فِعْل لَا حُجَّة عَلَيْهِ وَلَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا " شَرْط، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ النُّون، و " أَيْنَ " الْعَامِلَة، و " مَا " زَائِدَة، وَالْجَوَاب " فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
وَقَرَأَ الْحَسَن " تَوَلَّوْا " بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام، وَالْأَصْل تَتَوَلَّوْا.
و " ثَمَّ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف، وَمَعْنَاهَا الْبُعْد، إِلَّا أَنَّهَا مَبْنِيَّة عَلَى الْفَتْح غَيْر مُعْرَبَة لِأَنَّهَا مُبْهَمَة، تَكُون بِمَنْزِلَةِ هُنَاكَ لِلْبُعْدِ، فَإِنْ أَرَدْت الْقُرْب قُلْت هُنَا.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا " عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن رَبِيعَة : نَزَلَتْ فِيمَنْ صَلَّى إِلَى غَيْر الْقِبْلَة فِي لَيْلَة مُظْلِمَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فِي لَيْلَة مُظْلِمَة فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَة، فَصَلَّى كُلّ رَجُل مِنَّا عَلَى حِيَاله، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ :" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث أَشْعَث السَّمَّان، وَأَشْعَث بْن سَعِيد أَبُو الرَّبِيع يُضَعَّف فِي الْحَدِيث.
وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم إِلَى هَذَا، قَالُوا : إِذَا صَلَّى فِي الْغَيْم لِغَيْرِ الْقِبْلَة ثُمَّ اِسْتَبَانَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَة فَإِنَّ صَلَاته جَائِزَة، وَبِهِ يَقُول سُفْيَان وَابْن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قُلْت : وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَمَالِك، غَيْر أَنَّ مَالِكًا قَالَ : تُسْتَحَبّ لَهُ الْإِعَادَة فِي الْوَقْت، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضه عَلَى مَا أُمِرَ، وَالْكَمَال يُسْتَدْرَك فِي الْوَقْت، اِسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ فِيمَنْ صَلَّى وَحْده ثُمَّ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاة فِي وَقْتهَا فِي جَمَاعَة أَنَّهُ يُعِيد مَعَهُمْ، وَلَا يُعِيد فِي الْوَقْت اِسْتِحْبَابًا إِلَّا مَنْ اِسْتَدْبَرَ الْقِبْلَة أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ جِدًّا مُجْتَهِدًا، وَأَمَّا مَنْ تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ قَلِيلًا مُجْتَهِدًا فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ فِي وَقْت وَلَا غَيْره.
وَقَالَ الْمُغِيرَة وَالشَّافِعِيّ : لَا يَجْزِيه ; لِأَنَّ الْقِبْلَة شَرْط مِنْ شُرُوط الصَّلَاة.
وَمَا قَالَهُ مَالِك أَصَحّ ; لِأَنَّ جِهَة الْقِبْلَة تُبِيح الضَّرُورَة تَرْكهَا فِي الْمُسَايَفَة، وَتُبِيحهَا أَيْضًا الرُّخْصَة حَالَة السَّفَر.
وَقَالَ اِبْن عُمَر : نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِر يَتَنَفَّل حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَته.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْهُ، قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجْهه، قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَتْ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء فِي جَوَاز النَّافِلَة عَلَى الرَّاحِلَة لِهَذَا الْحَدِيث وَمَا كَانَ مِثْله.
" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا " شَرْط، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ النُّون، و " أَيْنَ " الْعَامِلَة، و " مَا " زَائِدَة، وَالْجَوَاب " فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
وَقَرَأَ الْحَسَن " تَوَلَّوْا " بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام، وَالْأَصْل تَتَوَلَّوْا.
و " ثَمَّ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف، وَمَعْنَاهَا الْبُعْد، إِلَّا أَنَّهَا مَبْنِيَّة عَلَى الْفَتْح غَيْر مُعْرَبَة لِأَنَّهَا مُبْهَمَة، تَكُون بِمَنْزِلَةِ هُنَاكَ لِلْبُعْدِ، فَإِنْ أَرَدْت الْقُرْب قُلْت هُنَا.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا " عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن رَبِيعَة : نَزَلَتْ فِيمَنْ صَلَّى إِلَى غَيْر الْقِبْلَة فِي لَيْلَة مُظْلِمَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فِي لَيْلَة مُظْلِمَة فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَة، فَصَلَّى كُلّ رَجُل مِنَّا عَلَى حِيَاله، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ :" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث أَشْعَث السَّمَّان، وَأَشْعَث بْن سَعِيد أَبُو الرَّبِيع يُضَعَّف فِي الْحَدِيث.
وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم إِلَى هَذَا، قَالُوا : إِذَا صَلَّى فِي الْغَيْم لِغَيْرِ الْقِبْلَة ثُمَّ اِسْتَبَانَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَة فَإِنَّ صَلَاته جَائِزَة، وَبِهِ يَقُول سُفْيَان وَابْن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قُلْت : وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَمَالِك، غَيْر أَنَّ مَالِكًا قَالَ : تُسْتَحَبّ لَهُ الْإِعَادَة فِي الْوَقْت، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضه عَلَى مَا أُمِرَ، وَالْكَمَال يُسْتَدْرَك فِي الْوَقْت، اِسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ فِيمَنْ صَلَّى وَحْده ثُمَّ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاة فِي وَقْتهَا فِي جَمَاعَة أَنَّهُ يُعِيد مَعَهُمْ، وَلَا يُعِيد فِي الْوَقْت اِسْتِحْبَابًا إِلَّا مَنْ اِسْتَدْبَرَ الْقِبْلَة أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ جِدًّا مُجْتَهِدًا، وَأَمَّا مَنْ تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ قَلِيلًا مُجْتَهِدًا فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ فِي وَقْت وَلَا غَيْره.
وَقَالَ الْمُغِيرَة وَالشَّافِعِيّ : لَا يَجْزِيه ; لِأَنَّ الْقِبْلَة شَرْط مِنْ شُرُوط الصَّلَاة.
وَمَا قَالَهُ مَالِك أَصَحّ ; لِأَنَّ جِهَة الْقِبْلَة تُبِيح الضَّرُورَة تَرْكهَا فِي الْمُسَايَفَة، وَتُبِيحهَا أَيْضًا الرُّخْصَة حَالَة السَّفَر.
وَقَالَ اِبْن عُمَر : نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِر يَتَنَفَّل حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَته.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْهُ، قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجْهه، قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَتْ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء فِي جَوَاز النَّافِلَة عَلَى الرَّاحِلَة لِهَذَا الْحَدِيث وَمَا كَانَ مِثْله.
وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَدَع الْقِبْلَة عَامِدًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه إِلَّا فِي شِدَّة الْخَوْف، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَاخْتَلَفَ قَوْل مَالِك فِي الْمَرِيض يُصَلِّي عَلَى مَحْمَله، فَمَرَّة قَالَ : لَا يُصَلِّي عَلَى ظَهْر الْبَعِير فَرِيضَة وَإِنْ اِشْتَدَّ مَرَضه.
قَالَ سَحْنُون : فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ، حَكَاهُ الْبَاجِيّ.
وَمَرَّة قَالَ : إِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُصَلِّي بِالْأَرْضِ إِلَّا إِيمَاء فَلْيُصَلِّ عَلَى الْبَعِير بَعْد أَنْ يُوقَف لَهُ وَيَسْتَقْبِل الْقِبْلَة وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ صَحِيح أَنْ يُصَلِّي فَرِيضَة إِلَّا بِالْأَرْضِ إِلَّا فِي الْخَوْف الشَّدِيد خَاصَّة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْمُسَافِر سَفَرًا لَا تُقْصَر فِي مِثْله الصَّلَاة، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ : لَا يُتَطَوَّع عَلَى الرَّاحِلَة إِلَّا فِي سَفَر تُقْصَر فِي مِثْله الصَّلَاة، قَالُوا : لِأَنَّ الْأَسْفَار الَّتِي حُكِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّع فِيهَا كَانَتْ مِمَّا تُقْصَر فِيهِ الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا وَالْحَسَن بْن حَيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد وَدَاوُد بْن عَلِيّ : يَجُوز التَّطَوُّع عَلَى الرَّاحِلَة خَارِج الْمِصْر فِي كُلّ سَفَر، وَسَوَاء كَانَ مِمَّا تُقْصَر فِيهِ الصَّلَاة أَوْ لَا ; لِأَنَّ الْآثَار لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيص سَفَر مِنْ سَفَر، فَكُلّ سَفَر جَائِز ذَلِكَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يُخَصّ شَيْء مِنْ الْأَسْفَار بِمَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف : يُصَلِّي فِي الْمِصْر عَلَى الدَّابَّة بِالْإِيمَاءِ، لِحَدِيثِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حِمَار فِي أَزِقَّة الْمَدِينَة يُومِئ إِيمَاء.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : يَجُوز لِكُلِّ رَاكِب وَمَاشٍ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا أَنْ يَتَنَفَّل عَلَى دَابَّته وَرَاحِلَته وَعَلَى رِجْلَيْهِ [ بِالْإِيمَاءِ ].
وَحُكِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ أَنَّ مَذْهَبهمْ جَوَاز التَّنَفُّل عَلَى الدَّابَّة فِي الْحَضَر وَالسَّفَر.
وَقَالَ الْأَثْرَم : قِيلَ لِأَحْمَد بْن حَنْبَل الصَّلَاة عَلَى الدَّابَّة فِي الْحَضَر، فَقَالَ : أَمَّا فِي السَّفَر فَقَدْ سَمِعْت، وَمَا سَمِعْت فِي الْحَضَر.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : مَنْ تَنَفَّلَ فِي مَحْمَله تَنَفَّلَ جَالِسًا، قِيَامه تَرَبُّع، يَرْكَع وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَرْفَع رَأْسه.
وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ خَارِج الْمَدِينَة، فَقَالُوا : كَيْف نُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ ؟ وَهُوَ يُصَلِّي لِغَيْرِ قِبْلَتنَا، وَكَانَ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة - وَاسْمه أَصْحَمَة وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة - يُصَلِّي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ صُرِفَتْ الْقِبْلَة إِلَى الْكَعْبَة فَنَزَلَتْ الْآيَة، وَنَزَلَ فِيهِ :" وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ " [ آل عِمْرَان : ١٩٩ ] فَكَانَ هَذَا عُذْرًا لِلنَّجَاشِيّ، وَكَانَتْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة.
وَاخْتَلَفَ قَوْل مَالِك فِي الْمَرِيض يُصَلِّي عَلَى مَحْمَله، فَمَرَّة قَالَ : لَا يُصَلِّي عَلَى ظَهْر الْبَعِير فَرِيضَة وَإِنْ اِشْتَدَّ مَرَضه.
قَالَ سَحْنُون : فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ، حَكَاهُ الْبَاجِيّ.
وَمَرَّة قَالَ : إِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُصَلِّي بِالْأَرْضِ إِلَّا إِيمَاء فَلْيُصَلِّ عَلَى الْبَعِير بَعْد أَنْ يُوقَف لَهُ وَيَسْتَقْبِل الْقِبْلَة وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ صَحِيح أَنْ يُصَلِّي فَرِيضَة إِلَّا بِالْأَرْضِ إِلَّا فِي الْخَوْف الشَّدِيد خَاصَّة، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْمُسَافِر سَفَرًا لَا تُقْصَر فِي مِثْله الصَّلَاة، فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ : لَا يُتَطَوَّع عَلَى الرَّاحِلَة إِلَّا فِي سَفَر تُقْصَر فِي مِثْله الصَّلَاة، قَالُوا : لِأَنَّ الْأَسْفَار الَّتِي حُكِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّع فِيهَا كَانَتْ مِمَّا تُقْصَر فِيهِ الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا وَالْحَسَن بْن حَيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد وَدَاوُد بْن عَلِيّ : يَجُوز التَّطَوُّع عَلَى الرَّاحِلَة خَارِج الْمِصْر فِي كُلّ سَفَر، وَسَوَاء كَانَ مِمَّا تُقْصَر فِيهِ الصَّلَاة أَوْ لَا ; لِأَنَّ الْآثَار لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيص سَفَر مِنْ سَفَر، فَكُلّ سَفَر جَائِز ذَلِكَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يُخَصّ شَيْء مِنْ الْأَسْفَار بِمَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف : يُصَلِّي فِي الْمِصْر عَلَى الدَّابَّة بِالْإِيمَاءِ، لِحَدِيثِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حِمَار فِي أَزِقَّة الْمَدِينَة يُومِئ إِيمَاء.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : يَجُوز لِكُلِّ رَاكِب وَمَاشٍ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا أَنْ يَتَنَفَّل عَلَى دَابَّته وَرَاحِلَته وَعَلَى رِجْلَيْهِ [ بِالْإِيمَاءِ ].
وَحُكِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ أَنَّ مَذْهَبهمْ جَوَاز التَّنَفُّل عَلَى الدَّابَّة فِي الْحَضَر وَالسَّفَر.
وَقَالَ الْأَثْرَم : قِيلَ لِأَحْمَد بْن حَنْبَل الصَّلَاة عَلَى الدَّابَّة فِي الْحَضَر، فَقَالَ : أَمَّا فِي السَّفَر فَقَدْ سَمِعْت، وَمَا سَمِعْت فِي الْحَضَر.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : مَنْ تَنَفَّلَ فِي مَحْمَله تَنَفَّلَ جَالِسًا، قِيَامه تَرَبُّع، يَرْكَع وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَرْفَع رَأْسه.
وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ خَارِج الْمَدِينَة، فَقَالُوا : كَيْف نُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ ؟ وَهُوَ يُصَلِّي لِغَيْرِ قِبْلَتنَا، وَكَانَ النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة - وَاسْمه أَصْحَمَة وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة - يُصَلِّي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ صُرِفَتْ الْقِبْلَة إِلَى الْكَعْبَة فَنَزَلَتْ الْآيَة، وَنَزَلَ فِيهِ :" وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ " [ آل عِمْرَان : ١٩٩ ] فَكَانَ هَذَا عُذْرًا لِلنَّجَاشِيّ، وَكَانَتْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ سَنَة تِسْع مِنْ الْهِجْرَة.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ أَجَازَ الصَّلَاة عَلَى الْغَائِب، وَهُوَ الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمِنْ أَغْرَب مَسَائِل الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت مَا قَالَ الشَّافِعِيّ : يُصَلَّى عَلَى الْغَائِب، وَقَدْ كُنْت بِبَغْدَاد فِي مَجْلِس الْإِمَام فَخْر الْإِسْلَام فَيَدْخُل عَلَيْهِ الرَّجُل مِنْ خُرَاسَان فَيَقُول لَهُ : كَيْف حَال فُلَان ؟ فَيَقُول لَهُ : مَاتَ، فَيَقُول : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! ثُمَّ يَقُول لَنَا : قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، فَيَقُوم فَيُصَلِّي عَلَيْهِ بِنَا، وَذَلِكَ بَعْد سِتَّة أَشْهُر مِنْ الْمُدَّة، وَبَيْنه وَبَيْن بَلَده سِتَّة أَشْهَر.
وَالْأَصْل عِنْدهمْ فِي ذَلِكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مَخْصُوص لِثَلَاثَةِ أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّ الْأَرْض دُحِيَتْ لَهُ جَنُوبًا وَشَمَالًا حَتَّى رَأَى نَعْش النَّجَاشِيّ، كَمَا دُحِيَتْ لَهُ شَمَالًا وَجَنُوبًا حَتَّى رَأَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
وَقَالَ الْمُخَالِف : وَأَيّ فَائِدَة فِي رُؤْيَته، وَإِنَّمَا الْفَائِدَة فِي لُحُوق بَرَكَته.
الثَّانِي : أَنَّ النَّجَاشِيّ لَمْ يَكُنْ لَهُ هُنَاكَ وَلِيّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَقُوم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُخَالِف : هَذَا مُحَال عَادَة مَلِك عَلَى دِين لَا يَكُون لَهُ أَتْبَاع، وَالتَّأْوِيل بِالْمُحَالِ مُحَال.
الثَّالِث : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيّ إِدْخَال الرَّحْمَة عَلَيْهِ وَاسْتِئْلَاف بَقِيَّة الْمُلُوك بَعْده إِذَا رَأَوْا الِاهْتِمَام بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا.
قَالَ الْمُخَالِف : بَرَكَة الدُّعَاء مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ سِوَاهُ تَلْحَق الْمَيِّت بِاتِّفَاقٍ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ النَّجَاشِيّ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ لَيْسَ عِنْدهمْ مِنْ سُنَّة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت أَثَر، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ سَيَدْفِنُونَهُ بِغَيْرِ صَلَاة فَبَادَرَ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ.
قُلْت : وَالتَّأْوِيل الْأَوَّل أَحْسَن ; لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ فَمَا صَلَّى عَلَى غَائِب وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَى مَرْئِيّ حَاضِر، وَالْغَائِب مَا لَا يُرَى.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُجَوِّز فِي الِابْتِدَاء أَنْ يُصَلِّي الْمَرْء كَيْف شَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ.
وَقَالَ قَتَادَة : النَّاسِخ قَوْله تَعَالَى :" فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] أَيْ تِلْقَاءَهُ، حَكَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ.
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنَّهَا مُحْكَمَة، الْمَعْنَى : أَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ شَرْق وَغَرْب فَثَمَّ وَجْه اللَّه الَّذِي أَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِهِ وَهُوَ الْكَعْبَة.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَابْن جُبَيْر لَمَّا نَزَلَتْ :" اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " قَالُوا : إِلَى أَيْنَ ؟ فَنَزَلَتْ :" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمِنْ أَغْرَب مَسَائِل الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت مَا قَالَ الشَّافِعِيّ : يُصَلَّى عَلَى الْغَائِب، وَقَدْ كُنْت بِبَغْدَاد فِي مَجْلِس الْإِمَام فَخْر الْإِسْلَام فَيَدْخُل عَلَيْهِ الرَّجُل مِنْ خُرَاسَان فَيَقُول لَهُ : كَيْف حَال فُلَان ؟ فَيَقُول لَهُ : مَاتَ، فَيَقُول : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! ثُمَّ يَقُول لَنَا : قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، فَيَقُوم فَيُصَلِّي عَلَيْهِ بِنَا، وَذَلِكَ بَعْد سِتَّة أَشْهُر مِنْ الْمُدَّة، وَبَيْنه وَبَيْن بَلَده سِتَّة أَشْهَر.
وَالْأَصْل عِنْدهمْ فِي ذَلِكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مَخْصُوص لِثَلَاثَةِ أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّ الْأَرْض دُحِيَتْ لَهُ جَنُوبًا وَشَمَالًا حَتَّى رَأَى نَعْش النَّجَاشِيّ، كَمَا دُحِيَتْ لَهُ شَمَالًا وَجَنُوبًا حَتَّى رَأَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
وَقَالَ الْمُخَالِف : وَأَيّ فَائِدَة فِي رُؤْيَته، وَإِنَّمَا الْفَائِدَة فِي لُحُوق بَرَكَته.
الثَّانِي : أَنَّ النَّجَاشِيّ لَمْ يَكُنْ لَهُ هُنَاكَ وَلِيّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَقُوم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُخَالِف : هَذَا مُحَال عَادَة مَلِك عَلَى دِين لَا يَكُون لَهُ أَتْبَاع، وَالتَّأْوِيل بِالْمُحَالِ مُحَال.
الثَّالِث : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيّ إِدْخَال الرَّحْمَة عَلَيْهِ وَاسْتِئْلَاف بَقِيَّة الْمُلُوك بَعْده إِذَا رَأَوْا الِاهْتِمَام بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا.
قَالَ الْمُخَالِف : بَرَكَة الدُّعَاء مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ سِوَاهُ تَلْحَق الْمَيِّت بِاتِّفَاقٍ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ النَّجَاشِيّ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ لَيْسَ عِنْدهمْ مِنْ سُنَّة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت أَثَر، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ سَيَدْفِنُونَهُ بِغَيْرِ صَلَاة فَبَادَرَ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ.
قُلْت : وَالتَّأْوِيل الْأَوَّل أَحْسَن ; لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ فَمَا صَلَّى عَلَى غَائِب وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَى مَرْئِيّ حَاضِر، وَالْغَائِب مَا لَا يُرَى.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُجَوِّز فِي الِابْتِدَاء أَنْ يُصَلِّي الْمَرْء كَيْف شَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ.
وَقَالَ قَتَادَة : النَّاسِخ قَوْله تَعَالَى :" فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] أَيْ تِلْقَاءَهُ، حَكَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ.
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنَّهَا مُحْكَمَة، الْمَعْنَى : أَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ شَرْق وَغَرْب فَثَمَّ وَجْه اللَّه الَّذِي أَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِهِ وَهُوَ الْكَعْبَة.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَابْن جُبَيْر لَمَّا نَزَلَتْ :" اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " قَالُوا : إِلَى أَيْنَ ؟ فَنَزَلَتْ :" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه ".
وَعَنْ اِبْن عُمَر وَالنَّخَعِيّ : أَيْنَمَا تُوَلُّوا فِي أَسْفَاركُمْ وَمُنْصَرِفَاتكُمْ فَثَمَّ وَجْه اللَّه.
وَقِيلَ : هِيَ مُتَّصِلَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ يُذْكَر فِيهَا اِسْمه " [ الْبَقَرَة : ١١٤ ] الْآيَة، فَالْمَعْنَى أَنَّ بِلَاد اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تَسَعكُمْ، فَلَا يَمْنَعكُمْ تَخْرِيب مَنْ خَرَّبَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ نَحْو قِبْلَة اللَّه أَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ أَرْضه.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ حِين صُدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة فَاغْتَمَّ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ.
فَهَذِهِ عَشَرَة أَقْوَال.
وَمَنْ جَعَلَهَا مَنْسُوخَة فَلَا اِعْتِرَاض عَلَيْهِ مِنْ جِهَة كَوْنهَا خَبَرًا ; لِأَنَّهَا مُحْتَمِلَة لِمَعْنَى الْأَمْر.
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " : وَلُّوا وُجُوهكُمْ نَحْو وَجْه اللَّه، وَهَذِهِ الْآيَة هِيَ الَّتِي تَلَا سَعِيد بْن جُبَيْر رَحِمَهُ اللَّه لَمَّا أَمَرَ الْحَجَّاج بِذَبْحِهِ إِلَى الْأَرْض.
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل الْوَجْه الْمُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة، فَقَالَ الْحُذَّاق : ذَلِكَ رَاجِع إِلَى الْوُجُود، وَالْعِبَارَة عَنْهُ بِالْوَجْهِ مِنْ مَجَاز الْكَلَام، إِذْ كَانَ الْوَجْه أَظْهَر الْأَعْضَاء فِي الشَّاهِد وَأَجَلّهَا قَدْرًا.
وَقَالَ اِبْن فَوْرك : قَدْ تُذْكَر صِفَة الشَّيْء وَالْمُرَاد بِهَا الْمَوْصُوف تَوَسُّعًا، كَمَا يَقُول الْقَائِل : رَأَيْت عِلْم فُلَان الْيَوْم، وَنَظَرْت إِلَى عِلْمه، وَإِنَّمَا يُرِيد بِذَلِكَ رَأَيْت الْعَالِم وَنَظَرْت إِلَى الْعَالِم، كَذَلِكَ إِذَا ذُكِرَ الْوَجْه هُنَا، وَالْمُرَاد مَنْ لَهُ الْوَجْه، أَيْ الْوُجُود.
وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّل قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه " [ الْإِنْسَان : ٩ ] لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ : لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْوَجْه، وَكَذَلِكَ قَوْله :" إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى " [ اللَّيْل : ٢٠ ] أَيْ الَّذِي لَهُ الْوَجْه.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَجْه عِبَارَة عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ :" وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " [ الرَّحْمَن : ٢٧ ].
وَقَالَ بَعْض الْأَئِمَّة : تِلْكَ صِفَة ثَابِتَة بِالسَّمْعِ زَائِدَة عَلَى مَا تُوجِبهُ الْعُقُول مِنْ صِفَات الْقَدِيم تَعَالَى.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَضَعَّفَ أَبُو الْمَعَالِي هَذَا الْقَوْل، وَهُوَ كَذَلِكَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا الْمُرَاد وُجُوده.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْوَجْهِ هُنَا الْجِهَة الَّتِي وُجِّهْنَا إِلَيْهَا أَيْ الْقِبْلَة.
وَقِيلَ : الْوَجْه الْقَصْد، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَثَمَّ رِضَا اللَّه وَثَوَابه، كَمَا قَالَ :" إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه " [ الْإِنْسَان : ٩ ] أَيْ لِرِضَائِهِ وَطَلَب ثَوَابه، وَمِنْهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْه اللَّه بَنَى اللَّه لَهُ مِثْله فِي الْجَنَّة ).
وَقِيلَ : هِيَ مُتَّصِلَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ يُذْكَر فِيهَا اِسْمه " [ الْبَقَرَة : ١١٤ ] الْآيَة، فَالْمَعْنَى أَنَّ بِلَاد اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تَسَعكُمْ، فَلَا يَمْنَعكُمْ تَخْرِيب مَنْ خَرَّبَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ نَحْو قِبْلَة اللَّه أَيْنَمَا كُنْتُمْ مِنْ أَرْضه.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ حِين صُدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة فَاغْتَمَّ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ.
فَهَذِهِ عَشَرَة أَقْوَال.
وَمَنْ جَعَلَهَا مَنْسُوخَة فَلَا اِعْتِرَاض عَلَيْهِ مِنْ جِهَة كَوْنهَا خَبَرًا ; لِأَنَّهَا مُحْتَمِلَة لِمَعْنَى الْأَمْر.
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " : وَلُّوا وُجُوهكُمْ نَحْو وَجْه اللَّه، وَهَذِهِ الْآيَة هِيَ الَّتِي تَلَا سَعِيد بْن جُبَيْر رَحِمَهُ اللَّه لَمَّا أَمَرَ الْحَجَّاج بِذَبْحِهِ إِلَى الْأَرْض.
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل الْوَجْه الْمُضَاف إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة، فَقَالَ الْحُذَّاق : ذَلِكَ رَاجِع إِلَى الْوُجُود، وَالْعِبَارَة عَنْهُ بِالْوَجْهِ مِنْ مَجَاز الْكَلَام، إِذْ كَانَ الْوَجْه أَظْهَر الْأَعْضَاء فِي الشَّاهِد وَأَجَلّهَا قَدْرًا.
وَقَالَ اِبْن فَوْرك : قَدْ تُذْكَر صِفَة الشَّيْء وَالْمُرَاد بِهَا الْمَوْصُوف تَوَسُّعًا، كَمَا يَقُول الْقَائِل : رَأَيْت عِلْم فُلَان الْيَوْم، وَنَظَرْت إِلَى عِلْمه، وَإِنَّمَا يُرِيد بِذَلِكَ رَأَيْت الْعَالِم وَنَظَرْت إِلَى الْعَالِم، كَذَلِكَ إِذَا ذُكِرَ الْوَجْه هُنَا، وَالْمُرَاد مَنْ لَهُ الْوَجْه، أَيْ الْوُجُود.
وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّل قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللَّه " [ الْإِنْسَان : ٩ ] لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ : لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْوَجْه، وَكَذَلِكَ قَوْله :" إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى " [ اللَّيْل : ٢٠ ] أَيْ الَّذِي لَهُ الْوَجْه.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْوَجْه عِبَارَة عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ :" وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " [ الرَّحْمَن : ٢٧ ].
وَقَالَ بَعْض الْأَئِمَّة : تِلْكَ صِفَة ثَابِتَة بِالسَّمْعِ زَائِدَة عَلَى مَا تُوجِبهُ الْعُقُول مِنْ صِفَات الْقَدِيم تَعَالَى.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَضَعَّفَ أَبُو الْمَعَالِي هَذَا الْقَوْل، وَهُوَ كَذَلِكَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا الْمُرَاد وُجُوده.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْوَجْهِ هُنَا الْجِهَة الَّتِي وُجِّهْنَا إِلَيْهَا أَيْ الْقِبْلَة.
وَقِيلَ : الْوَجْه الْقَصْد، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| أَسْتَغْفِر اللَّه ذَنْبًا لَسْت مُحْصِيه | رَبّ الْعِبَاد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل |
وَقَوْله :( يُجَاء يَوْم الْقِيَامَة بِصُحُفٍ مُخْتَمَة فَتُنْصَب بَيْن يَدَيْ اللَّه تَعَالَى فَيَقُول عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا فَتَقُول الْمَلَائِكَة وَعِزَّتك يَا رَبّنَا مَا رَأَيْنَا إِلَّا خَيْرًا وَهُوَ أَعْلَم فَيَقُول إِنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِي وَلَا أَقْبَل مِنْ الْعَمَل إِلَّا مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي ) أَيْ خَالِصًا لِي، خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد فَثَمَّ اللَّه، وَالْوَجْه صِلَة، وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" وَهُوَ مَعَكُمْ ".
قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالْقُتَبِيّ، وَنَحْوه قَوْل الْمُعْتَزِلَة.
وَقِيلَ : الْمُرَاد فَثَمَّ اللَّه، وَالْوَجْه صِلَة، وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" وَهُوَ مَعَكُمْ ".
قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالْقُتَبِيّ، وَنَحْوه قَوْل الْمُعْتَزِلَة.
إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
أَيْ يُوَسِّع عَلَى عِبَاده فِي دِينهمْ، وَلَا يُكَلِّفهُمْ مَا لَيْسَ فِي وُسْعهمْ.
وَقِيلَ :" وَاسِع " بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَع عِلْمه كُلّ شَيْء، كَمَا قَالَ :" وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا " [ طَه : ٩٨ ].
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْوَاسِع هُوَ الْجَوَاد الَّذِي يَسَع عَطَاؤُهُ كُلّ شَيْء، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ].
وَقِيلَ : وَاسِع الْمَغْفِرَة أَيْ لَا يَتَعَاظَمهُ ذَنْب.
وَقِيلَ : مُتَفَضِّل عَلَى الْعِبَاد وَغَنِيّ عَنْ أَعْمَالهمْ، يُقَال : فُلَان يَسَع مَا يُسْأَل، أَيْ لَا يَبْخَل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لِيُنْفِق ذُو سَعَة مِنْ سَعَته " [ الطَّلَاق : ٧ ] أَيْ لِيُنْفِق الْغَنِيّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
أَيْ يُوَسِّع عَلَى عِبَاده فِي دِينهمْ، وَلَا يُكَلِّفهُمْ مَا لَيْسَ فِي وُسْعهمْ.
وَقِيلَ :" وَاسِع " بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَع عِلْمه كُلّ شَيْء، كَمَا قَالَ :" وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا " [ طَه : ٩٨ ].
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْوَاسِع هُوَ الْجَوَاد الَّذِي يَسَع عَطَاؤُهُ كُلّ شَيْء، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء " [ الْأَعْرَاف : ١٥٦ ].
وَقِيلَ : وَاسِع الْمَغْفِرَة أَيْ لَا يَتَعَاظَمهُ ذَنْب.
وَقِيلَ : مُتَفَضِّل عَلَى الْعِبَاد وَغَنِيّ عَنْ أَعْمَالهمْ، يُقَال : فُلَان يَسَع مَا يُسْأَل، أَيْ لَا يَبْخَل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لِيُنْفِق ذُو سَعَة مِنْ سَعَته " [ الطَّلَاق : ٧ ] أَيْ لِيُنْفِق الْغَنِيّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا
هَذَا إِخْبَار عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ : الْمَسِيح اِبْن اللَّه.
وَقِيلَ عَنْ الْيَهُود فِي قَوْلهمْ : عُزَيْر اِبْن اللَّه.
وَقِيلَ عَنْ كَفَرَة الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه.
لَا يَكُون الْوَلَد إِلَّا مِنْ جِنْس الْوَالِد، فَكَيْف يَكُون لِلْحَقِّ سُبْحَانه أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاته وَهُوَ لَا يُشْبِههُ شَيْء، وَقَدْ قَالَ :" إِنْ كُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا " [ مَرْيَم : ٩٣ ]، كَمَا قَالَ هُنَا :" بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَالْوَلَدِيَّة تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّة وَالْحُدُوث، وَالْقِدَم يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّة وَالثُّبُوت، فَهُوَ سُبْحَانه الْقَدِيم الْأَزَلِيّ الْوَاحِد الْأَحَد، الْفَرْد الصَّمَد، الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد.
ثُمَّ إِنَّ الْبُنُوَّة تُنَافِي الرِّقّ وَالْعُبُودِيَّة.
- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " مَرْيَم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى - فَكَيْف يَكُون وَلَدَ عَبْدًا هَذَا مُحَال، وَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَال مُحَال.
وَقَدْ جَاءَ مِثْل هَذِهِ الْأَخْبَار عَنْ الْجَهَلَة الْكُفَّار فِي [ مَرْيَم ] /و [ الْأَنْبِيَاء ].
هَذَا إِخْبَار عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ : الْمَسِيح اِبْن اللَّه.
وَقِيلَ عَنْ الْيَهُود فِي قَوْلهمْ : عُزَيْر اِبْن اللَّه.
وَقِيلَ عَنْ كَفَرَة الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه.
لَا يَكُون الْوَلَد إِلَّا مِنْ جِنْس الْوَالِد، فَكَيْف يَكُون لِلْحَقِّ سُبْحَانه أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاته وَهُوَ لَا يُشْبِههُ شَيْء، وَقَدْ قَالَ :" إِنْ كُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا " [ مَرْيَم : ٩٣ ]، كَمَا قَالَ هُنَا :" بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَالْوَلَدِيَّة تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّة وَالْحُدُوث، وَالْقِدَم يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّة وَالثُّبُوت، فَهُوَ سُبْحَانه الْقَدِيم الْأَزَلِيّ الْوَاحِد الْأَحَد، الْفَرْد الصَّمَد، الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد.
ثُمَّ إِنَّ الْبُنُوَّة تُنَافِي الرِّقّ وَالْعُبُودِيَّة.
- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " مَرْيَم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى - فَكَيْف يَكُون وَلَدَ عَبْدًا هَذَا مُحَال، وَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَال مُحَال.
وَقَدْ جَاءَ مِثْل هَذِهِ الْأَخْبَار عَنْ الْجَهَلَة الْكُفَّار فِي [ مَرْيَم ] /و [ الْأَنْبِيَاء ].
سُبْحَانَهُ
خَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ اللَّه تَعَالَى كَذَّبَنِي اِبْن آدَم وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبه إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِر أَنْ أُعِيدهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمه إِيَّايَ فَقَوْله لِي وَلَد فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذ صَاحِبَة أَوْ وَلَدًا ".
" سُبْحَان " مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر، وَمَعْنَاهُ التَّبْرِئَة وَالتَّنْزِيه وَالْمُحَاشَاة، مِنْ قَوْلهمْ : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا، بَلْ هُوَ اللَّه تَعَالَى وَاحِد فِي ذَاته، أَحَد فِي صِفَاته، لَمْ يَلِد فَيَحْتَاج إِلَى صَاحِبَة، " أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة وَخَلَقَ كُلّ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ١٠١ ] وَلَمْ يُولَد فَيَكُون مَسْبُوقًا، جَلَّ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
خَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( قَالَ اللَّه تَعَالَى كَذَّبَنِي اِبْن آدَم وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبه إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِر أَنْ أُعِيدهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمه إِيَّايَ فَقَوْله لِي وَلَد فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذ صَاحِبَة أَوْ وَلَدًا ".
" سُبْحَان " مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر، وَمَعْنَاهُ التَّبْرِئَة وَالتَّنْزِيه وَالْمُحَاشَاة، مِنْ قَوْلهمْ : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا، بَلْ هُوَ اللَّه تَعَالَى وَاحِد فِي ذَاته، أَحَد فِي صِفَاته، لَمْ يَلِد فَيَحْتَاج إِلَى صَاحِبَة، " أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة وَخَلَقَ كُلّ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ١٠١ ] وَلَمْ يُولَد فَيَكُون مَسْبُوقًا، جَلَّ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
" مَا " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور، أَيْ كُلّ ذَلِكَ لَهُ مِلْك بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع.
وَالْقَائِل بِأَنَّهُ اِتَّخَذَ وَلَدًا دَاخِل فِي جُمْلَة السَّمَاوَات وَالْأَرْض.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى سُبْحَان اللَّه : بَرَاءَة اللَّه مِنْ السُّوء.
" مَا " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور، أَيْ كُلّ ذَلِكَ لَهُ مِلْك بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع.
وَالْقَائِل بِأَنَّهُ اِتَّخَذَ وَلَدًا دَاخِل فِي جُمْلَة السَّمَاوَات وَالْأَرْض.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى سُبْحَان اللَّه : بَرَاءَة اللَّه مِنْ السُّوء.
كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر، وَالتَّقْدِير كُلّهمْ، ثُمَّ حُذِفَ الْهَاء وَالْمِيم.
" قَانِتُونَ " أَيْ مُطِيعُونَ وَخَاضِعُونَ، فَالْمَخْلُوقَات كُلّهَا تَقْنُت لِلَّهِ، أَيْ تَخْضَع وَتُطِيع.
وَالْجَمَادَات قُنُوتهمْ فِي ظُهُور الصَّنْعَة عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ.
فَالْقُنُوت الطَّاعَة، وَالْقُنُوت السُّكُوت، وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن أَرْقَم : كُنَّا نَتَكَلَّم فِي الصَّلَاة، يُكَلِّم الرَّجُل صَاحِبه إِلَى جَنْبه حَتَّى نَزَلَتْ :" وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٨ ] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَام.
وَالْقُنُوت : الصَّلَاة، قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره فِي قَوْله :" كُلّ لَهُ قَانِتُونَ " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة.
الْحَسَن : كُلّ قَائِم بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْده.
وَالْقُنُوت فِي اللُّغَة أَصْله الْقِيَام، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( أَفْضَل الصَّلَاة طُول الْقُنُوت ) قَالَهُ الزَّجَّاج.
فَالْخَلْق قَانِتُونَ، أَيْ قَائِمُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ إِمَّا إِقْرَارًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِلَاف ذَلِكَ، فَأَثَر الصَّنْعَة بَيِّن عَلَيْهِمْ.
وَقِيلَ : أَصْله الطَّاعَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات " [ الْأَحْزَاب : ٣٥ ].
وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٨ ].
اِبْتِدَاء وَخَبَر، وَالتَّقْدِير كُلّهمْ، ثُمَّ حُذِفَ الْهَاء وَالْمِيم.
" قَانِتُونَ " أَيْ مُطِيعُونَ وَخَاضِعُونَ، فَالْمَخْلُوقَات كُلّهَا تَقْنُت لِلَّهِ، أَيْ تَخْضَع وَتُطِيع.
وَالْجَمَادَات قُنُوتهمْ فِي ظُهُور الصَّنْعَة عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ.
فَالْقُنُوت الطَّاعَة، وَالْقُنُوت السُّكُوت، وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن أَرْقَم : كُنَّا نَتَكَلَّم فِي الصَّلَاة، يُكَلِّم الرَّجُل صَاحِبه إِلَى جَنْبه حَتَّى نَزَلَتْ :" وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٨ ] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَام.
وَالْقُنُوت : الصَّلَاة، قَالَ الشَّاعِر :
| قَانِتًا لِلَّهِ يَتْلُو كُتُبه | وَعَلَى عَمْد مِنْ النَّاس اِعْتَزَلَ |
الْحَسَن : كُلّ قَائِم بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْده.
وَالْقُنُوت فِي اللُّغَة أَصْله الْقِيَام، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( أَفْضَل الصَّلَاة طُول الْقُنُوت ) قَالَهُ الزَّجَّاج.
فَالْخَلْق قَانِتُونَ، أَيْ قَائِمُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ إِمَّا إِقْرَارًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِلَاف ذَلِكَ، فَأَثَر الصَّنْعَة بَيِّن عَلَيْهِمْ.
وَقِيلَ : أَصْله الطَّاعَة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات " [ الْأَحْزَاب : ٣٥ ].
وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٨ ].
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
فَعِيل لِلْمُبَالَغَةِ، وَارْتَفَعَ عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، وَاسْم الْفَاعِل مُبْدِع، كَبَصِيرِ مِنْ مُبْصِر.
أَبْدَعْت الشَّيْء لَا عَنْ مِثَال، فَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَدِيع السَّمَاوَات وَالْأَرْض، أَيْ مُنْشِئُهَا وَمُوجِدهَا وَمُبْدِعهَا وَمُخْتَرِعهَا عَلَى غَيْر حَدّ وَلَا مِثَال.
وَكُلّ مَنْ أَنْشَأَ مَا لَمْ يُسْبَق إِلَيْهِ قِيلَ لَهُ مُبْدِع، وَمِنْهُ أَصْحَاب الْبِدَع.
وَسُمِّيَتْ الْبِدْعَة بِدْعَة لِأَنَّ قَائِلهَا اِبْتَدَعَهَا مِنْ غَيْر فِعْل أَوْ مَقَال إِمَام، وَفِي الْبُخَارِيّ ( وَنِعْمَتْ الْبِدْعَة هَذِهِ ) يَعْنِي قِيَام رَمَضَان.
كُلّ بِدْعَة صَدَرَتْ مِنْ مَخْلُوق فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون لَهَا أَصْل فِي الشَّرْع أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْل كَانَتْ وَاقِعَة تَحْت عُمُوم مَا نَدَبَ اللَّه إِلَيْهِ وَخَصَّ رَسُوله عَلَيْهِ، فَهِيَ فِي حَيِّز الْمَدْح.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَاله مَوْجُودًا كَنَوْعٍ مِنْ الْجُود وَالسَّخَاء وَفِعْل الْمَعْرُوف، فَهَذَا فِعْله مِنْ الْأَفْعَال الْمَحْمُودَة، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِل قَدْ سُبِقَ إِلَيْهِ.
وَيَعْضُد هَذَا قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نِعْمَتْ الْبِدْعَة هَذِهِ، لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَفْعَال الْخَيْر وَدَاخِلَة فِي حَيِّز الْمَدْح، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّاهَا إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَهَا وَلَمْ يُحَافِظ عَلَيْهَا، وَلَا جَمَعَ النَّاس عَلَيْهَا، فَمُحَافَظَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَيْهَا، وَجَمْع النَّاس لَهَا، وَنَدْبهمْ إِلَيْهَا، بِدْعَة لَكِنَّهَا بِدْعَة مَحْمُودَة مَمْدُوحَة.
وَإِنْ كَانَتْ فِي خِلَاف مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُوله فَهِيَ فِي حَيِّز الذَّمّ وَالْإِنْكَار، قَالَ مَعْنَاهُ الْخَطَّابِيّ وَغَيْره.
قُلْت : وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته :( وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتهَا وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة ) يُرِيد مَا لَمْ يُوَافِق كِتَابًا أَوْ سُنَّة، أَوْ عَمَل الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ :( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة كَانَ لَهُ أَجْرهَا وَأَجْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أُجُورهمْ شَيْء وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء ).
وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا اُبْتُدِعَ مِنْ قَبِيح وَحَسَن، وَهُوَ أَصْل هَذَا الْبَاب، وَبِاَللَّهِ الْعِصْمَة وَالتَّوْفِيق، لَا رَبّ غَيْره.
فَعِيل لِلْمُبَالَغَةِ، وَارْتَفَعَ عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف، وَاسْم الْفَاعِل مُبْدِع، كَبَصِيرِ مِنْ مُبْصِر.
أَبْدَعْت الشَّيْء لَا عَنْ مِثَال، فَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَدِيع السَّمَاوَات وَالْأَرْض، أَيْ مُنْشِئُهَا وَمُوجِدهَا وَمُبْدِعهَا وَمُخْتَرِعهَا عَلَى غَيْر حَدّ وَلَا مِثَال.
وَكُلّ مَنْ أَنْشَأَ مَا لَمْ يُسْبَق إِلَيْهِ قِيلَ لَهُ مُبْدِع، وَمِنْهُ أَصْحَاب الْبِدَع.
وَسُمِّيَتْ الْبِدْعَة بِدْعَة لِأَنَّ قَائِلهَا اِبْتَدَعَهَا مِنْ غَيْر فِعْل أَوْ مَقَال إِمَام، وَفِي الْبُخَارِيّ ( وَنِعْمَتْ الْبِدْعَة هَذِهِ ) يَعْنِي قِيَام رَمَضَان.
كُلّ بِدْعَة صَدَرَتْ مِنْ مَخْلُوق فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون لَهَا أَصْل فِي الشَّرْع أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْل كَانَتْ وَاقِعَة تَحْت عُمُوم مَا نَدَبَ اللَّه إِلَيْهِ وَخَصَّ رَسُوله عَلَيْهِ، فَهِيَ فِي حَيِّز الْمَدْح.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَاله مَوْجُودًا كَنَوْعٍ مِنْ الْجُود وَالسَّخَاء وَفِعْل الْمَعْرُوف، فَهَذَا فِعْله مِنْ الْأَفْعَال الْمَحْمُودَة، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِل قَدْ سُبِقَ إِلَيْهِ.
وَيَعْضُد هَذَا قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نِعْمَتْ الْبِدْعَة هَذِهِ، لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَفْعَال الْخَيْر وَدَاخِلَة فِي حَيِّز الْمَدْح، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّاهَا إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَهَا وَلَمْ يُحَافِظ عَلَيْهَا، وَلَا جَمَعَ النَّاس عَلَيْهَا، فَمُحَافَظَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَيْهَا، وَجَمْع النَّاس لَهَا، وَنَدْبهمْ إِلَيْهَا، بِدْعَة لَكِنَّهَا بِدْعَة مَحْمُودَة مَمْدُوحَة.
وَإِنْ كَانَتْ فِي خِلَاف مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُوله فَهِيَ فِي حَيِّز الذَّمّ وَالْإِنْكَار، قَالَ مَعْنَاهُ الْخَطَّابِيّ وَغَيْره.
قُلْت : وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَته :( وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتهَا وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة ) يُرِيد مَا لَمْ يُوَافِق كِتَابًا أَوْ سُنَّة، أَوْ عَمَل الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ :( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة كَانَ لَهُ أَجْرهَا وَأَجْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أُجُورهمْ شَيْء وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْده مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُص مِنْ أَوْزَارهمْ شَيْء ).
وَهَذَا إِشَارَة إِلَى مَا اُبْتُدِعَ مِنْ قَبِيح وَحَسَن، وَهُوَ أَصْل هَذَا الْبَاب، وَبِاَللَّهِ الْعِصْمَة وَالتَّوْفِيق، لَا رَبّ غَيْره.
وَإِذَا قَضَى
أَيْ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامه وَإِتْقَانه - كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمه - قَالَ لَهُ كُنْ.
قَالَ اِبْن عَرَفَة : قَضَاء الشَّيْء إِحْكَامه وَإِمْضَاؤُهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي، لِإِنَّهُ إِذَا حَكَمَ فَقَدْ فَرَغَ مِمَّا بَيْن الْخَصْمَيْنِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : قَضَى فِي اللُّغَة عَلَى وُجُوه، مَرْجِعهَا إِلَى اِنْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
وَقَالَ الشَّمَّاخ فِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :
قَالَ عُلَمَاؤُنَا :" قَضَى " لَفْظ مُشْتَرَك، يَكُون بِمَعْنَى الْخَلْق، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ " [ فُصِّلَتْ : ١٢ ] أَيْ خَلَقَهُنَّ.
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِعْلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب " [ الْإِسْرَاء : ٤ ] أَيْ أَعْلَمْنَا.
وَيَكُون بِمَعْنَى الْأَمْر، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِلْزَام وَإِمْضَاء الْأَحْكَام، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَاكِم قَاضِيًا.
وَيَكُون بِمَعْنَى تَوْفِيَة الْحَقّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل " [ الْقَصَص : ٢٩ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِرَادَة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون " [ غَافِر : ٦٨ ] أَيْ إِذَا أَرَادَ خَلْق شَيْء.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة :" قَضَى " مَعْنَاهُ قَدَّرَ، وَقَدْ يَجِيء بِمَعْنَى أَمْضَى، وَيُتَّجَه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَعْنَيَانِ عَلَى مَذْهَب أَهْل السُّنَّة قَدَّرَ فِي الْأَزَل وَأَمْضَى فِيهِ.
وَعَلَى مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة أَمْضَى عِنْد الْخَلْق وَالْإِيجَاد.
أَيْ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامه وَإِتْقَانه - كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمه - قَالَ لَهُ كُنْ.
قَالَ اِبْن عَرَفَة : قَضَاء الشَّيْء إِحْكَامه وَإِمْضَاؤُهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي، لِإِنَّهُ إِذَا حَكَمَ فَقَدْ فَرَغَ مِمَّا بَيْن الْخَصْمَيْنِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : قَضَى فِي اللُّغَة عَلَى وُجُوه، مَرْجِعهَا إِلَى اِنْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
| وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا | دَاوُد أَوْ صَنَع السَّوَابِغ تُبَّع |
| قَضَيْت أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْت بَعْدهَا | بَوَائِق فِي أَكْمَامهَا لَمْ تُفَتَّق |
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِعْلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب " [ الْإِسْرَاء : ٤ ] أَيْ أَعْلَمْنَا.
وَيَكُون بِمَعْنَى الْأَمْر، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِلْزَام وَإِمْضَاء الْأَحْكَام، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَاكِم قَاضِيًا.
وَيَكُون بِمَعْنَى تَوْفِيَة الْحَقّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل " [ الْقَصَص : ٢٩ ].
وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِرَادَة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون " [ غَافِر : ٦٨ ] أَيْ إِذَا أَرَادَ خَلْق شَيْء.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة :" قَضَى " مَعْنَاهُ قَدَّرَ، وَقَدْ يَجِيء بِمَعْنَى أَمْضَى، وَيُتَّجَه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَعْنَيَانِ عَلَى مَذْهَب أَهْل السُّنَّة قَدَّرَ فِي الْأَزَل وَأَمْضَى فِيهِ.
وَعَلَى مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة أَمْضَى عِنْد الْخَلْق وَالْإِيجَاد.
أَمْرًا
الْأَمْر وَاحِد الْأُمُور، وَلَيْسَ بِمَصْدَرِ أَمَرَ يَأْمُر.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالْأَمْر فِي الْقُرْآن يَتَصَرَّف عَلَى أَرْبَعَة عَشَر وَجْهًا :
الْأَوَّل : الدِّين، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه " [ التَّوْبَة : ٤٨ ] يَعْنِي دِين اللَّه الْإِسْلَام.
الثَّانِي : الْقَوْل، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَمْرنَا " يَعْنِي قَوْلنَا، وَقَوْله :" فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ " [ طَه : ٦٢ ] يَعْنِي قَوْلهمْ.
الثَّالِث : الْعَذَاب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ] يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ الْعَذَاب بِأَهْلِ النَّار.
الرَّابِع : عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِذَا قَضَى أَمْرًا " [ آل عِمْرَان : ٤٧ ] يَعْنِي عِيسَى، وَكَانَ فِي عِلْمه أَنْ يَكُون مِنْ غَيْر أَب.
الْخَامِس : الْقَتْل بِبَدْرٍ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَمْر اللَّه " [ غَافِر : ٧٨ ] يَعْنِي الْقَتْل بِبَدْرٍ، وَقَوْله تَعَالَى :" لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا " [ الْأَنْفَال : ٤٢ ] يَعْنِي قَتْل كُفَّار مَكَّة.
السَّادِس : فَتْح مَكَّة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ التَّوْبَة : ٢٤ ] يَعْنِي فَتْح مَكَّة.
السَّابِع : قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ الْبَقَرَة : ١٠٩ ].
الثَّامِن : الْقِيَامَة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَتَى أَمْر اللَّه " [ النَّحْل : ١ ].
التَّاسِع : الْقَضَاء، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُدَبِّر الْأَمْر " [ يُونُس : ٣ ] يَعْنِي الْقَضَاء.
الْعَاشِر : الْوَحْي، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " [ السَّجْدَة : ٥ ] يَقُول : يَنْزِل الْوَحْي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض، وَقَوْله :" يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " [ الطَّلَاق : ١٢ ] يَعْنِي الْوَحْي.
الْحَادِي عَشَر : أَمْر الْخَلْق، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور " [ الشُّورَى : ٥٣ ] يَعْنِي أُمُور الْخَلَائِق.
الثَّانِي عَشَر : النَّصْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ] يَعْنُونَ النَّصْر، " قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ] يَعْنِي النَّصْر.
الثَّالِث عَشَر : الذَّنْب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَذَاقَتْ وَبَال أَمْرهَا " [ الطَّلَاق : ٩ ] يَعْنِي جَزَاء ذَنْبهَا.
الرَّابِع عَشَر : الشَّأْن وَالْفِعْل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ " [ هُود : ٩٧ ] أَيْ فِعْله وَشَأْنه، وَقَالَ :" فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره " [ النُّور : ٦٣ ] أَيْ فِعْله.
الْأَمْر وَاحِد الْأُمُور، وَلَيْسَ بِمَصْدَرِ أَمَرَ يَأْمُر.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالْأَمْر فِي الْقُرْآن يَتَصَرَّف عَلَى أَرْبَعَة عَشَر وَجْهًا :
الْأَوَّل : الدِّين، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه " [ التَّوْبَة : ٤٨ ] يَعْنِي دِين اللَّه الْإِسْلَام.
الثَّانِي : الْقَوْل، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَمْرنَا " يَعْنِي قَوْلنَا، وَقَوْله :" فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ " [ طَه : ٦٢ ] يَعْنِي قَوْلهمْ.
الثَّالِث : الْعَذَاب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ] يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ الْعَذَاب بِأَهْلِ النَّار.
الرَّابِع : عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِذَا قَضَى أَمْرًا " [ آل عِمْرَان : ٤٧ ] يَعْنِي عِيسَى، وَكَانَ فِي عِلْمه أَنْ يَكُون مِنْ غَيْر أَب.
الْخَامِس : الْقَتْل بِبَدْرٍ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا جَاءَ أَمْر اللَّه " [ غَافِر : ٧٨ ] يَعْنِي الْقَتْل بِبَدْرٍ، وَقَوْله تَعَالَى :" لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا " [ الْأَنْفَال : ٤٢ ] يَعْنِي قَتْل كُفَّار مَكَّة.
السَّادِس : فَتْح مَكَّة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ التَّوْبَة : ٢٤ ] يَعْنِي فَتْح مَكَّة.
السَّابِع : قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ الْبَقَرَة : ١٠٩ ].
الثَّامِن : الْقِيَامَة، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَتَى أَمْر اللَّه " [ النَّحْل : ١ ].
التَّاسِع : الْقَضَاء، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُدَبِّر الْأَمْر " [ يُونُس : ٣ ] يَعْنِي الْقَضَاء.
الْعَاشِر : الْوَحْي، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " [ السَّجْدَة : ٥ ] يَقُول : يَنْزِل الْوَحْي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض، وَقَوْله :" يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " [ الطَّلَاق : ١٢ ] يَعْنِي الْوَحْي.
الْحَادِي عَشَر : أَمْر الْخَلْق، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور " [ الشُّورَى : ٥٣ ] يَعْنِي أُمُور الْخَلَائِق.
الثَّانِي عَشَر : النَّصْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ] يَعْنُونَ النَّصْر، " قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ " [ آل عِمْرَان : ١٥٤ ] يَعْنِي النَّصْر.
الثَّالِث عَشَر : الذَّنْب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَذَاقَتْ وَبَال أَمْرهَا " [ الطَّلَاق : ٩ ] يَعْنِي جَزَاء ذَنْبهَا.
الرَّابِع عَشَر : الشَّأْن وَالْفِعْل، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ " [ هُود : ٩٧ ] أَيْ فِعْله وَشَأْنه، وَقَالَ :" فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره " [ النُّور : ٦٣ ] أَيْ فِعْله.
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
قِيلَ : الْكَاف مِنْ كَيْنُونِهِ، وَالنُّون مِنْ نُوره، وَهِيَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ ).
وَيُرْوَى :( بِكَلِمَةِ اللَّه التَّامَّة ) عَلَى الْإِفْرَاد.
فَالْجَمْع لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَة فِي الْأُمُور كُلّهَا، فَإِذَا قَالَ لِكُلِّ أَمْر كُنْ، وَلِكُلِّ شَيْء كُنْ، فَهُنَّ كَلِمَات.
يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحْكَى عَنْ اللَّه تَعَالَى :( عَطَائِي كَلَام وَعَذَابِي كَلَام ).
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث فِيهِ طُول.
وَالْكَلِمَة عَلَى الْإِفْرَاد بِمَعْنَى الْكَلِمَات أَيْضًا، لَكِنْ لَمَّا تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فِي الْأُمُور فِي الْأَوْقَات صَارَتْ كَلِمَات وَمَرْجِعهنَّ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة.
وَإِنَّمَا قِيلَ " تَامَّة " لِأَنَّ أَقَلّ الْكَلَام عِنْد أَهْل اللُّغَة عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف : حَرْف مُبْتَدَأ، وَحَرْف تُحْشَى بِهِ الْكَلِمَة، وَحَرْف يُسْكَت عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ عِنْدهمْ مَنْقُوص، كَيَدٍ وَدَم وَفَم، وَإِنَّمَا نَقَصَ لِعِلَّةٍ.
فَهِيَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمَنْقُوصَات لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، وَلِأَنَّهَا كَلِمَة مَلْفُوظَة بِالْأَدَوَاتِ.
وَمِنْ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَامَّة ; لِأَنَّهَا بِغَيْرِ الْأَدَوَات، تَعَالَى عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ.
قِيلَ : الْكَاف مِنْ كَيْنُونِهِ، وَالنُّون مِنْ نُوره، وَهِيَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ ).
وَيُرْوَى :( بِكَلِمَةِ اللَّه التَّامَّة ) عَلَى الْإِفْرَاد.
فَالْجَمْع لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَة فِي الْأُمُور كُلّهَا، فَإِذَا قَالَ لِكُلِّ أَمْر كُنْ، وَلِكُلِّ شَيْء كُنْ، فَهُنَّ كَلِمَات.
يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحْكَى عَنْ اللَّه تَعَالَى :( عَطَائِي كَلَام وَعَذَابِي كَلَام ).
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث فِيهِ طُول.
وَالْكَلِمَة عَلَى الْإِفْرَاد بِمَعْنَى الْكَلِمَات أَيْضًا، لَكِنْ لَمَّا تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فِي الْأُمُور فِي الْأَوْقَات صَارَتْ كَلِمَات وَمَرْجِعهنَّ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة.
وَإِنَّمَا قِيلَ " تَامَّة " لِأَنَّ أَقَلّ الْكَلَام عِنْد أَهْل اللُّغَة عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف : حَرْف مُبْتَدَأ، وَحَرْف تُحْشَى بِهِ الْكَلِمَة، وَحَرْف يُسْكَت عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ عِنْدهمْ مَنْقُوص، كَيَدٍ وَدَم وَفَم، وَإِنَّمَا نَقَصَ لِعِلَّةٍ.
فَهِيَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمَنْقُوصَات لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، وَلِأَنَّهَا كَلِمَة مَلْفُوظَة بِالْأَدَوَاتِ.
وَمِنْ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَامَّة ; لِأَنَّهَا بِغَيْرِ الْأَدَوَات، تَعَالَى عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ.
فَيَكُونُ
قُرِئَ بِرَفْعِ النُّون عَلَى الِاسْتِئْنَاف.
قَالَ سِيبَوَيْهِ.
فَهُوَ يَكُون، أَوْ فَإِنَّهُ يَكُون.
وَقَالَ غَيْره : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " يَقُول "، فَعَلَى الْأَوَّل كَائِنًا بَعْد الْأَمْر، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُود إِذَا هُوَ عِنْده مَعْلُوم، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَعَلَى الثَّانِي كَائِنًا مَعَ الْأَمْر، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : أَمْره لِلشَّيْءِ ب " كُنْ " لَا يَتَقَدَّم الْوُجُود وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ، فَلَا يَكُون الشَّيْء مَأْمُورًا بِالْوُجُودِ إِلَّا وَهُوَ مَوْجُود بِالْأَمْرِ، وَلَا مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مَأْمُور بِالْوُجُودِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
قَالَ : وَنَظِيره قِيَام النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لَا يَتَقَدَّم دُعَاء اللَّه وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ، كَمَا قَالَ " ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " [ الرُّوم : ٢٥ ].
وَضَعَّفَ اِبْن عَطِيَّة هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هُوَ خَطَأ مِنْ جِهَة الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْل مَعَ التَّكْوِين وَالْوُجُود.
وَتَلْخِيص الْمُعْتَقَد فِي هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِلْمَعْدُومَاتِ بِشَرْطِ وُجُودهَا، قَادِرًا مَعَ تَأَخُّر الْمَقْدُورَات، عَالِمًا مَعَ تَأَخُّر الْمَعْلُومَات.
فَكُلّ مَا فِي الْآيَة يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَال فَهُوَ بِحَسَبِ الْمَأْمُورَات، إِذْ الْمُحْدَثَات تَجِيء بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ.
وَكُلّ مَا يُسْنَد إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ قُدْرَة وَعِلْم فَهُوَ قَدِيم وَلَمْ يَزَلْ.
وَالْمَعْنَى الَّذِي تَقْتَضِيه عِبَارَة " كُنْ " : هُوَ قَدِيم قَائِم بِالذَّاتِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ فَإِنْ قِيلَ : فَفِي أَيّ حَال يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون ؟ أَفِي حَال عَدَمه، أَمْ فِي حَال وُجُوده ؟ فَإِنْ كَانَ فِي حَال عَدَمه اِسْتَحَالَ أَنْ يَأْمُر إِلَّا مَأْمُورًا، كَمَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون الْأَمْر إِلَّا مِنْ آمِر، وَإِنْ كَانَ فِي حَال وُجُوده فَتِلْكَ حَال لَا يَجُوز أَنْ يَأْمُر فِيهَا بِالْوُجُودِ وَالْحُدُوث ; لِأَنَّهُ مَوْجُود حَادِث ؟ قِيلَ عَنْ هَذَا السُّؤَال أَجْوِبَة ثَلَاثَة :
أَحَدهَا : أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُفُوذ أَوَامِره فِي خَلْقه الْمَوْجُود، كَمَا أَمَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَكُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ، وَلَا يَكُون هَذَا وَارِدًا فِي إِيجَاد الْمَعْدُومَات.
الثَّانِي : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَالِم هُوَ كَائِن قَبْل كَوْنه، فَكَانَتْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَهِيَ كَائِنَة بِعِلْمِهِ قَبْل كَوْنهَا مُشَابِهَة لِلَّتِي هِيَ مَوْجُودَة، فَجَازَ أَنْ يَقُول لَهَا : كُونِي.
وَيَأْمُرهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود، لِتَصَوُّرِ جَمِيعهَا لَهُ وَلِعِلْمِهِ بِهَا فِي حَال الْعَدَم.
الثَّالِث : أَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَامّ عَنْ جَمِيع مَا يُحْدِثهُ وَيُكَوِّنهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقه وَإِنْشَاءَهُ كَانَ، وَوُجِدَ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون هُنَاكَ قَوْل يَقُولهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاء يُرِيدهُ، فَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا، كَقَوْلِ أَبِي النَّجْم :
قَدْ قَالَتْ الْأَنْسَاع لِلْبَطْنِ اِلْحَقِ
قُرِئَ بِرَفْعِ النُّون عَلَى الِاسْتِئْنَاف.
قَالَ سِيبَوَيْهِ.
فَهُوَ يَكُون، أَوْ فَإِنَّهُ يَكُون.
وَقَالَ غَيْره : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " يَقُول "، فَعَلَى الْأَوَّل كَائِنًا بَعْد الْأَمْر، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُود إِذَا هُوَ عِنْده مَعْلُوم، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَعَلَى الثَّانِي كَائِنًا مَعَ الْأَمْر، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : أَمْره لِلشَّيْءِ ب " كُنْ " لَا يَتَقَدَّم الْوُجُود وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ، فَلَا يَكُون الشَّيْء مَأْمُورًا بِالْوُجُودِ إِلَّا وَهُوَ مَوْجُود بِالْأَمْرِ، وَلَا مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مَأْمُور بِالْوُجُودِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
قَالَ : وَنَظِيره قِيَام النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لَا يَتَقَدَّم دُعَاء اللَّه وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ، كَمَا قَالَ " ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " [ الرُّوم : ٢٥ ].
وَضَعَّفَ اِبْن عَطِيَّة هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هُوَ خَطَأ مِنْ جِهَة الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْل مَعَ التَّكْوِين وَالْوُجُود.
وَتَلْخِيص الْمُعْتَقَد فِي هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِلْمَعْدُومَاتِ بِشَرْطِ وُجُودهَا، قَادِرًا مَعَ تَأَخُّر الْمَقْدُورَات، عَالِمًا مَعَ تَأَخُّر الْمَعْلُومَات.
فَكُلّ مَا فِي الْآيَة يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَال فَهُوَ بِحَسَبِ الْمَأْمُورَات، إِذْ الْمُحْدَثَات تَجِيء بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ.
وَكُلّ مَا يُسْنَد إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ قُدْرَة وَعِلْم فَهُوَ قَدِيم وَلَمْ يَزَلْ.
وَالْمَعْنَى الَّذِي تَقْتَضِيه عِبَارَة " كُنْ " : هُوَ قَدِيم قَائِم بِالذَّاتِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ فَإِنْ قِيلَ : فَفِي أَيّ حَال يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون ؟ أَفِي حَال عَدَمه، أَمْ فِي حَال وُجُوده ؟ فَإِنْ كَانَ فِي حَال عَدَمه اِسْتَحَالَ أَنْ يَأْمُر إِلَّا مَأْمُورًا، كَمَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون الْأَمْر إِلَّا مِنْ آمِر، وَإِنْ كَانَ فِي حَال وُجُوده فَتِلْكَ حَال لَا يَجُوز أَنْ يَأْمُر فِيهَا بِالْوُجُودِ وَالْحُدُوث ; لِأَنَّهُ مَوْجُود حَادِث ؟ قِيلَ عَنْ هَذَا السُّؤَال أَجْوِبَة ثَلَاثَة :
أَحَدهَا : أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُفُوذ أَوَامِره فِي خَلْقه الْمَوْجُود، كَمَا أَمَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَكُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ، وَلَا يَكُون هَذَا وَارِدًا فِي إِيجَاد الْمَعْدُومَات.
الثَّانِي : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَالِم هُوَ كَائِن قَبْل كَوْنه، فَكَانَتْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَهِيَ كَائِنَة بِعِلْمِهِ قَبْل كَوْنهَا مُشَابِهَة لِلَّتِي هِيَ مَوْجُودَة، فَجَازَ أَنْ يَقُول لَهَا : كُونِي.
وَيَأْمُرهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود، لِتَصَوُّرِ جَمِيعهَا لَهُ وَلِعِلْمِهِ بِهَا فِي حَال الْعَدَم.
الثَّالِث : أَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَامّ عَنْ جَمِيع مَا يُحْدِثهُ وَيُكَوِّنهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقه وَإِنْشَاءَهُ كَانَ، وَوُجِدَ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون هُنَاكَ قَوْل يَقُولهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاء يُرِيدهُ، فَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا، كَقَوْلِ أَبِي النَّجْم :
قَدْ قَالَتْ الْأَنْسَاع لِلْبَطْنِ اِلْحَقِ
وَلَا قَوْل هُنَاكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الظَّهْر قَدْ لَحِقَ بِالْبَطْنِ، وَكَقَوْلِ عَمْرو بْن حممة الدُّوسِيّ :
وَكَمَا قَالَ الْآخَر :
| فَأَصْبَحَتْ مِثْل النَّسْر طَارَتْ فِرَاخه | إِذَا رَامَ تَطْيَارًا يُقَال لَهُ قَعِ |
| قَالَتْ جَنَاحَاهُ لِسَاقَيْهِ اِلْحَقَا | وَنَجِّيَا لَحْمكُمَا أَنْ يُمَزَّقَا |
| تَعُدُّونَ عَقْر النِّيْب أَفْضَل مَجْدكُمْ | بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلَا الْكَمِيّ الْمُقَنَّعَا |
وَمَعْنَى الْكَلَام هَلَّا يُكَلِّمنَا اللَّه بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَعْلَم أَنَّهُ نَبِيّ فَنُؤْمِن بِهِ، أَوْ يَأْتِينَا بِآيَةٍ تَكُون عَلَامَة عَلَى نُبُوَّته.
وَالْآيَة : الدَّلَالَة وَالْعَلَامَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
" الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " كُفَّار الْعَرَب، أَوْ الْأُمَم السَّالِفَة فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَوْ الْيَهُود فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " النَّصَارَى.
" الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ " الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " كُفَّار الْعَرَب، أَوْ الْأُمَم السَّالِفَة فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَوْ الْيَهُود فِي قَوْل مَنْ جَعَلَ " الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " النَّصَارَى.
تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
قِيلَ : فِي التَّعْنِيت وَالِاقْتِرَاح وَتَرْك الْإِيمَان.
وَقَالَ الْفَرَّاء.
" تَشَابَهَتْ قُلُوبهمْ " فِي اِتِّفَاقهمْ عَلَى الْكُفْر.
قِيلَ : فِي التَّعْنِيت وَالِاقْتِرَاح وَتَرْك الْإِيمَان.
وَقَالَ الْفَرَّاء.
" تَشَابَهَتْ قُلُوبهمْ " فِي اِتِّفَاقهمْ عَلَى الْكُفْر.
قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وَالْيَقِين : الْعِلْم دُون الشَّكّ، يُقَال مِنْهُ : يَقِنْت الْأَمْر ( بِالْكَسْرِ ) يَقْنًا، وَأَيْقَنْت وَاسْتَيْقَنْت وَتَيَقَّنْت كُلّه بِمَعْنًى، وَأَنَا عَلَى يَقِين مِنْهُ.
وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء وَاوًا فِي قَوْلك : مُوقِن، لِلضَّمَّةِ قَبْلهَا، وَإِذَا صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى الْأَصْل فَقُلْت مُيَيْقِن وَالتَّصْغِير يَرُدّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَكَذَلِكَ الْجَمْع.
وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالْيَقِينِ عَنْ الظَّنّ، وَمِنْهُ قَوْل عُلَمَائِنَا فِي الْيَمِين اللَّغْو : هُوَ أَنْ يَحْلِف بِاَللَّهِ عَلَى أَمْر يُوقِنهُ ثُمَّ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ خِلَاف ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر :
يَقُول : تَشَمَّمَ الْأَسَد نَاقَتِي، يَظُنّ أَنَّنِي مُفْتَدٍ بِهَا مِنْهُ، وَأَسْتَحْمِي نَفْسِي فَأَتْرُكهَا لَهُ وَلَا أَقْتَحِم الْمَهَالِك بِمُقَاتَلَتِهِ فَأَمَّا الظَّنّ بِمَعْنَى الْيَقِين فَوَرَدَ فِي التَّنْزِيل وَهُوَ فِي الشِّعْر كَثِير، وَسَيَأْتِي.
وَالْآخِرَة مُشْتَقَّة مِنْ التَّأَخُّر لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا وَتَأَخُّرنَا عَنْهَا، كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُشْتَقَّة مِنْ الدُّنُوّ، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَالْيَقِين : الْعِلْم دُون الشَّكّ، يُقَال مِنْهُ : يَقِنْت الْأَمْر ( بِالْكَسْرِ ) يَقْنًا، وَأَيْقَنْت وَاسْتَيْقَنْت وَتَيَقَّنْت كُلّه بِمَعْنًى، وَأَنَا عَلَى يَقِين مِنْهُ.
وَإِنَّمَا صَارَتْ الْيَاء وَاوًا فِي قَوْلك : مُوقِن، لِلضَّمَّةِ قَبْلهَا، وَإِذَا صَغَّرْته رَدَدْته إِلَى الْأَصْل فَقُلْت مُيَيْقِن وَالتَّصْغِير يَرُدّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَكَذَلِكَ الْجَمْع.
وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالْيَقِينِ عَنْ الظَّنّ، وَمِنْهُ قَوْل عُلَمَائِنَا فِي الْيَمِين اللَّغْو : هُوَ أَنْ يَحْلِف بِاَللَّهِ عَلَى أَمْر يُوقِنهُ ثُمَّ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ خِلَاف ذَلِكَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر :
| تَحْسِب هواس وأيقن أَنَّنِي | بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِد لَا أُغَامِرهُ |
وَالْآخِرَة مُشْتَقَّة مِنْ التَّأَخُّر لِتَأَخُّرِهَا عَنَّا وَتَأَخُّرنَا عَنْهَا، كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا مُشْتَقَّة مِنْ الدُّنُوّ، عَلَى مَا يَأْتِي.
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا
" بَشِيرًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال، " وَنَذِيرًا " عُطِفَ عَلَيْهِ، قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا.
" بَشِيرًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال، " وَنَذِيرًا " عُطِفَ عَلَيْهِ، قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا.
وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ
قَالَ مُقَاتِل : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنْزَلَ اللَّه بَأْسه بِالْيَهُودِ لَآمَنُوا )، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تُسْأَل عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم " بِرَفْعِ تُسْأَل، وَهِيَ قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَيَكُون فِي مَوْضِع الْحَال بِعَطْفِهِ عَلَى " بَشِيرًا وَنَذِيرًا ".
وَالْمَعْنَى إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْر مَسْئُول.
وَقَالَ سَعِيد الْأَخْفَش : وَلَا تَسْأَل ( بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّ اللَّام )، وَيَكُون فِي مَوْضِع الْحَال عَطْفًا عَلَى " بَشِيرًا وَنَذِيرًا ".
وَالْمَعْنَى : إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْر سَائِل عَنْهُمْ، لِأَنَّ عِلْم اللَّه بِكُفْرِهِمْ بَعْد إِنْذَارهمْ يُغْنِي عَنْ سُؤَاله عَنْهُمْ.
هَذَا مَعْنَى غَيْر سَائِل.
وَمَعْنَى غَيْر مَسْئُول لَا يَكُون مُؤَاخَذًا بِكُفْرِ مَنْ كَفَرَ بَعْد التَّبْشِير وَالْإِنْذَار.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم :( لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ ).
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " وَلَا تُسْأَل " جَزْمًا عَلَى النَّهْي، وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَحْده، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ نَهَى عَنْ السُّؤَال عَمَّنْ عَصَى وَكَفَرَ مِنْ الْأَحْيَاء ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّر حَاله فَيَنْتَقِل عَنْ الْكُفْر إِلَى الْإِيمَان، وَعَنْ الْمَعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة.
وَالثَّانِي : وَهُوَ الْأَظْهَر، أَنَّهُ نَهَى عَنْ السُّؤَال عَمَّنْ مَاتَ عَلَى كُفْره وَمَعْصِيَته، تَعْظِيمًا لِحَالِهِ وَتَغْلِيظًا لِشَأْنِهِ، وَهَذَا كَمَا يُقَال : لَا تَسْأَل عَنْ فُلَان ! أَيْ قَدْ بَلَغَ فَوْق مَا تَحْسِب.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " وَلَنْ تُسْأَل ".
وَقَرَأَ أُبَيّ " وَمَا تُسْأَل "، وَمَعْنَاهُمَا مُوَافِق لِقِرَاءَةِ الْجُمْهُور، نَفَى أَنْ يَكُون مَسْئُولًا عَنْهُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا سَأَلَ أَيّ أَبَوَيْهِ أَحْدَث مَوْتًا، فَنَزَلَتْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا لَهُ أَبَاهُ وَأُمّه وَآمَنَا بِهِ، وَذَكَرْنَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِلرَّجُلِ :( إِنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّار ) وَبَيَّنَّا ذَلِكَ، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ مُقَاتِل : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنْزَلَ اللَّه بَأْسه بِالْيَهُودِ لَآمَنُوا )، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تُسْأَل عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم " بِرَفْعِ تُسْأَل، وَهِيَ قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَيَكُون فِي مَوْضِع الْحَال بِعَطْفِهِ عَلَى " بَشِيرًا وَنَذِيرًا ".
وَالْمَعْنَى إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْر مَسْئُول.
وَقَالَ سَعِيد الْأَخْفَش : وَلَا تَسْأَل ( بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّ اللَّام )، وَيَكُون فِي مَوْضِع الْحَال عَطْفًا عَلَى " بَشِيرًا وَنَذِيرًا ".
وَالْمَعْنَى : إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْر سَائِل عَنْهُمْ، لِأَنَّ عِلْم اللَّه بِكُفْرِهِمْ بَعْد إِنْذَارهمْ يُغْنِي عَنْ سُؤَاله عَنْهُمْ.
هَذَا مَعْنَى غَيْر سَائِل.
وَمَعْنَى غَيْر مَسْئُول لَا يَكُون مُؤَاخَذًا بِكُفْرِ مَنْ كَفَرَ بَعْد التَّبْشِير وَالْإِنْذَار.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن كَعْب : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم :( لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ ).
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " وَلَا تُسْأَل " جَزْمًا عَلَى النَّهْي، وَهِيَ قِرَاءَة نَافِع وَحْده، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ نَهَى عَنْ السُّؤَال عَمَّنْ عَصَى وَكَفَرَ مِنْ الْأَحْيَاء ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّر حَاله فَيَنْتَقِل عَنْ الْكُفْر إِلَى الْإِيمَان، وَعَنْ الْمَعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة.
وَالثَّانِي : وَهُوَ الْأَظْهَر، أَنَّهُ نَهَى عَنْ السُّؤَال عَمَّنْ مَاتَ عَلَى كُفْره وَمَعْصِيَته، تَعْظِيمًا لِحَالِهِ وَتَغْلِيظًا لِشَأْنِهِ، وَهَذَا كَمَا يُقَال : لَا تَسْأَل عَنْ فُلَان ! أَيْ قَدْ بَلَغَ فَوْق مَا تَحْسِب.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " وَلَنْ تُسْأَل ".
وَقَرَأَ أُبَيّ " وَمَا تُسْأَل "، وَمَعْنَاهُمَا مُوَافِق لِقِرَاءَةِ الْجُمْهُور، نَفَى أَنْ يَكُون مَسْئُولًا عَنْهُمْ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا سَأَلَ أَيّ أَبَوَيْهِ أَحْدَث مَوْتًا، فَنَزَلَتْ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا لَهُ أَبَاهُ وَأُمّه وَآمَنَا بِهِ، وَذَكَرْنَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِلرَّجُلِ :( إِنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّار ) وَبَيَّنَّا ذَلِكَ، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
الْمَعْنَى : لَيْسَ غَرَضهمْ يَا مُحَمَّد بِمَا يَقْتَرِحُونَ مِنْ الْآيَات أَنْ يُؤْمِنُوا، بَلْ لَوْ أَتَيْتهمْ بِكُلِّ مَا يَسْأَلُونَ لَمْ يَرْضَوْا عَنْك، وَإِنَّمَا يُرْضِيهِمْ تَرْك مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام وَاتِّبَاعهمْ.
يُقَال : رَضِيَ يَرْضَى رِضًا وَرُضًا وَرِضْوَانًا وَرُضْوَانًا وَمَرْضَاة، وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو، وَيُقَال فِي التَّثْنِيَة : رِضَوَانِ، وَحَكَى الْكِسَائِيّ : رِضَيَانِ.
وَحُكِيَ رِضَاء مَمْدُود، وَكَأَنَّهُ مَصْدَر رَاضَى يُرَاضِي مُرَاضَاة وَرِضَاء.
" تَتَّبِع " مَنْصُوب بِأَنْ وَلَكِنَّهَا لَا تَظْهَر مَعَ حَتَّى، قَالَهُ الْخَلِيل.
وَذَلِكَ أَنَّ حَتَّى خَافِضَة لِلِاسْمِ، كَقَوْلِهِ :" حَتَّى مَطْلِع الْفَجْر " [ الْقَدْر : ٥ ] وَمَا يَعْمَل فِي الِاسْم لَا يَعْمَل فِي الْفِعْل أَلْبَتَّةَ، وَمَا يَخْفِض اِسْمًا لَا يَنْصِب شَيْئًا.
وَقَالَ النَّحَّاس :" تَتَّبِع " مَنْصُوب بِحَتَّى، و " حَتَّى " بَدَل مِنْ أَنْ.
وَالْمِلَّة : اِسْم لِمَا شَرَعَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ فِي كُتُبه وَعَلَى أَلْسِنَة رُسُله.
فَكَانَتْ الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة سَوَاء، فَأَمَّا الدِّين فَقَدْ فُرِّقَ بَيْنه وَبَيْن الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة، فَإِنَّ الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة مَا دَعَا اللَّه عِبَاده إِلَى فِعْله، وَالدِّين مَا فَعَلَهُ الْعِبَاد عَنْ أَمْره.
تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد وَأَحْمَد بْن حَنْبَل عَلَى أَنَّ الْكُفْر كُلّه مِلَّة وَاحِدَة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مِلَّتهمْ " فَوَحَّدَ الْمِلَّة، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين " [ الْكَافِرُونَ : ٦ ]، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَتَوَارَث أَهْل مِلَّتَيْنِ ) عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْإِسْلَام وَالْكُفْر، بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر ).
وَذَهَبَ مَالِك وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى إِلَى أَنَّ الْكُفْر مِلَل، فَلَا يَرِث الْيَهُودِيّ النَّصْرَانِيّ، وَلَا يَرِثَانِ الْمَجُوسِيّ، أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَتَوَارَث أَهْل مِلَّتَيْنِ )، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" مِلَّتهمْ " فَالْمُرَاد بِهِ الْكَثْرَة وَإِنْ كَانَتْ مُوَحَّدَة فِي اللَّفْظ بِدَلِيلِ إِضَافَتهَا إِلَى ضَمِير الْكَثْرَة، كَمَا تَقُول : أَخَذْت عَنْ عُلَمَاء أَهْل الْمَدِينَة - مَثَلًا - عِلْمهمْ، وَسَمِعْت عَلَيْهِمْ حَدِيثهمْ، يَعْنِي عُلُومهمْ وَأَحَادِيثهمْ.
الْمَعْنَى : لَيْسَ غَرَضهمْ يَا مُحَمَّد بِمَا يَقْتَرِحُونَ مِنْ الْآيَات أَنْ يُؤْمِنُوا، بَلْ لَوْ أَتَيْتهمْ بِكُلِّ مَا يَسْأَلُونَ لَمْ يَرْضَوْا عَنْك، وَإِنَّمَا يُرْضِيهِمْ تَرْك مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَام وَاتِّبَاعهمْ.
يُقَال : رَضِيَ يَرْضَى رِضًا وَرُضًا وَرِضْوَانًا وَرُضْوَانًا وَمَرْضَاة، وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو، وَيُقَال فِي التَّثْنِيَة : رِضَوَانِ، وَحَكَى الْكِسَائِيّ : رِضَيَانِ.
وَحُكِيَ رِضَاء مَمْدُود، وَكَأَنَّهُ مَصْدَر رَاضَى يُرَاضِي مُرَاضَاة وَرِضَاء.
" تَتَّبِع " مَنْصُوب بِأَنْ وَلَكِنَّهَا لَا تَظْهَر مَعَ حَتَّى، قَالَهُ الْخَلِيل.
وَذَلِكَ أَنَّ حَتَّى خَافِضَة لِلِاسْمِ، كَقَوْلِهِ :" حَتَّى مَطْلِع الْفَجْر " [ الْقَدْر : ٥ ] وَمَا يَعْمَل فِي الِاسْم لَا يَعْمَل فِي الْفِعْل أَلْبَتَّةَ، وَمَا يَخْفِض اِسْمًا لَا يَنْصِب شَيْئًا.
وَقَالَ النَّحَّاس :" تَتَّبِع " مَنْصُوب بِحَتَّى، و " حَتَّى " بَدَل مِنْ أَنْ.
وَالْمِلَّة : اِسْم لِمَا شَرَعَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ فِي كُتُبه وَعَلَى أَلْسِنَة رُسُله.
فَكَانَتْ الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة سَوَاء، فَأَمَّا الدِّين فَقَدْ فُرِّقَ بَيْنه وَبَيْن الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة، فَإِنَّ الْمِلَّة وَالشَّرِيعَة مَا دَعَا اللَّه عِبَاده إِلَى فِعْله، وَالدِّين مَا فَعَلَهُ الْعِبَاد عَنْ أَمْره.
تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد وَأَحْمَد بْن حَنْبَل عَلَى أَنَّ الْكُفْر كُلّه مِلَّة وَاحِدَة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مِلَّتهمْ " فَوَحَّدَ الْمِلَّة، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَكُمْ دِينكُمْ وَلِيَ دِين " [ الْكَافِرُونَ : ٦ ]، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَتَوَارَث أَهْل مِلَّتَيْنِ ) عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْإِسْلَام وَالْكُفْر، بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر ).
وَذَهَبَ مَالِك وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى إِلَى أَنَّ الْكُفْر مِلَل، فَلَا يَرِث الْيَهُودِيّ النَّصْرَانِيّ، وَلَا يَرِثَانِ الْمَجُوسِيّ، أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَتَوَارَث أَهْل مِلَّتَيْنِ )، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :" مِلَّتهمْ " فَالْمُرَاد بِهِ الْكَثْرَة وَإِنْ كَانَتْ مُوَحَّدَة فِي اللَّفْظ بِدَلِيلِ إِضَافَتهَا إِلَى ضَمِير الْكَثْرَة، كَمَا تَقُول : أَخَذْت عَنْ عُلَمَاء أَهْل الْمَدِينَة - مَثَلًا - عِلْمهمْ، وَسَمِعْت عَلَيْهِمْ حَدِيثهمْ، يَعْنِي عُلُومهمْ وَأَحَادِيثهمْ.
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى
الْمَعْنَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّد مِنْ هُدَى اللَّه الْحَقّ الَّذِي يَضَعهُ فِي قَلْب مَنْ يَشَاء هُوَ الْهُدَى الْحَقِيقِيّ، لَا مَا يَدَّعِيه هَؤُلَاءِ.
الْمَعْنَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمَّد مِنْ هُدَى اللَّه الْحَقّ الَّذِي يَضَعهُ فِي قَلْب مَنْ يَشَاء هُوَ الْهُدَى الْحَقِيقِيّ، لَا مَا يَدَّعِيه هَؤُلَاءِ.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
الْأَهْوَاء جَمْع هَوًى، كَمَا تَقُول : جَمَل وَأَجْمَال، وَلَمَّا كَانَتْ مُخْتَلِفَة جُمِعَتْ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَفْرَاد الْمِلَّة لَقَالَ هَوَاهُمْ.
وَفِي هَذَا الْخِطَاب وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لِلرَّسُولِ، لِتَوَجُّهِ الْخِطَاب إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَاد بِهِ أُمَّته، وَعَلَى الْأَوَّل يَكُون فِيهِ تَأْدِيب لِأُمَّتِهِ، إِذْ مَنْزِلَتهمْ دُون مَنْزِلَته.
وَسَبَب الْآيَة أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْمُسَالَمَة وَالْهُدْنَة، وَيَعِدُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُمْ لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُ حَتَّى يَتَّبِع مِلَّتهمْ، وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ.
قَوْله تَعَالَى :" مِنْ الْعِلْم " سُئِلَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَمَّنْ يَقُول : الْقُرْآن مَخْلُوق، فَقَالَ : كَافِر، فَقِيلَ : بِمَ كَفَّرْته ؟ فَقَالَ : بِآيَاتٍ مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى :" وَلَئِنْ اِتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ بَعْد الَّذِي جَاءَك مِنْ الْعِلْم " [ الْبَقَرَة : ١٤٥ ] وَالْقُرْآن مِنْ عِلْم اللَّه.
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوق فَقَدْ كَفَرَ.
الْأَهْوَاء جَمْع هَوًى، كَمَا تَقُول : جَمَل وَأَجْمَال، وَلَمَّا كَانَتْ مُخْتَلِفَة جُمِعَتْ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَفْرَاد الْمِلَّة لَقَالَ هَوَاهُمْ.
وَفِي هَذَا الْخِطَاب وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لِلرَّسُولِ، لِتَوَجُّهِ الْخِطَاب إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَاد بِهِ أُمَّته، وَعَلَى الْأَوَّل يَكُون فِيهِ تَأْدِيب لِأُمَّتِهِ، إِذْ مَنْزِلَتهمْ دُون مَنْزِلَته.
وَسَبَب الْآيَة أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْمُسَالَمَة وَالْهُدْنَة، وَيَعِدُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُمْ لَنْ يَرْضَوْا عَنْهُ حَتَّى يَتَّبِع مِلَّتهمْ، وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ.
قَوْله تَعَالَى :" مِنْ الْعِلْم " سُئِلَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَمَّنْ يَقُول : الْقُرْآن مَخْلُوق، فَقَالَ : كَافِر، فَقِيلَ : بِمَ كَفَّرْته ؟ فَقَالَ : بِآيَاتٍ مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى :" وَلَئِنْ اِتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ بَعْد الَّذِي جَاءَك مِنْ الْعِلْم " [ الْبَقَرَة : ١٤٥ ] وَالْقُرْآن مِنْ عِلْم اللَّه.
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوق فَقَدْ كَفَرَ.
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
قَالَ قَتَادَة : هُمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكِتَاب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الْقُرْآن.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : هُمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل.
وَالْكِتَاب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : التَّوْرَاة، وَالْآيَة تَعُمّ.
و " الَّذِينَ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، " آتَيْنَاهُمْ " صِلَته، " يَتْلُونَهُ " خَبَر الِابْتِدَاء، وَإِنْ شِئْت كَانَ الْخَبَر " أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ".
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته " فَقِيلَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اِتِّبَاعه، بِاتِّبَاعِ الْأَمْر وَالنَّهْي، فَيُحَلِّلُونَ حَلَاله، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامه، وَيَعْمَلُونَ بِمَا تَضَمَّنَهُ، قَالَهُ عِكْرِمَة.
قَالَ عِكْرِمَة : أَمَا سَمِعْت قَوْل اللَّه تَعَالَى :" وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا " [ الشَّمْس : ٢ ] أَيْ أَتْبَعَهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
قَدْ جَعَلَتْ دَلْوِي تَسْتَتْلِينِي
وَرَوَى نَصْر بْن عِيسَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته " قَالَ :( يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اِتِّبَاعه ).
فِي إِسْنَاده غَيْر وَاحِد مِنْ الْمَجْهُولِينَ فِيمَا ذَكَرَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد، إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : مَنْ يَتَّبِع الْقُرْآن يَهْبِط بِهِ عَلَى رِيَاض الْجَنَّة.
وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ الَّذِينَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ رَحْمَة سَأَلُوهَا مِنْ اللَّه، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةِ عَذَاب اِسْتَعَاذُوا مِنْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَة سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَاب تَعَوَّذَ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالِمه.
وَقِيلَ : يَقْرَءُونَهُ حَقّ قِرَاءَته.
قُلْت : وَهَذَا فِيهِ بُعْد، إِلَّا أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يُرَتِّلُونَ أَلْفَاظه، وَيَفْهَمُونَ مَعَانِيه، فَإِنَّ بِفَهْمِ الْمَعَانِي يَكُون الِاتِّبَاع لِمَنْ وُفِّقَ.
قَالَ قَتَادَة : هُمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكِتَاب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الْقُرْآن.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : هُمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل.
وَالْكِتَاب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : التَّوْرَاة، وَالْآيَة تَعُمّ.
و " الَّذِينَ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، " آتَيْنَاهُمْ " صِلَته، " يَتْلُونَهُ " خَبَر الِابْتِدَاء، وَإِنْ شِئْت كَانَ الْخَبَر " أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ".
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته " فَقِيلَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اِتِّبَاعه، بِاتِّبَاعِ الْأَمْر وَالنَّهْي، فَيُحَلِّلُونَ حَلَاله، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامه، وَيَعْمَلُونَ بِمَا تَضَمَّنَهُ، قَالَهُ عِكْرِمَة.
قَالَ عِكْرِمَة : أَمَا سَمِعْت قَوْل اللَّه تَعَالَى :" وَالْقَمَر إِذَا تَلَاهَا " [ الشَّمْس : ٢ ] أَيْ أَتْبَعَهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
قَدْ جَعَلَتْ دَلْوِي تَسْتَتْلِينِي
وَرَوَى نَصْر بْن عِيسَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته " قَالَ :( يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اِتِّبَاعه ).
فِي إِسْنَاده غَيْر وَاحِد مِنْ الْمَجْهُولِينَ فِيمَا ذَكَرَ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد، إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : مَنْ يَتَّبِع الْقُرْآن يَهْبِط بِهِ عَلَى رِيَاض الْجَنَّة.
وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُمْ الَّذِينَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ رَحْمَة سَأَلُوهَا مِنْ اللَّه، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةِ عَذَاب اِسْتَعَاذُوا مِنْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَة سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَاب تَعَوَّذَ.
وَقَالَ الْحَسَن : هُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالِمه.
وَقِيلَ : يَقْرَءُونَهُ حَقّ قِرَاءَته.
قُلْت : وَهَذَا فِيهِ بُعْد، إِلَّا أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يُرَتِّلُونَ أَلْفَاظه، وَيَفْهَمُونَ مَعَانِيه، فَإِنَّ بِفَهْمِ الْمَعَانِي يَكُون الِاتِّبَاع لِمَنْ وُفِّقَ.
لا يوجد تفسير لهذه الأية
لا يوجد تفسير لهذه الأية
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
فِيهِ سِتَّة عَشَر مَسْأَلَة
الْأُولَى : لَمَّا جَرَى ذِكْر الْكَعْبَة وَالْقِبْلَة اِتَّصَلَ ذَلِكَ بِذِكْرِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنَّهُ الَّذِي بَنَى الْبَيْت، فَكَانَ مِنْ حَقّ الْيَهُود - وَهُمْ مِنْ نَسْل إِبْرَاهِيم - أَلَّا يَرْغَبُوا عَنْ دِينه.
وَالِابْتِلَاء : الِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار، وَمَعْنَاهُ أَمْر وَتَعَبُّد.
وَإِبْرَاهِيم تَفْسِيره بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن عَطِيَّة : أَب رَحِيم.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَكَثِيرًا مَا يَقَع الِاتِّفَاق بَيْن السُّرْيَانِيّ وَالْعَرَبِيّ أَوْ يُقَارِبهُ فِي اللَّفْظ، أَلَا تَرَى أَنَّ إِبْرَاهِيم تَفْسِيره أَب رَاحِم، لِرَحْمَتِهِ بِالْأَطْفَالِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ هُوَ وَسَارَّة زَوْجَته كَافِلَيْنِ لِأَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الرُّؤْيَا الطَّوِيل عَنْ سَمُرَة، وَفِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الرَّوْضَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَحَوْله أَوْلَاد النَّاس.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَإِبْرَاهِيم هُوَ اِبْن تارخ بْن ناخور فِي قَوْل بَعْض الْمُؤَرِّخِينَ.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ " [ الْأَنْعَام : ٧٤ ] وَكَذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، وَلَا تَنَاقُض فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " الْأَنْعَام " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَكَانَ لَهُ أَرْبَع بَنِينَ : إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمَدْيَن وَمَدَائِن، عَلَى مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ.
وَقُدِّمَ عَلَى الْفَاعِل لِلِاهْتِمَامِ، إِذْ كَوْن الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُبْتَلِيًا مَعْلُوم، وَكَوْن الضَّمِير الْمَفْعُول فِي الْعَرَبِيَّة مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ مُوجِب تَقْدِيم الْمَفْعُول، فَإِنَّمَا بُنِيَ الْكَلَام عَلَى هَذَا الِاهْتِمَام، فَاعْلَمْهُ.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " إِبْرَاهِيم " بِالنَّصْبِ، " رَبّه " بِالرَّفْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِر بْن زَيْد أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْعَكْس، وَزَعَمَ أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَقْرَأَهُ كَذَلِكَ.
وَالْمَعْنَى دَعَا إِبْرَاهِيم رَبّه وَسَأَلَ، وَفِيهِ بُعْد، لِأَجْلِ الْبَاء فِي قَوْله :" بِكَلِمَاتٍ ".
الثَّانِيَة :" بِكَلِمَاتٍ " الْكَلِمَات جَمْع كَلِمَة، وَيَرْجِع تَحْقِيقهَا إِلَى كَلَام الْبَارِي تَعَالَى، لَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا عَنْ الْوَظَائِف الَّتِي كُلِّفَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَمَّا كَانَ تَكْلِيفهَا بِالْكَلَامِ سُمِّيَتْ بِهِ، كَمَا سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَة ; لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ كَلِمَة وَهِيَ " كُنْ ".
وَتَسْمِيَة الشَّيْء بِمُقَدِّمَتِهِ أَحَد قِسْمَيْ الْمَجَاز، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
فِيهِ سِتَّة عَشَر مَسْأَلَة
الْأُولَى : لَمَّا جَرَى ذِكْر الْكَعْبَة وَالْقِبْلَة اِتَّصَلَ ذَلِكَ بِذِكْرِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَنَّهُ الَّذِي بَنَى الْبَيْت، فَكَانَ مِنْ حَقّ الْيَهُود - وَهُمْ مِنْ نَسْل إِبْرَاهِيم - أَلَّا يَرْغَبُوا عَنْ دِينه.
وَالِابْتِلَاء : الِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار، وَمَعْنَاهُ أَمْر وَتَعَبُّد.
وَإِبْرَاهِيم تَفْسِيره بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن عَطِيَّة : أَب رَحِيم.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَكَثِيرًا مَا يَقَع الِاتِّفَاق بَيْن السُّرْيَانِيّ وَالْعَرَبِيّ أَوْ يُقَارِبهُ فِي اللَّفْظ، أَلَا تَرَى أَنَّ إِبْرَاهِيم تَفْسِيره أَب رَاحِم، لِرَحْمَتِهِ بِالْأَطْفَالِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ هُوَ وَسَارَّة زَوْجَته كَافِلَيْنِ لِأَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قُلْت : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الرُّؤْيَا الطَّوِيل عَنْ سَمُرَة، وَفِيهِ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الرَّوْضَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَحَوْله أَوْلَاد النَّاس.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَإِبْرَاهِيم هُوَ اِبْن تارخ بْن ناخور فِي قَوْل بَعْض الْمُؤَرِّخِينَ.
وَفِي التَّنْزِيل :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ " [ الْأَنْعَام : ٧٤ ] وَكَذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، وَلَا تَنَاقُض فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " الْأَنْعَام " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَكَانَ لَهُ أَرْبَع بَنِينَ : إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَمَدْيَن وَمَدَائِن، عَلَى مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيّ.
وَقُدِّمَ عَلَى الْفَاعِل لِلِاهْتِمَامِ، إِذْ كَوْن الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُبْتَلِيًا مَعْلُوم، وَكَوْن الضَّمِير الْمَفْعُول فِي الْعَرَبِيَّة مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ مُوجِب تَقْدِيم الْمَفْعُول، فَإِنَّمَا بُنِيَ الْكَلَام عَلَى هَذَا الِاهْتِمَام، فَاعْلَمْهُ.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " إِبْرَاهِيم " بِالنَّصْبِ، " رَبّه " بِالرَّفْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِر بْن زَيْد أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْعَكْس، وَزَعَمَ أَنَّ اِبْن عَبَّاس أَقْرَأَهُ كَذَلِكَ.
وَالْمَعْنَى دَعَا إِبْرَاهِيم رَبّه وَسَأَلَ، وَفِيهِ بُعْد، لِأَجْلِ الْبَاء فِي قَوْله :" بِكَلِمَاتٍ ".
الثَّانِيَة :" بِكَلِمَاتٍ " الْكَلِمَات جَمْع كَلِمَة، وَيَرْجِع تَحْقِيقهَا إِلَى كَلَام الْبَارِي تَعَالَى، لَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا عَنْ الْوَظَائِف الَّتِي كُلِّفَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَمَّا كَانَ تَكْلِيفهَا بِالْكَلَامِ سُمِّيَتْ بِهِ، كَمَا سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَة ; لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ كَلِمَة وَهِيَ " كُنْ ".
وَتَسْمِيَة الشَّيْء بِمُقَدِّمَتِهِ أَحَد قِسْمَيْ الْمَجَاز، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْكَلِمَاتِ عَلَى أَقْوَال : أَحَدهَا : شَرَائِع الْإِسْلَام، وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَهْمًا، عَشَرَة مِنْهَا فِي سُورَة بَرَاءَة :" التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ " [ التَّوْبَة : ١١٢ ] إِلَى آخِرهَا، وَعَشَرَة فِي الْأَحْزَاب :" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات " [ الْأَحْزَاب : ٣٥ ] إِلَى آخِرهَا، وَعَشَرَة فِي الْمُؤْمِنُونَ :" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١ ] إِلَى قَوْله :" عَلَى صَلَوَاتهمْ يُحَافِظُونَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٩ ] وَقَوْله فِي " سَأَلَ سَائِل " :" إِلَّا الْمُصَلِّينَ " إِلَى قَوْله :" وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتهمْ يُحَافِظُونَ ".
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مَا اِبْتَلَى اللَّه أَحَدًا بِهِنَّ فَقَامَ بِهَا كُلّهَا إِلَّا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، اُبْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ فَكَتَبَ اللَّه لَهُ الْبَرَاءَة فَقَالَ :" وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " [ النَّجْم : ٣٧ ].
وَقَالَ بَعْضهمْ : بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَقَالَ بَعْضهمْ : بِذَبْحِ اِبْنه، وَقَالَ بَعْضهمْ : بِأَدَاءِ الرِّسَالَة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ قَوْله تَعَالَى : إِنِّي مُبْتَلِيك بِأَمْرٍ، قَالَ : تَجْعَلنِي لِلنَّاسِ إِمَامًا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ؟ قَالَ : لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ، قَالَ : تَجْعَل الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَأَمْنًا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَتُرِينَا مَنَاسِكنَا وَتَتُوب عَلَيْنَا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَتَرْزُق أَهْله مِنْ الثَّمَرَات ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْل فَاَللَّه تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَتَمَّ.
وَأَصَحّ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ طَاوُس عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" وَإِذْ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ " قَالَ : اِبْتَلَاهُ اللَّه بِالطَّهَارَةِ، خَمْس فِي الرَّأْس وَخَمْس فِي الْجَسَد : قَصّ الشَّارِب، وَالْمَضْمَضَة، وَالِاسْتِنْشَاق، وَالسِّوَاك، وَفَرْق الشَّعْر.
وَفِي الْجَسَد : تَقْلِيم الْأَظْفَار، وَحَلْق الْعَانَة، وَالِاخْتِتَان، وَنَتْف الْإِبْط، وَغَسْل مَكَان الْغَائِط وَالْبَوْل بِالْمَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل فَاَلَّذِي أَتَمَّ هُوَ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن.
وَرَوَى مُطَرِّف عَنْ أَبِي الجلد أَنَّهَا عَشْر أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضِع الْفَرْق غَسْل الْبَرَاجِم، وَمَوْضِع الِاسْتِنْجَاء الِاسْتِحْدَاد.
وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ مَنَاسِك الْحَجّ خَاصَّة.
الْحَسَن : هِيَ الْخِلَال السِّتّ : الْكَوْكَب، وَالْقَمَر، وَالشَّمْس، وَالنَّار، وَالْهِجْرَة، وَالْخِتَان.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَهَذِهِ الْأَقْوَال لَيْسَتْ بِمُتَنَاقِضَةٍ ; لِأَنَّ هَذَا كُلّه مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : مَا اِبْتَلَى اللَّه أَحَدًا بِهِنَّ فَقَامَ بِهَا كُلّهَا إِلَّا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، اُبْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ فَكَتَبَ اللَّه لَهُ الْبَرَاءَة فَقَالَ :" وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " [ النَّجْم : ٣٧ ].
وَقَالَ بَعْضهمْ : بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَقَالَ بَعْضهمْ : بِذَبْحِ اِبْنه، وَقَالَ بَعْضهمْ : بِأَدَاءِ الرِّسَالَة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَقَالَ مُجَاهِد : هِيَ قَوْله تَعَالَى : إِنِّي مُبْتَلِيك بِأَمْرٍ، قَالَ : تَجْعَلنِي لِلنَّاسِ إِمَامًا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ؟ قَالَ : لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ، قَالَ : تَجْعَل الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَأَمْنًا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَتُرِينَا مَنَاسِكنَا وَتَتُوب عَلَيْنَا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : وَتَرْزُق أَهْله مِنْ الثَّمَرَات ؟ قَالَ نَعَمْ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْل فَاَللَّه تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَتَمَّ.
وَأَصَحّ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ طَاوُس عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" وَإِذْ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ " قَالَ : اِبْتَلَاهُ اللَّه بِالطَّهَارَةِ، خَمْس فِي الرَّأْس وَخَمْس فِي الْجَسَد : قَصّ الشَّارِب، وَالْمَضْمَضَة، وَالِاسْتِنْشَاق، وَالسِّوَاك، وَفَرْق الشَّعْر.
وَفِي الْجَسَد : تَقْلِيم الْأَظْفَار، وَحَلْق الْعَانَة، وَالِاخْتِتَان، وَنَتْف الْإِبْط، وَغَسْل مَكَان الْغَائِط وَالْبَوْل بِالْمَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْل فَاَلَّذِي أَتَمَّ هُوَ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن.
وَرَوَى مُطَرِّف عَنْ أَبِي الجلد أَنَّهَا عَشْر أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضِع الْفَرْق غَسْل الْبَرَاجِم، وَمَوْضِع الِاسْتِنْجَاء الِاسْتِحْدَاد.
وَقَالَ قَتَادَة : هِيَ مَنَاسِك الْحَجّ خَاصَّة.
الْحَسَن : هِيَ الْخِلَال السِّتّ : الْكَوْكَب، وَالْقَمَر، وَالشَّمْس، وَالنَّار، وَالْهِجْرَة، وَالْخِتَان.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَهَذِهِ الْأَقْوَال لَيْسَتْ بِمُتَنَاقِضَةٍ ; لِأَنَّ هَذَا كُلّه مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
قُلْت : وَفِي الْمُوَطَّأ وَغَيْره عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَوَّل مَنْ اِخْتَتَنَ، وَأَوَّل مَنْ أَضَافَ الضَّيْف، وَأَوَّل مَنْ اِسْتَحَدَّ، وَأَوَّل مَنْ قَلَّمَ الْأَظْفَار، وَأَوَّل مَنْ قَصَّ الشَّارِب، وَأَوَّل مَنْ شَابَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْب قَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : وَقَار، قَالَ : يَا رَبّ زِدْنِي وَقَارًا.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَوَّل مَنْ خَطَبَ عَلَى الْمَنَابِر إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه.
قَالَ غَيْره : وَأَوَّل مَنْ ثَرَدَ الثَّرِيد، وَأَوَّل مَنْ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ، وَأَوَّل مَنْ اِسْتَاك، وَأَوَّل مَنْ اِسْتَنْجَى بِالْمَاءِ، وَأَوَّل مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيل.
وَرَوَى مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنْ أَتَّخِذ الْمِنْبَر فَقَدْ اِتَّخَذَهُ أَبِي إِبْرَاهِيم وَإِنْ أَتَّخِذ الْعَصَا فَقَدْ اِتَّخَذَهَا أَبِي إِبْرَاهِيم ).
قُلْت : وَهَذِهِ أَحْكَام يَجِب بَيَانهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا وَالْكَلَام فِيهَا، فَأَوَّل ذَلِكَ " الْخِتَان " وَمَا جَاءَ فِيهِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَوَّل مَنْ اخْتَتَنَ.
وَاخْتُلِفَ فِي السِّنّ لِي اَخْتَتَنَ فِيهَا، فَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَوْقُوفًا :( وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة وَعَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَة ).
وَمِثْل هَذَا لَا يَكُون رَأْيًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ مَرْفُوعًا عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَة ).
ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر.
وَرُوِيَ مُسْنَدًا مَرْفُوعًا مِنْ غَيْر رِوَايَة يَحْيَى مِنْ وُجُوه :( أَنَّهُ اخْتَتَنَ حِين بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَة وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ ).
كَذَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره " اِبْن ثَمَانِينَ سَنَة "، وَهُوَ الْمَحْفُوظ فِي حَدِيث اِبْن عَجْلَان وَحَدِيث الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عِكْرِمَة : اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ اِبْن ثَمَانِينَ سَنَة.
قَالَ : وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْد عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا مَخْتُون، هَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن رَافِع، ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيّ.
و " الْقَدُوم " يُرْوَى مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا.
قَالَ أَبُو الزِّنَاد : الْقَدُّوم ( مُشَدَّدًا ) : مَوْضِع.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْخِتَان، فَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤَكَّدَات السُّنَن وَمِنْ فِطْرَة الْإِسْلَام الَّتِي لَا يَسَع تَرْكهَا فِي الرِّجَال.
وَقَالَتْ طَائِفَة : ذَلِكَ فَرْض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا " [ النَّحْل : ١٢٣ ].
قَالَ قَتَادَة : هُوَ الِاخْتِتَان، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْض الْمَالِكِيِّينَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَوَّل مَنْ خَطَبَ عَلَى الْمَنَابِر إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه.
قَالَ غَيْره : وَأَوَّل مَنْ ثَرَدَ الثَّرِيد، وَأَوَّل مَنْ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ، وَأَوَّل مَنْ اِسْتَاك، وَأَوَّل مَنْ اِسْتَنْجَى بِالْمَاءِ، وَأَوَّل مَنْ لَبِسَ السَّرَاوِيل.
وَرَوَى مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنْ أَتَّخِذ الْمِنْبَر فَقَدْ اِتَّخَذَهُ أَبِي إِبْرَاهِيم وَإِنْ أَتَّخِذ الْعَصَا فَقَدْ اِتَّخَذَهَا أَبِي إِبْرَاهِيم ).
قُلْت : وَهَذِهِ أَحْكَام يَجِب بَيَانهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا وَالْكَلَام فِيهَا، فَأَوَّل ذَلِكَ " الْخِتَان " وَمَا جَاءَ فِيهِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَوَّل مَنْ اخْتَتَنَ.
وَاخْتُلِفَ فِي السِّنّ لِي اَخْتَتَنَ فِيهَا، فَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَوْقُوفًا :( وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة وَعَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَة ).
وَمِثْل هَذَا لَا يَكُون رَأْيًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ مَرْفُوعًا عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة ثُمَّ عَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَة ).
ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر.
وَرُوِيَ مُسْنَدًا مَرْفُوعًا مِنْ غَيْر رِوَايَة يَحْيَى مِنْ وُجُوه :( أَنَّهُ اخْتَتَنَ حِين بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَة وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ ).
كَذَا فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره " اِبْن ثَمَانِينَ سَنَة "، وَهُوَ الْمَحْفُوظ فِي حَدِيث اِبْن عَجْلَان وَحَدِيث الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عِكْرِمَة : اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ اِبْن ثَمَانِينَ سَنَة.
قَالَ : وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْد عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا مَخْتُون، هَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَقَالَ الْمُسَيِّب بْن رَافِع، ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيّ.
و " الْقَدُوم " يُرْوَى مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا.
قَالَ أَبُو الزِّنَاد : الْقَدُّوم ( مُشَدَّدًا ) : مَوْضِع.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْخِتَان، فَجُمْهُورهمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤَكَّدَات السُّنَن وَمِنْ فِطْرَة الْإِسْلَام الَّتِي لَا يَسَع تَرْكهَا فِي الرِّجَال.
وَقَالَتْ طَائِفَة : ذَلِكَ فَرْض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا " [ النَّحْل : ١٢٣ ].
قَالَ قَتَادَة : هُوَ الِاخْتِتَان، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْض الْمَالِكِيِّينَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَاسْتَدَلَّ اِبْن سُرَيْج عَلَى وُجُوبه بِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيم النَّظَر إِلَى الْعَوْرَة، وَقَالَ : لَوْلَا أَنَّ الْخِتَان فَرْض لَمَا أُبِيحَ النَّظَر إِلَيْهَا مِنْ الْمَخْتُون.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِثْل هَذَا يُبَاح لِمَصْلَحَةِ الْجِسْم كَنَظَرِ الطَّبِيب، وَالطِّبّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " النَّحْل " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْض أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة عَنْ أَبِي الْمَلِيح عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْخِتَان سُنَّة لِلرِّجَالِ مَكْرُمَة لِلنِّسَاءِ ).
وَالْحَجَّاج لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجّ بِهِ.
قُلْت : أَعْلَى مَا يُحْتَجّ بِهِ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْفِطْرَة خَمْس الِاخْتِتَان.
) الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أُمّ عَطِيَّة أَنَّ اِمْرَأَة كَانَتْ تَخْتِن النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبّ لِلْبَعْلِ ).
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَهَذَا الْحَدِيث ضَعِيف رَاوِيه مَجْهُول.
وَفِي رِوَايَة ذَكَرَهَا رَزِين :( وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَنْوَر لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْد الرَّجُل ).
السَّادِسَة : فَإِنْ وُلِدَ الصَّبِيّ مَخْتُونًا فَقَدْ كُفِيَ مُؤْنَة الْخِتَان.
قَالَ الْمَيْمُونِيّ قَالَ لِي أَحْمَد : إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا وُلِدَ لَهُ وَلَد مَخْتُون، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَقُلْت لَهُ : إِذَا كَانَ اللَّه قَدْ كَفَاك الْمُؤْنَة فَمَا غَمّك بِهَذَا.
السَّابِعَة : قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ حُدِّثْت عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ : خُلِقَ مِنْ الْأَنْبِيَاء ثَلَاثَة عَشَر مَخْتُونِينَ : آدَم وَشِيث وَإِدْرِيس وَنُوح وَسَام وَلُوط وَيُوسُف وَمُوسَى وَشُعَيْب وَسُلَيْمَان وَيَحْيَى وَعِيسَى وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن حَبِيب الْهَاشِمِيّ : هُمْ أَرْبَعَة عَشَر : آدَم وَشِيث وَنُوح وَهُود وَصَالِح وَلُوط وَشُعَيْب وَيُوسُف وَمُوسَى وَسُلَيْمَان وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَحَنْظَلَة بْن صَفْوَان ( نَبِيّ أَصْحَاب الرَّسّ ) وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
قُلْت : اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ فِي " كِتَاب الْحِلْيَة " بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ مَخْتُونًا.
وَأَسْنَدَ أَبُو عُمَر فِي التَّمْهِيد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب بْن بَادِي الْعَلَّاف حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي السَّرِيّ الْعَسْقَلَانِيّ حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ شُعَيْب عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب خَتَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم سَابِعه، وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَة وَسَمَّاهُ " مُحَمَّدًا ".
قَالَ أَبُو عُمَر : هَذَا حَدِيث مُسْنَد غَرِيب.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِثْل هَذَا يُبَاح لِمَصْلَحَةِ الْجِسْم كَنَظَرِ الطَّبِيب، وَالطِّبّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " النَّحْل " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْض أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة عَنْ أَبِي الْمَلِيح عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْخِتَان سُنَّة لِلرِّجَالِ مَكْرُمَة لِلنِّسَاءِ ).
وَالْحَجَّاج لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجّ بِهِ.
قُلْت : أَعْلَى مَا يُحْتَجّ بِهِ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْفِطْرَة خَمْس الِاخْتِتَان.
) الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أُمّ عَطِيَّة أَنَّ اِمْرَأَة كَانَتْ تَخْتِن النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبّ لِلْبَعْلِ ).
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَهَذَا الْحَدِيث ضَعِيف رَاوِيه مَجْهُول.
وَفِي رِوَايَة ذَكَرَهَا رَزِين :( وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَنْوَر لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْد الرَّجُل ).
السَّادِسَة : فَإِنْ وُلِدَ الصَّبِيّ مَخْتُونًا فَقَدْ كُفِيَ مُؤْنَة الْخِتَان.
قَالَ الْمَيْمُونِيّ قَالَ لِي أَحْمَد : إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا وُلِدَ لَهُ وَلَد مَخْتُون، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ غَمًّا شَدِيدًا، فَقُلْت لَهُ : إِذَا كَانَ اللَّه قَدْ كَفَاك الْمُؤْنَة فَمَا غَمّك بِهَذَا.
السَّابِعَة : قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ حُدِّثْت عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ : خُلِقَ مِنْ الْأَنْبِيَاء ثَلَاثَة عَشَر مَخْتُونِينَ : آدَم وَشِيث وَإِدْرِيس وَنُوح وَسَام وَلُوط وَيُوسُف وَمُوسَى وَشُعَيْب وَسُلَيْمَان وَيَحْيَى وَعِيسَى وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن حَبِيب الْهَاشِمِيّ : هُمْ أَرْبَعَة عَشَر : آدَم وَشِيث وَنُوح وَهُود وَصَالِح وَلُوط وَشُعَيْب وَيُوسُف وَمُوسَى وَسُلَيْمَان وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَحَنْظَلَة بْن صَفْوَان ( نَبِيّ أَصْحَاب الرَّسّ ) وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
قُلْت : اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ فِي " كِتَاب الْحِلْيَة " بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ مَخْتُونًا.
وَأَسْنَدَ أَبُو عُمَر فِي التَّمْهِيد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب بْن بَادِي الْعَلَّاف حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي السَّرِيّ الْعَسْقَلَانِيّ حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ شُعَيْب عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب خَتَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم سَابِعه، وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَة وَسَمَّاهُ " مُحَمَّدًا ".
قَالَ أَبُو عُمَر : هَذَا حَدِيث مُسْنَد غَرِيب.
قَالَ يَحْيَى بْن أَيُّوب : طَلَبْت هَذَا الْحَدِيث فَلَمْ أَجِدهُ عِنْد أَحَد مِنْ أَهْل الْحَدِيث مِمَّنْ لَقِيته إِلَّا عِنْد اِبْن أَبِي السَّرِيّ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ مَخْتُونًا.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفُوا مَتَى يُخْتَن الصَّبِيّ، فَثَبَتَ فِي الْأَخْبَار عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُمْ قَالُوا : خَتَنَ إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل لِثَلَاث عَشْرَة سَنَة.
وَخَتَنَ اِبْنه إِسْحَاق لِسَبْعَةِ أَيَّام.
وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَة أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتِن وَلَدهَا يَوْم السَّابِع، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِك وَقَالَ ذَلِكَ مِنْ عَمَل الْيَهُود.
ذَكَرَهُ عَنْهُ اِبْن وَهْب.
وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد : يُخْتَن الصَّبِيّ مَا بَيْن سَبْع سِنِينَ إِلَى عَشْر.
وَنَحْوه رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك.
وَقَالَ أَحْمَد : لَمْ أَسْمَع فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس : مِثْل مَنْ أَنْتَ حِين قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : أَنَا يَوْمئِذٍ مَخْتُون.
قَالَ : وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُل حَتَّى يُدْرِك أَوْ يُقَارِب الِاحْتِلَام.
وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاء فِي الرَّجُل الْكَبِير يُسْلِم أَنْ يُخْتَن، وَكَانَ عَطَاء يَقُول : لَا يَتِمّ إِسْلَامه حَتَّى يَخْتَتِن وَإِنْ بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَة.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّص لِلشَّيْخِ الَّذِي يُسْلِم أَلَّا يَخْتَتِن، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَلَا بِشَهَادَتِهِ وَذَبِيحَته وَحَجّه وَصَلَاته، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَعَامَّة أَهْل الْعِلْم عَلَى هَذَا.
وَحَدِيث بُرَيْدَة فِي حَجّ الْأَغْلَف لَا يَثْبُت.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر بْن زَيْد وَعِكْرِمَة : أَنَّ الْأَغْلَف لَا تُؤْكَل ذَبِيحَته وَلَا تَجُوز شَهَادَته.
التَّاسِعَة :[ وَأَوَّل مَنْ اِسْتَحَدَّ ] فَالِاسْتِحْدَاد اِسْتِعْمَال الْحَدِيد فِي حَلْق الْعَانَة.
وَرَوَتْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اِطَّلَى وَلِيَ عَانَته بِيَدِهِ.
وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَجُلًا طَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى عَانَته قَالَ لَهُ : اُخْرُجْ عَنِّي، ثُمَّ طَلَى عَانَته بِيَدِهِ.
وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّر، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ الشَّعْر عَلَى عَانَته حَلَقَهُ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَر مِنْ فِعْله كَانَ الْحَلْق وَإِنَّمَا تَنَوَّرَ نَادِرًا، لِيَصِحّ الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ.
الْعَاشِرَة : فِي تَقْلِيم الْأَظْفَار.
وَتَقْلِيم الْأَظْفَار : قَصّهَا، وَالْقُلَامَة مَا يُزَال مِنْهَا.
وَقَالَ مَالِك : أُحِبّ لِلنِّسَاءِ مِنْ قَصّ الْأَظْفَار وَحَلْق الْعَانَة مِثْل مَا هُوَ عَلَى الرِّجَال.
ذَكَرَهُ الْحَارِث بْن مِسْكِين وَسَحْنُون عَنْ اِبْن الْقَاسِم.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ مَخْتُونًا.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفُوا مَتَى يُخْتَن الصَّبِيّ، فَثَبَتَ فِي الْأَخْبَار عَنْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُمْ قَالُوا : خَتَنَ إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل لِثَلَاث عَشْرَة سَنَة.
وَخَتَنَ اِبْنه إِسْحَاق لِسَبْعَةِ أَيَّام.
وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَة أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتِن وَلَدهَا يَوْم السَّابِع، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِك وَقَالَ ذَلِكَ مِنْ عَمَل الْيَهُود.
ذَكَرَهُ عَنْهُ اِبْن وَهْب.
وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد : يُخْتَن الصَّبِيّ مَا بَيْن سَبْع سِنِينَ إِلَى عَشْر.
وَنَحْوه رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك.
وَقَالَ أَحْمَد : لَمْ أَسْمَع فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس : مِثْل مَنْ أَنْتَ حِين قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : أَنَا يَوْمئِذٍ مَخْتُون.
قَالَ : وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُل حَتَّى يُدْرِك أَوْ يُقَارِب الِاحْتِلَام.
وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاء فِي الرَّجُل الْكَبِير يُسْلِم أَنْ يُخْتَن، وَكَانَ عَطَاء يَقُول : لَا يَتِمّ إِسْلَامه حَتَّى يَخْتَتِن وَإِنْ بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَة.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّص لِلشَّيْخِ الَّذِي يُسْلِم أَلَّا يَخْتَتِن، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَلَا بِشَهَادَتِهِ وَذَبِيحَته وَحَجّه وَصَلَاته، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَعَامَّة أَهْل الْعِلْم عَلَى هَذَا.
وَحَدِيث بُرَيْدَة فِي حَجّ الْأَغْلَف لَا يَثْبُت.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر بْن زَيْد وَعِكْرِمَة : أَنَّ الْأَغْلَف لَا تُؤْكَل ذَبِيحَته وَلَا تَجُوز شَهَادَته.
التَّاسِعَة :[ وَأَوَّل مَنْ اِسْتَحَدَّ ] فَالِاسْتِحْدَاد اِسْتِعْمَال الْحَدِيد فِي حَلْق الْعَانَة.
وَرَوَتْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اِطَّلَى وَلِيَ عَانَته بِيَدِهِ.
وَرَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَجُلًا طَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى عَانَته قَالَ لَهُ : اُخْرُجْ عَنِّي، ثُمَّ طَلَى عَانَته بِيَدِهِ.
وَرَوَى أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّر، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ الشَّعْر عَلَى عَانَته حَلَقَهُ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَر مِنْ فِعْله كَانَ الْحَلْق وَإِنَّمَا تَنَوَّرَ نَادِرًا، لِيَصِحّ الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ.
الْعَاشِرَة : فِي تَقْلِيم الْأَظْفَار.
وَتَقْلِيم الْأَظْفَار : قَصّهَا، وَالْقُلَامَة مَا يُزَال مِنْهَا.
وَقَالَ مَالِك : أُحِبّ لِلنِّسَاءِ مِنْ قَصّ الْأَظْفَار وَحَلْق الْعَانَة مِثْل مَا هُوَ عَلَى الرِّجَال.
ذَكَرَهُ الْحَارِث بْن مِسْكِين وَسَحْنُون عَنْ اِبْن الْقَاسِم.
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول " لَهُ ( الْأَصْل التَّاسِع وَالْعِشْرُونَ ) : حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَبِي عُمَر قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء الزُّبَيْدِيّ عَنْ عُمَر بْن بِلَال الْفَزَارِيّ قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن بِشْر الْمَازِنِيّ يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( قُصُّوا أَظَافِيركُمْ وَادْفِنُوا قُلَامَاتكُمْ وَنَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ وَنَظِّفُوا لِثَاتكُمْ مِنْ الطَّعَام وَتَسَنَّنُوا وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُخْرًا بُخْرًا ) ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَحْسَنَ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَأَمَّا قَصّ الْأَظْفَار فَمِنْ أَجْل أَنَّهُ يَخْدِش وَيَخْمُش وَيَضُرّ، وَهُوَ مُجْتَمَع الْوَسَخ، فَرُبَّمَا أَجْنَبَ وَلَا يَصِل الْمَاء إِلَى الْبَشَرَة مِنْ أَجْل الْوَسَخ فَلَا يَزَال جُنُبًا.
وَمَنْ أَجْنَبَ فَبَقِيَ مَوْضِع إِبْرَة مِنْ جَسَده بَعْد الْغُسْل غَيْر مَغْسُول فَهُوَ جُنُب عَلَى حَاله حَتَّى يَعُمّ الْغُسْل جَسَده كُلّه، فَلِذَلِكَ نَدَبَهُمْ إِلَى قَصّ الْأَظْفَار.
وَالْأَظَافِير جَمْع الْأُظْفُور، وَالْأَظْفَار جَمْع الظُّفْر.
وَفِي حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَهَا فِي صَلَاته فَقَالَ :( وَمَا لِي لَا أُوهِم وَرُفْغ أَحَدكُمْ بَيْن ظُفْره وَأُنْمُلَته وَيَسْأَلنِي أَحَدكُمْ عَنْ خَبَر السَّمَاء وَفِي أَظَافِيره الْجَنَابَة وَالتَّفَث ).
وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَر أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بِإلْكِيَا فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ، عَنْ سُلَيْمَان بْن فَرَج أَبِي وَاصِل قَالَ : أَتَيْت أَبَا أَيُّوب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَصَافَحْته، فَرَأَى فِي أَظْفَارِي طُولًا فَقَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلهُ عَنْ خَبَر السَّمَاء فَقَالَ :( يَجِيء أَحَدكُمْ يَسْأَل عَنْ خَبَر السَّمَاء وَأَظْفَاره كَأَظْفَارِ الطَّيْر حَتَّى يَجْتَمِع فِيهَا الْوَسَخ وَالتَّفَث ).
وَأَمَّا قَوْله :( اِدْفِنُوا قُلَامَاتكُمْ ) فَإِنَّ جَسَد الْمُؤْمِن ذُو حُرْمَة، فَمَا سَقَطَ مِنْهُ وَزَالَ عَنْهُ فَحِفْظه مِنْ الْحُرْمَة قَائِم، فَيَحِقّ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنهُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ دُفِنَ، فَإِذَا مَاتَ بَعْضه فَكَذَلِكَ أَيْضًا تُقَام حُرْمَته بِدَفْنِهِ، كَيْ لَا يَتَفَرَّق وَلَا يَقَع فِي النَّار أَوْ فِي مَزَابِل قَذِرَة.
وَقَدْ أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَفْنِ دَمه حَيْثُ اِحْتَجَمَ كَيْ لَا تَبْحَث عَنْهُ الْكِلَاب.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل قَالَ : حَدَّثَنَا الْهُنَيْد بْن الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَاعِز قَالَ : سَمِعْت عَامِر بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر يَقُول إِنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْتَجِم، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ :( يَا عَبْد اللَّه اِذْهَبْ بِهَذَا الدَّم فَأَهْرِقْهُ حَيْثُ لَا يَرَاك أَحَد ).
فَلَمَّا بَرَزَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَدَ إِلَى الدَّم فَشَرِبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ :( يَا عَبْد اللَّه مَا صَنَعْت بِهِ ؟ ).
قَالَ : جَعَلْته فِي أَخْفَى مَكَان ظَنَنْت أَنَّهُ خَافِيًا عَنْ النَّاس.
قَالَ التِّرْمِذِيّ : فَأَمَّا قَصّ الْأَظْفَار فَمِنْ أَجْل أَنَّهُ يَخْدِش وَيَخْمُش وَيَضُرّ، وَهُوَ مُجْتَمَع الْوَسَخ، فَرُبَّمَا أَجْنَبَ وَلَا يَصِل الْمَاء إِلَى الْبَشَرَة مِنْ أَجْل الْوَسَخ فَلَا يَزَال جُنُبًا.
وَمَنْ أَجْنَبَ فَبَقِيَ مَوْضِع إِبْرَة مِنْ جَسَده بَعْد الْغُسْل غَيْر مَغْسُول فَهُوَ جُنُب عَلَى حَاله حَتَّى يَعُمّ الْغُسْل جَسَده كُلّه، فَلِذَلِكَ نَدَبَهُمْ إِلَى قَصّ الْأَظْفَار.
وَالْأَظَافِير جَمْع الْأُظْفُور، وَالْأَظْفَار جَمْع الظُّفْر.
وَفِي حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَهَا فِي صَلَاته فَقَالَ :( وَمَا لِي لَا أُوهِم وَرُفْغ أَحَدكُمْ بَيْن ظُفْره وَأُنْمُلَته وَيَسْأَلنِي أَحَدكُمْ عَنْ خَبَر السَّمَاء وَفِي أَظَافِيره الْجَنَابَة وَالتَّفَث ).
وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَر أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بِإلْكِيَا فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ، عَنْ سُلَيْمَان بْن فَرَج أَبِي وَاصِل قَالَ : أَتَيْت أَبَا أَيُّوب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَصَافَحْته، فَرَأَى فِي أَظْفَارِي طُولًا فَقَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلهُ عَنْ خَبَر السَّمَاء فَقَالَ :( يَجِيء أَحَدكُمْ يَسْأَل عَنْ خَبَر السَّمَاء وَأَظْفَاره كَأَظْفَارِ الطَّيْر حَتَّى يَجْتَمِع فِيهَا الْوَسَخ وَالتَّفَث ).
وَأَمَّا قَوْله :( اِدْفِنُوا قُلَامَاتكُمْ ) فَإِنَّ جَسَد الْمُؤْمِن ذُو حُرْمَة، فَمَا سَقَطَ مِنْهُ وَزَالَ عَنْهُ فَحِفْظه مِنْ الْحُرْمَة قَائِم، فَيَحِقّ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنهُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ دُفِنَ، فَإِذَا مَاتَ بَعْضه فَكَذَلِكَ أَيْضًا تُقَام حُرْمَته بِدَفْنِهِ، كَيْ لَا يَتَفَرَّق وَلَا يَقَع فِي النَّار أَوْ فِي مَزَابِل قَذِرَة.
وَقَدْ أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَفْنِ دَمه حَيْثُ اِحْتَجَمَ كَيْ لَا تَبْحَث عَنْهُ الْكِلَاب.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل قَالَ : حَدَّثَنَا الْهُنَيْد بْن الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَاعِز قَالَ : سَمِعْت عَامِر بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر يَقُول إِنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْتَجِم، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ :( يَا عَبْد اللَّه اِذْهَبْ بِهَذَا الدَّم فَأَهْرِقْهُ حَيْثُ لَا يَرَاك أَحَد ).
فَلَمَّا بَرَزَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَدَ إِلَى الدَّم فَشَرِبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ :( يَا عَبْد اللَّه مَا صَنَعْت بِهِ ؟ ).
قَالَ : جَعَلْته فِي أَخْفَى مَكَان ظَنَنْت أَنَّهُ خَافِيًا عَنْ النَّاس.
قَالَ :( لَعَلَّك شَرِبْته ؟ ) قَالَ نَعَمْ.
قَالَ :( لِمَ شَرِبْت الدَّم، وَوَيْل لِلنَّاسِ مِنْك وَوَيْل لَك مِنْ النَّاس ).
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِك بْن سُلَيْمَان الْهَرَوِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر بِدَفْنِ سَبْعَة أَشْيَاء مِنْ الْإِنْسَان : الشَّعْر، وَالظُّفْر، وَالدَّم، وَالْحَيْضَة، وَالسِّنّ، وَالْقَلَفَة، وَالْبَشِيمَة.
وَأَمَّا قَوْله :( نَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ ) فَالْبَرَاجِم تِلْكَ الْغُضُون مِنْ الْمَفَاصِل، وَهِيَ مُجْتَمَع الدَّرَن ( وَاحِدهَا بُرْجُمَة ) وَهُوَ ظَهْر عُقْدَة كُلّ مَفْصِل، فَظَهْر الْعُقْدَة يُسَمَّى بُرْجُمَة، وَمَا بَيْن الْعُقْدَتَيْنِ تُسَمَّى رَاجِبَة، وَجَمْعهَا رَوَاجِب، وَذَلِكَ مِمَّا يَلِي ظَهْرهَا، وَهِيَ قَصَبَة الْأُصْبُع، فَلِكُلِّ أُصْبُع بُرْجُمَتَانِ وَثَلَاث رَوَاجِب إِلَّا الْإِبْهَام فَإِنَّ لَهَا بُرْجُمَة وَرَاجِبَتَيْنِ، فَأَمَرَ بِتَنْقِيَتِهِ لِئَلَّا يَدْرَن فَتَبْقَى فِيهِ الْجَنَابَة، وَيَحُول الدَّرَن بَيْن الْمَاء وَالْبَشَرَة.
وَأَمَّا قَوْله :( نَظِّفُوا لِثَاتكُمْ ) فَاللِّثَة وَاحِدَة، وَاللِّثَات جَمَاعَة، وَهِيَ اللَّحْمَة فَوْق الْأَسْنَان وَدُون الْأَسْنَان، وَهِيَ مَنَابِتهَا.
وَالْعُمُور : اللَّحْمَة الْقَلِيلَة بَيْن السِّنَّيْنِ، وَاحِدهَا عُمْر.
فَأَمَرَ بِتَنْظِيفِهَا لِئَلَّا يَبْقَى فِيهَا وَضَر الطَّعَام فَتَتَغَيَّر عَلَيْهِ النَّكْهَة وَتَتَنَكَّر الرَّائِحَة، وَيَتَأَذَّى الْمَلَكَانِ ; لِأَنَّهُ طَرِيق الْقُرْآن، وَمَقْعَد الْمَلَكَيْنِ عِنْد نَابَيْهِ.
وَرُوِيَ فِي الْخَبَر فِي قَوْله تَعَالَى :" مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عَتِيد " [ ق : ١٨ ] قَالَ : عِنْد نَابَيْهِ.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ الشَّقَيْقِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَذْكُر ذَلِكَ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وَجَاد مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظ هُوَ عَمَل الشَّفَتَيْنِ يَلْفِظ الْكَلَام عَنْ لِسَانه إِلَى الْبَرَاز.
وَقَوْله :" لَدَيْهِ " أَيْ عِنْده، وَالَّدَى وَالْعِنْد فِي لُغَتهمْ السَّائِرَة بِمَعْنًى وَاحِد، وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ " لَدُنْ " فَالنُّون زَائِدَة.
فَكَأَنَّ الْآيَة تُنَبِّئ أَنَّ الرَّقِيب عَتِيد عِنْد مُغَلَّظ الْكَلَام وَهُوَ النَّاب.
وَأَمَّا قَوْله :( تَسَنَّنُوا ) وَهُوَ السِّوَاك مَأْخُوذ مِنْ السِّنّ، أَيْ نَظِّفُوا السِّنّ.
وَقَوْله :( لَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُخْرًا بُخْرًا ) فَالْمَحْفُوظ عِنْدِي ( قُحْلًا وَقُلْحًا ).
وَسَمِعْت الْجَارُود يَذْكُر عَنْ النَّضْر قَالَ : الْأَقْلَح الَّذِي قَدْ اِصْفَرَّتْ أَسْنَانه حَتَّى بَخِرَتْ مِنْ بَاطِنهَا، وَلَا أَعْرِف الْقَخَر.
وَالْبَخَر : الَّذِي تَجِد لَهُ رَائِحَة مُنْكَرَة لِبَشَرَتِهِ، يُقَال : رَجُل أَبْخَر، وَرِجَال بُخْر.
حَدَّثَنَا الْجَارُود قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي عَلِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن تَمَّام بْن الْعَبَّاس عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِسْتَاكُوا، مَا لَكُمْ تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا ).
الْحَادِيَة عَشْرَة : فِي قَصّ الشَّارِب.
قَالَ :( لِمَ شَرِبْت الدَّم، وَوَيْل لِلنَّاسِ مِنْك وَوَيْل لَك مِنْ النَّاس ).
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِك بْن سُلَيْمَان الْهَرَوِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر بِدَفْنِ سَبْعَة أَشْيَاء مِنْ الْإِنْسَان : الشَّعْر، وَالظُّفْر، وَالدَّم، وَالْحَيْضَة، وَالسِّنّ، وَالْقَلَفَة، وَالْبَشِيمَة.
وَأَمَّا قَوْله :( نَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ ) فَالْبَرَاجِم تِلْكَ الْغُضُون مِنْ الْمَفَاصِل، وَهِيَ مُجْتَمَع الدَّرَن ( وَاحِدهَا بُرْجُمَة ) وَهُوَ ظَهْر عُقْدَة كُلّ مَفْصِل، فَظَهْر الْعُقْدَة يُسَمَّى بُرْجُمَة، وَمَا بَيْن الْعُقْدَتَيْنِ تُسَمَّى رَاجِبَة، وَجَمْعهَا رَوَاجِب، وَذَلِكَ مِمَّا يَلِي ظَهْرهَا، وَهِيَ قَصَبَة الْأُصْبُع، فَلِكُلِّ أُصْبُع بُرْجُمَتَانِ وَثَلَاث رَوَاجِب إِلَّا الْإِبْهَام فَإِنَّ لَهَا بُرْجُمَة وَرَاجِبَتَيْنِ، فَأَمَرَ بِتَنْقِيَتِهِ لِئَلَّا يَدْرَن فَتَبْقَى فِيهِ الْجَنَابَة، وَيَحُول الدَّرَن بَيْن الْمَاء وَالْبَشَرَة.
وَأَمَّا قَوْله :( نَظِّفُوا لِثَاتكُمْ ) فَاللِّثَة وَاحِدَة، وَاللِّثَات جَمَاعَة، وَهِيَ اللَّحْمَة فَوْق الْأَسْنَان وَدُون الْأَسْنَان، وَهِيَ مَنَابِتهَا.
وَالْعُمُور : اللَّحْمَة الْقَلِيلَة بَيْن السِّنَّيْنِ، وَاحِدهَا عُمْر.
فَأَمَرَ بِتَنْظِيفِهَا لِئَلَّا يَبْقَى فِيهَا وَضَر الطَّعَام فَتَتَغَيَّر عَلَيْهِ النَّكْهَة وَتَتَنَكَّر الرَّائِحَة، وَيَتَأَذَّى الْمَلَكَانِ ; لِأَنَّهُ طَرِيق الْقُرْآن، وَمَقْعَد الْمَلَكَيْنِ عِنْد نَابَيْهِ.
وَرُوِيَ فِي الْخَبَر فِي قَوْله تَعَالَى :" مَا يَلْفِظ مِنْ قَوْل إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عَتِيد " [ ق : ١٨ ] قَالَ : عِنْد نَابَيْهِ.
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ الشَّقَيْقِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَذْكُر ذَلِكَ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وَجَاد مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظ هُوَ عَمَل الشَّفَتَيْنِ يَلْفِظ الْكَلَام عَنْ لِسَانه إِلَى الْبَرَاز.
وَقَوْله :" لَدَيْهِ " أَيْ عِنْده، وَالَّدَى وَالْعِنْد فِي لُغَتهمْ السَّائِرَة بِمَعْنًى وَاحِد، وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ " لَدُنْ " فَالنُّون زَائِدَة.
فَكَأَنَّ الْآيَة تُنَبِّئ أَنَّ الرَّقِيب عَتِيد عِنْد مُغَلَّظ الْكَلَام وَهُوَ النَّاب.
وَأَمَّا قَوْله :( تَسَنَّنُوا ) وَهُوَ السِّوَاك مَأْخُوذ مِنْ السِّنّ، أَيْ نَظِّفُوا السِّنّ.
وَقَوْله :( لَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُخْرًا بُخْرًا ) فَالْمَحْفُوظ عِنْدِي ( قُحْلًا وَقُلْحًا ).
وَسَمِعْت الْجَارُود يَذْكُر عَنْ النَّضْر قَالَ : الْأَقْلَح الَّذِي قَدْ اِصْفَرَّتْ أَسْنَانه حَتَّى بَخِرَتْ مِنْ بَاطِنهَا، وَلَا أَعْرِف الْقَخَر.
وَالْبَخَر : الَّذِي تَجِد لَهُ رَائِحَة مُنْكَرَة لِبَشَرَتِهِ، يُقَال : رَجُل أَبْخَر، وَرِجَال بُخْر.
حَدَّثَنَا الْجَارُود قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي عَلِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن تَمَّام بْن الْعَبَّاس عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِسْتَاكُوا، مَا لَكُمْ تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا ).
الْحَادِيَة عَشْرَة : فِي قَصّ الشَّارِب.
وَهُوَ الْأَخْذ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُو طَرَف الشَّفَة وَهُوَ الْإِطَار، وَلَا يَجُزّهُ فَيُمَثِّل نَفْسه، قَالَهُ مَالِك.
وَذَكَرَ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْهُ قَالَ : وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّب مَنْ حَلَقَ شَارِبه.
وَذَكَرَ أَشْهَب عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَلْق الشَّارِب : هَذِهِ بِدَع، وَأَرَى أَنْ يُوجَع ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد قَالَ مَالِك : أَرَى أَنْ يُوجَع مَنْ حَلَقَهُ ضَرْبًا.
كَأَنَّهُ يَرَاهُ مُمَثِّلًا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ بِنَتْفِهِ الشَّعْر، وَتَقْصِيره عِنْده أَوْلَى مِنْ حَلْقه.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ ذَا لِمَّة، وَكَانَ أَصْحَابه مِنْ بَيْن وَافِر الشَّعْر أَوْ مُقَصِّر، وَإِنَّمَا حَلَقَ وَحَلَقُوا فِي النُّسُك.
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُصّ أَظَافِره وَشَارِبه قَبْل أَنْ يَخْرُج إِلَى الْجُمُعَة.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ : لَمْ نَجِد عَنْ الشَّافِعِيّ فِي هَذَا شَيْئًا مَنْصُوصًا، وَأَصْحَابه الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ : الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيع كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبهمَا، وَيَدُلّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ : وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة وَزُفَر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد فَكَانَ مَذْهَبهمْ فِي شَعْر الرَّأْس وَالشَّارِب أَنَّ الْإِحْفَاء أَفْضَل مِنْ التَّقْصِير.
وَذَكَرَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّ مَذْهَبه فِي حَلْق الشَّارِب كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَة سَوَاء.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَثْرَم : رَأَيْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يُحْفِي شَارِبه شَدِيدًا، وَسَمِعْته سُئِلَ عَنْ السُّنَّة فِي إِحْفَاء الشَّارِب فَقَالَ : يُحْفَى كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَحْفُوا الشَّوَارِب ).
قَالَ أَبُو عُمَر : إِنَّمَا فِي هَذَا الْبَاب أَصْلَانِ : أَحَدهمَا : أَحْفُوا، وَهُوَ لَفْظ مُحْتَمِل التَّأْوِيل.
وَالثَّانِي : قَصّ الشَّارِب، وَهُوَ مُفَسَّر، وَالْمُفَسَّر يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَل، وَهُوَ عَمَل أَهْل الْمَدِينَة، وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَاب.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصّ مِنْ شَارِبه وَيَقُول :( إِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ يَفْعَلهُ ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْفِطْرَة خَمْس الِاخْتِتَان وَالِاسْتِحْدَاد وَقَصّ الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار وَنَتْف الْإِبْط ).
وَفِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِب وَأَوْفُوا اللِّحَى ).
وَالْأَعَاجِم يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ، وَيُوَفِّرُونَ شَوَارِبهمْ أَوْ يُوَفِّرُونَهُمَا مَعًا، وَذَلِكَ عَكْس الْجَمَال وَالنَّظَافَة.
ذَكَرَ رَزِين عَنْ نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُحْفِي شَارِبه حَتَّى يَنْظُر إِلَى الْجِلْد، وَيَأْخُذ هَذَيْنِ، يَعْنِي مَا بَيْن الشَّارِب وَاللِّحْيَة.
وَفِي الْبُخَارِيّ : وَكَانَ اِبْن عُمَر يَأْخُذ مِنْ طُول لِحْيَته مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَة إِذَا حَجَّ أَوْ اِعْتَمَرَ.
وَذَكَرَ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْهُ قَالَ : وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّب مَنْ حَلَقَ شَارِبه.
وَذَكَرَ أَشْهَب عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَلْق الشَّارِب : هَذِهِ بِدَع، وَأَرَى أَنْ يُوجَع ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد قَالَ مَالِك : أَرَى أَنْ يُوجَع مَنْ حَلَقَهُ ضَرْبًا.
كَأَنَّهُ يَرَاهُ مُمَثِّلًا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ بِنَتْفِهِ الشَّعْر، وَتَقْصِيره عِنْده أَوْلَى مِنْ حَلْقه.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ ذَا لِمَّة، وَكَانَ أَصْحَابه مِنْ بَيْن وَافِر الشَّعْر أَوْ مُقَصِّر، وَإِنَّمَا حَلَقَ وَحَلَقُوا فِي النُّسُك.
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُصّ أَظَافِره وَشَارِبه قَبْل أَنْ يَخْرُج إِلَى الْجُمُعَة.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ : لَمْ نَجِد عَنْ الشَّافِعِيّ فِي هَذَا شَيْئًا مَنْصُوصًا، وَأَصْحَابه الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ : الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيع كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبهمَا، وَيَدُلّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ : وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة وَزُفَر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد فَكَانَ مَذْهَبهمْ فِي شَعْر الرَّأْس وَالشَّارِب أَنَّ الْإِحْفَاء أَفْضَل مِنْ التَّقْصِير.
وَذَكَرَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّ مَذْهَبه فِي حَلْق الشَّارِب كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَة سَوَاء.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَثْرَم : رَأَيْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يُحْفِي شَارِبه شَدِيدًا، وَسَمِعْته سُئِلَ عَنْ السُّنَّة فِي إِحْفَاء الشَّارِب فَقَالَ : يُحْفَى كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَحْفُوا الشَّوَارِب ).
قَالَ أَبُو عُمَر : إِنَّمَا فِي هَذَا الْبَاب أَصْلَانِ : أَحَدهمَا : أَحْفُوا، وَهُوَ لَفْظ مُحْتَمِل التَّأْوِيل.
وَالثَّانِي : قَصّ الشَّارِب، وَهُوَ مُفَسَّر، وَالْمُفَسَّر يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَل، وَهُوَ عَمَل أَهْل الْمَدِينَة، وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَاب.
رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصّ مِنْ شَارِبه وَيَقُول :( إِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ يَفْعَلهُ ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْفِطْرَة خَمْس الِاخْتِتَان وَالِاسْتِحْدَاد وَقَصّ الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار وَنَتْف الْإِبْط ).
وَفِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِب وَأَوْفُوا اللِّحَى ).
وَالْأَعَاجِم يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ، وَيُوَفِّرُونَ شَوَارِبهمْ أَوْ يُوَفِّرُونَهُمَا مَعًا، وَذَلِكَ عَكْس الْجَمَال وَالنَّظَافَة.
ذَكَرَ رَزِين عَنْ نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُحْفِي شَارِبه حَتَّى يَنْظُر إِلَى الْجِلْد، وَيَأْخُذ هَذَيْنِ، يَعْنِي مَا بَيْن الشَّارِب وَاللِّحْيَة.
وَفِي الْبُخَارِيّ : وَكَانَ اِبْن عُمَر يَأْخُذ مِنْ طُول لِحْيَته مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَة إِذَا حَجَّ أَوْ اِعْتَمَرَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذ مِنْ لِحْيَته مِنْ عَرْضهَا وَطُولهَا.
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب.
الثَّانِيَة عَشْرَة : وَأَمَّا الْإِبْط فَسُنَّته النَّتْف، كَمَا أَنَّ سُنَّة الْعَانَة الْحَلْق، فَلَوْ عُكِسَ جَازَ لِحُصُولِ النَّظَافَة، وَالْأَوَّل أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَسَّر الْمُعْتَاد.
الثَّالِثَة عَشْرَة : وَفَرْق الشَّعْر : تَفْرِيقه فِي الْمَفْرِق، وَفِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ اِنْفَرَقَتْ عَقِيصَته فَرَقَ، يُقَال : فَرَقْت الشَّعْر أَفْرِقُهُ فَرْقًا، يُقَال : إِنْ اِنْفَرَقَ شَعْر رَأْسه فَرَقَهُ فِي مَفْرِقه، فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِق تَرَكَهُ وَفْرَة وَاحِدَة.
خَرَّجَ النَّسَائِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدُل شَعْره، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ شُعُورهمْ، وَكَانَ يُحِبّ مُوَافَقَة أَهْل الْكِتَاب فِيمَا لَمْ يُؤْمَر فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَنَس.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : سَدْل الشَّعْر إِرْسَاله، وَالْمُرَاد بِهِ هَاهُنَا عِنْد الْعُلَمَاء إِرْسَاله عَلَى الْجَبِين، وَاِتِّخَاذه كَالْقُصَّةِ، وَالْفَرْق فِي الشَّعْر سُنَّة ; لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ إِذَا اِنْصَرَفَ مِنْ الْجُمُعَة أَقَامَ عَلَى بَاب الْمَسْجِد حَرَسًا يَجُزُّونَ نَاصِيَة كُلّ مَنْ لَمْ يُفَرِّق شَعْره.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْفَرْق كَانَ مِنْ سُنَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فَاَللَّه أَعْلَم.
الرَّابِعَة عَشْرَة : وَأَمَّا الشَّيْب فَنُور وَيُكْرَه نَتْفه، فَفِي النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَنْتِفُوا الشَّيْب مَا مِنْ مُسْلِم يَشِيب شَيْبَة فِي الْإِسْلَام إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْم الْقِيَامَة وَكَتَبَ اللَّه لَهُ حَسَنَة وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَة ).
قُلْت : وَكَمَا يُكْرَه نَتْفه كَذَلِكَ يُكْرَه تَغْيِيره بِالسَّوَادِ، فَأَمَّا تَغْيِيره بِغَيْرِ السَّوَاد فَجَائِز، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقّ أَبِي قُحَافَة - وَقَدْ جِيءَ بِهِ وَلِحْيَته كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا - :( غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَاد ).
وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ :
وَقَالَ الْآخَر :
الْخَامِسَة عَشْرَة : وَأَمَّا الثَّرِيد فَهُوَ أَزْكَى الطَّعَام وَأَكْثَره بَرَكَة، وَهُوَ طَعَام الْعَرَب، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَضْلِ عَلَى سَائِر الطَّعَام فَقَالَ :( فَضْل عَائِشَة عَلَى النِّسَاء كَفَضْلِ الثَّرِيد عَلَى سَائِر الطَّعَام ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب.
الثَّانِيَة عَشْرَة : وَأَمَّا الْإِبْط فَسُنَّته النَّتْف، كَمَا أَنَّ سُنَّة الْعَانَة الْحَلْق، فَلَوْ عُكِسَ جَازَ لِحُصُولِ النَّظَافَة، وَالْأَوَّل أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَسَّر الْمُعْتَاد.
الثَّالِثَة عَشْرَة : وَفَرْق الشَّعْر : تَفْرِيقه فِي الْمَفْرِق، وَفِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ اِنْفَرَقَتْ عَقِيصَته فَرَقَ، يُقَال : فَرَقْت الشَّعْر أَفْرِقُهُ فَرْقًا، يُقَال : إِنْ اِنْفَرَقَ شَعْر رَأْسه فَرَقَهُ فِي مَفْرِقه، فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِق تَرَكَهُ وَفْرَة وَاحِدَة.
خَرَّجَ النَّسَائِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدُل شَعْره، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ شُعُورهمْ، وَكَانَ يُحِبّ مُوَافَقَة أَهْل الْكِتَاب فِيمَا لَمْ يُؤْمَر فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَنَس.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : سَدْل الشَّعْر إِرْسَاله، وَالْمُرَاد بِهِ هَاهُنَا عِنْد الْعُلَمَاء إِرْسَاله عَلَى الْجَبِين، وَاِتِّخَاذه كَالْقُصَّةِ، وَالْفَرْق فِي الشَّعْر سُنَّة ; لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ إِذَا اِنْصَرَفَ مِنْ الْجُمُعَة أَقَامَ عَلَى بَاب الْمَسْجِد حَرَسًا يَجُزُّونَ نَاصِيَة كُلّ مَنْ لَمْ يُفَرِّق شَعْره.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْفَرْق كَانَ مِنْ سُنَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فَاَللَّه أَعْلَم.
الرَّابِعَة عَشْرَة : وَأَمَّا الشَّيْب فَنُور وَيُكْرَه نَتْفه، فَفِي النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَنْتِفُوا الشَّيْب مَا مِنْ مُسْلِم يَشِيب شَيْبَة فِي الْإِسْلَام إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْم الْقِيَامَة وَكَتَبَ اللَّه لَهُ حَسَنَة وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَة ).
قُلْت : وَكَمَا يُكْرَه نَتْفه كَذَلِكَ يُكْرَه تَغْيِيره بِالسَّوَادِ، فَأَمَّا تَغْيِيره بِغَيْرِ السَّوَاد فَجَائِز، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقّ أَبِي قُحَافَة - وَقَدْ جِيءَ بِهِ وَلِحْيَته كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا - :( غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَاد ).
وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ :
| يُسَوَّد أَعْلَاهَا وَيُبَيَّض أَصْلهَا | وَلَا خَيْر فِي الْأَعْلَى إِذَا فَسَدَ الْأَصْل |
| يَا خَاضِب الشَّيْب بِالْحِنَّاءِ تَسْتُرهُ | سَلْ الْمَلِيك لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّار |
وَفِي صَحِيح الْبُسْتِيّ عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَب فَوْره وَتَقُول : إِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( إِنَّهُ أَعْظَم لِلْبَرَكَةِ ).
السَّادِسَة عَشْرَة : قُلْت : وَهَذَا كُلّه فِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره.
وَيَأْتِي ذِكْر الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَالسِّوَاك فِي سُورَة " النِّسَاء " وَحُكْم الِاسْتِنْجَاء فِي " بَرَاءَة " وَحُكْم الضِّيَافَة فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : وُقِّتَ لَنَا فِي قَصّ الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار وَنَتْف الْإِبْط وَحَلْق الْعَانَة أَلَّا نَتْرُك أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة، قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا تَحْدِيد فِي أَكْثَر الْمُدَّة، وَالْمُسْتَحَبّ تَفَقُّد ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة، وَهَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه جَعْفَر بْن سُلَيْمَان.
قَالَ الْعُقَيْلِيّ : فِي حَدِيثه نَظَر.
وَقَالَ أَبُو عُمَر فِيهِ : لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِسُوءِ حِفْظه وَكَثْرَة غَلَطه.
وَهَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ جِهَة النَّقْل ; وَلَكِنَّهُ قَدْ قَالَ بِهِ قَوْم، وَأَكْثَرهمْ عَلَى أَلَّا تَوْقِيت فِي ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
السَّادِسَة عَشْرَة : قُلْت : وَهَذَا كُلّه فِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره.
وَيَأْتِي ذِكْر الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَالسِّوَاك فِي سُورَة " النِّسَاء " وَحُكْم الِاسْتِنْجَاء فِي " بَرَاءَة " وَحُكْم الضِّيَافَة فِي " هُود " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : وُقِّتَ لَنَا فِي قَصّ الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار وَنَتْف الْإِبْط وَحَلْق الْعَانَة أَلَّا نَتْرُك أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة، قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا تَحْدِيد فِي أَكْثَر الْمُدَّة، وَالْمُسْتَحَبّ تَفَقُّد ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة، وَهَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه جَعْفَر بْن سُلَيْمَان.
قَالَ الْعُقَيْلِيّ : فِي حَدِيثه نَظَر.
وَقَالَ أَبُو عُمَر فِيهِ : لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِسُوءِ حِفْظه وَكَثْرَة غَلَطه.
وَهَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ جِهَة النَّقْل ; وَلَكِنَّهُ قَدْ قَالَ بِهِ قَوْم، وَأَكْثَرهمْ عَلَى أَلَّا تَوْقِيت فِي ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
الْإِمَام : الْقُدْوَة، وَمِنْهُ قِيلَ لِخَيْطِ الْبِنَاء : إِمَام، وَلِلطَّرِيقِ : إِمَام ; لِأَنَّهُ يُؤَمّ فِيهِ لِلْمَسَالِكِ، أَيْ يُقْصَد.
فَالْمَعْنَى : جَعَلْنَاك لِلنَّاسِ إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِك فِي هَذِهِ الْخِصَال، وَيَقْتَدِي بِك الصَّالِحُونَ.
فَجَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى إِمَامًا لِأَهْلِ طَاعَته، فَلِذَلِكَ اِجْتَمَعَتْ الْأُمَم عَلَى الدَّعْوَى فِيهِ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّهُ كَانَ حَنِيفًا.
الْإِمَام : الْقُدْوَة، وَمِنْهُ قِيلَ لِخَيْطِ الْبِنَاء : إِمَام، وَلِلطَّرِيقِ : إِمَام ; لِأَنَّهُ يُؤَمّ فِيهِ لِلْمَسَالِكِ، أَيْ يُقْصَد.
فَالْمَعْنَى : جَعَلْنَاك لِلنَّاسِ إِمَامًا يَأْتَمُّونَ بِك فِي هَذِهِ الْخِصَال، وَيَقْتَدِي بِك الصَّالِحُونَ.
فَجَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى إِمَامًا لِأَهْلِ طَاعَته، فَلِذَلِكَ اِجْتَمَعَتْ الْأُمَم عَلَى الدَّعْوَى فِيهِ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّهُ كَانَ حَنِيفًا.
قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي
دُعَاء عَلَى جِهَة الرَّغْبَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى، أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبّ فَاجْعَلْ.
وَقِيلَ : هَذَا مِنْهُ عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام عَنْهُمْ، أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبّ مَاذَا يَكُون ؟ فَأَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ عَاصِيًا وَظَالِمًا لَا يَسْتَحِقّ الْإِمَامَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُجْعَل مِنْ ذُرِّيَّته إِمَام، فَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّ فِي ذُرِّيَّته مَنْ يَعْصِي فَقَالَ :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ".
" وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " أَصْل ذُرِّيَّة، فِعْلِيَّة مِنْ الذَّرّ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ الْخَلْق مِنْ صُلْب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَالذَّرِّ حِين أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا خَلَقَهُمْ، وَمِنْهُ الذُّرِّيَّة وَهِيَ نَسْل الثَّقَلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَب تَرَكَتْ هَمْزهَا، وَالْجَمْع الذَّرَارِيّ.
وَقَرَأَ زَيْد بْن ثَابِت " ذِرِّيَّة " بِكَسْرِ الذَّال و " ذَرِّيَّة " بِفَتْحِهَا.
قَالَ اِبْن جِنِّيّ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان : يَحْتَمِل أَصْل هَذَا الْحَرْف أَرْبَعَة أَلْفَاظ : أَحَدهَا : ذَرَأَ، وَالثَّانِي : ذَرَرَ، وَالثَّالِث : ذَرَوَ، وَالرَّابِع : ذَرَيَ، فَأَمَّا الْهَمْزَة فَمِنْ ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق، وَأَمَّا ذَرَرَ فَمِنْ لَفْظ الذَّرّ وَمَعْنَاهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَر ( أَنَّ الْخَلْق كَانَ كَالذَّرِّ ) وَأَمَّا الْوَاو وَالْيَاء، فَمِنْ ذَرَوْت الْحَبّ وَذَرَيْته يُقَالَانِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح " [ الْكَهْف : ٤٥ ] وَهَذَا لِلُطْفِهِ وَخِفَّته، وَتِلْكَ حَال الذَّرّ أَيْضًا.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب وَغَيْره تَذْرُوهُ وَتَذْرِيه ذَرْوًا وَذَرْيًا أَيْ نَسَفَتْه، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : ذَرَى النَّاس الْحِنْطَة، وَأَذْرَيْت الشَّيْء إِذَا أَلْقَيْته، كَإِلْقَائِك الْحَبّ لِلزَّرْعِ.
وَطَعَنَهُ فَأَذْرَاهُ عَنْ ظَهْر دَابَّته، أَيْ أَلْقَاهُ.
وَقَالَ الْخَلِيل : إِنَّمَا سُمُّوا ذُرِّيَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَرَأَهَا عَلَى الْأَرْض كَمَا ذَرَأَ الزَّارِع الْبَذْر.
وَقِيلَ : أَصْل ذُرِّيَّة، ذُرُّورَة، لَكِنْ لَمَّا كَثُرَ التَّضْعِيف أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى الرَّاءَات يَاء، فَصَارَتْ ذُرُّويَة، ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَتْ ذُرِّيَّة.
وَالْمُرَاد بِالذُّرِّيَّةِ هُنَا الْأَبْنَاء خَاصَّة، وَقَدْ تُطْلَق عَلَى الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ " [ يس : ٤١ ] يَعْنِي آبَاءَهُمْ.
دُعَاء عَلَى جِهَة الرَّغْبَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى، أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبّ فَاجْعَلْ.
وَقِيلَ : هَذَا مِنْهُ عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام عَنْهُمْ، أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي يَا رَبّ مَاذَا يَكُون ؟ فَأَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِيهِمْ عَاصِيًا وَظَالِمًا لَا يَسْتَحِقّ الْإِمَامَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يُجْعَل مِنْ ذُرِّيَّته إِمَام، فَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّ فِي ذُرِّيَّته مَنْ يَعْصِي فَقَالَ :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ".
" وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " أَصْل ذُرِّيَّة، فِعْلِيَّة مِنْ الذَّرّ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ الْخَلْق مِنْ صُلْب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَالذَّرِّ حِين أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ.
وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا خَلَقَهُمْ، وَمِنْهُ الذُّرِّيَّة وَهِيَ نَسْل الثَّقَلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَب تَرَكَتْ هَمْزهَا، وَالْجَمْع الذَّرَارِيّ.
وَقَرَأَ زَيْد بْن ثَابِت " ذِرِّيَّة " بِكَسْرِ الذَّال و " ذَرِّيَّة " بِفَتْحِهَا.
قَالَ اِبْن جِنِّيّ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان : يَحْتَمِل أَصْل هَذَا الْحَرْف أَرْبَعَة أَلْفَاظ : أَحَدهَا : ذَرَأَ، وَالثَّانِي : ذَرَرَ، وَالثَّالِث : ذَرَوَ، وَالرَّابِع : ذَرَيَ، فَأَمَّا الْهَمْزَة فَمِنْ ذَرَأَ اللَّه الْخَلْق، وَأَمَّا ذَرَرَ فَمِنْ لَفْظ الذَّرّ وَمَعْنَاهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَر ( أَنَّ الْخَلْق كَانَ كَالذَّرِّ ) وَأَمَّا الْوَاو وَالْيَاء، فَمِنْ ذَرَوْت الْحَبّ وَذَرَيْته يُقَالَانِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح " [ الْكَهْف : ٤٥ ] وَهَذَا لِلُطْفِهِ وَخِفَّته، وَتِلْكَ حَال الذَّرّ أَيْضًا.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : ذَرَتْ الرِّيح التُّرَاب وَغَيْره تَذْرُوهُ وَتَذْرِيه ذَرْوًا وَذَرْيًا أَيْ نَسَفَتْه، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : ذَرَى النَّاس الْحِنْطَة، وَأَذْرَيْت الشَّيْء إِذَا أَلْقَيْته، كَإِلْقَائِك الْحَبّ لِلزَّرْعِ.
وَطَعَنَهُ فَأَذْرَاهُ عَنْ ظَهْر دَابَّته، أَيْ أَلْقَاهُ.
وَقَالَ الْخَلِيل : إِنَّمَا سُمُّوا ذُرِّيَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَرَأَهَا عَلَى الْأَرْض كَمَا ذَرَأَ الزَّارِع الْبَذْر.
وَقِيلَ : أَصْل ذُرِّيَّة، ذُرُّورَة، لَكِنْ لَمَّا كَثُرَ التَّضْعِيف أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى الرَّاءَات يَاء، فَصَارَتْ ذُرُّويَة، ثُمَّ أُدْغِمَتْ الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَتْ ذُرِّيَّة.
وَالْمُرَاد بِالذُّرِّيَّةِ هُنَا الْأَبْنَاء خَاصَّة، وَقَدْ تُطْلَق عَلَى الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ " [ يس : ٤١ ] يَعْنِي آبَاءَهُمْ.
قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالْعَهْدِ، فَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ النُّبُوَّة، وَقَالَهُ السُّدِّيّ.
مُجَاهِد : الْإِمَامَة.
قَتَادَة : الْإِيمَان.
عَطَاء : الرَّحْمَة.
الضَّحَّاك : دِين اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : عَهْده أَمْره.
وَيُطْلَق الْعَهْد عَلَى الْأَمْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا " [ آل عِمْرَان : ١٨٣ ] أَيْ أَمَرَنَا.
وَقَالَ :" أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم " [ يس : ٦٠ ] يَعْنِي أَلَمْ أُقَدِّم إِلَيْكُمْ الْأَمْر بِهِ، وَإِذَا كَانَ عَهْد اللَّه هُوَ أَوَامِره فَقَوْله :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يَجُوز أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَنْ يُقْبَل مِنْهُمْ أَوَامِر اللَّه وَلَا يُقِيمُونَ عَلَيْهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه بَعْد هَذَا آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " قَالَ : لَا يَنَال عَهْد اللَّه فِي الْآخِرَة الظَّالِمِينَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِم فَآمَنَ بِهِ، وَأَكَلَ وَعَاشَ وَأَبْصَرَ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَهَذَا قَوْل حَسَن، أَيْ لَا يَنَال أَمَانِي الظَّالِمِينَ، أَيْ لَا أُؤَمِّنهُمْ مِنْ عَذَابِي.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الظَّالِم هُنَا الْمُشْرِك.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف " لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمُونَ " بِرَفْعِ الظَّالِمُونَ.
الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ.
وَأَسْكَنَ حَمْزَة وَحَفْص وَابْن مُحَيْصِن الْيَاء فِي " عَهْدِي "، وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ.
اِسْتَدَلَّ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ الْإِمَام يَكُون مِنْ أَهْل الْعَدْل وَالْإِحْسَان وَالْفَضْل مَعَ الْقُوَّة عَلَى الْقِيَام بِذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُنَازِعُوا الْأَمْر أَهْله، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِيهِ.
فَأَمَّا أَهْل الْفُسُوق وَالْجَوْر وَالظُّلْم فَلَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " وَلِهَذَا خَرَجَ اِبْن الزُّبَيْر وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَخَرَجَ خِيَار أَهْل الْعِرَاق وَعُلَمَاؤُهُمْ عَلَى الْحَجَّاج، وَأَخْرَجَ أَهْل الْمَدِينَة بَنِي أُمَيَّة وَقَامُوا عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ الْحَرَّة الَّتِي أَوْقَعَهَا بِهِمْ مُسْلِم بْن عُقْبَة.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ الصَّبْر عَلَى طَاعَة الْإِمَام الْجَائِر أَوْلَى مِنْ الْخُرُوج عَلَيْهِ ; لِأَنَّ فِي مُنَازَعَته وَالْخُرُوج عَلَيْهِ اِسْتِبْدَال الْأَمْن بِالْخَوْفِ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء، وَانْطِلَاق أَيْدِي السُّفَهَاء، وَشَنّ الْغَارَات عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَسَاد فِي الْأَرْض.
وَالْأَوَّل مَذْهَب طَائِفَة مِنْ الْمُعْتَزِلَة، وَهُوَ مَذْهَب الْخَوَارِج، فَاعْلَمْهُ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَكُلّ مَنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَة وَلَا حَاكِمًا وَلَا مُفْتِيًا، وَلَا إِمَام صَلَاة، وَلَا يُقْبَل عَنْهُ مَا يَرْوِيه عَنْ صَاحِب الشَّرِيعَة، وَلَا تُقْبَل شَهَادَته فِي الْأَحْكَام، غَيْر أَنَّهُ لَا يُعْزَل بِفِسْقِهِ حَتَّى يَعْزِلهُ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد.
اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالْعَهْدِ، فَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ النُّبُوَّة، وَقَالَهُ السُّدِّيّ.
مُجَاهِد : الْإِمَامَة.
قَتَادَة : الْإِيمَان.
عَطَاء : الرَّحْمَة.
الضَّحَّاك : دِين اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : عَهْده أَمْره.
وَيُطْلَق الْعَهْد عَلَى الْأَمْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا " [ آل عِمْرَان : ١٨٣ ] أَيْ أَمَرَنَا.
وَقَالَ :" أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم " [ يس : ٦٠ ] يَعْنِي أَلَمْ أُقَدِّم إِلَيْكُمْ الْأَمْر بِهِ، وَإِذَا كَانَ عَهْد اللَّه هُوَ أَوَامِره فَقَوْله :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يَجُوز أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَنْ يُقْبَل مِنْهُمْ أَوَامِر اللَّه وَلَا يُقِيمُونَ عَلَيْهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه بَعْد هَذَا آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " قَالَ : لَا يَنَال عَهْد اللَّه فِي الْآخِرَة الظَّالِمِينَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِم فَآمَنَ بِهِ، وَأَكَلَ وَعَاشَ وَأَبْصَرَ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَهَذَا قَوْل حَسَن، أَيْ لَا يَنَال أَمَانِي الظَّالِمِينَ، أَيْ لَا أُؤَمِّنهُمْ مِنْ عَذَابِي.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الظَّالِم هُنَا الْمُشْرِك.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف " لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمُونَ " بِرَفْعِ الظَّالِمُونَ.
الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ.
وَأَسْكَنَ حَمْزَة وَحَفْص وَابْن مُحَيْصِن الْيَاء فِي " عَهْدِي "، وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ.
اِسْتَدَلَّ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ الْإِمَام يَكُون مِنْ أَهْل الْعَدْل وَالْإِحْسَان وَالْفَضْل مَعَ الْقُوَّة عَلَى الْقِيَام بِذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يُنَازِعُوا الْأَمْر أَهْله، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْل فِيهِ.
فَأَمَّا أَهْل الْفُسُوق وَالْجَوْر وَالظُّلْم فَلَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ " وَلِهَذَا خَرَجَ اِبْن الزُّبَيْر وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَخَرَجَ خِيَار أَهْل الْعِرَاق وَعُلَمَاؤُهُمْ عَلَى الْحَجَّاج، وَأَخْرَجَ أَهْل الْمَدِينَة بَنِي أُمَيَّة وَقَامُوا عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ الْحَرَّة الَّتِي أَوْقَعَهَا بِهِمْ مُسْلِم بْن عُقْبَة.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ الصَّبْر عَلَى طَاعَة الْإِمَام الْجَائِر أَوْلَى مِنْ الْخُرُوج عَلَيْهِ ; لِأَنَّ فِي مُنَازَعَته وَالْخُرُوج عَلَيْهِ اِسْتِبْدَال الْأَمْن بِالْخَوْفِ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء، وَانْطِلَاق أَيْدِي السُّفَهَاء، وَشَنّ الْغَارَات عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَسَاد فِي الْأَرْض.
وَالْأَوَّل مَذْهَب طَائِفَة مِنْ الْمُعْتَزِلَة، وَهُوَ مَذْهَب الْخَوَارِج، فَاعْلَمْهُ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَكُلّ مَنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَة وَلَا حَاكِمًا وَلَا مُفْتِيًا، وَلَا إِمَام صَلَاة، وَلَا يُقْبَل عَنْهُ مَا يَرْوِيه عَنْ صَاحِب الشَّرِيعَة، وَلَا تُقْبَل شَهَادَته فِي الْأَحْكَام، غَيْر أَنَّهُ لَا يُعْزَل بِفِسْقِهِ حَتَّى يَعْزِلهُ أَهْل الْحَلّ وَالْعَقْد.
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامه مُوَافِقًا لِلصَّوَابِ مَاضٍ غَيْر مَنْقُوض.
وَقَدْ نَصَّ مَالِك عَلَى هَذَا فِي الْخَوَارِج وَالْبُغَاة أَنَّ أَحْكَامهمْ لَا تُنْقَض إِذَا أَصَابُوا بِهَا وَجْهًا مِنْ الِاجْتِهَاد، وَلَمْ يَخْرِقُوا الْإِجْمَاع، أَوْ يُخَالِفُوا النُّصُوص.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوَارِج قَدْ خَرَجُوا فِي أَيَّامهمْ وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ الْأَئِمَّة تَتَبَّعُوا أَحْكَامهمْ، وَلَا نَقَضُوا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا أَعَادُوا أَخْذ الزَّكَاة وَلَا إِقَامَة الْحُدُود الَّتِي أَخَذُوا وَأَقَامُوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا أَصَابُوا وَجْه الِاجْتِهَاد لَمْ يُتَعَرَّض لِأَحْكَامِهِمْ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَأَمَّا أَخْذ الْأَرْزَاق مِنْ الْأَئِمَّة الظَّلَمَة فَلِذَلِكَ ثَلَاثَة أَحْوَال : إِنْ كَانَ جَمِيع مَا فِي أَيْدِيهمْ مَأْخُوذًا عَلَى مُوجَب الشَّرِيعَة فَجَائِز أَخْذه، وَقَدْ أَخَذَتْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعُونَ مِنْ يَد الْحَجَّاج وَغَيْره.
وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا حَلَالًا وَظُلْمًا كَمَا فِي أَيْدِي الْأُمَرَاء الْيَوْم فَالْوَرَع تَرْكه، وَيَجُوز لِلْمُحْتَاجِ أَخْذه، وَهُوَ كَلِصٍّ فِي يَده مَال مَسْرُوق، وَمَال جَيِّد حَلَال وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ رَجُل فَجَاءَ اللِّصّ يَتَصَدَّق بِهِ عَلَى إِنْسَان أَنْ يَكُون اللِّصّ يَتَصَدَّق بِبَعْضِ مَا سَرَقَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْء مَعْرُوف بِنَهْبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوْ اِشْتَرَى كَانَ الْعَقْد صَحِيحًا لَازِمًا - وَإِنْ كَانَ الْوَرَع التَّنَزُّه عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْوَال لَا تُحَرَّم بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا تُحَرَّم لِجِهَاتِهَا.
وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهمْ ظُلْمًا صُرَاحًا فَلَا يَجُوز أَنْ يُؤْخَذ مِنْ أَيْدِيهمْ.
وَلَوْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الْمَال مَغْصُوبًا غَيْر أَنَّهُ لَا يُعْرَف لَهُ صَاحِب وَلَا مُطَالِب، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي أَيْدِي اللُّصُوص وَقُطَّاع الطَّرِيق، وَيُجْعَل فِي بَيْت الْمَال وَيُنْتَظَر طَالِبه بِقَدْرِ الِاجْتِهَاد، فَإِذَا لَمْ يُعْرَف صَرَفَهُ الْإِمَام فِي مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ نَصَّ مَالِك عَلَى هَذَا فِي الْخَوَارِج وَالْبُغَاة أَنَّ أَحْكَامهمْ لَا تُنْقَض إِذَا أَصَابُوا بِهَا وَجْهًا مِنْ الِاجْتِهَاد، وَلَمْ يَخْرِقُوا الْإِجْمَاع، أَوْ يُخَالِفُوا النُّصُوص.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوَارِج قَدْ خَرَجُوا فِي أَيَّامهمْ وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ الْأَئِمَّة تَتَبَّعُوا أَحْكَامهمْ، وَلَا نَقَضُوا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا أَعَادُوا أَخْذ الزَّكَاة وَلَا إِقَامَة الْحُدُود الَّتِي أَخَذُوا وَأَقَامُوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا أَصَابُوا وَجْه الِاجْتِهَاد لَمْ يُتَعَرَّض لِأَحْكَامِهِمْ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَأَمَّا أَخْذ الْأَرْزَاق مِنْ الْأَئِمَّة الظَّلَمَة فَلِذَلِكَ ثَلَاثَة أَحْوَال : إِنْ كَانَ جَمِيع مَا فِي أَيْدِيهمْ مَأْخُوذًا عَلَى مُوجَب الشَّرِيعَة فَجَائِز أَخْذه، وَقَدْ أَخَذَتْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعُونَ مِنْ يَد الْحَجَّاج وَغَيْره.
وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا حَلَالًا وَظُلْمًا كَمَا فِي أَيْدِي الْأُمَرَاء الْيَوْم فَالْوَرَع تَرْكه، وَيَجُوز لِلْمُحْتَاجِ أَخْذه، وَهُوَ كَلِصٍّ فِي يَده مَال مَسْرُوق، وَمَال جَيِّد حَلَال وَقَدْ وَكَّلَهُ فِيهِ رَجُل فَجَاءَ اللِّصّ يَتَصَدَّق بِهِ عَلَى إِنْسَان أَنْ يَكُون اللِّصّ يَتَصَدَّق بِبَعْضِ مَا سَرَقَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْء مَعْرُوف بِنَهْبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوْ اِشْتَرَى كَانَ الْعَقْد صَحِيحًا لَازِمًا - وَإِنْ كَانَ الْوَرَع التَّنَزُّه عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْوَال لَا تُحَرَّم بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا تُحَرَّم لِجِهَاتِهَا.
وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهمْ ظُلْمًا صُرَاحًا فَلَا يَجُوز أَنْ يُؤْخَذ مِنْ أَيْدِيهمْ.
وَلَوْ كَانَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ الْمَال مَغْصُوبًا غَيْر أَنَّهُ لَا يُعْرَف لَهُ صَاحِب وَلَا مُطَالِب، فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي أَيْدِي اللُّصُوص وَقُطَّاع الطَّرِيق، وَيُجْعَل فِي بَيْت الْمَال وَيُنْتَظَر طَالِبه بِقَدْرِ الِاجْتِهَاد، فَإِذَا لَمْ يُعْرَف صَرَفَهُ الْإِمَام فِي مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا
" جَعَلْنَا " بِمَعْنَى صَيَّرْنَا لِتَعَدِّيهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" الْبَيْت " يَعْنِي الْكَعْبَة.
" مَثَابَة " أَيْ مَرْجِعًا، يُقَال : ثَابَ يَثُوب مَثَابًا وَمَثَابَة وَثُؤُوبًا وَثَوَبَانًا.
فَالْمَثَابَة مَصْدَر وُصِفَ بِهِ وَيُرَاد بِهِ الْمَوْضِع الَّذِي يُثَاب إِلَيْهِ، أَيْ يُرْجَع إِلَيْهِ.
قَالَ وَرَقَة بْن نَوْفَل فِي الْكَعْبَة :
وَقَرَأَ الْأَعْمَش :" مَثَابَات " عَلَى الْجَمْع.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ الثَّوَاب، أَيْ يُثَابُونَ هُنَاكَ.
وَقَالَ مُجَاهِد : لَا يَقْضِي أَحَد مِنْهُ وَطَرًا، قَالَ الشَّاعِر :
وَالْأَصْل مَثُوبَة، قُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو عَلَى الثَّاء فَقُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا اِتِّبَاعًا لِثَابَ يَثُوب، وَانْتَصَبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي، وَدَخَلَتْ الْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَثُوب أَيْ يَرْجِع ; لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُفَارِق أَحَد الْبَيْت إِلَّا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ وَطَرًا، فَهِيَ كَنَسَّابَةِ وَعَلَّامَة، قَالَهُ الْأَخْفَش.
وَقَالَ غَيْره : هِيَ هَاء تَأْنِيث الْمَصْدَر وَلَيْسَتْ لِلْمُبَالَغَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ كُلّ مَنْ جَاءَهُ يَعُود إِلَيْهِ، قِيلَ : لَيْسَ يَخْتَصّ بِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْجُمْلَة، وَلَا يَعْدَم قَاصِدًا مِنْ النَّاس، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
" وَأَمْنًا " اِسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَة وَجَمَاعَة مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار عَلَى تَرْك إِقَامَة الْحَدّ فِي الْحَرَم عَلَى الْمُحْصَن وَالسَّارِق إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ، وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا " [ آل عِمْرَان : ٩٧ ] كَأَنَّهُ قَالَ : آمِنُوا مَنْ دَخَلَ الْبَيْت.
وَالصَّحِيح إِقَامَة الْحُدُود فِي الْحَرَم، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَنْسُوخ ; لِأَنَّ الِاتِّفَاق حَاصِل أَنَّهُ لَا يُقْتَل فِي الْبَيْت، وَيُقْتَل خَارِج الْبَيْت.
وَإِنَّمَا الْخِلَاف هَلْ يُقْتَل فِي الْحَرَم أَمْ لَا ؟ وَالْحَرَم لَا يَقَع عَلَيْهِ اِسْم الْبَيْت حَقِيقَة.
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَم قُتِلَ بِهِ، وَلَوْ أَتَى حَدًّا أُقِيدَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَوْ حَارَبَ فِيهِ حُورِبَ وَقُتِلَ مَكَانه.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَا يُقْتَل فِيهِ وَلَا يُتَابَع، وَلَا يَزَال يُضَيَّق عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوت أَوْ يَخْرُج.
فَنَحْنُ نَقْتُلهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ يَقْتُلهُ بِالْجُوعِ وَالصَّدّ، فَأَيّ قَتْل أَشَدّ مِنْ هَذَا.
وَفِي قَوْله :" وَأَمْنًا " تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة، أَيْ لَيْسَ فِي بَيْت الْمَقْدِس هَذِهِ الْفَضِيلَة، وَلَا يَحُجّ إِلَيْهِ النَّاس، وَمَنْ اِسْتَعَاذَ بِالْحَرَمِ أَمِنَ مِنْ أَنْ يُغَار عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" جَعَلْنَا " بِمَعْنَى صَيَّرْنَا لِتَعَدِّيهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" الْبَيْت " يَعْنِي الْكَعْبَة.
" مَثَابَة " أَيْ مَرْجِعًا، يُقَال : ثَابَ يَثُوب مَثَابًا وَمَثَابَة وَثُؤُوبًا وَثَوَبَانًا.
فَالْمَثَابَة مَصْدَر وُصِفَ بِهِ وَيُرَاد بِهِ الْمَوْضِع الَّذِي يُثَاب إِلَيْهِ، أَيْ يُرْجَع إِلَيْهِ.
قَالَ وَرَقَة بْن نَوْفَل فِي الْكَعْبَة :
| مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِل كُلّهَا | تَخُبّ إِلَيْهَا الْيَعْمَلَات الذَّوَامِل |
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ الثَّوَاب، أَيْ يُثَابُونَ هُنَاكَ.
وَقَالَ مُجَاهِد : لَا يَقْضِي أَحَد مِنْهُ وَطَرًا، قَالَ الشَّاعِر :
| جُعِلَ الْبَيْت مَثَابًا لَهُمْ | لَيْسَ مِنْهُ الدَّهْر يَقْضُونَ الْوَطَر |
وَقَالَ غَيْره : هِيَ هَاء تَأْنِيث الْمَصْدَر وَلَيْسَتْ لِلْمُبَالَغَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ كُلّ مَنْ جَاءَهُ يَعُود إِلَيْهِ، قِيلَ : لَيْسَ يَخْتَصّ بِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْجُمْلَة، وَلَا يَعْدَم قَاصِدًا مِنْ النَّاس، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
" وَأَمْنًا " اِسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَة وَجَمَاعَة مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار عَلَى تَرْك إِقَامَة الْحَدّ فِي الْحَرَم عَلَى الْمُحْصَن وَالسَّارِق إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ، وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا " [ آل عِمْرَان : ٩٧ ] كَأَنَّهُ قَالَ : آمِنُوا مَنْ دَخَلَ الْبَيْت.
وَالصَّحِيح إِقَامَة الْحُدُود فِي الْحَرَم، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَنْسُوخ ; لِأَنَّ الِاتِّفَاق حَاصِل أَنَّهُ لَا يُقْتَل فِي الْبَيْت، وَيُقْتَل خَارِج الْبَيْت.
وَإِنَّمَا الْخِلَاف هَلْ يُقْتَل فِي الْحَرَم أَمْ لَا ؟ وَالْحَرَم لَا يَقَع عَلَيْهِ اِسْم الْبَيْت حَقِيقَة.
وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَم قُتِلَ بِهِ، وَلَوْ أَتَى حَدًّا أُقِيدَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَوْ حَارَبَ فِيهِ حُورِبَ وَقُتِلَ مَكَانه.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَا يُقْتَل فِيهِ وَلَا يُتَابَع، وَلَا يَزَال يُضَيَّق عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوت أَوْ يَخْرُج.
فَنَحْنُ نَقْتُلهُ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ يَقْتُلهُ بِالْجُوعِ وَالصَّدّ، فَأَيّ قَتْل أَشَدّ مِنْ هَذَا.
وَفِي قَوْله :" وَأَمْنًا " تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة، أَيْ لَيْسَ فِي بَيْت الْمَقْدِس هَذِهِ الْفَضِيلَة، وَلَا يَحُجّ إِلَيْهِ النَّاس، وَمَنْ اِسْتَعَاذَ بِالْحَرَمِ أَمِنَ مِنْ أَنْ يُغَار عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
" وَاِتَّخِذُوا " قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر بِفَتْحِ الْخَاء عَلَى جِهَة الْخَبَر عَمَّنْ اِتَّخَذَهُ مِنْ مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيم، وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " جَعَلْنَا " أَيْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة وَاِتَّخِذُوهُ مُصَلًّى.
وَقِيلَ هُوَ مَعْطُوف عَلَى تَقْدِير إِذْ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة وَإِذْ اِتَّخَذُوا، فَعَلَى الْأَوَّل الْكَلَام جُمْلَة وَاحِدَة، وَعَلَى الثَّانِي جُمْلَتَانِ.
وَقَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء " وَاِتَّخِذُوا " بِكَسْرِ الْخَاء عَلَى جِهَة الْأَمْر، قَطَعُوهُ مِنْ الْأَوَّل وَجَعَلُوهُ مَعْطُوفًا جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى " اُذْكُرُوا نِعْمَتِي " كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ اُذْكُرُوا إِذْ جَعَلْنَا.
أَوْ عَلَى مَعْنَى قَوْله :" مَثَابَة " لِأَنَّ مَعْنَاهُ ثُوبُوا.
رَوَى اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث : فِي مَقَام إِبْرَاهِيم، وَفِي الْحِجَاب، وَفِي أُسَارَى بَدْر.
خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره.
وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ عُمَر : وَافَقْت اللَّه فِي ثَلَاث، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاث.
الْحَدِيث، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده فَقَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي أَرْبَع، قُلْت يَا رَسُول اللَّه : لَوْ صَلَّيْت خَلْف الْمَقَام ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى " وَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه، لَوْ ضَرَبْت عَلَى نِسَائِك الْحِجَاب فَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه :" وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب " [ الْأَحْزَاب : ٥٣ ]، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ]، فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْت أَنَا : تَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ، فَنَزَلَتْ :" فَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٤ ]، وَدَخَلْت عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنهُ اللَّه بِأَزْوَاجٍ خَيْر مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ الْآيَة :" عَسَى رَبّه إِنْ طَلَّقَكُنَّ " [ التَّحْرِيم : ٥ ].
قُلْت : لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ذِكْر لِلْأُسَارَى، فَتَكُون مُوَافَقَة عُمَر فِي خَمْس.
" مِنْ مَقَام " الْمَقَام فِي اللُّغَة : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس :" مَقَام " مِنْ قَامَ يَقُوم، وَيَكُون مَصْدَرًا وَاسْمًا لِلْمَوْضِعِ.
وَمُقَام مِنْ أَقَامَ، فَأَمَّا قَوْل زُهَيْر :
فَمَعْنَاهُ : فِيهِمْ أَهْل مَقَامَات.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين الْمَقَام عَلَى أَقْوَال، أَصَحّهَا - أَنَّهُ الْحِجْر الَّذِي تَعْرِفهُ النَّاس الْيَوْم الَّذِي يُصَلُّونَ عِنْده رَكْعَتَيْ طَوَاف الْقُدُوم.
وَهَذَا قَوْل جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ.
" وَاِتَّخِذُوا " قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر بِفَتْحِ الْخَاء عَلَى جِهَة الْخَبَر عَمَّنْ اِتَّخَذَهُ مِنْ مُتَّبِعِي إِبْرَاهِيم، وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " جَعَلْنَا " أَيْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة وَاِتَّخِذُوهُ مُصَلًّى.
وَقِيلَ هُوَ مَعْطُوف عَلَى تَقْدِير إِذْ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة وَإِذْ اِتَّخَذُوا، فَعَلَى الْأَوَّل الْكَلَام جُمْلَة وَاحِدَة، وَعَلَى الثَّانِي جُمْلَتَانِ.
وَقَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء " وَاِتَّخِذُوا " بِكَسْرِ الْخَاء عَلَى جِهَة الْأَمْر، قَطَعُوهُ مِنْ الْأَوَّل وَجَعَلُوهُ مَعْطُوفًا جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْطُوفًا عَلَى " اُذْكُرُوا نِعْمَتِي " كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ اُذْكُرُوا إِذْ جَعَلْنَا.
أَوْ عَلَى مَعْنَى قَوْله :" مَثَابَة " لِأَنَّ مَعْنَاهُ ثُوبُوا.
رَوَى اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي ثَلَاث : فِي مَقَام إِبْرَاهِيم، وَفِي الْحِجَاب، وَفِي أُسَارَى بَدْر.
خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره.
وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ عُمَر : وَافَقْت اللَّه فِي ثَلَاث، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاث.
الْحَدِيث، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده فَقَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ عُمَر : وَافَقْت رَبِّي فِي أَرْبَع، قُلْت يَا رَسُول اللَّه : لَوْ صَلَّيْت خَلْف الْمَقَام ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى " وَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه، لَوْ ضَرَبْت عَلَى نِسَائِك الْحِجَاب فَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه :" وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب " [ الْأَحْزَاب : ٥٣ ]، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ]، فَلَمَّا نَزَلَتْ قُلْت أَنَا : تَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ، فَنَزَلَتْ :" فَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٤ ]، وَدَخَلْت عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنهُ اللَّه بِأَزْوَاجٍ خَيْر مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ الْآيَة :" عَسَى رَبّه إِنْ طَلَّقَكُنَّ " [ التَّحْرِيم : ٥ ].
قُلْت : لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ذِكْر لِلْأُسَارَى، فَتَكُون مُوَافَقَة عُمَر فِي خَمْس.
" مِنْ مَقَام " الْمَقَام فِي اللُّغَة : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس :" مَقَام " مِنْ قَامَ يَقُوم، وَيَكُون مَصْدَرًا وَاسْمًا لِلْمَوْضِعِ.
وَمُقَام مِنْ أَقَامَ، فَأَمَّا قَوْل زُهَيْر :
| وَفِيهِمْ مَقَامَات حِسَان وُجُوههمْ | وَأَنْدِيَة يَنْتَابهَا الْقَوْل وَالْفِعْل |
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين الْمَقَام عَلَى أَقْوَال، أَصَحّهَا - أَنَّهُ الْحِجْر الَّذِي تَعْرِفهُ النَّاس الْيَوْم الَّذِي يُصَلُّونَ عِنْده رَكْعَتَيْ طَوَاف الْقُدُوم.
وَهَذَا قَوْل جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر الطَّوِيل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الْبَيْت اِسْتَلَمَ الرُّكْن فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَام إِبْرَاهِيم فَقَرَأَ :" وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا ب " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص ] و " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ ].
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَاف وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّلَوَات لِأَهْلِ مَكَّة أَفْضَل وَيَدُلّ مِنْ وَجْه عَلَى أَنَّ الطَّوَاف لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَل، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنَّهُ الْحَجَر الَّذِي اِرْتَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم حِين ضَعُفَ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة الَّتِي كَانَ إِسْمَاعِيل يُنَاوِلهَا إِيَّاهُ فِي بِنَاء الْبَيْت، وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ.
قَالَ أَنَس : رَأَيْت فِي الْمَقَام أَثَر أَصَابِعه وَعَقِبه وَأَخْمَص قَدَمَيْهِ، غَيْر أَنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْح النَّاس بِأَيْدِيهِمْ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمَقَام الْحَجَر الَّذِي وَضَعَتْهُ زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحْت قَدَم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين غَسَلَتْ رَأْسه.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعَطَاء : الْحَجّ كُلّه.
وَعَنْ عَطَاء : عَرَفَة وَمُزْدَلِفَة وَالْجِمَار، وَقَالَهُ الشَّعْبِيّ.
النَّخَعِيّ : الْحَرَم كُلّه مَقَام إِبْرَاهِيم، وَقَالَهُ مُجَاهِد.
قُلْت : وَالصَّحِيح فِي الْمَقَام الْقَوْل الْأَوَّل، حَسَب مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح.
وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْم مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن سُوقَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر قَالَ : نَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُل بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام، أَوْ الْبَاب وَالْمَقَام وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُول : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِفُلَانٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا هَذَا ) ؟ فَقَالَ : رَجُل اِسْتَوْدَعَنِي أَنْ أَدْعُو لَهُ فِي هَذَا الْمَقَام، فَقَالَ :( اِرْجِعْ فَقَدْ غُفِرَ لِصَاحِبِك ).
قَالَ أَبُو نُعَيْم : حَدَّثَنَاهُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَاصِم بْن يَحْيَى الْكَاتِب قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم الْقَطَّان الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن عِمْرَان الْجَعْفَرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة، فَذَكَرَهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : كَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْحَارِث عَنْ مُحَمَّد عَنْ جَابِر، وَإِنَّمَا يُعْرَف مِنْ حَدِيث الْحَارِث عَنْ مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَمَعْنَى " مُصَلًّى ".
مُدَّعًى يُدْعَى فِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : مَوْضِع صَلَاة يُصَلَّى عِنْده، قَالَهُ قَتَادَة.
وَقِيلَ : قِبْلَة يَقِف الْإِمَام عِنْدهَا، قَالَهُ الْحَسَن.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَاف وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّلَوَات لِأَهْلِ مَكَّة أَفْضَل وَيَدُلّ مِنْ وَجْه عَلَى أَنَّ الطَّوَاف لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَل، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنَّهُ الْحَجَر الَّذِي اِرْتَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم حِين ضَعُفَ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة الَّتِي كَانَ إِسْمَاعِيل يُنَاوِلهَا إِيَّاهُ فِي بِنَاء الْبَيْت، وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ.
قَالَ أَنَس : رَأَيْت فِي الْمَقَام أَثَر أَصَابِعه وَعَقِبه وَأَخْمَص قَدَمَيْهِ، غَيْر أَنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْح النَّاس بِأَيْدِيهِمْ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَقَالَ السُّدِّيّ : الْمَقَام الْحَجَر الَّذِي وَضَعَتْهُ زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحْت قَدَم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين غَسَلَتْ رَأْسه.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعَطَاء : الْحَجّ كُلّه.
وَعَنْ عَطَاء : عَرَفَة وَمُزْدَلِفَة وَالْجِمَار، وَقَالَهُ الشَّعْبِيّ.
النَّخَعِيّ : الْحَرَم كُلّه مَقَام إِبْرَاهِيم، وَقَالَهُ مُجَاهِد.
قُلْت : وَالصَّحِيح فِي الْمَقَام الْقَوْل الْأَوَّل، حَسَب مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح.
وَخَرَّجَ أَبُو نُعَيْم مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن سُوقَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر قَالَ : نَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُل بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام، أَوْ الْبَاب وَالْمَقَام وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُول : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِفُلَانٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا هَذَا ) ؟ فَقَالَ : رَجُل اِسْتَوْدَعَنِي أَنْ أَدْعُو لَهُ فِي هَذَا الْمَقَام، فَقَالَ :( اِرْجِعْ فَقَدْ غُفِرَ لِصَاحِبِك ).
قَالَ أَبُو نُعَيْم : حَدَّثَنَاهُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَاصِم بْن يَحْيَى الْكَاتِب قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم الْقَطَّان الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن عِمْرَان الْجَعْفَرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة، فَذَكَرَهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : كَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْحَارِث عَنْ مُحَمَّد عَنْ جَابِر، وَإِنَّمَا يُعْرَف مِنْ حَدِيث الْحَارِث عَنْ مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَمَعْنَى " مُصَلًّى ".
مُدَّعًى يُدْعَى فِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : مَوْضِع صَلَاة يُصَلَّى عِنْده، قَالَهُ قَتَادَة.
وَقِيلَ : قِبْلَة يَقِف الْإِمَام عِنْدهَا، قَالَهُ الْحَسَن.
وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
" وَعَهِدْنَا " قِيلَ : مَعْنَاهُ أَمَرْنَا.
وَقِيلَ : أَوْحَيْنَا.
" أَنْ طَهِّرَا " " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى تَقْدِير حَذْف الْخَافِض.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : إِنَّهَا بِمَعْنَى أَيْ مُفَسِّرَة، فَلَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : تَكُون بِمَعْنَى الْقَوْل.
و " طَهِّرَا " قِيلَ مَعْنَاهُ : مِنْ الْأَوْثَان، عَنْ مُجَاهِد وَالزُّهْرِيّ.
وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَسَعِيد بْن جُبَيْر : مِنْ الْآفَات وَالرِّيَب.
وَقِيلَ : مِنْ الْكُفَّار.
وَقَالَ السُّدِّيّ : اِبْنِيَاهُ وَأَسِّسَاهُ عَلَى طَهَارَة وَنِيَّة طَهَارَة، فَيَجِيء مِثْل قَوْله :" أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى " [ التَّوْبَة : ١٠٨ ].
وَقَالَ يَمَان : بَخِّرَاهُ وَخَلِّقَاهُ.
" بَيْتِي " أَضَافَ الْبَيْت إِلَى نَفْسه إِضَافَة تَشْرِيف وَتَكْرِيم، وَهِيَ إِضَافَة مَخْلُوق إِلَى خَالِق، وَمَمْلُوك إِلَى مَالِك.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَأَهْل الْمَدِينَة وَهِشَام وَحَفْص :" بَيْتِيَ " بِفَتْحِ الْيَاء، وَالْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا.
" لِلطَّائِفِينَ " ظَاهِره الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِهِ، وَهُوَ قَوْل عَطَاء.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مَعْنَاهُ لِلْغُرَبَاءِ الطَّارِئِينَ عَلَى مَكَّة، وَفِيهِ بُعْد.
" وَالْعَاكِفِينَ " الْمُقِيمِينَ مِنْ بَلَدِيّ وَغَرِيب، عَنْ عَطَاء.
وَكَذَلِكَ قَوْله :" لِلطَّائِفِينَ ".
وَالْعُكُوف فِي اللُّغَة : اللُّزُوم وَالْإِقْبَال عَلَى الشَّيْء، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
عَكْف النَّبِيط يَلْعَبُونَ الْفَنْزَجَا
وَقَالَ مُجَاهِد : الْعَاكِفُونَ الْمُجَاوِرُونَ.
اِبْن عَبَّاس : الْمُصَلُّونَ.
وَقِيلَ : الْجَالِسُونَ بِغَيْرِ طَوَاف وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
" وَالرُّكَّع السُّجُود " أَيْ الْمُصَلُّونَ عِنْد الْكَعْبَة.
وَخُصَّ الرُّكُوع وَالسُّجُود بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَب أَحْوَال الْمُصَلِّي إِلَى اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكُوع وَالسُّجُود لُغَة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
لَمَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى " أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي " دَخَلَ فِيهِ بِالْمَعْنَى جَمِيع بُيُوته تَعَالَى، فَيَكُون حُكْمهَا حُكْمه فِي التَّطْهِير وَالنَّظَافَة.
وَإِنَّمَا خُصَّ الْكَعْبَة بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرهَا، أَوْ لِكَوْنِهَا أَعْظَم حُرْمَة، وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي التَّنْزِيل " فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع " [ النُّور : ٣٦ ] وَهُنَاكَ يَأْتِي حُكْم الْمَسَاجِد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" وَعَهِدْنَا " قِيلَ : مَعْنَاهُ أَمَرْنَا.
وَقِيلَ : أَوْحَيْنَا.
" أَنْ طَهِّرَا " " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى تَقْدِير حَذْف الْخَافِض.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : إِنَّهَا بِمَعْنَى أَيْ مُفَسِّرَة، فَلَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : تَكُون بِمَعْنَى الْقَوْل.
و " طَهِّرَا " قِيلَ مَعْنَاهُ : مِنْ الْأَوْثَان، عَنْ مُجَاهِد وَالزُّهْرِيّ.
وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر وَسَعِيد بْن جُبَيْر : مِنْ الْآفَات وَالرِّيَب.
وَقِيلَ : مِنْ الْكُفَّار.
وَقَالَ السُّدِّيّ : اِبْنِيَاهُ وَأَسِّسَاهُ عَلَى طَهَارَة وَنِيَّة طَهَارَة، فَيَجِيء مِثْل قَوْله :" أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى " [ التَّوْبَة : ١٠٨ ].
وَقَالَ يَمَان : بَخِّرَاهُ وَخَلِّقَاهُ.
" بَيْتِي " أَضَافَ الْبَيْت إِلَى نَفْسه إِضَافَة تَشْرِيف وَتَكْرِيم، وَهِيَ إِضَافَة مَخْلُوق إِلَى خَالِق، وَمَمْلُوك إِلَى مَالِك.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَأَهْل الْمَدِينَة وَهِشَام وَحَفْص :" بَيْتِيَ " بِفَتْحِ الْيَاء، وَالْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا.
" لِلطَّائِفِينَ " ظَاهِره الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِهِ، وَهُوَ قَوْل عَطَاء.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مَعْنَاهُ لِلْغُرَبَاءِ الطَّارِئِينَ عَلَى مَكَّة، وَفِيهِ بُعْد.
" وَالْعَاكِفِينَ " الْمُقِيمِينَ مِنْ بَلَدِيّ وَغَرِيب، عَنْ عَطَاء.
وَكَذَلِكَ قَوْله :" لِلطَّائِفِينَ ".
وَالْعُكُوف فِي اللُّغَة : اللُّزُوم وَالْإِقْبَال عَلَى الشَّيْء، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
عَكْف النَّبِيط يَلْعَبُونَ الْفَنْزَجَا
وَقَالَ مُجَاهِد : الْعَاكِفُونَ الْمُجَاوِرُونَ.
اِبْن عَبَّاس : الْمُصَلُّونَ.
وَقِيلَ : الْجَالِسُونَ بِغَيْرِ طَوَاف وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
" وَالرُّكَّع السُّجُود " أَيْ الْمُصَلُّونَ عِنْد الْكَعْبَة.
وَخُصَّ الرُّكُوع وَالسُّجُود بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَقْرَب أَحْوَال الْمُصَلِّي إِلَى اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكُوع وَالسُّجُود لُغَة وَالْحَمْد لِلَّهِ.
لَمَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى " أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي " دَخَلَ فِيهِ بِالْمَعْنَى جَمِيع بُيُوته تَعَالَى، فَيَكُون حُكْمهَا حُكْمه فِي التَّطْهِير وَالنَّظَافَة.
وَإِنَّمَا خُصَّ الْكَعْبَة بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرهَا، أَوْ لِكَوْنِهَا أَعْظَم حُرْمَة، وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي التَّنْزِيل " فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع " [ النُّور : ٣٦ ] وَهُنَاكَ يَأْتِي حُكْم الْمَسَاجِد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْت رَجُل فِي الْمَسْجِد فَقَالَ : مَا هَذَا ! أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ ! ؟ وَقَالَ حُذَيْفَة قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ يَا أَخَا الْمُنْذِرِينَ يَا أَخَا الْمُرْسَلِينَ أَنْذِرْ قَوْمك أَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ سَلِيمَة وَأَلْسِنَة صَادِقَة وَأَيْدٍ نَقِيَّة وَفُرُوج طَاهِرَة وَأَلَّا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي مَا دَامَ لِأَحَدٍ عِنْدهمْ مَظْلِمَة فَإِنِّي أَلْعَنهُ مَا دَامَ قَائِمًا بَيْن يَدَيَّ حَتَّى يَرُدّ تِلْكَ الظُّلَامَة إِلَى أَهْلهَا فَأَكُون سَمْعه الَّذِي يَسْمَع بِهِ وَبَصَره الَّذِي يُبْصِر بِهِ وَيَكُون مِنْ أَوْلِيَائِي وَأَصْفِيَائِي وَيَكُون جَارِي مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ).
اِسْتَدَلَّ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى جَوَاز الصَّلَاة الْفَرْض وَالنَّفْل دَاخِل الْبَيْت.
قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : إِنْ صَلَّى فِي جَوْفهَا مُسْتَقْبِلًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانهَا فَصَلَاته جَائِزَة، وَإِنْ صَلَّى نَحْو الْبَاب وَالْبَاب مَفْتُوح فَصَلَاته بَاطِلَة، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِل مِنْهَا شَيْئًا.
وَقَالَ مَالِك : لَا يُصَلَّى فِيهِ الْفَرْض وَلَا السُّنَن، وَيُصَلَّى فِيهِ التَّطَوُّع، غَيْر أَنَّهُ إِنْ صَلَّى فِيهِ الْفَرْض أَعَادَ فِي الْوَقْت.
وَقَالَ أَصْبَغ : يُعِيد أَبَدًا.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَخْبَرَنِي أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْت دَعَا فِي نَوَاحِيه كُلّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُل الْكَعْبَة رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ) وَهَذَا نَصّ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأُسَامَة بْن زَيْد وَبِلَال وَعُثْمَان بْن طَلْحَة الْحَجَبِيّ الْبَيْت فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب.
فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّل مَنْ وَلَجَ فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلْته : هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ، نَعَمْ بَيْن الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَفِيهِ قَالَ : جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَاره وَعَمُودًا عَنْ يَمِينه وَثَلَاثَة أَعْمِدَة وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ عَلَى سِتَّة أَعْمِدَة.
قُلْنَا : هَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، كَمَا قَالَ أُسَامَة، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى الصَّلَاة الْعُرْفِيَّة، وَإِذَا اِحْتَمَلَ هَذَا وَهَذَا سَقَطَ الِاحْتِجَاج بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره عَنْ أُسَامَة قَالَ : رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُوَرًا فِي الْكَعْبَة فَكُنْت آتِيه بِمَاءٍ فِي الدَّلْو يَضْرِب بِهِ تِلْكَ الصُّوَر.
اِسْتَدَلَّ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى جَوَاز الصَّلَاة الْفَرْض وَالنَّفْل دَاخِل الْبَيْت.
قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : إِنْ صَلَّى فِي جَوْفهَا مُسْتَقْبِلًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانهَا فَصَلَاته جَائِزَة، وَإِنْ صَلَّى نَحْو الْبَاب وَالْبَاب مَفْتُوح فَصَلَاته بَاطِلَة، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِل مِنْهَا شَيْئًا.
وَقَالَ مَالِك : لَا يُصَلَّى فِيهِ الْفَرْض وَلَا السُّنَن، وَيُصَلَّى فِيهِ التَّطَوُّع، غَيْر أَنَّهُ إِنْ صَلَّى فِيهِ الْفَرْض أَعَادَ فِي الْوَقْت.
وَقَالَ أَصْبَغ : يُعِيد أَبَدًا.
قُلْت : وَهُوَ الصَّحِيح، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَخْبَرَنِي أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْت دَعَا فِي نَوَاحِيه كُلّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُل الْكَعْبَة رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ) وَهَذَا نَصّ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأُسَامَة بْن زَيْد وَبِلَال وَعُثْمَان بْن طَلْحَة الْحَجَبِيّ الْبَيْت فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب.
فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّل مَنْ وَلَجَ فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلْته : هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ، نَعَمْ بَيْن الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَفِيهِ قَالَ : جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَاره وَعَمُودًا عَنْ يَمِينه وَثَلَاثَة أَعْمِدَة وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ عَلَى سِتَّة أَعْمِدَة.
قُلْنَا : هَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، كَمَا قَالَ أُسَامَة، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى الصَّلَاة الْعُرْفِيَّة، وَإِذَا اِحْتَمَلَ هَذَا وَهَذَا سَقَطَ الِاحْتِجَاج بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره عَنْ أُسَامَة قَالَ : رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُوَرًا فِي الْكَعْبَة فَكُنْت آتِيه بِمَاءٍ فِي الدَّلْو يَضْرِب بِهِ تِلْكَ الصُّوَر.
وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مِهْرَان قَالَ حَدَّثَنَا عُمَيْر مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد قَالَ : دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَة وَرَأَى صُوَرًا قَالَ : فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاء فَأَتَيْته بِهِ فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَيَقُول :( قَاتَلَ اللَّه قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ ).
فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي حَالَة مُضِيّ أُسَامَة فِي طَلَب الْمَاء فَشَاهَدَ بِلَال مَا لَمْ يُشَاهِدهُ أُسَامَة، فَكَانَ مَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى، وَقَدْ قَالَ أُسَامَة نَفْسه : فَأَخَذَ النَّاس بِقَوْلِ بِلَال وَتَرَكُوا قَوْلِي.
وَقَدْ رَوَى مُجَاهِد عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن الْخَطَّاب : كَيْف صَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين دَخَلَ الْكَعْبَة ؟ قَالَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
قُلْنَا : هَذَا مَحْمُول عَلَى النَّافِلَة، وَلَا نَعْلَم خِلَافًا بَيْن الْعُلَمَاء فِي صِحَّة النَّافِلَة فِي الْكَعْبَة، وَأَمَّا الْفَرْض فَلَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَيَّنَ الْجِهَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ) فَعَيَّنَهَا كَمَا عَيَّنَهَا اللَّه تَعَالَى.
وَلَوْ كَانَ الْفَرْض يَصِحّ دَاخِلهَا لَمَا قَالَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ).
وَبِهَذَا يَصِحّ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاط بَعْضهَا، فَلَا تَعَارُض، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّلَاة عَلَى ظَهْرهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيّ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ مَالِك : مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْر الْكَعْبَة أَعَادَ فِي الْوَقْت.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك : يُعِيد أَبَدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْر الْكَعْبَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا أَيّمَا أَفْضَل الصَّلَاة عِنْد الْبَيْت أَوْ الطَّوَاف بِهِ ؟ فَقَالَ مَالِك : الطَّوَاف لِأَهْلِ الْأَمْصَار أَفْضَل، وَالصَّلَاة لِأَهْلِ مَكَّة أَفْضَل وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء وَمُجَاهِد.
وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الصَّلَاة أَفْضَل.
وَفِي الْخَبَر :( لَوْلَا رِجَال خُشَّع وَشُيُوخ رُكَّع وَأَطْفَال رُضَّع وَبَهَائِم رُتَّع لَصَبَبْنَا عَلَيْكُمْ الْعَذَاب صَبًّا ).
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي كِتَاب ( السَّابِق وَاللَّاحِق ) عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْلَا فِيكُمْ رِجَال خُشَّع وَبَهَائِم رُتَّع وَصِبْيَان رُضَّع لَصُبَّ الْعَذَاب عَلَى الْمُذْنِبِينَ صَبًّا ).
لَمْ يَذْكُر فِيهِ " وَشُيُوخ رُكَّع ".
وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ ( الصَّلَاة خَيْر مَوْضُوع فَاسْتَكْثِرْ أَوْ اِسْتَقِلَّ ).
خَرَّجَهُ الْآجُرِيّ.
وَالْأَخْبَار فِي فَضْل الصَّلَاة وَالسُّجُود كَثِيرَة تَشْهَد لِقَوْلِ الْجُمْهُور، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي حَالَة مُضِيّ أُسَامَة فِي طَلَب الْمَاء فَشَاهَدَ بِلَال مَا لَمْ يُشَاهِدهُ أُسَامَة، فَكَانَ مَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى، وَقَدْ قَالَ أُسَامَة نَفْسه : فَأَخَذَ النَّاس بِقَوْلِ بِلَال وَتَرَكُوا قَوْلِي.
وَقَدْ رَوَى مُجَاهِد عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن الْخَطَّاب : كَيْف صَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين دَخَلَ الْكَعْبَة ؟ قَالَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
قُلْنَا : هَذَا مَحْمُول عَلَى النَّافِلَة، وَلَا نَعْلَم خِلَافًا بَيْن الْعُلَمَاء فِي صِحَّة النَّافِلَة فِي الْكَعْبَة، وَأَمَّا الْفَرْض فَلَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَيَّنَ الْجِهَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ) فَعَيَّنَهَا كَمَا عَيَّنَهَا اللَّه تَعَالَى.
وَلَوْ كَانَ الْفَرْض يَصِحّ دَاخِلهَا لَمَا قَالَ :( هَذِهِ الْقِبْلَة ).
وَبِهَذَا يَصِحّ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاط بَعْضهَا، فَلَا تَعَارُض، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّلَاة عَلَى ظَهْرهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيّ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ مَالِك : مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْر الْكَعْبَة أَعَادَ فِي الْوَقْت.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك : يُعِيد أَبَدًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْر الْكَعْبَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا أَيّمَا أَفْضَل الصَّلَاة عِنْد الْبَيْت أَوْ الطَّوَاف بِهِ ؟ فَقَالَ مَالِك : الطَّوَاف لِأَهْلِ الْأَمْصَار أَفْضَل، وَالصَّلَاة لِأَهْلِ مَكَّة أَفْضَل وَذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء وَمُجَاهِد.
وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الصَّلَاة أَفْضَل.
وَفِي الْخَبَر :( لَوْلَا رِجَال خُشَّع وَشُيُوخ رُكَّع وَأَطْفَال رُضَّع وَبَهَائِم رُتَّع لَصَبَبْنَا عَلَيْكُمْ الْعَذَاب صَبًّا ).
وَذَكَرَ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثَابِت الْخَطِيب فِي كِتَاب ( السَّابِق وَاللَّاحِق ) عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْلَا فِيكُمْ رِجَال خُشَّع وَبَهَائِم رُتَّع وَصِبْيَان رُضَّع لَصُبَّ الْعَذَاب عَلَى الْمُذْنِبِينَ صَبًّا ).
لَمْ يَذْكُر فِيهِ " وَشُيُوخ رُكَّع ".
وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ ( الصَّلَاة خَيْر مَوْضُوع فَاسْتَكْثِرْ أَوْ اِسْتَقِلَّ ).
خَرَّجَهُ الْآجُرِيّ.
وَالْأَخْبَار فِي فَضْل الصَّلَاة وَالسُّجُود كَثِيرَة تَشْهَد لِقَوْلِ الْجُمْهُور، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا
" بَلَدًا آمِنًا " يَعْنِي مَكَّة، فَدَعَا لِذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرهمْ بِالْأَمْنِ وَرَغَد الْعَيْش.
فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاء أَمَرَ اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل فَاقْتَلَعَ الطَّائِف مِنْ الشَّام فَطَافَ بِهَا حَوْل الْبَيْت أُسْبُوعًا، فَسُمِّيَتْ الطَّائِف لِذَلِكَ، ثُمَّ أَنْزَلَهَا تِهَامَة، وَكَانَتْ مَكَّة وَمَا يَلِيهَا حِين ذَلِكَ قَفْرًا لَا مَاء وَلَا نَبَات، فَبَارَكَ اللَّه فِيمَا حَوْلهَا كَالطَّائِفِ وَغَيْرهَا، وَأَنْبَتَ فِيهَا أَنْوَاع الثَّمَرَات، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَكَّة هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إِبْرَاهِيم أَوْ كَانَتْ قَبْله كَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا مِنْ الْجَبَابِرَة الْمُسَلَّطِينَ، وَمِنْ الْخُسُوف وَالزَّلَازِل، وَسَائِر الْمَثُلَات الَّتِي تَحِلّ بِالْبِلَادِ، وَجَعَلَ فِي النُّفُوس الْمُتَمَرِّدَة مِنْ تَعْظِيمهَا وَالْهَيْبَة لَهَا مَا صَارَ بِهِ أَهْلهَا مُتَمَيِّزِينَ بِالْأَمْنِ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى.
وَلَقَدْ جَعَلَ فِيهَا سُبْحَانه مِنْ الْعَلَامَة الْعَظِيمَة عَلَى تَوْحِيده مَا شُوهِدَ مِنْ أَمْر الصَّيْد فِيهَا، فَيَجْتَمِع فِيهَا الْكَلْب وَالصَّيْد فَلَا يُهَيِّج الْكَلْب الصَّيْد وَلَا يَنْفِر مِنْهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَا مِنْ الْحَرَم عَدَا الْكَلْب عَلَيْهِ وَعَادَ إِلَى النُّفُور وَالْهَرَب.
وَإِنَّمَا سَأَلَ إِبْرَاهِيم رَبّه أَنْ يَجْعَلهَا آمِنًا مِنْ الْقَحْط وَالْجَدْب وَالْغَارَات، وَأَنْ يَرْزُق أَهْله مِنْ الثَّمَرَات، لَا عَلَى مَا ظَنَّهُ بَعْض النَّاس أَنَّهُ الْمَنْع مِنْ سَفْك الدَّم فِي حَقّ مَنْ لَزِمَهُ الْقَتْل، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِد كَوْنه مَقْصُودًا لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُقَال : طَلَبَ مِنْ اللَّه أَنْ يَكُون فِي شَرْعه تَحْرِيم قَتْل مَنْ اِلْتَجَأَ إِلَى الْحَرَم، هَذَا بَعِيد جِدًّا.
أَنَّ مَكَّة كَانَتْ حَلَالًا قَبْل دَعْوَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَسَائِرِ الْبِلَاد، وَأَنَّ بِدَعْوَتِهِ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا كَمَا صَارَتْ الْمَدِينَة بِتَحْرِيمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنًا بَعْد أَنْ كَانَتْ حَلَالًا.
اِحْتَجَّ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَتْح مَكَّة ( إِنَّ هَذَا الْبَلَد حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَال فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يُعْضَد شَوْكه وَلَا يُنَفَّر صَيْده وَلَا تُلْتَقَط لُقَطَته إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ) فَقَالَ الْعَبَّاس : يَا رَسُول اللَّه إِلَّا الْإِذْخِر فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ :( إِلَّا الْإِذْخِر ).
وَنَحْوه حَدِيث أَبِي شُرَيْح، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم وَغَيْره.
" بَلَدًا آمِنًا " يَعْنِي مَكَّة، فَدَعَا لِذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرهمْ بِالْأَمْنِ وَرَغَد الْعَيْش.
فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاء أَمَرَ اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل فَاقْتَلَعَ الطَّائِف مِنْ الشَّام فَطَافَ بِهَا حَوْل الْبَيْت أُسْبُوعًا، فَسُمِّيَتْ الطَّائِف لِذَلِكَ، ثُمَّ أَنْزَلَهَا تِهَامَة، وَكَانَتْ مَكَّة وَمَا يَلِيهَا حِين ذَلِكَ قَفْرًا لَا مَاء وَلَا نَبَات، فَبَارَكَ اللَّه فِيمَا حَوْلهَا كَالطَّائِفِ وَغَيْرهَا، وَأَنْبَتَ فِيهَا أَنْوَاع الثَّمَرَات، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَكَّة هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِسُؤَالِ إِبْرَاهِيم أَوْ كَانَتْ قَبْله كَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حَرَمًا مِنْ الْجَبَابِرَة الْمُسَلَّطِينَ، وَمِنْ الْخُسُوف وَالزَّلَازِل، وَسَائِر الْمَثُلَات الَّتِي تَحِلّ بِالْبِلَادِ، وَجَعَلَ فِي النُّفُوس الْمُتَمَرِّدَة مِنْ تَعْظِيمهَا وَالْهَيْبَة لَهَا مَا صَارَ بِهِ أَهْلهَا مُتَمَيِّزِينَ بِالْأَمْنِ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى.
وَلَقَدْ جَعَلَ فِيهَا سُبْحَانه مِنْ الْعَلَامَة الْعَظِيمَة عَلَى تَوْحِيده مَا شُوهِدَ مِنْ أَمْر الصَّيْد فِيهَا، فَيَجْتَمِع فِيهَا الْكَلْب وَالصَّيْد فَلَا يُهَيِّج الْكَلْب الصَّيْد وَلَا يَنْفِر مِنْهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَا مِنْ الْحَرَم عَدَا الْكَلْب عَلَيْهِ وَعَادَ إِلَى النُّفُور وَالْهَرَب.
وَإِنَّمَا سَأَلَ إِبْرَاهِيم رَبّه أَنْ يَجْعَلهَا آمِنًا مِنْ الْقَحْط وَالْجَدْب وَالْغَارَات، وَأَنْ يَرْزُق أَهْله مِنْ الثَّمَرَات، لَا عَلَى مَا ظَنَّهُ بَعْض النَّاس أَنَّهُ الْمَنْع مِنْ سَفْك الدَّم فِي حَقّ مَنْ لَزِمَهُ الْقَتْل، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِد كَوْنه مَقْصُودًا لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُقَال : طَلَبَ مِنْ اللَّه أَنْ يَكُون فِي شَرْعه تَحْرِيم قَتْل مَنْ اِلْتَجَأَ إِلَى الْحَرَم، هَذَا بَعِيد جِدًّا.
أَنَّ مَكَّة كَانَتْ حَلَالًا قَبْل دَعْوَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَسَائِرِ الْبِلَاد، وَأَنَّ بِدَعْوَتِهِ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا كَمَا صَارَتْ الْمَدِينَة بِتَحْرِيمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنًا بَعْد أَنْ كَانَتْ حَلَالًا.
اِحْتَجَّ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَتْح مَكَّة ( إِنَّ هَذَا الْبَلَد حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَال فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يُعْضَد شَوْكه وَلَا يُنَفَّر صَيْده وَلَا تُلْتَقَط لُقَطَته إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ) فَقَالَ الْعَبَّاس : يَا رَسُول اللَّه إِلَّا الْإِذْخِر فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ :( إِلَّا الْإِذْخِر ).
وَنَحْوه حَدِيث أَبِي شُرَيْح، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم وَغَيْره.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَاصِم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ إِبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيم مَكَّة وَإِنِّي دَعَوْت فِي صَاعهَا وَمُدّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم لِأَهْلِ مَكَّة ).
قَالَ اِبْن عَطِيَّة :" وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَوَّل إِخْبَار بِسَابِقِ عِلْم اللَّه فِيهَا وَقَضَائِهِ، وَكَوْن الْحُرْمَة مُدَّة آدَم وَأَوْقَات عِمَارَة الْقُطْر بِإِيمَانٍ.
وَالثَّانِي إِخْبَار بِتَجْدِيدِ إِبْرَاهِيم لِحُرْمَتِهَا وَإِظْهَاره ذَلِكَ بَعْد الدُّثُور، وَكَانَ الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِي يَوْم الْفَتْح إِخْبَارًا بِتَعْظِيمِ حُرْمَة مَكَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِسْنَادِ التَّحْرِيم إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيم عِنْد تَحْرِيم الْمَدِينَة مِثَالًا لِنَفْسِهِ، وَلَا مَحَالَة أَنَّ تَحْرِيم الْمَدِينَة هُوَ أَيْضًا مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى وَمِنْ نَافِذ قَضَائِهِ وَسَابِق عِلْمه ".
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : كَانَتْ مَكَّة حَرَامًا فَلَمْ يَتَعَبَّد اللَّه الْخَلْق بِذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ إِبْرَاهِيم فَحَرَّمَهَا.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة :" وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَوَّل إِخْبَار بِسَابِقِ عِلْم اللَّه فِيهَا وَقَضَائِهِ، وَكَوْن الْحُرْمَة مُدَّة آدَم وَأَوْقَات عِمَارَة الْقُطْر بِإِيمَانٍ.
وَالثَّانِي إِخْبَار بِتَجْدِيدِ إِبْرَاهِيم لِحُرْمَتِهَا وَإِظْهَاره ذَلِكَ بَعْد الدُّثُور، وَكَانَ الْقَوْل الْأَوَّل مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِي يَوْم الْفَتْح إِخْبَارًا بِتَعْظِيمِ حُرْمَة مَكَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِسْنَادِ التَّحْرِيم إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَذَكَرَ إِبْرَاهِيم عِنْد تَحْرِيم الْمَدِينَة مِثَالًا لِنَفْسِهِ، وَلَا مَحَالَة أَنَّ تَحْرِيم الْمَدِينَة هُوَ أَيْضًا مِنْ قِبَل اللَّه تَعَالَى وَمِنْ نَافِذ قَضَائِهِ وَسَابِق عِلْمه ".
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : كَانَتْ مَكَّة حَرَامًا فَلَمْ يَتَعَبَّد اللَّه الْخَلْق بِذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ إِبْرَاهِيم فَحَرَّمَهَا.
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
تَقَدَّمَ مَعْنَى الرِّزْق.
وَالثَّمَرَات جَمْع ثَمَرَة، قَدْ تَقَدَّمَ.
" مَنْ آمَنَ " بَدَل مِنْ أَهْل، بَدَل الْبَعْض مِنْ الْكُلّ.
وَالْإِيمَان : التَّصْدِيق، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
تَقَدَّمَ مَعْنَى الرِّزْق.
وَالثَّمَرَات جَمْع ثَمَرَة، قَدْ تَقَدَّمَ.
" مَنْ آمَنَ " بَدَل مِنْ أَهْل، بَدَل الْبَعْض مِنْ الْكُلّ.
وَالْإِيمَان : التَّصْدِيق، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
" قَالَ وَمَنْ كَفَرَ " " مَنْ " فِي قَوْله " وَمَنْ كَفَرَ " فِي مَوْضِع نَصْب، وَالتَّقْدِير وَارْزُقْ مَنْ كَفَرَ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَهِيَ شَرْط وَالْخَبَر " فَأُمَتِّعهُ " وَهُوَ الْجَوَاب.
وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى أَوْ مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ؟ فَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمَا : هُوَ مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَقَرَءُوا " فَأُمَتِّعهُ " بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْح الْمِيم وَتَشْدِيد التَّاء.
" ثُمَّ أَضْطَرّهُ " بِقَطْعِ الْأَلِف وَضَمّ الرَّاء، وَكَذَلِكَ الْقُرَّاء السَّبْعَة خَلَا اِبْن عَامِر فَإِنَّهُ سَكَّنَ الْمِيم وَخَفَّفَ التَّاء.
وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج أَنَّ فِي قِرَاءَة أُبَيّ " فَنُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرّهُ " بِالنُّونِ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وقَتَادَة : هَذَا الْقَوْل مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَرَءُوا " فَأَمْتِعهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمِيم، " ثُمَّ اضْطَرَّهُ " بِوَصْلِ الْأَلِف وَفَتْح الرَّاء، فَكَأَنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى الْكَافِرِينَ، وَعَلَيْهِ فَيَكُون الضَّمِير فِي " قَالَ " لِإِبْرَاهِيم، وَأُعِيدَ " قَالَ " لِطُولِ الْكَلَام، أَوْ لِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّعَاء لِقَوْمٍ إِلَى الدُّعَاء عَلَى آخَرِينَ.
وَالْفَاعِل فِي " قَالَ " عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس، وَجَعَلَ الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمِيم وَوَصْل الْأَلِف شَاذَّة، قَالَ : وَنَسَق الْكَلَام وَالتَّفْسِير جَمِيعًا يَدُلَّانِ عَلَى غَيْرهَا، أَمَّا نَسَق الْكَلَام فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى خَبَّرَ عَنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :" رَبّ اِجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا " ثُمَّ جَاءَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " وَلَمْ يَفْصِل بَيْنه بِقَالَ، ثُمَّ قَالَ بَعْد :" قَالَ وَمَنْ كَفَرَ " فَكَانَ هَذَا جَوَابًا مِنْ اللَّه، وَلَمْ يَقُلْ بَعْد : قَالَ إِبْرَاهِيم.
وَأَمَّا التَّفْسِير فَقَدْ صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُحَمَّد بْن كَعْب.
وَهَذَا لَفْظ اِبْن عَبَّاس : دَعَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِمَنْ آمَنَ دُون النَّاس خَاصَّة، فَأَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَرْزُق مَنْ كَفَرَ كَمَا يَرْزُق مَنْ آمَنَ، وَأَنَّهُ يُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْطَرّهُ إِلَى عَذَاب النَّار.
قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك " [ الْإِسْرَاء : ٢٠ ] وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ " [ هُود : ٤٨ ].
قَالَ أَبُو إِسْحَاق : إِنَّمَا عَلِمَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ فِي ذُرِّيَّته كُفَّارًا فَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ".
" قَالَ وَمَنْ كَفَرَ " " مَنْ " فِي قَوْله " وَمَنْ كَفَرَ " فِي مَوْضِع نَصْب، وَالتَّقْدِير وَارْزُقْ مَنْ كَفَرَ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَهِيَ شَرْط وَالْخَبَر " فَأُمَتِّعهُ " وَهُوَ الْجَوَاب.
وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى أَوْ مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ؟ فَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن إِسْحَاق وَغَيْرهمَا : هُوَ مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَقَرَءُوا " فَأُمَتِّعهُ " بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْح الْمِيم وَتَشْدِيد التَّاء.
" ثُمَّ أَضْطَرّهُ " بِقَطْعِ الْأَلِف وَضَمّ الرَّاء، وَكَذَلِكَ الْقُرَّاء السَّبْعَة خَلَا اِبْن عَامِر فَإِنَّهُ سَكَّنَ الْمِيم وَخَفَّفَ التَّاء.
وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج أَنَّ فِي قِرَاءَة أُبَيّ " فَنُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرّهُ " بِالنُّونِ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وقَتَادَة : هَذَا الْقَوْل مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَرَءُوا " فَأَمْتِعهُ " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمِيم، " ثُمَّ اضْطَرَّهُ " بِوَصْلِ الْأَلِف وَفَتْح الرَّاء، فَكَأَنَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى الْكَافِرِينَ، وَعَلَيْهِ فَيَكُون الضَّمِير فِي " قَالَ " لِإِبْرَاهِيم، وَأُعِيدَ " قَالَ " لِطُولِ الْكَلَام، أَوْ لِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّعَاء لِقَوْمٍ إِلَى الدُّعَاء عَلَى آخَرِينَ.
وَالْفَاعِل فِي " قَالَ " عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس، وَجَعَلَ الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمِيم وَوَصْل الْأَلِف شَاذَّة، قَالَ : وَنَسَق الْكَلَام وَالتَّفْسِير جَمِيعًا يَدُلَّانِ عَلَى غَيْرهَا، أَمَّا نَسَق الْكَلَام فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى خَبَّرَ عَنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :" رَبّ اِجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا " ثُمَّ جَاءَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " وَلَمْ يَفْصِل بَيْنه بِقَالَ، ثُمَّ قَالَ بَعْد :" قَالَ وَمَنْ كَفَرَ " فَكَانَ هَذَا جَوَابًا مِنْ اللَّه، وَلَمْ يَقُلْ بَعْد : قَالَ إِبْرَاهِيم.
وَأَمَّا التَّفْسِير فَقَدْ صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُحَمَّد بْن كَعْب.
وَهَذَا لَفْظ اِبْن عَبَّاس : دَعَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِمَنْ آمَنَ دُون النَّاس خَاصَّة، فَأَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَرْزُق مَنْ كَفَرَ كَمَا يَرْزُق مَنْ آمَنَ، وَأَنَّهُ يُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْطَرّهُ إِلَى عَذَاب النَّار.
قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك " [ الْإِسْرَاء : ٢٠ ] وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :" وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ " [ هُود : ٤٨ ].
قَالَ أَبُو إِسْحَاق : إِنَّمَا عَلِمَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ فِي ذُرِّيَّته كُفَّارًا فَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ".
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
الْقَوَاعِد : أَسَاسه، فِي قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَالْفَرَّاء.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ الْجَدْر.
وَالْمَعْرُوف أَنَّهَا الْأَسَاس.
وَفِي الْحَدِيث :( إِنَّ الْبَيْت لَمَّا هُدِمَ أُخْرِجَتْ مِنْهُ حِجَارَة عِظَام ) فَقَالَ اِبْن الزُّبَيْر : هَذِهِ الْقَوَاعِد الَّتِي رَفَعَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقِيلَ : إِنَّ الْقَوَاعِد كَانَتْ قَدْ اِنْدَرَسَتْ فَأَطْلَعَ اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهَا.
اِبْن عَبَّاس : وَضَعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان رَآهَا قَبْل أَنْ تُخْلَق الدُّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْته.
وَالْقَوَاعِد وَاحِدَتهَا قَاعِدَة.
وَالْقَوَاعِد مِنْ النِّسَاء وَاحِدهَا قَاعِد.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِيمَنْ بَنَى الْبَيْت أَوَّلًا وَأَسَّسَهُ، فَقِيلَ : الْمَلَائِكَة.
رُوِيَ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد قَالَ : سُئِلَ أَبِي وَأَنَا حَاضِر عَنْ بَدْء خَلْق الْبَيْت فَقَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَالَ :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] قَالَتْ الْمَلَائِكَة :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، فَعَاذُوا بِعَرْشِهِ وَطَافُوا حَوْله سَبْعَة أَشْوَاط يَسْتَرْضُونَ رَبّهمْ حَتَّى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ : اِبْنُوا لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض يَتَعَوَّذ بِهِ مَنْ سَخِطْت عَلَيْهِ مِنْ بَنِي آدَم، وَيَطُوف حَوْله كَمَا طُفْتُمْ حَوْل عَرْشِي، فَأَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيت عَنْكُمْ، فَبَنَوْا هَذَا الْبَيْت.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى آدَم : إِذَا هَبَطْت اِبْنِ لِي بَيْتًا ثُمَّ اُحْفُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَحُفّ بِعَرْشِي الَّذِي فِي السَّمَاء.
قَالَ عَطَاء : فَزَعَمَ النَّاس أَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء، وَمِنْ طُور سِينَا، وَمِنْ لُبْنَان، وَمِنْ الْجُودِيّ، وَمِنْ طُور زيتا، وَكَانَ رُبْضه مِنْ حِرَاء.
قَالَ الْخَلِيل : وَالرُّبُض هَاهُنَا الْأَسَاس الْمُسْتَدِير بِالْبَيْتِ مِنْ الصَّخْر، وَمِنْهُ يُقَال لِمَا حَوْل الْمَدِينَة : رَبَض.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَم مِنْ الْجَنَّة إِلَى الْأَرْض قَالَ لَهُ : يَا آدَم، اِذْهَبْ فَابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي عِنْده كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَصْنَع حَوْل عَرْشِي، فَأَقْبَلَ آدَم يَتَخَطَّى وَطُوِيَتْ لَهُ الْأَرْض، وَقُبِضَتْ لَهُ الْمَفَازَة، فَلَا يَقَع قَدَمه عَلَى شَيْء مِنْ الْأَرْض إِلَّا صَارَ عُمْرَانًا حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَوْضِع الْبَيْت الْحَرَام، وَأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ الْأَرْض فَأَبْرَزَ عَنْ أُسّ ثَابِت عَلَى الْأَرْض السَّابِعَة السُّفْلَى، وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة بِالصَّخْرِ، فَمَا يُطِيق الصَّخْرَة مِنْهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَأَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل كَمَا ذَكَرْنَا.
الْقَوَاعِد : أَسَاسه، فِي قَوْل أَبِي عُبَيْدَة وَالْفَرَّاء.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ الْجَدْر.
وَالْمَعْرُوف أَنَّهَا الْأَسَاس.
وَفِي الْحَدِيث :( إِنَّ الْبَيْت لَمَّا هُدِمَ أُخْرِجَتْ مِنْهُ حِجَارَة عِظَام ) فَقَالَ اِبْن الزُّبَيْر : هَذِهِ الْقَوَاعِد الَّتِي رَفَعَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقِيلَ : إِنَّ الْقَوَاعِد كَانَتْ قَدْ اِنْدَرَسَتْ فَأَطْلَعَ اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهَا.
اِبْن عَبَّاس : وَضَعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان رَآهَا قَبْل أَنْ تُخْلَق الدُّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْته.
وَالْقَوَاعِد وَاحِدَتهَا قَاعِدَة.
وَالْقَوَاعِد مِنْ النِّسَاء وَاحِدهَا قَاعِد.
وَاخْتَلَفَ النَّاس فِيمَنْ بَنَى الْبَيْت أَوَّلًا وَأَسَّسَهُ، فَقِيلَ : الْمَلَائِكَة.
رُوِيَ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد قَالَ : سُئِلَ أَبِي وَأَنَا حَاضِر عَنْ بَدْء خَلْق الْبَيْت فَقَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَالَ :" إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] قَالَتْ الْمَلَائِكَة :" أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك " [ الْبَقَرَة : ٣٠ ] فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، فَعَاذُوا بِعَرْشِهِ وَطَافُوا حَوْله سَبْعَة أَشْوَاط يَسْتَرْضُونَ رَبّهمْ حَتَّى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ : اِبْنُوا لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض يَتَعَوَّذ بِهِ مَنْ سَخِطْت عَلَيْهِ مِنْ بَنِي آدَم، وَيَطُوف حَوْله كَمَا طُفْتُمْ حَوْل عَرْشِي، فَأَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيت عَنْكُمْ، فَبَنَوْا هَذَا الْبَيْت.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء وَابْن الْمُسَيِّب وَغَيْرهمَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى آدَم : إِذَا هَبَطْت اِبْنِ لِي بَيْتًا ثُمَّ اُحْفُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَحُفّ بِعَرْشِي الَّذِي فِي السَّمَاء.
قَالَ عَطَاء : فَزَعَمَ النَّاس أَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء، وَمِنْ طُور سِينَا، وَمِنْ لُبْنَان، وَمِنْ الْجُودِيّ، وَمِنْ طُور زيتا، وَكَانَ رُبْضه مِنْ حِرَاء.
قَالَ الْخَلِيل : وَالرُّبُض هَاهُنَا الْأَسَاس الْمُسْتَدِير بِالْبَيْتِ مِنْ الصَّخْر، وَمِنْهُ يُقَال لِمَا حَوْل الْمَدِينَة : رَبَض.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَم مِنْ الْجَنَّة إِلَى الْأَرْض قَالَ لَهُ : يَا آدَم، اِذْهَبْ فَابْنِ لِي بَيْتًا وَطُفْ بِهِ وَاذْكُرْنِي عِنْده كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَصْنَع حَوْل عَرْشِي، فَأَقْبَلَ آدَم يَتَخَطَّى وَطُوِيَتْ لَهُ الْأَرْض، وَقُبِضَتْ لَهُ الْمَفَازَة، فَلَا يَقَع قَدَمه عَلَى شَيْء مِنْ الْأَرْض إِلَّا صَارَ عُمْرَانًا حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَوْضِع الْبَيْت الْحَرَام، وَأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ الْأَرْض فَأَبْرَزَ عَنْ أُسّ ثَابِت عَلَى الْأَرْض السَّابِعَة السُّفْلَى، وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة بِالصَّخْرِ، فَمَا يُطِيق الصَّخْرَة مِنْهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَأَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْض الْأَخْبَار : أَنَّهُ أُهْبِطَ لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام خَيْمَة مِنْ خِيَام الْجَنَّة، فَضُرِبَتْ فِي مَوْضِع الْكَعْبَة لِيَسْكُن إِلَيْهَا وَيَطُوف حَوْلهَا، فَلَمْ تَزَلْ بَاقِيَة حَتَّى قَبَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ آدَم ثُمَّ رُفِعَتْ.
وَهَذَا مِنْ طَرِيق وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَفِي رِوَايَة : أَنَّهُ أُهْبِطَ مَعَهُ بَيْت فَكَانَ يَطُوف بِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ وَلَده كَذَلِكَ إِلَى زَمَان الْغَرَق، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّه فَصَارَ فِي السَّمَاء، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى الْبَيْت الْمَعْمُور.
رُوِيَ هَذَا عَنْ قَتَادَة ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيّ فِي كِتَاب " مِنْهَاج الدِّين " لَهُ، وَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى مَا قَالَ قَتَادَة مِنْ أَنَّهُ أُهْبِطَ مَعَ آدَم بَيْت، أَيْ أُهْبِطَ مَعَهُ مِقْدَار الْبَيْت الْمَعْمُور طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ : اِبْنِ بِقَدْرِهِ، وَتَحَرَّى أَنْ يَكُون بِحِيَالِهِ، فَكَانَ حِيَاله مَوْضِع الْكَعْبَة، فَبَنَاهَا فِيهِ.
وَأَمَّا الْخَيْمَة فَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون أُنْزِلَتْ وَضُرِبَتْ فِي مَوْضِع الْكَعْبَة، فَلَمَّا أُمِرَ بِبِنَائِهَا فَبَنَاهَا كَانَتْ حَوْل الْكَعْبَة طُمَأْنِينَة لِقَلْبِ آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ ثُمَّ رُفِعَتْ، فَتَتَّفِق هَذِهِ الْأَخْبَار.
فَهَذَا بِنَاء آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ بَنَاهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ نَاس : أَرْسَلَ اللَّه سَحَابَة فِيهَا رَأْس، فَقَالَ الرَّأْس : يَا إِبْرَاهِيم، إِنَّ رَبّك يَأْمُرك أَنْ تَأْخُذ بِقَدْرِ هَذِهِ السَّحَابَة، فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَخُطّ قَدْرهَا، ثُمَّ قَالَ الرَّأْس : إِنَّهُ قَدْ فَعَلْت، فَحَفَرَ فَأُبْرِزَ عَنْ أَسَاس ثَابِت فِي الْأَرْض.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ إِبْرَاهِيم بِعِمَارَةِ الْبَيْت خَرَجَ مِنْ الشَّام وَمَعَهُ اِبْنه إِسْمَاعِيل وَأُمّه هَاجَر، وَبَعَثَ مَعَهُ السَّكِينَة لَهَا لِسَان تَتَكَلَّم بِهِ يَغْدُو مَعَهَا إِبْرَاهِيم إِذَا غَدَتْ، وَيَرُوح مَعَهَا إِذَا رَاحَتْ، حَتَّى اِنْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَكَّة، فَقَالَتْ لِإِبْرَاهِيم : اِبْنِ عَلَى مَوْضِعِي الْأَسَاس، فَرَفَعَ الْبَيْت هُوَ وَإِسْمَاعِيل حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَوْضِع الرُّكْن، فَقَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيّ، اِبْغِنِي حَجَرًا أَجْعَلهُ عَلَمًا لِلنَّاسِ، فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ : اِبْغِنِي غَيْره فَذَهَبَ يَلْتَمِس، فَجَاءَهُ وَقَدْ أَتَى بِالرُّكْنِ فَوَضَعَهُ مَوْضِعه، فَقَالَ : يَا أَبَة، مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْحَجَر ؟ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَكِلنِي إِلَيْك.
اِبْن عَبَّاس : صَالِح أَبُو قُبَيْس : يَا إِبْرَاهِيم، يَا خَلِيل الرَّحْمَن، إِنَّ لَك عِنْدِي وَدِيعَة فَخُذْهَا، فَإِذَا هُوَ بِحَجَرٍ أَبْيَض مِنْ يَاقُوت الْجَنَّة كَانَ آدَم قَدْ نَزَلَ بِهِ مِنْ الْجَنَّة، فَلَمَّا رَفَعَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت جَاءَتْ سَحَابَة مُرَبَّعَة فِيهَا رَأْس فَنَادَتْ : أَنْ اِرْفَعَا عَلَى تَرْبِيعِي.
فَهَذَا بِنَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل لَمَّا فَرَغَا مِنْ بِنَاء الْبَيْت أَعْطَاهُمَا اللَّه الْخَيْل جَزَاء عَنْ رَفْع قَوَاعِد الْبَيْت.
وَهَذَا مِنْ طَرِيق وَهْب بْن مُنَبِّه.
وَفِي رِوَايَة : أَنَّهُ أُهْبِطَ مَعَهُ بَيْت فَكَانَ يَطُوف بِهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ وَلَده كَذَلِكَ إِلَى زَمَان الْغَرَق، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّه فَصَارَ فِي السَّمَاء، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى الْبَيْت الْمَعْمُور.
رُوِيَ هَذَا عَنْ قَتَادَة ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيّ فِي كِتَاب " مِنْهَاج الدِّين " لَهُ، وَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى مَا قَالَ قَتَادَة مِنْ أَنَّهُ أُهْبِطَ مَعَ آدَم بَيْت، أَيْ أُهْبِطَ مَعَهُ مِقْدَار الْبَيْت الْمَعْمُور طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ : اِبْنِ بِقَدْرِهِ، وَتَحَرَّى أَنْ يَكُون بِحِيَالِهِ، فَكَانَ حِيَاله مَوْضِع الْكَعْبَة، فَبَنَاهَا فِيهِ.
وَأَمَّا الْخَيْمَة فَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون أُنْزِلَتْ وَضُرِبَتْ فِي مَوْضِع الْكَعْبَة، فَلَمَّا أُمِرَ بِبِنَائِهَا فَبَنَاهَا كَانَتْ حَوْل الْكَعْبَة طُمَأْنِينَة لِقَلْبِ آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ ثُمَّ رُفِعَتْ، فَتَتَّفِق هَذِهِ الْأَخْبَار.
فَهَذَا بِنَاء آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ بَنَاهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ نَاس : أَرْسَلَ اللَّه سَحَابَة فِيهَا رَأْس، فَقَالَ الرَّأْس : يَا إِبْرَاهِيم، إِنَّ رَبّك يَأْمُرك أَنْ تَأْخُذ بِقَدْرِ هَذِهِ السَّحَابَة، فَجَعَلَ يَنْظُر إِلَيْهَا وَيَخُطّ قَدْرهَا، ثُمَّ قَالَ الرَّأْس : إِنَّهُ قَدْ فَعَلْت، فَحَفَرَ فَأُبْرِزَ عَنْ أَسَاس ثَابِت فِي الْأَرْض.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ إِبْرَاهِيم بِعِمَارَةِ الْبَيْت خَرَجَ مِنْ الشَّام وَمَعَهُ اِبْنه إِسْمَاعِيل وَأُمّه هَاجَر، وَبَعَثَ مَعَهُ السَّكِينَة لَهَا لِسَان تَتَكَلَّم بِهِ يَغْدُو مَعَهَا إِبْرَاهِيم إِذَا غَدَتْ، وَيَرُوح مَعَهَا إِذَا رَاحَتْ، حَتَّى اِنْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَكَّة، فَقَالَتْ لِإِبْرَاهِيم : اِبْنِ عَلَى مَوْضِعِي الْأَسَاس، فَرَفَعَ الْبَيْت هُوَ وَإِسْمَاعِيل حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَوْضِع الرُّكْن، فَقَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيّ، اِبْغِنِي حَجَرًا أَجْعَلهُ عَلَمًا لِلنَّاسِ، فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ : اِبْغِنِي غَيْره فَذَهَبَ يَلْتَمِس، فَجَاءَهُ وَقَدْ أَتَى بِالرُّكْنِ فَوَضَعَهُ مَوْضِعه، فَقَالَ : يَا أَبَة، مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْحَجَر ؟ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَكِلنِي إِلَيْك.
اِبْن عَبَّاس : صَالِح أَبُو قُبَيْس : يَا إِبْرَاهِيم، يَا خَلِيل الرَّحْمَن، إِنَّ لَك عِنْدِي وَدِيعَة فَخُذْهَا، فَإِذَا هُوَ بِحَجَرٍ أَبْيَض مِنْ يَاقُوت الْجَنَّة كَانَ آدَم قَدْ نَزَلَ بِهِ مِنْ الْجَنَّة، فَلَمَّا رَفَعَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت جَاءَتْ سَحَابَة مُرَبَّعَة فِيهَا رَأْس فَنَادَتْ : أَنْ اِرْفَعَا عَلَى تَرْبِيعِي.
فَهَذَا بِنَاء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل لَمَّا فَرَغَا مِنْ بِنَاء الْبَيْت أَعْطَاهُمَا اللَّه الْخَيْل جَزَاء عَنْ رَفْع قَوَاعِد الْبَيْت.
رَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَبِي عُمَر حَدَّثَنِي نُعَيْم بْن حَمَّاد حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن هَمَّام أَخُو عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الْخَيْل وَحْشًا كَسَائِرِ الْوَحْش، فَلَمَّا أَذِنَ اللَّه لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بِرَفْعِ الْقَوَاعِد قَالَ اللَّه تَبَارَكَ اِسْمه :( إِنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا اِدَّخَرْته لَكُمَا ) ثُمَّ أَوْحَى إِلَى إِسْمَاعِيل أَنْ اُخْرُجْ إِلَى أَجْيَاد فَادْعُ يَأْتِك الْكَنْز.
فَخَرَجَ إِلَى أَجْيَاد - وَكَانَتْ وَطَنًا - وَلَا يَدْرِي مَا الدُّعَاء وَلَا الْكَنْز، فَأَلْهَمَهُ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْه الْأَرْض فَرَس بِأَرْضِ الْعَرَب إِلَّا جَاءَتْهُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَوَاصِيهَا وَذَلَّلَهَا لَهُ، فَارْكَبُوهَا وَاعْلِفُوهَا فَإِنَّهَا مَيَامِين، وَهِيَ مِيرَاث أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيل، فَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفَرَس عَرَبِيًّا لِأَنَّ إِسْمَاعِيل أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَإِيَّاهُ أَتَى.
وَرَوَى عَبْد الْمُنْعِم بْن إِدْرِيس عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه، قَالَ : أَوَّل مَنْ بَنَى الْبَيْت بِالطِّينِ وَالْحِجَارَة شِيث عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأَمَّا بُنْيَان قُرَيْش لَهُ فَمَشْهُور، وَخَبَر الْحَيَّة فِي ذَلِكَ مَذْكُور، وَكَانَتْ تَمْنَعهُمْ مِنْ هَدْمه إِلَى أَنْ اِجْتَمَعَتْ قُرَيْش عِنْد الْمَقَام فَعَجُّوا إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقَالُوا : رَبّنَا، لَمْ تُرَعْ، أَرَدْنَا تَشْرِيف بَيْتك وَتَزْيِينه، فَإِنْ كُنْت تَرْضَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا بَدَا لَك فَافْعَلْ، فَسَمِعُوا خَوَاتًا مِنْ السَّمَاء - وَالْخَوَات : حَفِيف جَنَاح الطَّيْر الضَّخْم - فَإِذَا هُوَ بِطَائِرٍ أَعْظَم مِنْ النَّسْر، أَسْوَد الظَّهْر أَبْيَض الْبَطْن وَالرِّجْلَيْنِ، فَغَرَزَ مَخَالِيبه فِي قَفَا الْحَيَّة، ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهَا تَجُرّ ذَنَبهَا أَعْظَم مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى اِنْطَلَقَ بِهَا نَحْو أَجْيَاد، فَهَدَمَتْهَا قُرَيْش وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي تَحْمِلهَا قُرَيْش عَلَى رِقَابهَا، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاء عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِل حِجَارَة مِنْ أَجْيَاد وَعَلَيْهِ نَمِرَة فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَة فَذَهَبَ يَرْفَع النَّمِرَة عَلَى عَاتِقه، فَتُرَى عَوْرَته مِنْ صِغَر النَّمِرَة، فَنُودِيَ : يَا مُحَمَّد، خَمِّرْ عَوْرَتك، فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْد.
وَكَانَ بَيْن بُنْيَان الْكَعْبَة وَبَيْن مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمْس سِنِينَ، وَبَيْن مَخْرَجه وَبِنَائِهَا خَمْس عَشْرَة سَنَة.
ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان عَنْ أَبِي الطُّفَيْل.
فَخَرَجَ إِلَى أَجْيَاد - وَكَانَتْ وَطَنًا - وَلَا يَدْرِي مَا الدُّعَاء وَلَا الْكَنْز، فَأَلْهَمَهُ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْه الْأَرْض فَرَس بِأَرْضِ الْعَرَب إِلَّا جَاءَتْهُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَوَاصِيهَا وَذَلَّلَهَا لَهُ، فَارْكَبُوهَا وَاعْلِفُوهَا فَإِنَّهَا مَيَامِين، وَهِيَ مِيرَاث أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيل، فَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفَرَس عَرَبِيًّا لِأَنَّ إِسْمَاعِيل أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَإِيَّاهُ أَتَى.
وَرَوَى عَبْد الْمُنْعِم بْن إِدْرِيس عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه، قَالَ : أَوَّل مَنْ بَنَى الْبَيْت بِالطِّينِ وَالْحِجَارَة شِيث عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأَمَّا بُنْيَان قُرَيْش لَهُ فَمَشْهُور، وَخَبَر الْحَيَّة فِي ذَلِكَ مَذْكُور، وَكَانَتْ تَمْنَعهُمْ مِنْ هَدْمه إِلَى أَنْ اِجْتَمَعَتْ قُرَيْش عِنْد الْمَقَام فَعَجُّوا إِلَى اللَّه تَعَالَى وَقَالُوا : رَبّنَا، لَمْ تُرَعْ، أَرَدْنَا تَشْرِيف بَيْتك وَتَزْيِينه، فَإِنْ كُنْت تَرْضَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا بَدَا لَك فَافْعَلْ، فَسَمِعُوا خَوَاتًا مِنْ السَّمَاء - وَالْخَوَات : حَفِيف جَنَاح الطَّيْر الضَّخْم - فَإِذَا هُوَ بِطَائِرٍ أَعْظَم مِنْ النَّسْر، أَسْوَد الظَّهْر أَبْيَض الْبَطْن وَالرِّجْلَيْنِ، فَغَرَزَ مَخَالِيبه فِي قَفَا الْحَيَّة، ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهَا تَجُرّ ذَنَبهَا أَعْظَم مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى اِنْطَلَقَ بِهَا نَحْو أَجْيَاد، فَهَدَمَتْهَا قُرَيْش وَجَعَلُوا يَبْنُونَهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي تَحْمِلهَا قُرَيْش عَلَى رِقَابهَا، فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاء عِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَبَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِل حِجَارَة مِنْ أَجْيَاد وَعَلَيْهِ نَمِرَة فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَة فَذَهَبَ يَرْفَع النَّمِرَة عَلَى عَاتِقه، فَتُرَى عَوْرَته مِنْ صِغَر النَّمِرَة، فَنُودِيَ : يَا مُحَمَّد، خَمِّرْ عَوْرَتك، فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْد.
وَكَانَ بَيْن بُنْيَان الْكَعْبَة وَبَيْن مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمْس سِنِينَ، وَبَيْن مَخْرَجه وَبِنَائِهَا خَمْس عَشْرَة سَنَة.
ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان عَنْ أَبِي الطُّفَيْل.
وَذُكِرَ عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ : حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا وَبَلَغُوا مَوْضِع الرُّكْن اِخْتَصَمَتْ قُرَيْش فِي الرُّكْن، أَيّ الْقَبَائِل تَلِي رَفْعه ؟ حَتَّى شَجَرَ بَيْنهمْ، فَقَالُوا : تَعَالَوْا نُحَكِّم أَوَّل مَنْ يَطْلُع عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّة، فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَام عَلَيْهِ وِشَاح نَمِرَة، فَحَكَّمُوهُ فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْب، ثُمَّ أَمَرَ سَيِّد كُلّ قَبِيلَة فَأَعْطَاهُ نَاحِيَة مِنْ الثَّوْب، ثُمَّ اِرْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْن، فَكَانَ هُوَ يَضَعهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَحُدِّثْت أَنَّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرُّكْن كِتَابًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَلَمْ يُدْر مَا هُوَ، حَتَّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُل مِنْ يَهُود، فَإِذَا فِيهِ :" أَنَا اللَّه ذُو بَكَّة خَلَقْتهَا يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَصَوَّرْت الشَّمْس وَالْقَمَر، وَحَفَفْتهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاك حُنَفَاء لَا تَزُول حَتَّى يَزُول أَخْشَبَاهَا، مُبَارَك لِأَهْلِهَا فِي الْمَاء وَاللَّبَن ".
وَعَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ : كَانَ بَاب الْكَعْبَة عَلَى عَهْد الْعَمَالِيق وَجُرْهُم وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْأَرْضِ حَتَّى بَنَتْهُ قُرَيْش.
خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْر أَمِنْ الْبَيْت هُوَ ؟ قَالَ :( نَعَمْ ) قُلْت : فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ [ فِي الْبَيْت ] ؟ قَالَ :( إِنَّ قَوْمك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَة ).
قُلْت : فَمَا شَأْن بَابه مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ :( فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمك حَدِيث عَهْدهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَخَاف أَنْ تُنْكِر قُلُوبهمْ لَنَظَرْت أَنْ أُدْخِل الْجَدْر فِي الْبَيْت وَأَنْ أُلْزِقَ بَابه بِالْأَرْضِ ).
وَخُرِّجَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَتْنِي خَالَتِي ( يَعْنِي عَائِشَة ) رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَا عَائِشَة لَوْلَا أَنَّ قَوْمك حَدِيثُو عَهْد بِشِرْكٍ لَهَدَمْت الْكَعْبَة فَأَلْزَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا وَزِدْت فِيهَا سِتَّة أَذْرُع مِنْ الْحِجْر فَإِنَّ قُرَيْشًا اِقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتْ الْكَعْبَة ).
وَعَنْ عُرْوَة عَنْ [ أَبِيهِ عَنْ ] عَائِشَة قَالَتْ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْلَا حَدَاثَة [ عَهْد ] قَوْمك بِالْكُفْرِ لَنَقَضْت الْكَعْبَة وَلَجَعَلْتهَا عَلَى أَسَاس إِبْرَاهِيم فَإِنَّ قُرَيْشًا حِين بَنَتْ الْكَعْبَة اِسْتَقْصَرَتْ وَلَجَعَلْت لَهَا خَلْفًا ).
وَفِي الْبُخَارِيّ قَالَ هِشَام بْن عُرْوَة : يَعْنِي بَابًا.
وَفِي الْبُخَارِيّ أَيْضًا :( لَجَعَلْت لَهَا خَلْفَيْنِ ) يَعْنِي بَابَيْنِ، فَهَذَا بِنَاء قُرَيْش.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَحُدِّثْت أَنَّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرُّكْن كِتَابًا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَلَمْ يُدْر مَا هُوَ، حَتَّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُل مِنْ يَهُود، فَإِذَا فِيهِ :" أَنَا اللَّه ذُو بَكَّة خَلَقْتهَا يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَصَوَّرْت الشَّمْس وَالْقَمَر، وَحَفَفْتهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاك حُنَفَاء لَا تَزُول حَتَّى يَزُول أَخْشَبَاهَا، مُبَارَك لِأَهْلِهَا فِي الْمَاء وَاللَّبَن ".
وَعَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ : كَانَ بَاب الْكَعْبَة عَلَى عَهْد الْعَمَالِيق وَجُرْهُم وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْأَرْضِ حَتَّى بَنَتْهُ قُرَيْش.
خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْر أَمِنْ الْبَيْت هُوَ ؟ قَالَ :( نَعَمْ ) قُلْت : فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ [ فِي الْبَيْت ] ؟ قَالَ :( إِنَّ قَوْمك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَة ).
قُلْت : فَمَا شَأْن بَابه مُرْتَفِعًا ؟ قَالَ :( فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمك حَدِيث عَهْدهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَخَاف أَنْ تُنْكِر قُلُوبهمْ لَنَظَرْت أَنْ أُدْخِل الْجَدْر فِي الْبَيْت وَأَنْ أُلْزِقَ بَابه بِالْأَرْضِ ).
وَخُرِّجَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَتْنِي خَالَتِي ( يَعْنِي عَائِشَة ) رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَا عَائِشَة لَوْلَا أَنَّ قَوْمك حَدِيثُو عَهْد بِشِرْكٍ لَهَدَمْت الْكَعْبَة فَأَلْزَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا وَزِدْت فِيهَا سِتَّة أَذْرُع مِنْ الْحِجْر فَإِنَّ قُرَيْشًا اِقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتْ الْكَعْبَة ).
وَعَنْ عُرْوَة عَنْ [ أَبِيهِ عَنْ ] عَائِشَة قَالَتْ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْلَا حَدَاثَة [ عَهْد ] قَوْمك بِالْكُفْرِ لَنَقَضْت الْكَعْبَة وَلَجَعَلْتهَا عَلَى أَسَاس إِبْرَاهِيم فَإِنَّ قُرَيْشًا حِين بَنَتْ الْكَعْبَة اِسْتَقْصَرَتْ وَلَجَعَلْت لَهَا خَلْفًا ).
وَفِي الْبُخَارِيّ قَالَ هِشَام بْن عُرْوَة : يَعْنِي بَابًا.
وَفِي الْبُخَارِيّ أَيْضًا :( لَجَعَلْت لَهَا خَلْفَيْنِ ) يَعْنِي بَابَيْنِ، فَهَذَا بِنَاء قُرَيْش.
ثُمَّ لَمَّا غَزَا أَهْل الشَّام عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَوَهَتْ الْكَعْبَة مِنْ حَرِيقهمْ، هَدَمَهَا اِبْن الزُّبَيْر وَبَنَاهَا عَلَى مَا أَخْبَرَتْهُ عَائِشَة، وَزَادَ فِيهِ خَمْسَة أَذْرُع مِنْ الْحِجْر، حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاس إِلَيْهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاء، وَكَانَ طُول الْكَعْبَة ثَمَانِي عَشْرَة ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اِسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُوله عَشَرَة أَذْرُع، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ أَحَدهمَا يُدْخَل مِنْهُ، وَالْآخَر يُخْرَج مِنْهُ، كَذَا فِي صَحِيح مُسْلِم، وَأَلْفَاظ الْحَدِيث تَخْتَلِف.
وَذَكَرَ سُفْيَان عَنْ دَاوُد بْن شَابُور عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اِبْن الزُّبَيْر أَنْ يَهْدِم الْكَعْبَة وَيَبْنِيه قَالَ لِلنَّاسِ : اِهْدِمُوا، قَالَ : فَأَبَوْا أَنْ يَهْدِمُوا وَخَافُوا أَنْ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْعَذَاب.
قَالَ مُجَاهِد : فَخَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بِهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِر الْعَذَاب.
قَالَ : وَارْتَقَى اِبْن الزُّبَيْر عَلَى جِدَار الْكَعْبَة هُوَ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ شَيْء اِجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ : فَهَدَمُوا.
فَلَمَّا بَنَاهَا جَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ : بَابًا يَدْخُلُونَ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَزَادَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْحِجْر سِتَّة أَذْرُع، وَزَادَ فِي طُولهَا تِسْعَة أَذْرُع.
قَالَ مُسْلِم فِي حَدِيثه : فَلَمَّا قُتِلَ اِبْن الزُّبَيْر كَتَبَ الْحَجَّاج إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان يُخْبِرهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرهُ أَنَّ اِبْن الزُّبَيْر قَدْ وَضَعَ الْبِنَاء عَلَى أُسّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُول مِنْ أَهْل مَكَّة، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك : إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخ اِبْن الزُّبَيْر فِي شَيْء، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُوله فَأَقِرّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنْ الْحِجْر فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَاب الَّذِي فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ.
فِي رِوَايَة : قَالَ عَبْد الْمَلِك : مَا كُنْت أَظُنّ أَبَا خُبَيْب ( يَعْنِي اِبْن الزُّبَيْر ) سَمِعَ مِنْ عَائِشَة مَا كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا، قَالَ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه : بَلَى، أَنَا سَمِعْته مِنْهَا، قَالَ : سَمِعْتهَا تَقُول مَاذَا ؟ قَالَ : قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ قَوْمك اِسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَان الْبَيْت وَلَوْلَا حَدَاثَة عَهْدهمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْت مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِك مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَك مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَة أَذْرُع ).
فِي أُخْرَى : قَالَ عَبْد الْمَلِك : لَوْ كُنْت سَمِعْته قَبْل أَنْ أَهْدِمهُ لَتَرَكْته عَلَى مَا بَنَى اِبْن الزُّبَيْر.
فَهَذَا مَا جَاءَ فِي بِنَاء الْكَعْبَة مِنْ الْآثَار.
وَذَكَرَ سُفْيَان عَنْ دَاوُد بْن شَابُور عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اِبْن الزُّبَيْر أَنْ يَهْدِم الْكَعْبَة وَيَبْنِيه قَالَ لِلنَّاسِ : اِهْدِمُوا، قَالَ : فَأَبَوْا أَنْ يَهْدِمُوا وَخَافُوا أَنْ يَنْزِل عَلَيْهِمْ الْعَذَاب.
قَالَ مُجَاهِد : فَخَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بِهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِر الْعَذَاب.
قَالَ : وَارْتَقَى اِبْن الزُّبَيْر عَلَى جِدَار الْكَعْبَة هُوَ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ شَيْء اِجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ : فَهَدَمُوا.
فَلَمَّا بَنَاهَا جَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ : بَابًا يَدْخُلُونَ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَزَادَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْحِجْر سِتَّة أَذْرُع، وَزَادَ فِي طُولهَا تِسْعَة أَذْرُع.
قَالَ مُسْلِم فِي حَدِيثه : فَلَمَّا قُتِلَ اِبْن الزُّبَيْر كَتَبَ الْحَجَّاج إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان يُخْبِرهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرهُ أَنَّ اِبْن الزُّبَيْر قَدْ وَضَعَ الْبِنَاء عَلَى أُسّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُول مِنْ أَهْل مَكَّة، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك : إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخ اِبْن الزُّبَيْر فِي شَيْء، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُوله فَأَقِرّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنْ الْحِجْر فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَاب الَّذِي فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ.
فِي رِوَايَة : قَالَ عَبْد الْمَلِك : مَا كُنْت أَظُنّ أَبَا خُبَيْب ( يَعْنِي اِبْن الزُّبَيْر ) سَمِعَ مِنْ عَائِشَة مَا كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا، قَالَ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه : بَلَى، أَنَا سَمِعْته مِنْهَا، قَالَ : سَمِعْتهَا تَقُول مَاذَا ؟ قَالَ : قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ قَوْمك اِسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَان الْبَيْت وَلَوْلَا حَدَاثَة عَهْدهمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْت مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِك مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَك مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَة أَذْرُع ).
فِي أُخْرَى : قَالَ عَبْد الْمَلِك : لَوْ كُنْت سَمِعْته قَبْل أَنْ أَهْدِمهُ لَتَرَكْته عَلَى مَا بَنَى اِبْن الزُّبَيْر.
فَهَذَا مَا جَاءَ فِي بِنَاء الْكَعْبَة مِنْ الْآثَار.
وَرُوِيَ أَنَّ الرَّشِيد ذَكَرَ لِمَالِك بْن أَنَس أَنَّهُ يُرِيد هَدْم مَا بَنَى الْحَجَّاج مِنْ الْكَعْبَة، وَأَنْ يَرُدّهُ عَلَى بِنَاء اِبْن الزُّبَيْر لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَثَلَهُ اِبْن الزُّبَيْر، فَقَالَ لَهُ مَالِك : نَاشَدْتُك اللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، أَلَّا تَجْعَل هَذَا الْبَيْت مَلْعَبَة لِلْمُلُوكِ، لَا يَشَاء أَحَد مِنْهُمْ إِلَّا نَقْض الْبَيْت وَبِنَاهُ، فَتَذْهَب هَيْبَته مِنْ صُدُور النَّاس.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ : حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول، : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبّ أَسْعَد الْحِمْيَرِيّ، وَهُوَ تُبَّع، وَهُوَ أَوَّل مَنْ كَسَا الْبَيْت، وَهُوَ تُبَّع الْآخَر.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَتْ تُكْسَى الْقَبَاطِيّ ثُمَّ كُسِيَتْ الْبُرُد، وَأَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج الْحَجَّاج.
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذ مِنْ كِسْوَة الْكَعْبَة شَيْء، فَإِنَّهُ مُهْدًى إِلَيْهَا، وَلَا يَنْقُص مِنْهَا شَيْء.
رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يُؤْخَذ مِنْ طِيب الْكَعْبَة يُسْتَشْفَى بِهِ، وَكَانَ إِذَا رَأَى الْخَادِم يَأْخُذ مِنْهُ قَفَدَهَا قَفْدَة لَا يَأْلُو أَنْ يُوجِعهَا.
وَقَالَ عَطَاء : كَانَ أَحَدنَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِي بِهِ جَاءَ بِطِيبٍ مِنْ عِنْده فَمَسَحَ بِهِ الْحِجْر ثُمَّ أَخَذَهُ.
وَتَفْسِير إِسْمَاعِيل : اِسْمَعْ يَا اللَّه ; لِأَنَّ " إِيل " بِالسُّرْيَانِيَّةِ هُوَ اللَّه، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمَّا دَعَا رَبّه قَالَ : اِسْمَعْ يَا إِيل، فَلَمَّا أَجَابَهُ رَبّه وَرَزَقَهُ الْوَلَد سَمَّاهُ بِمَا دَعَاهُ.
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ : حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول، : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبّ أَسْعَد الْحِمْيَرِيّ، وَهُوَ تُبَّع، وَهُوَ أَوَّل مَنْ كَسَا الْبَيْت، وَهُوَ تُبَّع الْآخَر.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَتْ تُكْسَى الْقَبَاطِيّ ثُمَّ كُسِيَتْ الْبُرُد، وَأَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج الْحَجَّاج.
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذ مِنْ كِسْوَة الْكَعْبَة شَيْء، فَإِنَّهُ مُهْدًى إِلَيْهَا، وَلَا يَنْقُص مِنْهَا شَيْء.
رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يُؤْخَذ مِنْ طِيب الْكَعْبَة يُسْتَشْفَى بِهِ، وَكَانَ إِذَا رَأَى الْخَادِم يَأْخُذ مِنْهُ قَفَدَهَا قَفْدَة لَا يَأْلُو أَنْ يُوجِعهَا.
وَقَالَ عَطَاء : كَانَ أَحَدنَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِي بِهِ جَاءَ بِطِيبٍ مِنْ عِنْده فَمَسَحَ بِهِ الْحِجْر ثُمَّ أَخَذَهُ.
وَتَفْسِير إِسْمَاعِيل : اِسْمَعْ يَا اللَّه ; لِأَنَّ " إِيل " بِالسُّرْيَانِيَّةِ هُوَ اللَّه، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَقِيلَ : إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمَّا دَعَا رَبّه قَالَ : اِسْمَعْ يَا إِيل، فَلَمَّا أَجَابَهُ رَبّه وَرَزَقَهُ الْوَلَد سَمَّاهُ بِمَا دَعَاهُ.
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا
الْمَعْنَى : وَيَقُولَانِ " رَبّنَا "، فَحَذَفَ.
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود :" وَإِذْ يَرْفَع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل وَيَقُولَانِ رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا "
الْمَعْنَى : وَيَقُولَانِ " رَبّنَا "، فَحَذَفَ.
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود :" وَإِذْ يَرْفَع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل وَيَقُولَانِ رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا "
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
اِسْمَانِ مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى قَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ".
اِسْمَانِ مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى قَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى ".
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ
أَيْ صَيِّرْنَا، و " مُسْلِمَيْنِ " مَفْعُول ثَانٍ، سَأَلَا التَّثْبِيت وَالدَّوَام.
وَالْإِسْلَام فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِيمَان وَالْأَعْمَال جَمِيعًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] فَفِي هَذَا دَلِيل لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد، وَعَضَّدُوا هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى :" فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْر بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ " [ الذَّارِيَات :
٣٥ - ٣٦ ].
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعَوْف الْأَعْرَابِيّ " مُسْلِمِينَ " عَلَى الْجَمْع.
أَيْ صَيِّرْنَا، و " مُسْلِمَيْنِ " مَفْعُول ثَانٍ، سَأَلَا التَّثْبِيت وَالدَّوَام.
وَالْإِسْلَام فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِيمَان وَالْأَعْمَال جَمِيعًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] فَفِي هَذَا دَلِيل لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد، وَعَضَّدُوا هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى :" فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْر بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ " [ الذَّارِيَات :
٣٥ - ٣٦ ].
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعَوْف الْأَعْرَابِيّ " مُسْلِمِينَ " عَلَى الْجَمْع.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا فَاجْعَلْ، فَيُقَال : إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ نَبِيّ إِلَّا لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ دَعَا مَعَ دُعَائِهِ لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ وَلِهَذِهِ الْأُمَّة.
و " مِنْ " فِي قَوْله :" وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا " لِلتَّبْعِيضِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّ مِنْهُمْ ظَالِمِينَ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ : أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا " الْعَرَب خَاصَّة.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَذُرِّيَّتهمَا الْعَرَب ; لِأَنَّهُمْ بَنُو نَبْت بْن إِسْمَاعِيل، أَوْ بَنُو تيمن بْن إِسْمَاعِيل، وَيُقَال : قَيْدَر بْن نَبْت بْن إِسْمَاعِيل.
أَمَّا الْعَدْنَانِيَّة فَمِنْ نَبْت، وَأَمَّا الْقَحْطَانِيَّة فَمِنْ قَيْدَر بْن نَبْت بْن إِسْمَاعِيل، أَوْ تيمن عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف ; لِأَنَّ دَعْوَته ظَهَرَتْ فِي الْعَرَب وَفِيمَنْ آمَنَ مِنْ غَيْرهمْ.
وَالْأُمَّة : الْجَمَاعَة هُنَا، وَتَكُون وَاحِدًا إِذَا كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْر، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ " [ النَّحْل : ١٢٠ ]، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل :( يُبْعَث أُمَّة وَحْده ) لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِك فِي دِينه غَيْره، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْأُمَّة عَلَى غَيْر هَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة " [ الزُّخْرُف : ٢٢ ] أَيْ عَلَى دِين وَمِلَّة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٢ ].
وَقَدْ تَكُون بِمَعْنَى الْحِين وَالزَّمَان، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " وَادَّكَرَ بَعْد أُمَّة " [ يُوسُف : ٤٥ ] أَيْ بَعْد حِين وَزَمَان.
وَيُقَال : هَذِهِ أُمَّة زَيْد، أَيْ أُمّ زَيْد.
وَالْأُمَّة أَيْضًا : الْقَامَة، يُقَال : فُلَان حَسَن الْأُمَّة، أَيْ حَسَن الْقَامَة، قَالَ :
وَقِيلَ : الْأُمَّة الشَّجَّة الَّتِي تَبْلُغ أُمّ الدِّمَاغ، يُقَال : رَجُل مَأْمُوم وَأَمِيم.
أَيْ وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا فَاجْعَلْ، فَيُقَال : إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ نَبِيّ إِلَّا لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ دَعَا مَعَ دُعَائِهِ لِنَفْسِهِ وَلِأُمَّتِهِ وَلِهَذِهِ الْأُمَّة.
و " مِنْ " فِي قَوْله :" وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا " لِلتَّبْعِيضِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّ مِنْهُمْ ظَالِمِينَ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ : أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا " الْعَرَب خَاصَّة.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَذُرِّيَّتهمَا الْعَرَب ; لِأَنَّهُمْ بَنُو نَبْت بْن إِسْمَاعِيل، أَوْ بَنُو تيمن بْن إِسْمَاعِيل، وَيُقَال : قَيْدَر بْن نَبْت بْن إِسْمَاعِيل.
أَمَّا الْعَدْنَانِيَّة فَمِنْ نَبْت، وَأَمَّا الْقَحْطَانِيَّة فَمِنْ قَيْدَر بْن نَبْت بْن إِسْمَاعِيل، أَوْ تيمن عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف ; لِأَنَّ دَعْوَته ظَهَرَتْ فِي الْعَرَب وَفِيمَنْ آمَنَ مِنْ غَيْرهمْ.
وَالْأُمَّة : الْجَمَاعَة هُنَا، وَتَكُون وَاحِدًا إِذَا كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْر، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّهِ " [ النَّحْل : ١٢٠ ]، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل :( يُبْعَث أُمَّة وَحْده ) لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِك فِي دِينه غَيْره، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْأُمَّة عَلَى غَيْر هَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة " [ الزُّخْرُف : ٢٢ ] أَيْ عَلَى دِين وَمِلَّة، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " [ الْأَنْبِيَاء : ٩٢ ].
وَقَدْ تَكُون بِمَعْنَى الْحِين وَالزَّمَان، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى " وَادَّكَرَ بَعْد أُمَّة " [ يُوسُف : ٤٥ ] أَيْ بَعْد حِين وَزَمَان.
وَيُقَال : هَذِهِ أُمَّة زَيْد، أَيْ أُمّ زَيْد.
وَالْأُمَّة أَيْضًا : الْقَامَة، يُقَال : فُلَان حَسَن الْأُمَّة، أَيْ حَسَن الْقَامَة، قَالَ :
| وَإِنَّ مُعَاوِيَة الْأَكْرَمِينَ | حِسَان الْوُجُوه طِوَال الْأُمَم |
وَأَرِنَا
" أَرِنَا " مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر، فَتَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقِيلَ : مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب، وَيَلْزَم قَائِله أَنْ يَتَعَدَّى الْفِعْل مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَة مَفَاعِيل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَنْفَصِل بِأَنَّهُ يُوجَد مُعَدًّى بِالْهَمْزَةِ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب إِلَى مَفْعُولَيْنِ [ كَغَيْرِ الْمُعَدَّى ]، قَالَ حَطَائِط بْن يَعْفُر أَخُو الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
وَقَرَأَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَقَتَادَة وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَالسُّدِّيّ وَرَوْح عَنْ يَعْقُوب وَرُوَيْس وَالسُّوسِيّ " أَرْنَا " بِسُكُونِ الرَّاء فِي الْقُرْآن، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِاخْتِلَاسِ كَسْرَة الرَّاء، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَأَصْله أَرِئْنَا بِالْهَمْزِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالسُّكُونِ قَالَ : ذَهَبَتْ الْهَمْزَة وَذَهَبَتْ حَرَكَتهَا وَبَقِيَتْ الرَّاء سَاكِنَة عَلَى حَالهَا، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ الشَّاعِر :
وَمَنْ كَسَرَ فَإِنَّهُ نَقَلَ حَرَكَة الْهَمْزَة الْمَحْذُوفَة إِلَى الرَّاء، وَأَبُو عَمْرو طَلَبَ الْخِفَّة.
وَعَنْ شُجَاع بْن أَبِي نَصْر وَكَانَ أَمِينًا صَادِقًا أَنَّهُ رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام فَذَاكَرَهُ أَشْيَاء مِنْ حُرُوف أَبِي عَمْرو فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ إِلَّا حَرْفَيْنِ : هَذَا، وَالْآخَر " مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَأَهَا " [ الْبَقَرَة : ١٠٦ ] مَهْمُوزًا.
" أَرِنَا " مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر، فَتَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقِيلَ : مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب، وَيَلْزَم قَائِله أَنْ يَتَعَدَّى الْفِعْل مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَة مَفَاعِيل.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَنْفَصِل بِأَنَّهُ يُوجَد مُعَدًّى بِالْهَمْزَةِ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب إِلَى مَفْعُولَيْنِ [ كَغَيْرِ الْمُعَدَّى ]، قَالَ حَطَائِط بْن يَعْفُر أَخُو الْأَسْوَد بْن يَعْفُر :
| أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي | أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا |
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بِاخْتِلَاسِ كَسْرَة الرَّاء، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد.
وَأَصْله أَرِئْنَا بِالْهَمْزِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالسُّكُونِ قَالَ : ذَهَبَتْ الْهَمْزَة وَذَهَبَتْ حَرَكَتهَا وَبَقِيَتْ الرَّاء سَاكِنَة عَلَى حَالهَا، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ الشَّاعِر :
| أَرْنَا إِدَاوَة عَبْد اللَّه نَمْلَؤُهَا | مِنْ مَاء زَمْزَم إِنَّ الْقَوْم قَدْ ظَمِئُوا |
وَعَنْ شُجَاع بْن أَبِي نَصْر وَكَانَ أَمِينًا صَادِقًا أَنَّهُ رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام فَذَاكَرَهُ أَشْيَاء مِنْ حُرُوف أَبِي عَمْرو فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ إِلَّا حَرْفَيْنِ : هَذَا، وَالْآخَر " مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَأَهَا " [ الْبَقَرَة : ١٠٦ ] مَهْمُوزًا.
مَنَاسِكَنَا
يُقَال : إِنَّ أَصْل النُّسُك فِي اللُّغَة الْغَسْل، يُقَال مِنْهُ : نَسَكَ ثَوْبه إِذَا غَسَلَهُ.
وَهُوَ فِي الشَّرْع اِسْم لِلْعِبَادَةِ، يُقَال : رَجُل نَاسِك إِذَا كَانَ عَابِدًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْمَنَاسِكِ هُنَا، فَقِيلَ : مَنَاسِك الْحَجّ وَمَعَالِمه، قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعَطَاء وَابْن جُرَيْج : الْمَنَاسِك الْمَذَابِح، أَيْ مَوَاضِع الذَّبْح.
وَقِيلَ : جَمِيع الْمُتَعَبَّدَات.
وَكُلّ مَا يُتَعَبَّد بِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى يُقَال لَهُ مَنْسَك وَمَنْسِك.
وَالنَّاسِك : الْعَابِد.
قَالَ النَّحَّاس : يُقَال نَسَكَ يَنْسُك، فَكَانَ يَجِب أَنْ يُقَال عَلَى هَذَا : مَنْسُك، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مَفْعُل.
وَعَنْ زُهَيْر بْن مُحَمَّد قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام قَالَ : أَيْ رَبّ، قَدْ فَرَغْت فَأَرِنَا مَنَاسِكنَا، فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ جِبْرِيل فَحَجَّ بِهِ، حَتَّى إِذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَة وَجَاءَ يَوْم النَّحْر عَرَضَ لَهُ إِبْلِيس، فَقَالَ لَهُ : أحْصِبْهُ، فَحَصَبَهُ بِسَبْعِ حَصَيَات، ثُمَّ الْغَد ثُمَّ الْيَوْم الثَّالِث، ثُمَّ عَلَا ثَبِيرًا فَقَالَ : يَا عِبَاد اللَّه، أَجِيبُوا، فَسَمِعَ دَعْوَته مِنْ بَيْن الْأَبْحُر مِمَّنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ إِيمَان، فَقَالَ : لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ : وَلَمْ يَزَلْ عَلَى وَجْه الْأَرْض سَبْعَة مُسْلِمُونَ فَصَاعِدًا، لَوْلَا ذَلِكَ لَأُهْلِكَتْ الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا.
وَأَوَّل مَنْ أَجَابَهُ أَهْل الْيَمَن.
وَعَنْ أَبِي مِجْلَز قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم مِنْ الْبَيْت جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَرَاهُ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ - قَالَ : وَأَحْسَبهُ قَالَ :" وَالصَّفَا وَالْمَرْوَة - ثُمَّ اِنْطَلَقَا إِلَى الْعَقَبَة فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات، فَرَمَى وَكَبَّرَ، وَقَالَ لِإِبْرَاهِيم : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ اِنْطَلَقَا إِلَى الْجَمْرَة الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات، وَقَالَ : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ أَتَيَا الْجَمْرَة الْقُصْوَى فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات وَقَالَ : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ أَتَى بِهِ جَمْعًا فَقَالَ : هَاهُنَا يَجْمَع النَّاس الصَّلَوَات.
ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَات فَقَالَ : عَرَفْت ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ عَرَفَات.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : عَرَفْت، عَرَفْت، عَرَفْت ؟ أَيْ مِنًى وَالْجَمْع وَهَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَان عَرَفَات.
يُقَال : إِنَّ أَصْل النُّسُك فِي اللُّغَة الْغَسْل، يُقَال مِنْهُ : نَسَكَ ثَوْبه إِذَا غَسَلَهُ.
وَهُوَ فِي الشَّرْع اِسْم لِلْعِبَادَةِ، يُقَال : رَجُل نَاسِك إِذَا كَانَ عَابِدًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْمَنَاسِكِ هُنَا، فَقِيلَ : مَنَاسِك الْحَجّ وَمَعَالِمه، قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعَطَاء وَابْن جُرَيْج : الْمَنَاسِك الْمَذَابِح، أَيْ مَوَاضِع الذَّبْح.
وَقِيلَ : جَمِيع الْمُتَعَبَّدَات.
وَكُلّ مَا يُتَعَبَّد بِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى يُقَال لَهُ مَنْسَك وَمَنْسِك.
وَالنَّاسِك : الْعَابِد.
قَالَ النَّحَّاس : يُقَال نَسَكَ يَنْسُك، فَكَانَ يَجِب أَنْ يُقَال عَلَى هَذَا : مَنْسُك، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مَفْعُل.
وَعَنْ زُهَيْر بْن مُحَمَّد قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام قَالَ : أَيْ رَبّ، قَدْ فَرَغْت فَأَرِنَا مَنَاسِكنَا، فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ جِبْرِيل فَحَجَّ بِهِ، حَتَّى إِذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَة وَجَاءَ يَوْم النَّحْر عَرَضَ لَهُ إِبْلِيس، فَقَالَ لَهُ : أحْصِبْهُ، فَحَصَبَهُ بِسَبْعِ حَصَيَات، ثُمَّ الْغَد ثُمَّ الْيَوْم الثَّالِث، ثُمَّ عَلَا ثَبِيرًا فَقَالَ : يَا عِبَاد اللَّه، أَجِيبُوا، فَسَمِعَ دَعْوَته مِنْ بَيْن الْأَبْحُر مِمَّنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ إِيمَان، فَقَالَ : لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ : وَلَمْ يَزَلْ عَلَى وَجْه الْأَرْض سَبْعَة مُسْلِمُونَ فَصَاعِدًا، لَوْلَا ذَلِكَ لَأُهْلِكَتْ الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا.
وَأَوَّل مَنْ أَجَابَهُ أَهْل الْيَمَن.
وَعَنْ أَبِي مِجْلَز قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم مِنْ الْبَيْت جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَرَاهُ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ - قَالَ : وَأَحْسَبهُ قَالَ :" وَالصَّفَا وَالْمَرْوَة - ثُمَّ اِنْطَلَقَا إِلَى الْعَقَبَة فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات، فَرَمَى وَكَبَّرَ، وَقَالَ لِإِبْرَاهِيم : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ اِنْطَلَقَا إِلَى الْجَمْرَة الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات، وَقَالَ : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ أَتَيَا الْجَمْرَة الْقُصْوَى فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَان، فَأَخَذَ جِبْرِيل سَبْع حَصَيَات وَأَعْطَى إِبْرَاهِيم سَبْع حَصَيَات وَقَالَ : اِرْمِ وَكَبِّرْ، فَرَمَيَا وَكَبَّرَا مَعَ كُلّ رَمْيَة حَتَّى أَفَلَ الشَّيْطَان.
ثُمَّ أَتَى بِهِ جَمْعًا فَقَالَ : هَاهُنَا يَجْمَع النَّاس الصَّلَوَات.
ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَات فَقَالَ : عَرَفْت ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ عَرَفَات.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : عَرَفْت، عَرَفْت، عَرَفْت ؟ أَيْ مِنًى وَالْجَمْع وَهَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَان عَرَفَات.
وَعَنْ خُصَيْف بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ مُجَاهِدًا حَدَّثَهُ قَالَ : لَمَّا قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام :" وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا " أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَهُمَا مِنْ شَعَائِر اللَّه بِنَصِّ الْقُرْآن، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ جِبْرِيل، فَلَمَّا مَرَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَة إِذَا إِبْلِيس عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : كَبِّرْ وَارْمِهِ، فَارْتَفَعَ إِبْلِيس إِلَى الْوُسْطَى، فَقَالَ جِبْرِيل : كَبِّرْ وَارْمِهِ، ثُمَّ فِي الْجَمْرَة الْقُصْوَى كَذَلِكَ.
ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْمَشْعَر الْحَرَام، ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَة فَقَالَ لَهُ : هَلْ عَرَفْت مَا أَرَيْتُك ؟ قَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَات لِذَلِكَ فِيمَا قِيلَ، قَالَ : فَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ، قَالَ : كَيْف أَقُول ؟ قَالَ قُلْ : يَا أَيّهَا النَّاس، أَجِيبُوا رَبّكُمْ، ثَلَاث مِرَار، فَفَعَلَ، فَقَالُوا : لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.
قَالَ : فَمَنْ أَجَابَ يَوْمئِذٍ فَهُوَ حَاجّ.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى : أَنَّهُ حِين نَادَى اِسْتَدَارَ فَدَعَا فِي كُلّ وَجْه، فَلَبَّى النَّاس مِنْ كُلّ مَشْرِق وَمَغْرِب، وَتَطَأْطَأَتْ الْجِبَال حَتَّى بَعُدَ صَوْته.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ مِنْ بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ : طُفْ بِهِ سَبْعًا، فَطَافَ بِهِ سَبْعًا هُوَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام، يَسْتَلِمَانِ الْأَرْكَان كُلّهَا فِي كُلّ طَوَاف، فَلَمَّا أَكْمَلَا سَبْعًا صَلَّيَا خَلْف الْمَقَام رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ : فَقَامَ جِبْرِيل فَأَرَاهُ الْمَنَاسِك كُلّهَا : الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَمِنًى وَالْمُزْدَلِفَة.
قَالَ : فَلَمَّا دَخَلَ مِنًى وَهَبَطَ مِنْ الْعَقَبَة تَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيس.
... ، فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَبَلَغَنِي أَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَسْتَلِم الْأَرْكَان كُلّهَا قَبْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَ : حَجَّ إِسْحَاق وَسَارَّة مِنْ الشَّام، وَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَحُجّهُ كُلّ سَنَة عَلَى الْبُرَاق، وَحَجَّتْهُ بَعْد ذَلِكَ الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم.
وَرَوَى مُحَمَّد بْن سَابِط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( كَانَ النَّبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِذَا هَلَكَتْ أُمَّته لَحِقَ مَكَّة فَتَعَبَّدَ بِهَا هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ حَتَّى يَمُوتُوا فَمَاتَ بِهَا نُوح وَهُود وَصَالِح وَقُبُورهمْ بَيْن زَمْزَم وَالْحِجْر ).
وَذَكَرَ اِبْن وَهْب أَنَّ شُعَيْبًا مَاتَ بِمَكَّة هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُبُورهمْ فِي غَرْبِيّ مَكَّة بَيْن دَار النَّدْوَة وَبَيْن بَنِي سَهْم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَبْرَانِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرهمَا، قَبْر إِسْمَاعِيل وَقَبْر شُعَيْب عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَقَبْر إِسْمَاعِيل فِي الْحِجْر، وَقَبْر شُعَيْب مُقَابِل الْحَجَر الْأَسْوَد.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن ضَمْرَة السَّلُولِيّ : مَا بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام إِلَى زَمْزَم قُبُور تِسْعَة وَتِسْعِينَ نَبِيًّا جَاءُوا حُجَّاجًا فَقُبِرُوا هُنَالِكَ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْمَشْعَر الْحَرَام، ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَة فَقَالَ لَهُ : هَلْ عَرَفْت مَا أَرَيْتُك ؟ قَالَ نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَات لِذَلِكَ فِيمَا قِيلَ، قَالَ : فَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ، قَالَ : كَيْف أَقُول ؟ قَالَ قُلْ : يَا أَيّهَا النَّاس، أَجِيبُوا رَبّكُمْ، ثَلَاث مِرَار، فَفَعَلَ، فَقَالُوا : لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.
قَالَ : فَمَنْ أَجَابَ يَوْمئِذٍ فَهُوَ حَاجّ.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى : أَنَّهُ حِين نَادَى اِسْتَدَارَ فَدَعَا فِي كُلّ وَجْه، فَلَبَّى النَّاس مِنْ كُلّ مَشْرِق وَمَغْرِب، وَتَطَأْطَأَتْ الْجِبَال حَتَّى بَعُدَ صَوْته.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ مِنْ بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ : طُفْ بِهِ سَبْعًا، فَطَافَ بِهِ سَبْعًا هُوَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام، يَسْتَلِمَانِ الْأَرْكَان كُلّهَا فِي كُلّ طَوَاف، فَلَمَّا أَكْمَلَا سَبْعًا صَلَّيَا خَلْف الْمَقَام رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ : فَقَامَ جِبْرِيل فَأَرَاهُ الْمَنَاسِك كُلّهَا : الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَمِنًى وَالْمُزْدَلِفَة.
قَالَ : فَلَمَّا دَخَلَ مِنًى وَهَبَطَ مِنْ الْعَقَبَة تَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيس.
... ، فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَبَلَغَنِي أَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَسْتَلِم الْأَرْكَان كُلّهَا قَبْل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَالَ : حَجَّ إِسْحَاق وَسَارَّة مِنْ الشَّام، وَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَحُجّهُ كُلّ سَنَة عَلَى الْبُرَاق، وَحَجَّتْهُ بَعْد ذَلِكَ الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم.
وَرَوَى مُحَمَّد بْن سَابِط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( كَانَ النَّبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء إِذَا هَلَكَتْ أُمَّته لَحِقَ مَكَّة فَتَعَبَّدَ بِهَا هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ حَتَّى يَمُوتُوا فَمَاتَ بِهَا نُوح وَهُود وَصَالِح وَقُبُورهمْ بَيْن زَمْزَم وَالْحِجْر ).
وَذَكَرَ اِبْن وَهْب أَنَّ شُعَيْبًا مَاتَ بِمَكَّة هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُبُورهمْ فِي غَرْبِيّ مَكَّة بَيْن دَار النَّدْوَة وَبَيْن بَنِي سَهْم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَبْرَانِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرهمَا، قَبْر إِسْمَاعِيل وَقَبْر شُعَيْب عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَقَبْر إِسْمَاعِيل فِي الْحِجْر، وَقَبْر شُعَيْب مُقَابِل الْحَجَر الْأَسْوَد.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن ضَمْرَة السَّلُولِيّ : مَا بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام إِلَى زَمْزَم قُبُور تِسْعَة وَتِسْعِينَ نَبِيًّا جَاءُوا حُجَّاجًا فَقُبِرُوا هُنَالِكَ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَتُبْ عَلَيْنَا
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْل إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام :" وَتُبْ عَلَيْنَا " وَهُمْ أَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَة : طَلَبَا التَّثْبِيت وَالدَّوَام، لَا أَنَّهُمَا كَانَ لَهُمَا ذَنْب.
قُلْت : وَهَذَا حَسَن، وَأَحْسَن مِنْهُ أَنَّهُمَا لَمَّا عَرَفَا الْمَنَاسِك وَبَنَيَا الْبَيْت أَرَادَا أَنْ يُبَيِّنَا لِلنَّاسِ وَيُعَرِّفَاهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْقِف وَتِلْكَ الْمَوَاضِع مَكَان التَّنَصُّل مِنْ الذُّنُوب وَطَلَب التَّوْبَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَتُبْ عَلَى الظَّلَمَة مِنَّا.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي عِصْمَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فِي قِصَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْل إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام :" وَتُبْ عَلَيْنَا " وَهُمْ أَنْبِيَاء مَعْصُومُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَة : طَلَبَا التَّثْبِيت وَالدَّوَام، لَا أَنَّهُمَا كَانَ لَهُمَا ذَنْب.
قُلْت : وَهَذَا حَسَن، وَأَحْسَن مِنْهُ أَنَّهُمَا لَمَّا عَرَفَا الْمَنَاسِك وَبَنَيَا الْبَيْت أَرَادَا أَنْ يُبَيِّنَا لِلنَّاسِ وَيُعَرِّفَاهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْقِف وَتِلْكَ الْمَوَاضِع مَكَان التَّنَصُّل مِنْ الذُّنُوب وَطَلَب التَّوْبَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَتُبْ عَلَى الظَّلَمَة مِنَّا.
وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي عِصْمَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فِي قِصَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام.
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
" التَّوَّاب الرَّحِيم " وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنْكَرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُول تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يُرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة
لَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى تَائِب اِسْم فَاعِل مِنْ تَابَ يَتُوب لَنَا أَنْ نُطْلِق عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات إِلَّا مَا أَطْلَقَهُ هُوَ عَلَى نَفْسه أَوْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَة مُحَتَّم لَا جَائِز هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى، قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار " [ التَّوْبَة : ١١٧ ] وَقَالَ " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠ ] وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَّاب لِمُبَالَغَةِ الْفِعْل وَكَثْرَة قَبُوله تَوْبَة عِبَاده يَتُوب إِلَيْهِ
اِعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ قُدْرَة عَلَى خَلْق التَّوْبَة لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ الْأَعْمَال خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَل تَوْبَة مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه وَلَا أَنْ يَعْفُو عَنْهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَقَدْ كَفَرَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِهَذَا الْأَصْل الْعَظِيم فِي الدِّين " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣١ ] جَلَّ وَعَزَّ وَجَعَلُوا لِمَنْ أَذْنَبَ أَنْ يَأْتِي الْحَبْر أَوْ الرَّاهِب فَيُعْطِيه شَيْئًا وَيَحُطّ عَنْهُ ذُنُوبه " اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " [ الْأَنْعَام : ١٤٠ ]
" التَّوَّاب الرَّحِيم " وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنْكَرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُول تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قَبِلْت تَوْبَتك وَأَنْ يُرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة
لَا يَجُوز أَنْ يُقَال فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى تَائِب اِسْم فَاعِل مِنْ تَابَ يَتُوب لَنَا أَنْ نُطْلِق عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاء وَالصِّفَات إِلَّا مَا أَطْلَقَهُ هُوَ عَلَى نَفْسه أَوْ نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَة مُحَتَّم لَا جَائِز هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى، قَالَ اللَّه تَعَالَى " لَقَدْ تَابَ اللَّه عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار " [ التَّوْبَة : ١١٧ ] وَقَالَ " وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠ ] وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوَّاب لِمُبَالَغَةِ الْفِعْل وَكَثْرَة قَبُوله تَوْبَة عِبَاده يَتُوب إِلَيْهِ
اِعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ قُدْرَة عَلَى خَلْق التَّوْبَة لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِد بِخَلْقِ الْأَعْمَال خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَل تَوْبَة مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه وَلَا أَنْ يَعْفُو عَنْهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَقَدْ كَفَرَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِهَذَا الْأَصْل الْعَظِيم فِي الدِّين " اِتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣١ ] جَلَّ وَعَزَّ وَجَعَلُوا لِمَنْ أَذْنَبَ أَنْ يَأْتِي الْحَبْر أَوْ الرَّاهِب فَيُعْطِيه شَيْئًا وَيَحُطّ عَنْهُ ذُنُوبه " اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " [ الْأَنْعَام : ١٤٠ ]
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ " وَابْعَثْ فِي آخِرهمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ".
وَقَدْ رَوَى خَالِد بْن مَعْدَان : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ : يَا رَسُول اللَّه، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسك، قَالَ :( نَعَمْ أَنَا دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى ).
و " رَسُولًا " أَيْ مُرْسَلًا، وَهُوَ فَعُول مِنْ الرِّسَالَة.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون أَصْله مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة مِرْسَال وَرَسْلَة، إِذَا كَانَتْ سَهْلَة السَّيْر مَاضِيَة أَمَام النُّوق.
وَيُقَال لِلْجَمَاعَةِ الْمُهْمَلَة الْمُرْسَلَة : رَسَل، وَجَمْعه أَرْسَال.
يُقَال : جَاءَ الْقَوْم أَرْسَالًا، أَيْ بَعْضهمْ فِي أَثَر بَعْض، وَمِنْهُ يُقَال لِلَّبَنِ رِسْل ; لِأَنَّهُ يُرْسَل مِنْ الضَّرْع.
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ " وَابْعَثْ فِي آخِرهمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ".
وَقَدْ رَوَى خَالِد بْن مَعْدَان : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ : يَا رَسُول اللَّه، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسك، قَالَ :( نَعَمْ أَنَا دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى ).
و " رَسُولًا " أَيْ مُرْسَلًا، وَهُوَ فَعُول مِنْ الرِّسَالَة.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون أَصْله مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة مِرْسَال وَرَسْلَة، إِذَا كَانَتْ سَهْلَة السَّيْر مَاضِيَة أَمَام النُّوق.
وَيُقَال لِلْجَمَاعَةِ الْمُهْمَلَة الْمُرْسَلَة : رَسَل، وَجَمْعه أَرْسَال.
يُقَال : جَاءَ الْقَوْم أَرْسَالًا، أَيْ بَعْضهمْ فِي أَثَر بَعْض، وَمِنْهُ يُقَال لِلَّبَنِ رِسْل ; لِأَنَّهُ يُرْسَل مِنْ الضَّرْع.
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
" الْكِتَاب " الْقُرْآن و " الْحِكْمَة " الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ، وَالْفِقْه فِي التَّأْوِيل، وَالْفَهْم الَّذِي هُوَ سَجِيَّة وَنُور مِنْ اللَّه تَعَالَى، قَالَهُ مَالِك، وَرَوَاهُ عَنْهُ اِبْن وَهْب، وَقَالَهُ اِبْن زَيْد.
وَقَالَ قَتَادَة :" الْحِكْمَة " السُّنَّة وَبَيَان الشَّرَائِع.
وَقِيلَ : الْحُكْم وَالْقَضَاء خَاصَّة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَنُسِبَ التَّعْلِيم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُعْطِي الْأُمُور الَّتِي يُنْظَر فِيهَا، وَيَعْلَم طَرِيق النَّظَر بِمَا يُلْقِيه اللَّه إِلَيْهِ مِنْ وَحْيه.
" الْكِتَاب " الْقُرْآن و " الْحِكْمَة " الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ، وَالْفِقْه فِي التَّأْوِيل، وَالْفَهْم الَّذِي هُوَ سَجِيَّة وَنُور مِنْ اللَّه تَعَالَى، قَالَهُ مَالِك، وَرَوَاهُ عَنْهُ اِبْن وَهْب، وَقَالَهُ اِبْن زَيْد.
وَقَالَ قَتَادَة :" الْحِكْمَة " السُّنَّة وَبَيَان الشَّرَائِع.
وَقِيلَ : الْحُكْم وَالْقَضَاء خَاصَّة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَنُسِبَ التَّعْلِيم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُعْطِي الْأُمُور الَّتِي يُنْظَر فِيهَا، وَيَعْلَم طَرِيق النَّظَر بِمَا يُلْقِيه اللَّه إِلَيْهِ مِنْ وَحْيه.
وَيُزَكِّيهِمْ
أَيْ يُطَهِّرهُمْ مِنْ وَضَر الشِّرْك، عَنْ اِبْن جُرَيْج وَغَيْره.
وَالزَّكَاة : التَّطْهِير، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَات تِلَاوَة ظَاهِر الْأَلْفَاظ.
وَالْكِتَاب مَعَانِي الْأَلْفَاظ.
وَالْحِكْمَة الْحُكْم، وَهُوَ مُرَاد اللَّه بِالْخِطَابِ مِنْ مُطْلَق وَمُقَيَّد، وَمُفَسَّر وَمُجْمَل، وَعُمُوم وَخُصُوص، وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
أَيْ يُطَهِّرهُمْ مِنْ وَضَر الشِّرْك، عَنْ اِبْن جُرَيْج وَغَيْره.
وَالزَّكَاة : التَّطْهِير، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَات تِلَاوَة ظَاهِر الْأَلْفَاظ.
وَالْكِتَاب مَعَانِي الْأَلْفَاظ.
وَالْحِكْمَة الْحُكْم، وَهُوَ مُرَاد اللَّه بِالْخِطَابِ مِنْ مُطْلَق وَمُقَيَّد، وَمُفَسَّر وَمُجْمَل، وَعُمُوم وَخُصُوص، وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
" وَالْعَزِيز " مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء، دَلِيله :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض ".
[ فَاطِر : ٤٤ ].
الْكِسَائِيّ :" الْعَزِيز " الْغَالِب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : ٢٣ ] وَفِي الْمَثَل :" مَنْ عَزَّ بَزَّ " أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
وَقِيلَ :" الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ، بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : ١١ ].
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي اِسْمه الْعَزِيز فِي كِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى " الْحَكِيم " وَالْحَمْد اللَّه.
" وَالْعَزِيز " مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء، دَلِيله :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض ".
[ فَاطِر : ٤٤ ].
الْكِسَائِيّ :" الْعَزِيز " الْغَالِب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : ٢٣ ] وَفِي الْمَثَل :" مَنْ عَزَّ بَزَّ " أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
وَقِيلَ :" الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ، بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : ١١ ].
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي اِسْمه الْعَزِيز فِي كِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى " الْحَكِيم " وَالْحَمْد اللَّه.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
" مَنْ " اِسْتِفْهَام فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، و " يَرْغَب " صِلَة " مَنْ ".
" إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه " فِي مَوْضِع الْخَبَر.
وَهُوَ تَقْرِيع وَتَوْبِيخ وَقَعَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْي، أَيْ وَمَا يَرْغَب، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَالْمَعْنَى : يَزْهَد فِيهَا وَيَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْهَا، أَيْ عَنْ الْمِلَّة وَهِيَ الدِّين وَالشَّرْع.
" إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه " قَالَ قَتَادَة : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، رَغِبُوا عَنْ مِلَّة إِبْرَاهِيم وَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِدْعَة لَيْسَتْ مِنْ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الزَّجَّاج :" سَفِهَ " بِمَعْنَى جَهِلَ، أَيْ جَهِلَ أَمْر نَفْسه فَلَمْ يُفَكِّر فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى أَهْلَكَ نَفْسه.
وَحَكَى ثَعْلَب وَالْمُبَرِّد أَنَّ " سَفِهَ " بِكَسْرِ الْفَاء يَتَعَدَّى كَسَفَّهَ بِفَتْحِ الْفَاء وَشَدّهَا.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْخَطَّاب وَيُونُس أَنَّهَا لُغَة.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" سَفِهَ نَفْسه " أَيْ فَعَلَ بِهَا مِنْ السَّفَه مَا صَارَ بِهِ سَفِيهًا.
وَعَنْهُ أَيْضًا هِيَ لُغَة بِمَعْنَى سَفَّهَ، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ، وَالْأَوَّل ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
فَأَمَّا سَفُهَ بِضَمِّ الْفَاء فَلَا يَتَعَدَّى، قَالَهُ الْمُبَرِّد وَثَعْلَب.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ الْأَخْفَش أَنَّ الْمَعْنَى جَهِلَ فِي نَفْسه، فَحُذِفَتْ " فِي " فَانْتَصَبَ.
قَالَ الْأَخْفَش : وَمِثْله " عُقْدَة النِّكَاح " [ الْبَقَرَة : ٢٣٥ ]، أَيْ عَلَى عُقْدَة النِّكَاح.
وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِيمَا حَكَاهُ مِنْ قَوْلهمْ : ضَرَبَ فُلَان الظَّهْر وَالْبَطْن، أَيْ فِي الظَّهْر وَالْبَطْن.
الْفَرَّاء : هُوَ تَمْيِيز.
قَالَ اِبْن بَحْر : مَعْنَاهُ جَهِلَ نَفْسه وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّلَالَات وَالْآيَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء، فَيُعْلَم بِهِ تَوْحِيد اللَّه وَقُدْرَته.
قُلْت : وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْل الزَّجَّاج، فَيُفَكِّر فِي نَفْسه مِنْ يَدَيْنِ يَبْطِش بِهِمَا، وَرِجْلَيْنِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا، وَعَيْن يُبْصِر بِهَا، وَأُذُن يَسْمَع بِهَا، وَلِسَان يَنْطِق بِهِ، وَأَضْرَاس تَنْبُت لَهُ عِنْد غِنَاهُ عَنْ الرَّضَاع وَحَاجَته إِلَى الْغِذَاء لِيَطْحَن بِهَا الطَّعَام، وَمَعِدَة أُعِدَّتْ لِطَبْخِ الْغِذَاء، وَكَبِد يَصْعَد إِلَيْهَا صَفْوه، وَعُرُوق وَمَعَابِر يَنْفُذ فِيهَا إِلَى الْأَطْرَاف، وَأَمْعَاء يَرْسُب إِلَيْهَا ثُفْل الْغِذَاء وَيَبْرُز مِنْ أَسْفَل الْبَدَن، فَيُسْتَدَلّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقًا قَادِرًا عَلِيمًا حَكِيمًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
أَشَارَ إِلَى هَذَا الْخَطَّابِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى.
وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " وَالذَّارِيَات " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ شَرِيعَة إِبْرَاهِيم شَرِيعَة لَنَا إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ :" مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم " [ الْحَجّ : ٧٨ ]، " أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم " [ النَّحْل : ١٢٣ ].
وَسَيَأْتِي بَيَانه.
" مَنْ " اِسْتِفْهَام فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، و " يَرْغَب " صِلَة " مَنْ ".
" إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه " فِي مَوْضِع الْخَبَر.
وَهُوَ تَقْرِيع وَتَوْبِيخ وَقَعَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْي، أَيْ وَمَا يَرْغَب، قَالَهُ النَّحَّاس.
وَالْمَعْنَى : يَزْهَد فِيهَا وَيَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْهَا، أَيْ عَنْ الْمِلَّة وَهِيَ الدِّين وَالشَّرْع.
" إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه " قَالَ قَتَادَة : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، رَغِبُوا عَنْ مِلَّة إِبْرَاهِيم وَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِدْعَة لَيْسَتْ مِنْ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الزَّجَّاج :" سَفِهَ " بِمَعْنَى جَهِلَ، أَيْ جَهِلَ أَمْر نَفْسه فَلَمْ يُفَكِّر فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْمَعْنَى أَهْلَكَ نَفْسه.
وَحَكَى ثَعْلَب وَالْمُبَرِّد أَنَّ " سَفِهَ " بِكَسْرِ الْفَاء يَتَعَدَّى كَسَفَّهَ بِفَتْحِ الْفَاء وَشَدّهَا.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْخَطَّاب وَيُونُس أَنَّهَا لُغَة.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" سَفِهَ نَفْسه " أَيْ فَعَلَ بِهَا مِنْ السَّفَه مَا صَارَ بِهِ سَفِيهًا.
وَعَنْهُ أَيْضًا هِيَ لُغَة بِمَعْنَى سَفَّهَ، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ، وَالْأَوَّل ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
فَأَمَّا سَفُهَ بِضَمِّ الْفَاء فَلَا يَتَعَدَّى، قَالَهُ الْمُبَرِّد وَثَعْلَب.
وَحَكَى الْكِسَائِيّ عَنْ الْأَخْفَش أَنَّ الْمَعْنَى جَهِلَ فِي نَفْسه، فَحُذِفَتْ " فِي " فَانْتَصَبَ.
قَالَ الْأَخْفَش : وَمِثْله " عُقْدَة النِّكَاح " [ الْبَقَرَة : ٢٣٥ ]، أَيْ عَلَى عُقْدَة النِّكَاح.
وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِيمَا حَكَاهُ مِنْ قَوْلهمْ : ضَرَبَ فُلَان الظَّهْر وَالْبَطْن، أَيْ فِي الظَّهْر وَالْبَطْن.
الْفَرَّاء : هُوَ تَمْيِيز.
قَالَ اِبْن بَحْر : مَعْنَاهُ جَهِلَ نَفْسه وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّلَالَات وَالْآيَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء، فَيُعْلَم بِهِ تَوْحِيد اللَّه وَقُدْرَته.
قُلْت : وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْل الزَّجَّاج، فَيُفَكِّر فِي نَفْسه مِنْ يَدَيْنِ يَبْطِش بِهِمَا، وَرِجْلَيْنِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا، وَعَيْن يُبْصِر بِهَا، وَأُذُن يَسْمَع بِهَا، وَلِسَان يَنْطِق بِهِ، وَأَضْرَاس تَنْبُت لَهُ عِنْد غِنَاهُ عَنْ الرَّضَاع وَحَاجَته إِلَى الْغِذَاء لِيَطْحَن بِهَا الطَّعَام، وَمَعِدَة أُعِدَّتْ لِطَبْخِ الْغِذَاء، وَكَبِد يَصْعَد إِلَيْهَا صَفْوه، وَعُرُوق وَمَعَابِر يَنْفُذ فِيهَا إِلَى الْأَطْرَاف، وَأَمْعَاء يَرْسُب إِلَيْهَا ثُفْل الْغِذَاء وَيَبْرُز مِنْ أَسْفَل الْبَدَن، فَيُسْتَدَلّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقًا قَادِرًا عَلِيمًا حَكِيمًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
أَشَارَ إِلَى هَذَا الْخَطَّابِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى.
وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " وَالذَّارِيَات " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ شَرِيعَة إِبْرَاهِيم شَرِيعَة لَنَا إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ :" مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم " [ الْحَجّ : ٧٨ ]، " أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّة إِبْرَاهِيم " [ النَّحْل : ١٢٣ ].
وَسَيَأْتِي بَيَانه.
وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا
أَيْ اِخْتَرْنَاهُ لِلرِّسَالَةِ فَجَعَلْنَاهُ صَافِيًا مِنْ الْأَدْنَاس وَالْأَصْل فِي " اِصْطَفَيْنَاهُ " اِصْتَفَيْنَاهُ، أُبْدِلَتْ التَّاء طَاء لِتَنَاسُبِهَا مَعَ الصَّاد فِي الْإِطْبَاق.
وَاللَّفْظ مُشْتَقّ مِنْ الصَّفْوَة، وَمَعْنَاهُ تَخَيُّر الْأَصْفَى.
أَيْ اِخْتَرْنَاهُ لِلرِّسَالَةِ فَجَعَلْنَاهُ صَافِيًا مِنْ الْأَدْنَاس وَالْأَصْل فِي " اِصْطَفَيْنَاهُ " اِصْتَفَيْنَاهُ، أُبْدِلَتْ التَّاء طَاء لِتَنَاسُبِهَا مَعَ الصَّاد فِي الْإِطْبَاق.
وَاللَّفْظ مُشْتَقّ مِنْ الصَّفْوَة، وَمَعْنَاهُ تَخَيُّر الْأَصْفَى.
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
الصَّالِح فِي الْآخِرَة هُوَ الْفَائِز.
ثُمَّ قِيلَ : كَيْف جَازَ تَقْدِيم " فِي الْآخِرَة " وَهُوَ دَاخِل فِي الصِّلَة، قَالَ النَّحَّاس : فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَيْسَ التَّقْدِير إِنَّهُ لَمِنْ الصَّالِحِينَ فِي الْآخِرَة، فَتَكُون الصِّلَة قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال : مِنْهَا أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَإِنَّهُ صَالِح فِي الْآخِرَة، ثُمَّ حَذَفَ.
وَقِيلَ :" فِي الْآخِرَة " مُتَعَلِّق بِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ صَلَاحه فِي الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّالِث : أَنَّ " الصَّالِحِينَ " لَيْسَ بِمَعْنَى الَّذِينَ صَلَحُوا ; وَلَكِنَّهُ اِسْم قَائِم بِنَفْسِهِ، كَمَا يُقَال الرَّجُل وَالْغُلَام.
قُلْت : وَقَوْل رَابِع أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنَّهُ فِي عَمَل الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ، فَالْكَلَام عَلَى حَذْف مُضَاف.
وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَجَازه وَلَقَدْ اِصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّالِحِينَ.
وَرَوَى حَجَّاج بْن حَجَّاج - وَهُوَ حَجَّاج الْأَسْوَد، وَهُوَ أَيْضًا حَجَّاج الْأَحْوَل الْمَعْرُوف بِزِقِّ الْعَسَل - قَالَ : سَمِعْت مُعَاوِيَة بْن قُرَّة يَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّالِحِينَ أَنْتَ أَصْلَحْتهمْ وَرَزَقْتهمْ أَنْ عَمِلُوا بِطَاعَتِك فَرَضِيت عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ كَمَا أَصْلَحْتهمْ فَأَصْلِحْنَا، وَكَمَا رَزَقْتهمْ أَنْ عَمِلُوا بِطَاعَتِك فَرَضِيت عَنْهُمْ فَارْزُقْنَا أَنْ نَعْمَل بِطَاعَتِك، وَارْضَ عَنَّا.
الصَّالِح فِي الْآخِرَة هُوَ الْفَائِز.
ثُمَّ قِيلَ : كَيْف جَازَ تَقْدِيم " فِي الْآخِرَة " وَهُوَ دَاخِل فِي الصِّلَة، قَالَ النَّحَّاس : فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَيْسَ التَّقْدِير إِنَّهُ لَمِنْ الصَّالِحِينَ فِي الْآخِرَة، فَتَكُون الصِّلَة قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال : مِنْهَا أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَإِنَّهُ صَالِح فِي الْآخِرَة، ثُمَّ حَذَفَ.
وَقِيلَ :" فِي الْآخِرَة " مُتَعَلِّق بِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ صَلَاحه فِي الْآخِرَة.
وَالْقَوْل الثَّالِث : أَنَّ " الصَّالِحِينَ " لَيْسَ بِمَعْنَى الَّذِينَ صَلَحُوا ; وَلَكِنَّهُ اِسْم قَائِم بِنَفْسِهِ، كَمَا يُقَال الرَّجُل وَالْغُلَام.
قُلْت : وَقَوْل رَابِع أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنَّهُ فِي عَمَل الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ، فَالْكَلَام عَلَى حَذْف مُضَاف.
وَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَجَازه وَلَقَدْ اِصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّالِحِينَ.
وَرَوَى حَجَّاج بْن حَجَّاج - وَهُوَ حَجَّاج الْأَسْوَد، وَهُوَ أَيْضًا حَجَّاج الْأَحْوَل الْمَعْرُوف بِزِقِّ الْعَسَل - قَالَ : سَمِعْت مُعَاوِيَة بْن قُرَّة يَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّالِحِينَ أَنْتَ أَصْلَحْتهمْ وَرَزَقْتهمْ أَنْ عَمِلُوا بِطَاعَتِك فَرَضِيت عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ كَمَا أَصْلَحْتهمْ فَأَصْلِحْنَا، وَكَمَا رَزَقْتهمْ أَنْ عَمِلُوا بِطَاعَتِك فَرَضِيت عَنْهُمْ فَارْزُقْنَا أَنْ نَعْمَل بِطَاعَتِك، وَارْضَ عَنَّا.
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
الْعَامِل فِي " إِذْ " قَوْله :" اِصْطَفَيْنَاهُ " أَيْ اِصْطَفَيْنَاهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ.
وَكَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى حِين اِبْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ وَالْقَمَر وَالشَّمْس.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَالْكَلْبِيّ : أَيْ أَخْلِصْ دِينك لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ.
وَقِيلَ : اِخْضَعْ وَاخْشَعْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ حِين خَرَجَ مِنْ السَّرَب، عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره فِي " الْأَنْعَام ".
وَالْإِسْلَام هُنَا عَلَى أَتَمّ وُجُوهه.
وَالْإِسْلَام فِي كَلَام الْعَرَب : الْخُضُوع وَالِانْقِيَاد لِلْمُسْتَسْلِمِ.
وَلَيْسَ كُلّ إِسْلَام إِيمَانًا، وَكُلّ إِيمَان إِسْلَام، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ فَقَدْ اِسْتَلَمَ وَانْقَادَ لِلَّهِ.
وَلَيْسَ كُلّ مَنْ أَسْلَمَ آمَنَ بِاَللَّهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَكَلَّم فَزَعًا مِنْ السَّيْف، وَلَا يَكُون ذَلِكَ إِيمَانًا، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِج حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان، فَكُلّ مُؤْمِن مُسْلِم، وَكُلّ مُسْلِم مُؤْمِن، لِقَوْلِهِ :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَام هُوَ الدِّين، وَأَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى :" قَالَتْ الْأَعْرَاب آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا " [ الْحُجُرَات : ١٤ ] الْآيَة.
فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ مَنْ أَسْلَمَ مُؤْمِنًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ مُسْلِم مُؤْمِنًا، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا قَالَ لَهُ : أَعْطِ فُلَانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِن، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَمُسْلِم ) الْحَدِيث، خَرَّجَهُ مُسْلِم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَان لَيْسَ الْإِسْلَام، فَإِنَّ الْإِيمَان بَاطِن، وَالْإِسْلَام ظَاهِر، وَهَذَا بَيِّن.
وَقَدْ يُطْلَق الْإِيمَان بِمَعْنَى الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام وَيُرَاد بِهِ الْإِيمَان، لِلُزُومِ أَحَدهمَا الْآخَر وَصُدُوره عَنْهُ، كَالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَة الْإِيمَان وَدَلَالَة عَلَى صِحَّته، فَاعْلَمْهُ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
الْعَامِل فِي " إِذْ " قَوْله :" اِصْطَفَيْنَاهُ " أَيْ اِصْطَفَيْنَاهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ.
وَكَانَ هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى حِين اِبْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ وَالْقَمَر وَالشَّمْس.
قَالَ اِبْن كَيْسَان وَالْكَلْبِيّ : أَيْ أَخْلِصْ دِينك لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ.
وَقِيلَ : اِخْضَعْ وَاخْشَعْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ حِين خَرَجَ مِنْ السَّرَب، عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره فِي " الْأَنْعَام ".
وَالْإِسْلَام هُنَا عَلَى أَتَمّ وُجُوهه.
وَالْإِسْلَام فِي كَلَام الْعَرَب : الْخُضُوع وَالِانْقِيَاد لِلْمُسْتَسْلِمِ.
وَلَيْسَ كُلّ إِسْلَام إِيمَانًا، وَكُلّ إِيمَان إِسْلَام، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ فَقَدْ اِسْتَلَمَ وَانْقَادَ لِلَّهِ.
وَلَيْسَ كُلّ مَنْ أَسْلَمَ آمَنَ بِاَللَّهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَكَلَّم فَزَعًا مِنْ السَّيْف، وَلَا يَكُون ذَلِكَ إِيمَانًا، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِج حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان، فَكُلّ مُؤْمِن مُسْلِم، وَكُلّ مُسْلِم مُؤْمِن، لِقَوْلِهِ :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَام هُوَ الدِّين، وَأَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى :" قَالَتْ الْأَعْرَاب آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا " [ الْحُجُرَات : ١٤ ] الْآيَة.
فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ مَنْ أَسْلَمَ مُؤْمِنًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ مُسْلِم مُؤْمِنًا، وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا قَالَ لَهُ : أَعْطِ فُلَانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِن، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَمُسْلِم ) الْحَدِيث، خَرَّجَهُ مُسْلِم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَان لَيْسَ الْإِسْلَام، فَإِنَّ الْإِيمَان بَاطِن، وَالْإِسْلَام ظَاهِر، وَهَذَا بَيِّن.
وَقَدْ يُطْلَق الْإِيمَان بِمَعْنَى الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام وَيُرَاد بِهِ الْإِيمَان، لِلُزُومِ أَحَدهمَا الْآخَر وَصُدُوره عَنْهُ، كَالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَة الْإِيمَان وَدَلَالَة عَلَى صِحَّته، فَاعْلَمْهُ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ
أَيْ بِالْمِلَّةِ، وَقِيلَ : بِالْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ قَوْله :" أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " وَهُوَ أَصْوَب ; لِأَنَّهُ أَقْرَب مَذْكُور، أَيْ قُولُوا أَسْلَمْنَا.
وَوَصَّى وَأَوْصَى لُغَتَانِ لِقُرَيْشٍ وَغَيْرهمْ بِمَعْنًى، مِثْل كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " وَوَصَّى "، وَفِي مُصْحَف عُثْمَان " وَأَوْصَى " وَهِيَ قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام.
الْبَاقُونَ " وَوَصَّى " وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِير.
" وَإِبْرَاهِيم " رُفِعَ بِفِعْلِهِ، " وَيَعْقُوب " عُطِفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ : هُوَ مَقْطُوع مُسْتَأْنَف، وَالْمَعْنَى : وَأَوْصَى يَعْقُوب وَقَالَ يَا بُنَيّ إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى لَكُمْ الدِّين، فَيَكُون إِبْرَاهِيم قَدْ وَصَّى بَنِيهِ، ثُمَّ وَصَّى بَعْده يَعْقُوب بَنِيهِ.
وَبَنُو إِبْرَاهِيم : إِسْمَاعِيل، وَأُمّه هَاجَر الْقِبْطِيَّة، وَهُوَ أَكْبَر وَلَده، نَقَلَهُ إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة وَهُوَ رَضِيع.
وَقِيلَ : كَانَ لَهُ سَنَتَانِ، وَقِيلَ : كَانَ لَهُ أَرْبَع عَشْرَة سَنَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَوُلِدَ قَبْل أَخِيهِ إِسْحَاق بِأَرْبَعَ عَشْرَة سَنَة، وَمَاتَ وَلَهُ مِائَة وَسَبْع وَثَلَاثُونَ سَنَة.
وَقِيلَ : مِائَة وَثَلَاثُونَ.
وَكَانَ سِنّه لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام تِسْعًا وَثَمَانِينَ سَنَة، وَهُوَ الذَّبِيح فِي قَوْل.
وَإِسْحَاق أُمّه سَارَّة، وَهُوَ الذَّبِيح فِي قَوْل آخَر، وَهُوَ الْأَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " وَالصَّافَّات " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَمِنْ وَلَده الرُّوم وَالْيُونَان وَالْأَرْمَن وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ وَبَنُو إِسْرَائِيل.
وَعَاشَ إِسْحَاق مِائَة وَثَمَانِينَ سَنَة، وَمَاتَ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَة وَدُفِنَ عِنْد أَبِيهِ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام.
ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَتْ سَارَّة تَزَوَّجَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قنطورا بِنْت يقطن الْكَنْعَانِيَّة، فَوَلَدَتْ لَهُ مَدْيَن ومداين ونهشان وزمران ونشيق وشيوخ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَانَ بَيْن وَفَاته وَبَيْن مَوْلِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو مِنْ أَلْفَيْ سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة، وَالْيَهُود يَنْقُصُونَ مِنْ ذَلِكَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة.
وَسَيَأْتِي ذِكْر أَوْلَاد يَعْقُوب فِي سُورَة " يُوسُف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَرَأَ عَمْرو بْن فَائِد الْأَسْوَارِيّ وَإِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه الْمَكِّيّ :" وَيَعْقُوب " بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " بَنِيهِ "، فَيَكُون يَعْقُوب دَاخِلًا فِيمَنْ أَوْصَى.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقُرِئَ " يَعْقُوب " بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " بَنِيهِ " وَهُوَ بَعِيد ; لِأَنَّ يَعْقُوب لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْن أَوْلَاد إِبْرَاهِيم لَمَّا وَصَّاهُمْ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ يَعْقُوب أَدْرَكَ جَدّه إِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا وُلِدَ بَعْد مَوْت إِبْرَاهِيم، وَأَنَّ يَعْقُوب أَوْصَى بَنِيهِ أَيْضًا كَمَا فَعَلَ إِبْرَاهِيم.
وَسَيَأْتِي تَسْمِيَة أَوْلَاد يَعْقُوب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
أَيْ بِالْمِلَّةِ، وَقِيلَ : بِالْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ قَوْله :" أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " وَهُوَ أَصْوَب ; لِأَنَّهُ أَقْرَب مَذْكُور، أَيْ قُولُوا أَسْلَمْنَا.
وَوَصَّى وَأَوْصَى لُغَتَانِ لِقُرَيْشٍ وَغَيْرهمْ بِمَعْنًى، مِثْل كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " وَوَصَّى "، وَفِي مُصْحَف عُثْمَان " وَأَوْصَى " وَهِيَ قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام.
الْبَاقُونَ " وَوَصَّى " وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِير.
" وَإِبْرَاهِيم " رُفِعَ بِفِعْلِهِ، " وَيَعْقُوب " عُطِفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ : هُوَ مَقْطُوع مُسْتَأْنَف، وَالْمَعْنَى : وَأَوْصَى يَعْقُوب وَقَالَ يَا بُنَيّ إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى لَكُمْ الدِّين، فَيَكُون إِبْرَاهِيم قَدْ وَصَّى بَنِيهِ، ثُمَّ وَصَّى بَعْده يَعْقُوب بَنِيهِ.
وَبَنُو إِبْرَاهِيم : إِسْمَاعِيل، وَأُمّه هَاجَر الْقِبْطِيَّة، وَهُوَ أَكْبَر وَلَده، نَقَلَهُ إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَّة وَهُوَ رَضِيع.
وَقِيلَ : كَانَ لَهُ سَنَتَانِ، وَقِيلَ : كَانَ لَهُ أَرْبَع عَشْرَة سَنَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَوُلِدَ قَبْل أَخِيهِ إِسْحَاق بِأَرْبَعَ عَشْرَة سَنَة، وَمَاتَ وَلَهُ مِائَة وَسَبْع وَثَلَاثُونَ سَنَة.
وَقِيلَ : مِائَة وَثَلَاثُونَ.
وَكَانَ سِنّه لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام تِسْعًا وَثَمَانِينَ سَنَة، وَهُوَ الذَّبِيح فِي قَوْل.
وَإِسْحَاق أُمّه سَارَّة، وَهُوَ الذَّبِيح فِي قَوْل آخَر، وَهُوَ الْأَصَحّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " وَالصَّافَّات " إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَمِنْ وَلَده الرُّوم وَالْيُونَان وَالْأَرْمَن وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ وَبَنُو إِسْرَائِيل.
وَعَاشَ إِسْحَاق مِائَة وَثَمَانِينَ سَنَة، وَمَاتَ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَة وَدُفِنَ عِنْد أَبِيهِ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام.
ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَتْ سَارَّة تَزَوَّجَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قنطورا بِنْت يقطن الْكَنْعَانِيَّة، فَوَلَدَتْ لَهُ مَدْيَن ومداين ونهشان وزمران ونشيق وشيوخ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَانَ بَيْن وَفَاته وَبَيْن مَوْلِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو مِنْ أَلْفَيْ سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة، وَالْيَهُود يَنْقُصُونَ مِنْ ذَلِكَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة.
وَسَيَأْتِي ذِكْر أَوْلَاد يَعْقُوب فِي سُورَة " يُوسُف " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَرَأَ عَمْرو بْن فَائِد الْأَسْوَارِيّ وَإِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه الْمَكِّيّ :" وَيَعْقُوب " بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " بَنِيهِ "، فَيَكُون يَعْقُوب دَاخِلًا فِيمَنْ أَوْصَى.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقُرِئَ " يَعْقُوب " بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى " بَنِيهِ " وَهُوَ بَعِيد ; لِأَنَّ يَعْقُوب لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْن أَوْلَاد إِبْرَاهِيم لَمَّا وَصَّاهُمْ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ يَعْقُوب أَدْرَكَ جَدّه إِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا وُلِدَ بَعْد مَوْت إِبْرَاهِيم، وَأَنَّ يَعْقُوب أَوْصَى بَنِيهِ أَيْضًا كَمَا فَعَلَ إِبْرَاهِيم.
وَسَيَأْتِي تَسْمِيَة أَوْلَاد يَعْقُوب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْكَلْبِيّ : لَمَّا دَخَلَ يَعْقُوب إِلَى مِصْر رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَالنِّيرَان وَالْبَقَر، فَجَمَعَ وَلَده وَخَافَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ وَيُقَال : إِنَّمَا سُمِّيَ يَعْقُوب لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ وَالْعِيص تَوْأَمَيْنِ، فَخَرَجَ مِنْ بَطْن أُمّه آخِذًا بِعَقِبِ أَخِيهِ الْعِيص.
وَفِي ذَلِكَ نَظَر ; لِأَنَّ هَذَا اِشْتِقَاق عَرَبِيّ، وَيَعْقُوب اِسْم أَعْجَمِيّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ الْعَرَبِيَّة فِي التَّسْمِيَة بِهِ كَذَكَرِ الْحَجَل.
عَاشَ عَلَيْهِ السَّلَام مِائَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة وَمَاتَ بِمِصْر، وَأَوْصَى أَنْ يُحْمَل إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة، وَيُدْفَن عِنْد أَبِيهِ إِسْحَاق، فَحَمَلَهُ يُوسُف وَدَفَنَهُ عِنْده.
وَفِي ذَلِكَ نَظَر ; لِأَنَّ هَذَا اِشْتِقَاق عَرَبِيّ، وَيَعْقُوب اِسْم أَعْجَمِيّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ الْعَرَبِيَّة فِي التَّسْمِيَة بِهِ كَذَكَرِ الْحَجَل.
عَاشَ عَلَيْهِ السَّلَام مِائَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة وَمَاتَ بِمِصْر، وَأَوْصَى أَنْ يُحْمَل إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة، وَيُدْفَن عِنْد أَبِيهِ إِسْحَاق، فَحَمَلَهُ يُوسُف وَدَفَنَهُ عِنْده.
يَا
مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ وَابْن مَسْعُود وَالضَّحَّاك.
قَالَ الْفَرَّاء : أُلْغِيَتْ أَنْ لِأَنَّ التَّوْصِيَة كَالْقَوْلِ، وَكُلّ كَلَام يَرْجِع إِلَى الْقَوْل جَازَ فِيهِ دُخُول أَنْ وَجَازَ فِيهِ إِلْغَاؤُهَا.
قَالَ : وَقَوْل النَّحْوِيِّينَ إِنَّمَا أَرَادَ " أَنْ " فَأُلْغِيَتْ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
النَّحَّاس :" يَا بَنِيَّ " نِدَاء مُضَاف، وَهَذِهِ يَاء النَّفْس لَا يَجُوز هُنَا إِلَّا فَتْحهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ سُكِّنَتْ لَالْتَقَى سَاكِنَانِ، وَمِثْله " بِمُصْرِخِيَّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ].
مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ وَابْن مَسْعُود وَالضَّحَّاك.
قَالَ الْفَرَّاء : أُلْغِيَتْ أَنْ لِأَنَّ التَّوْصِيَة كَالْقَوْلِ، وَكُلّ كَلَام يَرْجِع إِلَى الْقَوْل جَازَ فِيهِ دُخُول أَنْ وَجَازَ فِيهِ إِلْغَاؤُهَا.
قَالَ : وَقَوْل النَّحْوِيِّينَ إِنَّمَا أَرَادَ " أَنْ " فَأُلْغِيَتْ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
النَّحَّاس :" يَا بَنِيَّ " نِدَاء مُضَاف، وَهَذِهِ يَاء النَّفْس لَا يَجُوز هُنَا إِلَّا فَتْحهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ سُكِّنَتْ لَالْتَقَى سَاكِنَانِ، وَمِثْله " بِمُصْرِخِيَّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ].
بَنِيَّ إِنَّ
كُسِرَتْ " إِنَّ " لِأَنْ أَوْصَى وَقَالَ وَاحِد.
وَقِيلَ : عَلَى إِضْمَار الْقَوْل.
كُسِرَتْ " إِنَّ " لِأَنْ أَوْصَى وَقَالَ وَاحِد.
وَقِيلَ : عَلَى إِضْمَار الْقَوْل.
اللَّهَ
اِخْتَارَ.
قَالَ الرَّاجِز :
لَك اِصْطَفَاهَا وَلَهَا اِصْطَفَاكَا
اِخْتَارَ.
قَالَ الرَّاجِز :
| يَا بْن مُلُوك وَرَّثُوا الْأَمْلَاكَا | خِلَافَة اللَّه الَّتِي أَعْطَاكَا |
اصْطَفَى لَكُمُ
أَيْ الْإِسْلَام، وَالْأَلِف وَاللَّام فِي " الدِّين " لِلْعَهْدِ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا عَرَفُوهُ.
أَيْ الْإِسْلَام، وَالْأَلِف وَاللَّام فِي " الدِّين " لِلْعَهْدِ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا عَرَفُوهُ.
الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
إِيجَاز بَلِيغ.
وَالْمَعْنَى : اِلْزَمُوا الْإِسْلَام وَدُومُوا عَلَيْهِ وَلَا تُفَارِقُوهُ حَتَّى، تَمُوتُوا.
فَأَتَى بِلَفْظٍ مُوجِز يَتَضَمَّن الْمَقْصُود، وَيَتَضَمَّن وَعْظًا وَتَذْكِيرًا بِالْمَوْتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْء يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَمُوت وَلَا يَدْرِي مَتَى، فَإِذَا أُمِرَ بِأَمْرٍ لَا يَأْتِيه الْمَوْت إِلَّا وَهُوَ عَلَيْهِ، فَقَدْ تَوَجَّهَ الْخِطَاب مِنْ وَقْت الْأَمْر دَائِبًا لَازِمًا.
" لَا " نَهْي " تَمُوتُنَّ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ، أُكِّدَ بِالنُّونِ الثَّقِيلَة، وَحُذِفَتْ الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
" إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمْ الظَّنّ، وَقِيلَ مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ مُفَوِّضُونَ، وَقِيلَ مُؤْمِنُونَ.
إِيجَاز بَلِيغ.
وَالْمَعْنَى : اِلْزَمُوا الْإِسْلَام وَدُومُوا عَلَيْهِ وَلَا تُفَارِقُوهُ حَتَّى، تَمُوتُوا.
فَأَتَى بِلَفْظٍ مُوجِز يَتَضَمَّن الْمَقْصُود، وَيَتَضَمَّن وَعْظًا وَتَذْكِيرًا بِالْمَوْتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْء يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَمُوت وَلَا يَدْرِي مَتَى، فَإِذَا أُمِرَ بِأَمْرٍ لَا يَأْتِيه الْمَوْت إِلَّا وَهُوَ عَلَيْهِ، فَقَدْ تَوَجَّهَ الْخِطَاب مِنْ وَقْت الْأَمْر دَائِبًا لَازِمًا.
" لَا " نَهْي " تَمُوتُنَّ " فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ، أُكِّدَ بِالنُّونِ الثَّقِيلَة، وَحُذِفَتْ الْوَاو لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
" إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمْ الظَّنّ، وَقِيلَ مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ مُفَوِّضُونَ، وَقِيلَ مُؤْمِنُونَ.
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي
" أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء " خَبَر كَانَ، وَلَمْ يُصْرَف لِأَنَّ فِيهِ أَلِف التَّأْنِيث، وَدَخَلَتْ لِتَأْنِيثِ الْجَمَاعَة كَمَا تَدْخُل الْهَاء.
وَالْخِطَاب لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَنْسُبُونَ إِلَى إِبْرَاهِيم مَا لَمْ يُوصِ بِهِ بَنِيهِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة، فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ وَكَذَّبَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ : أَشَهِدْتُمْ يَعْقُوب وَعَلِمْتُمْ بِمَا أَوْصَى فَتَدَّعُونَ عَنْ عِلْم، أَيْ لَمْ تَشْهَدُوا، بَلْ أَنْتُمْ تَفْتَرُونَ.
و " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ أَشَهِدَ أَسْلَافكُمْ يَعْقُوب.
وَالْعَامِل فِي " إِذْ " الْأُولَى مَعْنَى الشَّهَادَة، و " إِذْ " الثَّانِيَة بَدَل مِنْ الْأُولَى.
و " شُهَدَاء " جَمْع شَاهِد أَيْ حَاضِر.
وَمَعْنَى " حَضَرَ يَعْقُوب الْمَوْت " أَيْ مُقَدِّمَاته وَأَسْبَابه، وَإِلَّا فَلَوْ حَضَرَ الْمَوْت لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَقُول شَيْئًا.
وَعَبَّرَ عَنْ الْمَعْبُود " بِمَا " وَلَمْ يَقُلْ مَنْ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرهُمْ، وَلَوْ قَالَ " مَنْ " لَكَانَ مَقْصُوده أَنْ يَنْظُر مَنْ لَهُمْ الِاهْتِدَاء مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَجْرِبَتهمْ فَقَالَ " مَا ".
وَأَيْضًا فَالْمَعْبُودَات الْمُتَعَارَفَة مِنْ دُون اللَّه جَمَادَات كَالْأَوْثَانِ وَالنَّار وَالشَّمْس وَالْحِجَارَة، فَاسْتَفْهَمَ عَمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ.
وَمَعْنَى " مِنْ بَعْدِي " أَيْ مِنْ بَعْد مَوْتِي.
وَحُكِيَ أَنَّ يَعْقُوب حِين خُيِّرَ كَمَا تُخَيَّر الْأَنْبِيَاء اِخْتَارَ الْمَوْت وَقَالَ : أَمْهِلُونِي حَتَّى أُوصِي بَنِيَّ وَأَهْلِي، فَجَمَعَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هَذَا، فَاهْتَدَوْا وَقَالُوا :" نَعْبُد إِلَهك " الْآيَة.
فَأَرَوْهُ ثُبُوتهمْ عَلَى الدِّين وَمَعْرِفَتهمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
" أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء " خَبَر كَانَ، وَلَمْ يُصْرَف لِأَنَّ فِيهِ أَلِف التَّأْنِيث، وَدَخَلَتْ لِتَأْنِيثِ الْجَمَاعَة كَمَا تَدْخُل الْهَاء.
وَالْخِطَاب لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَنْسُبُونَ إِلَى إِبْرَاهِيم مَا لَمْ يُوصِ بِهِ بَنِيهِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة، فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ وَكَذَّبَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ عَلَى جِهَة التَّوْبِيخ : أَشَهِدْتُمْ يَعْقُوب وَعَلِمْتُمْ بِمَا أَوْصَى فَتَدَّعُونَ عَنْ عِلْم، أَيْ لَمْ تَشْهَدُوا، بَلْ أَنْتُمْ تَفْتَرُونَ.
و " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ أَشَهِدَ أَسْلَافكُمْ يَعْقُوب.
وَالْعَامِل فِي " إِذْ " الْأُولَى مَعْنَى الشَّهَادَة، و " إِذْ " الثَّانِيَة بَدَل مِنْ الْأُولَى.
و " شُهَدَاء " جَمْع شَاهِد أَيْ حَاضِر.
وَمَعْنَى " حَضَرَ يَعْقُوب الْمَوْت " أَيْ مُقَدِّمَاته وَأَسْبَابه، وَإِلَّا فَلَوْ حَضَرَ الْمَوْت لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَقُول شَيْئًا.
وَعَبَّرَ عَنْ الْمَعْبُود " بِمَا " وَلَمْ يَقُلْ مَنْ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرهُمْ، وَلَوْ قَالَ " مَنْ " لَكَانَ مَقْصُوده أَنْ يَنْظُر مَنْ لَهُمْ الِاهْتِدَاء مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَجْرِبَتهمْ فَقَالَ " مَا ".
وَأَيْضًا فَالْمَعْبُودَات الْمُتَعَارَفَة مِنْ دُون اللَّه جَمَادَات كَالْأَوْثَانِ وَالنَّار وَالشَّمْس وَالْحِجَارَة، فَاسْتَفْهَمَ عَمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ هَذِهِ.
وَمَعْنَى " مِنْ بَعْدِي " أَيْ مِنْ بَعْد مَوْتِي.
وَحُكِيَ أَنَّ يَعْقُوب حِين خُيِّرَ كَمَا تُخَيَّر الْأَنْبِيَاء اِخْتَارَ الْمَوْت وَقَالَ : أَمْهِلُونِي حَتَّى أُوصِي بَنِيَّ وَأَهْلِي، فَجَمَعَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هَذَا، فَاهْتَدَوْا وَقَالُوا :" نَعْبُد إِلَهك " الْآيَة.
فَأَرَوْهُ ثُبُوتهمْ عَلَى الدِّين وَمَعْرِفَتهمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا
" إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْبَدَل، وَلَمْ تَنْصَرِف لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّة.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَإِنْ شِئْت صَرَفْت " إِسْحَاق " وَجَعَلْته مِنْ السَّحْق، وَصَرَفْت " يَعْقُوب " وَجَعَلْته مِنْ الطَّيْر.
وَسَمَّى اللَّه كُلّ وَاحِد مِنْ الْعَمّ وَالْجَدّ أَبًا، وَبَدَأَ بِذِكْرِ الْجَدّ ثُمَّ إِسْمَاعِيل الْعَمّ لِأَنَّهُ أَكْبَر مِنْ إِسْحَاق.
و " إِلَهًا " بَدَل مِنْ " إِلَهك " بَدَل النَّكِرَة مِنْ الْمَعْرِفَة، وَكَرَّرَهُ لِفَائِدَةِ الصِّفَة بِالْوَحْدَانِيَّةِ.
وَقِيلَ :" إِلَهًا " حَال.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ قَوْل حَسَن ; لِأَنَّ الْغَرَض إِثْبَات حَال الْوَحْدَانِيَّة.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَحْيَى بْن يَعْمَر وَالْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ " وَإِلَه أَبِيك " وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون أَفْرَدَ وَأَرَادَ إِبْرَاهِيم وَحْده، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَل إِسْمَاعِيل أَبًا لِأَنَّهُ عَمّ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَجِب ; لِأَنَّ الْعَرَب تُسَمِّي الْعَمّ أَبًا.
الثَّانِي : عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُون " أَبِيك " جَمْع سَلَامَة، حَكَى سِيبَوَيْهِ أَب وَأَبُون وَأَبِين، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ
وَقَالَ آخَر :
" إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْبَدَل، وَلَمْ تَنْصَرِف لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّة.
قَالَ الْكِسَائِيّ : وَإِنْ شِئْت صَرَفْت " إِسْحَاق " وَجَعَلْته مِنْ السَّحْق، وَصَرَفْت " يَعْقُوب " وَجَعَلْته مِنْ الطَّيْر.
وَسَمَّى اللَّه كُلّ وَاحِد مِنْ الْعَمّ وَالْجَدّ أَبًا، وَبَدَأَ بِذِكْرِ الْجَدّ ثُمَّ إِسْمَاعِيل الْعَمّ لِأَنَّهُ أَكْبَر مِنْ إِسْحَاق.
و " إِلَهًا " بَدَل مِنْ " إِلَهك " بَدَل النَّكِرَة مِنْ الْمَعْرِفَة، وَكَرَّرَهُ لِفَائِدَةِ الصِّفَة بِالْوَحْدَانِيَّةِ.
وَقِيلَ :" إِلَهًا " حَال.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهُوَ قَوْل حَسَن ; لِأَنَّ الْغَرَض إِثْبَات حَال الْوَحْدَانِيَّة.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَحْيَى بْن يَعْمَر وَالْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ " وَإِلَه أَبِيك " وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون أَفْرَدَ وَأَرَادَ إِبْرَاهِيم وَحْده، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَل إِسْمَاعِيل أَبًا لِأَنَّهُ عَمّ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا يَجِب ; لِأَنَّ الْعَرَب تُسَمِّي الْعَمّ أَبًا.
الثَّانِي : عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُون " أَبِيك " جَمْع سَلَامَة، حَكَى سِيبَوَيْهِ أَب وَأَبُون وَأَبِين، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ
وَقَالَ آخَر :
| فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتنَا | بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالْأَبِينَا |
| وَاَللَّه لَوْلَا حَنَف بِرِجْلِهِ | مَا كَانَ فِي فِتْيَانكُمْ مِنْ مِثْله |
| إِذَا حَوَّلَ الظِّلّ الْعَشِيّ رَأَيْته | حَنِيفًا وَفِي قَرْن الضُّحَى يَتَنَصَّر |
وَقَالَ قَوْم : الْحَنَف الِاسْتِقَامَة، فَسُمِّيَ دِين إِبْرَاهِيم حَنِيفًا لِاسْتِقَامَتِهِ.
وَسُمِّيَ الْمِعْوَجّ الرِّجْلَيْنِ أَحْنَف تَفَاؤُلًا بِالِاسْتِقَامَةِ، كَمَا قِيلَ لِلَّدِيغِ سَلِيم، وَلِلْمَهْلِكَة مَفَازَة، فِي قَوْل أَكْثَرهمْ.
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ
خَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَام، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُصَدِّقُوا أَهْل الْكِتَاب وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ ) الْآيَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : إِذَا قِيلَ لَك أَنْتَ مُؤْمِن ؟ فَقُلْ :" آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " الْآيَة.
وَكَرِهَ أَكْثَر السَّلَف أَنْ يَقُول الرَّجُل : أَنَا مُؤْمِن حَقًّا، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَنْفَال " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَسُئِلَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ رَجُل قِيلَ لَهُ : أَتُؤْمِنُ بِفُلَانٍ النَّبِيّ، فَسَمَّاهُ بِاسْمٍ لَمْ يَعْرِفهُ، فَلَوْ قَالَ نَعَمْ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، فَقَدْ شَهِدَ بِالنُّبُوَّةِ لِغَيْرِ نَبِيّ، وَلَوْ قَالَ لَا، فَلَعَلَّهُ نَبِيّ، فَقَدْ جَحَدَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء، فَكَيْف يَصْنَع ؟ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَقُول : إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَقَدْ آمَنْت بِهِ.
وَالْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَة لِهَذِهِ الْأُمَّة، عَلَّمَهُمْ الْإِيمَان.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : جَاءَ نَفَر مِنْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
فَلَمَّا جَاءَ ذِكْر عِيسَى قَالُوا : لَا نُؤْمِن بِعِيسَى وَلَا مَنْ آمَنَ بِهِ.
خَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَام، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُصَدِّقُوا أَهْل الْكِتَاب وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ ) الْآيَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : إِذَا قِيلَ لَك أَنْتَ مُؤْمِن ؟ فَقُلْ :" آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق " الْآيَة.
وَكَرِهَ أَكْثَر السَّلَف أَنْ يَقُول الرَّجُل : أَنَا مُؤْمِن حَقًّا، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَنْفَال " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَسُئِلَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ رَجُل قِيلَ لَهُ : أَتُؤْمِنُ بِفُلَانٍ النَّبِيّ، فَسَمَّاهُ بِاسْمٍ لَمْ يَعْرِفهُ، فَلَوْ قَالَ نَعَمْ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، فَقَدْ شَهِدَ بِالنُّبُوَّةِ لِغَيْرِ نَبِيّ، وَلَوْ قَالَ لَا، فَلَعَلَّهُ نَبِيّ، فَقَدْ جَحَدَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء، فَكَيْف يَصْنَع ؟ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَقُول : إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَقَدْ آمَنْت بِهِ.
وَالْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَة لِهَذِهِ الْأُمَّة، عَلَّمَهُمْ الْإِيمَان.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : جَاءَ نَفَر مِنْ الْيَهُود إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
فَلَمَّا جَاءَ ذِكْر عِيسَى قَالُوا : لَا نُؤْمِن بِعِيسَى وَلَا مَنْ آمَنَ بِهِ.
وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ
جَمْع إِبْرَاهِيم بَرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل سَمَاعِيل، قَالَهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ، وَقَالَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَحَكَوْا بَرَاهِمَة وَسَمَاعِلَة، وَحَكَوْا بَرَاهِم وَسَمَاعِل.
قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْهَمْزَة لَيْسَ هَذَا مَوْضِع زِيَادَتهَا، وَلَكِنْ أَقُول : أَبَارِه وَأَسَامِع، وَيَجُوز أَبَارِيه وَأَسَامِيع.
وَأَجَازَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بِرَاه، كَمَا يُقَال فِي التَّصْغِير بُرَيْه.
وَجَمْع إِسْحَاق أَسَاحِيق، وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ أَسَاحِقَة وَأَسَاحِق، وَكَذَا يَعْقُوب وَيَعَاقِيب، وَيَعَاقِبَة وَيَعَاقِب.
قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا إِسْرَائِيل فَلَا نَعْلَم أَحَدًا يُجِيز حَذْف الْهَمْزَة مِنْ أَوَّله، وَإِنَّمَا يُقَال أَسَارِيل، وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ أَسَارِلَة وَأَسَارِل.
وَالْبَاب فِي هَذَا كُلّه أَنْ يُجْمَع مُسَلَّمًا فَيُقَال : إِبْرَاهِيمُونَ وَإِسْحَاقُونَ وَيَعْقُوبُونَ، وَالْمُسَلَّم لَا عَمَل فِيهِ.
وَالْأَسْبَاط : وَلَد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُمْ اِثْنَا عَشَر وَلَدًا، وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أُمَّة مِنْ النَّاس، وَاحِدهمْ سِبْط.
وَالسِّبْط فِي بَنِي إِسْرَائِيل بِمَنْزِلَةِ الْقَبِيلَة فِي وَلَد إِسْمَاعِيل.
وَسُمُّوا الْأَسْبَاط مِنْ السَّبْط وَهُوَ التَّتَابُع، فَهُمْ جَمَاعَة مُتَتَابِعُونَ.
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ السَّبَط ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ الشَّجَر، أَيْ هُمْ فِي الْكَثْرَة بِمَنْزِلَةِ الشَّجَر، الْوَاحِدَة سَبَطَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَيُبَيِّن لَك هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْأَنْبَارِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُجَيْد الدَّقَّاق قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَامِر قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُلّ الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا عَشَرَة : نُوحًا وَشُعَيْبًا وَهُودًا وَصَالِحًا وَلُوطًا وَإِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَد لَهُ اِسْمَانِ إِلَّا عِيسَى وَيَعْقُوب.
وَالسِّبْط : الْجَمَاعَة وَالْقَبِيلَة الرَّاجِعُونَ إِلَى أَصْل وَاحِد.
وَشَعْر سَبْط وَسَبِطَ : غَيْر جَعْد.
جَمْع إِبْرَاهِيم بَرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل سَمَاعِيل، قَالَهُ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ، وَقَالَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَحَكَوْا بَرَاهِمَة وَسَمَاعِلَة، وَحَكَوْا بَرَاهِم وَسَمَاعِل.
قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : هَذَا غَلَط ; لِأَنَّ الْهَمْزَة لَيْسَ هَذَا مَوْضِع زِيَادَتهَا، وَلَكِنْ أَقُول : أَبَارِه وَأَسَامِع، وَيَجُوز أَبَارِيه وَأَسَامِيع.
وَأَجَازَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بِرَاه، كَمَا يُقَال فِي التَّصْغِير بُرَيْه.
وَجَمْع إِسْحَاق أَسَاحِيق، وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ أَسَاحِقَة وَأَسَاحِق، وَكَذَا يَعْقُوب وَيَعَاقِيب، وَيَعَاقِبَة وَيَعَاقِب.
قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا إِسْرَائِيل فَلَا نَعْلَم أَحَدًا يُجِيز حَذْف الْهَمْزَة مِنْ أَوَّله، وَإِنَّمَا يُقَال أَسَارِيل، وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ أَسَارِلَة وَأَسَارِل.
وَالْبَاب فِي هَذَا كُلّه أَنْ يُجْمَع مُسَلَّمًا فَيُقَال : إِبْرَاهِيمُونَ وَإِسْحَاقُونَ وَيَعْقُوبُونَ، وَالْمُسَلَّم لَا عَمَل فِيهِ.
وَالْأَسْبَاط : وَلَد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُمْ اِثْنَا عَشَر وَلَدًا، وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ أُمَّة مِنْ النَّاس، وَاحِدهمْ سِبْط.
وَالسِّبْط فِي بَنِي إِسْرَائِيل بِمَنْزِلَةِ الْقَبِيلَة فِي وَلَد إِسْمَاعِيل.
وَسُمُّوا الْأَسْبَاط مِنْ السَّبْط وَهُوَ التَّتَابُع، فَهُمْ جَمَاعَة مُتَتَابِعُونَ.
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ السَّبَط ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ الشَّجَر، أَيْ هُمْ فِي الْكَثْرَة بِمَنْزِلَةِ الشَّجَر، الْوَاحِدَة سَبَطَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَيُبَيِّن لَك هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْأَنْبَارِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُجَيْد الدَّقَّاق قَالَ حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَامِر قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُلّ الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا عَشَرَة : نُوحًا وَشُعَيْبًا وَهُودًا وَصَالِحًا وَلُوطًا وَإِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَد لَهُ اِسْمَانِ إِلَّا عِيسَى وَيَعْقُوب.
وَالسِّبْط : الْجَمَاعَة وَالْقَبِيلَة الرَّاجِعُونَ إِلَى أَصْل وَاحِد.
وَشَعْر سَبْط وَسَبِطَ : غَيْر جَعْد.
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ لَا نُؤْمِن بِبَعْضِهِمْ وَنَكْفُر بِبَعْضِهِمْ كَمَا فَعَلَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ لَا نُؤْمِن بِبَعْضِهِمْ وَنَكْفُر بِبَعْضِهِمْ كَمَا فَعَلَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا
الْخِطَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته.
الْمَعْنَى : فَإِنْ آمَنُوا مِثْل إِيمَانكُمْ، وَصَدَّقُوا مِثْل تَصْدِيقكُمْ فَقَدْ اِهْتَدَوْا، فَالْمُمَاثَلَة وَقَعَتْ بَيْن الْإِيمَانَيْنِ، وَقِيلَ : إِنَّ الْبَاء زَائِدَة مُؤَكِّدَة.
وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ فِيمَا حَكَى الطَّبَرِيّ :" فَإِنْ آمَنُوا بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اِهْتَدَوْا " وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِرَاءَة وَإِنْ خَالَفَ الْمُصْحَف، فَ " مِثْل " زَائِدَة كَمَا هِيَ فِي قَوْله :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : ١١ ] أَيْ لَيْسَ كَهُوَ شَيْء.
وَقَالَ الشَّاعِر :
فَصُيِّرُوا مِثْل كَعَصْفٍ مَأْكُول
وَرَوَى بَقِيَّة حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَا تَقُولُوا فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَإِنَّ اللَّه لَيْسَ لَهُ مِثْل، وَلَكِنْ قُولُوا : بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ.
تَابَعَهُ عَلِيّ بْن نَصْر الْجَهْضَمِيّ عَنْ شُعْبَة، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ.
وَالْمَعْنَى : أَيْ فَإِنْ آمَنُوا بِنَبِيِّكُمْ وَبِعَامَّةِ الْأَنْبِيَاء وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنهمْ كَمَا لَمْ تُفَرِّقُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا، وَإِنْ أَبَوْا إِلَّا التَّفْرِيق فَهُمْ النَّاكِبُونَ عَنْ الدِّين إِلَى الشِّقَاق " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه ".
وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل النَّظَر قَالُوا : وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون الْكَاف فِي قَوْله :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " زَائِدَة.
قَالَ : وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ نَهْيه عَنْ الْقِرَاءَة الْعَامَّة شَيْء ذَهَبَ إِلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْي التَّشْبِيه عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : هَذَا مِنْ اِبْن عَبَّاس عَلَى جِهَة التَّفْسِير، أَيْ هَكَذَا فَلْيُتَأَوَّلْ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْبَاء بِمَعْنَى عَلَى، وَالْمَعْنَى : فَإِنْ آمَنُوا عَلَى مِثْل إِيمَانكُمْ.
وَقِيلَ :" مِثْل " عَلَى بَابهَا أَيْ بِمِثْلِ الْمُنَزَّل، دَلِيله قَوْله :" وَقُلْ آمَنْت بِمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب " [ الشُّورَى : ١٥ ]، وَقَوْله :" وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " [ الْعَنْكَبُوت : ٤٦ ].
الْخِطَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته.
الْمَعْنَى : فَإِنْ آمَنُوا مِثْل إِيمَانكُمْ، وَصَدَّقُوا مِثْل تَصْدِيقكُمْ فَقَدْ اِهْتَدَوْا، فَالْمُمَاثَلَة وَقَعَتْ بَيْن الْإِيمَانَيْنِ، وَقِيلَ : إِنَّ الْبَاء زَائِدَة مُؤَكِّدَة.
وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ فِيمَا حَكَى الطَّبَرِيّ :" فَإِنْ آمَنُوا بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اِهْتَدَوْا " وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِرَاءَة وَإِنْ خَالَفَ الْمُصْحَف، فَ " مِثْل " زَائِدَة كَمَا هِيَ فِي قَوْله :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : ١١ ] أَيْ لَيْسَ كَهُوَ شَيْء.
وَقَالَ الشَّاعِر :
فَصُيِّرُوا مِثْل كَعَصْفٍ مَأْكُول
وَرَوَى بَقِيَّة حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَا تَقُولُوا فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَإِنَّ اللَّه لَيْسَ لَهُ مِثْل، وَلَكِنْ قُولُوا : بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ.
تَابَعَهُ عَلِيّ بْن نَصْر الْجَهْضَمِيّ عَنْ شُعْبَة، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ.
وَالْمَعْنَى : أَيْ فَإِنْ آمَنُوا بِنَبِيِّكُمْ وَبِعَامَّةِ الْأَنْبِيَاء وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنهمْ كَمَا لَمْ تُفَرِّقُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا، وَإِنْ أَبَوْا إِلَّا التَّفْرِيق فَهُمْ النَّاكِبُونَ عَنْ الدِّين إِلَى الشِّقَاق " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه ".
وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل النَّظَر قَالُوا : وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون الْكَاف فِي قَوْله :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " زَائِدَة.
قَالَ : وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ نَهْيه عَنْ الْقِرَاءَة الْعَامَّة شَيْء ذَهَبَ إِلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْي التَّشْبِيه عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : هَذَا مِنْ اِبْن عَبَّاس عَلَى جِهَة التَّفْسِير، أَيْ هَكَذَا فَلْيُتَأَوَّلْ.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْبَاء بِمَعْنَى عَلَى، وَالْمَعْنَى : فَإِنْ آمَنُوا عَلَى مِثْل إِيمَانكُمْ.
وَقِيلَ :" مِثْل " عَلَى بَابهَا أَيْ بِمِثْلِ الْمُنَزَّل، دَلِيله قَوْله :" وَقُلْ آمَنْت بِمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب " [ الشُّورَى : ١٥ ]، وَقَوْله :" وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ " [ الْعَنْكَبُوت : ٤٦ ].
وَإِنْ تَوَلَّوْا
أَيْ عَنْ الْإِيمَان
أَيْ عَنْ الْإِيمَان
فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ
قَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : الشِّقَاق الْمُنَازَعَة.
وَقِيلَ : الشِّقَاق الْمُجَادَلَة وَالْمُخَالَفَة وَالتَّعَادِي.
وَأَصْله مِنْ الشِّقّ وَهُوَ الْجَانِب، فَكَأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي شِقّ غَيْر شِقّ صَاحِبه.
قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ آخَر :
وَقِيلَ : إِنَّ الشِّقَاق مَأْخُوذ مِنْ فِعْل مَا يَشُقّ وَيَصْعُب، فَكَأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يَحْرِص عَلَى مَا يَشُقّ عَلَى صَاحِبه.
قَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : الشِّقَاق الْمُنَازَعَة.
وَقِيلَ : الشِّقَاق الْمُجَادَلَة وَالْمُخَالَفَة وَالتَّعَادِي.
وَأَصْله مِنْ الشِّقّ وَهُوَ الْجَانِب، فَكَأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي شِقّ غَيْر شِقّ صَاحِبه.
قَالَ الشَّاعِر :
| إِلَى كَمْ تَقْتُل الْعُلَمَاء قَسْرًا | وَتَفْجُر بِالشِّقَاقِ وَبِالنِّفَاقِ |
| وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُمْ | بُغَاة مَا بَقِينَا فِي شِقَاق |
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
أَيْ فَسَيَكْفِي اللَّه رَسُوله عَدُوّهُ.
فَكَانَ هَذَا وَعْدًا مِنْ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ سَيَكْفِيهِ مَنْ عَانَدَهُ وَمَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْمُتَوَلِّينَ بِمَنْ يَهْدِيه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْجَزَ لَهُ الْوَعْد، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَتْل بَنِي قَيْنُقَاع وَبَنِي قُرَيْظَة وَإِجْلَاء بَنِي النَّضِير.
وَالْكَاف وَالْهَاء وَالْمِيم فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُولَانِ.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن : فَسَيَكْفِيك إِيَّاهُمْ.
وَهَذَا الْحَرْف " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه " هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ دَم عُثْمَان حِين قُتِلَ بِإِخْبَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِذَلِكَ.
و " السَّمِيع " لِقَوْلِ كُلّ قَائِل " الْعَلِيم " بِمَا يُنْفِذهُ فِي عِبَاده وَيُجْرِيه عَلَيْهِمْ.
وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا دُلَامَة دَخَلَ عَلَى الْمَنْصُور وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَة طَوِيلَة، وَدُرَّاعَة مَكْتُوب بَيْن كَتِفَيْهَا " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم "، وَسَيْف مُعَلَّق فِي وَسْطه، وَكَانَ الْمَنْصُور قَدْ أَمَرَ الْجُنْد بِهَذَا الزِّيّ، فَقَالَ لَهُ : كَيْف حَالك يَا أَبَا دُلَامَة ؟ قَالَ : بِشَرٍّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : وَكَيْف ذَاكَ ؟ قَالَ : مَا ظَنّك بِرَجُلٍ وَجْهه فِي وَسْطه، وَسَيْفه فِي اِسْته، وَقَدْ نَبَذَ كِتَاب اللَّه وَرَاء ظَهْره فَضَحِكَ الْمَنْصُور مِنْهُ، وَأَمَرَ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ الزِّيّ مِنْ وَقْته.
أَيْ فَسَيَكْفِي اللَّه رَسُوله عَدُوّهُ.
فَكَانَ هَذَا وَعْدًا مِنْ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ سَيَكْفِيهِ مَنْ عَانَدَهُ وَمَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْمُتَوَلِّينَ بِمَنْ يَهْدِيه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنْجَزَ لَهُ الْوَعْد، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَتْل بَنِي قَيْنُقَاع وَبَنِي قُرَيْظَة وَإِجْلَاء بَنِي النَّضِير.
وَالْكَاف وَالْهَاء وَالْمِيم فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُولَانِ.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن : فَسَيَكْفِيك إِيَّاهُمْ.
وَهَذَا الْحَرْف " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه " هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ دَم عُثْمَان حِين قُتِلَ بِإِخْبَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِذَلِكَ.
و " السَّمِيع " لِقَوْلِ كُلّ قَائِل " الْعَلِيم " بِمَا يُنْفِذهُ فِي عِبَاده وَيُجْرِيه عَلَيْهِمْ.
وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا دُلَامَة دَخَلَ عَلَى الْمَنْصُور وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَة طَوِيلَة، وَدُرَّاعَة مَكْتُوب بَيْن كَتِفَيْهَا " فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم "، وَسَيْف مُعَلَّق فِي وَسْطه، وَكَانَ الْمَنْصُور قَدْ أَمَرَ الْجُنْد بِهَذَا الزِّيّ، فَقَالَ لَهُ : كَيْف حَالك يَا أَبَا دُلَامَة ؟ قَالَ : بِشَرٍّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : وَكَيْف ذَاكَ ؟ قَالَ : مَا ظَنّك بِرَجُلٍ وَجْهه فِي وَسْطه، وَسَيْفه فِي اِسْته، وَقَدْ نَبَذَ كِتَاب اللَّه وَرَاء ظَهْره فَضَحِكَ الْمَنْصُور مِنْهُ، وَأَمَرَ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ الزِّيّ مِنْ وَقْته.
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
" صِبْغَة اللَّه " قَالَ الْأَخْفَش وَغَيْره : دِين اللَّه، وَهُوَ بَدَل مِنْ " مِلَّة " وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى تَقْدِير اِتَّبِعُوا.
أَوْ عَلَى الْإِغْرَاء أَيْ اِلْزَمُوا.
وَلَوْ قُرِئَتْ بِالرَّفْعِ لَجَازَ، أَيْ هِيَ صِبْغَة اللَّه.
وَرَوَى شَيْبَان عَنْ قَتَادَة قَالَ : إِنَّ الْيَهُود تَصْبُغ أَبْنَاءَهُمْ يَهُودًا، وَإِنَّ النَّصَارَى تَصْبُغ أَبْنَاءَهُمْ نَصَارَى، وَإِنَّ صِبْغَة اللَّه الْإِسْلَام.
قَالَ الزَّجَّاج : وَيَدُلّك عَلَى هَذَا أَنَّ " صِبْغَة " بَدَل مِنْ " مِلَّة ".
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَقَوْل مُجَاهِد هَذَا يَرْجِع إِلَى الْإِسْلَام ; لِأَنَّ الْفِطْرَة اِبْتِدَاء الْخَلْق، وَابْتِدَاء مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَام.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَأَبِي الْعَالِيَة وَقَتَادَة : الصِّبْغَة الدِّين.
وَأَصْل ذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَصْبُغُونَ أَوْلَادهمْ فِي الْمَاء، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَعْمُودِيَّة، وَيَقُولُونَ : هَذَا تَطْهِير لَهُمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا وُلِدَ لَهُمْ وَلَد فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام غَمَسُوهُ فِي مَاء لَهُمْ يُقَال لَهُ مَاء الْمَعْمُودِيَّة، فَصَبَغُوهُ بِذَلِكَ لِيُطَهِّرُوا بِهِ مَكَان الْخِتَان ; لِأَنَّ الْخِتَان تَطْهِير، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا : الْآن صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَرَدَّ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَالَ :" صِبْغَة اللَّه " أَيْ صِبْغَة اللَّه أَحْسَن صِبْغَة وَهِيَ الْإِسْلَام، فَسُمِّيَ الدِّين صِبْغَة اِسْتِعَارَة وَمَجَازًا مِنْ حَيْثُ تَظْهَر أَعْمَاله وَسِمَته عَلَى الْمُتَدَيِّن، كَمَا يَظْهَر أَثَر الصَّبْغ فِي الثَّوْب.
وَقَالَ بَعْض شُعَرَاء مُلُوك هَمْدَان.
وَقِيلَ : إِنَّ الصِّبْغَة الِاغْتِسَال لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام، بَدَلًا مِنْ مَعْمُودِيَّة النَّصَارَى، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَكُون غُسْل الْكَافِر وَاجِبًا تَعَبُّدًا ;
لِأَنَّ مَعْنَى " صِبْغَة اللَّه " غَسْل اللَّه، أَيْ اِغْتَسِلُوا عِنْد إِسْلَامكُمْ الْغُسْل الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى جَاءَتْ السُّنَّة الثَّابِتَة فِي قَيْس بْن عَاصِم وَثُمَامَة بْن أَثَال حِين أَسْلَمَا.
رَوَى أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيح مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ ثُمَامَة الْحَنَفِيّ أُسِرَ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَسْلَمَ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى حَائِط أَبِي طَلْحَة فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِل فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَسُنَ إِسْلَام صَاحِبكُمْ ).
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ قَيْس بْن عَاصِم أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِل بِمَاءٍ وَسِدْر.
ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
" صِبْغَة اللَّه " قَالَ الْأَخْفَش وَغَيْره : دِين اللَّه، وَهُوَ بَدَل مِنْ " مِلَّة " وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى تَقْدِير اِتَّبِعُوا.
أَوْ عَلَى الْإِغْرَاء أَيْ اِلْزَمُوا.
وَلَوْ قُرِئَتْ بِالرَّفْعِ لَجَازَ، أَيْ هِيَ صِبْغَة اللَّه.
وَرَوَى شَيْبَان عَنْ قَتَادَة قَالَ : إِنَّ الْيَهُود تَصْبُغ أَبْنَاءَهُمْ يَهُودًا، وَإِنَّ النَّصَارَى تَصْبُغ أَبْنَاءَهُمْ نَصَارَى، وَإِنَّ صِبْغَة اللَّه الْإِسْلَام.
قَالَ الزَّجَّاج : وَيَدُلّك عَلَى هَذَا أَنَّ " صِبْغَة " بَدَل مِنْ " مِلَّة ".
وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : وَقَوْل مُجَاهِد هَذَا يَرْجِع إِلَى الْإِسْلَام ; لِأَنَّ الْفِطْرَة اِبْتِدَاء الْخَلْق، وَابْتِدَاء مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَام.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَأَبِي الْعَالِيَة وَقَتَادَة : الصِّبْغَة الدِّين.
وَأَصْل ذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَصْبُغُونَ أَوْلَادهمْ فِي الْمَاء، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَعْمُودِيَّة، وَيَقُولُونَ : هَذَا تَطْهِير لَهُمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا وُلِدَ لَهُمْ وَلَد فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام غَمَسُوهُ فِي مَاء لَهُمْ يُقَال لَهُ مَاء الْمَعْمُودِيَّة، فَصَبَغُوهُ بِذَلِكَ لِيُطَهِّرُوا بِهِ مَكَان الْخِتَان ; لِأَنَّ الْخِتَان تَطْهِير، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا : الْآن صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَرَدَّ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَالَ :" صِبْغَة اللَّه " أَيْ صِبْغَة اللَّه أَحْسَن صِبْغَة وَهِيَ الْإِسْلَام، فَسُمِّيَ الدِّين صِبْغَة اِسْتِعَارَة وَمَجَازًا مِنْ حَيْثُ تَظْهَر أَعْمَاله وَسِمَته عَلَى الْمُتَدَيِّن، كَمَا يَظْهَر أَثَر الصَّبْغ فِي الثَّوْب.
وَقَالَ بَعْض شُعَرَاء مُلُوك هَمْدَان.
| وَكُلّ أُنَاس لَهُمْ صِبْغَة | وَصِبْغَة هَمْدَان خَيْر الصِّبَغ |
| صَبَغْنَا عَلَى ذَاكَ أَبْنَاءَنَا | فَأَكْرِمْ بِصِبْغَتِنَا فِي الصِّبَغ |
قُلْت : وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَكُون غُسْل الْكَافِر وَاجِبًا تَعَبُّدًا ;
لِأَنَّ مَعْنَى " صِبْغَة اللَّه " غَسْل اللَّه، أَيْ اِغْتَسِلُوا عِنْد إِسْلَامكُمْ الْغُسْل الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى جَاءَتْ السُّنَّة الثَّابِتَة فِي قَيْس بْن عَاصِم وَثُمَامَة بْن أَثَال حِين أَسْلَمَا.
رَوَى أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيح مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَنَّ ثُمَامَة الْحَنَفِيّ أُسِرَ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَسْلَمَ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى حَائِط أَبِي طَلْحَة فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِل فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( حَسُنَ إِسْلَام صَاحِبكُمْ ).
وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ قَيْس بْن عَاصِم أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِل بِمَاءٍ وَسِدْر.
ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
وَقِيلَ : إِنَّ الْقُرْبَة إِلَى اللَّه تَعَالَى يُقَال لَهَا صِبْغَة، حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ :" صِبْغَة اللَّه " دِينه.
وَقِيلَ : إِنَّ الصِّبْغَة الْخِتَان، اُخْتُتِنَ إِبْرَاهِيم فَجَرَتْ الصِّبْغَة عَلَى الْخِتَان لِصَبْغِهِمْ الْغِلْمَان فِي الْمَاء، قَالَهُ الْفَرَّاء.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ :" صِبْغَة اللَّه " دِينه.
وَقِيلَ : إِنَّ الصِّبْغَة الْخِتَان، اُخْتُتِنَ إِبْرَاهِيم فَجَرَتْ الصِّبْغَة عَلَى الْخِتَان لِصَبْغِهِمْ الْغِلْمَان فِي الْمَاء، قَالَهُ الْفَرَّاء.
وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ
قَالَ الْحَسَن : كَانَتْ الْمُحَاجَّة أَنْ قَالُوا : نَحْنُ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ ; لِأَنَّا أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ.
وَقِيلَ : لِتَقَدُّمِ آبَائِنَا وَكُتُبنَا ; وَلِأَنَّا لَمْ نَعْبُد الْأَوْثَان.
فَمَعْنَى الْآيَة : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد، أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ لِقِدَمِ آبَائِهِمْ وَكُتُبهمْ :" أَتُحَاجُّونَنَا " أَيْ أَتُجَاذِبُونَنَا الْحُجَّة عَلَى دَعْوَاكُمْ وَالرَّبّ وَاحِد، وَكُلّ مُجَازًى بِعَمَلِهِ، فَأَيّ تَأْثِير لِقِدَمِ الدِّين.
وَمَعْنَى " فِي اللَّه " أَيْ فِي دِينه وَالْقُرْب مِنْهُ وَالْحَظْوَة لَهُ.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة :" أَتُحَاجُّونَنَا ".
وَجَازَ اِجْتِمَاع حَرْفَيْنِ مِثْلَيْنِ مِنْ جِنْس وَاحِد مُتَحَرِّكَيْنِ ; لِأَنَّ الثَّانِي كَالْمُنْفَصِلِ.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " أَتُحَاجُّونَا " بِالْإِدْغَامِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا جَائِز إِلَّا أَنَّهُ مُخَالِف لِلسَّوَادِ.
وَيَجُوز " أَتُحَاجُّونَ " بِحَذْفِ النُّون الثَّانِيَة، كَمَا قَرَأَ نَافِع " فَبِمَ تُبَشِّرُونِ " [ الْحِجْر : ٥٤ ].
قَالَ الْحَسَن : كَانَتْ الْمُحَاجَّة أَنْ قَالُوا : نَحْنُ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ ; لِأَنَّا أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ.
وَقِيلَ : لِتَقَدُّمِ آبَائِنَا وَكُتُبنَا ; وَلِأَنَّا لَمْ نَعْبُد الْأَوْثَان.
فَمَعْنَى الْآيَة : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد، أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ لِقِدَمِ آبَائِهِمْ وَكُتُبهمْ :" أَتُحَاجُّونَنَا " أَيْ أَتُجَاذِبُونَنَا الْحُجَّة عَلَى دَعْوَاكُمْ وَالرَّبّ وَاحِد، وَكُلّ مُجَازًى بِعَمَلِهِ، فَأَيّ تَأْثِير لِقِدَمِ الدِّين.
وَمَعْنَى " فِي اللَّه " أَيْ فِي دِينه وَالْقُرْب مِنْهُ وَالْحَظْوَة لَهُ.
وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة :" أَتُحَاجُّونَنَا ".
وَجَازَ اِجْتِمَاع حَرْفَيْنِ مِثْلَيْنِ مِنْ جِنْس وَاحِد مُتَحَرِّكَيْنِ ; لِأَنَّ الثَّانِي كَالْمُنْفَصِلِ.
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " أَتُحَاجُّونَا " بِالْإِدْغَامِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا جَائِز إِلَّا أَنَّهُ مُخَالِف لِلسَّوَادِ.
وَيَجُوز " أَتُحَاجُّونَ " بِحَذْفِ النُّون الثَّانِيَة، كَمَا قَرَأَ نَافِع " فَبِمَ تُبَشِّرُونِ " [ الْحِجْر : ٥٤ ].
وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
أَيْ مُخْلِصُونَ الْعِبَادَة، وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْبِيخ، أَيْ وَلَمْ تُخْلِصُوا أَنْتُمْ فَكَيْف تَدَّعُونَ مَا نَحْنُ أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ، وَالْإِخْلَاص حَقِيقَته تَصْفِيَة الْفِعْل عَنْ مُلَاحَظَة الْمَخْلُوقِينَ، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول أَنَا خَيْر شَرِيك فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكًا فَهُوَ لِشَرِيكِي يَا أَيّهَا النَّاس أَخْلِصُوا أَعْمَالكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَقْبَل إِلَّا مَا خَلَصَ لَهُ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ فَإِنَّهَا لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْهَا شَيْء وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ فَإِنَّهَا لِوُجُوهِكُمْ وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهَا شَيْء ).
رَوَاهُ الضَّحَّاك بْن قَيْس الْفِهْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَذَكَرَهُ، خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ رُوَيْم : الْإِخْلَاص مِنْ الْعَمَل هُوَ أَلَّا يُرِيد صَاحِبه عَلَيْهِ عِوَضًا فِي الدَّارَيْنِ وَلَا حَظًّا مِنْ الْمَلَكَيْنِ.
وَقَالَ الْجُنَيْد : الْإِخْلَاص سِرّ بَيْن الْعَبْد وَبَيْن اللَّه، لَا يَعْلَمهُ مَلَك فَيَكْتُبهُ، وَلَا شَيْطَان فَيُفْسِدهُ، وَلَا هَوًى فَيُمِيلهُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيّ وَغَيْره عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( سَأَلْت جِبْرِيل عَنْ الْإِخْلَاص مَا هُوَ فَقَالَ سَأَلْت رَبّ الْعِزَّة عَنْ الْإِخْلَاص مَا هُوَ قَالَ سِرّ مِنْ سِرِّي اِسْتَوْدَعْته قَلْب مَنْ أَحْبَبْته مِنْ عِبَادِي ).
أَيْ مُخْلِصُونَ الْعِبَادَة، وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْبِيخ، أَيْ وَلَمْ تُخْلِصُوا أَنْتُمْ فَكَيْف تَدَّعُونَ مَا نَحْنُ أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ، وَالْإِخْلَاص حَقِيقَته تَصْفِيَة الْفِعْل عَنْ مُلَاحَظَة الْمَخْلُوقِينَ، قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول أَنَا خَيْر شَرِيك فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكًا فَهُوَ لِشَرِيكِي يَا أَيّهَا النَّاس أَخْلِصُوا أَعْمَالكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَقْبَل إِلَّا مَا خَلَصَ لَهُ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ فَإِنَّهَا لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْهَا شَيْء وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ فَإِنَّهَا لِوُجُوهِكُمْ وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهَا شَيْء ).
رَوَاهُ الضَّحَّاك بْن قَيْس الْفِهْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَذَكَرَهُ، خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ رُوَيْم : الْإِخْلَاص مِنْ الْعَمَل هُوَ أَلَّا يُرِيد صَاحِبه عَلَيْهِ عِوَضًا فِي الدَّارَيْنِ وَلَا حَظًّا مِنْ الْمَلَكَيْنِ.
وَقَالَ الْجُنَيْد : الْإِخْلَاص سِرّ بَيْن الْعَبْد وَبَيْن اللَّه، لَا يَعْلَمهُ مَلَك فَيَكْتُبهُ، وَلَا شَيْطَان فَيُفْسِدهُ، وَلَا هَوًى فَيُمِيلهُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيّ وَغَيْره عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( سَأَلْت جِبْرِيل عَنْ الْإِخْلَاص مَا هُوَ فَقَالَ سَأَلْت رَبّ الْعِزَّة عَنْ الْإِخْلَاص مَا هُوَ قَالَ سِرّ مِنْ سِرِّي اِسْتَوْدَعْته قَلْب مَنْ أَحْبَبْته مِنْ عِبَادِي ).
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى
" أَمْ تَقُولُونَ " بِمَعْنَى قَالُوا.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص " تَقُولُونَ " بِالتَّاءِ وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّ الْكَلَام مُتَّسِق، كَأَنَّ الْمَعْنَى : أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا عَلَى دِينكُمْ، فَهِيَ أَمْ الْمُتَّصِلَة، وَهِيَ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ مُنْقَطِعَة، فَيَكُون كَلَامَيْنِ وَتَكُون " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ.
" هُودًا " خَبَر كَانَ، وَخَبَر " إِنَّ " فِي الْجُمْلَة.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن رَفْع " هُودًا " عَلَى خَبَر " إِنَّ " وَتَكُون كَانَ مُلْغَاة، ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
" أَمْ تَقُولُونَ " بِمَعْنَى قَالُوا.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص " تَقُولُونَ " بِالتَّاءِ وَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة ; لِأَنَّ الْكَلَام مُتَّسِق، كَأَنَّ الْمَعْنَى : أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا عَلَى دِينكُمْ، فَهِيَ أَمْ الْمُتَّصِلَة، وَهِيَ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ مُنْقَطِعَة، فَيَكُون كَلَامَيْنِ وَتَكُون " أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ.
" هُودًا " خَبَر كَانَ، وَخَبَر " إِنَّ " فِي الْجُمْلَة.
وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن رَفْع " هُودًا " عَلَى خَبَر " إِنَّ " وَتَكُون كَانَ مُلْغَاة، ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ
تَقْرِير وَتَوْبِيخ فِي اِدِّعَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى.
فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَعْلَم بِهِمْ مِنْكُمْ، أَيْ لَمْ يَكُونُوا هُودًا وَلَا نَصَارَى.
تَقْرِير وَتَوْبِيخ فِي اِدِّعَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى.
فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَعْلَم بِهِمْ مِنْكُمْ، أَيْ لَمْ يَكُونُوا هُودًا وَلَا نَصَارَى.
وَمَنْ أَظْلَمُ
لَفْظه الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى : لَا أَحَد أَظْلَم.
لَفْظه الِاسْتِفْهَام، وَالْمَعْنَى : لَا أَحَد أَظْلَم.
مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ
يُرِيد عِلْمهمْ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا عَلَى الْإِسْلَام.
وَقِيلَ : مَا كَتَمُوهُ مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ قَتَادَة، وَالْأَوَّل أَشْبَه بِسِيَاقِ الْآيَة.
يُرِيد عِلْمهمْ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا عَلَى الْإِسْلَام.
وَقِيلَ : مَا كَتَمُوهُ مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ قَتَادَة، وَالْأَوَّل أَشْبَه بِسِيَاقِ الْآيَة.
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عُمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عُمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
كَرَّرَهَا لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّهْدِيد وَالتَّخْوِيف، أَيْ إِذَا كَانَ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاء عَلَى إِمَامَتهمْ وَفَضْلهمْ يُجَازَوْنَ بِكَسْبِهِمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَى، فَوَجَبَ التَّأْكِيد، فَلِذَلِكَ كَرَّرَهَا.
كَرَّرَهَا لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّهْدِيد وَالتَّخْوِيف، أَيْ إِذَا كَانَ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاء عَلَى إِمَامَتهمْ وَفَضْلهمْ يُجَازَوْنَ بِكَسْبِهِمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَى، فَوَجَبَ التَّأْكِيد، فَلِذَلِكَ كَرَّرَهَا.
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : أَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَقُولُونَ فِي تَحْوِيل الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الشَّام إِلَى الْكَعْبَة، مَا وَلَّاهُمْ.
و " سَيَقُولُ " بِمَعْنَى قَالَ، جَعَلَ الْمُسْتَقْبَل مَوْضِع الْمَاضِي، دَلَالَة عَلَى اِسْتِدَامَة ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْل.
وَخَصَّ بِقَوْلِهِ :" مِنْ النَّاس " لِأَنَّ السَّفَه يَكُون فِي جَمَادَات وَحَيَوَانَات.
وَالْمُرَاد مِنْ " السُّفَهَاء " جَمِيع مَنْ قَالَ :" مَا وَلَّاهُمْ ".
وَالسُّفَهَاء جَمْع، وَاحِده سَفِيه، وَهُوَ الْخَفِيف الْعَقْل، مِنْ قَوْلهمْ : ثَوْب سَفِيه إِذَا كَانَ خَفِيف النَّسْج، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالنِّسَاء سَفَائِه.
وَقَالَ الْمُؤَرِّج : السَّفِيه الْبَهَّات الْكَذَّاب الْمُتَعَمِّد خِلَاف مَا يَعْلَم.
قُطْرُب : الظَّلُوم الْجَهُول، وَالْمُرَاد بِالسُّفَهَاءِ هُنَا الْيَهُود الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَهُ مُجَاهِد.
السُّدِّيّ : الْمُنَافِقُونَ.
الزَّجَّاج : كُفَّار قُرَيْش لَمَّا أَنْكَرُوا تَحْوِيل الْقِبْلَة قَالُوا : قَدْ اِشْتَاقَ مُحَمَّد إِلَى مَوْلِده وَعَنْ قَرِيب يَرْجِع إِلَى دِينكُمْ، وَقَالَتْ الْيَهُود : قَدْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْره وَتَحَيَّرَ.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ، وَاسْتَهْزَءُوا بِالْمُسْلِمِينَ.
و " وَلَّاهُمْ " يَعْنِي عَدَلَهُمْ وَصَرَفَهُمْ.
الثَّانِيَة : رَوَى الْأَئِمَّة وَاللَّفْظ لِمَالِك عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَيْنَمَا النَّاس بِقُبَاء فِي صَلَاة الصُّبْح إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَة قُرْآن، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوههمْ إِلَى الشَّام فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَة.
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ الْبَرَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبهُ أَنْ تَكُون قِبْلَته قِبَل الْبَيْت، وَإِنَّهُ صَلَّى أَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا الْعَصْر وَصَلَّى مَعَهُ قَوْم، فَخَرَجَ رَجُل مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى أَهْل الْمَسْجِد وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ : أَشْهَد بِاَللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل مَكَّة، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَل الْبَيْت.
وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَة قَبْل أَنْ تُحَوَّل قِبَل الْبَيْت رِجَال قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُول فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٤٣ ]، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة صَلَاة الْعَصْر، وَفِي رِوَايَة مَالِك صَلَاة الصُّبْح.
وَقِيلَ : نَزَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِد بَنِي سَلِمَة وَهُوَ فِي صَلَاة الظُّهْر بَعْد رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا فَتَحَوَّلَ فِي الصَّلَاة، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَسْجِد مَسْجِد الْقِبْلَتَيْنِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَج أَنَّ عَبَّاد بْن نَهِيك كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الصَّلَاة.
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : أَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَقُولُونَ فِي تَحْوِيل الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الشَّام إِلَى الْكَعْبَة، مَا وَلَّاهُمْ.
و " سَيَقُولُ " بِمَعْنَى قَالَ، جَعَلَ الْمُسْتَقْبَل مَوْضِع الْمَاضِي، دَلَالَة عَلَى اِسْتِدَامَة ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْل.
وَخَصَّ بِقَوْلِهِ :" مِنْ النَّاس " لِأَنَّ السَّفَه يَكُون فِي جَمَادَات وَحَيَوَانَات.
وَالْمُرَاد مِنْ " السُّفَهَاء " جَمِيع مَنْ قَالَ :" مَا وَلَّاهُمْ ".
وَالسُّفَهَاء جَمْع، وَاحِده سَفِيه، وَهُوَ الْخَفِيف الْعَقْل، مِنْ قَوْلهمْ : ثَوْب سَفِيه إِذَا كَانَ خَفِيف النَّسْج، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالنِّسَاء سَفَائِه.
وَقَالَ الْمُؤَرِّج : السَّفِيه الْبَهَّات الْكَذَّاب الْمُتَعَمِّد خِلَاف مَا يَعْلَم.
قُطْرُب : الظَّلُوم الْجَهُول، وَالْمُرَاد بِالسُّفَهَاءِ هُنَا الْيَهُود الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَهُ مُجَاهِد.
السُّدِّيّ : الْمُنَافِقُونَ.
الزَّجَّاج : كُفَّار قُرَيْش لَمَّا أَنْكَرُوا تَحْوِيل الْقِبْلَة قَالُوا : قَدْ اِشْتَاقَ مُحَمَّد إِلَى مَوْلِده وَعَنْ قَرِيب يَرْجِع إِلَى دِينكُمْ، وَقَالَتْ الْيَهُود : قَدْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْره وَتَحَيَّرَ.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ، وَاسْتَهْزَءُوا بِالْمُسْلِمِينَ.
و " وَلَّاهُمْ " يَعْنِي عَدَلَهُمْ وَصَرَفَهُمْ.
الثَّانِيَة : رَوَى الْأَئِمَّة وَاللَّفْظ لِمَالِك عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَيْنَمَا النَّاس بِقُبَاء فِي صَلَاة الصُّبْح إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَة قُرْآن، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوههمْ إِلَى الشَّام فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَة.
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ الْبَرَاء أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبهُ أَنْ تَكُون قِبْلَته قِبَل الْبَيْت، وَإِنَّهُ صَلَّى أَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا الْعَصْر وَصَلَّى مَعَهُ قَوْم، فَخَرَجَ رَجُل مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى أَهْل الْمَسْجِد وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ : أَشْهَد بِاَللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل مَكَّة، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَل الْبَيْت.
وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَة قَبْل أَنْ تُحَوَّل قِبَل الْبَيْت رِجَال قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُول فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٤٣ ]، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة صَلَاة الْعَصْر، وَفِي رِوَايَة مَالِك صَلَاة الصُّبْح.
وَقِيلَ : نَزَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِد بَنِي سَلِمَة وَهُوَ فِي صَلَاة الظُّهْر بَعْد رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا فَتَحَوَّلَ فِي الصَّلَاة، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَسْجِد مَسْجِد الْقِبْلَتَيْنِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَج أَنَّ عَبَّاد بْن نَهِيك كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الصَّلَاة.
وَذَكَرَ أَبُو عُمَر فِي التَّمْهِيد عَنْ نُوَيْلَة بِنْت أَسْلَم وَكَانَتْ مِنْ الْمُبَايَعَات، قَالَتْ : كُنَّا فِي صَلَاة الظُّهْر فَأَقْبَلَ عَبَّاد بْن بِشْر بْن قَيْظِيّ فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة - أَوْ قَالَ : الْبَيْت الْحَرَام - فَتَحَوَّلَ الرِّجَال مَكَان النِّسَاء، وَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال.
وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي غَيْر صَلَاة، وَهُوَ الْأَكْثَر.
وَكَانَ أَوَّل صَلَاة إِلَى الْكَعْبَة الْعَصْر، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَرُوِيَ أَنَّ أَوَّل مَنْ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَة حِين صُرِفَتْ الْقِبْلَة عَنْ بَيْت الْمَقْدِس أَبُو سَعِيد بْن الْمُعَلَّى، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَازًا عَلَى الْمَسْجِد فَسَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب النَّاس بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَة عَلَى الْمِنْبَر وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة، فَقُلْت لِصَاحِبِي : تَعَالَ نَرْكَع رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَنْزِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكُون أَوَّل مَنْ صَلَّى فَتَوَارَيْنَا نَعَمًا فَصَلَّيْنَاهُمَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْر يَوْمئِذٍ.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَيْسَ لِأَبِي سَعِيد بْن الْمُعَلَّى غَيْر هَذَا الْحَدِيث، وَحَدِيث :" كُنْت أُصَلِّي " فِي فَضْل الْفَاتِحَة، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الثَّالِثَة : وَاخْتُلِفَ فِي وَقْت تَحْوِيل الْقِبْلَة بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة، فَقِيلَ : حُوِّلَتْ بَعْد سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، كَمَا فِي الْبُخَارِيّ.
وَخَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ الْبَرَاء أَيْضًا.
قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا نَحْو بَيْت الْمَقْدِس، ثُمَّ عَلِمَ اللَّه هَوَى نَبِيّه فَنَزَلَتْ :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " الْآيَة.
فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا مِنْ غَيْر شَكّ.
وَرَوَى مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ تَحْوِيلهَا كَانَ قَبْل غَزْوَة بَدْر بِشَهْرَيْنِ.
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق : وَذَلِكَ فِي رَجَب مِنْ سَنَة اِثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : صَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا وَثَلَاثَة أَيَّام سَوَاء، وَذَلِكَ أَنَّ قُدُومه الْمَدِينَة كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ شَهْر رَبِيع الْأَوَّل، وَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة يَوْم الثُّلَاثَاء لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَان.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا فِي كَيْفِيَّة اِسْتِقْبَاله بَيْت الْمَقْدِس عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال، فَقَالَ الْحَسَن : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ رَأْي وَاجْتِهَاد، وَقَالَهُ عِكْرِمَة وَأَبُو الْعَالِيَة.
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنه وَبَيْن الْكَعْبَة، فَاخْتَارَ الْقُدْس طَمَعًا فِي إِيمَان الْيَهُود وَاسْتِمَالَتهمْ، قَالَهُ الطَّبَرِيّ، وَقَالَ الزَّجَّاج : اِمْتِحَانًا لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ أَلِفُوا الْكَعْبَة.
وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي غَيْر صَلَاة، وَهُوَ الْأَكْثَر.
وَكَانَ أَوَّل صَلَاة إِلَى الْكَعْبَة الْعَصْر، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَرُوِيَ أَنَّ أَوَّل مَنْ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَة حِين صُرِفَتْ الْقِبْلَة عَنْ بَيْت الْمَقْدِس أَبُو سَعِيد بْن الْمُعَلَّى، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَازًا عَلَى الْمَسْجِد فَسَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب النَّاس بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَة عَلَى الْمِنْبَر وَهُوَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " [ الْبَقَرَة : ١٤٤ ] حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة، فَقُلْت لِصَاحِبِي : تَعَالَ نَرْكَع رَكْعَتَيْنِ قَبْل أَنْ يَنْزِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكُون أَوَّل مَنْ صَلَّى فَتَوَارَيْنَا نَعَمًا فَصَلَّيْنَاهُمَا، ثُمَّ نَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْر يَوْمئِذٍ.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَيْسَ لِأَبِي سَعِيد بْن الْمُعَلَّى غَيْر هَذَا الْحَدِيث، وَحَدِيث :" كُنْت أُصَلِّي " فِي فَضْل الْفَاتِحَة، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الثَّالِثَة : وَاخْتُلِفَ فِي وَقْت تَحْوِيل الْقِبْلَة بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة، فَقِيلَ : حُوِّلَتْ بَعْد سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، كَمَا فِي الْبُخَارِيّ.
وَخَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ الْبَرَاء أَيْضًا.
قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا نَحْو بَيْت الْمَقْدِس، ثُمَّ عَلِمَ اللَّه هَوَى نَبِيّه فَنَزَلَتْ :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء " الْآيَة.
فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا مِنْ غَيْر شَكّ.
وَرَوَى مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ تَحْوِيلهَا كَانَ قَبْل غَزْوَة بَدْر بِشَهْرَيْنِ.
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق : وَذَلِكَ فِي رَجَب مِنْ سَنَة اِثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : صَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا وَثَلَاثَة أَيَّام سَوَاء، وَذَلِكَ أَنَّ قُدُومه الْمَدِينَة كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ شَهْر رَبِيع الْأَوَّل، وَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة يَوْم الثُّلَاثَاء لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَان.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا فِي كَيْفِيَّة اِسْتِقْبَاله بَيْت الْمَقْدِس عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال، فَقَالَ الْحَسَن : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ رَأْي وَاجْتِهَاد، وَقَالَهُ عِكْرِمَة وَأَبُو الْعَالِيَة.
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنه وَبَيْن الْكَعْبَة، فَاخْتَارَ الْقُدْس طَمَعًا فِي إِيمَان الْيَهُود وَاسْتِمَالَتهمْ، قَالَهُ الطَّبَرِيّ، وَقَالَ الزَّجَّاج : اِمْتِحَانًا لِلْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ أَلِفُوا الْكَعْبَة.
الثَّالِث : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور : اِبْن عَبَّاس وَغَيْره، وَجَبَ عَلَيْهِ اِسْتِقْبَاله بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَوَحْيه لَا مَحَالَة، ثُمَّ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ وَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَسْتَقْبِل بِصَلَاتِهِ الْكَعْبَة، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ " [ الْبَقَرَة : ١٤٣ ] الْآيَة.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا حِين فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاة أَوَّلًا بِمَكَّة، هَلْ كَانَتْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس أَوْ إِلَى مَكَّة، عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَة : إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَبِالْمَدِينَةِ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَة، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ آخَرُونَ : أَوَّل مَا اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَة، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي إِلَيْهَا طُول مُقَامه بِمَكَّة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة صَلَّى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، عَلَى الْخِلَاف، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّه إِلَى الْكَعْبَة.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي.
قَالَ غَيْره : وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْلِف الْيَهُود فَتَوَجَّهَ [ إِلَى ] قِبْلَتهمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ عِنَادهمْ وَأَيِسَ مِنْهُمْ أَحَبَّ أَنْ يُحَوَّل إِلَى الْكَعْبَة فَكَانَ يَنْظُر إِلَى السَّمَاء، وَكَانَتْ مَحَبَّته إِلَى الْكَعْبَة لِأَنَّهَا قِبْلَة إِبْرَاهِيم، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : لِأَنَّهَا كَانَتْ أَدْعَى لِلْعَرَبِ إِلَى الْإِسْلَام، وَقِيلَ : مُخَالَفَة لِلْيَهُودِ، عَنْ مُجَاهِد.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ أَنَّهُ قَالَ : كَانَتْ مَسْجِد صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام وَقِبْلَته إِلَى الْكَعْبَة، قَالَ : وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي إِلَى الصَّخْرَة نَحْو الْكَعْبَة، وَهِيَ قِبْلَة الْأَنْبِيَاء كُلّهمْ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
السَّادِسَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَام اللَّه تَعَالَى وَكِتَابه نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّة إِلَّا مَنْ شَذَّ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْقِبْلَة أَوَّل مَا نُسِخَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّهَا نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ، عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة قَبْل.
السَّابِعَة : وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى جَوَاز نَسْخ السُّنَّة بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قُرْآن، فَلَمْ يَكُنْ الْحُكْم إِلَّا مِنْ جِهَة السُّنَّة ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُون :" كُنْت عَلَيْهَا " بِمَعْنَى أَنْتَ عَلَيْهَا.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا حِين فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاة أَوَّلًا بِمَكَّة، هَلْ كَانَتْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس أَوْ إِلَى مَكَّة، عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَة : إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَبِالْمَدِينَةِ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَة، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ آخَرُونَ : أَوَّل مَا اُفْتُرِضَتْ الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَة، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي إِلَيْهَا طُول مُقَامه بِمَكَّة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة صَلَّى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، عَلَى الْخِلَاف، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّه إِلَى الْكَعْبَة.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي.
قَالَ غَيْره : وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْلِف الْيَهُود فَتَوَجَّهَ [ إِلَى ] قِبْلَتهمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ عِنَادهمْ وَأَيِسَ مِنْهُمْ أَحَبَّ أَنْ يُحَوَّل إِلَى الْكَعْبَة فَكَانَ يَنْظُر إِلَى السَّمَاء، وَكَانَتْ مَحَبَّته إِلَى الْكَعْبَة لِأَنَّهَا قِبْلَة إِبْرَاهِيم، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : لِأَنَّهَا كَانَتْ أَدْعَى لِلْعَرَبِ إِلَى الْإِسْلَام، وَقِيلَ : مُخَالَفَة لِلْيَهُودِ، عَنْ مُجَاهِد.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ أَنَّهُ قَالَ : كَانَتْ مَسْجِد صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام وَقِبْلَته إِلَى الْكَعْبَة، قَالَ : وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي إِلَى الصَّخْرَة نَحْو الْكَعْبَة، وَهِيَ قِبْلَة الْأَنْبِيَاء كُلّهمْ، صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
السَّادِسَة : فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَام اللَّه تَعَالَى وَكِتَابه نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّة إِلَّا مَنْ شَذَّ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْقِبْلَة أَوَّل مَا نُسِخَ مِنْ الْقُرْآن، وَأَنَّهَا نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ، عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة قَبْل.
السَّابِعَة : وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى جَوَاز نَسْخ السُّنَّة بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قُرْآن، فَلَمْ يَكُنْ الْحُكْم إِلَّا مِنْ جِهَة السُّنَّة ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُون :" كُنْت عَلَيْهَا " بِمَعْنَى أَنْتَ عَلَيْهَا.
الثَّامِنَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز الْقَطْع بِخَبَرِ الْوَاحِد، وَذَلِكَ أَنَّ اِسْتِقْبَال بَيْت الْمَقْدِس كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ مِنْ الشَّرِيعَة عِنْدهمْ، ثُمَّ إِنَّ أَهْل قُبَاء لَمَّا أَتَاهُمْ الْآتِي وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقِبْلَة قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام قَبِلُوا قَوْله وَاسْتَدَارُوا نَحْو الْكَعْبَة، فَتَرَكُوا الْمُتَوَاتِر بِخَبَرِ الْوَاحِد وَهُوَ مَظْنُون.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَازه عَقْلًا وَوُقُوعه، فَقَالَ أَبُو حَاتِم : وَالْمُخْتَار جَوَاز ذَلِكَ عَقْلًا لَوْ تَعَبَّدَ الشَّرْع بِهِ، وَوُقُوعًا فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ قِصَّة قُبَاء، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُنْفِذ آحَاد الْوُلَاة إِلَى الْأَطْرَاف وَكَانُوا يُبَلِّغُونَ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ جَمِيعًا.
وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوع بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاع مِنْ الصَّحَابَة عَلَى أَنَّ الْقُرْآن وَالْمُتَوَاتِر الْمَعْلُوم لَا يُرْفَع بِخَبَرِ الْوَاحِد، فَلَا ذَاهِب إِلَى تَجْوِيزه مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف.
اِحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُحَال وَهُوَ رَفْع الْمَقْطُوع بِالْمَظْنُونِ.
وَأَمَّا قِصَّة أَهْل قُبَاء وَوُلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُول عَلَى قَرَائِن إِفَادَة الْعِلْم إِمَّا نَقْلًا وَتَحْقِيقًا، وَإِمَّا اِحْتِمَالًا وَتَقْدِيرًا.
وَتَتْمِيم هَذَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي أُصُول الْفِقْه.
التَّاسِعَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ النَّاسِخ إِنَّهُ مُتَعَبَّد بِالْحُكْمِ الْأَوَّل، .
خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْحُكْم الْأَوَّل يَرْتَفِع بِوُجُودِ النَّاسِخ لَا بِالْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ أَهْل قُبَاء لَمْ يَزَالُوا يُصَلُّونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس إِلَى أَنْ أَتَاهُمْ الْآتِي فَأَخْبَرَهُمْ بِالنَّاسِخِ فَمَالُوا نَحْو الْكَعْبَة.
فَالنَّاسِخ إِذَا حَصَلَ فِي الْوُجُود فَهُوَ رَافِع لَا مَحَالَة لَكِنْ بِشَرْطِ الْعِلْم بِهِ ; لِأَنَّ النَّاسِخ خِطَاب، وَلَا يَكُون خِطَابًا فِي حَقّ مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ.
وَفَائِدَة هَذَا الْخِلَاف فِي عِبَادَات فُعِلَتْ بَعْد النَّسْخ وَقَبْل الْبَلَاغ هَلْ تُعَاد أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ تَنْبَنِي مَسْأَلَة الْوَكِيل فِي تَصَرُّفه بَعْد عَزْل مُوَكِّله أَوْ مَوْته وَقَبْل عِلْمه بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَكَذَلِكَ الْمُقَارِض، وَالْحَاكِم إِذَا مَاتَ مَنْ وَلَّاهُ أَوْ عُزِلَ.
وَالصَّحِيح أَنَّ مَا فَعَلَهُ كُلّ وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْفُذ فِعْله وَلَا يُرَدّ حُكْمه.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَلَمْ يَخْتَلِف الْمَذْهَب فِي أَحْكَام مَنْ أُعْتِقَ وَلَمْ يَعْلَم بِعِتْقِهِ أَنَّهَا أَحْكَام حُرّ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن النَّاس، وَأَمَّا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فَجَائِزَة.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْمُعْتَقَة أَنَّهَا لَا تُعِيد مَا صَلَّتْ بَعْد عِتْقهَا وَقَبْل عِلْمهَا بِغَيْرِ سِتْر، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَطْرَأ عَلَيْهِ مُوجِب يُغَيِّر حُكْم عِبَادَته وَهُوَ فِيهَا، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَة قُبَاء، فَمَنْ صَلَّى عَلَى حَال ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِ حَاله تِلْكَ قَبْل أَنْ يُتِمّ صَلَاته إِنَّهُ يُتِمّهَا وَلَا يَقْطَعهَا وَيَجْزِيه مَا مَضَى.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي جَوَازه عَقْلًا وَوُقُوعه، فَقَالَ أَبُو حَاتِم : وَالْمُخْتَار جَوَاز ذَلِكَ عَقْلًا لَوْ تَعَبَّدَ الشَّرْع بِهِ، وَوُقُوعًا فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ قِصَّة قُبَاء، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُنْفِذ آحَاد الْوُلَاة إِلَى الْأَطْرَاف وَكَانُوا يُبَلِّغُونَ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ جَمِيعًا.
وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوع بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاع مِنْ الصَّحَابَة عَلَى أَنَّ الْقُرْآن وَالْمُتَوَاتِر الْمَعْلُوم لَا يُرْفَع بِخَبَرِ الْوَاحِد، فَلَا ذَاهِب إِلَى تَجْوِيزه مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف.
اِحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُحَال وَهُوَ رَفْع الْمَقْطُوع بِالْمَظْنُونِ.
وَأَمَّا قِصَّة أَهْل قُبَاء وَوُلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُول عَلَى قَرَائِن إِفَادَة الْعِلْم إِمَّا نَقْلًا وَتَحْقِيقًا، وَإِمَّا اِحْتِمَالًا وَتَقْدِيرًا.
وَتَتْمِيم هَذَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي أُصُول الْفِقْه.
التَّاسِعَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ النَّاسِخ إِنَّهُ مُتَعَبَّد بِالْحُكْمِ الْأَوَّل، .
خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْحُكْم الْأَوَّل يَرْتَفِع بِوُجُودِ النَّاسِخ لَا بِالْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ أَهْل قُبَاء لَمْ يَزَالُوا يُصَلُّونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس إِلَى أَنْ أَتَاهُمْ الْآتِي فَأَخْبَرَهُمْ بِالنَّاسِخِ فَمَالُوا نَحْو الْكَعْبَة.
فَالنَّاسِخ إِذَا حَصَلَ فِي الْوُجُود فَهُوَ رَافِع لَا مَحَالَة لَكِنْ بِشَرْطِ الْعِلْم بِهِ ; لِأَنَّ النَّاسِخ خِطَاب، وَلَا يَكُون خِطَابًا فِي حَقّ مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ.
وَفَائِدَة هَذَا الْخِلَاف فِي عِبَادَات فُعِلَتْ بَعْد النَّسْخ وَقَبْل الْبَلَاغ هَلْ تُعَاد أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ تَنْبَنِي مَسْأَلَة الْوَكِيل فِي تَصَرُّفه بَعْد عَزْل مُوَكِّله أَوْ مَوْته وَقَبْل عِلْمه بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَكَذَلِكَ الْمُقَارِض، وَالْحَاكِم إِذَا مَاتَ مَنْ وَلَّاهُ أَوْ عُزِلَ.
وَالصَّحِيح أَنَّ مَا فَعَلَهُ كُلّ وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْفُذ فِعْله وَلَا يُرَدّ حُكْمه.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَلَمْ يَخْتَلِف الْمَذْهَب فِي أَحْكَام مَنْ أُعْتِقَ وَلَمْ يَعْلَم بِعِتْقِهِ أَنَّهَا أَحْكَام حُرّ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن النَّاس، وَأَمَّا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فَجَائِزَة.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْمُعْتَقَة أَنَّهَا لَا تُعِيد مَا صَلَّتْ بَعْد عِتْقهَا وَقَبْل عِلْمهَا بِغَيْرِ سِتْر، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَطْرَأ عَلَيْهِ مُوجِب يُغَيِّر حُكْم عِبَادَته وَهُوَ فِيهَا، قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَة قُبَاء، فَمَنْ صَلَّى عَلَى حَال ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِ حَاله تِلْكَ قَبْل أَنْ يُتِمّ صَلَاته إِنَّهُ يُتِمّهَا وَلَا يَقْطَعهَا وَيَجْزِيه مَا مَضَى.
وَكَذَلِكَ كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فِي الصَّلَاة، أَوْ اِبْتَدَأَ صَلَاته صَحِيحًا فَمَرِضَ، أَوْ مَرِيضًا فَصَحَّ، أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَام، أَوْ أَمَة عَتَقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاة إِنَّهَا تَأْخُذ قِنَاعهَا وَتَبْنِي.
قُلْت : وَكَمَنَ دَخَلَ فِي الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ فَطَرَأَ عَلَيْهِ الْمَاء إِنَّهُ لَا يَقْطَع، كَمَا يَقُولهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ - رَحِمَهُمَا اللَّه - وَغَيْرهمَا.
وَقِيلَ : يَقْطَع، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَسَيَأْتِي.
الْعَاشِرَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى قَبُول خَبَر الْوَاحِد، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ مِنْ السَّلَف مَعْلُوم بِالتَّوَاتُرِ مِنْ عَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَوْجِيهه وُلَاته وَرُسُله آحَادًا لِلْآفَاقِ، لِيُعَلِّمُوا النَّاس دِينهمْ فَيُبَلِّغُوهُمْ سُنَّة رَسُولهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي.
الْحَادِيَة عَشْرَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقُرْآن كَانَ يَنْزِل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بَعْد شَيْء وَفِي حَال بَعْد حَال، عَلَى حَسَب الْحَاجَة إِلَيْهِ، حَتَّى أَكْمَلَ اللَّه دِينه، كَمَا قَالَ :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ].
قُلْت : وَكَمَنَ دَخَلَ فِي الصَّلَاة بِالتَّيَمُّمِ فَطَرَأَ عَلَيْهِ الْمَاء إِنَّهُ لَا يَقْطَع، كَمَا يَقُولهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ - رَحِمَهُمَا اللَّه - وَغَيْرهمَا.
وَقِيلَ : يَقْطَع، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَسَيَأْتِي.
الْعَاشِرَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى قَبُول خَبَر الْوَاحِد، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ مِنْ السَّلَف مَعْلُوم بِالتَّوَاتُرِ مِنْ عَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَوْجِيهه وُلَاته وَرُسُله آحَادًا لِلْآفَاقِ، لِيُعَلِّمُوا النَّاس دِينهمْ فَيُبَلِّغُوهُمْ سُنَّة رَسُولهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي.
الْحَادِيَة عَشْرَة : وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقُرْآن كَانَ يَنْزِل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بَعْد شَيْء وَفِي حَال بَعْد حَال، عَلَى حَسَب الْحَاجَة إِلَيْهِ، حَتَّى أَكْمَلَ اللَّه دِينه، كَمَا قَالَ :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٣ ].
قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
أَقَامَهُ حُجَّة، أَيْ لَهُ مُلْك الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب وَمَا بَيْنهمَا، فَلَهُ أَنْ يَأْمُر بِالتَّوَجُّهِ إِلَى أَيّ جِهَة شَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
أَقَامَهُ حُجَّة، أَيْ لَهُ مُلْك الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب وَمَا بَيْنهمَا، فَلَهُ أَنْ يَأْمُر بِالتَّوَجُّهِ إِلَى أَيّ جِهَة شَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
إِشَارَة إِلَى هِدَايَة اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّة إِلَى قِبْلَة إِبْرَاهِيم، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَالصِّرَاط.
الطَّرِيق.
وَالْمُسْتَقِيم : الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
إِشَارَة إِلَى هِدَايَة اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّة إِلَى قِبْلَة إِبْرَاهِيم، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَالصِّرَاط.
الطَّرِيق.
وَالْمُسْتَقِيم : الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
الْمَعْنَى : وَكَمَا أَنَّ الْكَعْبَة وَسْط الْأَرْض كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ دُون الْأَنْبِيَاء وَفَوْق الْأُمَم.
وَالْوَسَط : الْعَدْل، وَأَصْل هَذَا أَنَّ أَحْمَد الْأَشْيَاء أَوْسَطهَا.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا " قَالَ :( عَدْلًا ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَفِي التَّنْزِيل :" قَالَ أَوْسَطهمْ " [ الْقَلَم : ٢٨ ] أَيْ أَعْدَلهمْ وَخَيْرهمْ.
وَقَالَ زُهَيْر :
آخَر :
وَقَالَ آخَر :
وَكُنْ مِنْ النَّاس جَمِيعًا وَسَطَا
وَوَسَط الْوَادِي : خَيْر مَوْضِع فِيهِ وَأَكْثَره كَلَأ وَمَاء.
وَلَمَّا كَانَ الْوَسَط مُجَانِبًا لِلْغُلُوِّ وَالتَّقْصِير كَانَ مَحْمُودًا، أَيْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ تُغْلِ غُلُوّ النَّصَارَى فِي أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَا قَصَّرُوا تَقْصِير الْيَهُود فِي أَنْبِيَائِهِمْ.
وَفِي الْحَدِيث :( خَيْر الْأُمُور أَوْسَطهَا ).
وَفِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :" عَلَيْكُمْ بِالنَّمَطِ الْأَوْسَط، فَإِلَيْهِ يَنْزِل الْعَالِي، وَإِلَيْهِ يَرْتَفِع النَّازِل ".
وَفُلَان مِنْ أَوْسَط قَوْمه، وَإِنَّهُ لَوَاسِطَة قَوْمه، وَوَسَط قَوْمه، أَيْ مِنْ خِيَارهمْ وَأَهْل الْحَسَب مِنْهُمْ.
وَقَدْ وَسَطَ وَسَاطَة وَسِطَة، وَلَيْسَ مِنْ الْوَسَط الَّذِي بَيْن شَيْئَيْنِ فِي شَيْء.
وَالْوَسْط ( بِسُكُونِ السِّين ) الظَّرْف، تَقُول : صَلَّيْت وَسْط الْقَوْم.
وَجَلَسْت وَسَط الدَّار ( بِالتَّحْرِيكِ ) لِأَنَّهُ اِسْم.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَكُلّ مَوْضِع صَلُحَ فِيهِ " بَيْن " فَهُوَ وَسْط، وَإِنْ لَمْ يَصْلُح فِيهِ " بَيْن " فَهُوَ وَسَط بِالتَّحْرِيكِ، وَرُبَّمَا يُسَكَّن وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ.
الْمَعْنَى : وَكَمَا أَنَّ الْكَعْبَة وَسْط الْأَرْض كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ دُون الْأَنْبِيَاء وَفَوْق الْأُمَم.
وَالْوَسَط : الْعَدْل، وَأَصْل هَذَا أَنَّ أَحْمَد الْأَشْيَاء أَوْسَطهَا.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا " قَالَ :( عَدْلًا ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَفِي التَّنْزِيل :" قَالَ أَوْسَطهمْ " [ الْقَلَم : ٢٨ ] أَيْ أَعْدَلهمْ وَخَيْرهمْ.
وَقَالَ زُهَيْر :
| هُمْ وَسَط يَرْضَى الْأَنَام بِحُكْمِهِمْ | إِذَا نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ |
| أَنْتُمْ أَوْسَط حَيّ عَلِمُوا | بِصَغِيرِ الْأَمْر أَوْ إِحْدَى الْكُبَر |
| لَا تَذْهَبَن فِي الْأُمُور فَرَطًا | لَا تَسْأَلَن إِنْ سَأَلْت شَطَطَا |
وَوَسَط الْوَادِي : خَيْر مَوْضِع فِيهِ وَأَكْثَره كَلَأ وَمَاء.
وَلَمَّا كَانَ الْوَسَط مُجَانِبًا لِلْغُلُوِّ وَالتَّقْصِير كَانَ مَحْمُودًا، أَيْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ تُغْلِ غُلُوّ النَّصَارَى فِي أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَا قَصَّرُوا تَقْصِير الْيَهُود فِي أَنْبِيَائِهِمْ.
وَفِي الْحَدِيث :( خَيْر الْأُمُور أَوْسَطهَا ).
وَفِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :" عَلَيْكُمْ بِالنَّمَطِ الْأَوْسَط، فَإِلَيْهِ يَنْزِل الْعَالِي، وَإِلَيْهِ يَرْتَفِع النَّازِل ".
وَفُلَان مِنْ أَوْسَط قَوْمه، وَإِنَّهُ لَوَاسِطَة قَوْمه، وَوَسَط قَوْمه، أَيْ مِنْ خِيَارهمْ وَأَهْل الْحَسَب مِنْهُمْ.
وَقَدْ وَسَطَ وَسَاطَة وَسِطَة، وَلَيْسَ مِنْ الْوَسَط الَّذِي بَيْن شَيْئَيْنِ فِي شَيْء.
وَالْوَسْط ( بِسُكُونِ السِّين ) الظَّرْف، تَقُول : صَلَّيْت وَسْط الْقَوْم.
وَجَلَسْت وَسَط الدَّار ( بِالتَّحْرِيكِ ) لِأَنَّهُ اِسْم.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَكُلّ مَوْضِع صَلُحَ فِيهِ " بَيْن " فَهُوَ وَسْط، وَإِنْ لَمْ يَصْلُح فِيهِ " بَيْن " فَهُوَ وَسَط بِالتَّحْرِيكِ، وَرُبَّمَا يُسَكَّن وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ.
لِتَكُونُوا
نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، أَيْ لِأَنْ تَكُونُوا.
نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، أَيْ لِأَنْ تَكُونُوا.
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ
خَبَر كَانَ.
" عَلَى النَّاس " أَيْ فِي الْمَحْشَر لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمهمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يُدْعَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك يَا رَبّ فَيَقُول هَلْ بَلَّغْت فَيَقُول نَعَمْ فَيُقَال لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِير فَيَقُول مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّد وَأُمَّته فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.
).
وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث مُطَوَّلًا اِبْن الْمُبَارَك بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ :( فَتَقُول تِلْكَ الْأُمَم كَيْف يَشْهَد عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكنَا فَيَقُول لَهُمْ الرَّبّ سُبْحَانه كَيْف تَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ تُدْرِكُوا فَيَقُولُونَ رَبّنَا بَعَثْت إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْزَلْت إِلَيْنَا عَهْدك وَكِتَابك وَقَصَصْت عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْت إِلَيْنَا فَيَقُول الرَّبّ صَدَقُوا فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا - وَالْوَسَط الْعَدْل - لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ).
قَالَ اِبْن أَنْعُم : فَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَشْهَد يَوْمئِذٍ أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه حِنَّة عَلَى أَخِيهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَى الْآيَة يَشْهَد بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض بَعْد الْمَوْت، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِين مَرَّتْ بِهِ جِنَازَة فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْر فَقَالَ :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ).
ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّ فَقَالَ :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ).
فَقَالَ عُمَر : فِدًى لَك أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْر فَقُلْت :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ) وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّ فَقُلْت :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ) ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّار أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض ).
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي بَعْض طُرُقه فِي غَيْر الصَّحِيحَيْنِ وَتَلَا :" لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ".
خَبَر كَانَ.
" عَلَى النَّاس " أَيْ فِي الْمَحْشَر لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمهمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يُدْعَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك يَا رَبّ فَيَقُول هَلْ بَلَّغْت فَيَقُول نَعَمْ فَيُقَال لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِير فَيَقُول مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّد وَأُمَّته فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا.
).
وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث مُطَوَّلًا اِبْن الْمُبَارَك بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ :( فَتَقُول تِلْكَ الْأُمَم كَيْف يَشْهَد عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكنَا فَيَقُول لَهُمْ الرَّبّ سُبْحَانه كَيْف تَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ تُدْرِكُوا فَيَقُولُونَ رَبّنَا بَعَثْت إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْزَلْت إِلَيْنَا عَهْدك وَكِتَابك وَقَصَصْت عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْت إِلَيْنَا فَيَقُول الرَّبّ صَدَقُوا فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا - وَالْوَسَط الْعَدْل - لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ).
قَالَ اِبْن أَنْعُم : فَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَشْهَد يَوْمئِذٍ أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه حِنَّة عَلَى أَخِيهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَى الْآيَة يَشْهَد بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض بَعْد الْمَوْت، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِين مَرَّتْ بِهِ جِنَازَة فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْر فَقَالَ :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ).
ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّ فَقَالَ :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ).
فَقَالَ عُمَر : فِدًى لَك أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْر فَقُلْت :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ) وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرّ فَقُلْت :( وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ) ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّار أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض ).
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي بَعْض طُرُقه فِي غَيْر الصَّحِيحَيْنِ وَتَلَا :" لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ".
وَرَوَى أَبَان وَلَيْث عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( أُعْطِيَتْ أُمَّتِي ثَلَاثًا لَمْ تُعْطَ إِلَّا الْأَنْبِيَاء كَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ نَبِيًّا قَالَ لَهُ اُدْعُنِي أَسْتَجِبْ لَك وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَكَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ النَّبِيّ قَالَ لَهُ مَا جُعِلَ عَلَيْك فِي الدِّين مِنْ حَرَج وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّة وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج وَكَانَ اللَّه إِذَا بَعَثَ النَّبِيّ جَعَلَهُ شَهِيدًا عَلَى قَوْمه وَجَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّة شُهَدَاء عَلَى النَّاس ).
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي " نَوَادِر الْأُصُول ".
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَنْبَأَنَا رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابه بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْنَا مِنْ تَفْضِيله لَنَا بِاسْمِ الْعَدَالَة وَتَوْلِيَة خَطِير الشَّهَادَة عَلَى جَمِيع خَلْقه، فَجَعَلْنَاهُ أَوَّلًا مَكَانًا وَإِنْ كُنَّا آخِرًا زَمَانًا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ ).
وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْهَد إِلَّا الْعُدُول، وَلَا يَنْفُذ قَوْل الْغَيْر عَلَى الْغَيْر إِلَّا أَنْ يَكُون عَدْلًا.
وَسَيَأْتِي بَيَان الْعَدَالَة وَحُكْمهَا فِي آخِر السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى صِحَّة الْإِجْمَاع وَوُجُوب الْحُكْم بِهِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عُدُولًا شَهِدُوا عَلَى النَّاس.
فَكُلّ عَصْر شَهِيد عَلَى مَنْ بَعْده، فَقَوْل الصَّحَابَة حُجَّة وَشَاهِد عَلَى التَّابِعِينَ، وَقَوْل التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ بَعْدهمْ.
وَإِذْ جُعِلَتْ الْأُمَّة شُهَدَاء فَقَدْ وَجَبَ قَبُول قَوْلهمْ.
وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : أُرِيدَ بِهِ جَمِيع الْأُمَّة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَثْبُت مُجْمَع عَلَيْهِ إِلَى قِيَام السَّاعَة.
وَبَيَان هَذَا فِي كُتُب أُصُول الْفِقْه.
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه فِي " نَوَادِر الْأُصُول ".
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَنْبَأَنَا رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابه بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْنَا مِنْ تَفْضِيله لَنَا بِاسْمِ الْعَدَالَة وَتَوْلِيَة خَطِير الشَّهَادَة عَلَى جَمِيع خَلْقه، فَجَعَلْنَاهُ أَوَّلًا مَكَانًا وَإِنْ كُنَّا آخِرًا زَمَانًا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ ).
وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْهَد إِلَّا الْعُدُول، وَلَا يَنْفُذ قَوْل الْغَيْر عَلَى الْغَيْر إِلَّا أَنْ يَكُون عَدْلًا.
وَسَيَأْتِي بَيَان الْعَدَالَة وَحُكْمهَا فِي آخِر السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى صِحَّة الْإِجْمَاع وَوُجُوب الْحُكْم بِهِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عُدُولًا شَهِدُوا عَلَى النَّاس.
فَكُلّ عَصْر شَهِيد عَلَى مَنْ بَعْده، فَقَوْل الصَّحَابَة حُجَّة وَشَاهِد عَلَى التَّابِعِينَ، وَقَوْل التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ بَعْدهمْ.
وَإِذْ جُعِلَتْ الْأُمَّة شُهَدَاء فَقَدْ وَجَبَ قَبُول قَوْلهمْ.
وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : أُرِيدَ بِهِ جَمِيع الْأُمَّة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَثْبُت مُجْمَع عَلَيْهِ إِلَى قِيَام السَّاعَة.
وَبَيَان هَذَا فِي كُتُب أُصُول الْفِقْه.
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
قِيلَ : مَعْنَاهُ بِأَعْمَالِكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقِيلَ :" عَلَيْكُمْ " بِمَعْنَى لَكُمْ، أَيْ يَشْهَد لَكُمْ بِالْإِيمَانِ.
وَقِيلَ : أَيْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ بِالتَّبْلِيغِ لَكُمْ.
قِيلَ : مَعْنَاهُ بِأَعْمَالِكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقِيلَ :" عَلَيْكُمْ " بِمَعْنَى لَكُمْ، أَيْ يَشْهَد لَكُمْ بِالْإِيمَانِ.
وَقِيلَ : أَيْ يَشْهَد عَلَيْكُمْ بِالتَّبْلِيغِ لَكُمْ.
وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا
قِيلَ : الْمُرَاد بِالْقِبْلَةِ هُنَا الْقِبْلَة الْأُولَى، لِقَوْلِهِ " كُنْت عَلَيْهَا ".
وَقِيلَ : الثَّانِيَة، فَتَكُون الْكَاف زَائِدَة، أَيْ أَنْتَ الْآن عَلَيْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا قَالَ :" كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : ١١٠ ] أَيْ أَنْتُمْ، فِي قَوْل بَعْضهمْ، وَسَيَأْتِي.
قِيلَ : الْمُرَاد بِالْقِبْلَةِ هُنَا الْقِبْلَة الْأُولَى، لِقَوْلِهِ " كُنْت عَلَيْهَا ".
وَقِيلَ : الثَّانِيَة، فَتَكُون الْكَاف زَائِدَة، أَيْ أَنْتَ الْآن عَلَيْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا قَالَ :" كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : ١١٠ ] أَيْ أَنْتُمْ، فِي قَوْل بَعْضهمْ، وَسَيَأْتِي.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : مَعْنَى " لِنَعْلَم " لِنَرَى.
وَالْعَرَب تَضَع الْعِلْم مَكَان الرُّؤْيَة، وَالرُّؤْيَة مَكَان الْعِلْم، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك " [ الْفِيل : ١ ] بِمَعْنَى أَلَمْ تَعْلَم.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّنَا نَعْلَم، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي شَكّ مِنْ عِلْم اللَّه تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ قَبْل كَوْنهَا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِنُمَيِّز أَهْل الْيَقِين مِنْ أَهْل الشَّكّ، حَكَاهُ اِبْن فَوْرك، وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِيَعْلَم النَّبِيّ وَأَتْبَاعه، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْ نَفْسه، كَمَا يُقَال : فَعَلَ الْأَمِير كَذَا، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ أَتْبَاعه، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَهُوَ جَيِّد.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لِيَعْلَم مُحَمَّد، فَأَضَافَ عِلْمه إِلَى نَفْسه تَعَالَى تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا، كَمَا كَنَّى عَنْ نَفْسه سُبْحَانه فِي قَوْله :( يَا بْن آدَم مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي ) الْحَدِيث.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَأَنَّ مَعْنَاهُ عِلْم الْمُعَايَنَة الَّذِي يُوجِب الْجَزَاء، وَهُوَ سُبْحَانه عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، عَلِمَ مَا يَكُون قَبْل أَنْ يَكُون، تَخْتَلِف الْأَحْوَال عَلَى الْمَعْلُومَات وَعِلْمه لَا يَخْتَلِف بَلْ يَتَعَلَّق بِالْكُلِّ تَعَلُّقًا وَاحِدًا.
وَهَكَذَا كُلّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَاب مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء " [ آل عِمْرَان : ١٤٠ ]، " وَلَنَبْلُوَنَّكُم حَتَّى نَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ مُحَمَّد : ٣١ ] وَمَا أَشْبَهَ.
وَالْآيَة جَوَاب لِقُرَيْشٍ فِي قَوْلهمْ :" مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ] وَكَانَتْ قُرَيْش تَأْلَف الْكَعْبَة، فَأَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمْتَحِنهُمْ بِغَيْرِ مَا أَلِفُوهُ لِيَظْهَر مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ لَا يَتَّبِعهُ.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " إِلَّا لِيُعْلَم " ف " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهَا اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَعَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول.
" يَتَّبِع الرَّسُول " يَعْنِي فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة.
قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : مَعْنَى " لِنَعْلَم " لِنَرَى.
وَالْعَرَب تَضَع الْعِلْم مَكَان الرُّؤْيَة، وَالرُّؤْيَة مَكَان الْعِلْم، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك " [ الْفِيل : ١ ] بِمَعْنَى أَلَمْ تَعْلَم.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّنَا نَعْلَم، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي شَكّ مِنْ عِلْم اللَّه تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ قَبْل كَوْنهَا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لِنُمَيِّز أَهْل الْيَقِين مِنْ أَهْل الشَّكّ، حَكَاهُ اِبْن فَوْرك، وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِلَّا لِيَعْلَم النَّبِيّ وَأَتْبَاعه، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْ نَفْسه، كَمَا يُقَال : فَعَلَ الْأَمِير كَذَا، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ أَتْبَاعه، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ وَهُوَ جَيِّد.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لِيَعْلَم مُحَمَّد، فَأَضَافَ عِلْمه إِلَى نَفْسه تَعَالَى تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا، كَمَا كَنَّى عَنْ نَفْسه سُبْحَانه فِي قَوْله :( يَا بْن آدَم مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي ) الْحَدِيث.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَأَنَّ مَعْنَاهُ عِلْم الْمُعَايَنَة الَّذِي يُوجِب الْجَزَاء، وَهُوَ سُبْحَانه عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، عَلِمَ مَا يَكُون قَبْل أَنْ يَكُون، تَخْتَلِف الْأَحْوَال عَلَى الْمَعْلُومَات وَعِلْمه لَا يَخْتَلِف بَلْ يَتَعَلَّق بِالْكُلِّ تَعَلُّقًا وَاحِدًا.
وَهَكَذَا كُلّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَاب مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذ مِنْكُمْ شُهَدَاء " [ آل عِمْرَان : ١٤٠ ]، " وَلَنَبْلُوَنَّكُم حَتَّى نَعْلَم الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ مُحَمَّد : ٣١ ] وَمَا أَشْبَهَ.
وَالْآيَة جَوَاب لِقُرَيْشٍ فِي قَوْلهمْ :" مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ] وَكَانَتْ قُرَيْش تَأْلَف الْكَعْبَة، فَأَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمْتَحِنهُمْ بِغَيْرِ مَا أَلِفُوهُ لِيَظْهَر مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ لَا يَتَّبِعهُ.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ " إِلَّا لِيُعْلَم " ف " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّهَا اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَعَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْمَفْعُول.
" يَتَّبِع الرَّسُول " يَعْنِي فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة.
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ
يَعْنِي مِمَّنْ يَرْتَدّ عَنْ دِينه ; لِأَنَّ الْقِبْلَة لَمَّا حُوِّلَتْ اِرْتَدَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْم وَنَافَقَ قَوْم.
يَعْنِي مِمَّنْ يَرْتَدّ عَنْ دِينه ; لِأَنَّ الْقِبْلَة لَمَّا حُوِّلَتْ اِرْتَدَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْم وَنَافَقَ قَوْم.
وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً
أَيْ تَحْوِيلهَا، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة.
وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة : وَإِنْ كَانَتْ التَّحْوِيلَة.
وَذَهَبَ الْفَرَّاء إِلَى أَنَّ " إِنْ " وَاللَّام بِمَعْنَى مَا وَإِلَّا، وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ : هِيَ إِنَّ الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْقِبْلَة أَوْ التَّحْوِيلَة أَوْ التَّوْلِيَة لَكَبِيرَة.
أَيْ تَحْوِيلهَا، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة.
وَالتَّقْدِير فِي الْعَرَبِيَّة : وَإِنْ كَانَتْ التَّحْوِيلَة.
وَذَهَبَ الْفَرَّاء إِلَى أَنَّ " إِنْ " وَاللَّام بِمَعْنَى مَا وَإِلَّا، وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ : هِيَ إِنَّ الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ.
وَقَالَ الْأَخْفَش : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْقِبْلَة أَوْ التَّحْوِيلَة أَوْ التَّوْلِيَة لَكَبِيرَة.
إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
أَيْ خَلَقَ الْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان " [ الْمُجَادَلَة : ٢٢ ].
أَيْ خَلَقَ الْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهمْ الْإِيمَان " [ الْمُجَادَلَة : ٢٢ ].
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ
اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، كَمَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَة قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، كَيْف بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " الْآيَة، قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
فَسَمَّى الصَّلَاة إِيمَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نِيَّة وَقَوْل وَعَمَل.
وَقَالَ مَالِك : إِنِّي لَأَذْكُر بِهَذِهِ الْآيَة قَوْل الْمُرْجِئَة : إِنَّ الصَّلَاة لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَان.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " أَيْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَة وَتَصْدِيقكُمْ لِنَبِيِّكُمْ، وَعَلَى هَذَا مُعْظَم الْمُسْلِمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ.
وَرَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم وَأَشْهَب عَنْ مَالِك " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " قَالَ : صَلَاتكُمْ.
اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، كَمَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَة قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، كَيْف بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " الْآيَة، قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
فَسَمَّى الصَّلَاة إِيمَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نِيَّة وَقَوْل وَعَمَل.
وَقَالَ مَالِك : إِنِّي لَأَذْكُر بِهَذِهِ الْآيَة قَوْل الْمُرْجِئَة : إِنَّ الصَّلَاة لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَان.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق :" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " أَيْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَة وَتَصْدِيقكُمْ لِنَبِيِّكُمْ، وَعَلَى هَذَا مُعْظَم الْمُسْلِمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ.
وَرَوَى اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم وَأَشْهَب عَنْ مَالِك " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " قَالَ : صَلَاتكُمْ.
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
الرَّأْفَة أَشَدّ مِنْ الرَّحْمَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : الرَّأْفَة أَكْثَر مِنْ الرَّحْمَة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى لُغَته وَأَشْعَاره وَمَعَانِيه فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ.
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو " لَرَؤُف " عَلَى وَزْن فَعُل، وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد، وَمِنْهُ قَوْل الْوَلِيد بْن عُقْبَة :
وَحَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ لُغَة بَنِي أَسَد " لَرَأْف "، عَلَى فَعْل.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " لَرَوُّف " مُثَقَّلًا بِغَيْرِ هَمْز، وَكَذَلِكَ سَهَّلَ كُلّ هَمْزَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى، سَاكِنَة كَانَتْ أَوْ مُتَحَرِّكَة.
الرَّأْفَة أَشَدّ مِنْ الرَّحْمَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : الرَّأْفَة أَكْثَر مِنْ الرَّحْمَة، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى لُغَته وَأَشْعَاره وَمَعَانِيه فِي الْكِتَاب " الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى " فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ.
وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عَمْرو " لَرَؤُف " عَلَى وَزْن فَعُل، وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد، وَمِنْهُ قَوْل الْوَلِيد بْن عُقْبَة :
| وَشَرّ الطَّالِبِينَ فَلَا تَكُنْهُ | يُقَاتِل عَمّه الرَّؤُف الرَّحِيم |
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع " لَرَوُّف " مُثَقَّلًا بِغَيْرِ هَمْز، وَكَذَلِكَ سَهَّلَ كُلّ هَمْزَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى، سَاكِنَة كَانَتْ أَوْ مُتَحَرِّكَة.
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة مُقَدَّمَة فِي النُّزُول عَلَى قَوْله تَعَالَى :" سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ].
وَمَعْنَى " تَقَلُّب وَجْهك " : تَحَوُّل وَجْهك إِلَى السَّمَاء، قَالَهُ الطَّبَرِيّ.
الزَّجَّاج : تَقَلُّب عَيْنَيْك فِي النَّظَر إِلَى السَّمَاء، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَخَصَّ السَّمَاء بِالذِّكْرِ إِذْ هِيَ مُخْتَصَّة بِتَعْظِيمِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهَا وَيَعُود مِنْهَا كَالْمَطَرِ وَالرَّحْمَة وَالْوَحْي.
وَمَعْنَى " تَرْضَاهَا " تُحِبّهَا.
قَالَ السُّدِّيّ : كَانَ إِذَا صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء يَنْظُر مَا يُؤْمَر بِهِ، وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يُصَلِّي إِلَى قِبَل الْكَعْبَة فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء ".
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاء قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ أَنْ يُوَجَّه نَحْو الْكَعْبَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْقَوْل فِيهِ، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة مُقَدَّمَة فِي النُّزُول عَلَى قَوْله تَعَالَى :" سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ].
وَمَعْنَى " تَقَلُّب وَجْهك " : تَحَوُّل وَجْهك إِلَى السَّمَاء، قَالَهُ الطَّبَرِيّ.
الزَّجَّاج : تَقَلُّب عَيْنَيْك فِي النَّظَر إِلَى السَّمَاء، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب.
وَخَصَّ السَّمَاء بِالذِّكْرِ إِذْ هِيَ مُخْتَصَّة بِتَعْظِيمِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهَا وَيَعُود مِنْهَا كَالْمَطَرِ وَالرَّحْمَة وَالْوَحْي.
وَمَعْنَى " تَرْضَاهَا " تُحِبّهَا.
قَالَ السُّدِّيّ : كَانَ إِذَا صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء يَنْظُر مَا يُؤْمَر بِهِ، وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يُصَلِّي إِلَى قِبَل الْكَعْبَة فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء ".
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْبَرَاء قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا، وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ أَنْ يُوَجَّه نَحْو الْكَعْبَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْقَوْل فِيهِ، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
" فَوَلِّ " أَمْر " وَجْهك شَطْر " أَيْ نَاحِيَة " الْمَسْجِد الْحَرَام " يَعْنِي الْكَعْبَة، وَلَا خِلَاف فِي هَذَا.
قِيلَ : حِيَال الْبَيْت كُلّه، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ اِبْن عُمَر : حِيَال الْمِيزَاب مِنْ الْكَعْبَة، قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة.
وَالْمِيزَاب : هُوَ قِبْلَة الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام، وَهُنَاكَ قِبْلَة أَهْل الْأَنْدَلُس.
قُلْت : قَدْ رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْبَيْت قِبْلَة لِأَهْلِ الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد قِبْلَة لِأَهْلِ الْحَرَم وَالْحَرَم قِبْلَة لِأَهْلِ الْأَرْض فِي مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا مِنْ أُمَّتِي ).
" شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام " الشَّطْر لَهُ مَحَامِل : يَكُون النَّاحِيَة وَالْجِهَة، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَهُوَ ظَرْف مَكَان، كَمَا تَقُول : تِلْقَاءَهُ وَجِهَته.
وَانْتَصَبَ الظَّرْف لِأَنَّهُ فَضْلَة بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول [ بِهِ ]، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفِعْل وَاقِع فِيهِ.
وَقَالَ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد : إِنَّ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " فَوَلِّ وَجْهك تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام ".
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ آخَر :
وَشَطْر الشَّيْء : نِصْفه، وَمِنْهُ الْحَدِيث :( الطُّهُور شَطْر الْإِيمَان ).
وَيَكُون مِنْ الْأَضْدَاد، يُقَال : شَطَرَ إِلَى كَذَا إِذَا أَقْبَلَ نَحْوه، وَشَطَرَ عَنْ كَذَا إِذَا أُبْعِدَ مِنْهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ.
فَأَمَّا الشَّاطِر مِنْ الرِّجَال فَلِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي نَحْو غَيْر الِاسْتِوَاء، وَهُوَ الَّذِي أَعْيَا أَهْله خُبْثًا، وَقَدْ شَطَرَ وَشَطُرَ ( بِالضَّمِّ ) شَطَارَة فِيهِمَا وَسُئِلَ بَعْضهمْ عَنْ الشَّاطِر، فَقَالَ : هُوَ مَنْ أَخَذَ فِي الْبُعْد عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ.
لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة فِي كُلّ أُفُق، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ شَاهَدَهَا وَعَايَنَهَا فُرِضَ عَلَيْهِ اِسْتِقْبَالهَا، وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اِسْتِقْبَالهَا وَهُوَ مُعَايِن لَهَا وَعَالِم بِجِهَتِهَا فَلَا صَلَاة لَهُ، وَعَلَيْهِ إِعَادَة كُلّ مَا صَلَّى ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلّ مَنْ غَابَ عَنْهَا أَنْ يَسْتَقْبِل نَاحِيَتهَا وَشَطْرهَا وَتِلْقَاءَهَا، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِلّ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنهُ مِنْ النُّجُوم وَالرِّيَاح وَالْجِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى نَاحِيَتهَا.
وَمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَلْيَكُنْ وَجْهه إِلَى الْكَعْبَة وَيَنْظُر إِلَيْهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّظَر إِلَى الْكَعْبَة عِبَادَة، قَالَهُ عَطَاء وَمُجَاهِد.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ فَرْض الْغَائِب اِسْتِقْبَال الْعَيْن أَوْ الْجِهَة، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ ضَعِيف ; لِأَنَّهُ تَكْلِيف لِمَا لَا يَصِل إِلَيْهِ.
" فَوَلِّ " أَمْر " وَجْهك شَطْر " أَيْ نَاحِيَة " الْمَسْجِد الْحَرَام " يَعْنِي الْكَعْبَة، وَلَا خِلَاف فِي هَذَا.
قِيلَ : حِيَال الْبَيْت كُلّه، عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ اِبْن عُمَر : حِيَال الْمِيزَاب مِنْ الْكَعْبَة، قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة.
وَالْمِيزَاب : هُوَ قِبْلَة الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام، وَهُنَاكَ قِبْلَة أَهْل الْأَنْدَلُس.
قُلْت : قَدْ رَوَى اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْبَيْت قِبْلَة لِأَهْلِ الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد قِبْلَة لِأَهْلِ الْحَرَم وَالْحَرَم قِبْلَة لِأَهْلِ الْأَرْض فِي مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا مِنْ أُمَّتِي ).
" شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام " الشَّطْر لَهُ مَحَامِل : يَكُون النَّاحِيَة وَالْجِهَة، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَهُوَ ظَرْف مَكَان، كَمَا تَقُول : تِلْقَاءَهُ وَجِهَته.
وَانْتَصَبَ الظَّرْف لِأَنَّهُ فَضْلَة بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُول [ بِهِ ]، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفِعْل وَاقِع فِيهِ.
وَقَالَ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد : إِنَّ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " فَوَلِّ وَجْهك تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام ".
وَقَالَ الشَّاعِر :
| أَقُول لِأُمِّ زِنْبَاع أَقِيمِي | صُدُور الْعِيس شَطْر بَنِي تَمِيم. |
| وَقَدْ أَظَلَّكُمُ مِنْ شَطْر ثَغْركُمُ | هَوْل لَهُ ظُلَم يَغْشَاكُمُ قِطَعَا |
| أَلَا مَنْ مُبْلِغ عَمْرًا رَسُولًا | وَمَا تُغْنِي الرِّسَالَة شَطْر عَمْرو |
وَيَكُون مِنْ الْأَضْدَاد، يُقَال : شَطَرَ إِلَى كَذَا إِذَا أَقْبَلَ نَحْوه، وَشَطَرَ عَنْ كَذَا إِذَا أُبْعِدَ مِنْهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ.
فَأَمَّا الشَّاطِر مِنْ الرِّجَال فَلِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي نَحْو غَيْر الِاسْتِوَاء، وَهُوَ الَّذِي أَعْيَا أَهْله خُبْثًا، وَقَدْ شَطَرَ وَشَطُرَ ( بِالضَّمِّ ) شَطَارَة فِيهِمَا وَسُئِلَ بَعْضهمْ عَنْ الشَّاطِر، فَقَالَ : هُوَ مَنْ أَخَذَ فِي الْبُعْد عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ.
لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْكَعْبَة قِبْلَة فِي كُلّ أُفُق، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ شَاهَدَهَا وَعَايَنَهَا فُرِضَ عَلَيْهِ اِسْتِقْبَالهَا، وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اِسْتِقْبَالهَا وَهُوَ مُعَايِن لَهَا وَعَالِم بِجِهَتِهَا فَلَا صَلَاة لَهُ، وَعَلَيْهِ إِعَادَة كُلّ مَا صَلَّى ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلّ مَنْ غَابَ عَنْهَا أَنْ يَسْتَقْبِل نَاحِيَتهَا وَشَطْرهَا وَتِلْقَاءَهَا، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِلّ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يُمْكِنهُ مِنْ النُّجُوم وَالرِّيَاح وَالْجِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى نَاحِيَتهَا.
وَمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَلْيَكُنْ وَجْهه إِلَى الْكَعْبَة وَيَنْظُر إِلَيْهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّظَر إِلَى الْكَعْبَة عِبَادَة، قَالَهُ عَطَاء وَمُجَاهِد.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ فَرْض الْغَائِب اِسْتِقْبَال الْعَيْن أَوْ الْجِهَة، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهُوَ ضَعِيف ; لِأَنَّهُ تَكْلِيف لِمَا لَا يَصِل إِلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجِهَةِ، وَهُوَ الصَّحِيح لِثَلَاثَةِ أَوْجُه : الْأَوَّل : أَنَّهُ الْمُمْكِن الَّذِي يَرْتَبِط بِهِ التَّكْلِيف.
الثَّانِي : أَنَّهُ الْمَأْمُور بِهِ فِي الْقُرْآن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " يَعْنِي مِنْ الْأَرْض مِنْ شَرْق أَوْ غَرْب " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره ".
الثَّالِث : أَنَّ الْعُلَمَاء اِحْتَجُّوا بِالصَّفِّ الطَّوِيل الَّذِي يُعْلَم قَطْعًا أَنَّهُ أَضْعَاف عَرْض الْبَيْت.
فِي هَذِهِ الْآيَة حُجَّة وَاضِحَة لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْمُصَلِّي حُكْمه أَنْ يَنْظُر أَمَامه لَا إِلَى مَوْضِع سُجُوده.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْحَسَن بْن حَيّ.
يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون نَظَره إِلَى مَوْضِع سُجُوده.
وَقَالَ شَرِيك الْقَاضِي : يَنْظُر فِي الْقِيَام إِلَى مَوْضِع السُّجُود، وَفِي الرُّكُوع إِلَى مَوْضِع قَدَمَيْهِ، وَفِي السُّجُود إِلَى مَوْضِع أَنْفه، وَفِي الْقُعُود إِلَى حِجْره.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا يَنْظُر أَمَامه فَإِنَّهُ إِنْ حَنَى رَأْسه ذَهَبَ بَعْض الْقِيَام الْمُفْتَرَض عَلَيْهِ فِي الرَّأْس وَهُوَ أَشْرَف الْأَعْضَاء، وَإِنْ أَقَامَ رَأْسه وَتَكَلَّفَ النَّظَر بِبَصَرِهِ إِلَى الْأَرْض فَتِلْكَ مَشَقَّة عَظِيمَة وَحَرَج.
وَمَا جَعَلَ عَلَيْنَا فِي الدِّين مِنْ حَرَج، أَمَّا إِنَّ ذَلِكَ أَفْضَل لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ الْمَأْمُور بِهِ فِي الْقُرْآن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " يَعْنِي مِنْ الْأَرْض مِنْ شَرْق أَوْ غَرْب " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره ".
الثَّالِث : أَنَّ الْعُلَمَاء اِحْتَجُّوا بِالصَّفِّ الطَّوِيل الَّذِي يُعْلَم قَطْعًا أَنَّهُ أَضْعَاف عَرْض الْبَيْت.
فِي هَذِهِ الْآيَة حُجَّة وَاضِحَة لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْمُصَلِّي حُكْمه أَنْ يَنْظُر أَمَامه لَا إِلَى مَوْضِع سُجُوده.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْحَسَن بْن حَيّ.
يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون نَظَره إِلَى مَوْضِع سُجُوده.
وَقَالَ شَرِيك الْقَاضِي : يَنْظُر فِي الْقِيَام إِلَى مَوْضِع السُّجُود، وَفِي الرُّكُوع إِلَى مَوْضِع قَدَمَيْهِ، وَفِي السُّجُود إِلَى مَوْضِع أَنْفه، وَفِي الْقُعُود إِلَى حِجْره.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا يَنْظُر أَمَامه فَإِنَّهُ إِنْ حَنَى رَأْسه ذَهَبَ بَعْض الْقِيَام الْمُفْتَرَض عَلَيْهِ فِي الرَّأْس وَهُوَ أَشْرَف الْأَعْضَاء، وَإِنْ أَقَامَ رَأْسه وَتَكَلَّفَ النَّظَر بِبَصَرِهِ إِلَى الْأَرْض فَتِلْكَ مَشَقَّة عَظِيمَة وَحَرَج.
وَمَا جَعَلَ عَلَيْنَا فِي الدِّين مِنْ حَرَج، أَمَّا إِنَّ ذَلِكَ أَفْضَل لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ
يُرِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى
يُرِيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى
أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا
يَعْنِي تَحْوِيل الْقِبْلَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ دِينهمْ وَلَا فِي كِتَابهمْ ؟ قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا مِنْ كِتَابهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيّ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا الْحَقّ وَلَا يَأْمُر إِلَّا بِهِ.
الثَّانِي : أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ دِينهمْ جَوَاز النَّسْخ وَإِنْ جَحَدَهُ بَعْضهمْ، فَصَارُوا عَالِمِينَ بِجَوَازِ الْقِبْلَة.
يَعْنِي تَحْوِيل الْقِبْلَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ دِينهمْ وَلَا فِي كِتَابهمْ ؟ قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا مِنْ كِتَابهمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيّ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَقُول إِلَّا الْحَقّ وَلَا يَأْمُر إِلَّا بِهِ.
الثَّانِي : أَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ دِينهمْ جَوَاز النَّسْخ وَإِنْ جَحَدَهُ بَعْضهمْ، فَصَارُوا عَالِمِينَ بِجَوَازِ الْقِبْلَة.
اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهُمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عِمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَعْمَلُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَة أَهْل الْكِتَاب أَوْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ إِعْلَام بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُهْمِل أَعْمَال الْعِبَاد وَلَا يَغْفُل عَنْهَا، وَضَمَّنَهُ الْوَعِيد.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْت.
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهُمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عِمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَعْمَلُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَة أَهْل الْكِتَاب أَوْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ إِعْلَام بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُهْمِل أَعْمَال الْعِبَاد وَلَا يَغْفُل عَنْهَا، وَضَمَّنَهُ الْوَعِيد.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْت.
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ
لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا وَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ، وَلَيْسَ تَنْفَعهُمْ الْآيَات، أَيْ الْعَلَامَات.
وَجَمْع قِبْلَة فِي التَّكْسِير : قِبَل.
وَفِي التَّسْلِيم : قِبِلَات.
وَيَجُوز أَنْ تُبْدَل مِنْ الْكَسْرَة فَتْحَة، فَتَقُول قِبَلَات.
وَيَجُوز أَنْ تُحْذَف الْكَسْرَة وَتُسَكَّن الْبَاء فَتَقُول قِبْلَات.
وَأُجِيبَتْ " لَئِنْ " بِجَوَابِ " لَوْ " وَهِيَ ضِدّهَا فِي أَنَّ " لَوْ " تَطْلُب فِي جَوَابهَا الْمُضِيّ وَالْوُقُوع، و " لَئِنْ " تَطْلُب الِاسْتِقْبَال، فَقَالَ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش : أُجِيبَتْ بِجَوَابِ " لَوْ " لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَلَوْ أَتَيْت.
وَكَذَلِكَ تُجَاب " لَوْ " بِجَوَابِ " لَئِنْ "، تَقُول : لَوْ أَحْسَنْت أُحْسِن إِلَيْك، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا " [ الرُّوم : ٥١ ] أَيْ وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا.
وَخَالَفَهُمَا سِيبَوَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ مَعْنَى " لَئِنْ " مُخَالِف لِمَعْنَى " لَوْ " فَلَا يَدْخُل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى الْآخَر، فَالْمَعْنَى : وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب بِكُلِّ آيَة لَا يَتَّبِعُونَ قِبْلَتك.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمَعْنَى " وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا " لَيَظَلُّنَّ.
لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا وَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ، وَلَيْسَ تَنْفَعهُمْ الْآيَات، أَيْ الْعَلَامَات.
وَجَمْع قِبْلَة فِي التَّكْسِير : قِبَل.
وَفِي التَّسْلِيم : قِبِلَات.
وَيَجُوز أَنْ تُبْدَل مِنْ الْكَسْرَة فَتْحَة، فَتَقُول قِبَلَات.
وَيَجُوز أَنْ تُحْذَف الْكَسْرَة وَتُسَكَّن الْبَاء فَتَقُول قِبْلَات.
وَأُجِيبَتْ " لَئِنْ " بِجَوَابِ " لَوْ " وَهِيَ ضِدّهَا فِي أَنَّ " لَوْ " تَطْلُب فِي جَوَابهَا الْمُضِيّ وَالْوُقُوع، و " لَئِنْ " تَطْلُب الِاسْتِقْبَال، فَقَالَ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش : أُجِيبَتْ بِجَوَابِ " لَوْ " لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَلَوْ أَتَيْت.
وَكَذَلِكَ تُجَاب " لَوْ " بِجَوَابِ " لَئِنْ "، تَقُول : لَوْ أَحْسَنْت أُحْسِن إِلَيْك، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا " [ الرُّوم : ٥١ ] أَيْ وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا.
وَخَالَفَهُمَا سِيبَوَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ مَعْنَى " لَئِنْ " مُخَالِف لِمَعْنَى " لَوْ " فَلَا يَدْخُل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَى الْآخَر، فَالْمَعْنَى : وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب بِكُلِّ آيَة لَا يَتَّبِعُونَ قِبْلَتك.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَمَعْنَى " وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا " لَيَظَلُّنَّ.
وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ
لَفْظ خَبَر وَيَتَضَمَّن الْأَمْر، أَيْ فَلَا تَرْكَن إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْيَهُود لَيْسَتْ مُتَّبِعَة قِبْلَة النَّصَارَى وَلَا النَّصَارَى مُتَّبِعَة قِبْلَة الْيَهُود، عَنْ السُّدِّيّ وَابْن زَيْد.
فَهَذَا إِعْلَام بِاخْتِلَافِهِمْ وَتَدَابُرهمْ وَضَلَالهمْ.
وَقَالَ قَوْم : الْمَعْنَى وَمَا مَنْ اِتَّبَعَك مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِمُتَّبِعٍ قِبْلَة مَنْ لَمْ يُسْلِم، وَلَا مَنْ لَمْ يُسْلِم قِبْلَة مَنْ أَسْلَمَ.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
لَفْظ خَبَر وَيَتَضَمَّن الْأَمْر، أَيْ فَلَا تَرْكَن إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْيَهُود لَيْسَتْ مُتَّبِعَة قِبْلَة النَّصَارَى وَلَا النَّصَارَى مُتَّبِعَة قِبْلَة الْيَهُود، عَنْ السُّدِّيّ وَابْن زَيْد.
فَهَذَا إِعْلَام بِاخْتِلَافِهِمْ وَتَدَابُرهمْ وَضَلَالهمْ.
وَقَالَ قَوْم : الْمَعْنَى وَمَا مَنْ اِتَّبَعَك مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِمُتَّبِعٍ قِبْلَة مَنْ لَمْ يُسْلِم، وَلَا مَنْ لَمْ يُسْلِم قِبْلَة مَنْ أَسْلَمَ.
وَالْأَوَّل أَظْهَر، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَاد أُمَّته مِمَّنْ يَجُوز أَنْ يَتَّبِع هَوَاهُ فَيَصِير بِاتِّبَاعِهِ ظَالِمًا، وَلَيْسَ يَجُوز أَنْ يَفْعَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَكُون بِهِ ظَالِمًا، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى إِرَادَة أُمَّته لِعِصْمَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون مِنْهُ، وَخُوطِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَزَّل عَلَيْهِ.
وَالْأَهْوَاء : جَمْع هَوًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَذَا " مِنْ الْعِلْم " [ الْبَقَرَة : ١٢٠ ] تَقَدَّمَ أَيْضًا، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَاد أُمَّته مِمَّنْ يَجُوز أَنْ يَتَّبِع هَوَاهُ فَيَصِير بِاتِّبَاعِهِ ظَالِمًا، وَلَيْسَ يَجُوز أَنْ يَفْعَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَكُون بِهِ ظَالِمًا، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى إِرَادَة أُمَّته لِعِصْمَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون مِنْهُ، وَخُوطِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَزَّل عَلَيْهِ.
وَالْأَهْوَاء : جَمْع هَوًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَذَا " مِنْ الْعِلْم " [ الْبَقَرَة : ١٢٠ ] تَقَدَّمَ أَيْضًا، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " يَعْرِفُونَهُ ".
وَيَصِحّ أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الصِّفَة ل " لِظَالِمِينَ " و " يَعْرِفُونَ " فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ يَعْرِفُونَ نُبُوَّته وَصِدْق رِسَالَته، وَالضَّمِير عَائِد عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا.
وَقِيلَ :" يَعْرِفُونَ " تَحْوِيل الْقِبْلَة عَنْ بَيْت الْمَقْدِس إِلَى الْكَعْبَة أَنَّهُ حَقّ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُرَيْج وَالرَّبِيع وَقَتَادَة أَيْضًا.
وَخَصَّ الْأَبْنَاء فِي الْمَعْرِفَة بِالذِّكْرِ دُون الْأَنْفُس وَإِنْ كَانَتْ أَلْصَق لِأَنَّ الْإِنْسَان يَمُرّ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنه بُرْهَة لَا يَعْرِف فِيهَا نَفْسه، وَلَا يَمُرّ عَلَيْهِ وَقْت لَا يَعْرِف فِيهِ اِبْنه.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام : أَتَعْرِفُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَعْرِف اِبْنك ؟ فَقَالَ : نَعَمْ وَأَكْثَر، بَعَثَ اللَّه أَمِينه فِي سَمَائِهِ إِلَى أَمِينه فِي أَرْضه بِنَعْتِهِ فَعَرَفْته، وَابْنِي لَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ أُمّه.
" الَّذِينَ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر " يَعْرِفُونَهُ ".
وَيَصِحّ أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الصِّفَة ل " لِظَالِمِينَ " و " يَعْرِفُونَ " فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ يَعْرِفُونَ نُبُوَّته وَصِدْق رِسَالَته، وَالضَّمِير عَائِد عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا.
وَقِيلَ :" يَعْرِفُونَ " تَحْوِيل الْقِبْلَة عَنْ بَيْت الْمَقْدِس إِلَى الْكَعْبَة أَنَّهُ حَقّ، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُرَيْج وَالرَّبِيع وَقَتَادَة أَيْضًا.
وَخَصَّ الْأَبْنَاء فِي الْمَعْرِفَة بِالذِّكْرِ دُون الْأَنْفُس وَإِنْ كَانَتْ أَلْصَق لِأَنَّ الْإِنْسَان يَمُرّ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنه بُرْهَة لَا يَعْرِف فِيهَا نَفْسه، وَلَا يَمُرّ عَلَيْهِ وَقْت لَا يَعْرِف فِيهِ اِبْنه.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر قَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام : أَتَعْرِفُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَعْرِف اِبْنك ؟ فَقَالَ : نَعَمْ وَأَكْثَر، بَعَثَ اللَّه أَمِينه فِي سَمَائِهِ إِلَى أَمِينه فِي أَرْضه بِنَعْتِهِ فَعَرَفْته، وَابْنِي لَا أَدْرِي مَا كَانَ مِنْ أُمّه.
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَخُصَيْف.
وَقِيلَ : اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة، عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَخُصَيْف.
وَقِيلَ : اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة، عَلَى مَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
وَهُمْ يَعْلَمُونَ
ظَاهِر فِي صِحَّة الْكُفْر عِنَادًا، وَمِثْله :" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ " [ النَّمْل : ١٤ ] وَقَوْله " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ " [ الْبَقَرَة : ٨٩ ].
ظَاهِر فِي صِحَّة الْكُفْر عِنَادًا، وَمِثْله :" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسهمْ " [ النَّمْل : ١٤ ] وَقَوْله " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ " [ الْبَقَرَة : ٨٩ ].
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
يَعْنِي اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة، لَا مَا أَخْبَرَك بِهِ الْيَهُود مِنْ قِبْلَتهمْ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ " الْحَقّ " مَنْصُوبًا ب " يَعْلَمُونَ " أَيْ يَعْلَمُونَ الْحَقّ.
وَيَصِحّ نَصْبه عَلَى تَقْدِير اِلْزَمْ الْحَقّ.
وَالرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإ وَالتَّقْدِير هُوَ الْحَقّ، أَوْ عَلَى إِضْمَار فِعْل، أَيْ جَاءَك الْحَقّ.
قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا الَّذِي فِي " الْأَنْبِيَاء " " الْحَقّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٤ ] فَلَا نَعْلَم أَحَدًا قَرَأَهُ إِلَّا مَنْصُوبًا، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الَّذِي فِي سُورَة " الْبَقَرَة " مُبْتَدَأ آيَة، وَاَلَّذِي فِي الْأَنْبِيَاء لَيْسَ كَذَلِكَ
يَعْنِي اِسْتِقْبَال الْكَعْبَة، لَا مَا أَخْبَرَك بِهِ الْيَهُود مِنْ قِبْلَتهمْ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ " الْحَقّ " مَنْصُوبًا ب " يَعْلَمُونَ " أَيْ يَعْلَمُونَ الْحَقّ.
وَيَصِحّ نَصْبه عَلَى تَقْدِير اِلْزَمْ الْحَقّ.
وَالرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء أَوْ عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَإ وَالتَّقْدِير هُوَ الْحَقّ، أَوْ عَلَى إِضْمَار فِعْل، أَيْ جَاءَك الْحَقّ.
قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا الَّذِي فِي " الْأَنْبِيَاء " " الْحَقّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ " [ الْأَنْبِيَاء : ٢٤ ] فَلَا نَعْلَم أَحَدًا قَرَأَهُ إِلَّا مَنْصُوبًا، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الَّذِي فِي سُورَة " الْبَقَرَة " مُبْتَدَأ آيَة، وَاَلَّذِي فِي الْأَنْبِيَاء لَيْسَ كَذَلِكَ
فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
أَيْ مِنْ الشَّاكِّينَ.
وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته.
يُقَال : اِمْتَرَى فُلَان [ فِي ] كَذَا إِذَا اِعْتَرَضَهُ الْيَقِين مَرَّة وَالشَّكّ أُخْرَى فَدَافَعَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمِنْهُ الْمِرَاء لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَشُكّ فِي قَوْل صَاحِبه.
وَالِامْتِرَاء فِي الشَّيْء الشَّكّ فِيهِ، وَكَذَا التَّمَارِي.
وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيّ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْمُمْتَرِينَ الشَّاكُّونَ قَوْل الْأَعْشَى :
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَوَهِمَ فِي هَذَا ; لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَة وَغَيْره قَالَ : الْمُمْتَرُونَ فِي الْبَيْت هُمْ الَّذِينَ يَمْرُونَ الْخَيْل بِأَرْجُلِهِمْ هَمْزًا لِتَجْرِي كَأَنَّهُمْ يَحْتَلِبُونَ الْجَرْي مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي الْبَيْت مَعْنَى الشَّكّ كَمَا قَالَ الطَّبَرِيّ.
قُلْت : مَعْنَى الشَّكّ فِيهِ مَوْجُود ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَخْتَبِر الْفَرَس صَاحِبه هَلْ هُوَ عَلَى مَا عَهِدَ مِنْهُ الْجَرْي أَمْ لَا، لِئَلَّا يَكُون أَصَابَهُ شَيْء، أَوْ يَكُون هَذَا عِنْد أَوَّل شِرَائِهِ فَيُجْرِيه لِيَعْلَم مِقْدَار جَرْيه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَمَرَيْت الْفَرَس إِذَا اِسْتَخْرَجْت مَا عِنْده مِنْ الْجَرْي بِسَوْطٍ أَوْ غَيْره.
وَالِاسْم الْمِرْيَة ( بِالْكَسْرِ ) وَقَدْ تُضَمّ.
وَمَرَيْت النَّاقَة مَرْيًا : إِذَا مَسَحْت ضَرْعهَا لِتَدِرّ.
وَأَمْرَتْ هِيَ إِذَا دَرَّ لَبَنهَا، وَالِاسْم الْمِرْيَة ( بِالْكَسْرِ )، وَالضَّمّ غَلَط.
وَالْمِرْيَة : الشَّكّ، وَقَدْ تُضَمّ، وَقُرِئَ بِهِمَا.
أَيْ مِنْ الشَّاكِّينَ.
وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته.
يُقَال : اِمْتَرَى فُلَان [ فِي ] كَذَا إِذَا اِعْتَرَضَهُ الْيَقِين مَرَّة وَالشَّكّ أُخْرَى فَدَافَعَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمِنْهُ الْمِرَاء لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَشُكّ فِي قَوْل صَاحِبه.
وَالِامْتِرَاء فِي الشَّيْء الشَّكّ فِيهِ، وَكَذَا التَّمَارِي.
وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيّ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْمُمْتَرِينَ الشَّاكُّونَ قَوْل الْأَعْشَى :
| تَدِرّ عَلَى أَسْؤُق الْمُمْتَرِي | نَ رَكْضًا إِذَا مَا السَّرَاب أَرْجَحَنَّ |
قُلْت : مَعْنَى الشَّكّ فِيهِ مَوْجُود ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَخْتَبِر الْفَرَس صَاحِبه هَلْ هُوَ عَلَى مَا عَهِدَ مِنْهُ الْجَرْي أَمْ لَا، لِئَلَّا يَكُون أَصَابَهُ شَيْء، أَوْ يَكُون هَذَا عِنْد أَوَّل شِرَائِهِ فَيُجْرِيه لِيَعْلَم مِقْدَار جَرْيه.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَمَرَيْت الْفَرَس إِذَا اِسْتَخْرَجْت مَا عِنْده مِنْ الْجَرْي بِسَوْطٍ أَوْ غَيْره.
وَالِاسْم الْمِرْيَة ( بِالْكَسْرِ ) وَقَدْ تُضَمّ.
وَمَرَيْت النَّاقَة مَرْيًا : إِذَا مَسَحْت ضَرْعهَا لِتَدِرّ.
وَأَمْرَتْ هِيَ إِذَا دَرَّ لَبَنهَا، وَالِاسْم الْمِرْيَة ( بِالْكَسْرِ )، وَالضَّمّ غَلَط.
وَالْمِرْيَة : الشَّكّ، وَقَدْ تُضَمّ، وَقُرِئَ بِهِمَا.
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
الْوِجْهَة وَزْنهَا فِعْلَة مِنْ الْمُوَاجَهَة.
وَالْوِجْهَة وَالْجِهَة وَالْوَجْه بِمَعْنًى وَاحِد، وَالْمُرَاد الْقِبْلَة، أَيْ إِنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ قِبْلَتك وَأَنْتَ لَا تَتَّبِع قِبْلَتهمْ، وَلِكُلٍّ وِجْهَة إِمَّا بِحَقٍّ وَإِمَّا بِهَوًى.
الْوِجْهَة وَزْنهَا فِعْلَة مِنْ الْمُوَاجَهَة.
وَالْوِجْهَة وَالْجِهَة وَالْوَجْه بِمَعْنًى وَاحِد، وَالْمُرَاد الْقِبْلَة، أَيْ إِنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ قِبْلَتك وَأَنْتَ لَا تَتَّبِع قِبْلَتهمْ، وَلِكُلٍّ وِجْهَة إِمَّا بِحَقٍّ وَإِمَّا بِهَوًى.
هُوَ مُوَلِّيهَا
" هُوَ " عَائِد عَلَى لَفْظ كُلّ لَا عَلَى مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَعْنَى لَقَالَ : هُمْ مُوَلُّوهَا وُجُوههمْ، فَالْهَاء وَالْأَلِف مَفْعُول أَوَّل وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف، أَيْ هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهه وَنَفْسه.
وَالْمَعْنَى : وَلِكُلِّ صَاحِب مِلَّة قِبْلَة، صَاحِب الْقِبْلَة مُوَلِّيهَا وَجْهه، عَلَى لَفْظ كُلّ وَهُوَ قَوْل الرَّبِيع وَعَطَاء وَابْن عَبَّاس.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان :" مُوَلِّيهَا " أَيْ مُتَوَلِّيهَا.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عَامِر " مُوَلَّاهَا " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَالضَّمِير عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة لِوَاحِدٍ، أَيْ وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْ النَّاس قِبْلَة، الْوَاحِد مُوَلَّاهَا أَيْ مَصْرُوف إِلَيْهَا، قَالَهُ الزَّجَّاج.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة " هُوَ " ضَمِير اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر، إِذْ مَعْلُوم أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَاعِل ذَلِكَ وَالْمَعْنَى : لِكُلِّ صَاحِب مِلَّة قِبْلَة اللَّه مُوَلِّيهَا إِيَّاهُ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ : أَنَّ قَوْمًا قَرَءُوا " وَلِكُلِّ وِجْهَة " بِإِضَافَةِ كُلّ إِلَى وِجْهَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَخَطَّأَهَا الطَّبَرِيّ، وَهِيَ مُتَّجِهَة، أَيْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات لِكُلِّ وِجْهَة وَلَّاكُمُوهَا، وَلَا تَعْتَرِضُوا فِيمَا أَمَرَكُمْ بَيْن هَذِهِ وَهَذِهِ، أَيْ إِنَّمَا عَلَيْكُمْ الطَّاعَة فِي الْجَمِيع.
وَقَدَّمَ قَوْله " وَلِكُلٍّ وِجْهَة " عَلَى الْأَمْر فِي قَوْله :" فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات " لِلِاهْتِمَامِ بِالْوِجْهَة كَمَا يُقَدَّم الْمَفْعُول، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرو الدَّانِيّ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَسَلِمَتْ الْوَاو فِي " وِجْهَة " لِلْفَرْقِ بَيْن عِدَة وَزِنَة، لِأَنَّ جِهَة ظَرْف، وَتِلْكَ مَصَادِر.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّهُ مَصْدَر شَذَّ عَنْ الْقِيَاس فَسَلِمَ.
وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّهُ اِسْم وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ.
وَقَالَ غَيْر أَبِي عَلِيّ : وَإِذَا أَرَدْت الْمَصْدَر قُلْت جِهَة، وَقَدْ يُقَال الْجِهَة فِي الظَّرْف.
" هُوَ " عَائِد عَلَى لَفْظ كُلّ لَا عَلَى مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَعْنَى لَقَالَ : هُمْ مُوَلُّوهَا وُجُوههمْ، فَالْهَاء وَالْأَلِف مَفْعُول أَوَّل وَالْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف، أَيْ هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهه وَنَفْسه.
وَالْمَعْنَى : وَلِكُلِّ صَاحِب مِلَّة قِبْلَة، صَاحِب الْقِبْلَة مُوَلِّيهَا وَجْهه، عَلَى لَفْظ كُلّ وَهُوَ قَوْل الرَّبِيع وَعَطَاء وَابْن عَبَّاس.
وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان :" مُوَلِّيهَا " أَيْ مُتَوَلِّيهَا.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن عَامِر " مُوَلَّاهَا " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله.
وَالضَّمِير عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة لِوَاحِدٍ، أَيْ وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْ النَّاس قِبْلَة، الْوَاحِد مُوَلَّاهَا أَيْ مَصْرُوف إِلَيْهَا، قَالَهُ الزَّجَّاج.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة " هُوَ " ضَمِير اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر، إِذْ مَعْلُوم أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَاعِل ذَلِكَ وَالْمَعْنَى : لِكُلِّ صَاحِب مِلَّة قِبْلَة اللَّه مُوَلِّيهَا إِيَّاهُ.
وَحَكَى الطَّبَرِيّ : أَنَّ قَوْمًا قَرَءُوا " وَلِكُلِّ وِجْهَة " بِإِضَافَةِ كُلّ إِلَى وِجْهَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَخَطَّأَهَا الطَّبَرِيّ، وَهِيَ مُتَّجِهَة، أَيْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات لِكُلِّ وِجْهَة وَلَّاكُمُوهَا، وَلَا تَعْتَرِضُوا فِيمَا أَمَرَكُمْ بَيْن هَذِهِ وَهَذِهِ، أَيْ إِنَّمَا عَلَيْكُمْ الطَّاعَة فِي الْجَمِيع.
وَقَدَّمَ قَوْله " وَلِكُلٍّ وِجْهَة " عَلَى الْأَمْر فِي قَوْله :" فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات " لِلِاهْتِمَامِ بِالْوِجْهَة كَمَا يُقَدَّم الْمَفْعُول، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرو الدَّانِيّ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَسَلِمَتْ الْوَاو فِي " وِجْهَة " لِلْفَرْقِ بَيْن عِدَة وَزِنَة، لِأَنَّ جِهَة ظَرْف، وَتِلْكَ مَصَادِر.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّهُ مَصْدَر شَذَّ عَنْ الْقِيَاس فَسَلِمَ.
وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّهُ اِسْم وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ.
وَقَالَ غَيْر أَبِي عَلِيّ : وَإِذَا أَرَدْت الْمَصْدَر قُلْت جِهَة، وَقَدْ يُقَال الْجِهَة فِي الظَّرْف.
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
أَيْ إِلَى الْخَيْرَات، فَحَذَفَ الْحَرْف، أَيْ بَادِرُوا مَا أَمَرَكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ اِسْتِقْبَال الْبَيْت الْحَرَام، وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّن الْحَثّ عَلَى الْمُبَادَرَة وَالِاسْتِعْجَال إِلَى جَمِيع الطَّاعَات بِالْعُمُومِ، فَالْمُرَاد مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِقْبَال لِسِيَاقِ الْآي.
وَالْمَعْنَى الْمُرَاد الْمُبَادَرَة بِالصَّلَاةِ أَوَّل وَقْتهَا، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا مَثَل الْمُهَجِّر إِلَى الصَّلَاة كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْبَقَرَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْكَبْش ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَة ).
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ أَحَدكُمْ لَيُصَلِّي الصَّلَاة لِوَقْتِهَا وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْوَقْت الْأَوَّل مَا هُوَ خَيْر لَهُ مِنْ أَهْله وَمَاله ).
وَأَخْرَجَهُ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَوْله.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خَيْر الْأَعْمَال الصَّلَاة فِي أَوَّل وَقْتهَا ).
وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود " أَوَّل وَقْتهَا " بِإِسْقَاطِ " فِي ".
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ أَبِي مَحْذُورَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَّل الْوَقْت رِضْوَان اللَّه وَوَسَط الْوَقْت رَحْمَة اللَّه وَآخِر الْوَقْت عَفْو اللَّه ).
زَادَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : رِضْوَان اللَّه أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْ عَفْوه، فَإِنَّ رِضْوَانه عَنْ الْمُحْسِنِينَ وَعَفْوه عَنْ الْمُقَصِّرِينَ، وَهَذَا اِخْتِيَار الشَّافِعِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : آخِر الْوَقْت أَفْضَل ; لِأَنَّهُ وَقْت الْوُجُوب.
وَأَمَّا مَالِك فَفَصَّلَ الْقَوْل، فَأَمَّا الصُّبْح وَالْمَغْرِب فَأَوَّل الْوَقْت فِيهِمَا أَفْضَل، أَمَّا الصُّبْح فَلِحَدِيثِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ :( إِنْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْح فَيَنْصَرِف النِّسَاء مُتَلَفِّعَات بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس ) - فِي رِوَايَة - ( مُتَلَفِّفَات ).
وَأَمَّا الْمَغْرِب فَلِحَدِيثِ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِب إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
وَأَمَّا الْعِشَاء فَتَأْخِيرهَا أَفْضَل لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
أَيْ إِلَى الْخَيْرَات، فَحَذَفَ الْحَرْف، أَيْ بَادِرُوا مَا أَمَرَكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ اِسْتِقْبَال الْبَيْت الْحَرَام، وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّن الْحَثّ عَلَى الْمُبَادَرَة وَالِاسْتِعْجَال إِلَى جَمِيع الطَّاعَات بِالْعُمُومِ، فَالْمُرَاد مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِقْبَال لِسِيَاقِ الْآي.
وَالْمَعْنَى الْمُرَاد الْمُبَادَرَة بِالصَّلَاةِ أَوَّل وَقْتهَا، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا مَثَل الْمُهَجِّر إِلَى الصَّلَاة كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْبَقَرَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْكَبْش ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَة ثُمَّ الَّذِي عَلَى أَثَره كَاَلَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَة ).
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ أَحَدكُمْ لَيُصَلِّي الصَّلَاة لِوَقْتِهَا وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْوَقْت الْأَوَّل مَا هُوَ خَيْر لَهُ مِنْ أَهْله وَمَاله ).
وَأَخْرَجَهُ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَوْله.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( خَيْر الْأَعْمَال الصَّلَاة فِي أَوَّل وَقْتهَا ).
وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود " أَوَّل وَقْتهَا " بِإِسْقَاطِ " فِي ".
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ أَبِي مَحْذُورَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَّل الْوَقْت رِضْوَان اللَّه وَوَسَط الْوَقْت رَحْمَة اللَّه وَآخِر الْوَقْت عَفْو اللَّه ).
زَادَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : رِضْوَان اللَّه أَحَبّ إِلَيْنَا مِنْ عَفْوه، فَإِنَّ رِضْوَانه عَنْ الْمُحْسِنِينَ وَعَفْوه عَنْ الْمُقَصِّرِينَ، وَهَذَا اِخْتِيَار الشَّافِعِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : آخِر الْوَقْت أَفْضَل ; لِأَنَّهُ وَقْت الْوُجُوب.
وَأَمَّا مَالِك فَفَصَّلَ الْقَوْل، فَأَمَّا الصُّبْح وَالْمَغْرِب فَأَوَّل الْوَقْت فِيهِمَا أَفْضَل، أَمَّا الصُّبْح فَلِحَدِيثِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ :( إِنْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْح فَيَنْصَرِف النِّسَاء مُتَلَفِّعَات بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس ) - فِي رِوَايَة - ( مُتَلَفِّفَات ).
وَأَمَّا الْمَغْرِب فَلِحَدِيثِ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِب إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم.
وَأَمَّا الْعِشَاء فَتَأْخِيرهَا أَفْضَل لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
رَوَى اِبْن عُمَر قَالَ : مَكَثْنَا [ ذَات ] لَيْلَة نَنْتَظِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاء الْآخِرَة، فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِين ذَهَبَ ثُلُث اللَّيْل أَوْ بَعْده، فَلَا نَدْرِي أَشَيْء شَغَلَهُ فِي أَهْله أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَقَالَ حِين خَرَجَ :( إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاة مَا يَنْتَظِرهَا أَهْل دِين غَيْركُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُل عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَة ).
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : أَخَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْعِشَاء إِلَى نِصْف اللَّيْل ثُمَّ صَلَّى.
، وَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو بَرْزَة : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبّ تَأْخِيرهَا.
وَأَمَّا الظُّهْر فَإِنَّهَا تَأْتِي النَّاس [ عَلَى ] غَفْلَة فَيُسْتَحَبّ تَأْخِيرهَا قَلِيلًا حَتَّى يَتَأَهَّبُوا وَيَجْتَمِعُوا.
قَالَ أَبُو الْفَرَج قَالَ مَالِك : أَوَّل الْوَقْت أَفْضَل فِي كُلّ صَلَاة إِلَّا لِلظُّهْرِ فِي شِدَّة الْحَرّ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس : وَكَانَ مَالِك يَكْرَه أَنْ يُصَلَّى الظُّهْر عِنْد الزَّوَال وَلَكِنْ بَعْد ذَلِكَ، وَيَقُول : تِلْكَ صَلَاة الْخَوَارِج.
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَصَحِيح التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فَأَرَادَ الْمُؤَذِّن أَنْ يُؤَذِّن لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَبْرِدْ ) ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّن فَقَالَ لَهُ :( أَبْرِدْ ) حَتَّى رَأَيْنَا فَيْء التَّلُول، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ شِدَّة الْحَرّ مِنْ فَيْح جَهَنَّم فَإِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْر إِذَا زَالَتْ الشَّمْس.
وَاَلَّذِي يَجْمَع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ مَا رَوَاهُ أَنَس أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَرّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْد عَجَّلَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ :" وَقَدْ اِخْتَارَ قَوْم [ مِنْ أَهْل الْعِلْم ] تَأْخِير صَلَاة الظُّهْر فِي شِدَّة الْحَرّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا الْإِبْرَاد بِصَلَاةِ الظُّهْر إِذَا كَانَ [ مَسْجِدًا ] يَنْتَاب أَهْله مِنْ الْبُعْد، فَأَمَّا الْمُصَلِّي وَحْده وَاَلَّذِي يُصَلِّي فِي مَسْجِد قَوْمه فَاَلَّذِي أُحِبّ لَهُ أَلَّا يُؤَخِّر الصَّلَاة فِي شِدَّة الْحَرّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِير الظُّهْر فِي شِدَّة الْحَرّ هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَه بِالِاتِّبَاعِ، وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الرُّخْصَة لِمَنْ يَنْتَاب مِنْ الْبُعْد وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاس، فَإِنَّ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ الشَّافِعِيّ.
قَالَ أَبُو ذَرّ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فَأَذَّنَ بِلَال بِصَلَاةِ الظُّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( [ يَا بِلَال ] أَبْرِدْ ثُمَّ أَبْرِدْ ).
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : أَخَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْعِشَاء إِلَى نِصْف اللَّيْل ثُمَّ صَلَّى.
، وَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو بَرْزَة : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبّ تَأْخِيرهَا.
وَأَمَّا الظُّهْر فَإِنَّهَا تَأْتِي النَّاس [ عَلَى ] غَفْلَة فَيُسْتَحَبّ تَأْخِيرهَا قَلِيلًا حَتَّى يَتَأَهَّبُوا وَيَجْتَمِعُوا.
قَالَ أَبُو الْفَرَج قَالَ مَالِك : أَوَّل الْوَقْت أَفْضَل فِي كُلّ صَلَاة إِلَّا لِلظُّهْرِ فِي شِدَّة الْحَرّ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس : وَكَانَ مَالِك يَكْرَه أَنْ يُصَلَّى الظُّهْر عِنْد الزَّوَال وَلَكِنْ بَعْد ذَلِكَ، وَيَقُول : تِلْكَ صَلَاة الْخَوَارِج.
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَصَحِيح التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فَأَرَادَ الْمُؤَذِّن أَنْ يُؤَذِّن لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَبْرِدْ ) ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّن فَقَالَ لَهُ :( أَبْرِدْ ) حَتَّى رَأَيْنَا فَيْء التَّلُول، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ شِدَّة الْحَرّ مِنْ فَيْح جَهَنَّم فَإِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ).
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْر إِذَا زَالَتْ الشَّمْس.
وَاَلَّذِي يَجْمَع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ مَا رَوَاهُ أَنَس أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَرّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْد عَجَّلَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ :" وَقَدْ اِخْتَارَ قَوْم [ مِنْ أَهْل الْعِلْم ] تَأْخِير صَلَاة الظُّهْر فِي شِدَّة الْحَرّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا الْإِبْرَاد بِصَلَاةِ الظُّهْر إِذَا كَانَ [ مَسْجِدًا ] يَنْتَاب أَهْله مِنْ الْبُعْد، فَأَمَّا الْمُصَلِّي وَحْده وَاَلَّذِي يُصَلِّي فِي مَسْجِد قَوْمه فَاَلَّذِي أُحِبّ لَهُ أَلَّا يُؤَخِّر الصَّلَاة فِي شِدَّة الْحَرّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى : وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِير الظُّهْر فِي شِدَّة الْحَرّ هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَه بِالِاتِّبَاعِ، وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الرُّخْصَة لِمَنْ يَنْتَاب مِنْ الْبُعْد وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاس، فَإِنَّ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى خِلَاف مَا قَالَ الشَّافِعِيّ.
قَالَ أَبُو ذَرّ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فَأَذَّنَ بِلَال بِصَلَاةِ الظُّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( [ يَا بِلَال ] أَبْرِدْ ثُمَّ أَبْرِدْ ).
فَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ لَمْ يَكُنْ لِلْإِبْرَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت مَعْنًى، لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَر وَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْتَابُوا مِنْ الْبُعْد ".
وَأَمَّا الْعَصْر فَتَقْدِيمهَا أَفْضَل.
وَلَا خِلَاف فِي مَذْهَبنَا أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة رَجَاء الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ تَقْدِيمهَا، فَإِنَّ فَضْل الْجَمَاعَة مَعْلُوم، وَفَضْل أَوَّل الْوَقْت مَجْهُول وَتَحْصِيل الْمَعْلُوم أَوْلَى قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَأَمَّا الْعَصْر فَتَقْدِيمهَا أَفْضَل.
وَلَا خِلَاف فِي مَذْهَبنَا أَنَّ تَأْخِير الصَّلَاة رَجَاء الْجَمَاعَة أَفْضَل مِنْ تَقْدِيمهَا، فَإِنَّ فَضْل الْجَمَاعَة مَعْلُوم، وَفَضْل أَوَّل الْوَقْت مَجْهُول وَتَحْصِيل الْمَعْلُوم أَوْلَى قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ
شَرْط، وَجَوَابه :" يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا "
شَرْط، وَجَوَابه :" يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا "
بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ
يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة.
يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
قِيلَ : هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَاهْتِمَام بِهَا لِأَنَّ مَوْقِع التَّحْوِيل كَانَ صَعْبًا فِي نُفُوسهمْ جِدًّا، فَأَكَّدَ الْأَمْر لِيَرَى النَّاس الِاهْتِمَام بِهِ فَيَخِفّ عَلَيْهِمْ وَتَسْكُن نُفُوسهمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَوَّلِ : وَلِّ وَجْهك شَطْر الْكَعْبَة، أَيْ عَايِنْهَا إِذَا صَلَّيْت تِلْقَاءَهَا.
ثُمَّ قَالَ :: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " مَعَاشِر الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرهَا " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " ثُمَّ قَالَ " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت " يَعْنِي وُجُوب الِاسْتِقْبَال فِي الْأَسْفَار، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة فِي جَمِيع الْمَوَاضِع مِنْ نَوَاحِي الْأَرْض.
قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَحْسَن مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ فِيهِ حَمْل كُلّ آيَة عَلَى فَائِدَة.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَر فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر.
وَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الِاسْتِقْبَال، لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته.
قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١١٥ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قُلْت : وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، فَقَوْل الشَّافِعِيّ أَوْلَى، وَحَدِيث أَنَس فِي ذَلِكَ حَدِيث صَحِيح.
وَيُرْوَى أَنَّ جَعْفَر بْن مُحَمَّد سُئِلَ مَا مَعْنَى تَكْرِير الْقَصَص فِي الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : عَلِمَ اللَّه أَنَّ كُلّ النَّاس لَا يَحْفَظ الْقُرْآن، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقِصَّة مُكَرَّرَة لَجَازَ أَنْ تَكُون عِنْد بَعْض النَّاس وَلَا تَكُون عِنْد بَعْض، فَكُرِّرَتْ لِتَكُونَ عِنْد مَنْ حَفِظَ الْبَعْض.
قِيلَ : هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَاهْتِمَام بِهَا لِأَنَّ مَوْقِع التَّحْوِيل كَانَ صَعْبًا فِي نُفُوسهمْ جِدًّا، فَأَكَّدَ الْأَمْر لِيَرَى النَّاس الِاهْتِمَام بِهِ فَيَخِفّ عَلَيْهِمْ وَتَسْكُن نُفُوسهمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَوَّلِ : وَلِّ وَجْهك شَطْر الْكَعْبَة، أَيْ عَايِنْهَا إِذَا صَلَّيْت تِلْقَاءَهَا.
ثُمَّ قَالَ :: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " مَعَاشِر الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرهَا " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " ثُمَّ قَالَ " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت " يَعْنِي وُجُوب الِاسْتِقْبَال فِي الْأَسْفَار، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة فِي جَمِيع الْمَوَاضِع مِنْ نَوَاحِي الْأَرْض.
قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَحْسَن مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ فِيهِ حَمْل كُلّ آيَة عَلَى فَائِدَة.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَر فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر.
وَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الِاسْتِقْبَال، لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته.
قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١١٥ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قُلْت : وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، فَقَوْل الشَّافِعِيّ أَوْلَى، وَحَدِيث أَنَس فِي ذَلِكَ حَدِيث صَحِيح.
وَيُرْوَى أَنَّ جَعْفَر بْن مُحَمَّد سُئِلَ مَا مَعْنَى تَكْرِير الْقَصَص فِي الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : عَلِمَ اللَّه أَنَّ كُلّ النَّاس لَا يَحْفَظ الْقُرْآن، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقِصَّة مُكَرَّرَة لَجَازَ أَنْ تَكُون عِنْد بَعْض النَّاس وَلَا تَكُون عِنْد بَعْض، فَكُرِّرَتْ لِتَكُونَ عِنْد مَنْ حَفِظَ الْبَعْض.
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عِمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَعْمَلُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَة أَهْل الْكِتَاب أَوْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ إِعْلَام بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُهْمِل أَعْمَال الْعِبَاد وَلَا يَغْفُل عَنْهَا، وَضَمَّنَهُ الْوَعِيد.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْت.
وَعِيد وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُك أَمْرهمْ سُدًى وَأَنَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالهمْ.
وَالْغَافِل : الَّذِي لَا يَفْطَن لِلْأُمُورِ إِهْمَالًا مِنْهُ، مَأْخُوذ مِنْ الْأَرْض الْغُفْل وَهِيَ الَّتِي لَا عِلْم بِهَا وَلَا أَثَر عِمَارَة.
وَنَاقَة غُفْل : لَا سِمَة بِهَا.
وَرَجُل غُفْل : لَمْ يُجَرِّب الْأُمُور.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَرْض غُفْل لَمْ تُمْطِر.
غَفَلْت عَنْ الشَّيْء غَفْلَة وَغُفُولًا، وَأَغْفَلْت الشَّيْء : تَرَكْته عَلَى ذِكْر مِنْك.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " تَعْمَلُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى مُخَاطَبَة أَهْل الْكِتَاب أَوْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ إِعْلَام بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُهْمِل أَعْمَال الْعِبَاد وَلَا يَغْفُل عَنْهَا، وَضَمَّنَهُ الْوَعِيد.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْت.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا
قِيلَ : هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَاهْتِمَام بِهَا لِأَنَّ مَوْقِع التَّحْوِيل كَانَ صَعْبًا فِي نُفُوسهمْ جِدًّا، فَأَكَّدَ الْأَمْر لِيَرَى النَّاس الِاهْتِمَام بِهِ فَيَخِفّ عَلَيْهِمْ وَتَسْكُن نُفُوسهمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَوَّلِ : وَلِّ وَجْهك شَطْر الْكَعْبَة، أَيْ عَايِنْهَا إِذَا صَلَّيْت تِلْقَاءَهَا.
ثُمَّ قَالَ :: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " مَعَاشِر الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرهَا " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " ثُمَّ قَالَ " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت " يَعْنِي وُجُوب الِاسْتِقْبَال فِي الْأَسْفَار، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة فِي جَمِيع الْمَوَاضِع مِنْ نَوَاحِي الْأَرْض.
قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَحْسَن مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ فِيهِ حَمْل كُلّ آيَة عَلَى فَائِدَة.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَر فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر.
وَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الِاسْتِقْبَال، لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته.
قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١١٥ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قُلْت : وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، فَقَوْل الشَّافِعِيّ أَوْلَى، وَحَدِيث أَنَس فِي ذَلِكَ حَدِيث صَحِيح.
وَيُرْوَى أَنَّ جَعْفَر بْن مُحَمَّد سُئِلَ مَا مَعْنَى تَكْرِير الْقَصَص فِي الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : عَلِمَ اللَّه أَنَّ كُلّ النَّاس لَا يَحْفَظ الْقُرْآن، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقِصَّة مُكَرَّرَة لَجَازَ أَنْ تَكُون عِنْد بَعْض النَّاس وَلَا تَكُون عِنْد بَعْض، فَكُرِّرَتْ لِتَكُونَ عِنْد مَنْ حَفِظَ الْبَعْض.
قِيلَ : هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَاهْتِمَام بِهَا لِأَنَّ مَوْقِع التَّحْوِيل كَانَ صَعْبًا فِي نُفُوسهمْ جِدًّا، فَأَكَّدَ الْأَمْر لِيَرَى النَّاس الِاهْتِمَام بِهِ فَيَخِفّ عَلَيْهِمْ وَتَسْكُن نُفُوسهمْ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَوَّلِ : وَلِّ وَجْهك شَطْر الْكَعْبَة، أَيْ عَايِنْهَا إِذَا صَلَّيْت تِلْقَاءَهَا.
ثُمَّ قَالَ :: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ " مَعَاشِر الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرهَا " فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " ثُمَّ قَالَ " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت " يَعْنِي وُجُوب الِاسْتِقْبَال فِي الْأَسْفَار، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَة فِي جَمِيع الْمَوَاضِع مِنْ نَوَاحِي الْأَرْض.
قُلْت : هَذَا الْقَوْل أَحْسَن مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ فِيهِ حَمْل كُلّ آيَة عَلَى فَائِدَة.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَر فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَته اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر.
وَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الِاسْتِقْبَال، لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ مُقْبِل مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى رَاحِلَته.
قَالَ : وَفِيهِ نَزَلَ " فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١١٥ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قُلْت : وَلَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، فَقَوْل الشَّافِعِيّ أَوْلَى، وَحَدِيث أَنَس فِي ذَلِكَ حَدِيث صَحِيح.
وَيُرْوَى أَنَّ جَعْفَر بْن مُحَمَّد سُئِلَ مَا مَعْنَى تَكْرِير الْقَصَص فِي الْقُرْآن ؟ فَقَالَ : عَلِمَ اللَّه أَنَّ كُلّ النَّاس لَا يَحْفَظ الْقُرْآن، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقِصَّة مُكَرَّرَة لَجَازَ أَنْ تَكُون عِنْد بَعْض النَّاس وَلَا تَكُون عِنْد بَعْض، فَكُرِّرَتْ لِتَكُونَ عِنْد مَنْ حَفِظَ الْبَعْض.
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا
قَالَ مُجَاهِد : هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب.
وَحُجَّتهمْ قَوْلهمْ : رَاجَعْت قِبْلَتنَا، وَقَدْ أُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ :" قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ].
وَقِيلَ : مَعْنَى " لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة " لِئَلَّا يَقُولُوا لَكُمْ : قَدْ أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَلَسْتُمْ تَرَوْنَهَا، فَلَمَّا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " زَالَ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : إِنَّ " إِلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاو، أَيْ وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء بِمَعْنَى الْوَاو، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
كَأَنَّهُ قَالَ : إِلَّا دَار الْخَلِيفَة وَدَار مَرْوَان، وَكَذَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَلَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون " [ التِّين : ٦ ] أَيْ الَّذِينَ آمَنُوا.
وَأَبْطَلَ الزَّجَّاج هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هَذَا خَطَأ عِنْد الْحُذَّاق مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَفِيهِ بُطْلَان الْمَعَانِي، وَتَكُون " إِلَّا " وَمَا بَعْدهَا مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْرهمَا.
وَالْقَوْل عِنْدهمْ أَنَّ هَذَا اِسْتِثْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل، أَيْ لَكِنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَيْ عَرَّفَكُمْ اللَّه أَمْر الِاحْتِجَاج فِي الْقِبْلَة فِي قَوْله :" وَلِكُلٍّ وِجْهَة هُوَ مُوَلِّيهَا " " لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وَضَحَ لَهُ، كَمَا تَقُول : مَا لَك عَلَيَّ حُجَّة إِلَّا الظُّلْم أَوْ إِلَّا أَنْ تَظْلِمنِي، أَيْ مَا لَك حُجَّة ألْبَتَّة وَلَكِنَّك تَظْلِمنِي، فَسَمَّى ظُلْمه حُجَّة لِأَنَّ الْمُحْتَجّ بِهِ سَمَّاهُ حُجَّة وَإِنْ كَانَتْ دَاحِضَة.
وَقَالَ قُطْرُب : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، فَاَلَّذِينَ بَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي " عَلَيْكُمْ ".
وَقَالَتْ فِرْقَة :" إِلَّا الَّذِينَ " اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : نَفَى اللَّه أَنْ يَكُون لِأَحَدٍ حُجَّة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي اِسْتِقْبَالهمْ الْكَعْبَة.
وَالْمَعْنَى : لَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْحُجَّة الدَّاحِضَة.
حَيْثُ قَالُوا : مَا وَلَّاهُمْ، وَتَحَيَّرَ مُحَمَّد فِي دِينه، وَمَا تَوَجَّهَ إِلَى قِبْلَتنَا إِلَّا أَنَّا كُنَّا أَهْدَى مِنْهُ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي لَمْ تَنْبَعِث إِلَّا مِنْ عَابِد وَثَن أَوْ يَهُودِيّ أَوْ مُنَافِق.
وَالْحُجَّة بِمَعْنَى الْمُحَاجَّة الَّتِي هِيَ الْمُخَاصَمَة وَالْمُجَادَلَة.
وَسَمَّاهَا اللَّه حُجَّة وَحَكَمَ بِفَسَادِهَا حَيْثُ كَانَتْ مِنْ ظَلَمَة.
قَالَ مُجَاهِد : هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب.
وَحُجَّتهمْ قَوْلهمْ : رَاجَعْت قِبْلَتنَا، وَقَدْ أُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ :" قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " [ الْبَقَرَة : ١٤٢ ].
وَقِيلَ : مَعْنَى " لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة " لِئَلَّا يَقُولُوا لَكُمْ : قَدْ أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَلَسْتُمْ تَرَوْنَهَا، فَلَمَّا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :" وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره " زَالَ هَذَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : إِنَّ " إِلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاو، أَيْ وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا، فَهُوَ اِسْتِثْنَاء بِمَعْنَى الْوَاو، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| مَا بِالْمَدِينَةِ دَار غَيْر وَاحِدَة | دَار الْخَلِيفَة إِلَّا دَار مَرْوَانَا |
وَأَبْطَلَ الزَّجَّاج هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هَذَا خَطَأ عِنْد الْحُذَّاق مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَفِيهِ بُطْلَان الْمَعَانِي، وَتَكُون " إِلَّا " وَمَا بَعْدهَا مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْرهمَا.
وَالْقَوْل عِنْدهمْ أَنَّ هَذَا اِسْتِثْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل، أَيْ لَكِنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : أَيْ عَرَّفَكُمْ اللَّه أَمْر الِاحْتِجَاج فِي الْقِبْلَة فِي قَوْله :" وَلِكُلٍّ وِجْهَة هُوَ مُوَلِّيهَا " " لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وَضَحَ لَهُ، كَمَا تَقُول : مَا لَك عَلَيَّ حُجَّة إِلَّا الظُّلْم أَوْ إِلَّا أَنْ تَظْلِمنِي، أَيْ مَا لَك حُجَّة ألْبَتَّة وَلَكِنَّك تَظْلِمنِي، فَسَمَّى ظُلْمه حُجَّة لِأَنَّ الْمُحْتَجّ بِهِ سَمَّاهُ حُجَّة وَإِنْ كَانَتْ دَاحِضَة.
وَقَالَ قُطْرُب : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، فَاَلَّذِينَ بَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي " عَلَيْكُمْ ".
وَقَالَتْ فِرْقَة :" إِلَّا الَّذِينَ " اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : نَفَى اللَّه أَنْ يَكُون لِأَحَدٍ حُجَّة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي اِسْتِقْبَالهمْ الْكَعْبَة.
وَالْمَعْنَى : لَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْحُجَّة الدَّاحِضَة.
حَيْثُ قَالُوا : مَا وَلَّاهُمْ، وَتَحَيَّرَ مُحَمَّد فِي دِينه، وَمَا تَوَجَّهَ إِلَى قِبْلَتنَا إِلَّا أَنَّا كُنَّا أَهْدَى مِنْهُ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي لَمْ تَنْبَعِث إِلَّا مِنْ عَابِد وَثَن أَوْ يَهُودِيّ أَوْ مُنَافِق.
وَالْحُجَّة بِمَعْنَى الْمُحَاجَّة الَّتِي هِيَ الْمُخَاصَمَة وَالْمُجَادَلَة.
وَسَمَّاهَا اللَّه حُجَّة وَحَكَمَ بِفَسَادِهَا حَيْثُ كَانَتْ مِنْ ظَلَمَة.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، وَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنَّاسِ الْيَهُود، ثُمَّ اِسْتَثْنَى كُفَّار الْعَرَب، كَأَنَّهُ قَالَ : لَكِنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا يُحَاجُّونَكُمْ، وَقَوْله " مِنْهُمْ " يَرُدّ هَذَا التَّأْوِيل.
وَالْمَعْنَى لَكِنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش فِي قَوْلهمْ : رَجَعَ مُحَمَّد إِلَى قِبْلَتنَا وَسَيَرْجِعُ إِلَى دِيننَا كُلّه.
وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ كُلّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّازِلَة مِنْ غَيْر الْيَهُود.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَزَيْد بْن عَلِيّ وَابْن زَيْد " أَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَخْفِيف اللَّام عَلَى مَعْنَى اِسْتِفْتَاح الْكَلَام، فَيَكُون " الَّذِينَ ظَلَمُوا " اِبْتِدَاء، أَوْ عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاء، فَيَكُون " الَّذِينَ " مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُقَدَّر.
وَالْمَعْنَى لَكِنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي كُفَّار قُرَيْش فِي قَوْلهمْ : رَجَعَ مُحَمَّد إِلَى قِبْلَتنَا وَسَيَرْجِعُ إِلَى دِيننَا كُلّه.
وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ كُلّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّازِلَة مِنْ غَيْر الْيَهُود.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَزَيْد بْن عَلِيّ وَابْن زَيْد " أَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَخْفِيف اللَّام عَلَى مَعْنَى اِسْتِفْتَاح الْكَلَام، فَيَكُون " الَّذِينَ ظَلَمُوا " اِبْتِدَاء، أَوْ عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاء، فَيَكُون " الَّذِينَ " مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُقَدَّر.
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي
يُرِيد النَّاس
يُرِيد النَّاس
وَلِأُتِمَّ
الْخَشْيَة أَصْلهَا طُمَأْنِينَة فِي الْقَلْب تَبْعَث عَلَى التَّوَقِّي.
وَالْخَوْف : فَزَع الْقَلْب تَخِفّ لَهُ الْأَعْضَاء، وَلِخِفَّةِ الْأَعْضَاء بِهِ سُمِّيَ خَوْفًا.
وَمَعْنَى الْآيَة التَّحْقِير لِكُلِّ مَنْ سِوَى اللَّه تَعَالَى، وَالْأَمْر بِاطِّرَاحِ أَمْرهمْ وَمُرَاعَاة أَمْر اللَّه تَعَالَى.
الْخَشْيَة أَصْلهَا طُمَأْنِينَة فِي الْقَلْب تَبْعَث عَلَى التَّوَقِّي.
وَالْخَوْف : فَزَع الْقَلْب تَخِفّ لَهُ الْأَعْضَاء، وَلِخِفَّةِ الْأَعْضَاء بِهِ سُمِّيَ خَوْفًا.
وَمَعْنَى الْآيَة التَّحْقِير لِكُلِّ مَنْ سِوَى اللَّه تَعَالَى، وَالْأَمْر بِاطِّرَاحِ أَمْرهمْ وَمُرَاعَاة أَمْر اللَّه تَعَالَى.
نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
مَعْطُوف عَلَى " لِئَلَّا يَكُون " أَيْ وَلِأَنْ أُتِمّ، قَالَهُ الْأَخْفَش.
وَقِيلَ : مَقْطُوع فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مُضْمَر، التَّقْدِير : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ عَرَّفْتُكُمْ قِبْلَتِي، قَالَهُ الزَّجَّاج.
وَإِتْمَام النِّعْمَة الْهِدَايَة إِلَى الْقِبْلَة، وَقِيلَ : دُخُول الْجَنَّة.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : وَلَمْ تَتِمّ نِعْمَة اللَّه عَلَى عَبْد حَتَّى يُدْخِلهُ الْجَنَّة.
مَعْطُوف عَلَى " لِئَلَّا يَكُون " أَيْ وَلِأَنْ أُتِمّ، قَالَهُ الْأَخْفَش.
وَقِيلَ : مَقْطُوع فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مُضْمَر، التَّقْدِير : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ عَرَّفْتُكُمْ قِبْلَتِي، قَالَهُ الزَّجَّاج.
وَإِتْمَام النِّعْمَة الْهِدَايَة إِلَى الْقِبْلَة، وَقِيلَ : دُخُول الْجَنَّة.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : وَلَمْ تَتِمّ نِعْمَة اللَّه عَلَى عَبْد حَتَّى يُدْخِلهُ الْجَنَّة.
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
" كَمَا أَرْسَلْنَا " الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، الْمَعْنَى : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ إِتْمَامًا مِثْل مَا أَرْسَلْنَا، قَالَهُ الْفَرَّاء.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال، أَيْ وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي بَيَان سُنَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِثْل مَا أَرْسَلْنَا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اِهْتِدَاء مِثْل مَا أَرْسَلْنَا.
وَقِيلَ : هِيَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال، وَالْمَعْنَى : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْحَال.
وَالتَّشْبِيه وَاقِع عَلَى أَنَّ النِّعْمَة فِي الْقِبْلَة كَالنِّعْمَةِ فِي الرِّسَالَة، وَأَنَّ الذِّكْر الْمَأْمُور بِهِ فِي عِظَمه كَعِظَمِ النِّعْمَة.
وَقِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، أَيْ فَاذْكُرُونِي كَمَا أَرْسَلْنَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاج.
أَيْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا تَعْرِفُونَهُ بِالصِّدْقِ فَاذْكُرُونِي بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيق بِهِ.
وَالْوَقْف عَلَى " تَهْتَدُونَ " عَلَى هَذَا الْقَوْل جَائِز.
قُلْت : وَهَذَا اِخْتِيَار التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي كِتَابه، أَيْ كَمَا فَعَلْت بِكُمْ هَذَا مِنْ الْمِنَن الَّتِي عَدَدْتهَا عَلَيْكُمْ فَاذْكُرُونِي بِالشُّكْرِ أَذْكُركُمْ بِالْمَزِيدِ ; لِأَنَّ فِي ذِكْركُمْ ذَلِكَ شُكْرًا لِي، وَقَدْ وَعَدْتُكُمْ بِالْمَزِيدِ عَلَى الشُّكْر، وَهُوَ قَوْله :" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " [ إِبْرَاهِيم : ٧ ]، فَالْكَاف فِي قَوْله " كَمَا " هُنَا، وَفِي الْأَنْفَال " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك " [ الْأَنْفَال : ٥ ] وَفِي آخِر الْحِجْر " كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ " [ الْحِجْر : ٩٠ ] مُتَعَلِّقَة بِمَا بَعْده، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
" كَمَا أَرْسَلْنَا " الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، الْمَعْنَى : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ إِتْمَامًا مِثْل مَا أَرْسَلْنَا، قَالَهُ الْفَرَّاء.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال، أَيْ وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي بَيَان سُنَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مِثْل مَا أَرْسَلْنَا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اِهْتِدَاء مِثْل مَا أَرْسَلْنَا.
وَقِيلَ : هِيَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال، وَالْمَعْنَى : وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْحَال.
وَالتَّشْبِيه وَاقِع عَلَى أَنَّ النِّعْمَة فِي الْقِبْلَة كَالنِّعْمَةِ فِي الرِّسَالَة، وَأَنَّ الذِّكْر الْمَأْمُور بِهِ فِي عِظَمه كَعِظَمِ النِّعْمَة.
وَقِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، أَيْ فَاذْكُرُونِي كَمَا أَرْسَلْنَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاج.
أَيْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا تَعْرِفُونَهُ بِالصِّدْقِ فَاذْكُرُونِي بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيق بِهِ.
وَالْوَقْف عَلَى " تَهْتَدُونَ " عَلَى هَذَا الْقَوْل جَائِز.
قُلْت : وَهَذَا اِخْتِيَار التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي كِتَابه، أَيْ كَمَا فَعَلْت بِكُمْ هَذَا مِنْ الْمِنَن الَّتِي عَدَدْتهَا عَلَيْكُمْ فَاذْكُرُونِي بِالشُّكْرِ أَذْكُركُمْ بِالْمَزِيدِ ; لِأَنَّ فِي ذِكْركُمْ ذَلِكَ شُكْرًا لِي، وَقَدْ وَعَدْتُكُمْ بِالْمَزِيدِ عَلَى الشُّكْر، وَهُوَ قَوْله :" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " [ إِبْرَاهِيم : ٧ ]، فَالْكَاف فِي قَوْله " كَمَا " هُنَا، وَفِي الْأَنْفَال " كَمَا أَخْرَجَك رَبّك " [ الْأَنْفَال : ٥ ] وَفِي آخِر الْحِجْر " كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ " [ الْحِجْر : ٩٠ ] مُتَعَلِّقَة بِمَا بَعْده، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
أَمْر وَجَوَابه، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة فَلِذَلِكَ جُزِمَ.
وَأَصْل الذِّكْر التَّنَبُّه بِالْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظ لَهُ.
وَسُمِّيَ الذِّكْر بِاللِّسَانِ ذِكْرًا لِأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى الذِّكْر الْقَلْبِيّ، غَيْر أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ إِطْلَاق الذِّكْر عَلَى الْقَوْل اللِّسَانِيّ صَارَ هُوَ السَّابِق لِلْفَهْمِ.
وَمَعْنَى الْآيَة : اُذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُركُمْ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَة، قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ أَيْضًا : الذِّكْر طَاعَة اللَّه، فَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ لَمْ يَذْكُرهُ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيح وَالتَّهْلِيل وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أَطَاعَ اللَّه فَقَدْ ذَكَرَ اللَّه وَإِنْ أَقَلَّ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ وَمَنْ عَصَى اللَّه فَقَدْ نَسِيَ اللَّه وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ )، ذَكَرَهُ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ : إِنِّي لَأَعْلَم السَّاعَة الَّتِي يَذْكُرنَا اللَّه فِيهَا، قِيلَ لَهُ : وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمهَا ؟ قَالَ يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ ".
وَقَالَ السُّدِّيّ : لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِرَحْمَتِهِ، وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِعَذَابٍ.
وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَان فَقِيلَ لَهُ : نَذْكُر اللَّه وَلَا نَجِد فِي قُلُوبنَا حَلَاوَة ؟ فَقَالَ : اِحْمَدُوا اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنْ زَيَّنَ جَارِحَة مِنْ جَوَارِحكُمْ بِطَاعَتِهِ.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَنْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرًا عَلَى الْحَقِيقَة نَسِيَ فِي جَنْب ذِكْره كُلّ شَيْء، حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ كُلّ شَيْء، وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا عَمِلَ اِبْن آدَم مِنْ عَمَل أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه مِنْ ذِكْر اللَّه.
وَالْأَحَادِيث فِي فَضْل الذِّكْر وَثَوَابه كَثِيرَة خَرَّجَهَا الْأَئِمَّة.
رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ شَرَائِع الْإِسْلَام قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّث بِهِ، قَالَ :( لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ).
وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ ).
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اللَّه ذِكْرًا كَثِيرًا " [ الْأَحْزَاب : ٤١ ] وَأَنَّ الْمُرَاد ذِكْر الْقَلْب الَّذِي يَجِب اِسْتِدَامَته فِي عُمُوم الْحَالَات.
أَمْر وَجَوَابه، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة فَلِذَلِكَ جُزِمَ.
وَأَصْل الذِّكْر التَّنَبُّه بِالْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظ لَهُ.
وَسُمِّيَ الذِّكْر بِاللِّسَانِ ذِكْرًا لِأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى الذِّكْر الْقَلْبِيّ، غَيْر أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ إِطْلَاق الذِّكْر عَلَى الْقَوْل اللِّسَانِيّ صَارَ هُوَ السَّابِق لِلْفَهْمِ.
وَمَعْنَى الْآيَة : اُذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُركُمْ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَة، قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ أَيْضًا : الذِّكْر طَاعَة اللَّه، فَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ لَمْ يَذْكُرهُ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيح وَالتَّهْلِيل وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أَطَاعَ اللَّه فَقَدْ ذَكَرَ اللَّه وَإِنْ أَقَلَّ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ وَمَنْ عَصَى اللَّه فَقَدْ نَسِيَ اللَّه وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ )، ذَكَرَهُ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " لَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ : إِنِّي لَأَعْلَم السَّاعَة الَّتِي يَذْكُرنَا اللَّه فِيهَا، قِيلَ لَهُ : وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمهَا ؟ قَالَ يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ ".
وَقَالَ السُّدِّيّ : لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِرَحْمَتِهِ، وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِعَذَابٍ.
وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَان فَقِيلَ لَهُ : نَذْكُر اللَّه وَلَا نَجِد فِي قُلُوبنَا حَلَاوَة ؟ فَقَالَ : اِحْمَدُوا اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنْ زَيَّنَ جَارِحَة مِنْ جَوَارِحكُمْ بِطَاعَتِهِ.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَنْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرًا عَلَى الْحَقِيقَة نَسِيَ فِي جَنْب ذِكْره كُلّ شَيْء، حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ كُلّ شَيْء، وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا عَمِلَ اِبْن آدَم مِنْ عَمَل أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه مِنْ ذِكْر اللَّه.
وَالْأَحَادِيث فِي فَضْل الذِّكْر وَثَوَابه كَثِيرَة خَرَّجَهَا الْأَئِمَّة.
رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ شَرَائِع الْإِسْلَام قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّث بِهِ، قَالَ :( لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ).
وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ ).
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اللَّه ذِكْرًا كَثِيرًا " [ الْأَحْزَاب : ٤١ ] وَأَنَّ الْمُرَاد ذِكْر الْقَلْب الَّذِي يَجِب اِسْتِدَامَته فِي عُمُوم الْحَالَات.
وَاشْكُرُوا لِي
قَالَ الْفَرَّاء يُقَال : شَكَرْتُك وَشَكَرْت لَك، وَنَصَحْتُك وَنَصَحْت لَك، وَالْفَصِيح الْأَوَّل.
وَالشُّكْر مَعْرِفَة الْإِحْسَان وَالتَّحَدُّث بِهِ، وَأَصْله فِي اللُّغَة الظُّهُور، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَشُكْر الْعَبْد لِلَّهِ تَعَالَى ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ إِحْسَانه إِلَيْهِ، وَشُكْر الْحَقّ سُبْحَانه لِلْعَبْدِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ لَهُ، إِلَّا أَنَّ شُكْر الْعَبْد نُطْق بِاللِّسَانِ وَإِقْرَار بِالْقَلْبِ بِإِنْعَامِ الرَّبّ مَعَ الطَّاعَات.
قَالَ الْفَرَّاء يُقَال : شَكَرْتُك وَشَكَرْت لَك، وَنَصَحْتُك وَنَصَحْت لَك، وَالْفَصِيح الْأَوَّل.
وَالشُّكْر مَعْرِفَة الْإِحْسَان وَالتَّحَدُّث بِهِ، وَأَصْله فِي اللُّغَة الظُّهُور، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَشُكْر الْعَبْد لِلَّهِ تَعَالَى ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ إِحْسَانه إِلَيْهِ، وَشُكْر الْحَقّ سُبْحَانه لِلْعَبْدِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ لَهُ، إِلَّا أَنَّ شُكْر الْعَبْد نُطْق بِاللِّسَانِ وَإِقْرَار بِالْقَلْبِ بِإِنْعَامِ الرَّبّ مَعَ الطَّاعَات.
وَلَا تَكْفُرُونِ
نَهْي، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ نُون الْجَمَاعَة، وَهَذِهِ نُون الْمُتَكَلِّم.
وَحُذِفَتْ الْيَاء لِأَنَّهَا رَأْس آيَة، وَإِثْبَاتهَا أَحْسَن فِي غَيْر الْقُرْآن، أَيْ لَا تَكْفُرُوا نِعْمَتِي وَأَيَادِيّ.
فَالْكُفْر هُنَا سَتْر النِّعْمَة لَا التَّكْذِيب.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْكُفْر لُغَة،
نَهْي، وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ نُون الْجَمَاعَة، وَهَذِهِ نُون الْمُتَكَلِّم.
وَحُذِفَتْ الْيَاء لِأَنَّهَا رَأْس آيَة، وَإِثْبَاتهَا أَحْسَن فِي غَيْر الْقُرْآن، أَيْ لَا تَكْفُرُوا نِعْمَتِي وَأَيَادِيّ.
فَالْكُفْر هُنَا سَتْر النِّعْمَة لَا التَّكْذِيب.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْكُفْر لُغَة،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِعَانَة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِعَانَة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ
هَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى :" وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ " [ آل عِمْرَان : ١٦٩ ]، وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَام فِي الشُّهَدَاء وَأَحْكَامهمْ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى يُحْيِيهِمْ بَعْد الْمَوْت لِيَرْزُقهُمْ - عَلَى مَا يَأْتِي - فَيَجُوز أَنْ يُحْيِي الْكُفَّار لِيُعَذِّبهُمْ، وَيَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى عَذَاب الْقَبْر.
وَالشُّهَدَاء أَحْيَاء كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْن الشُّهَدَاء وَبَيْن غَيْرهمْ فَرْق إِذْ كُلّ أَحَد سَيَحْيَا.
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى :" وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ " وَالْمُؤْمِنُونَ يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ.
وَارْتَفَعَ " أَمْوَات " عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ، وَكَذَلِكَ " بَلْ أَحْيَاء " أَيْ هُمْ أَمْوَات وَهُمْ أَحْيَاء، وَلَا يَصِحّ إِعْمَال الْقَوْل فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنه تَنَاسُب، كَمَا يَصِحّ فِي قَوْلك : قُلْت كَلَامًا وَحُجَّة.
هَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى :" وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ " [ آل عِمْرَان : ١٦٩ ]، وَهُنَاكَ يَأْتِي الْكَلَام فِي الشُّهَدَاء وَأَحْكَامهمْ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى يُحْيِيهِمْ بَعْد الْمَوْت لِيَرْزُقهُمْ - عَلَى مَا يَأْتِي - فَيَجُوز أَنْ يُحْيِي الْكُفَّار لِيُعَذِّبهُمْ، وَيَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى عَذَاب الْقَبْر.
وَالشُّهَدَاء أَحْيَاء كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْن الشُّهَدَاء وَبَيْن غَيْرهمْ فَرْق إِذْ كُلّ أَحَد سَيَحْيَا.
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى :" وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ " وَالْمُؤْمِنُونَ يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ سَيَحْيَوْنَ.
وَارْتَفَعَ " أَمْوَات " عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ، وَكَذَلِكَ " بَلْ أَحْيَاء " أَيْ هُمْ أَمْوَات وَهُمْ أَحْيَاء، وَلَا يَصِحّ إِعْمَال الْقَوْل فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنه تَنَاسُب، كَمَا يَصِحّ فِي قَوْلك : قُلْت كَلَامًا وَحُجَّة.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
هَذِهِ الْوَاو مَفْتُوحَة عِنْد سِيبَوَيْهِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَالَ غَيْره : لَمَّا ضُمَّتْ إِلَى النُّون الثَّقِيلَة بُنِيَ الْفِعْل فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خَمْسَة عَشَر.
وَالْبَلَاء يَكُون حَسَنًا وَيَكُون سَيِّئًا.
وَأَصْله الْمِحْنَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمَعْنَى لَأَمْتَحِنَنكُمْ لِنَعْلَم الْمُجَاهِد وَالصَّابِر عِلْم مُعَايَنَة حَتَّى يَقَع عَلَيْهِ الْجَزَاء، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا اُبْتُلُوا بِهَذَا لِيَكُونَ آيَة لِمَنْ بَعْدهمْ فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا صَبَرُوا عَلَى هَذَا حِين وَضَحَ لَهُمْ الْحَقّ.
وَقِيلَ : أَعْلَمَهُمْ بِهَذَا لِيَكُونُوا عَلَى يَقِين مِنْهُ أَنَّهُ يُصِيبهُمْ، فَيُوَطِّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَيْهِ فَيَكُونُوا أَبْعَد لَهُمْ مِنْ الْجَزَع، وَفِيهِ تَعْجِيل ثَوَاب اللَّه تَعَالَى عَلَى الْعِزّ وَتَوْطِين النَّفْس.
هَذِهِ الْوَاو مَفْتُوحَة عِنْد سِيبَوَيْهِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَقَالَ غَيْره : لَمَّا ضُمَّتْ إِلَى النُّون الثَّقِيلَة بُنِيَ الْفِعْل فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خَمْسَة عَشَر.
وَالْبَلَاء يَكُون حَسَنًا وَيَكُون سَيِّئًا.
وَأَصْله الْمِحْنَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمَعْنَى لَأَمْتَحِنَنكُمْ لِنَعْلَم الْمُجَاهِد وَالصَّابِر عِلْم مُعَايَنَة حَتَّى يَقَع عَلَيْهِ الْجَزَاء، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا اُبْتُلُوا بِهَذَا لِيَكُونَ آيَة لِمَنْ بَعْدهمْ فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا صَبَرُوا عَلَى هَذَا حِين وَضَحَ لَهُمْ الْحَقّ.
وَقِيلَ : أَعْلَمَهُمْ بِهَذَا لِيَكُونُوا عَلَى يَقِين مِنْهُ أَنَّهُ يُصِيبهُمْ، فَيُوَطِّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَيْهِ فَيَكُونُوا أَبْعَد لَهُمْ مِنْ الْجَزَع، وَفِيهِ تَعْجِيل ثَوَاب اللَّه تَعَالَى عَلَى الْعِزّ وَتَوْطِين النَّفْس.
بِشَيْءٍ
لَفْظ مُفْرَد وَمَعْنَاهُ الْجَمْع.
وَقَرَأَ الضَّحَّاك " بِأَشْيَاء " عَلَى الْجَمْع.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور بِالتَّوْحِيدِ، أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَشَيْء مِنْ هَذَا، فَاكْتَفَى بِالْأَوَّلِ إِيجَازًا
لَفْظ مُفْرَد وَمَعْنَاهُ الْجَمْع.
وَقَرَأَ الضَّحَّاك " بِأَشْيَاء " عَلَى الْجَمْع.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور بِالتَّوْحِيدِ، أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَشَيْء مِنْ هَذَا، فَاكْتَفَى بِالْأَوَّلِ إِيجَازًا
مِنَ الْخَوْفِ
أَيْ خَوْف الْعَدُوّ وَالْفَزَع فِي الْقِتَال، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : هُوَ خَوْف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
أَيْ خَوْف الْعَدُوّ وَالْفَزَع فِي الْقِتَال، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : هُوَ خَوْف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَالْجُوعِ
يَعْنِي الْمَجَاعَة بِالْجَدْبِ وَالْقَحْط، فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : هُوَ الْجُوع فِي شَهْر رَمَضَان.
يَعْنِي الْمَجَاعَة بِالْجَدْبِ وَالْقَحْط، فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : هُوَ الْجُوع فِي شَهْر رَمَضَان.
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
بِسَبَبِ الِاشْتِغَال بِقِتَالِ الْكُفَّار.
وَقِيلَ : بِالْجَوَائِحِ الْمُتْلِفَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَة.
بِسَبَبِ الِاشْتِغَال بِقِتَالِ الْكُفَّار.
وَقِيلَ : بِالْجَوَائِحِ الْمُتْلِفَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَة.
وَالْأَنْفُسِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : بِالْقَتْلِ وَالْمَوْت فِي الْجِهَاد.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَعْنِي بِالْأَمْرَاضِ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : بِالْقَتْلِ وَالْمَوْت فِي الْجِهَاد.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَعْنِي بِالْأَمْرَاضِ.
وَالثَّمَرَاتِ
قَالَ الشَّافِعِيّ : الْمُرَاد مَوْت الْأَوْلَاد، وَوَلَد الرَّجُل ثَمَرَة قَلْبه، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد قِلَّة النَّبَات وَانْقِطَاع الْبَرَكَات.
قَالَ الشَّافِعِيّ : الْمُرَاد مَوْت الْأَوْلَاد، وَوَلَد الرَّجُل ثَمَرَة قَلْبه، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد قِلَّة النَّبَات وَانْقِطَاع الْبَرَكَات.
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
أَيْ بِالثَّوَابِ عَلَى الصَّبْر.
وَالصَّبْر أَصْله الْحَبْس، وَثَوَابه غَيْر مُقَدَّر، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
لَكِنْ لَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى ).
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم أَتَمّ مِنْهُ، أَيْ إِنَّمَا الصَّبْر الشَّاقّ عَلَى النَّفْس الَّذِي يَعْظُم الثَّوَاب عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ عِنْد هُجُوم الْمُصِيبَة وَحَرَارَتهَا، فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى قُوَّة الْقَلْب وَتَثَبُّته فِي مَقَام الصَّبْر، وَأَمَّا إِذَا بَرَدَتْ حَرَارَة الْمُصِيبَة فَكُلّ أَحَد يَصْبِر إِذْ ذَاكَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : يَجِب عَلَى كُلّ عَاقِل أَنْ يَلْتَزِم عِنْد الْمُصِيبَة مَا لَا بُدّ لِلْأَحْمَقِ مِنْهُ بَعْد ثَلَاث.
وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ " صَارَ الصَّبْر عَيْشًا.
وَالصَّبْر صَبْرَانِ : صَبْر عَنْ مَعْصِيَة اللَّه، فَهَذَا مُجَاهِد، وَصَبْر عَلَى طَاعَة اللَّه، فَهَذَا عَابِد.
فَإِذَا صَبَرَ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَصَبَرَ عَلَى طَاعَة اللَّه أَوْرَثَهُ اللَّه الرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَعَلَامَة الرِّضَا سُكُون الْقَلْب بِمَا وَرَدَ عَلَى النَّفْس مِنْ الْمَكْرُوهَات وَالْمَحْبُوبَات.
وَقَالَ الْخَوَّاص : الصَّبْر الثَّبَات عَلَى أَحْكَام الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
وَقَالَ رُوَيْم : الصَّبْر تَرْك الشَّكْوَى.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ : الصَّبْر هُوَ الِاسْتِعَانَة بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَلِيّ : الصَّبْر حَدّه أَلَّا تَعْتَرِض عَلَى التَّقْدِير، فَأَمَّا إِظْهَار الْبَلْوَى عَلَى غَيْر وَجْه الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي قِصَّة أَيُّوب :" إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْد " [ ص : ٤٤ ] مَعَ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :" مَسَّنِي الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٣ ].
أَيْ بِالثَّوَابِ عَلَى الصَّبْر.
وَالصَّبْر أَصْله الْحَبْس، وَثَوَابه غَيْر مُقَدَّر، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
لَكِنْ لَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى ).
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم أَتَمّ مِنْهُ، أَيْ إِنَّمَا الصَّبْر الشَّاقّ عَلَى النَّفْس الَّذِي يَعْظُم الثَّوَاب عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ عِنْد هُجُوم الْمُصِيبَة وَحَرَارَتهَا، فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى قُوَّة الْقَلْب وَتَثَبُّته فِي مَقَام الصَّبْر، وَأَمَّا إِذَا بَرَدَتْ حَرَارَة الْمُصِيبَة فَكُلّ أَحَد يَصْبِر إِذْ ذَاكَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : يَجِب عَلَى كُلّ عَاقِل أَنْ يَلْتَزِم عِنْد الْمُصِيبَة مَا لَا بُدّ لِلْأَحْمَقِ مِنْهُ بَعْد ثَلَاث.
وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ " صَارَ الصَّبْر عَيْشًا.
وَالصَّبْر صَبْرَانِ : صَبْر عَنْ مَعْصِيَة اللَّه، فَهَذَا مُجَاهِد، وَصَبْر عَلَى طَاعَة اللَّه، فَهَذَا عَابِد.
فَإِذَا صَبَرَ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَصَبَرَ عَلَى طَاعَة اللَّه أَوْرَثَهُ اللَّه الرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَعَلَامَة الرِّضَا سُكُون الْقَلْب بِمَا وَرَدَ عَلَى النَّفْس مِنْ الْمَكْرُوهَات وَالْمَحْبُوبَات.
وَقَالَ الْخَوَّاص : الصَّبْر الثَّبَات عَلَى أَحْكَام الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
وَقَالَ رُوَيْم : الصَّبْر تَرْك الشَّكْوَى.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ : الصَّبْر هُوَ الِاسْتِعَانَة بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَلِيّ : الصَّبْر حَدّه أَلَّا تَعْتَرِض عَلَى التَّقْدِير، فَأَمَّا إِظْهَار الْبَلْوَى عَلَى غَيْر وَجْه الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْر، قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي قِصَّة أَيُّوب :" إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْد " [ ص : ٤٤ ] مَعَ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :" مَسَّنِي الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٣ ].
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
" مُصِيبَة " الْمُصِيبَة : كُلّ مَا يُؤْذِي الْمُؤْمِن وَيُصِيبهُ، يُقَال : أَصَابَهُ إِصَابَة وَمُصَابَة وَمُصَابًا.
وَالْمُصِيبَة وَاحِدَة الْمَصَائِب.
وَالْمَصُوبَة ( بِضَمِّ الصَّاد ) مِثْل الْمُصِيبَة.
وَأَجْمَعَتْ الْعَرَب عَلَى هَمْز الْمَصَائِب، وَأَصْله الْوَاو، كَأَنَّهُمْ شَبَّهُوا الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ، وَيُجْمَع عَلَى مَصَاوِب، وَهُوَ الْأَصْل.
وَالْمُصَاب الْإِصَابَة، قَالَ الشَّاعِر :
وَصَابَ السَّهْم الْقِرْطَاس يُصِيب صَيْبًا، لُغَة فِي أَصَابَهُ.
وَالْمُصِيبَة : النَّكْبَة يُنْكَبهَا الْإِنْسَان وَإِنْ صَغُرَتْ، وَتُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ، رَوَى عِكْرِمَة أَنَّ مِصْبَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْطَفَأَ ذَات لَيْلَة فَقَالَ :" إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " فَقِيلَ : أَمُصِيبَة هِيَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( نَعَمْ كُلّ مَا آذَى الْمُؤْمِن فَهُوَ مُصِيبَة ).
قُلْت : هَذَا ثَابِت مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح، خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَا يُصِيب الْمُؤْمِن مِنْ وَصَب وَلَا نَصَب وَلَا سَقَم وَلَا حَزَن حَتَّى الْهَمّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاته ).
خَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا وَكِيع بْن الْجَرَّاح عَنْ هِشَام بْن زِيَاد عَنْ أُمّه عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَذَكَرَ مُصِيبَته فَأَحْدَثَ اِسْتِرْجَاعًا وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدهَا كَتَبَ اللَّه لَهُ مِنْ الْأَجْر مِثْله يَوْم أُصِيبَ ).
مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب الْمُصِيبَة فِي الدِّين، ذَكَرَ أَبُو عُمَر عَنْ الْفِرْيَابِيّ قَالَ حَدَّثَنَا فِطْر بْن خَلِيفَة حَدَّثَنَا عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أَصَابَ أَحَدكُمْ مُصِيبَة فَلْيَذْكُرْ مُصَابه بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب ).
أَخْرَجَهُ السَّمَرْقَنْدِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم قَالَ : أَنْبَأَنَا فِطْر.
، فَذَكَرَ مِثْله سَوَاء.
وَأَسْنَدَ مِثْله عَنْ مَكْحُول مُرْسَلًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَصَدَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ الْمُصِيبَة بِهِ أَعْظَم مِنْ كُلّ مُصِيبَة يُصَاب بِهَا الْمُسْلِم بَعْده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، اِنْقَطَعَ الْوَحْي وَمَاتَتْ النُّبُوَّة.
وَكَانَ أَوَّل ظُهُور الشَّرّ بِارْتِدَادِ الْعَرَب وَغَيْر ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّل اِنْقِطَاع الْخَيْر وَأَوَّل نُقْصَانه.
قَالَ أَبُو سَعِيد : مَا نَفَضْنَا أَيْدِينَا مِنْ التُّرَاب مِنْ قَبْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبنَا.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْعَتَاهِيَة فِي نَظْمه مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث حَيْثُ يَقُول :
" مُصِيبَة " الْمُصِيبَة : كُلّ مَا يُؤْذِي الْمُؤْمِن وَيُصِيبهُ، يُقَال : أَصَابَهُ إِصَابَة وَمُصَابَة وَمُصَابًا.
وَالْمُصِيبَة وَاحِدَة الْمَصَائِب.
وَالْمَصُوبَة ( بِضَمِّ الصَّاد ) مِثْل الْمُصِيبَة.
وَأَجْمَعَتْ الْعَرَب عَلَى هَمْز الْمَصَائِب، وَأَصْله الْوَاو، كَأَنَّهُمْ شَبَّهُوا الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ، وَيُجْمَع عَلَى مَصَاوِب، وَهُوَ الْأَصْل.
وَالْمُصَاب الْإِصَابَة، قَالَ الشَّاعِر :
| أَسُلَيْم إِنَّ مُصَابكُمْ رَجُلًا | أَهْدَى السَّلَام تَحِيَّة ظُلْم |
وَالْمُصِيبَة : النَّكْبَة يُنْكَبهَا الْإِنْسَان وَإِنْ صَغُرَتْ، وَتُسْتَعْمَل فِي الشَّرّ، رَوَى عِكْرِمَة أَنَّ مِصْبَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْطَفَأَ ذَات لَيْلَة فَقَالَ :" إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " فَقِيلَ : أَمُصِيبَة هِيَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( نَعَمْ كُلّ مَا آذَى الْمُؤْمِن فَهُوَ مُصِيبَة ).
قُلْت : هَذَا ثَابِت مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيح، خَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي سَعِيد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَا يُصِيب الْمُؤْمِن مِنْ وَصَب وَلَا نَصَب وَلَا سَقَم وَلَا حَزَن حَتَّى الْهَمّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاته ).
خَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا وَكِيع بْن الْجَرَّاح عَنْ هِشَام بْن زِيَاد عَنْ أُمّه عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَذَكَرَ مُصِيبَته فَأَحْدَثَ اِسْتِرْجَاعًا وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدهَا كَتَبَ اللَّه لَهُ مِنْ الْأَجْر مِثْله يَوْم أُصِيبَ ).
مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب الْمُصِيبَة فِي الدِّين، ذَكَرَ أَبُو عُمَر عَنْ الْفِرْيَابِيّ قَالَ حَدَّثَنَا فِطْر بْن خَلِيفَة حَدَّثَنَا عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أَصَابَ أَحَدكُمْ مُصِيبَة فَلْيَذْكُرْ مُصَابه بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب ).
أَخْرَجَهُ السَّمَرْقَنْدِيّ أَبُو مُحَمَّد فِي مُسْنَده، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم قَالَ : أَنْبَأَنَا فِطْر.
، فَذَكَرَ مِثْله سَوَاء.
وَأَسْنَدَ مِثْله عَنْ مَكْحُول مُرْسَلًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَصَدَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ الْمُصِيبَة بِهِ أَعْظَم مِنْ كُلّ مُصِيبَة يُصَاب بِهَا الْمُسْلِم بَعْده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، اِنْقَطَعَ الْوَحْي وَمَاتَتْ النُّبُوَّة.
وَكَانَ أَوَّل ظُهُور الشَّرّ بِارْتِدَادِ الْعَرَب وَغَيْر ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّل اِنْقِطَاع الْخَيْر وَأَوَّل نُقْصَانه.
قَالَ أَبُو سَعِيد : مَا نَفَضْنَا أَيْدِينَا مِنْ التُّرَاب مِنْ قَبْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبنَا.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو الْعَتَاهِيَة فِي نَظْمه مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث حَيْثُ يَقُول :
| اِصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَة وَتَجَلَّد | وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْء غَيْر مُخَلَّدِ |
| أَوَمَا تَرَى أَنَّ الْمَصَائِب جَمَّة | وَتَرَى الْمَنِيَّة لِلْعِبَادِ بِمَرْصَدِ |
| مَنْ لَمْ يُصَبْ مِمَّنْ تَرَى بِمُصِيبَةٍ ؟ | هَذَا سَبِيل لَسْت فِيهِ بِأَوْحَد |
| فَإِذَا ذَكَرْت مُحَمَّدًا وَمُصَابه | فَاذْكُرْ مُصَابك بِالنَّبِيِّ مُحَمَّد |
| صَلَّى عَلَى يَحْيَى وَأَشْيَاعه | رَبّ كَرِيم وَشَفِيع مُطَاع |
وَفِي الْبُخَارِيّ وَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلَاوَة :" الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ".
أَرَادَ بِالْعِدْلَيْنِ الصَّلَاة وَالرَّحْمَة، وَبِالْعِلَاوَةِ الِاهْتِدَاء.
قِيلَ : إِلَى اِسْتِحْقَاق الثَّوَاب وَإِجْزَال الْأَجْر، وَقِيلَ : إِلَى تَسْهِيل الْمَصَائِب وَتَخْفِيف الْحُزْن.
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان قَالَ : سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ عُرْوَة قَالَ :( قُلْت لِعَائِشَة مَا أَرَى عَلَى أَحَد لَمْ يَطُفْ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة شَيْئًا، وَمَا أُبَالِي أَلَّا أَطُوف بَيْنهمَا.
فَقَالَتْ : بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْن أُخْتِي، طَافَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهَلَّ لِمَنَاة الطَّاغِيَة الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُول لَكَانَتْ :" فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّف بِهِمَا " ) قَالَ الزُّهْرِيّ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعِلْم، وَلَقَدْ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ : إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ الْعَرَب يَقُولُونَ إِنَّ طَوَافنَا بَيْن هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ الْأَنْصَار : إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ [ بِالْبَيْتِ ] وَلَمْ نُؤْمَر بِهِ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " قَالَ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن : فَأَرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
قَالَ :" هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح ".
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ بَعْد قَوْله فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " :" قَالَتْ عَائِشَة وَقَدْ سَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَاف بَيْنهمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك الطَّوَاف بَيْنهمَا "، ثُمَّ أَخْبَرَتْ أَبَا بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعِلْم مَا كُنْت سَمِعْته، وَلَقَدْ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاس - إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَة - مِمَّنْ كَانَ يُهِلّ بِمَنَاة كَانُوا يَطُوفُونَ كُلّهمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الطَّوَاف بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُر الصَّفَا وَالْمَرْوَة فِي الْقُرْآن قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، كُنَّا نَطُوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَإِنَّ اللَّه أَنْزَلَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُر الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَج أَنْ نَطُوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " الْآيَة.
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان قَالَ : سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ عُرْوَة قَالَ :( قُلْت لِعَائِشَة مَا أَرَى عَلَى أَحَد لَمْ يَطُفْ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة شَيْئًا، وَمَا أُبَالِي أَلَّا أَطُوف بَيْنهمَا.
فَقَالَتْ : بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْن أُخْتِي، طَافَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَهَلَّ لِمَنَاة الطَّاغِيَة الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُول لَكَانَتْ :" فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّف بِهِمَا " ) قَالَ الزُّهْرِيّ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعِلْم، وَلَقَدْ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ : إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ الْعَرَب يَقُولُونَ إِنَّ طَوَافنَا بَيْن هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ الْأَنْصَار : إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ [ بِالْبَيْتِ ] وَلَمْ نُؤْمَر بِهِ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " قَالَ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن : فَأَرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.
قَالَ :" هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح ".
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ بَعْد قَوْله فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " :" قَالَتْ عَائِشَة وَقَدْ سَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَاف بَيْنهمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك الطَّوَاف بَيْنهمَا "، ثُمَّ أَخْبَرَتْ أَبَا بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَعِلْم مَا كُنْت سَمِعْته، وَلَقَدْ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاس - إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَة - مِمَّنْ كَانَ يُهِلّ بِمَنَاة كَانُوا يَطُوفُونَ كُلّهمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الطَّوَاف بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُر الصَّفَا وَالْمَرْوَة فِي الْقُرْآن قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، كُنَّا نَطُوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَإِنَّ اللَّه أَنْزَلَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُر الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَج أَنْ نَطُوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه " الْآيَة.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَأَسْمَع هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا : فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة، وَاَلَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَام، مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُر الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدمَا ذَكَرَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان الْأَحْوَل قَالَ :( سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : كَانَا مِنْ شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " قَالَ : هُمَا تَطَوُّع " وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم " ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة شَيَاطِين تَعْزِف اللَّيْل كُلّه بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَكَانَ بَيْنهمَا آلِهَة، فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَام قَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه، لَا نَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَإِنَّهُمَا شِرْك، فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ عَلَى الصَّفَا فِي الْجَاهِلِيَّة صَنَم يُسَمَّى " إِسَافًا " وَعَلَى الْمَرْوَة صَنَم يُسَمَّى " نَائِلَة " فَكَانُوا يَمْسَحُونَهُمَا إِذَا طَافُوا، فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الطَّوَاف بَيْنهمَا مِنْ أَجْل ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
أَصْل الصَّفَا فِي اللُّغَة الْحَجَر الْأَمْلَس، وَهُوَ هُنَا جَبَل بِمَكَّة مَعْرُوف، وَكَذَلِكَ الْمَرْوَة جَبَل أَيْضًا، وَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُمَا بِلَفْظِ التَّعْرِيف.
وَذَكَرَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَم الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ فَسُمِّيَ بِهِ، وَوَقَفَتْ حَوَّاء عَلَى الْمَرْوَة فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ الْمَرْأَة، فَأُنِّثَ لِذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ عَلَى الصَّفَا صَنَم يُسَمَّى [ إِسَافًا ] وَعَلَى الْمَرْوَة صَنَم يُدْعَى [ نَائِلَة ] فَاطُّرِدَ ذَلِكَ فِي التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث وَقُدِّمَ الْمُذَكَّر، وَهَذَا حَسَن ; لِأَنَّ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة تَدُلّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَمَا كَانَ كَرَاهَة مَنْ كَرِهَ الطَّوَاف بَيْنهمَا إِلَّا مِنْ أَجْل هَذَا، حَتَّى رَفَعَ اللَّه الْحَرَج فِي ذَلِكَ.
وَزَعَمَ أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَة فَمَسَخَهُمَا اللَّه حَجَرَيْنِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة لِيُعْتَبَر بِهِمَا، فَلَمَّا طَالَتْ الْمُدَّة عُبِدَا مِنْ دُون اللَّه، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَالصَّفَا ( مَقْصُور ) : جَمْع صَفَاة، وَهِيَ الْحِجَارَة الْمُلْس.
وَقِيلَ : الصَّفَا اِسْم مُفْرَد، وَجَمْعه صُفْي ( بِضَمِّ الصَّاد ) وَأَصْفَاء عَلَى مِثْل أَرْحَاء.
قَالَ الرَّاجِز :
وَقِيلَ : مِنْ شُرُوط الصَّفَا الْبَيَاض وَالصَّلَابَة، وَاشْتِقَاقه مِنْ صَفَا يَصْفُو، أَيْ خَلَصَ مِنْ التُّرَاب وَالطِّين.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان الْأَحْوَل قَالَ :( سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : كَانَا مِنْ شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْت أَوْ اِعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا " قَالَ : هُمَا تَطَوُّع " وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم " ) قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ أَيْضًا.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة شَيَاطِين تَعْزِف اللَّيْل كُلّه بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَكَانَ بَيْنهمَا آلِهَة، فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَام قَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه، لَا نَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَإِنَّهُمَا شِرْك، فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ عَلَى الصَّفَا فِي الْجَاهِلِيَّة صَنَم يُسَمَّى " إِسَافًا " وَعَلَى الْمَرْوَة صَنَم يُسَمَّى " نَائِلَة " فَكَانُوا يَمْسَحُونَهُمَا إِذَا طَافُوا، فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الطَّوَاف بَيْنهمَا مِنْ أَجْل ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ الْآيَة.
أَصْل الصَّفَا فِي اللُّغَة الْحَجَر الْأَمْلَس، وَهُوَ هُنَا جَبَل بِمَكَّة مَعْرُوف، وَكَذَلِكَ الْمَرْوَة جَبَل أَيْضًا، وَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُمَا بِلَفْظِ التَّعْرِيف.
وَذَكَرَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَم الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ فَسُمِّيَ بِهِ، وَوَقَفَتْ حَوَّاء عَلَى الْمَرْوَة فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ الْمَرْأَة، فَأُنِّثَ لِذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَانَ عَلَى الصَّفَا صَنَم يُسَمَّى [ إِسَافًا ] وَعَلَى الْمَرْوَة صَنَم يُدْعَى [ نَائِلَة ] فَاطُّرِدَ ذَلِكَ فِي التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث وَقُدِّمَ الْمُذَكَّر، وَهَذَا حَسَن ; لِأَنَّ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة تَدُلّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَمَا كَانَ كَرَاهَة مَنْ كَرِهَ الطَّوَاف بَيْنهمَا إِلَّا مِنْ أَجْل هَذَا، حَتَّى رَفَعَ اللَّه الْحَرَج فِي ذَلِكَ.
وَزَعَمَ أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُمَا زَنَيَا فِي الْكَعْبَة فَمَسَخَهُمَا اللَّه حَجَرَيْنِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة لِيُعْتَبَر بِهِمَا، فَلَمَّا طَالَتْ الْمُدَّة عُبِدَا مِنْ دُون اللَّه، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَالصَّفَا ( مَقْصُور ) : جَمْع صَفَاة، وَهِيَ الْحِجَارَة الْمُلْس.
وَقِيلَ : الصَّفَا اِسْم مُفْرَد، وَجَمْعه صُفْي ( بِضَمِّ الصَّاد ) وَأَصْفَاء عَلَى مِثْل أَرْحَاء.
قَالَ الرَّاجِز :
| كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنْ النَّفِيّ | مَوَاقِع الطَّيْر عَلَى الصُّفِيّ |
وَالْمَرْوَة ( وَاحِدَة الْمَرْو ) وَهِيَ الْحِجَارَة الصِّغَار الَّتِي فِيهَا لِين.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا الصِّلَاب.
وَالصَّحِيح أَنَّ الْمَرْو الْحِجَارَة صَلِيبهَا وَرَخْوهَا الَّذِي يَتَشَظَّى وَتَرِقّ حَاشِيَته، وَفِي هَذَا يُقَال : الْمَرْو أَكْثَر وَيُقَال فِي الصَّلِيب.
قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا الْحِجَارَة السُّود.
وَقِيلَ : حِجَارَة بِيض بَرَّاقَة تَكُون فِيهَا النَّار.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا الصِّلَاب.
وَالصَّحِيح أَنَّ الْمَرْو الْحِجَارَة صَلِيبهَا وَرَخْوهَا الَّذِي يَتَشَظَّى وَتَرِقّ حَاشِيَته، وَفِي هَذَا يُقَال : الْمَرْو أَكْثَر وَيُقَال فِي الصَّلِيب.
قَالَ الشَّاعِر :
| وَتَوَلَّى الْأَرْض خَفًّا ذَابِلًا | فَإِذَا مَا صَادَفَ الْمَرْو رَضَخْ |
| حَتَّى كَأَنَّ لِلْحَوَادِثِ مَرْوَة | بِصَفَا الْمُشَقَّر كُلّ يَوْم تُقْرَع |
وَقِيلَ : حِجَارَة بِيض بَرَّاقَة تَكُون فِيهَا النَّار.
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
أَيْ مِنْ مَعَالِمه وَمَوَاضِع عِبَادَاته، وَهِيَ جَمْع شَعِيرَة.
وَالشَّعَائِر : الْمُتَعَبَّدَات الَّتِي أَشْعَرَهَا اللَّه تَعَالَى، أَيْ جَعَلَهَا أَعْلَامًا لِلنَّاسِ، مِنْ الْمَوْقِف وَالسَّعْي وَالنَّحْر.
وَالشِّعَار : الْعَلَامَة، يُقَال : أَشْعَرَ الْهَدْي أَعْلَمَهُ بِغَرْزِ حَدِيدَة فِي سَنَامه، مِنْ قَوْلك : أَشْعَرْت أَيْ أَعْلَمْت، وَقَالَ الْكُمَيْت :
أَيْ مِنْ مَعَالِمه وَمَوَاضِع عِبَادَاته، وَهِيَ جَمْع شَعِيرَة.
وَالشَّعَائِر : الْمُتَعَبَّدَات الَّتِي أَشْعَرَهَا اللَّه تَعَالَى، أَيْ جَعَلَهَا أَعْلَامًا لِلنَّاسِ، مِنْ الْمَوْقِف وَالسَّعْي وَالنَّحْر.
وَالشِّعَار : الْعَلَامَة، يُقَال : أَشْعَرَ الْهَدْي أَعْلَمَهُ بِغَرْزِ حَدِيدَة فِي سَنَامه، مِنْ قَوْلك : أَشْعَرْت أَيْ أَعْلَمْت، وَقَالَ الْكُمَيْت :
| نُقَتِّلهُمْ جِيلًا فَجِيلًا تَرَاهُمُ | شَعَائِر قُرْبَان بِهِمْ يُتَقَرَّب |
| فَأَشْهَد مِنْ عَوْف حُلُولًا كَثِيرَة | يَحُجُّونَ سِبّ الزِّبْرِقَان الْمُزَعْفَرَا |
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : السِّبّ ( بِالْكَسْرِ ) الْكَثِير السِّبَاب.
وَسَبُّك أَيْضًا الَّذِي يُسَابّك، قَالَ الشَّاعِر :
| لَا تَسُبَّنَّنِي فَلَسْت بِسِبِّي | إِنَّ سِبِّي مِنْ الرِّجَال الْكَرِيم |
يَحُجُّونَ سِبّ الزِّبْرِقَان الْمُزَعْفَرَا
وَالسِّبّ أَيْضًا الْحَبْل فِي لُغَة هُذَيْل، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
| تَدَلَّى عَلَيْهَا بَيْن سِبّ وَخَيْطَة | بِجَرْدَاء مِثْل الْوَكْف يَكْبُو غُرَابهَا |
وَالسِّبّ : شُقَّة كَتَّان رَقِيقَة، وَالسَّبِيبَة مِثْله، وَالْجَمْع السُّبُوب وَالسَّبَائِب، قَالَهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَحَجَّ الطَّبِيب الشَّجَّة إِذَا سَبَرَهَا بِالْمِيلِ، قَالَ الشَّاعِر :
يَحُجّ مَأْمُومَة فِي قَعْرهَا لَجَف
اللَّجَف : الْخَسْف.
تَلَجَّفَتْ الْبِئْر : اِنْخَسَفَ أَسْفَلهَا.
ثُمَّ اِخْتَصَّ هَذَا الِاسْم بِالْقَصْدِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَة.
أَوِ اعْتَمَرَ
أَيْ زَارَ وَالْعُمْرَة : الزِّيَارَة، قَالَ الشَّاعِر :
أَيْ زَارَ وَالْعُمْرَة : الزِّيَارَة، قَالَ الشَّاعِر :
| لَقَدْ سَمَا اِبْن مَعْمَر حِين اِعْتَمَرْ | مَغْزًى بَعِيدًا مِنْ بَعِيد وَضَبَرْ |
| وَمَا أَلُوم الْبِيض أَلَّا تَسْخَرَا | لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمْط الْقَفَنْدَرَا |
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب السَّعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل : هُوَ رُكْن، وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِسْعَوْا فَإِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْي ).
خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَكَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام " [ الْبَقَرَة : ١٨٣ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( خَمْس صَلَوَات كَتَبَهُنَّ اللَّه عَلَى الْعِبَاد ).
وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أُمّ وَلَد لِشَيْبَة قَالَتْ : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَهُوَ يَقُول :( لَا يُقْطَع الْأَبْطَح إِلَّا شَدًّا ) فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ شَوْطًا مِنْهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا رَجَعَ مِنْ بَلَده أَوْ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ إِلَى مَكَّة، فَيَطُوف وَيَسْعَى، لِأَنَّ السَّعْي لَا يَكُون إِلَّا مُتَّصِلًا بِالطَّوَافِ.
وَسَوَاء عِنْد مَالِك كَانَ ذَلِكَ فِي حَجّ أَوْ عُمْرَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُمْرَة فَرْضًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاء فَعَلَيْهِ عُمْرَة وَهَدْي عِنْد مَالِك مَعَ تَمَام مَنَاسِكه.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : عَلَيْهِ هَدْي، وَلَا مَعْنَى لِلْعُمْرَةِ إِذَا رَجَعَ وَطَافَ وَسَعَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالشَّعْبِيّ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ تَرَكَهُ أَحَد مِنْ الْحَاجّ حَتَّى يَرْجِع إِلَى بِلَاده جَبَرَهُ بِالدَّمِ ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الْحَجّ.
وَهُوَ قَوْل مَالِك فِي الْعُتْبِيَّة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَأَنْسَ بْن مَالِك وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُ تَطَوُّع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ".
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَطَّوَّع " مُضَارِع مَجْزُوم، وَكَذَلِكَ " فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْر لَهُ " الْبَاقُونَ " تَطَوَّعَ " مَاضٍ، وَهُوَ مَا يَأْتِيه الْمُؤْمِن مِنْ قِبَل نَفْسه فَمَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِل فَإِنَّ اللَّه يَشْكُرهُ.
وَشُكْر اللَّه لِلْعَبْدِ إِثَابَته عَلَى الطَّاعَة.
وَالصَّحِيح مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ ) فَصَارَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْحَجّ، فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون فَرْضًا، كَبَيَانِهِ لِعَدَدِ الرَّكَعَات، وَمَا كَانَ مِثْل ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُتَّفَق عَلَى أَنَّهُ سُنَّة أَوْ تَطَوُّع.
وَقَالَ طُلَيْب : رَأَى اِبْن عَبَّاس قَوْمًا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : هَذَا مَا أَوْرَثَتْكُمْ أُمّكُمْ أُمّ إِسْمَاعِيل.
قُلْت : وَهَذَا ثَابِت فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم ".
وَلَا يَجُوز أَنْ يَطُوف أَحَد بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْر، فَإِنْ طَافَ مَعْذُورًا فَعَلَيْهِ دَم، وَإِنْ طَافَ غَيْر مَعْذُور أَعَادَ إِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْت، وَإِنْ غَابَ عَنْهُ أَهْدَى.
إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ :( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ ).
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب السَّعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل : هُوَ رُكْن، وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِسْعَوْا فَإِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْي ).
خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَكَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام " [ الْبَقَرَة : ١٨٣ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( خَمْس صَلَوَات كَتَبَهُنَّ اللَّه عَلَى الْعِبَاد ).
وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أُمّ وَلَد لِشَيْبَة قَالَتْ : رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَهُوَ يَقُول :( لَا يُقْطَع الْأَبْطَح إِلَّا شَدًّا ) فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ شَوْطًا مِنْهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا رَجَعَ مِنْ بَلَده أَوْ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ إِلَى مَكَّة، فَيَطُوف وَيَسْعَى، لِأَنَّ السَّعْي لَا يَكُون إِلَّا مُتَّصِلًا بِالطَّوَافِ.
وَسَوَاء عِنْد مَالِك كَانَ ذَلِكَ فِي حَجّ أَوْ عُمْرَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُمْرَة فَرْضًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاء فَعَلَيْهِ عُمْرَة وَهَدْي عِنْد مَالِك مَعَ تَمَام مَنَاسِكه.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : عَلَيْهِ هَدْي، وَلَا مَعْنَى لِلْعُمْرَةِ إِذَا رَجَعَ وَطَافَ وَسَعَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالشَّعْبِيّ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ تَرَكَهُ أَحَد مِنْ الْحَاجّ حَتَّى يَرْجِع إِلَى بِلَاده جَبَرَهُ بِالدَّمِ ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الْحَجّ.
وَهُوَ قَوْل مَالِك فِي الْعُتْبِيَّة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَأَنْسَ بْن مَالِك وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُ تَطَوُّع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ".
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " يَطَّوَّع " مُضَارِع مَجْزُوم، وَكَذَلِكَ " فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْر لَهُ " الْبَاقُونَ " تَطَوَّعَ " مَاضٍ، وَهُوَ مَا يَأْتِيه الْمُؤْمِن مِنْ قِبَل نَفْسه فَمَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِل فَإِنَّ اللَّه يَشْكُرهُ.
وَشُكْر اللَّه لِلْعَبْدِ إِثَابَته عَلَى الطَّاعَة.
وَالصَّحِيح مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ ) فَصَارَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْحَجّ، فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون فَرْضًا، كَبَيَانِهِ لِعَدَدِ الرَّكَعَات، وَمَا كَانَ مِثْل ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُتَّفَق عَلَى أَنَّهُ سُنَّة أَوْ تَطَوُّع.
وَقَالَ طُلَيْب : رَأَى اِبْن عَبَّاس قَوْمًا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَالَ : هَذَا مَا أَوْرَثَتْكُمْ أُمّكُمْ أُمّ إِسْمَاعِيل.
قُلْت : وَهَذَا ثَابِت فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم ".
وَلَا يَجُوز أَنْ يَطُوف أَحَد بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْر، فَإِنْ طَافَ مَعْذُورًا فَعَلَيْهِ دَم، وَإِنْ طَافَ غَيْر مَعْذُور أَعَادَ إِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْت، وَإِنْ غَابَ عَنْهُ أَهْدَى.
إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ :( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ ).
وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ مِنْ الْعُذْر ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيره وَاسْتَلَمَ الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ، وَقَالَ لِعَائِشَة وَقَدْ قَالَتْ لَهُ : إِنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ :( طُوفِي مِنْ وَرَاء النَّاس وَأَنْتِ رَاكِبَة ).
وَفَرَّقَ أَصْحَابنَا بَيْن أَنْ يَطُوف عَلَى بَعِير أَوْ يَطُوف عَلَى ظَهْر إِنْسَان، فَإِنْ طَافَ عَلَى ظَهْر إِنْسَان لَمْ يُجْزِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُون طَائِفًا، وَإِنَّمَا الطَّائِف الْحَامِل.
وَإِذَا طَافَ عَلَى بَعِير يَكُون هُوَ الطَّائِف.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهَذِهِ تَفْرِقَة اِخْتِيَار، وَأَمَّا الْإِجْزَاء فَيُجْزِئ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَطِيفَ بِهِ مَحْمُولًا، أَوْ وُقِفَ بِهِ بِعَرَفَاتٍ مَحْمُولًا كَانَ مُجْزِئًا عَنْهُ.
وَفَرَّقَ أَصْحَابنَا بَيْن أَنْ يَطُوف عَلَى بَعِير أَوْ يَطُوف عَلَى ظَهْر إِنْسَان، فَإِنْ طَافَ عَلَى ظَهْر إِنْسَان لَمْ يُجْزِهِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُون طَائِفًا، وَإِنَّمَا الطَّائِف الْحَامِل.
وَإِذَا طَافَ عَلَى بَعِير يَكُون هُوَ الطَّائِف.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهَذِهِ تَفْرِقَة اِخْتِيَار، وَأَمَّا الْإِجْزَاء فَيُجْزِئ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَطِيفَ بِهِ مَحْمُولًا، أَوْ وُقِفَ بِهِ بِعَرَفَاتٍ مَحْمُولًا كَانَ مُجْزِئًا عَنْهُ.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا
أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يَكْتُم مَا أُنْزِلَ مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مَلْعُون.
وَاخْتَلَفُوا مَنْ الْمُرَاد بِذَلِكَ، فَقِيلَ : أَحْبَار الْيَهُود وَرُهْبَان النَّصَارَى الَّذِينَ كَتَمُوا أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَتَمَ الْيَهُود أَمْر الرَّجْم.
وَقِيلَ : الْمُرَاد كُلّ مَنْ كَتَمَ الْحَقّ، فَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا مِنْ دِين اللَّه يُحْتَاج إِلَى بَثّه، وَذَلِكَ مُفَسَّر فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم يَعْلَمهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِلِجَامٍ مِنْ نَار ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَعَمْرو بْن الْعَاص، أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ.
وَيُعَارِضهُ قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغهُ عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَة.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( حَدِّثْ النَّاس بِمَا يَفْهَمُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّب اللَّه وَرَسُوله ).
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى بَعْض الْعُلُوم، كَعِلْمِ الْكَلَام أَوْ مَا لَا يَسْتَوِي فِي فَهْمه جَمِيع الْعَوَامّ، فَحُكْم الْعَالِم أَنْ يُحَدِّث بِمَا يُفْهَم عَنْهُ، وَيُنْزِل كُلّ إِنْسَان مَنْزِلَته، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
هَذِهِ الْآيَة هِيَ الَّتِي أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله : لَوْلَا آيَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثًا.
وَبِهَا اِسْتَدَلَّ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب تَبْلِيغ الْعِلْم الْحَقّ، وَتِبْيَان الْعِلْم عَلَى الْجُمْلَة، دُون أَخْذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، إِذْ لَا يَسْتَحِقّ الْأُجْرَة عَلَى مَا عَلَيْهِ فِعْله، كَمَا لَا يَسْتَحِقّ الْأُجْرَة عَلَى الْإِسْلَام، وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا.
وَتَحْقِيق الْآيَة هُوَ : أَنَّ الْعَالِم إِذَا قَصَدَ كِتْمَان الْعِلْم عَصَى، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدهُ لَمْ يَلْزَمهُ التَّبْلِيغ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعَ غَيْره.
وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّبْلِيغ لِهَذِهِ الْآيَة وَلِلْحَدِيثِ.
أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوز تَعْلِيم الْكَافِر الْقُرْآن وَالْعِلْم حَتَّى يُسْلِم، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوز تَعْلِيم الْمُبْتَدِع الْجِدَال وَالْحِجَاج لِيُجَادِل بِهِ أَهْل الْحَقّ، وَلَا يُعَلَّم الْخَصْم عَلَى خَصْمه حُجَّة يَقْطَع بِهَا مَاله، وَلَا السُّلْطَان تَأْوِيلًا يَتَطَرَّق بِهِ إِلَى مَكَارِه الرَّعِيَّة، وَلَا يَنْشُر الرُّخَص فِي السُّفَهَاء فَيَجْعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى اِرْتِكَاب الْمَحْظُورَات، وَتَرْك الْوَاجِبَات وَنَحْو ذَلِكَ.
يُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَة أَهْلهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْر أَهْلهَا فَتَظْلِمُوهَا ).
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تُعَلِّقُوا الدُّرّ فِي أَعْنَاق الْخَنَازِير )، يُرِيد تَعْلِيم الْفِقْه مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْله.
وَقَدْ قَالَ سَحْنُون : إِنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَعَمْرو بْن الْعَاص إِنَّمَا جَاءَ فِي الشَّهَادَة.
أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يَكْتُم مَا أُنْزِلَ مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مَلْعُون.
وَاخْتَلَفُوا مَنْ الْمُرَاد بِذَلِكَ، فَقِيلَ : أَحْبَار الْيَهُود وَرُهْبَان النَّصَارَى الَّذِينَ كَتَمُوا أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَتَمَ الْيَهُود أَمْر الرَّجْم.
وَقِيلَ : الْمُرَاد كُلّ مَنْ كَتَمَ الْحَقّ، فَهِيَ عَامَّة فِي كُلّ مَنْ كَتَمَ عِلْمًا مِنْ دِين اللَّه يُحْتَاج إِلَى بَثّه، وَذَلِكَ مُفَسَّر فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم يَعْلَمهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِلِجَامٍ مِنْ نَار ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَعَمْرو بْن الْعَاص، أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ.
وَيُعَارِضهُ قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغهُ عُقُولهمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَة.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( حَدِّثْ النَّاس بِمَا يَفْهَمُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّب اللَّه وَرَسُوله ).
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى بَعْض الْعُلُوم، كَعِلْمِ الْكَلَام أَوْ مَا لَا يَسْتَوِي فِي فَهْمه جَمِيع الْعَوَامّ، فَحُكْم الْعَالِم أَنْ يُحَدِّث بِمَا يُفْهَم عَنْهُ، وَيُنْزِل كُلّ إِنْسَان مَنْزِلَته، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
هَذِهِ الْآيَة هِيَ الَّتِي أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله : لَوْلَا آيَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى مَا حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثًا.
وَبِهَا اِسْتَدَلَّ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب تَبْلِيغ الْعِلْم الْحَقّ، وَتِبْيَان الْعِلْم عَلَى الْجُمْلَة، دُون أَخْذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، إِذْ لَا يَسْتَحِقّ الْأُجْرَة عَلَى مَا عَلَيْهِ فِعْله، كَمَا لَا يَسْتَحِقّ الْأُجْرَة عَلَى الْإِسْلَام، وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا.
وَتَحْقِيق الْآيَة هُوَ : أَنَّ الْعَالِم إِذَا قَصَدَ كِتْمَان الْعِلْم عَصَى، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدهُ لَمْ يَلْزَمهُ التَّبْلِيغ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعَ غَيْره.
وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّبْلِيغ لِهَذِهِ الْآيَة وَلِلْحَدِيثِ.
أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوز تَعْلِيم الْكَافِر الْقُرْآن وَالْعِلْم حَتَّى يُسْلِم، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوز تَعْلِيم الْمُبْتَدِع الْجِدَال وَالْحِجَاج لِيُجَادِل بِهِ أَهْل الْحَقّ، وَلَا يُعَلَّم الْخَصْم عَلَى خَصْمه حُجَّة يَقْطَع بِهَا مَاله، وَلَا السُّلْطَان تَأْوِيلًا يَتَطَرَّق بِهِ إِلَى مَكَارِه الرَّعِيَّة، وَلَا يَنْشُر الرُّخَص فِي السُّفَهَاء فَيَجْعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى اِرْتِكَاب الْمَحْظُورَات، وَتَرْك الْوَاجِبَات وَنَحْو ذَلِكَ.
يُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَمْنَعُوا الْحِكْمَة أَهْلهَا فَتَظْلِمُوهُمْ وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْر أَهْلهَا فَتَظْلِمُوهَا ).
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تُعَلِّقُوا الدُّرّ فِي أَعْنَاق الْخَنَازِير )، يُرِيد تَعْلِيم الْفِقْه مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْله.
وَقَدْ قَالَ سَحْنُون : إِنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَعَمْرو بْن الْعَاص إِنَّمَا جَاءَ فِي الشَّهَادَة.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح خِلَافه ; لِأَنَّ فِي الْحَدِيث ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم ) وَلَمْ يَقُلْ عَنْ شَهَادَة، وَالْبَقَاء عَلَى الظَّاهِر حَتَّى يَرِد عَلَيْهِ مَا يُزِيلهُ، وَاَللَّه أَعْلَم.
مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
يَعُمّ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَالْمُسْتَنْبَط، لِشُمُولِ اِسْم الْهُدَى لِلْجَمِيعِ.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب الْعَمَل بِقَوْلِ الْوَاحِد ; لِأَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْبَيَان إِلَّا وَقَدْ وَجَبَ قَبُول قَوْله، وَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " [ الْبَقَرَة : ١٦٠ ] فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الْبَيَان بِخَبَرِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مَنْهِيًّا عَنْ الْكِتْمَان وَمَأْمُورًا بِالْبَيَانِ لِيَكْثُر الْمُخْبِرُونَ وَيَتَوَاتَر بِهِمْ الْخَبَر.
قُلْنَا : هَذَا غَلَط ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنْ الْكِتْمَان إِلَّا وَهُمْ مِمَّنْ يَجُوز عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤ عَلَيْهِ، وَمَنْ جَازَ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤ عَلَى الْكِتْمَان فَلَا يَكُون خَبَرهمْ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
لَمَّا قَالَ :" مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى " دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ جَائِز كَتْمه، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ خَوْف فَإِنَّ ذَلِكَ آكَد فِي الْكِتْمَان.
وَقَدْ تَرَكَ أَبُو هُرَيْرَة ذَلِكَ حِين خَافَ فَقَالَ : حَفِظْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدهمَا فَبَثَثْته، وَأَمَّا الْآخَر فَلَوْ بَثَثْته قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُوم.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : الْبُلْعُوم مَجْرَى الطَّعَام.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ أَبُو هُرَيْرَة وَخَافَ عَلَى نَفْسه فِيهِ الْفِتْنَة أَوْ الْقَتْل إِنَّمَا هُوَ مِمَّا يَتَعَلَّق بِأَمْرِ الْفِتَن وَالنَّصّ عَلَى أَعْيَان الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَنَحْو هَذَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّق بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
يَعُمّ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَالْمُسْتَنْبَط، لِشُمُولِ اِسْم الْهُدَى لِلْجَمِيعِ.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب الْعَمَل بِقَوْلِ الْوَاحِد ; لِأَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْبَيَان إِلَّا وَقَدْ وَجَبَ قَبُول قَوْله، وَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " [ الْبَقَرَة : ١٦٠ ] فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الْبَيَان بِخَبَرِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ مَنْهِيًّا عَنْ الْكِتْمَان وَمَأْمُورًا بِالْبَيَانِ لِيَكْثُر الْمُخْبِرُونَ وَيَتَوَاتَر بِهِمْ الْخَبَر.
قُلْنَا : هَذَا غَلَط ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْهَوْا عَنْ الْكِتْمَان إِلَّا وَهُمْ مِمَّنْ يَجُوز عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤ عَلَيْهِ، وَمَنْ جَازَ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤ عَلَى الْكِتْمَان فَلَا يَكُون خَبَرهمْ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
لَمَّا قَالَ :" مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى " دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ غَيْر ذَلِكَ جَائِز كَتْمه، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ خَوْف فَإِنَّ ذَلِكَ آكَد فِي الْكِتْمَان.
وَقَدْ تَرَكَ أَبُو هُرَيْرَة ذَلِكَ حِين خَافَ فَقَالَ : حَفِظْت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدهمَا فَبَثَثْته، وَأَمَّا الْآخَر فَلَوْ بَثَثْته قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُوم.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : الْبُلْعُوم مَجْرَى الطَّعَام.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ أَبُو هُرَيْرَة وَخَافَ عَلَى نَفْسه فِيهِ الْفِتْنَة أَوْ الْقَتْل إِنَّمَا هُوَ مِمَّا يَتَعَلَّق بِأَمْرِ الْفِتَن وَالنَّصّ عَلَى أَعْيَان الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَنَحْو هَذَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّق بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
الْكِنَايَة فِي " بَيَّنَّاهُ " تَرْجِع إِلَى مَا أُنْزِلَ مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى.
وَالْكِتَاب : اِسْم جِنْس، فَالْمُرَاد جَمِيع الْكُتُب الْمُنَزَّلَة.
الْكِنَايَة فِي " بَيَّنَّاهُ " تَرْجِع إِلَى مَا أُنْزِلَ مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى.
وَالْكِتَاب : اِسْم جِنْس، فَالْمُرَاد جَمِيع الْكُتُب الْمُنَزَّلَة.
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
أَيْ يَتَبَرَّأ مِنْهُمْ وَيُبْعِدهُمْ مِنْ ثَوَابه وَيَقُول لَهُمْ : عَلَيْكُمْ لَعْنَتِي، كَمَا قَالَ لِلَّعِينِ :" وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي " [ ص : ٧٨ ].
وَأَصْل اللَّعْن فِي اللُّغَة الْإِبْعَاد وَالطَّرْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
أَيْ يَتَبَرَّأ مِنْهُمْ وَيُبْعِدهُمْ مِنْ ثَوَابه وَيَقُول لَهُمْ : عَلَيْكُمْ لَعْنَتِي، كَمَا قَالَ لِلَّعِينِ :" وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي " [ ص : ٧٨ ].
وَأَصْل اللَّعْن فِي اللُّغَة الْإِبْعَاد وَالطَّرْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
قَالَ قَتَادَة وَالرَّبِيع : الْمُرَاد ب " اللَّاعِنُونَ " الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا وَاضِح جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَام.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : هُمْ الْحَشَرَات وَالْبَهَائِم يُصِيبهُمْ الْجَدْب بِذُنُوبِ عُلَمَاء السُّوء الْكَاتِمِينَ فَيَلْعَنُونَهُمْ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَالصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ :" اللَّاعِنُونَ " الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ، فَأَمَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِدَوَابّ الْأَرْض فَلَا يُوقَف عَلَى حَقِيقَته إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ خَبَر لَازِم وَلَمْ نَجِد مِنْ ذَيْنك شَيْئًا.
قُلْت : قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ خَبَر رَوَاهُ الْبَرَاء بْن عَازِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ " قَالَ :( دَوَابّ الْأَرْض ).
أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح أَنْبَأَنَا عَمَّار بْن مُحَمَّد عَنْ لَيْث عَنْ أَبِي الْمِنْهَال عَنْ زَاذَان عَنْ الْبَرَاء، إِسْنَاد حَسَن.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف جُمِعَ مَنْ لَا يَعْقِل جَمْع مَنْ يَعْقِل ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ فِعْل مَنْ يَعْقِل، كَمَا قَالَ :" رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " [ يُوسُف : ٤ ] وَلَمْ يَقُلْ سَاجِدَات، وَقَدْ قَالَ :" لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا " [ فُصِّلَتْ : ٢١ ]، وَقَالَ :" وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٩٨ ]، وَمِثْله كَثِير، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ الْبَرَاء بْن عَازِب وَابْن عَبَّاس :" اللَّاعِنُونَ " كُلّ الْمَخْلُوقَات مَا عَدَا الثَّقَلَيْنِ : الْجِنّ وَالْإِنْس، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْكَافِر إِذَا ضُرِبَ فِي قَبْره فَصَاحَ سَمِعَهُ الْكُلّ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَلَعَنَهُ كُلّ سَامِع ).
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَالسُّدِّيّ :( هُوَ الرَّجُل يَلْعَن صَاحِبه فَتَرْتَفِع اللَّعْنَة إِلَى السَّمَاء ثُمَّ تَنْحَدِر فَلَا تَجِد صَاحِبهَا الَّذِي قِيلَتْ فِيهِ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَتَرْجِع إِلَى الَّذِي تَكَلَّمَ بِهَا فَلَا تَجِدهُ أَهْلًا فَتَنْطَلِق فَتَقَع عَلَى الْيَهُود الَّذِينَ كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى، فَهُوَ قَوْله :" وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ " فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ اِرْتَفَعَتْ اللَّعْنَة عَنْهُ فَكَانَتْ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْيَهُود ).
قَالَ قَتَادَة وَالرَّبِيع : الْمُرَاد ب " اللَّاعِنُونَ " الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا وَاضِح جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَام.
وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : هُمْ الْحَشَرَات وَالْبَهَائِم يُصِيبهُمْ الْجَدْب بِذُنُوبِ عُلَمَاء السُّوء الْكَاتِمِينَ فَيَلْعَنُونَهُمْ.
قَالَ الزَّجَّاج : وَالصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ :" اللَّاعِنُونَ " الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ، فَأَمَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِدَوَابّ الْأَرْض فَلَا يُوقَف عَلَى حَقِيقَته إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ خَبَر لَازِم وَلَمْ نَجِد مِنْ ذَيْنك شَيْئًا.
قُلْت : قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ خَبَر رَوَاهُ الْبَرَاء بْن عَازِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ " قَالَ :( دَوَابّ الْأَرْض ).
أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح أَنْبَأَنَا عَمَّار بْن مُحَمَّد عَنْ لَيْث عَنْ أَبِي الْمِنْهَال عَنْ زَاذَان عَنْ الْبَرَاء، إِسْنَاد حَسَن.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف جُمِعَ مَنْ لَا يَعْقِل جَمْع مَنْ يَعْقِل ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ فِعْل مَنْ يَعْقِل، كَمَا قَالَ :" رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " [ يُوسُف : ٤ ] وَلَمْ يَقُلْ سَاجِدَات، وَقَدْ قَالَ :" لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا " [ فُصِّلَتْ : ٢١ ]، وَقَالَ :" وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : ١٩٨ ]، وَمِثْله كَثِير، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ الْبَرَاء بْن عَازِب وَابْن عَبَّاس :" اللَّاعِنُونَ " كُلّ الْمَخْلُوقَات مَا عَدَا الثَّقَلَيْنِ : الْجِنّ وَالْإِنْس، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْكَافِر إِذَا ضُرِبَ فِي قَبْره فَصَاحَ سَمِعَهُ الْكُلّ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَلَعَنَهُ كُلّ سَامِع ).
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَالسُّدِّيّ :( هُوَ الرَّجُل يَلْعَن صَاحِبه فَتَرْتَفِع اللَّعْنَة إِلَى السَّمَاء ثُمَّ تَنْحَدِر فَلَا تَجِد صَاحِبهَا الَّذِي قِيلَتْ فِيهِ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَتَرْجِع إِلَى الَّذِي تَكَلَّمَ بِهَا فَلَا تَجِدهُ أَهْلًا فَتَنْطَلِق فَتَقَع عَلَى الْيَهُود الَّذِينَ كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى، فَهُوَ قَوْله :" وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ " فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ اِرْتَفَعَتْ اللَّعْنَة عَنْهُ فَكَانَتْ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ الْيَهُود ).
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
اِسْتَثْنَى تَعَالَى التَّائِبِينَ الصَّالِحِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالهمْ الْمُنِيبِينَ لِتَوْبَتِهِمْ.
وَلَا يَكْفِي فِي التَّوْبَة عِنْد عُلَمَائِنَا قَوْل الْقَائِل : قَدْ تُبْت، حَتَّى يَظْهَر مِنْهُ فِي الثَّانِي خِلَاف الْأَوَّل، فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام مُظْهِرًا شَرَائِعه، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْمَعَاصِي ظَهَرَ مِنْهُ الْعَمَل الصَّالِح، وَجَانَبَ أَهْل الْفَسَاد وَالْأَحْوَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْأَوْثَان جَانَبَهُمْ وَخَالَطَ أَهْل الْإِسْلَام، وَهَكَذَا يَظْهَر عَكْس مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي بَيَان التَّوْبَة وَأَحْكَامهَا فِي " النِّسَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
اِسْتَثْنَى تَعَالَى التَّائِبِينَ الصَّالِحِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالهمْ الْمُنِيبِينَ لِتَوْبَتِهِمْ.
وَلَا يَكْفِي فِي التَّوْبَة عِنْد عُلَمَائِنَا قَوْل الْقَائِل : قَدْ تُبْت، حَتَّى يَظْهَر مِنْهُ فِي الثَّانِي خِلَاف الْأَوَّل، فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام مُظْهِرًا شَرَائِعه، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْمَعَاصِي ظَهَرَ مِنْهُ الْعَمَل الصَّالِح، وَجَانَبَ أَهْل الْفَسَاد وَالْأَحْوَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْأَوْثَان جَانَبَهُمْ وَخَالَطَ أَهْل الْإِسْلَام، وَهَكَذَا يَظْهَر عَكْس مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي بَيَان التَّوْبَة وَأَحْكَامهَا فِي " النِّسَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَبَيَّنُوا
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله :" وَبَيَّنُوا " أَيْ بِكَسْرِ الْخَمْر وَإِرَاقَتهَا.
وَقِيلَ :" بَيَّنُوا " يَعْنِي مَا فِي التَّوْرَاة مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوب اِتِّبَاعه.
وَالْعُمُوم أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَيْ بَيَّنُوا خِلَاف مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله :" وَبَيَّنُوا " أَيْ بِكَسْرِ الْخَمْر وَإِرَاقَتهَا.
وَقِيلَ :" بَيَّنُوا " يَعْنِي مَا فِي التَّوْرَاة مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوب اِتِّبَاعه.
وَالْعُمُوم أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، أَيْ بَيَّنُوا خِلَاف مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُول تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قُبِلَتْ تَوْبَتك وَأَنْ يُرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة
وَصَفَ نَفْسه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِأَنَّهُ التَّوَّاب وَتَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْعَبْد أَيْضًا تَوَّاب قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ اللَّه يُحِبّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٢ ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَلِعُلَمَائِنَا فِي وَصْف الرَّبّ بِأَنَّهُ تَوَّاب ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز فِي حَقّ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَيُدْعَى بِهِ كَمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَلَا يُتَأَوَّل وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ وَصْف حَقِيقِيّ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَتَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد رُجُوعه مِنْ حَال الْمَعْصِيَة إِلَى حَال الطَّاعَة وَقَالَ آخَرُونَ تَوْبَة اللَّه عَلَى الْعَبْد قَبُول تَوْبَته وَذَلِكَ يَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع إِلَى قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى قُبِلَتْ تَوْبَتك وَأَنْ يُرْجِع إِلَى خَلْقه الْإِنَابَة وَالرُّجُوع فِي قَلْب الْمُسِيء وَإِجْرَاء الطَّاعَات عَلَى جَوَارِحه الظَّاهِرَة
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
" وَهُمْ كُفَّار " الْوَاو وَاو الْحَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ لِي كَثِير مِنْ أَشْيَاخِي إِنَّ الْكَافِر الْمُعَيَّن لَا يَجُوز لَعْنه ; لِأَنَّ حَاله عِنْد الْمُوَافَاة لَا تُعْلَم، وَقَدْ شَرَطَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة فِي إِطْلَاق اللَّعْنَة : الْمُوَافَاة عَلَى الْكُفْر، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ الْكُفَّار فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح عِنْدِي جَوَاز لَعْنه لِظَاهِرِ حَاله وَلِجَوَازِ قَتْله وَقِتَاله، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرو بْن الْعَاص هَجَانِي وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَسْت بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ وَاهْجُهُ عَدَد مَا هَجَانِي ).
فَلَعَنَهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَان وَالدِّين وَالْإِسْلَام مَآله.
وَانْتَصَفَ بِقَوْلِهِ :( عَدَد مَا هَجَانِي ) وَلَمْ يَزِدْ لِيُعْلَم الْعَدْل وَالْإِنْصَاف.
وَأَضَافَ الْهَجْو إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي بَاب الْجَزَاء دُون الِابْتِدَاء بِالْوَصْفِ بِذَلِكَ، كَمَا يُضَاف إِلَيْهِ الْمَكْر وَالِاسْتِهْزَاء وَالْخَدِيعَة، سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
" وَهُمْ كُفَّار " الْوَاو وَاو الْحَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَالَ لِي كَثِير مِنْ أَشْيَاخِي إِنَّ الْكَافِر الْمُعَيَّن لَا يَجُوز لَعْنه ; لِأَنَّ حَاله عِنْد الْمُوَافَاة لَا تُعْلَم، وَقَدْ شَرَطَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة فِي إِطْلَاق اللَّعْنَة : الْمُوَافَاة عَلَى الْكُفْر، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ الْكُفَّار فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالصَّحِيح عِنْدِي جَوَاز لَعْنه لِظَاهِرِ حَاله وَلِجَوَازِ قَتْله وَقِتَاله، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرو بْن الْعَاص هَجَانِي وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَسْت بِشَاعِرٍ فَالْعَنْهُ وَاهْجُهُ عَدَد مَا هَجَانِي ).
فَلَعَنَهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَان وَالدِّين وَالْإِسْلَام مَآله.
وَانْتَصَفَ بِقَوْلِهِ :( عَدَد مَا هَجَانِي ) وَلَمْ يَزِدْ لِيُعْلَم الْعَدْل وَالْإِنْصَاف.
وَأَضَافَ الْهَجْو إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي بَاب الْجَزَاء دُون الِابْتِدَاء بِالْوَصْفِ بِذَلِكَ، كَمَا يُضَاف إِلَيْهِ الْمَكْر وَالِاسْتِهْزَاء وَالْخَدِيعَة، سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
أَيْ إِبْعَادهمْ مِنْ رَحْمَته وَأَصْل اللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَاللَّعْنَة مِنْ الْعِبَاد الطَّرْد، وَمِنْ اللَّه الْعَذَاب.
وَقَرَأَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ " بِالرَّفْعِ.
وَتَأْوِيلهَا : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنْ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ الْمَلَائِكَة وَيَلْعَنهُمْ النَّاس أَجْمَعُونَ، كَمَا تَقُول : كَرِهْت قِيَام زَيْد وَعَمْرو وَخَالِد ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : كَرِهْت أَنْ قَامَ زَيْد.
وَقِرَاءَة الْحَسَن هَذِهِ مُخَالِفَة لِلْمَصَاحِفِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ يَلْعَنهُمْ جَمِيع النَّاس لِأَنَّ قَوْمهمْ لَا يَلْعَنُونَهُمْ، قِيلَ عَنْ هَذَا ثَلَاثَة أَجْوِبَة، أَحَدهَا : أَنَّ اللَّعْنَة مِنْ أَكْثَر النَّاس يُطْلَق عَلَيْهَا لَعْنَة النَّاس تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْأَكْثَر عَلَى الْأَقَلّ.
الثَّانِي : قَالَ السُّدِّيّ : كُلّ أَحَد يَلْعَن الظَّالِم، وَإِذَا لَعَنَ الْكَافِر الظَّالِم فَقَدْ لَعَنَ نَفْسه.
الثَّالِث : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : الْمُرَاد بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَلْعَنهُمْ قَوْمهمْ مَعَ جَمِيع النَّاس، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا " [ الْعَنْكَبُوت : ٢٥ ]
قُلْت : أَمَّا لَعْن الْكُفَّار جُمْلَة مِنْ غَيْر تَعْيِين فَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ، لِمَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَج يَقُول : مَا أَدْرَكْت النَّاس إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَة فِي رَمَضَان.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَسَوَاء كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّة أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ مُبَاح لِمَنْ فَعَلَهُ، لِجَحْدِهِمْ الْحَقّ وَعَدَاوَتهمْ لِلدِّينِ وَأَهْله، وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ جَاهَرَ بِالْمَعَاصِي كَشُرَّابِ الْخَمْر وَأَكَلَة الرِّبَا، وَمَنْ تَشَبَّهَ مِنْ النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَمِنْ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيث لَعْنه.
لَيْسَ لَعْن الْكَافِر بِطَرِيقِ الزَّجْر لَهُ عَنْ الْكُفْر، بَلْ هُوَ جَزَاء عَلَى الْكُفْر وَإِظْهَار قُبْح كُفْره، كَانَ الْكَافِر مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا.
وَقَالَ قَوْم مِنْ السَّلَف : إِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي لَعْن مَنْ جُنَّ أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ، لَا بِطَرِيقِ الْجَزَاء وَلَا بِطَرِيقِ الزَّجْر، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّر بِهِ.
وَالْمُرَاد بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّاس يَلْعَنُونَهُ يَوْم الْقِيَامَة لِيَتَأَثَّر بِذَلِكَ وَيَتَضَرَّر وَيَتَأَلَّم قَلْبه، فَيَكُون ذَلِكَ جَزَاء عَلَى كُفْره، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا " [ الْعَنْكَبُوت : ٢٥ ]، وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل أَنَّ الْآيَة دَالَّة عَلَى الْإِخْبَار عَنْ اللَّه تَعَالَى بِلَعْنِهِمْ، لَا عَلَى الْأَمْر.
أَيْ إِبْعَادهمْ مِنْ رَحْمَته وَأَصْل اللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَاللَّعْنَة مِنْ الْعِبَاد الطَّرْد، وَمِنْ اللَّه الْعَذَاب.
وَقَرَأَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ " بِالرَّفْعِ.
وَتَأْوِيلهَا : أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنْ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ الْمَلَائِكَة وَيَلْعَنهُمْ النَّاس أَجْمَعُونَ، كَمَا تَقُول : كَرِهْت قِيَام زَيْد وَعَمْرو وَخَالِد ; لِأَنَّ الْمَعْنَى : كَرِهْت أَنْ قَامَ زَيْد.
وَقِرَاءَة الْحَسَن هَذِهِ مُخَالِفَة لِلْمَصَاحِفِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ يَلْعَنهُمْ جَمِيع النَّاس لِأَنَّ قَوْمهمْ لَا يَلْعَنُونَهُمْ، قِيلَ عَنْ هَذَا ثَلَاثَة أَجْوِبَة، أَحَدهَا : أَنَّ اللَّعْنَة مِنْ أَكْثَر النَّاس يُطْلَق عَلَيْهَا لَعْنَة النَّاس تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْأَكْثَر عَلَى الْأَقَلّ.
الثَّانِي : قَالَ السُّدِّيّ : كُلّ أَحَد يَلْعَن الظَّالِم، وَإِذَا لَعَنَ الْكَافِر الظَّالِم فَقَدْ لَعَنَ نَفْسه.
الثَّالِث : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : الْمُرَاد بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَلْعَنهُمْ قَوْمهمْ مَعَ جَمِيع النَّاس، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا " [ الْعَنْكَبُوت : ٢٥ ]
قُلْت : أَمَّا لَعْن الْكُفَّار جُمْلَة مِنْ غَيْر تَعْيِين فَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ، لِمَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَج يَقُول : مَا أَدْرَكْت النَّاس إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَة فِي رَمَضَان.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَسَوَاء كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّة أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ مُبَاح لِمَنْ فَعَلَهُ، لِجَحْدِهِمْ الْحَقّ وَعَدَاوَتهمْ لِلدِّينِ وَأَهْله، وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ جَاهَرَ بِالْمَعَاصِي كَشُرَّابِ الْخَمْر وَأَكَلَة الرِّبَا، وَمَنْ تَشَبَّهَ مِنْ النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَمِنْ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيث لَعْنه.
لَيْسَ لَعْن الْكَافِر بِطَرِيقِ الزَّجْر لَهُ عَنْ الْكُفْر، بَلْ هُوَ جَزَاء عَلَى الْكُفْر وَإِظْهَار قُبْح كُفْره، كَانَ الْكَافِر مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا.
وَقَالَ قَوْم مِنْ السَّلَف : إِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي لَعْن مَنْ جُنَّ أَوْ مَاتَ مِنْهُمْ، لَا بِطَرِيقِ الْجَزَاء وَلَا بِطَرِيقِ الزَّجْر، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّر بِهِ.
وَالْمُرَاد بِالْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّاس يَلْعَنُونَهُ يَوْم الْقِيَامَة لِيَتَأَثَّر بِذَلِكَ وَيَتَضَرَّر وَيَتَأَلَّم قَلْبه، فَيَكُون ذَلِكَ جَزَاء عَلَى كُفْره، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا " [ الْعَنْكَبُوت : ٢٥ ]، وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل أَنَّ الْآيَة دَالَّة عَلَى الْإِخْبَار عَنْ اللَّه تَعَالَى بِلَعْنِهِمْ، لَا عَلَى الْأَمْر.
وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ لَعْن الْعَاصِي الْمُعَيَّن لَا يَجُوز اِتِّفَاقًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْر مِرَارًا، فَقَالَ بَعْض مَنْ حَضَرَهُ : لَعَنَهُ اللَّه، مَا أَكْثَر مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَكُونُوا عَوْن الشَّيْطَان عَلَى أَخِيكُمْ ) فَجَعَلَ لَهُ حُرْمَة الْأُخُوَّة، وَهَذَا يُوجِب الشَّفَقَة، وَهَذَا حَدِيث صَحِيح.
قُلْت : خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء خِلَافًا فِي لَعْن الْعَاصِي الْمُعَيَّن، قَالَ : وَإِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا تَكُونُوا عَوْن الشَّيْطَان عَلَى أَخِيكُمْ ) فِي حَقّ نُعَيْمَان بَعْد إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ، وَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّ اللَّه تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَعْنه، وَمَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدّ فَلَعْنَته جَائِزَة سَوَاء سُمِّيَ أَوْ عُيِّنَ أَمْ لَا ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْعَن إِلَّا مَنْ تَجِب عَلَيْهِ اللَّعْنَة مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَة الْمُوجِبَة لِلَّعْنِ، فَإِذَا تَابَ مِنْهَا وَأَقْلَعَ وَطَهَّرَهُ الْحَدّ فَلَا لَعْنَة تَتَوَجَّه عَلَيْهِ.
وَبَيَّنَ هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب ).
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيث مَعَ صِحَّته عَلَى أَنَّ التَّثْرِيب وَاللَّعْن إِنَّمَا يَكُون قَبْل أَخْذ الْحَدّ وَقَبْل التَّوْبَة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَأَمَّا لَعْن الْعَاصِي مُطْلَقًا فَيَجُوز إِجْمَاعًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَع يَده ).
قُلْت : خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء خِلَافًا فِي لَعْن الْعَاصِي الْمُعَيَّن، قَالَ : وَإِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا تَكُونُوا عَوْن الشَّيْطَان عَلَى أَخِيكُمْ ) فِي حَقّ نُعَيْمَان بَعْد إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ، وَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّ اللَّه تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَعْنه، وَمَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدّ فَلَعْنَته جَائِزَة سَوَاء سُمِّيَ أَوْ عُيِّنَ أَمْ لَا ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْعَن إِلَّا مَنْ تَجِب عَلَيْهِ اللَّعْنَة مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَة الْمُوجِبَة لِلَّعْنِ، فَإِذَا تَابَ مِنْهَا وَأَقْلَعَ وَطَهَّرَهُ الْحَدّ فَلَا لَعْنَة تَتَوَجَّه عَلَيْهِ.
وَبَيَّنَ هَذَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب ).
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيث مَعَ صِحَّته عَلَى أَنَّ التَّثْرِيب وَاللَّعْن إِنَّمَا يَكُون قَبْل أَخْذ الْحَدّ وَقَبْل التَّوْبَة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَأَمَّا لَعْن الْعَاصِي مُطْلَقًا فَيَجُوز إِجْمَاعًا، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَع يَده ).
خَالِدِينَ فِيهَا
يَعْنِي فِي اللَّعْنَة، أَيْ فِي جَزَائِهَا.
وَقِيلَ : خُلُودهمْ فِي اللَّعْنَة أَنَّهَا مُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ " خَالِدِينَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَلَيْهِمْ "، وَالْعَامِل فِيهِ الظَّرْف مِنْ قَوْله :" عَلَيْهِمْ " لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى اِسْتِقْرَار اللَّعْنَة.
يَعْنِي فِي اللَّعْنَة، أَيْ فِي جَزَائِهَا.
وَقِيلَ : خُلُودهمْ فِي اللَّعْنَة أَنَّهَا مُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ " خَالِدِينَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَلَيْهِمْ "، وَالْعَامِل فِيهِ الظَّرْف مِنْ قَوْله :" عَلَيْهِمْ " لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى اِسْتِقْرَار اللَّعْنَة.
لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
أَيْ لَا يُؤَخَّرُونَ عَنْ الْعَذَاب وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَات.
أَيْ لَا يُؤَخَّرُونَ عَنْ الْعَذَاب وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَات.
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
لَمَّا حَذَّرَ تَعَالَى مِنْ كِتْمَان الْحَقّ بَيَّنَ أَنَّ أَوَّل مَا يَجِب إِظْهَاره وَلَا يَجُوز كِتْمَانه أَمْر التَّوْحِيد، وَوَصَلَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْبُرْهَان، وَعَلَّمَ طَرِيق النَّظَر، وَهُوَ الْفِكْر فِي عَجَائِب الصُّنْع، لِيُعْلِم أَنَّهُ لَا بُدّ لَهُ مِنْ فَاعِل لَا يُشْبِههُ شَيْء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : قَالَتْ كُفَّار قُرَيْش : يَا مُحَمَّد اُنْسُبْ لَنَا رَبّك، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى سُورَة " الْإِخْلَاص " وَهَذِهِ الْآيَة.
وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ثَلَاثمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَبَيَّنَ اللَّه أَنَّهُ وَاحِد.
لَمَّا حَذَّرَ تَعَالَى مِنْ كِتْمَان الْحَقّ بَيَّنَ أَنَّ أَوَّل مَا يَجِب إِظْهَاره وَلَا يَجُوز كِتْمَانه أَمْر التَّوْحِيد، وَوَصَلَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْبُرْهَان، وَعَلَّمَ طَرِيق النَّظَر، وَهُوَ الْفِكْر فِي عَجَائِب الصُّنْع، لِيُعْلِم أَنَّهُ لَا بُدّ لَهُ مِنْ فَاعِل لَا يُشْبِههُ شَيْء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : قَالَتْ كُفَّار قُرَيْش : يَا مُحَمَّد اُنْسُبْ لَنَا رَبّك، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى سُورَة " الْإِخْلَاص " وَهَذِهِ الْآيَة.
وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ثَلَاثمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَبَيَّنَ اللَّه أَنَّهُ وَاحِد.
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
نَفْي وَإِثْبَات.
أَوَّلهَا كُفْر وَآخِرهَا إِيمَان، وَمَعْنَاهُ لَا مَعْبُود إِلَّا اللَّه.
وَحُكِيَ عَنْ الشِّبْلِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ كَانَ يَقُول : اللَّه، وَلَا يَقُول : لَا إِلَه، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ آخُذ فِي كَلِمَة الْجُحُود وَلَا أَصِل إِلَى كَلِمَة الْإِقْرَار.
قُلْت : وَهَذَا مِنْ عُلُومهمْ الدَّقِيقَة، الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا حَقِيقَة، فَإِنَّ اللَّه جَلَّ اِسْمه ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابه نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَكَرَّرَهُ، وَوَعَدَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيل لِقَائِلِهِ عَلَى لِسَان نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَالْمَقْصُود الْقَلْب لَا اللِّسَان، فَلَوْ قَالَ : لَا إِلَه وَمَاتَ وَمُعْتَقَده وَضَمِيره الْوَحْدَانِيَّة وَمَا يَجِب لَهُ مِنْ الصِّفَات لَكَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة بِاتِّفَاقِ أَهْل السُّنَّة.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَعْنَى اِسْمه الْوَاحِد، وَلَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
نَفْي وَإِثْبَات.
أَوَّلهَا كُفْر وَآخِرهَا إِيمَان، وَمَعْنَاهُ لَا مَعْبُود إِلَّا اللَّه.
وَحُكِيَ عَنْ الشِّبْلِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ كَانَ يَقُول : اللَّه، وَلَا يَقُول : لَا إِلَه، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ آخُذ فِي كَلِمَة الْجُحُود وَلَا أَصِل إِلَى كَلِمَة الْإِقْرَار.
قُلْت : وَهَذَا مِنْ عُلُومهمْ الدَّقِيقَة، الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا حَقِيقَة، فَإِنَّ اللَّه جَلَّ اِسْمه ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابه نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَكَرَّرَهُ، وَوَعَدَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيل لِقَائِلِهِ عَلَى لِسَان نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَالْمَقْصُود الْقَلْب لَا اللِّسَان، فَلَوْ قَالَ : لَا إِلَه وَمَاتَ وَمُعْتَقَده وَضَمِيره الْوَحْدَانِيَّة وَمَا يَجِب لَهُ مِنْ الصِّفَات لَكَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة بِاتِّفَاقِ أَهْل السُّنَّة.
وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَعْنَى اِسْمه الْوَاحِد، وَلَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
قَالَ عَطَاء : لَمَّا نَزَلَتْ " وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " قَالَتْ كُفَّار قُرَيْش : كَيْف يَسَع النَّاس إِلَه وَاحِد، فَنَزَلَتْ " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ".
وَرَوَاهُ سُفْيَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " قَالُوا هَلْ مِنْ دَلِيل عَلَى ذَلِكَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا آيَة فَبَيَّنَ لَهُمْ دَلِيل التَّوْحِيد، وَأَنَّ هَذَا الْعَالَم وَالْبِنَاء الْعَجِيب لَا بُدّ لَهُ مِنْ بَانٍ وَصَانِع.
وَجَمَعَ السَّمَاوَات لِأَنَّهَا أَجْنَاس مُخْتَلِفَة كُلّ سَمَاء مِنْ جِنْس غَيْر جِنْس الْأُخْرَى.
وَوَحَّدَ الْأَرْض لِأَنَّهَا كُلّهَا تُرَاب، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
فَآيَة السَّمَاوَات : اِرْتِفَاعهَا بِغَيْرِ عَمَد مِنْ تَحْتهَا وَلَا عَلَائِق مِنْ فَوْقهَا، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْقُدْرَة وَخَرْق الْعَادَة.
وَلَوْ جَاءَ نَبِيّ فَتُحُدِّيَ بِوُقُوفِ جَبَل فِي الْهَوَاء دُون عِلَاقَة كَانَ مُعْجِزًا.
ثُمَّ مَا فِيهَا مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم السَّائِرَة وَالْكَوَاكِب الزَّاهِرَة شَارِقَة وَغَارِبَة نَيِّرَة وَمَمْحُوَّة آيَة ثَانِيَة.
وَآيَة الْأَرْض : بِحَارهَا وَأَنْهَارهَا وَمَعَادِنهَا وَشَجَرهَا وَسَهْلهَا وَوَعْرهَا.
قَالَ عَطَاء : لَمَّا نَزَلَتْ " وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " قَالَتْ كُفَّار قُرَيْش : كَيْف يَسَع النَّاس إِلَه وَاحِد، فَنَزَلَتْ " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ".
وَرَوَاهُ سُفْيَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " قَالُوا هَلْ مِنْ دَلِيل عَلَى ذَلِكَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ فِي خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا آيَة فَبَيَّنَ لَهُمْ دَلِيل التَّوْحِيد، وَأَنَّ هَذَا الْعَالَم وَالْبِنَاء الْعَجِيب لَا بُدّ لَهُ مِنْ بَانٍ وَصَانِع.
وَجَمَعَ السَّمَاوَات لِأَنَّهَا أَجْنَاس مُخْتَلِفَة كُلّ سَمَاء مِنْ جِنْس غَيْر جِنْس الْأُخْرَى.
وَوَحَّدَ الْأَرْض لِأَنَّهَا كُلّهَا تُرَاب، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
فَآيَة السَّمَاوَات : اِرْتِفَاعهَا بِغَيْرِ عَمَد مِنْ تَحْتهَا وَلَا عَلَائِق مِنْ فَوْقهَا، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْقُدْرَة وَخَرْق الْعَادَة.
وَلَوْ جَاءَ نَبِيّ فَتُحُدِّيَ بِوُقُوفِ جَبَل فِي الْهَوَاء دُون عِلَاقَة كَانَ مُعْجِزًا.
ثُمَّ مَا فِيهَا مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم السَّائِرَة وَالْكَوَاكِب الزَّاهِرَة شَارِقَة وَغَارِبَة نَيِّرَة وَمَمْحُوَّة آيَة ثَانِيَة.
وَآيَة الْأَرْض : بِحَارهَا وَأَنْهَارهَا وَمَعَادِنهَا وَشَجَرهَا وَسَهْلهَا وَوَعْرهَا.
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
قِيلَ : اِخْتِلَافهمَا بِإِقْبَالِ أَحَدهمَا وَإِدْبَار الْآخَر مِنْ حَيْثُ لَا يُعْلَم.
وَقِيلَ : اِخْتِلَافهمَا فِي الْأَوْصَاف مِنْ النُّور وَالظُّلْمَة وَالطُّول وَالْقِصَر.
وَاللَّيْل جَمْع لَيْلَة، مِثْل تَمْرَة وَتَمْر وَنَخْلَة وَنَخْل.
وَيُجْمَع أَيْضًا لَيَالِي وَلَيَالٍ بِمَعْنًى، وَهُوَ مِمَّا شَذَّ عَنْ قِيَاس الْجُمُوع، كَشَبَهٍ وَمُشَابِه وَحَاجَة وَحَوَائِج وَذَكَر وَمَذَاكِر، وَكَأَنَّ لَيَالِي فِي الْقِيَاس جَمْع لَيْلَاة.
وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي الشِّعْر قَالَ :
فِي كُلّ يَوْم وَكُلّ لَيْلَاه
وَقَالَ آخَر :
يَا وَيْحه مِنْ جَمَل مَا أَشْقَاهُ
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : وَيُقَال إِنَّ بَعْض الطَّيْر يُسَمَّى لَيْلًا، وَلَا أَعْرِفهُ وَالنَّهَار يُجْمَع نُهُر وَأَنْهِرَة.
قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب : نَهَر جَمْع نُهُر وَهُوَ جَمْع الْجَمْع لِلنَّهَارِ، وَقِيلَ النَّهَار اِسْم مُفْرَد لَمْ يُجْمَع لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَر، كَقَوْلِك الضِّيَاء، يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَالْأَوَّل أَكْثَر، قَالَ الشَّاعِر :
قَالَ اِبْن فَارِس : النَّهَار مَعْرُوف، وَالْجَمْع نُهُر وَأَنْهَار.
وَيُقَال : إِنَّ النَّهَار يُجْمَع عَلَى النُّهُر.
وَالنَّهَار : ضِيَاء مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس.
وَرَجُل نَهِر : صَاحِب نَهَار.
وَيُقَال إِنَّ النَّهَار فَرْخ الْحُبَارَى.
قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : أَوَّل النَّهَار طُلُوع الشَّمْس، وَلَا يُعَدّ مَا قَبْل ذَلِكَ مِنْ النَّهَار.
وَقَالَ ثَعْلَب : أَوَّله عِنْد الْعَرَب طُلُوع الشَّمْس، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت.
وَأَنْشَدَ قَوْل عَدِيّ بْن زَيْد :
وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيّ :
قَالَ الزَّجَّاج فِي كِتَاب الْأَنْوَاء : أَوَّل النَّهَار ذُرُور الشَّمْس.
وَقَسَّمَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ الزَّمَن ثَلَاثَة أَقْسَام : قِسْمًا جَعَلَهُ لَيْلًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ غُرُوب الشَّمْس إِلَى طُلُوع الْفَجْر.
وَقِسْمًا جَعَلَهُ نَهَارًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا.
وَقِسْمًا جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا بَيْن النَّهَار وَاللَّيْل، وَهُوَ مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس، لِبَقَايَا ظُلْمَة اللَّيْل وَمَبَادِئ ضَوْء النَّهَار.
قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّ النَّهَار مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس، كَمَا رَوَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر " [ الْبَقَرَة : ١٨٧ ] قَالَ لَهُ عَدِيّ : يَا رَسُول اللَّه، إِنِّي أَجْعَل تَحْت وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ : عِقَالًا أَبْيَض وَعِقَالًا أَسْوَد، أَعْرِف بِهِمَا اللَّيْل مِنْ النَّهَار.
قِيلَ : اِخْتِلَافهمَا بِإِقْبَالِ أَحَدهمَا وَإِدْبَار الْآخَر مِنْ حَيْثُ لَا يُعْلَم.
وَقِيلَ : اِخْتِلَافهمَا فِي الْأَوْصَاف مِنْ النُّور وَالظُّلْمَة وَالطُّول وَالْقِصَر.
وَاللَّيْل جَمْع لَيْلَة، مِثْل تَمْرَة وَتَمْر وَنَخْلَة وَنَخْل.
وَيُجْمَع أَيْضًا لَيَالِي وَلَيَالٍ بِمَعْنًى، وَهُوَ مِمَّا شَذَّ عَنْ قِيَاس الْجُمُوع، كَشَبَهٍ وَمُشَابِه وَحَاجَة وَحَوَائِج وَذَكَر وَمَذَاكِر، وَكَأَنَّ لَيَالِي فِي الْقِيَاس جَمْع لَيْلَاة.
وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي الشِّعْر قَالَ :
فِي كُلّ يَوْم وَكُلّ لَيْلَاه
وَقَالَ آخَر :
| فِي كُلّ يَوْم مَا وَكُلّ لَيْلَاهُ | حَتَّى يَقُول كُلّ رَاءٍ إِذْ رَآهُ |
قَالَ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل : وَيُقَال إِنَّ بَعْض الطَّيْر يُسَمَّى لَيْلًا، وَلَا أَعْرِفهُ وَالنَّهَار يُجْمَع نُهُر وَأَنْهِرَة.
قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب : نَهَر جَمْع نُهُر وَهُوَ جَمْع الْجَمْع لِلنَّهَارِ، وَقِيلَ النَّهَار اِسْم مُفْرَد لَمْ يُجْمَع لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَر، كَقَوْلِك الضِّيَاء، يَقَع عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَالْأَوَّل أَكْثَر، قَالَ الشَّاعِر :
| لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُر | ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُر |
وَيُقَال : إِنَّ النَّهَار يُجْمَع عَلَى النُّهُر.
وَالنَّهَار : ضِيَاء مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس.
وَرَجُل نَهِر : صَاحِب نَهَار.
وَيُقَال إِنَّ النَّهَار فَرْخ الْحُبَارَى.
قَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : أَوَّل النَّهَار طُلُوع الشَّمْس، وَلَا يُعَدّ مَا قَبْل ذَلِكَ مِنْ النَّهَار.
وَقَالَ ثَعْلَب : أَوَّله عِنْد الْعَرَب طُلُوع الشَّمْس، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت.
| وَالشَّمْس تَطْلُع كُلّ آخِر لَيْلَة | حَمْرَاء يُصْبِح لَوْنهَا يَتَوَرَّد |
| وَجَاعِل الشَّمْس مِصْرًا لَا خَفَاء بِهِ | بَيْن النَّهَار وَبَيْن اللَّيْل قَدْ فَصَلَا |
| إِذَا طَلَعَتْ شَمْس النَّهَار فَإِنَّهَا | أَمَارَة تَسْلِيمِي عَلَيْك فَسَلِّمِي |
وَقَسَّمَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ الزَّمَن ثَلَاثَة أَقْسَام : قِسْمًا جَعَلَهُ لَيْلًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ غُرُوب الشَّمْس إِلَى طُلُوع الْفَجْر.
وَقِسْمًا جَعَلَهُ نَهَارًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا.
وَقِسْمًا جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا بَيْن النَّهَار وَاللَّيْل، وَهُوَ مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس، لِبَقَايَا ظُلْمَة اللَّيْل وَمَبَادِئ ضَوْء النَّهَار.
قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّ النَّهَار مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس، كَمَا رَوَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر " [ الْبَقَرَة : ١٨٧ ] قَالَ لَهُ عَدِيّ : يَا رَسُول اللَّه، إِنِّي أَجْعَل تَحْت وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ : عِقَالًا أَبْيَض وَعِقَالًا أَسْوَد، أَعْرِف بِهِمَا اللَّيْل مِنْ النَّهَار.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ وِسَادك لَعَرِيض إِنَّمَا هُوَ سَوَاد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار ).
فَهَذَا الْحَدِيث يَقْضِي أَنَّ النَّهَار مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْه فِي الْأَيْمَان، وَبِهِ تَرْتَبِط الْأَحْكَام.
فَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّم فُلَانًا نَهَارًا فَكَلَّمَهُ قَبْل طُلُوع الشَّمْس حَنِثَ، وَعَلَى الْأَوَّل لَا يَحْنَث.
وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْفَيْصَل فِي ذَلِكَ وَالْحَكَم.
وَأَمَّا عَلَى ظَاهِر اللُّغَة وَأَخْذه مِنْ السُّنَّة فَهُوَ مِنْ وَقْت الْإِسْفَار إِذَا اِتَّسَعَ وَقْت النَّهَار، كَمَا قَالَ :
وَقَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَة مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل، خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ.
وَسَيَأْتِي فِي آي الصِّيَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَهَذَا الْحَدِيث يَقْضِي أَنَّ النَّهَار مِنْ طُلُوع الْفَجْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْه فِي الْأَيْمَان، وَبِهِ تَرْتَبِط الْأَحْكَام.
فَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّم فُلَانًا نَهَارًا فَكَلَّمَهُ قَبْل طُلُوع الشَّمْس حَنِثَ، وَعَلَى الْأَوَّل لَا يَحْنَث.
وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْفَيْصَل فِي ذَلِكَ وَالْحَكَم.
وَأَمَّا عَلَى ظَاهِر اللُّغَة وَأَخْذه مِنْ السُّنَّة فَهُوَ مِنْ وَقْت الْإِسْفَار إِذَا اِتَّسَعَ وَقْت النَّهَار، كَمَا قَالَ :
| مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقهَا | يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا |
وَسَيَأْتِي فِي آي الصِّيَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
الْفُلْك : السُّفُن، وَإِفْرَاده وَجَمْعه بِلَفْظٍ وَاحِد، وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث.
وَلَيْسَتْ الْحَرَكَات فِي الْمُفْرَد تِلْكَ بِأَعْيَانِهَا فِي الْجَمْع، بَلْ كَأَنَّهُ بَنَى الْجَمْع بِنَاء آخَر، يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ تَوَسُّط التَّثْنِيَة فِي قَوْلهمْ : فُلْكَانِ.
وَالْفُلْك الْمُفْرَد مُذَكَّر، قَالَ تَعَالَى :" فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " [ يس : ٤١ ] فَجَاءَ بِهِ مُذَكَّرًا، وَقَالَ :" وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر " فَأَنَّثَ.
وَيَحْتَمِل وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَقَالَ :" حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُونُس : ٢٢ ] فَجَمَعَ، فَكَأَنَّهُ يَذْهَب بِهَا إِذَا كَانَتْ وَاحِدَة إِلَى الْمَرْكَب فَيُذَكَّر، وَإِلَى السَّفِينَة فَيُؤَنَّث.
وَقِيلَ : وَاحِده فَلَك، مِثْل أَسَد وَأُسْد، وَخَشَب وَخُشْب، وَأَصْله مِنْ الدَّوَرَان، وَمِنْهُ : فَلَك السَّمَاء الَّتِي تَدُور عَلَيْهِ النُّجُوم.
وَفَلَّكَتْ الْجَارِيَة اِسْتَدَارَ ثَدْيهَا، وَمِنْهُ فَلْكَة الْمِغْزَل.
وَسُمِّيَتْ السَّفِينَة فُلْكًا لِأَنَّهَا تَدُور بِالْمَاءِ أَسْهَل دَوْر.
وَوَجْه الْآيَة فِي الْفُلْك : تَسْخِير اللَّه إِيَّاهَا حَتَّى تَجْرِي عَلَى وَجْه الْمَاء وَوُقُوفهَا فَوْقه مَعَ ثِقَلهَا.
وَأَوَّل مَنْ عَمِلَهَا نُوح عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : اِصْنَعْهَا عَلَى جُؤْجُؤ الطَّائِر، فَعَمِلَهَا نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وِرَاثَة فِي الْعَالَمِينَ بِمَا أَرَاهُ جِبْرِيل.
فَالسَّفِينَة طَائِر مَقْلُوب وَالْمَاء فِي أَسْفَلهَا نَظِير الْهَوَاء فِي أَعْلَاهَا، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
هَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز رُكُوب الْبَحْر مُطْلَقًا لِتِجَارَةٍ كَانَ أَوْ عِبَادَة، كَالْحَجِّ وَالْجِهَاد.
وَمِنْ السُّنَّة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنْ الْمَاء.
الْحَدِيث.
وَحَدِيث أَنَس بْن مَالِك فِي قِصَّة أُمّ حَرَام، أَخْرَجَهُمَا الْأَئِمَّة : مَالِك وَغَيْره.
رَوَى حَدِيث أَنَس عَنْهُ جَمَاعَة عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَنَس، وَرَوَاهُ بِشْر بْن عُمَر عَنْ مَالِك عَنْ إِسْحَاق عَنْ أَنَس عَنْ أُمّ حَرَام، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد أُمّ حَرَام لَا مِنْ مُسْنَد أَنَس.
هَكَذَا حَدَّثَ عَنْهُ بِهِ بُنْدَار مُحَمَّد بْن بَشَّار، فَفِيهِ دَلِيل وَاضِح عَلَى رُكُوب الْبَحْر فِي الْجِهَاد لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء، وَإِذَا جَازَ رُكُوبه لِلْجِهَادِ فَرُكُوبه لِلْحَجِّ الْمُفْتَرَض أَوْلَى وَأَوْجَب.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الْمَنْع مِنْ رُكُوبه.
وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة يَرُدّ هَذَا الْقَوْل، وَلَوْ كَانَ رُكُوبه يُكْرَه أَوْ لَا يَجُوز لَنَهَى عَنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ : إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر.
وَهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا نَصّ فِي الْغَرَض وَإِلَيْهَا الْمَفْزَع.
الْفُلْك : السُّفُن، وَإِفْرَاده وَجَمْعه بِلَفْظٍ وَاحِد، وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث.
وَلَيْسَتْ الْحَرَكَات فِي الْمُفْرَد تِلْكَ بِأَعْيَانِهَا فِي الْجَمْع، بَلْ كَأَنَّهُ بَنَى الْجَمْع بِنَاء آخَر، يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ تَوَسُّط التَّثْنِيَة فِي قَوْلهمْ : فُلْكَانِ.
وَالْفُلْك الْمُفْرَد مُذَكَّر، قَالَ تَعَالَى :" فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " [ يس : ٤١ ] فَجَاءَ بِهِ مُذَكَّرًا، وَقَالَ :" وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر " فَأَنَّثَ.
وَيَحْتَمِل وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَقَالَ :" حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُونُس : ٢٢ ] فَجَمَعَ، فَكَأَنَّهُ يَذْهَب بِهَا إِذَا كَانَتْ وَاحِدَة إِلَى الْمَرْكَب فَيُذَكَّر، وَإِلَى السَّفِينَة فَيُؤَنَّث.
وَقِيلَ : وَاحِده فَلَك، مِثْل أَسَد وَأُسْد، وَخَشَب وَخُشْب، وَأَصْله مِنْ الدَّوَرَان، وَمِنْهُ : فَلَك السَّمَاء الَّتِي تَدُور عَلَيْهِ النُّجُوم.
وَفَلَّكَتْ الْجَارِيَة اِسْتَدَارَ ثَدْيهَا، وَمِنْهُ فَلْكَة الْمِغْزَل.
وَسُمِّيَتْ السَّفِينَة فُلْكًا لِأَنَّهَا تَدُور بِالْمَاءِ أَسْهَل دَوْر.
وَوَجْه الْآيَة فِي الْفُلْك : تَسْخِير اللَّه إِيَّاهَا حَتَّى تَجْرِي عَلَى وَجْه الْمَاء وَوُقُوفهَا فَوْقه مَعَ ثِقَلهَا.
وَأَوَّل مَنْ عَمِلَهَا نُوح عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : اِصْنَعْهَا عَلَى جُؤْجُؤ الطَّائِر، فَعَمِلَهَا نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وِرَاثَة فِي الْعَالَمِينَ بِمَا أَرَاهُ جِبْرِيل.
فَالسَّفِينَة طَائِر مَقْلُوب وَالْمَاء فِي أَسْفَلهَا نَظِير الْهَوَاء فِي أَعْلَاهَا، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
هَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز رُكُوب الْبَحْر مُطْلَقًا لِتِجَارَةٍ كَانَ أَوْ عِبَادَة، كَالْحَجِّ وَالْجِهَاد.
وَمِنْ السُّنَّة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر وَنَحْمِل مَعَنَا الْقَلِيل مِنْ الْمَاء.
الْحَدِيث.
وَحَدِيث أَنَس بْن مَالِك فِي قِصَّة أُمّ حَرَام، أَخْرَجَهُمَا الْأَئِمَّة : مَالِك وَغَيْره.
رَوَى حَدِيث أَنَس عَنْهُ جَمَاعَة عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَنَس، وَرَوَاهُ بِشْر بْن عُمَر عَنْ مَالِك عَنْ إِسْحَاق عَنْ أَنَس عَنْ أُمّ حَرَام، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد أُمّ حَرَام لَا مِنْ مُسْنَد أَنَس.
هَكَذَا حَدَّثَ عَنْهُ بِهِ بُنْدَار مُحَمَّد بْن بَشَّار، فَفِيهِ دَلِيل وَاضِح عَلَى رُكُوب الْبَحْر فِي الْجِهَاد لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء، وَإِذَا جَازَ رُكُوبه لِلْجِهَادِ فَرُكُوبه لِلْحَجِّ الْمُفْتَرَض أَوْلَى وَأَوْجَب.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الْمَنْع مِنْ رُكُوبه.
وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة يَرُدّ هَذَا الْقَوْل، وَلَوْ كَانَ رُكُوبه يُكْرَه أَوْ لَا يَجُوز لَنَهَى عَنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ : إِنَّا نَرْكَب الْبَحْر.
وَهَذِهِ الْآيَة وَمَا كَانَ مِثْلهَا نَصّ فِي الْغَرَض وَإِلَيْهَا الْمَفْزَع.
وَقَدْ تُؤُوِّلَ مَا رُوِيَ عَنْ الْعُمَرَيْنِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الِاحْتِيَاط وَتَرْك التَّغْرِير بِالْمُهَجِ فِي طَلَب الدُّنْيَا وَالِاسْتِكْثَار مِنْهَا، وَأَمَّا فِي أَدَاء الْفَرَائِض فَلَا.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى جَوَاز رُكُوبه مِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ضَرَبَ الْبَحْر وَسْط الْأَرْض وَجَعَلَ الْخَلْق فِي الْعَدْوَتَيْنِ، وَقَسَّمَ الْمَنَافِع بَيْن الْجِهَتَيْنِ فَلَا يُوصَل إِلَى جَلْبهَا إِلَّا بِشَقِّ الْبَحْر لَهَا، فَسَهَّلَ اللَّه سَبِيله بِالْفُلْكِ، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَدْ كَانَ مَالِك يَكْرَه لِلْمَرْأَةِ الرُّكُوب لِلْحَجِّ فِي الْبَحْر، وَهُوَ لِلْجِهَادِ لِذَلِكَ أَكْرَه.
وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة يَرُدّ قَوْله، إِلَّا أَنَّ بَعْض أَصْحَابنَا مِنْ أَهْل الْبَصْرَة قَالَ : إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِك لِأَنَّ السُّفُن بِالْحِجَازِ صِغَار، وَأَنَّ النِّسَاء لَا يَقْدِرْنَ عَلَى الِاسْتِتَار عِنْد الْخَلَاء فِيهَا لِضِيقِهَا وَتَزَاحُم النَّاس فِيهَا، وَكَانَ الطَّرِيق مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة عَلَى الْبَرّ مُمْكِنًا، فَلِذَلِكَ كَرِهَ مَالِك ذَلِكَ.
وَأَمَّا السُّفُن الْكِبَار نَحْو سُفُن أَهْل الْبَصْرَة فَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْس.
قَالَ : وَالْأَصْل أَنَّ الْحَجّ عَلَى كُلّ مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا مِنْ الْأَحْرَار الْبَالِغِينَ، نِسَاء كَانُوا أَوْ رِجَالًا، إِذَا كَانَ الْأَغْلَب مِنْ الطَّرِيق الْأَمْن، وَلَمْ يَخُصّ بَحْرًا مِنْ بَرّ.
قُلْت : فَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْمَعْنَى عَلَى إِبَاحَة رُكُوبه لِلْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا : الْعِبَادَة وَالتِّجَارَة، فَهِيَ الْحُجَّة وَفِيهَا الْأُسْوَة.
إِلَّا أَنَّ النَّاس فِي رُكُوب الْبَحْر تَخْتَلِف أَحْوَالهمْ، فَرُبَّ رَاكِب يَسْهُل عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَشُقّ، وَآخَر يَشُقّ عَلَيْهِ وَيَضْعُف بِهِ، كَالْمَائِدِ الْمُفْرِط الْمَيْد، وَمَنْ لَمْ يَقْدِر مَعَهُ عَلَى أَدَاء فَرْض الصَّلَاة وَنَحْوهَا مِنْ الْفَرَائِض، فَالْأَوَّل ذَلِكَ لَهُ جَائِز، وَالثَّانِي يَحْرُم عَلَيْهِ وَيُمْنَع مِنْهُ.
وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم وَهِيَ :
إِنَّ الْبَحْر إِذَا اِرْتَجَّ لَمْ يَجُزْ رُكُوبه لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه فِي حِين اِرْتِجَاجه وَلَا فِي الزَّمَن الَّذِي الْأَغْلَب فِيهِ عَدَم السَّلَامَة، وَإِنَّمَا يَجُوز عِنْدهمْ رُكُوبه فِي زَمَن تَكُون السَّلَامَة فِيهِ الْأَغْلَب، فَإِنَّ الَّذِينَ يَرْكَبُونَهُ حَال السَّلَامَة وَيَنْجُونَ لَا حَاصِر لَهُمْ، وَاَلَّذِينَ يَهْلِكُونَ فِيهِ مَحْصُورُونَ.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى جَوَاز رُكُوبه مِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ضَرَبَ الْبَحْر وَسْط الْأَرْض وَجَعَلَ الْخَلْق فِي الْعَدْوَتَيْنِ، وَقَسَّمَ الْمَنَافِع بَيْن الْجِهَتَيْنِ فَلَا يُوصَل إِلَى جَلْبهَا إِلَّا بِشَقِّ الْبَحْر لَهَا، فَسَهَّلَ اللَّه سَبِيله بِالْفُلْكِ، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَدْ كَانَ مَالِك يَكْرَه لِلْمَرْأَةِ الرُّكُوب لِلْحَجِّ فِي الْبَحْر، وَهُوَ لِلْجِهَادِ لِذَلِكَ أَكْرَه.
وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة يَرُدّ قَوْله، إِلَّا أَنَّ بَعْض أَصْحَابنَا مِنْ أَهْل الْبَصْرَة قَالَ : إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِك لِأَنَّ السُّفُن بِالْحِجَازِ صِغَار، وَأَنَّ النِّسَاء لَا يَقْدِرْنَ عَلَى الِاسْتِتَار عِنْد الْخَلَاء فِيهَا لِضِيقِهَا وَتَزَاحُم النَّاس فِيهَا، وَكَانَ الطَّرِيق مِنْ الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة عَلَى الْبَرّ مُمْكِنًا، فَلِذَلِكَ كَرِهَ مَالِك ذَلِكَ.
وَأَمَّا السُّفُن الْكِبَار نَحْو سُفُن أَهْل الْبَصْرَة فَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْس.
قَالَ : وَالْأَصْل أَنَّ الْحَجّ عَلَى كُلّ مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا مِنْ الْأَحْرَار الْبَالِغِينَ، نِسَاء كَانُوا أَوْ رِجَالًا، إِذَا كَانَ الْأَغْلَب مِنْ الطَّرِيق الْأَمْن، وَلَمْ يَخُصّ بَحْرًا مِنْ بَرّ.
قُلْت : فَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْمَعْنَى عَلَى إِبَاحَة رُكُوبه لِلْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا : الْعِبَادَة وَالتِّجَارَة، فَهِيَ الْحُجَّة وَفِيهَا الْأُسْوَة.
إِلَّا أَنَّ النَّاس فِي رُكُوب الْبَحْر تَخْتَلِف أَحْوَالهمْ، فَرُبَّ رَاكِب يَسْهُل عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَشُقّ، وَآخَر يَشُقّ عَلَيْهِ وَيَضْعُف بِهِ، كَالْمَائِدِ الْمُفْرِط الْمَيْد، وَمَنْ لَمْ يَقْدِر مَعَهُ عَلَى أَدَاء فَرْض الصَّلَاة وَنَحْوهَا مِنْ الْفَرَائِض، فَالْأَوَّل ذَلِكَ لَهُ جَائِز، وَالثَّانِي يَحْرُم عَلَيْهِ وَيُمْنَع مِنْهُ.
وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم وَهِيَ :
إِنَّ الْبَحْر إِذَا اِرْتَجَّ لَمْ يَجُزْ رُكُوبه لِأَحَدٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه فِي حِين اِرْتِجَاجه وَلَا فِي الزَّمَن الَّذِي الْأَغْلَب فِيهِ عَدَم السَّلَامَة، وَإِنَّمَا يَجُوز عِنْدهمْ رُكُوبه فِي زَمَن تَكُون السَّلَامَة فِيهِ الْأَغْلَب، فَإِنَّ الَّذِينَ يَرْكَبُونَهُ حَال السَّلَامَة وَيَنْجُونَ لَا حَاصِر لَهُمْ، وَاَلَّذِينَ يَهْلِكُونَ فِيهِ مَحْصُورُونَ.
بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ
أَيْ بِاَلَّذِي يَنْفَعهُمْ مِنْ التِّجَارَات وَسَائِر الْمَآرِب الَّتِي تَصْلُح بِهَا أَحْوَالهمْ.
وَبِرُكُوبِ الْبَحْر تُكْتَسَب الْأَرْبَاح، وَيَنْتَفِع مَنْ يُحْمَل إِلَيْهِ الْمَتَاع أَيْضًا.
وَقَدْ قَالَ بَعْض مَنْ طَعَنَ فِي الدِّين : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابكُمْ :" مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ] فَأَيْنَ ذِكْر التَّوَابِل الْمُصْلِحَة لِلطَّعَامِ مِنْ الْمِلْح وَالْفُلْفُل وَغَيْر ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ لَهُ فِي قَوْله :" بِمَا يَنْفَع النَّاس ".
أَيْ بِاَلَّذِي يَنْفَعهُمْ مِنْ التِّجَارَات وَسَائِر الْمَآرِب الَّتِي تَصْلُح بِهَا أَحْوَالهمْ.
وَبِرُكُوبِ الْبَحْر تُكْتَسَب الْأَرْبَاح، وَيَنْتَفِع مَنْ يُحْمَل إِلَيْهِ الْمَتَاع أَيْضًا.
وَقَدْ قَالَ بَعْض مَنْ طَعَنَ فِي الدِّين : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابكُمْ :" مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ] فَأَيْنَ ذِكْر التَّوَابِل الْمُصْلِحَة لِلطَّعَامِ مِنْ الْمِلْح وَالْفُلْفُل وَغَيْر ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ لَهُ فِي قَوْله :" بِمَا يَنْفَع النَّاس ".
وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
يَعْنِي بِهَا الْأَمْطَار الَّتِي بِهَا إِنْعَاش الْعَالَم وَإِخْرَاج النَّبَات وَالْأَرْزَاق، وَجَعَلَ مِنْهُ الْمَخْزُون عِدَّة لِلِانْتِفَاعِ فِي غَيْر وَقْت نُزُوله، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٨ ].
يَعْنِي بِهَا الْأَمْطَار الَّتِي بِهَا إِنْعَاش الْعَالَم وَإِخْرَاج النَّبَات وَالْأَرْزَاق، وَجَعَلَ مِنْهُ الْمَخْزُون عِدَّة لِلِانْتِفَاعِ فِي غَيْر وَقْت نُزُوله، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْض " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٨ ].
وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
أَيْ فَرَّقَ وَنَشَرَ، وَمِنْهُ " كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث " [ الْقَارِعَة : ٤ ] وَدَابَّة تَجْمَع الْحَيَوَان كُلّه، وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْض النَّاس الطَّيْر، وَهُوَ مَرْدُود، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : ٦ ] فَإِنَّ الطَّيْر يَدِبّ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي بَعْض حَالَاته، قَالَ الْأَعْشَى :
دَبِيب قَطَا الْبَطْحَاء فِي كُلّ مَنْهَل
وَقَالَ عَلْقَمَة بْن عَبْدَة :
صَوَاعِقهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيب
أَيْ فَرَّقَ وَنَشَرَ، وَمِنْهُ " كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث " [ الْقَارِعَة : ٤ ] وَدَابَّة تَجْمَع الْحَيَوَان كُلّه، وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْض النَّاس الطَّيْر، وَهُوَ مَرْدُود، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا " [ هُود : ٦ ] فَإِنَّ الطَّيْر يَدِبّ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي بَعْض حَالَاته، قَالَ الْأَعْشَى :
دَبِيب قَطَا الْبَطْحَاء فِي كُلّ مَنْهَل
وَقَالَ عَلْقَمَة بْن عَبْدَة :
صَوَاعِقهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيب
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
تَصْرِيفهَا : إِرْسَالهَا عَقِيمًا وَمُلْقِحَة، وَصِرًّا وَنَصْرًا وَهَلَاكًا، وَحَارَّة وَبَارِدَة، وَلَيِّنَة وَعَاصِفَة.
وَقِيلَ : تَصْرِيفهَا إِرْسَالهَا جَنُوبًا وَشَمَالًا، وَدَبُورًا وَصَبًّا، وَنَكْبَاء، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي بَيْن مَهَبَّيْ رِيحَيْنِ.
وَقِيلَ : تَصْرِيفهَا أَنْ تَأْتِي السُّفُن الْكِبَار بِقَدْرِ مَا تَحْمِلهَا، وَالصِّغَار كَذَلِكَ، وَيُصْرَف عَنْهُمَا مَا يَضُرّ بِهِمَا، وَلَا اِعْتِبَار بِكِبَرِ الْقِلَاع وَلَا صِغَرهَا، فَإِنَّ الرِّيح لَوْ جَاءَتْ جَسَدًا وَاحِدًا لَصَدَمَتْ الْقِلَاع وَأَغْرَقَتْ.
وَالرِّيَاح جَمْع رِيح سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالرَّوْحِ غَالِبًا.
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرِّيح مِنْ رَوْح اللَّه تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّه خَيْرهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا ).
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ حَدَّثَنَا ثَابِت الزُّرَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَسُبُّوا الرِّيح فَإِنَّهَا مِنْ رَوْح اللَّه تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَاب وَلَكِنْ سَلُوا اللَّه مِنْ خَيْرهَا وَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا ).
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَسُبُّوا الرِّيح فَإِنَّهَا مِنْ نَفَس الرَّحْمَن ).
الْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ فِيهَا التَّفْرِيج وَالتَّنْفِيس وَالتَّرْوِيح، وَالْإِضَافَة مِنْ طَرِيق الْفِعْل.
وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهَا كَذَلِكَ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( نُصِرْت بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ ).
وَهَذَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَر أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فَرَّجَ عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّيحِ يَوْم الْأَحْزَاب، فَقَالَ تَعَالَى :" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا " [ الْأَحْزَاب : ٩ ].
وَيُقَال : نَفَّسَ اللَّه عَنْ فُلَان كُرْبَة مِنْ كُرَب الدُّنْيَا، أَيْ فَرَّجَ عَنْهُ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَة مِنْ كُرَب الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّه عَنْهُ كُرْبَة مِنْ كُرَب يَوْم الْقِيَامَة ).
أَيْ فَرَّجَ عَنْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : النَّسِيم أَوَّل هُبُوب الرِّيح.
وَأَصْل الرِّيح رَوْح، وَلِهَذَا قِيلَ فِي جَمْع الْقِلَّة أَرْوَاح، وَلَا يُقَال : أَرْيَاح ; لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَات الْوَاو، وَإِنَّمَا قِيلَ : رِيَاح مِنْ جِهَة الْكَثْرَة وَطَلَب تَنَاسُب الْيَاء مَعَهَا.
وَفِي مُصْحَف حَفْصَة " وَتَصْرِيف الْأَرْوَاح ".
تَصْرِيفهَا : إِرْسَالهَا عَقِيمًا وَمُلْقِحَة، وَصِرًّا وَنَصْرًا وَهَلَاكًا، وَحَارَّة وَبَارِدَة، وَلَيِّنَة وَعَاصِفَة.
وَقِيلَ : تَصْرِيفهَا إِرْسَالهَا جَنُوبًا وَشَمَالًا، وَدَبُورًا وَصَبًّا، وَنَكْبَاء، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي بَيْن مَهَبَّيْ رِيحَيْنِ.
وَقِيلَ : تَصْرِيفهَا أَنْ تَأْتِي السُّفُن الْكِبَار بِقَدْرِ مَا تَحْمِلهَا، وَالصِّغَار كَذَلِكَ، وَيُصْرَف عَنْهُمَا مَا يَضُرّ بِهِمَا، وَلَا اِعْتِبَار بِكِبَرِ الْقِلَاع وَلَا صِغَرهَا، فَإِنَّ الرِّيح لَوْ جَاءَتْ جَسَدًا وَاحِدًا لَصَدَمَتْ الْقِلَاع وَأَغْرَقَتْ.
وَالرِّيَاح جَمْع رِيح سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِالرَّوْحِ غَالِبًا.
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الرِّيح مِنْ رَوْح اللَّه تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّه خَيْرهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا ).
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ حَدَّثَنَا ثَابِت الزُّرَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَسُبُّوا الرِّيح فَإِنَّهَا مِنْ رَوْح اللَّه تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَاب وَلَكِنْ سَلُوا اللَّه مِنْ خَيْرهَا وَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّهَا ).
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَسُبُّوا الرِّيح فَإِنَّهَا مِنْ نَفَس الرَّحْمَن ).
الْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ فِيهَا التَّفْرِيج وَالتَّنْفِيس وَالتَّرْوِيح، وَالْإِضَافَة مِنْ طَرِيق الْفِعْل.
وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهَا كَذَلِكَ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( نُصِرْت بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ ).
وَهَذَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَر أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فَرَّجَ عَنْ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّيحِ يَوْم الْأَحْزَاب، فَقَالَ تَعَالَى :" فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا " [ الْأَحْزَاب : ٩ ].
وَيُقَال : نَفَّسَ اللَّه عَنْ فُلَان كُرْبَة مِنْ كُرَب الدُّنْيَا، أَيْ فَرَّجَ عَنْهُ.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَة مِنْ كُرَب الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّه عَنْهُ كُرْبَة مِنْ كُرَب يَوْم الْقِيَامَة ).
أَيْ فَرَّجَ عَنْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| كَأَنَّ الصَّبَا رِيح إِذَا مَا تَنَسَّمَتْ | عَلَى كَبِد مَهْمُوم تَجَلَّتْ هُمُومهَا |
وَأَصْل الرِّيح رَوْح، وَلِهَذَا قِيلَ فِي جَمْع الْقِلَّة أَرْوَاح، وَلَا يُقَال : أَرْيَاح ; لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَات الْوَاو، وَإِنَّمَا قِيلَ : رِيَاح مِنْ جِهَة الْكَثْرَة وَطَلَب تَنَاسُب الْيَاء مَعَهَا.
وَفِي مُصْحَف حَفْصَة " وَتَصْرِيف الْأَرْوَاح ".
" وَتَصْرِيف الرِّيَاح " قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " الرِّيح " عَلَى الْإِفْرَاد، وَكَذَا فِي الْأَعْرَاف وَالْكَهْف وَإِبْرَاهِيم وَالنَّمْل وَالرُّوم وَفَاطِر وَالشُّورَى وَالْجَاثِيَة، لَا خِلَاف بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ.
وَوَافَقَهُمَا اِبْن كَثِير فِي الْأَعْرَاف وَالنَّمْل وَالرُّوم وَفَاطِر وَالشُّورَى.
وَأَفْرَدَ حَمْزَة " الرِّيح لَوَاقِح " [ الْحِجْر : ٢٢ ].
وَأَفْرَدَ اِبْن كَثِير " وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيح " [ الْفُرْقَان : ٤٨ ] فِي الْفُرْقَان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ فِي جَمِيعهَا سِوَى الَّذِي فِي إِبْرَاهِيم وَالشُّورَى فَلَمْ يَقْرَأهُمَا بِالْجَمْعِ سِوَى نَافِع، وَلَمْ يَخْتَلِف السَّبْعَة فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْمَوَاضِع.
وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الرُّوم هُوَ الثَّانِي " اللَّه الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح " [ الرُّوم : ٤٨ ].
وَلَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي " الرِّيَاح مُبَشِّرَات " [ الرُّوم : ٤٦ ].
وَكَانَ أَبُو جَعْفَر يَزِيد بْن الْقَعْقَاع يَجْمَع الرِّيَاح إِذَا كَانَ فِيهَا أَلِف وَلَام فِي جَمِيع الْقُرْآن، سِوَى " تَهْوِي بِهِ الرِّيح " [ الْحَجّ : ٣١ ] و " الرِّيح الْعَقِيم " [ الذَّارِيَات : ٤١ ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَلِف وَلَام أَفْرَدَ.
فَمَنْ وَحَّدَ الرِّيح فَلِأَنَّهُ اِسْم لِلْجِنْسِ يَدُلّ عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَمَنْ جَمَعَ فَلِاخْتِلَافِ الْجِهَات الَّتِي تَهُبّ مِنْهَا الرِّيَاح.
وَمَنْ جَمَعَ مَعَ الرَّحْمَة وَوَحَّدَ مَعَ الْعَذَاب فَإِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ اِعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ فِي الْقُرْآن، نَحْو :" الرِّيَاح مُبَشِّرَات " وَ " الرِّيح الْعَقِيم " فَجَاءَتْ فِي الْقُرْآن مَجْمُوعَة مَعَ الرَّحْمَة مُفْرَدَة مَعَ الْعَذَاب، إِلَّا فِي يُونُس فِي قَوْله :" وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُوسُف : ٢٢ ].
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول إِذَا هَبَّتْ الرِّيح :( اللَّهُمَّ اِجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلهَا رِيحًا ).
وَذَلِكَ لِأَنَّ رِيح الْعَذَاب شَدِيدَة مُلْتَئِمَة الْأَجْزَاء كَأَنَّهَا جِسْم وَاحِد، وَرِيح الرَّحْمَة لَيِّنَة مُتَقَطِّعَة فَلِذَلِكَ هِيَ رِيَاح.
فَأُفْرِدَتْ مَعَ الْفُلْك فِي " يُونُس " ; لِأَنَّ رِيح إِجْرَاء السُّفُن إِنَّمَا هِيَ رِيح وَاحِدَة مُتَّصِلَة ثُمَّ وُصِفَتْ بِالطَّيِّبِ فَزَالَ الِاشْتِرَاك بَيْنهَا وَبَيْن رِيح الْعَذَاب.
قَالَ الْعُلَمَاء : الرِّيح تُحَرِّك الْهَوَاء، وَقَدْ يَشْتَدّ وَيَضْعُف.
فَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء مِنْ تُجَاه الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى سَمْت الْقِبْلَة قِيلَ لِتِلْكَ الرِّيح :" الصَّبَا ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء مِنْ وَرَاء الْقِبْلَة وَكَانَتْ ذَاهِبَة إِلَى تُجَاه الْقِبْلَة قِيلَ لِتِلْكَ الرِّيح :" الدَّبُور ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء عَنْ يَمِين الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى يَسَارهَا قِيلَ لَهَا :" رِيح الْجَنُوب ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء عَنْ يَسَار الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى يَمِينهَا قِيلَ لَهَا :" رِيح الشَّمَال ".
وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الرِّيَاح طَبْع، فَتَكُون مَنْفَعَتهَا بِحَسَبِ طَبْعهَا، فَالصَّبَا حَارَّة يَابِسَة، وَالدَّبُور بَارِدَة رَطْبَة، وَالْجَنُوب حَارَّة رَطْبَة، وَالشَّمَال بَارِدَة يَابِسَة.
وَاخْتِلَاف طِبَاعهَا كَاخْتِلَافِ طَبَائِع فُصُول السَّنَة.
وَوَافَقَهُمَا اِبْن كَثِير فِي الْأَعْرَاف وَالنَّمْل وَالرُّوم وَفَاطِر وَالشُّورَى.
وَأَفْرَدَ حَمْزَة " الرِّيح لَوَاقِح " [ الْحِجْر : ٢٢ ].
وَأَفْرَدَ اِبْن كَثِير " وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيح " [ الْفُرْقَان : ٤٨ ] فِي الْفُرْقَان وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ فِي جَمِيعهَا سِوَى الَّذِي فِي إِبْرَاهِيم وَالشُّورَى فَلَمْ يَقْرَأهُمَا بِالْجَمْعِ سِوَى نَافِع، وَلَمْ يَخْتَلِف السَّبْعَة فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْمَوَاضِع.
وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الرُّوم هُوَ الثَّانِي " اللَّه الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح " [ الرُّوم : ٤٨ ].
وَلَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي " الرِّيَاح مُبَشِّرَات " [ الرُّوم : ٤٦ ].
وَكَانَ أَبُو جَعْفَر يَزِيد بْن الْقَعْقَاع يَجْمَع الرِّيَاح إِذَا كَانَ فِيهَا أَلِف وَلَام فِي جَمِيع الْقُرْآن، سِوَى " تَهْوِي بِهِ الرِّيح " [ الْحَجّ : ٣١ ] و " الرِّيح الْعَقِيم " [ الذَّارِيَات : ٤١ ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَلِف وَلَام أَفْرَدَ.
فَمَنْ وَحَّدَ الرِّيح فَلِأَنَّهُ اِسْم لِلْجِنْسِ يَدُلّ عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير.
وَمَنْ جَمَعَ فَلِاخْتِلَافِ الْجِهَات الَّتِي تَهُبّ مِنْهَا الرِّيَاح.
وَمَنْ جَمَعَ مَعَ الرَّحْمَة وَوَحَّدَ مَعَ الْعَذَاب فَإِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ اِعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ فِي الْقُرْآن، نَحْو :" الرِّيَاح مُبَشِّرَات " وَ " الرِّيح الْعَقِيم " فَجَاءَتْ فِي الْقُرْآن مَجْمُوعَة مَعَ الرَّحْمَة مُفْرَدَة مَعَ الْعَذَاب، إِلَّا فِي يُونُس فِي قَوْله :" وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة " [ يُوسُف : ٢٢ ].
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول إِذَا هَبَّتْ الرِّيح :( اللَّهُمَّ اِجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلهَا رِيحًا ).
وَذَلِكَ لِأَنَّ رِيح الْعَذَاب شَدِيدَة مُلْتَئِمَة الْأَجْزَاء كَأَنَّهَا جِسْم وَاحِد، وَرِيح الرَّحْمَة لَيِّنَة مُتَقَطِّعَة فَلِذَلِكَ هِيَ رِيَاح.
فَأُفْرِدَتْ مَعَ الْفُلْك فِي " يُونُس " ; لِأَنَّ رِيح إِجْرَاء السُّفُن إِنَّمَا هِيَ رِيح وَاحِدَة مُتَّصِلَة ثُمَّ وُصِفَتْ بِالطَّيِّبِ فَزَالَ الِاشْتِرَاك بَيْنهَا وَبَيْن رِيح الْعَذَاب.
قَالَ الْعُلَمَاء : الرِّيح تُحَرِّك الْهَوَاء، وَقَدْ يَشْتَدّ وَيَضْعُف.
فَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء مِنْ تُجَاه الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى سَمْت الْقِبْلَة قِيلَ لِتِلْكَ الرِّيح :" الصَّبَا ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء مِنْ وَرَاء الْقِبْلَة وَكَانَتْ ذَاهِبَة إِلَى تُجَاه الْقِبْلَة قِيلَ لِتِلْكَ الرِّيح :" الدَّبُور ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء عَنْ يَمِين الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى يَسَارهَا قِيلَ لَهَا :" رِيح الْجَنُوب ".
وَإِذَا بَدَتْ حَرَكَة الْهَوَاء عَنْ يَسَار الْقِبْلَة ذَاهِبَة إِلَى يَمِينهَا قِيلَ لَهَا :" رِيح الشَّمَال ".
وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الرِّيَاح طَبْع، فَتَكُون مَنْفَعَتهَا بِحَسَبِ طَبْعهَا، فَالصَّبَا حَارَّة يَابِسَة، وَالدَّبُور بَارِدَة رَطْبَة، وَالْجَنُوب حَارَّة رَطْبَة، وَالشَّمَال بَارِدَة يَابِسَة.
وَاخْتِلَاف طِبَاعهَا كَاخْتِلَافِ طَبَائِع فُصُول السَّنَة.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَضَعَ لِلزَّمَانِ أَرْبَعَة فُصُول مَرْجِعهَا إِلَى تَغْيِير أَحْوَال الْهَوَاء، فَجَعَلَ الرَّبِيع الَّذِي هُوَ أَوَّل الْفُصُول حَارًّا رَطْبًا، وَرَتَّبَ فِيهِ النَّشْء وَالنُّمُوّ فَتَنْزِل فِيهِ الْمِيَاه، وَتُخْرِج الْأَرْض زَهْرَتهَا وَتُظْهِر نَبَاتهَا، وَيَأْخُذ النَّاس فِي غَرْس الْأَشْجَار وَكَثِير مِنْ الزَّرْع، وَتَتَوَالَد فِيهِ الْحَيَوَانَات وَتَكْثُر الْأَلْبَان.
فَإِذَا اِنْقَضَى الرَّبِيع تَلَاهُ الصَّيْف الَّذِي هُوَ مُشَاكِل لِلرَّبِيعِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْحَرَارَة، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهِيَ الرُّطُوبَة ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الصَّيْف حَارّ يَابِس، فَتَنْضَج فِيهِ الثِّمَار وَتَيْبَس فِيهِ الْحُبُوب الْمَزْرُوعَة فِي الرَّبِيع.
فَإِذَا اِنْقَضَى الصَّيْف تَبِعَهُ الْخَرِيف الَّذِي هُوَ مَشَاكِل لِلصَّيْفِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْيُبْس، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهِيَ الْحَرَارَة ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الْخَرِيف بَارِد يَابِس، فَيَتَنَاهَى فِيهِ صَلَاح الثِّمَار وَتَيْبَس وَتَجِفّ فَتَصِير إِلَى حَال الِادِّخَار، فَتُقْطَف الثِّمَار وَتُحْصَد الْأَعْنَاب وَتَفْرُغ مِنْ جَمْعهَا الْأَشْجَار.
فَإِذَا اِنْقَضَى الْخَرِيف تَلَاهُ الشِّتَاء وَهُوَ مُلَائِم لِلْخَرِيفِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْبُرُودَة، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهُوَ الْيُبْس ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الشِّتَاء بَارِد رَطْب، فَتَكْثُر الْأَمْطَار وَالثُّلُوج وَتَهْمُد الْأَرْض كَالْجَسَدِ الْمُسْتَرِيح، فَلَا تَتَحَرَّك إِلَّا أَنْ يُعِيد اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهَا حَرَارَة الرَّبِيع، فَإِذَا اِجْتَمَعَتْ مَعَ الرُّطُوبَة كَانَ عِنْد ذَلِكَ النَّشْء وَالنُّمُوّ بِإِذْنِ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى.
وَقَدْ تَهُبّ رِيَاح كَثِيرَة سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْأُصُول هَذِهِ الْأَرْبَع.
فَكُلّ رِيح تَهُبّ بَيْن رِيحَيْنِ فَحُكْمهَا حُكْم الرِّيح الَّتِي تَكُون فِي هُبُوبهَا أَقْرَب إِلَى مَكَانهَا وَتُسَمَّى " النَّكْبَاء ".
فَإِذَا اِنْقَضَى الرَّبِيع تَلَاهُ الصَّيْف الَّذِي هُوَ مُشَاكِل لِلرَّبِيعِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْحَرَارَة، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهِيَ الرُّطُوبَة ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الصَّيْف حَارّ يَابِس، فَتَنْضَج فِيهِ الثِّمَار وَتَيْبَس فِيهِ الْحُبُوب الْمَزْرُوعَة فِي الرَّبِيع.
فَإِذَا اِنْقَضَى الصَّيْف تَبِعَهُ الْخَرِيف الَّذِي هُوَ مَشَاكِل لِلصَّيْفِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْيُبْس، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهِيَ الْحَرَارَة ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الْخَرِيف بَارِد يَابِس، فَيَتَنَاهَى فِيهِ صَلَاح الثِّمَار وَتَيْبَس وَتَجِفّ فَتَصِير إِلَى حَال الِادِّخَار، فَتُقْطَف الثِّمَار وَتُحْصَد الْأَعْنَاب وَتَفْرُغ مِنْ جَمْعهَا الْأَشْجَار.
فَإِذَا اِنْقَضَى الْخَرِيف تَلَاهُ الشِّتَاء وَهُوَ مُلَائِم لِلْخَرِيفِ فِي إِحْدَى طَبِيعَتَيْهِ وَهِيَ الْبُرُودَة، وَمُبَايِن لَهُ فِي الْأُخْرَى وَهُوَ الْيُبْس ; لِأَنَّ الْهَوَاء فِي الشِّتَاء بَارِد رَطْب، فَتَكْثُر الْأَمْطَار وَالثُّلُوج وَتَهْمُد الْأَرْض كَالْجَسَدِ الْمُسْتَرِيح، فَلَا تَتَحَرَّك إِلَّا أَنْ يُعِيد اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهَا حَرَارَة الرَّبِيع، فَإِذَا اِجْتَمَعَتْ مَعَ الرُّطُوبَة كَانَ عِنْد ذَلِكَ النَّشْء وَالنُّمُوّ بِإِذْنِ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى.
وَقَدْ تَهُبّ رِيَاح كَثِيرَة سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْأُصُول هَذِهِ الْأَرْبَع.
فَكُلّ رِيح تَهُبّ بَيْن رِيحَيْنِ فَحُكْمهَا حُكْم الرِّيح الَّتِي تَكُون فِي هُبُوبهَا أَقْرَب إِلَى مَكَانهَا وَتُسَمَّى " النَّكْبَاء ".
وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
سُمِّيَ السَّحَاب سَحَابًا لِانْسِحَابِهِ فِي الْهَوَاء.
وَسَحَبْت ذَيْلِي سَحْبًا.
وَتَسَحَّبَ فُلَان عَلَى فُلَان : اِجْتَرَأَ.
وَالسَّحْب : شِدَّة الْأَكْل وَالشُّرْب.
وَالْمُسَخَّر : الْمُذَلَّل، وَتَسْخِيره بَعْثه مِنْ مَكَان إِلَى آخَر.
وَقِيلَ : تَسْخِيره ثُبُوته بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ غَيْر عَمَد وَلَا عَلَائِق، وَالْأَوَّل أَظْهَر.
وَقَدْ يَكُون بِمَاءٍ وَبِعَذَابٍ، رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( بَيْنَمَا رَجُل بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْض فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَة اِسْقِ حَدِيقَة فُلَان فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَاب فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّة فَإِذَا شَرْجَة مِنْ تِلْكَ الشِّرَاج قَدْ اِسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاء كُلّه فَتَتَبَّعَ الْمَاء فَإِذَا رَجُل قَائِم فِي حَدِيقَته يُحَوِّل الْمَاء بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْد اللَّه مَا اِسْمك قَالَ فُلَان لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَة فَقَالَ لَهُ يَا عَبْد اللَّه لِمَ تَسْأَلنِي عَنْ اِسْمِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْت صَوْتًا فِي السَّحَاب الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُول اِسْقِ حَدِيقَة فُلَان لِاسْمِك فَمَا تَصْنَع [ فِيهَا ] ؟ قَالَ أَمَّا إِذْ قُلْت هَذَا فَإِنِّي أَنْظُر إِلَى مَا يَخْرُج مِنْهَا فَأَتَصَدَّق بِثُلُثِهِ وَآكُل أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدّ فِيهَا ثُلُثه ).
وَفِي رِوَايَة " وَأَجْعَل ثُلُثه فِي الْمَسَاكِين وَالسَّائِلِينَ وَابْن السَّبِيل ).
وَفِي التَّنْزِيل :" وَاَللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَيِّت " [ فَاطِر : ٩ ]، وَقَالَ :" حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّت " [ الْأَعْرَاف : ٥٧ ] وَهُوَ فِي التَّنْزِيل كَثِير.
وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى سَحَابًا مُقْبِلًا مِنْ أُفُق مِنْ الْآفَاق تَرَكَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاة حَتَّى يَسْتَقْبِلهُ فَيَقُول :( اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بِك مِنْ شَرّ مَا أُرْسِلَ بِهِ ) فَإِنْ أَمْطَرَ قَالَ :( اللَّهُمَّ سَيْبًا نَافِعًا ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَشَفَهُ اللَّه وَلَمْ يُمْطِر حَمِدَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْم الرِّيح وَالْغَيْم عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهه وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ.
قَالَتْ عَائِشَة : فَسَأَلْته فَقَالَ :( إِنِّي خَشِيت أَنْ يَكُون عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي ).
وَيَقُول إِذَا رَأَى الْمَطَر :( رَحْمَة ).
فِي رِوَايَة فَقَالَ :( لَعَلَّهُ يَا عَائِشَة كَمَا قَالَ قَوْم عَاد " فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا " ) [ الْأَحْقَاف : ٢٤ ].
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَالْآي تَدُلّ عَلَى صِحَّة الْقَوْل الْأَوَّل وَأَنَّ تَسْخِيرهَا لَيْسَ ثُبُوتهَا، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
سُمِّيَ السَّحَاب سَحَابًا لِانْسِحَابِهِ فِي الْهَوَاء.
وَسَحَبْت ذَيْلِي سَحْبًا.
وَتَسَحَّبَ فُلَان عَلَى فُلَان : اِجْتَرَأَ.
وَالسَّحْب : شِدَّة الْأَكْل وَالشُّرْب.
وَالْمُسَخَّر : الْمُذَلَّل، وَتَسْخِيره بَعْثه مِنْ مَكَان إِلَى آخَر.
وَقِيلَ : تَسْخِيره ثُبُوته بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ غَيْر عَمَد وَلَا عَلَائِق، وَالْأَوَّل أَظْهَر.
وَقَدْ يَكُون بِمَاءٍ وَبِعَذَابٍ، رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( بَيْنَمَا رَجُل بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْض فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَة اِسْقِ حَدِيقَة فُلَان فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَاب فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّة فَإِذَا شَرْجَة مِنْ تِلْكَ الشِّرَاج قَدْ اِسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاء كُلّه فَتَتَبَّعَ الْمَاء فَإِذَا رَجُل قَائِم فِي حَدِيقَته يُحَوِّل الْمَاء بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْد اللَّه مَا اِسْمك قَالَ فُلَان لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَة فَقَالَ لَهُ يَا عَبْد اللَّه لِمَ تَسْأَلنِي عَنْ اِسْمِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْت صَوْتًا فِي السَّحَاب الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُول اِسْقِ حَدِيقَة فُلَان لِاسْمِك فَمَا تَصْنَع [ فِيهَا ] ؟ قَالَ أَمَّا إِذْ قُلْت هَذَا فَإِنِّي أَنْظُر إِلَى مَا يَخْرُج مِنْهَا فَأَتَصَدَّق بِثُلُثِهِ وَآكُل أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدّ فِيهَا ثُلُثه ).
وَفِي رِوَايَة " وَأَجْعَل ثُلُثه فِي الْمَسَاكِين وَالسَّائِلِينَ وَابْن السَّبِيل ).
وَفِي التَّنْزِيل :" وَاَللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَيِّت " [ فَاطِر : ٩ ]، وَقَالَ :" حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّت " [ الْأَعْرَاف : ٥٧ ] وَهُوَ فِي التَّنْزِيل كَثِير.
وَخَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى سَحَابًا مُقْبِلًا مِنْ أُفُق مِنْ الْآفَاق تَرَكَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاة حَتَّى يَسْتَقْبِلهُ فَيَقُول :( اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بِك مِنْ شَرّ مَا أُرْسِلَ بِهِ ) فَإِنْ أَمْطَرَ قَالَ :( اللَّهُمَّ سَيْبًا نَافِعًا ) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَشَفَهُ اللَّه وَلَمْ يُمْطِر حَمِدَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْم الرِّيح وَالْغَيْم عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهه وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ.
قَالَتْ عَائِشَة : فَسَأَلْته فَقَالَ :( إِنِّي خَشِيت أَنْ يَكُون عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي ).
وَيَقُول إِذَا رَأَى الْمَطَر :( رَحْمَة ).
فِي رِوَايَة فَقَالَ :( لَعَلَّهُ يَا عَائِشَة كَمَا قَالَ قَوْم عَاد " فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا " ) [ الْأَحْقَاف : ٢٤ ].
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَالْآي تَدُلّ عَلَى صِحَّة الْقَوْل الْأَوَّل وَأَنَّ تَسْخِيرهَا لَيْسَ ثُبُوتهَا، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
فَإِنَّ الثُّبُوت يَدُلّ عَلَى عَدَم الِانْتِقَال، فَإِنْ أُرِيدَ بِالثُّبُوتِ كَوْنهَا فِي الْهَوَاء لَيْسَتْ فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض فَصَحِيح، لِقَوْلِهِ " بَيْن " وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُسَخَّرَة مَحْمُولَة، وَذَلِكَ أَعْظَم فِي الْقُدْرَة، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاء، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا اللَّه " [ النَّحْل : ٧٩ ] وَقَالَ :" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقهمْ صَافَّات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَن " [ الْمُلْك : ١٩ ].
قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : السَّحَاب غِرْبَال الْمَطَر، لَوْلَا السَّحَاب حِين يَنْزِل الْمَاء مِنْ السَّمَاء لَأَفْسَدَ مَا يَقَع عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض، رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن عَبَّاس.
ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ عَنْ مُعَاذ بْن عَبْد اللَّه بْن خُبَيْب الْجُهَنِيّ قَالَ : رَأَيْت اِبْن عَبَّاس مَرَّ عَلَى بَغْلَة وَأَنَا فِي بَنِي سَلِمَة، فَمَرَّ بِهِ تُبَيْع اِبْن اِمْرَأَة كَعْب فَسَلَّمَ عَلَى اِبْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ اِبْن عَبَّاس : هَلْ سَمِعْت كَعْب الْأَحْبَار يَقُول فِي السَّحَاب شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : السَّحَاب غِرْبَال الْمَطَر، لَوْلَا السَّحَاب حِين يَنْزِل الْمَاء مِنْ السَّمَاء لَأَفْسَدَ مَا يَقَع عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض.
قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول فِي الْأَرْض تُنْبِت الْعَام نَبَاتًا، وَتُنْبِت عَامًا قَابِلًا غَيْره ؟ قَالَ نَعَمْ، سَمِعْته يَقُول : إِنَّ الْبَذْر يَنْزِل مِنْ السَّمَاء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَقَدْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ كَعْب.
قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : السَّحَاب غِرْبَال الْمَطَر، لَوْلَا السَّحَاب حِين يَنْزِل الْمَاء مِنْ السَّمَاء لَأَفْسَدَ مَا يَقَع عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض، رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن عَبَّاس.
ذَكَرَهُ الْخَطِيب أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ عَنْ مُعَاذ بْن عَبْد اللَّه بْن خُبَيْب الْجُهَنِيّ قَالَ : رَأَيْت اِبْن عَبَّاس مَرَّ عَلَى بَغْلَة وَأَنَا فِي بَنِي سَلِمَة، فَمَرَّ بِهِ تُبَيْع اِبْن اِمْرَأَة كَعْب فَسَلَّمَ عَلَى اِبْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ اِبْن عَبَّاس : هَلْ سَمِعْت كَعْب الْأَحْبَار يَقُول فِي السَّحَاب شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : السَّحَاب غِرْبَال الْمَطَر، لَوْلَا السَّحَاب حِين يَنْزِل الْمَاء مِنْ السَّمَاء لَأَفْسَدَ مَا يَقَع عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض.
قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول فِي الْأَرْض تُنْبِت الْعَام نَبَاتًا، وَتُنْبِت عَامًا قَابِلًا غَيْره ؟ قَالَ نَعَمْ، سَمِعْته يَقُول : إِنَّ الْبَذْر يَنْزِل مِنْ السَّمَاء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَقَدْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ كَعْب.
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
أَيْ دَلَالَات تَدُلّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُور عَقِيب قَوْله :" وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " لِيَدُلّ عَلَى صِدْق الْخَبَر عَمَّا ذَكَرَهُ قَبْلهَا مِنْ وَحْدَانِيّته سُبْحَانه، وَذِكْر رَحْمَته وَرَأْفَته بِخَلْقِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( وَيْل لِمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة فَمَجَّ بِهَا ) أَيْ لَمْ يَتَفَكَّر فِيهَا وَلَمْ يَعْتَبِرهَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا أَنْكَرْت أَنَّهَا أَحْدَثَتْ أَنْفُسهَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا مُحَال ; لِأَنَّهَا لَوْ أَحْدَثَتْ أَنْفُسهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُون أَحْدَثَتْهَا وَهِيَ مَوْجُودَة أَوْ هِيَ مَعْدُومَة، فَإِنْ أَحْدَثَتْهَا وَهِيَ مَعْدُومَة كَانَ مُحَالًا، لِأَنَّ الْإِحْدَاث لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنْ حَيّ عَالِم قَادِر مُرِيد، وَمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لَا يَصِحّ وَصْفه بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَة فَوُجُودهَا يُغْنِي عَنْ إِحْدَاث أَنْفُسهَا.
وَأَيْضًا فَلَوْ جَازَ مَا قَالُوهُ لَجَازَ أَنْ يُحْدِث الْبِنَاء نَفْسه وَكَذَلِكَ النِّجَارَة وَالنَّسْج، وَذَلِكَ مُحَال، وَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَال مُحَال.
ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِر بِهَا فِي وَحْدَانِيّته عَلَى مُجَرَّد الْأَخْبَار حَتَّى قَرَنَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَار فِي آي مِنْ الْقُرْآن، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" قُلْ اُنْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ يُونُس : ١٠١ ] وَالْخِطَاب لِلْكُفَّارِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ "، وَقَالَ :" أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ الْأَعْرَاف : ١٨٥ ] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَات.
وَقَالَ :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
يَقُول : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ نَظَر تَفَكُّر وَتَدَبُّر حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغْيِيرَات عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَات، وَأَنَّ الْمُحْدَث لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِع يَصْنَعهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ الصَّانِع حَكِيم عَالِم قَدِير مُرِيد سَمِيع بَصِير مُتَكَلِّم، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَات لَكَانَ الْإِنْسَان أَكْمَل مِنْهُ وَذَلِكَ مُحَال.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ " أَيْ جَعَلْنَا نَسْله وَذُرِّيَّته " نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٣ ] إِلَى قَوْله " تُبْعَثُونَ ".
فَالْإِنْسَان إِذَا تَفَكَّرَ بِهَذَا التَّنْبِيه بِمَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْعَقْل فِي نَفْسه رَآهَا مُدَبِّرَة وَعَلَى أَحْوَال شَتَّى مُصَرِّفَة.
كَانَ نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ لَحْمًا وَعَظْمًا، فَيُعْلَم أَنَّهُ لَمْ يَنْقُل نَفْسه مِنْ حَال النَّقْص إِلَى حَال الْكَمَال ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى أَنْ يُحْدِث لِنَفْسِهِ فِي الْحَال الْأَفْضَل الَّتِي هِيَ كَمَال عَقْله وَبُلُوغ أَشُدّهُ عُضْوًا مِنْ الْأَعْضَاء، وَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَزِيد فِي جَوَارِحه جَارِحَة، فَيَدُلّهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَال نَقْصه وَأَوَان ضَعْفه عَنْ فِعْل ذَلِكَ أَعْجَز.
أَيْ دَلَالَات تَدُلّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُور عَقِيب قَوْله :" وَإِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد " لِيَدُلّ عَلَى صِدْق الْخَبَر عَمَّا ذَكَرَهُ قَبْلهَا مِنْ وَحْدَانِيّته سُبْحَانه، وَذِكْر رَحْمَته وَرَأْفَته بِخَلْقِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( وَيْل لِمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة فَمَجَّ بِهَا ) أَيْ لَمْ يَتَفَكَّر فِيهَا وَلَمْ يَعْتَبِرهَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا أَنْكَرْت أَنَّهَا أَحْدَثَتْ أَنْفُسهَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا مُحَال ; لِأَنَّهَا لَوْ أَحْدَثَتْ أَنْفُسهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُون أَحْدَثَتْهَا وَهِيَ مَوْجُودَة أَوْ هِيَ مَعْدُومَة، فَإِنْ أَحْدَثَتْهَا وَهِيَ مَعْدُومَة كَانَ مُحَالًا، لِأَنَّ الْإِحْدَاث لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنْ حَيّ عَالِم قَادِر مُرِيد، وَمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لَا يَصِحّ وَصْفه بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَة فَوُجُودهَا يُغْنِي عَنْ إِحْدَاث أَنْفُسهَا.
وَأَيْضًا فَلَوْ جَازَ مَا قَالُوهُ لَجَازَ أَنْ يُحْدِث الْبِنَاء نَفْسه وَكَذَلِكَ النِّجَارَة وَالنَّسْج، وَذَلِكَ مُحَال، وَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَال مُحَال.
ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِر بِهَا فِي وَحْدَانِيّته عَلَى مُجَرَّد الْأَخْبَار حَتَّى قَرَنَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَار فِي آي مِنْ الْقُرْآن، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" قُلْ اُنْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ يُونُس : ١٠١ ] وَالْخِطَاب لِلْكُفَّارِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ "، وَقَالَ :" أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض " [ الْأَعْرَاف : ١٨٥ ] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَات.
وَقَالَ :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
يَقُول : أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ نَظَر تَفَكُّر وَتَدَبُّر حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغْيِيرَات عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَات، وَأَنَّ الْمُحْدَث لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِع يَصْنَعهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ الصَّانِع حَكِيم عَالِم قَدِير مُرِيد سَمِيع بَصِير مُتَكَلِّم، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَات لَكَانَ الْإِنْسَان أَكْمَل مِنْهُ وَذَلِكَ مُحَال.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ " أَيْ جَعَلْنَا نَسْله وَذُرِّيَّته " نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٣ ] إِلَى قَوْله " تُبْعَثُونَ ".
فَالْإِنْسَان إِذَا تَفَكَّرَ بِهَذَا التَّنْبِيه بِمَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْعَقْل فِي نَفْسه رَآهَا مُدَبِّرَة وَعَلَى أَحْوَال شَتَّى مُصَرِّفَة.
كَانَ نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ لَحْمًا وَعَظْمًا، فَيُعْلَم أَنَّهُ لَمْ يَنْقُل نَفْسه مِنْ حَال النَّقْص إِلَى حَال الْكَمَال ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى أَنْ يُحْدِث لِنَفْسِهِ فِي الْحَال الْأَفْضَل الَّتِي هِيَ كَمَال عَقْله وَبُلُوغ أَشُدّهُ عُضْوًا مِنْ الْأَعْضَاء، وَلَا يُمْكِنهُ أَنْ يَزِيد فِي جَوَارِحه جَارِحَة، فَيَدُلّهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَال نَقْصه وَأَوَان ضَعْفه عَنْ فِعْل ذَلِكَ أَعْجَز.
وَقَدْ يَرَى نَفْسه شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا وَهُوَ لَمْ يَنْقُل نَفْسه مِنْ حَال الشَّبَاب وَالْقُوَّة إِلَى حَال الشَّيْخُوخَة وَالْهَرَم، وَلَا اِخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا فِي وُسْعه أَنْ يُزَايِل حَال الْمَشِيب وَيُرَاجِع قُوَّة الشَّبَاب، فَيُعْلَم بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ تِلْكَ الْأَفْعَال بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا صَنَعَهُ وَنَاقِلًا نَقَلَهُ مِنْ حَال إِلَى حَال، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَتَبَدَّل أَحْوَاله بِلَا نَاقِل وَلَا مُدَبِّر.
وَقَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : إِنَّ كُلّ شَيْء فِي الْعَالَم الْكَبِير لَهُ نَظِير فِي الْعَالَم الصَّغِير، الَّذِي هُوَ بَدَن الْإِنْسَان، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم " [ التِّين : ٤ ] وَقَالَ :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
فَحَوَاسّ الْإِنْسَان أَشْرَف مِنْ الْكَوَاكِب الْمُضِيئَة، وَالسَّمْع وَالْبَصَر مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّمْس وَالْقَمَر فِي إِدْرَاك الْمُدْرَكَات بِهَا، وَأَعْضَاؤُهُ تَصِير عِنْد الْبِلَى تُرَابًا مِنْ جِنْس الْأَرْض، وَفِيهِ مِنْ جِنْس الْمَاء الْعَرَق وَسَائِر رُطُوبَات الْبَدَن، وَمِنْ جِنْس الْهَوَاء فِيهِ الرُّوح وَالنَّفَس، وَمِنْ جِنْس النَّار فِيهِ الْمِرَّة الصَّفْرَاء.
وَعُرُوقه بِمَنْزِلَةِ الْأَنْهَار فِي الْأَرْض، وَكَبِده بِمَنْزِلَةِ الْعُيُون الَّتِي تُسْتَمَدّ مِنْهَا الْأَنْهَار ; لِأَنَّ الْعُرُوق تَسْتَمِدّ مِنْ الْكَبِد.
وَمَثَانَته بِمَنْزِلَةِ الْبَحْر، لِانْصِبَابِ مَا فِي أَوْعِيَة الْبَدَن إِلَيْهَا كَمَا تَنْصَبّ الْأَنْهَار إِلَى الْبَحْر.
وَعِظَامه بِمَنْزِلَةِ الْجِبَال الَّتِي هِيَ أَوْتَاد الْأَرْض.
وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَشْجَارِ، فَكَمَا أَنَّ لِكُلِّ شَجَر وَرَقًا وَثَمَرًا فَكَذَلِكَ لِكُلِّ عُضْو فِعْل أَوْ أَثَر.
وَالشَّعْر عَلَى الْبَدَن بِمَنْزِلَةِ النَّبَات وَالْحَشِيش عَلَى الْأَرْض ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَان يَحْكِي بِلِسَانِهِ كُلّ صَوْت حَيَوَان، وَيُحَاكِي بِأَعْضَائِهِ صَنِيع كُلّ حَيَوَان، فَهُوَ الْعَالَم الصَّغِير مَعَ الْعَالَم الْكَبِير مَخْلُوق مُحْدَث لِصَانِعٍ وَاحِد، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.
وَقَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : إِنَّ كُلّ شَيْء فِي الْعَالَم الْكَبِير لَهُ نَظِير فِي الْعَالَم الصَّغِير، الَّذِي هُوَ بَدَن الْإِنْسَان، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم " [ التِّين : ٤ ] وَقَالَ :" وَفِي أَنْفُسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الذَّارِيَات : ٢١ ].
فَحَوَاسّ الْإِنْسَان أَشْرَف مِنْ الْكَوَاكِب الْمُضِيئَة، وَالسَّمْع وَالْبَصَر مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّمْس وَالْقَمَر فِي إِدْرَاك الْمُدْرَكَات بِهَا، وَأَعْضَاؤُهُ تَصِير عِنْد الْبِلَى تُرَابًا مِنْ جِنْس الْأَرْض، وَفِيهِ مِنْ جِنْس الْمَاء الْعَرَق وَسَائِر رُطُوبَات الْبَدَن، وَمِنْ جِنْس الْهَوَاء فِيهِ الرُّوح وَالنَّفَس، وَمِنْ جِنْس النَّار فِيهِ الْمِرَّة الصَّفْرَاء.
وَعُرُوقه بِمَنْزِلَةِ الْأَنْهَار فِي الْأَرْض، وَكَبِده بِمَنْزِلَةِ الْعُيُون الَّتِي تُسْتَمَدّ مِنْهَا الْأَنْهَار ; لِأَنَّ الْعُرُوق تَسْتَمِدّ مِنْ الْكَبِد.
وَمَثَانَته بِمَنْزِلَةِ الْبَحْر، لِانْصِبَابِ مَا فِي أَوْعِيَة الْبَدَن إِلَيْهَا كَمَا تَنْصَبّ الْأَنْهَار إِلَى الْبَحْر.
وَعِظَامه بِمَنْزِلَةِ الْجِبَال الَّتِي هِيَ أَوْتَاد الْأَرْض.
وَأَعْضَاؤُهُ كَالْأَشْجَارِ، فَكَمَا أَنَّ لِكُلِّ شَجَر وَرَقًا وَثَمَرًا فَكَذَلِكَ لِكُلِّ عُضْو فِعْل أَوْ أَثَر.
وَالشَّعْر عَلَى الْبَدَن بِمَنْزِلَةِ النَّبَات وَالْحَشِيش عَلَى الْأَرْض ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَان يَحْكِي بِلِسَانِهِ كُلّ صَوْت حَيَوَان، وَيُحَاكِي بِأَعْضَائِهِ صَنِيع كُلّ حَيَوَان، فَهُوَ الْعَالَم الصَّغِير مَعَ الْعَالَم الْكَبِير مَخْلُوق مُحْدَث لِصَانِعٍ وَاحِد، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا
لَمَّا أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْآيَة قَبْل مَا دَلَّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته وَعِظَم سُلْطَانه أَخْبَرَ أَنَّ مَعَ هَذِهِ الْآيَات الْقَاهِرَة لِذَوِي الْعُقُول مَنْ يَتَّخِذ مَعَهُ أَنْدَادًا، وَوَاحِدهَا نِدّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمُرَاد الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا كَعِبَادَةِ اللَّه مَعَ عَجْزهَا، قَالَهُ مُجَاهِد.
لَمَّا أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْآيَة قَبْل مَا دَلَّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته وَعِظَم سُلْطَانه أَخْبَرَ أَنَّ مَعَ هَذِهِ الْآيَات الْقَاهِرَة لِذَوِي الْعُقُول مَنْ يَتَّخِذ مَعَهُ أَنْدَادًا، وَوَاحِدهَا نِدّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْمُرَاد الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا كَعِبَادَةِ اللَّه مَعَ عَجْزهَا، قَالَهُ مُجَاهِد.
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
أَيْ يُحِبُّونَ أَصْنَامهمْ عَلَى الْبَاطِل كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَلَى الْحَقّ، قَالَهُ الْمُبَرِّد، وَقَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاج.
أَيْ أَنَّهُمْ مَعَ عَجْز الْأَصْنَام يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ مَعَ قُدْرَته.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : الْمُرَاد بِالْأَنْدَادِ الرُّؤَسَاء الْمُتَّبَعُونَ، يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه.
وَجَاءَ الضَّمِير فِي " يُحِبُّونَهُمْ " عَلَى هَذَا عَلَى الْأَصْل، وَعَلَى الْأَوَّل جَاءَ ضَمِير الْأَصْنَام ضَمِير مَنْ يَعْقِل عَلَى غَيْر الْأَصْل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان وَالزَّجَّاج أَيْضًا : مَعْنَى " يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه " أَيْ يُسَوُّونَ بَيْن الْأَصْنَام وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فِي الْمَحَبَّة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق : وَهَذَا الْقَوْل الصَّحِيح، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّته :" وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء " يَحِبُّونَهُمْ " بِفَتْحِ الْيَاء.
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْقُرْآن، وَهِيَ لُغَة، يُقَال : حَبَبْت الرَّجُل فَهُوَ مَحْبُوب.
قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي أَبُو تُرَاب :
و " مَنْ " فِي قَوْله " مَنْ يَتَّخِذ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ و " يَتَّخِذ " عَلَى اللَّفْظ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن " يَتَّخِذُونَ " عَلَى الْمَعْنَى و " يُحِبُّونَهُمْ " عَلَى الْمَعْنَى و " يُحِبّهُمْ " عَلَى اللَّفْظ، وَهُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال مِنْ الضَّمِير الَّذِي فِي " يَتَّخِذ " أَيْ مُحِبِّينَ، وَإِنْ شِئْت كَانَ نَعْتًا لِلْأَنْدَادِ، أَيْ مَحْبُوبَة.
وَالْكَاف مِنْ " كَحُبِّ " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ يُحِبُّونَهُمْ حُبًّا كَحُبِّ اللَّه.
" وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " أَيْ أَشَدّ مِنْ حُبّ أَهْل الْأَوْثَان لِأَوْثَانِهِمْ وَالتَّابِعِينَ لِمَتْبُوعِهِمْ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَبُّوهُ.
وَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَحْبُوبه بِالْمَحَبَّةِ كَانَتْ مَحَبَّته أَتَمَّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " [ الْمَائِدَة : ٥٤ ].
وَسَيَأْتِي بَيَان حُبّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَحُبّه لَهُمْ فِي سُورَة " آل عِمْرَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
أَيْ يُحِبُّونَ أَصْنَامهمْ عَلَى الْبَاطِل كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَلَى الْحَقّ، قَالَهُ الْمُبَرِّد، وَقَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاج.
أَيْ أَنَّهُمْ مَعَ عَجْز الْأَصْنَام يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ مَعَ قُدْرَته.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : الْمُرَاد بِالْأَنْدَادِ الرُّؤَسَاء الْمُتَّبَعُونَ، يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه.
وَجَاءَ الضَّمِير فِي " يُحِبُّونَهُمْ " عَلَى هَذَا عَلَى الْأَصْل، وَعَلَى الْأَوَّل جَاءَ ضَمِير الْأَصْنَام ضَمِير مَنْ يَعْقِل عَلَى غَيْر الْأَصْل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان وَالزَّجَّاج أَيْضًا : مَعْنَى " يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه " أَيْ يُسَوُّونَ بَيْن الْأَصْنَام وَبَيْن اللَّه تَعَالَى فِي الْمَحَبَّة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق : وَهَذَا الْقَوْل الصَّحِيح، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّته :" وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " وَقَرَأَ أَبُو رَجَاء " يَحِبُّونَهُمْ " بِفَتْحِ الْيَاء.
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْقُرْآن، وَهِيَ لُغَة، يُقَال : حَبَبْت الرَّجُل فَهُوَ مَحْبُوب.
قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي أَبُو تُرَاب :
| أُحِبّ لِحُبِّهَا السُّودَان حَتَّى | حَبَبْت لِحُبِّهَا سُود الْكِلَاب |
وَالْكَاف مِنْ " كَحُبِّ " نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف، أَيْ يُحِبُّونَهُمْ حُبًّا كَحُبِّ اللَّه.
" وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " أَيْ أَشَدّ مِنْ حُبّ أَهْل الْأَوْثَان لِأَوْثَانِهِمْ وَالتَّابِعِينَ لِمَتْبُوعِهِمْ.
وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ " وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ " لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَبُّوهُ.
وَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَحْبُوبه بِالْمَحَبَّةِ كَانَتْ مَحَبَّته أَتَمَّ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " [ الْمَائِدَة : ٥٤ ].
وَسَيَأْتِي بَيَان حُبّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَحُبّه لَهُمْ فِي سُورَة " آل عِمْرَان " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام بِالتَّاءِ، وَأَهْل مَكَّة وَأَهْل الْكُوفَة وَأَبُو عَمْرو بِالْيَاءِ، وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد.
وَفِي الْآيَة إِشْكَال وَحَذْف، فَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمَعْنَى لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لَعَلِمُوا حِين يَرَوْنَهُ أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
و " يَرَى " عَلَى هَذَا مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر.
قَالَ النَّحَّاس فِي كِتَاب " مَعَانِي الْقُرْآن " لَهُ : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير.
وَقَالَ فِي كِتَاب " إِعْرَاب الْقُرْآن " لَهُ : وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ : هَذَا التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ بِهِ أَبُو عُبَيْد بَعِيد، وَلَيْسَتْ عِبَارَته فِيهِ بِالْجَيِّدَةِ ; لِأَنَّهُ يُقَدِّر : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَاب، فَكَأَنَّهُ يَجْعَلهُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنْ التَّقْدِير وَهُوَ قَوْل الْأَخْفَش : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ.
و " يَرَى " بِمَعْنَى يَعْلَم، أَيْ لَوْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة قُوَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَشِدَّة عَذَابه، ف " يَرَى " وَاقِعَة عَلَى أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ، وَسَدَّتْ مَسَد الْمَفْعُولَيْنِ.
و " الَّذِينَ " فَاعِل " يَرَى "، وَجَوَاب " لَوْ " مَحْذُوف، أَيْ لِتُبَيِّنُوا ضَرَر اِتِّخَاذهمْ الْآلِهَة، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ.
" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبّهمْ " [ الْأَنْعَام : ٣٠ ]، " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار " [ الْأَنْعَام : ٢٧ ] وَلَمْ يَأْتِ ل " لَوْ " جَوَاب.
قَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : الْإِضْمَار أَشَدّ لِلْوَعِيدِ، وَمِثْله قَوْل الْقَائِل : لَوْ رَأَيْت فُلَانًا وَالسِّيَاط تَأْخُذهُ وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَالتَّقْدِير : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي حَال رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب وَفَزَعهمْ مِنْهُ وَاسْتِعْظَامهمْ لَهُ لَأَقَرُّوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ، فَالْجَوَاب مُضْمَر عَلَى هَذَا النَّحْو مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ الْعَامِل فِي " أَنَّ ".
وَتَقْدِير آخَر : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي حَال رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب وَفَزَعهمْ مِنْهُ لَعَلِمْت أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ خُوطِبَ وَالْمُرَاد أُمَّته، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَحْتَاج إِلَى تَقْوِيَة عِلْمه بِمُشَاهَدَةِ مِثْل هَذَا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلظَّالِمِ هَذَا.
وَقِيلَ :" أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُول مِنْ أَجْله، أَيْ لِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ.
أَيْ لِادِّخَارِهِ، وَالْمَعْنَى : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي حَال رُؤْيَتهمْ لِلْعَذَابِ لِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ لَعَلِمْت مَبْلَغهمْ مِنْ النَّكَال وَلَاسْتَعْظَمْت مَا حَلَّ بِهِمْ.
وَدَخَلَتْ " إِذْ " وَهِيَ لِمَا مَضَى فِي إِثْبَات هَذِهِ الْمُسْتَقْبَلَات تَقْرِيبًا لِلْأَمْرِ وَتَصْحِيحًا لِوُقُوعِهِ.
قِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الشَّام بِالتَّاءِ، وَأَهْل مَكَّة وَأَهْل الْكُوفَة وَأَبُو عَمْرو بِالْيَاءِ، وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد.
وَفِي الْآيَة إِشْكَال وَحَذْف، فَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمَعْنَى لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي الدُّنْيَا عَذَاب الْآخِرَة لَعَلِمُوا حِين يَرَوْنَهُ أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
و " يَرَى " عَلَى هَذَا مِنْ رُؤْيَة الْبَصَر.
قَالَ النَّحَّاس فِي كِتَاب " مَعَانِي الْقُرْآن " لَهُ : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير.
وَقَالَ فِي كِتَاب " إِعْرَاب الْقُرْآن " لَهُ : وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد أَنَّهُ قَالَ : هَذَا التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ بِهِ أَبُو عُبَيْد بَعِيد، وَلَيْسَتْ عِبَارَته فِيهِ بِالْجَيِّدَةِ ; لِأَنَّهُ يُقَدِّر : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَاب، فَكَأَنَّهُ يَجْعَلهُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى، وَلَكِنْ التَّقْدِير وَهُوَ قَوْل الْأَخْفَش : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ.
و " يَرَى " بِمَعْنَى يَعْلَم، أَيْ لَوْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة قُوَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَشِدَّة عَذَابه، ف " يَرَى " وَاقِعَة عَلَى أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ، وَسَدَّتْ مَسَد الْمَفْعُولَيْنِ.
و " الَّذِينَ " فَاعِل " يَرَى "، وَجَوَاب " لَوْ " مَحْذُوف، أَيْ لِتُبَيِّنُوا ضَرَر اِتِّخَاذهمْ الْآلِهَة، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ.
" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبّهمْ " [ الْأَنْعَام : ٣٠ ]، " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار " [ الْأَنْعَام : ٢٧ ] وَلَمْ يَأْتِ ل " لَوْ " جَوَاب.
قَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : الْإِضْمَار أَشَدّ لِلْوَعِيدِ، وَمِثْله قَوْل الْقَائِل : لَوْ رَأَيْت فُلَانًا وَالسِّيَاط تَأْخُذهُ وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَالتَّقْدِير : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي حَال رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب وَفَزَعهمْ مِنْهُ وَاسْتِعْظَامهمْ لَهُ لَأَقَرُّوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ، فَالْجَوَاب مُضْمَر عَلَى هَذَا النَّحْو مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ الْعَامِل فِي " أَنَّ ".
وَتَقْدِير آخَر : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي حَال رُؤْيَتهمْ الْعَذَاب وَفَزَعهمْ مِنْهُ لَعَلِمْت أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ خُوطِبَ وَالْمُرَاد أُمَّته، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَحْتَاج إِلَى تَقْوِيَة عِلْمه بِمُشَاهَدَةِ مِثْل هَذَا.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلظَّالِمِ هَذَا.
وَقِيلَ :" أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب مَفْعُول مِنْ أَجْله، أَيْ لِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ.
| وَأَغْفِر عَوْرَاء الْكَرِيم اِدِّخَاره | وَأَعْرِض عَنْ شَتْم اللَّئِيم تَكَرُّمَا |
وَدَخَلَتْ " إِذْ " وَهِيَ لِمَا مَضَى فِي إِثْبَات هَذِهِ الْمُسْتَقْبَلَات تَقْرِيبًا لِلْأَمْرِ وَتَصْحِيحًا لِوُقُوعِهِ.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحْده " يُرَوْنَ " بِضَمِّ الْيَاء، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَعْقُوب وَشَيْبَة وَسَلَّام وَأَبُو جَعْفَر " إِنَّ الْقُوَّة، وَ " إِنَّ اللَّه " بِكَسْرِ الْهَمْزَة فِيهِمَا عَلَى الِاسْتِئْنَاف أَوْ عَلَى تَقْدِير الْقَوْل، أَيْ وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب يَقُولُونَ إِنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ.
وَثَبَتَ بِنَصِّ هَذِهِ الْآيَة الْقُوَّة لِلَّهِ، بِخِلَافِ قَوْل الْمُعْتَزِلَة فِي نَفْيهمْ مَعَانِي الصِّفَات الْقَدِيمَة، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَعْقُوب وَشَيْبَة وَسَلَّام وَأَبُو جَعْفَر " إِنَّ الْقُوَّة، وَ " إِنَّ اللَّه " بِكَسْرِ الْهَمْزَة فِيهِمَا عَلَى الِاسْتِئْنَاف أَوْ عَلَى تَقْدِير الْقَوْل، أَيْ وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب يَقُولُونَ إِنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ.
وَثَبَتَ بِنَصِّ هَذِهِ الْآيَة الْقُوَّة لِلَّهِ، بِخِلَافِ قَوْل الْمُعْتَزِلَة فِي نَفْيهمْ مَعَانِي الصِّفَات الْقَدِيمَة، تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ.
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
يَعْنِي السَّادَة وَالرُّؤَسَاء تَبَرَّءُوا مِمَّنْ اِتَّبَعَهُمْ عَلَى الْكُفْر.
عَنْ قَتَادَة وَعَطَاء وَالرَّبِيع.
وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا وَالسُّدِّيّ : هُمْ الشَّيَاطِين الْمُضِلُّونَ تَبَرَّءُوا مِنْ الْإِنْس.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي كُلّ مَتْبُوع.
يَعْنِي السَّادَة وَالرُّؤَسَاء تَبَرَّءُوا مِمَّنْ اِتَّبَعَهُمْ عَلَى الْكُفْر.
عَنْ قَتَادَة وَعَطَاء وَالرَّبِيع.
وَقَالَ قَتَادَة أَيْضًا وَالسُّدِّيّ : هُمْ الشَّيَاطِين الْمُضِلُّونَ تَبَرَّءُوا مِنْ الْإِنْس.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ فِي كُلّ مَتْبُوع.
وَرَأَوُا الْعَذَابَ
يَعْنِي التَّابِعِينَ وَالْمَتْبُوعِينَ، قِيلَ : بِتَيَقُّنِهِمْ لَهُ عِنْد الْمُعَايَنَة فِي الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : عِنْد الْعَرْض وَالْمُسَاءَلَة فِي الْآخِرَة.
قُلْت : كِلَاهُمَا حَاصِل، فَهُمْ يُعَايِنُونَ عِنْد الْمَوْت مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ الْهَوَان، وَفِي الْآخِرَة يَذُوقُونَ أَلِيم الْعَذَاب وَالنَّكَال.
يَعْنِي التَّابِعِينَ وَالْمَتْبُوعِينَ، قِيلَ : بِتَيَقُّنِهِمْ لَهُ عِنْد الْمُعَايَنَة فِي الدُّنْيَا.
وَقِيلَ : عِنْد الْعَرْض وَالْمُسَاءَلَة فِي الْآخِرَة.
قُلْت : كِلَاهُمَا حَاصِل، فَهُمْ يُعَايِنُونَ عِنْد الْمَوْت مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ الْهَوَان، وَفِي الْآخِرَة يَذُوقُونَ أَلِيم الْعَذَاب وَالنَّكَال.
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ
أَيْ الْوُصُلَات الَّتِي كَانُوا يَتَوَاصَلُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ رَحِم وَغَيْره، عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره.
الْوَاحِد سَبَب وَوُصْلَة.
وَأَصْل السَّبَب الْحَبْل يَشُدّ بِالشَّيْءِ فَيَجْذِبهُ، ثُمَّ جُعِلَ كُلّ مَا جَرَّ شَيْئًا سَبَبًا.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن زَيْد : إِنَّ الْأَسْبَاب أَعْمَالهمْ.
وَالسَّبَب النَّاحِيَة، وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر :
أَيْ الْوُصُلَات الَّتِي كَانُوا يَتَوَاصَلُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ رَحِم وَغَيْره، عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره.
الْوَاحِد سَبَب وَوُصْلَة.
وَأَصْل السَّبَب الْحَبْل يَشُدّ بِالشَّيْءِ فَيَجْذِبهُ، ثُمَّ جُعِلَ كُلّ مَا جَرَّ شَيْئًا سَبَبًا.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَابْن زَيْد : إِنَّ الْأَسْبَاب أَعْمَالهمْ.
وَالسَّبَب النَّاحِيَة، وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر :
| وَمَنْ هَابَ أَسْبَاب الْمَنَايَا يَنُلْنَهُ | وَلَوْ رَامَ أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ |
| لَهَا وَثَبَات كَوَثْبِ الظِّبَاء | فَوَادٍ خِطَاء وَوَادٍ مَطَر |
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَقَتَادَة وَالْأَعْرَج وَعَمْرو بْن مَيْمُون وَالْأَعْمَش " خُطُؤَات " بِضَمِّ الْخَاء وَالطَّاء وَالْهَمْزَة عَلَى الْوَاو.
قَالَ الْأَخْفَش : وَذَهَبُوا بِهَذِهِ الْقِرَاءَة إِلَى أَنَّهَا جَمْع خَطِيئَة، مِنْ الْخَطَأ لَا مِنْ الْخَطْو.
وَالْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَة الْجُمْهُور : وَلَا تَقْفُوا أَثَر الشَّيْطَان وَعَمَله، وَمَا لَمْ يَرِد بِهِ الشَّرْع فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الشَّيْطَان.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :" خُطُوَات الشَّيْطَان " أَعْمَاله.
مُجَاهِد : خَطَايَاهُ.
السُّدِّيّ : طَاعَته.
أَبُو مِجْلَز : هِيَ النُّذُور فِي الْمَعَاصِي.
قُلْت : وَالصَّحِيح أَنَّ اللَّفْظ عَامّ فِي كُلّ مَا عَدَا السُّنَن وَالشَّرَائِع مِنْ الْبِدَع وَالْمَعَاصِي.
وَتَقَدَّمَ الْقَوْل فِي " الشَّيْطَان " مُسْتَوْفًى.
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الشَّيْطَان عَدُوّ، وَخَبَره حَقّ وَصِدْق.
فَالْوَاجِب عَلَى الْعَاقِل أَنْ يَأْخُذ حَذَره مِنْ هَذَا الْعَدُوّ الَّذِي قَدْ أَبَانَ عَدَاوَته مِنْ زَمَن آدَم، وَبَذَلَ نَفْسه وَعُمْره فِي إِفْسَاد أَحْوَال بَنِي آدَم، وَقَدْ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْحَذَرِ مِنْهُ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِل :" وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين "، " إِنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : ١٦٩ ] وَقَالَ :" الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ " [ الْبَقَرَة : ٢٦٨ ] وَقَالَ :" وَيُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُضِلّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا " [ النِّسَاء : ٦٠ ] وَقَالَ :" إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ " [ الْمَائِدَة : ٩١ ] وَقَالَ :" إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِين " [ الْقَصَص : ١٥ ] وَقَالَ :" إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ فَاِتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير " [ فَاطِر : ٦ ].
وَهَذَا غَايَة فِي التَّحْذِير، وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : إِنَّ إِبْلِيس مُوثَق فِي الْأَرْض السُّفْلَى، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَإِنَّ كُلّ شَرّ فِي الْأَرْض بَيْن اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ تَحَرُّكه.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ وَفِيهِ :( وَآمُركُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّه فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُل خَرَجَ الْعَدُوّ فِي أَثَره سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْن حَصِين فَأَحْرَزَ نَفْسه مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْد لَا يُحْرِز نَفْسه مِنْ الشَّيْطَان إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه ) الْحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب.
أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الشَّيْطَان عَدُوّ، وَخَبَره حَقّ وَصِدْق.
فَالْوَاجِب عَلَى الْعَاقِل أَنْ يَأْخُذ حَذَره مِنْ هَذَا الْعَدُوّ الَّذِي قَدْ أَبَانَ عَدَاوَته مِنْ زَمَن آدَم، وَبَذَلَ نَفْسه وَعُمْره فِي إِفْسَاد أَحْوَال بَنِي آدَم، وَقَدْ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْحَذَرِ مِنْهُ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِل :" وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين "، " إِنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : ١٦٩ ] وَقَالَ :" الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ " [ الْبَقَرَة : ٢٦٨ ] وَقَالَ :" وَيُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُضِلّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا " [ النِّسَاء : ٦٠ ] وَقَالَ :" إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ " [ الْمَائِدَة : ٩١ ] وَقَالَ :" إِنَّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِين " [ الْقَصَص : ١٥ ] وَقَالَ :" إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ فَاِتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير " [ فَاطِر : ٦ ].
وَهَذَا غَايَة فِي التَّحْذِير، وَمِثْله فِي الْقُرْآن كَثِير.
وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : إِنَّ إِبْلِيس مُوثَق فِي الْأَرْض السُّفْلَى، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَإِنَّ كُلّ شَرّ فِي الْأَرْض بَيْن اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ تَحَرُّكه.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ وَفِيهِ :( وَآمُركُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّه فَإِنَّ مَثَل ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُل خَرَجَ الْعَدُوّ فِي أَثَره سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْن حَصِين فَأَحْرَزَ نَفْسه مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْد لَا يُحْرِز نَفْسه مِنْ الشَّيْطَان إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه ) الْحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب.
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ
سُمِّيَ السُّوء سُوءًا لِأَنَّهُ يَسُوء صَاحِبه بِسُوءِ عَوَاقِبه.
وَهُوَ مَصْدَر سَاءَهُ يَسُوءهُ سُوءًا وَمُسَاءَة إِذَا أَحْزَنَهُ.
وَسُؤْته فَسِيءَ إِذَا أَحْزَنْته فَحَزِنَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سِيئَتْ وُجُوه الَّذِينَ كَفَرُوا " [ الْمُلْك : ٢٧ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَالْفَحْشَاء أَصْله قُبْح الْمَنْظَر، كَمَا قَالَ :
وَجِيد كَجِيدِ الرِّيم لَيْسَ بِفَاحِشٍ
ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ اللَّفْظَة فِيمَا يُقْبَح مِنْ الْمَعَانِي.
وَالشَّرْع هُوَ الَّذِي يُحَسِّن وَيُقَبِّح، فَكُلّ مَا نَهَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَة فَهُوَ مِنْ الْفَحْشَاء.
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر الْفَحْشَاء فَإِنَّهُ الزِّنَى، إِلَّا قَوْله :" الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ " [ الْبَقَرَة : ٢٦٨ ] فَإِنَّهُ مَنْع الزَّكَاة
قُلْت : فَعَلَى هَذَا قِيلَ : السُّوء مَا لَا حَدّ فِيهِ، وَالْفَحْشَاء مَا فِيهِ حَدّ.
وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
سُمِّيَ السُّوء سُوءًا لِأَنَّهُ يَسُوء صَاحِبه بِسُوءِ عَوَاقِبه.
وَهُوَ مَصْدَر سَاءَهُ يَسُوءهُ سُوءًا وَمُسَاءَة إِذَا أَحْزَنَهُ.
وَسُؤْته فَسِيءَ إِذَا أَحْزَنْته فَحَزِنَ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سِيئَتْ وُجُوه الَّذِينَ كَفَرُوا " [ الْمُلْك : ٢٧ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
| إِنْ يَكُ هَذَا الدَّهْر قَدْ سَاءَنِي | فَطَالَمَا قَدْ سَرَّنِي الدَّهْر |
| الْأَمْر عِنْدِي فِيهِمَا وَاحِد | لِذَاكَ شُكْر وَلِذَاكَ صَبْر |
وَجِيد كَجِيدِ الرِّيم لَيْسَ بِفَاحِشٍ
ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ اللَّفْظَة فِيمَا يُقْبَح مِنْ الْمَعَانِي.
وَالشَّرْع هُوَ الَّذِي يُحَسِّن وَيُقَبِّح، فَكُلّ مَا نَهَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَة فَهُوَ مِنْ الْفَحْشَاء.
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ كُلّ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر الْفَحْشَاء فَإِنَّهُ الزِّنَى، إِلَّا قَوْله :" الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ " [ الْبَقَرَة : ٢٦٨ ] فَإِنَّهُ مَنْع الزَّكَاة
قُلْت : فَعَلَى هَذَا قِيلَ : السُّوء مَا لَا حَدّ فِيهِ، وَالْفَحْشَاء مَا فِيهِ حَدّ.
وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
قَالَ الطَّبَرِيّ : يُرِيد مَا حَرَّمُوا مِنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَنَحْوهَا مِمَّا جَعَلُوهُ شَرْعًا.
" وَأَنْ تَقُولُوا " فِي مَوْضِع خَفْض عَطْفًا عَلَى قَوْله تَعَالَى :" بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء ".
قَالَ الطَّبَرِيّ : يُرِيد مَا حَرَّمُوا مِنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَنَحْوهَا مِمَّا جَعَلُوهُ شَرْعًا.
" وَأَنْ تَقُولُوا " فِي مَوْضِع خَفْض عَطْفًا عَلَى قَوْله تَعَالَى :" بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء ".
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
يَعْنِي كُفَّار الْعَرَب.
اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود.
الطَّبَرِيّ : الضَّمِير فِي " لَهُمْ " عَائِد عَلَى النَّاس مِنْ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا ".
وَقِيلَ : هُوَ عَائِد عَلَى " مِنْ " فِي قَوْله تَعَالَى :" وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١٦٥ ] الْآيَة.
يَعْنِي كُفَّار الْعَرَب.
اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود.
الطَّبَرِيّ : الضَّمِير فِي " لَهُمْ " عَائِد عَلَى النَّاس مِنْ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا ".
وَقِيلَ : هُوَ عَائِد عَلَى " مِنْ " فِي قَوْله تَعَالَى :" وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه " [ الْبَقَرَة : ١٦٥ ] الْآيَة.
اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
أَيْ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَل.
أَيْ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَل.
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
أَلْفَيْنَا : وَجَدْنَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَلْفَيْنَا : وَجَدْنَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
| فَأَلْفَيْته غَيْر مُسْتَعْتِب | وَلَا ذَاكِر اللَّه إِلَّا قَلِيلًا |
| وَقَلِّدُوا أَمْركُمْ لِلَّهِ دَرّكُمْ | ثَبْت الْجَنَان بِأَمْرِ الْحَرْب مُضْطَلِعَا |
فَرْض الْعَامِّيّ الَّذِي لَا يَشْتَغِل بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَام مِنْ أُصُولهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّته فِيمَا لَا يَعْلَمهُ مِنْ أَمْر دِينه وَيَحْتَاج إِلَيْهِ أَنْ يَقْصِد أَعْلَم مَنْ فِي زَمَانه وَبَلَده فَيَسْأَلهُ عَنْ نَازِلَته فَيَمْتَثِل فِيهَا فَتْوَاهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [ النَّحْل : ٤٣ ]، وَعَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي أَعْلَم أَهْل وَقْته بِالْبَحْثِ عَنْهُ، حَتَّى يَقَع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مِنْ الْأَكْثَر مِنْ النَّاس.
وَعَلَى الْعَالِم أَيْضًا فَرْض أَنْ يُقَلِّد عَالِمًا مِثْله فِي نَازِلَة خَفِيَ عَلَيْهِ فِيهَا وَجْه الدَّلِيل وَالنَّظَر، وَأَرَادَ أَنْ يُجَدِّد الْفِكْر فِيهَا وَالنَّظَر حَتَّى يَقِف عَلَى الْمَطْلُوب، فَضَاقَ الْوَقْت عَنْ ذَلِكَ، وَخَافَ عَلَى الْعِبَادَة أَنْ تَفُوت، أَوْ عَلَى الْحُكْم أَنْ يَذْهَب، سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِد الْآخَر صَحَابِيًّا أَوْ غَيْره، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى إِبْطَال التَّقْلِيد فِي الْعَقَائِد.
وَذَكَرَ فِيهِ غَيْره خِلَافًا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَأَبِي عُمَر وَعُثْمَان بْن عِيسَى بْن دِرْبَاس الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن دِرْبَاس فِي كِتَاب " الِانْتِصَار " لَهُ : وَقَالَ بَعْض النَّاس يَجُوز التَّقْلِيد فِي أَمْر التَّوْحِيد، وَهُوَ خَطَأ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة " [ الزُّخْرُف : ٢٣ ].
فَذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ آبَاءَهُمْ وَتَرْكهمْ اِتِّبَاع الرُّسُل، كَصَنِيعِ أَهْل الْأَهْوَاء فِي تَقْلِيدهمْ كُبَرَاءَهُمْ وَتَرْكهمْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينه، وَلِأَنَّهُ فَرْض عَلَى كُلّ مُكَلَّف تَعَلَّمَ أَمْر التَّوْحِيد وَالْقَطْع بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُل إِلَّا مِنْ جِهَة الْكِتَاب وَالسُّنَّة، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي آيَة التَّوْحِيد، وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يُرِيد.
قَالَ اِبْن دِرْبَاس : وَقَدْ أَكْثَرَ أَهْل الزَّيْغ الْقَوْل عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة أَنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ.
وَهَذَا خَطَأ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ بِهِمْ أَلْيَق وَبِمَذَاهِبِهِمْ أَخْلَق، إِذْ قَبِلُوا قَوْل سَادَاتهمْ وَكُبَرَائِهِمْ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُوله وَإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، فَكَانُوا دَاخِلِينَ فِيمَنْ ذَمَّهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ :" رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا " [ الْأَحْزَاب : ٦٧ ] إِلَى قَوْله :" كَبِيرًا " وَقَوْله :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ " [ الزُّخْرُف : ٢٣ ].
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ :" قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " [ الزُّخْرُف : ٢٤ ] ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام " فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ " الْآيَة.
فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْهُدَى فِيمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُله عَلَيْهِمْ السَّلَام.
وَعَلَى الْعَالِم أَيْضًا فَرْض أَنْ يُقَلِّد عَالِمًا مِثْله فِي نَازِلَة خَفِيَ عَلَيْهِ فِيهَا وَجْه الدَّلِيل وَالنَّظَر، وَأَرَادَ أَنْ يُجَدِّد الْفِكْر فِيهَا وَالنَّظَر حَتَّى يَقِف عَلَى الْمَطْلُوب، فَضَاقَ الْوَقْت عَنْ ذَلِكَ، وَخَافَ عَلَى الْعِبَادَة أَنْ تَفُوت، أَوْ عَلَى الْحُكْم أَنْ يَذْهَب، سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِد الْآخَر صَحَابِيًّا أَوْ غَيْره، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى إِبْطَال التَّقْلِيد فِي الْعَقَائِد.
وَذَكَرَ فِيهِ غَيْره خِلَافًا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَأَبِي عُمَر وَعُثْمَان بْن عِيسَى بْن دِرْبَاس الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن دِرْبَاس فِي كِتَاب " الِانْتِصَار " لَهُ : وَقَالَ بَعْض النَّاس يَجُوز التَّقْلِيد فِي أَمْر التَّوْحِيد، وَهُوَ خَطَأ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة " [ الزُّخْرُف : ٢٣ ].
فَذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ آبَاءَهُمْ وَتَرْكهمْ اِتِّبَاع الرُّسُل، كَصَنِيعِ أَهْل الْأَهْوَاء فِي تَقْلِيدهمْ كُبَرَاءَهُمْ وَتَرْكهمْ اِتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينه، وَلِأَنَّهُ فَرْض عَلَى كُلّ مُكَلَّف تَعَلَّمَ أَمْر التَّوْحِيد وَالْقَطْع بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُل إِلَّا مِنْ جِهَة الْكِتَاب وَالسُّنَّة، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي آيَة التَّوْحِيد، وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يُرِيد.
قَالَ اِبْن دِرْبَاس : وَقَدْ أَكْثَرَ أَهْل الزَّيْغ الْقَوْل عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة أَنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ.
وَهَذَا خَطَأ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ بِهِمْ أَلْيَق وَبِمَذَاهِبِهِمْ أَخْلَق، إِذْ قَبِلُوا قَوْل سَادَاتهمْ وَكُبَرَائِهِمْ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُوله وَإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، فَكَانُوا دَاخِلِينَ فِيمَنْ ذَمَّهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ :" رَبّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا " [ الْأَحْزَاب : ٦٧ ] إِلَى قَوْله :" كَبِيرًا " وَقَوْله :" إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ " [ الزُّخْرُف : ٢٣ ].
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ :" قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ " [ الزُّخْرُف : ٢٤ ] ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام " فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ " الْآيَة.
فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْهُدَى فِيمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُله عَلَيْهِمْ السَّلَام.
وَلَيْسَ قَوْل أَهْل الْأَثَر فِي عَقَائِدهمْ : إِنَّا وَجَدْنَا أَئِمَّتنَا وَآبَاءَنَا وَالنَّاس عَلَى الْأَخْذ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح مِنْ الْأُمَّة، مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا وَأَطَعْنَا سَادَتنَا وَكُبَرَاءَنَا بِسَبِيلٍ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ نَسَبُوا ذَلِكَ إِلَى التَّنْزِيل وَإِلَى مُتَابَعَة الرَّسُول، وَأُولَئِكَ نَسَبُوا إِفْكهمْ إِلَى أَهْل الْأَبَاطِيل، فَازْدَادُوا بِذَلِكَ فِي التَّضْلِيل، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه أَثْنَى عَلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقُرْآن حَيْثُ قَالَ :" إِنِّي تَرَكْت مِلَّة قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ.
وَاتَّبَعْت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِك بِاَللَّهِ مِنْ شَيْء ذَلِكَ مِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاس " [ يُوسُف : ٣٨ ].
فَلَمَّا كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ السَّلَام أَنْبِيَاء مُتَّبِعِينَ لِلْوَحْيِ وَهُوَ الدِّين الْخَالِص الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه، كَانَ اِتِّبَاعه آبَاءَهُ مِنْ صِفَات الْمَدْح.
وَلَمْ يَجِئْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ ذِكْر الْأَعْرَاض وَتَعَلُّقهَا بِالْجَوَاهِرِ وَانْقِلَابهَا فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَا هُدَى فِيهَا وَلَا رُشْد فِي وَاضِعِيهَا.
قَالَ اِبْن الْحَصَّار : وَإِنَّمَا ظَهَرَ التَّلَفُّظ بِهَا فِي زَمَن الْمَأْمُون بَعْد الْمِائَتَيْنِ لَمَّا تُرْجِمَتْ كُتُب الْأَوَائِل وَظَهَرَ فِيهَا اِخْتِلَافهمْ فِي قِدَم الْعَالَم وَحُدُوثه، وَاخْتِلَافهمْ فِي الْجَوْهَر وَثُبُوته، وَالْعَرَض وَمَاهِيَّته، فَسَارَعَ الْمُبْتَدِعُونَ وَمَنْ فِي قَلْبه زَيْغ إِلَى حِفْظ تِلْكَ الِاصْطِلَاحَات، وَقَصَدُوا بِهَا الْإِغْرَاب عَلَى أَهْل السُّنَّة، وَإِدْخَال الشُّبَه عَلَى الضُّعَفَاء مِنْ أَهْل الْمِلَّة.
فَلَمْ يَزَلْ الْأَمْر كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْبِدْعَة، وَصَارَتْ لِلْمُبْتَدِعَةِ شِيعَة، وَالْتَبَسَ الْأَمْر عَلَى السُّلْطَان، حَتَّى قَالَ الْأَمِير بِخَلْقِ الْقُرْآن، وَجَبَرَ النَّاس عَلَيْهِ، وَضُرِبَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَلَى ذَلِكَ.
فَانْتُدِبَ رِجَال مِنْ أَهْل السُّنَّة كَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَعَبْد اللَّه بْن كُلَّاب وَابْن مُجَاهِد وَالْمُحَاسِبِيّ وَأَضْرَابهمْ، فَخَاضُوا مَعَ الْمُبْتَدِعَة فِي اِصْطِلَاحَاتهمْ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكَانَ مَنْ دَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة مُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، مُعْرِضِينَ عَنْ شُبَه الْمُلْحِدِينَ، لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْجَوْهَر وَالْعَرَض، عَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَف.
قُلْت : وَمَنْ نَظَرَ الْآن فِي اِصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمِينَ حَتَّى يُنَاضِل بِذَلِكَ عَنْ الدِّين فَمَنْزِلَته قَرِيبَة مِنْ النَّبِيِّينَ.
فَأَمَّا مَنْ يُهَجِّن مِنْ غُلَاة الْمُتَكَلِّمِينَ طَرِيق مَنْ أَخَذَ بِالْأَثَرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَحُضّ عَلَى دَرْس كُتُب الْكَلَام، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَف الْحَقّ إِلَّا مِنْ جِهَتهَا بِتِلْكَ الِاصْطِلَاحَات فَصَارُوا مَذْمُومِينَ لِنَقْضِهِمْ طَرِيق الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْأَئِمَّة الْمَاضِينَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاتَّبَعْت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِك بِاَللَّهِ مِنْ شَيْء ذَلِكَ مِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاس " [ يُوسُف : ٣٨ ].
فَلَمَّا كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ السَّلَام أَنْبِيَاء مُتَّبِعِينَ لِلْوَحْيِ وَهُوَ الدِّين الْخَالِص الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه، كَانَ اِتِّبَاعه آبَاءَهُ مِنْ صِفَات الْمَدْح.
وَلَمْ يَجِئْ فِيمَا جَاءُوا بِهِ ذِكْر الْأَعْرَاض وَتَعَلُّقهَا بِالْجَوَاهِرِ وَانْقِلَابهَا فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَا هُدَى فِيهَا وَلَا رُشْد فِي وَاضِعِيهَا.
قَالَ اِبْن الْحَصَّار : وَإِنَّمَا ظَهَرَ التَّلَفُّظ بِهَا فِي زَمَن الْمَأْمُون بَعْد الْمِائَتَيْنِ لَمَّا تُرْجِمَتْ كُتُب الْأَوَائِل وَظَهَرَ فِيهَا اِخْتِلَافهمْ فِي قِدَم الْعَالَم وَحُدُوثه، وَاخْتِلَافهمْ فِي الْجَوْهَر وَثُبُوته، وَالْعَرَض وَمَاهِيَّته، فَسَارَعَ الْمُبْتَدِعُونَ وَمَنْ فِي قَلْبه زَيْغ إِلَى حِفْظ تِلْكَ الِاصْطِلَاحَات، وَقَصَدُوا بِهَا الْإِغْرَاب عَلَى أَهْل السُّنَّة، وَإِدْخَال الشُّبَه عَلَى الضُّعَفَاء مِنْ أَهْل الْمِلَّة.
فَلَمْ يَزَلْ الْأَمْر كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْبِدْعَة، وَصَارَتْ لِلْمُبْتَدِعَةِ شِيعَة، وَالْتَبَسَ الْأَمْر عَلَى السُّلْطَان، حَتَّى قَالَ الْأَمِير بِخَلْقِ الْقُرْآن، وَجَبَرَ النَّاس عَلَيْهِ، وَضُرِبَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَلَى ذَلِكَ.
فَانْتُدِبَ رِجَال مِنْ أَهْل السُّنَّة كَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَعَبْد اللَّه بْن كُلَّاب وَابْن مُجَاهِد وَالْمُحَاسِبِيّ وَأَضْرَابهمْ، فَخَاضُوا مَعَ الْمُبْتَدِعَة فِي اِصْطِلَاحَاتهمْ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكَانَ مَنْ دَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة مُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، مُعْرِضِينَ عَنْ شُبَه الْمُلْحِدِينَ، لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْجَوْهَر وَالْعَرَض، عَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَف.
قُلْت : وَمَنْ نَظَرَ الْآن فِي اِصْطِلَاح الْمُتَكَلِّمِينَ حَتَّى يُنَاضِل بِذَلِكَ عَنْ الدِّين فَمَنْزِلَته قَرِيبَة مِنْ النَّبِيِّينَ.
فَأَمَّا مَنْ يُهَجِّن مِنْ غُلَاة الْمُتَكَلِّمِينَ طَرِيق مَنْ أَخَذَ بِالْأَثَرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَحُضّ عَلَى دَرْس كُتُب الْكَلَام، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَف الْحَقّ إِلَّا مِنْ جِهَتهَا بِتِلْكَ الِاصْطِلَاحَات فَصَارُوا مَذْمُومِينَ لِنَقْضِهِمْ طَرِيق الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْأَئِمَّة الْمَاضِينَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا الْمُخَاصَمَة وَالْجِدَال بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَان فَذَلِكَ بَيِّن فِي الْقُرْآن، وَسَيَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَبَّهَ تَعَالَى وَاعِظ الْكُفَّار وَدَاعِيهمْ وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّاعِي الَّذِي يَنْعِق بِالْغَنَمِ وَالْإِبِل فَلَا تَسْمَع إِلَّا دُعَاءَهُ وَنِدَاءَهُ، وَلَا تَفْهَم مَا يَقُول، هَكَذَا فَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ وَالزَّجَّاج وَالْفَرَّاء وَسِيبَوَيْهِ، وَهَذِهِ نِهَايَة الْإِيجَاز.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ يُشَبَّهُوا بِالنَّاعِقِ إِنَّمَا شُبِّهُوا بِالْمَنْعُوقِ بِهِ.
وَالْمَعْنَى : وَمَثَلك يَا مُحَمَّد وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِق وَالْمَنْعُوق بِهِ مِنْ الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَفْهَم، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ الْآلِهَة الْجَمَاد كَمَثَلِ الصَّائِح فِي جَوْف اللَّيْل فَيُجِيبهُ الصَّدَى، فَهُوَ يَصِيح بِمَا لَا يَسْمَع، وَيُجِيبهُ مَا لَا حَقِيقَة فِيهِ وَلَا مُنْتَفَع.
وَقَالَ قُطْرُب : الْمَعْنَى مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ مَا لَا يَفْهَم، يَعْنِي الْأَصْنَام، كَمَثَلِ الرَّاعِي إِذَا نَعَقَ بِغَنَمِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هِيَ.
قَالَ الطَّبَرِيّ : الْمُرَاد مَثَل الْكَافِرِينَ فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتهمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِق بِشَيْءٍ بَعِيد فَهُوَ لَا يَسْمَع مِنْ أَجْل الْبُعْد، فَلَيْسَ لِلنَّاعِقِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا النِّدَاء الَّذِي يُتْعِبهُ وَيُنْصِبهُ.
فَفِي هَذِهِ التَّأْوِيلَات الثَّلَاثَة يُشَبَّه الْكُفَّار بِالنَّاعِقِ الصَّائِح، وَالْأَصْنَام بِالْمَنْعُوقِ بِهِ.
وَالنَّعِيق : زَجْر الْغَنَم وَالصِّيَاح بِهَا، يُقَال : نَعَقَ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ يَنْعِق نَعِيقًا وَنُعَاقًا وَنَعَقَانًا، أَيْ صَاحَ بِهَا وَزَجَرَهَا.
قَالَ الْأَخْطَل :
قَالَ الْقُتَبِيّ : لَمْ يَكُنْ جَرِير رَاعِي ضَأْن، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ بَنِي كُلَيْب يُعَيَّرُونَ بِرَعْيِ الضَّأْن، وَجَرِير مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي جَهْلهمْ.
وَالْعَرَب تَضْرِب الْمَثَل بِرَاعِي الْغَنَم فِي الْجَهْل وَيَقُولُونَ :" أَجْهَل مِنْ رَاعِي ضَأْن ".
قَالَ الْقُتَبِيّ : وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَة كَانَ مَذْهَبًا، غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَذْهَب إِلَيْهِ أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء فِيمَا نَعْلَم.
وَالنِّدَاء لِلْبَعِيدِ، وَالدُّعَاء لِلْقَرِيبِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ نِدَاء لِأَنَّهُ لِلْأَبَاعِدِ.
وَقَدْ تُضَمّ النُّون فِي النِّدَاء وَالْأَصْل الْكَسْر.
ثُمَّ شَبَّهَ تَعَالَى الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ صُمّ بُكْم عُمْي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة.
شَبَّهَ تَعَالَى وَاعِظ الْكُفَّار وَدَاعِيهمْ وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّاعِي الَّذِي يَنْعِق بِالْغَنَمِ وَالْإِبِل فَلَا تَسْمَع إِلَّا دُعَاءَهُ وَنِدَاءَهُ، وَلَا تَفْهَم مَا يَقُول، هَكَذَا فَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ وَالزَّجَّاج وَالْفَرَّاء وَسِيبَوَيْهِ، وَهَذِهِ نِهَايَة الْإِيجَاز.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ يُشَبَّهُوا بِالنَّاعِقِ إِنَّمَا شُبِّهُوا بِالْمَنْعُوقِ بِهِ.
وَالْمَعْنَى : وَمَثَلك يَا مُحَمَّد وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِق وَالْمَنْعُوق بِهِ مِنْ الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَفْهَم، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْمَعْنَى مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ الْآلِهَة الْجَمَاد كَمَثَلِ الصَّائِح فِي جَوْف اللَّيْل فَيُجِيبهُ الصَّدَى، فَهُوَ يَصِيح بِمَا لَا يَسْمَع، وَيُجِيبهُ مَا لَا حَقِيقَة فِيهِ وَلَا مُنْتَفَع.
وَقَالَ قُطْرُب : الْمَعْنَى مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ مَا لَا يَفْهَم، يَعْنِي الْأَصْنَام، كَمَثَلِ الرَّاعِي إِذَا نَعَقَ بِغَنَمِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هِيَ.
قَالَ الطَّبَرِيّ : الْمُرَاد مَثَل الْكَافِرِينَ فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتهمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِق بِشَيْءٍ بَعِيد فَهُوَ لَا يَسْمَع مِنْ أَجْل الْبُعْد، فَلَيْسَ لِلنَّاعِقِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا النِّدَاء الَّذِي يُتْعِبهُ وَيُنْصِبهُ.
فَفِي هَذِهِ التَّأْوِيلَات الثَّلَاثَة يُشَبَّه الْكُفَّار بِالنَّاعِقِ الصَّائِح، وَالْأَصْنَام بِالْمَنْعُوقِ بِهِ.
وَالنَّعِيق : زَجْر الْغَنَم وَالصِّيَاح بِهَا، يُقَال : نَعَقَ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ يَنْعِق نَعِيقًا وَنُعَاقًا وَنَعَقَانًا، أَيْ صَاحَ بِهَا وَزَجَرَهَا.
قَالَ الْأَخْطَل :
| اِنْعِقْ بِضَأْنِك يَا جَرِير فَإِنَّمَا | مَنَّتْك نَفْسك فِي الْخَلَاء ضَلَالًا |
وَالْعَرَب تَضْرِب الْمَثَل بِرَاعِي الْغَنَم فِي الْجَهْل وَيَقُولُونَ :" أَجْهَل مِنْ رَاعِي ضَأْن ".
قَالَ الْقُتَبِيّ : وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَة كَانَ مَذْهَبًا، غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَذْهَب إِلَيْهِ أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء فِيمَا نَعْلَم.
وَالنِّدَاء لِلْبَعِيدِ، وَالدُّعَاء لِلْقَرِيبِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ نِدَاء لِأَنَّهُ لِلْأَبَاعِدِ.
وَقَدْ تُضَمّ النُّون فِي النِّدَاء وَالْأَصْل الْكَسْر.
ثُمَّ شَبَّهَ تَعَالَى الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ صُمّ بُكْم عُمْي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ الْأَوَّل، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ هُنَا بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا.
وَالْمُرَاد بِالْأَكْلِ الِانْتِفَاع مِنْ جَمِيع الْوُجُوه.
وَقِيلَ : هُوَ الْأَكْل الْمُعْتَاد.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه تَعَالَى طَيِّب لَا يَقْبَل إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٥١ ] وَقَالَ :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ " ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَر أَشْعَث أَغْبَر يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمه حَرَام وَمَشْرَبه حَرَام وَمَلْبَسه حَرَام وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ ).
هَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ الْأَوَّل، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ هُنَا بِالذِّكْرِ تَفْضِيلًا.
وَالْمُرَاد بِالْأَكْلِ الِانْتِفَاع مِنْ جَمِيع الْوُجُوه.
وَقِيلَ : هُوَ الْأَكْل الْمُعْتَاد.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه تَعَالَى طَيِّب لَا يَقْبَل إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم " [ الْمُؤْمِنُونَ : ٥١ ] وَقَالَ :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ " ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيل السَّفَر أَشْعَث أَغْبَر يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمه حَرَام وَمَشْرَبه حَرَام وَمَلْبَسه حَرَام وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ ).
رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَقَدَّمَ مَعْنَى الشُّكْر فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
تَقَدَّمَ مَعْنَى الشُّكْر فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
" إِنَّمَا " كَلِمَة مَوْضُوعَة لِلْحَصْرِ، تَتَضَمَّن النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَتُثْبِت مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَاب وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ، وَقَدْ حَصَرَتْ هَاهُنَا التَّحْرِيم، لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَتْ عَقِيب التَّحْلِيل فِي قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ " فَأَفَادَتْ الْإِبَاحَة عَلَى الْإِطْلَاق، ثُمَّ عَقَّبَهَا بِذِكْرِ الْمُحَرَّم بِكَلِمَةِ " إِنَّمَا " الْحَاصِرَة، فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْإِيعَاب لِلْقِسْمَيْنِ، فَلَا مُحَرَّم يَخْرُج عَنْ هَذِهِ الْآيَة، وَهِيَ مَدَنِيَّة، وَأَكَّدَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِعَرَفَة :" قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ] إِلَى آخِرهَا، فَاسْتَوْفَى الْبَيَان أَوَّلًا وَآخِرًا، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي تِلْكَ فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" إِنَّمَا " كَلِمَة مَوْضُوعَة لِلْحَصْرِ، تَتَضَمَّن النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَتُثْبِت مَا تَنَاوَلَهُ الْخِطَاب وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ، وَقَدْ حَصَرَتْ هَاهُنَا التَّحْرِيم، لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَتْ عَقِيب التَّحْلِيل فِي قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ " فَأَفَادَتْ الْإِبَاحَة عَلَى الْإِطْلَاق، ثُمَّ عَقَّبَهَا بِذِكْرِ الْمُحَرَّم بِكَلِمَةِ " إِنَّمَا " الْحَاصِرَة، فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْإِيعَاب لِلْقِسْمَيْنِ، فَلَا مُحَرَّم يَخْرُج عَنْ هَذِهِ الْآيَة، وَهِيَ مَدَنِيَّة، وَأَكَّدَهَا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِعَرَفَة :" قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ] إِلَى آخِرهَا، فَاسْتَوْفَى الْبَيَان أَوَّلًا وَآخِرًا، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي تِلْكَ فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْمَيْتَةَ
فِيهِ اِثْنَا عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : نُصِبَ بـ " حَرَّمَ "، و " مَا " كَافَّة.
وَيَجُوز أَنْ تَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي، مُنْفَصِلَة فِي الْخَطّ، وَتُرْفَع " الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير " عَلَى خَبَر " إِنَّ " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي عَبْلَة.
وَفِي " حَرَّمَ " ضَمِير يَعُود عَلَى الَّذِي، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِر " [ طَه : ٦٩ ].
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر " حُرِّمَ " بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء وَرَفْع الْأَسْمَاء بَعْدهَا، إِمَّا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَإِمَّا عَلَى خَبَر إِنَّ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع أَيْضًا " الْمَيِّتَة " بِالتَّشْدِيدِ.
الطَّبَرِيّ : وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ اللُّغَوِيِّينَ : التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِي مَيْت، وَمَيِّت لُغَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيْره : مَا قَدْ مَاتَ فَيُقَالَانِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَمُتْ بَعْد فَلَا يُقَال فِيهِ " مَيْت " بِالتَّخْفِيفِ، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ " [ الزُّمَر : ٣٠ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَلَمْ يَقْرَأ أَحَد بِتَخْفِيفِ مَا لَمْ يَمُتْ، إِلَّا مَا رَوَى الْبَزِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير " وَمَا هُوَ بِمَيْتٍ " وَالْمَشْهُور عَنْهُ التَّثْقِيل، وَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر :
فَلَا أَبْلَغ فِي الْهِجَاء مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَيِّت حَقِيقَة، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْض النَّاس إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ شَارَفَ الْمَوْت، وَالْأَوَّل أَشْهَر.
الثَّانِيَة : الْمَيْتَة : مَا فَارَقَتْهُ الرُّوح مِنْ غَيْر ذَكَاة مِمَّا يُذْبَح، وَمَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ فَذَكَاته كَمَوْتِهِ، كَالسِّبَاعِ وَغَيْرهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَا وَفِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : هَذِهِ الْآيَة عَامَّة دَخَلَهَا التَّخْصِيص بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوت وَالْجَرَاد وَدَمَانِ الْكَبِد وَالطِّحَال ).
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَكَذَلِكَ حَدِيث جَابِر فِي الْعَنْبَر يُخَصَّص عُمُوم الْقُرْآن بِصِحَّةِ سَنَده.
خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مَعَ قَوْله تَعَالَى :" أُحِلّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر " [ الْمَائِدَة : ٩٦ ]، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَكْثَر أَهْل الْعِلْم عَلَى جَوَاز أَكْل جَمِيع دَوَابّ الْبَحْر حَيّهَا وَمَيِّتهَا، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
وَتَوَقَّفَ أَنْ يُجِيب فِي خِنْزِير الْمَاء وَقَالَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَنَا أَتَّقِيه وَلَا أَرَاهُ حَرَامًا.
الرَّابِعَة : وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَخْصِيص كِتَاب اللَّه تَعَالَى بِالسُّنَّةِ، وَمَعَ اِخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز تَخْصِيصه بِحَدِيثٍ ضَعِيف، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقَدْ يُسْتَدَلّ عَلَى تَخْصِيص هَذِهِ الْآيَة أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْع غَزَوَات كُنَّا نَأْكُل الْجَرَاد مَعَهُ.
فِيهِ اِثْنَا عَشْرَة مَسْأَلَة
الْأُولَى : نُصِبَ بـ " حَرَّمَ "، و " مَا " كَافَّة.
وَيَجُوز أَنْ تَجْعَلهَا بِمَعْنَى الَّذِي، مُنْفَصِلَة فِي الْخَطّ، وَتُرْفَع " الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير " عَلَى خَبَر " إِنَّ " وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي عَبْلَة.
وَفِي " حَرَّمَ " ضَمِير يَعُود عَلَى الَّذِي، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْد سَاحِر " [ طَه : ٦٩ ].
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر " حُرِّمَ " بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْر الرَّاء وَرَفْع الْأَسْمَاء بَعْدهَا، إِمَّا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، وَإِمَّا عَلَى خَبَر إِنَّ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع أَيْضًا " الْمَيِّتَة " بِالتَّشْدِيدِ.
الطَّبَرِيّ : وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ اللُّغَوِيِّينَ : التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِي مَيْت، وَمَيِّت لُغَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيْره : مَا قَدْ مَاتَ فَيُقَالَانِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَمُتْ بَعْد فَلَا يُقَال فِيهِ " مَيْت " بِالتَّخْفِيفِ، دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ " [ الزُّمَر : ٣٠ ].
وَقَالَ الشَّاعِر :
| لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ | إِنَّمَا الْمَيْت مَيِّت الْأَحْيَاء |
| إِذَا مَا مَاتَ مَيْت مِنْ تَمِيم | فَسَرَّك أَنْ يَعِيش فَجِئْ بِزَادِ |
الثَّانِيَة : الْمَيْتَة : مَا فَارَقَتْهُ الرُّوح مِنْ غَيْر ذَكَاة مِمَّا يُذْبَح، وَمَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ فَذَكَاته كَمَوْتِهِ، كَالسِّبَاعِ وَغَيْرهَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَا وَفِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : هَذِهِ الْآيَة عَامَّة دَخَلَهَا التَّخْصِيص بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوت وَالْجَرَاد وَدَمَانِ الْكَبِد وَالطِّحَال ).
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَكَذَلِكَ حَدِيث جَابِر فِي الْعَنْبَر يُخَصَّص عُمُوم الْقُرْآن بِصِحَّةِ سَنَده.
خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مَعَ قَوْله تَعَالَى :" أُحِلّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر " [ الْمَائِدَة : ٩٦ ]، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَكْثَر أَهْل الْعِلْم عَلَى جَوَاز أَكْل جَمِيع دَوَابّ الْبَحْر حَيّهَا وَمَيِّتهَا، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
وَتَوَقَّفَ أَنْ يُجِيب فِي خِنْزِير الْمَاء وَقَالَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَنَا أَتَّقِيه وَلَا أَرَاهُ حَرَامًا.
الرَّابِعَة : وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي تَخْصِيص كِتَاب اللَّه تَعَالَى بِالسُّنَّةِ، وَمَعَ اِخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز تَخْصِيصه بِحَدِيثٍ ضَعِيف، قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقَدْ يُسْتَدَلّ عَلَى تَخْصِيص هَذِهِ الْآيَة أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْع غَزَوَات كُنَّا نَأْكُل الْجَرَاد مَعَهُ.
وَظَاهِره أَكْله كَيْف مَا مَاتَ بِعِلَاجٍ أَوْ حَتْف أَنْفه، وَبِهَذَا قَالَ اِبْن نَافِع وَابْن عَبْد الْحَكَم وَأَكْثَر الْعُلَمَاء، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَغَيْرهمَا.
وَمَنَعَ مَالِك وَجُمْهُور أَصْحَابه مِنْ أَكْله إِنْ مَاتَ حَتْف أَنْفه ; لِأَنَّهُ مِنْ صَيْد الْبَرّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِم يُجْزِئهُ إِذَا قَتَلَهُ، فَأَشْبَهَ الْغَزَال.
وَقَالَ أَشْهَب : إِنْ مَاتَ مِنْ قَطْع رِجْل أَوْ جَنَاح لَمْ يُؤْكَل ; لِأَنَّهَا حَالَة قَدْ يَعِيش بِهَا وَيَنْسِل.
وَسَيَأْتِي لِحُكْمِ الْجَرَاد مَزِيد بَيَان فِي " الْأَعْرَاف " عِنْد ذِكْره، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ يَجُوز أَنْ يُنْتَفَع بِالْمَيْتَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَات، وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِك فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ مَرَّة : يَجُوز الِانْتِفَاع بِهَا ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاة مَيْمُونَة فَقَالَ :( هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابهَا ) الْحَدِيث.
وَقَالَ مَرَّة : جُمْلَتهَا مُحَرَّم، فَلَا يَجُوز الِانْتِفَاع بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَات عَلَى وَجْه مِنْ وُجُوه الِانْتِفَاع، حَتَّى لَا يَجُوز أَنْ يُسْقَى الزَّرْع وَلَا الْحَيَوَان الْمَاء النَّجِس، وَلَا تُعْلَف الْبَهَائِم النَّجَاسَات، وَلَا تُطْعَم الْمَيْتَة الْكِلَاب وَالسِّبَاع، وَإِنْ أَكَلَتْهَا لَمْ تُمْنَع.
وَوَجْه هَذَا الْقَوْل ظَاهِر قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم " [ الْمَائِدَة : ٣ ] وَلَمْ يَخُصّ وَجْهًا مِنْ وَجْه، وَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال : هَذَا الْخِطَاب مُجْمَل ; لِأَنَّ الْمُجْمَل مَا لَا يُفْهَم الْمُرَاد مِنْ ظَاهِره، وَقَدْ فَهِمَتْ الْعَرَب الْمُرَاد مِنْ قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة "، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِشَيْءٍ ).
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُكَيْم ( لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِإِهَابٍ وَلَا عَصَب ).
وَهَذَا آخِر مَا وَرَدَ بِهِ كِتَابه قَبْل مَوْته بِشَهْرٍ، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذِهِ الْأَخْبَار وَالْكَلَام عَلَيْهَا فِي " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَمَنَعَ مَالِك وَجُمْهُور أَصْحَابه مِنْ أَكْله إِنْ مَاتَ حَتْف أَنْفه ; لِأَنَّهُ مِنْ صَيْد الْبَرّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِم يُجْزِئهُ إِذَا قَتَلَهُ، فَأَشْبَهَ الْغَزَال.
وَقَالَ أَشْهَب : إِنْ مَاتَ مِنْ قَطْع رِجْل أَوْ جَنَاح لَمْ يُؤْكَل ; لِأَنَّهَا حَالَة قَدْ يَعِيش بِهَا وَيَنْسِل.
وَسَيَأْتِي لِحُكْمِ الْجَرَاد مَزِيد بَيَان فِي " الْأَعْرَاف " عِنْد ذِكْره، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ يَجُوز أَنْ يُنْتَفَع بِالْمَيْتَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَات، وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِك فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ مَرَّة : يَجُوز الِانْتِفَاع بِهَا ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاة مَيْمُونَة فَقَالَ :( هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابهَا ) الْحَدِيث.
وَقَالَ مَرَّة : جُمْلَتهَا مُحَرَّم، فَلَا يَجُوز الِانْتِفَاع بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَات عَلَى وَجْه مِنْ وُجُوه الِانْتِفَاع، حَتَّى لَا يَجُوز أَنْ يُسْقَى الزَّرْع وَلَا الْحَيَوَان الْمَاء النَّجِس، وَلَا تُعْلَف الْبَهَائِم النَّجَاسَات، وَلَا تُطْعَم الْمَيْتَة الْكِلَاب وَالسِّبَاع، وَإِنْ أَكَلَتْهَا لَمْ تُمْنَع.
وَوَجْه هَذَا الْقَوْل ظَاهِر قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم " [ الْمَائِدَة : ٣ ] وَلَمْ يَخُصّ وَجْهًا مِنْ وَجْه، وَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال : هَذَا الْخِطَاب مُجْمَل ; لِأَنَّ الْمُجْمَل مَا لَا يُفْهَم الْمُرَاد مِنْ ظَاهِره، وَقَدْ فَهِمَتْ الْعَرَب الْمُرَاد مِنْ قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة "، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِشَيْءٍ ).
وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُكَيْم ( لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِإِهَابٍ وَلَا عَصَب ).
وَهَذَا آخِر مَا وَرَدَ بِهِ كِتَابه قَبْل مَوْته بِشَهْرٍ، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذِهِ الْأَخْبَار وَالْكَلَام عَلَيْهَا فِي " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّادِسَة : فَأَمَّا النَّاقَة إِذَا نُحِرَتْ، أَوْ الْبَقَرَة أَوْ الشَّاة إِذَا ذُبِحَتْ، وَكَانَ فِي بَطْنهَا جَنِين مَيِّت فَجَائِز أَكْله مِنْ غَيْر تَذْكِيَة لَهُ فِي نَفْسه، إِلَّا أَنْ يَخْرُج حَيًّا فَيُذَكَّى، وَيَكُون لَهُ حُكْم نَفْسه، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنِين إِذَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْد الذَّبْح مَيِّتًا جَرَى مَجْرَى الْعُضْو مِنْ أَعْضَائِهَا، وَمِمَّا يُبَيِّن ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّاة وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنهَا لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اِسْتَثْنَى عُضْوًا مِنْهَا، وَكَانَ مَا فِي بَطْنهَا تَابِعًا لَهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْر أَنْ يُوقِع عَلَى مَا فِي بَطْنهَا عِتْقًا مُبْتَدَأ، وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهَا لَمْ يَتْبَعهَا فِي بَيْع وَلَا عِتْق، وَقَدْ رَوَى جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْبَقَرَة وَالشَّاة تُذْبَح، وَالنَّاقَة تُنْحَر فَيَكُون فِي بَطْنهَا جَنِين مَيِّت، فَقَالَ :( إِنْ شِئْتُمْ فَكُلُوهُ لِأَنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه ).
خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَهُوَ نَصّ لَا يُحْتَمَل، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّابِعَة : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك فِي جِلْد الْمَيْتَة هَلْ يَطْهُر بِالدِّبَاغِ أَوْ لَا، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطْهُر، وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْهُر، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( أَيّمَا إِهَاب دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ )، وَوَجْه قَوْله : لَا يَطْهُر، بِأَنَّهُ جُزْء مِنْ الْمَيْتَة لَوْ أُخِذَ مِنْهَا فِي حَال الْحَيَاة كَانَ نَجِسًا، فَوَجَبَ أَلَّا يُطَهِّرهُ الدِّبَاغ قِيَاسًا عَلَى اللَّحْم، وَتُحْمَل الْأَخْبَار بِالطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغ يُزِيل الْأَوْسَاخ عَنْ الْجِلْد حَتَّى يُنْتَفَع بِهِ فِي الْأَشْيَاء الْيَابِسَة وَفِي الْجُلُوس عَلَيْهِ، وَيَجُوز أَيْضًا أَنْ يُنْتَفَع بِهِ فِي الْمَاء بِأَنْ يُجْعَل سِقَاء ; لِأَنَّ الْمَاء عَلَى أَصْل الطَّهَارَة مَا لَمْ يَتَغَيَّر لَهُ وَصْف عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ حُكْمه فِي سُورَة " الْفُرْقَان "، وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة مُتَوَجِّهَة نَحْو إِزَالَة الْأَوْسَاخ كَمَا تَتَوَجَّه إِلَى الطَّهَارَة الشَّرْعِيَّة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ وَهُوَ نَصّ لَا يُحْتَمَل، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي سُورَة " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
السَّابِعَة : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك فِي جِلْد الْمَيْتَة هَلْ يَطْهُر بِالدِّبَاغِ أَوْ لَا، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطْهُر، وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْهُر، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ( أَيّمَا إِهَاب دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ )، وَوَجْه قَوْله : لَا يَطْهُر، بِأَنَّهُ جُزْء مِنْ الْمَيْتَة لَوْ أُخِذَ مِنْهَا فِي حَال الْحَيَاة كَانَ نَجِسًا، فَوَجَبَ أَلَّا يُطَهِّرهُ الدِّبَاغ قِيَاسًا عَلَى اللَّحْم، وَتُحْمَل الْأَخْبَار بِالطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغ يُزِيل الْأَوْسَاخ عَنْ الْجِلْد حَتَّى يُنْتَفَع بِهِ فِي الْأَشْيَاء الْيَابِسَة وَفِي الْجُلُوس عَلَيْهِ، وَيَجُوز أَيْضًا أَنْ يُنْتَفَع بِهِ فِي الْمَاء بِأَنْ يُجْعَل سِقَاء ; لِأَنَّ الْمَاء عَلَى أَصْل الطَّهَارَة مَا لَمْ يَتَغَيَّر لَهُ وَصْف عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ حُكْمه فِي سُورَة " الْفُرْقَان "، وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة مُتَوَجِّهَة نَحْو إِزَالَة الْأَوْسَاخ كَمَا تَتَوَجَّه إِلَى الطَّهَارَة الشَّرْعِيَّة، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
الثَّامِنَة : وَأَمَّا شَعْر الْمَيْتَة وَصُوفهَا فَطَاهِر، لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا بَأْس بِمَسْكِ الْمَيْتَة إِذَا دُبِغَ وَصُوفهَا وَشَعْرهَا إِذَا غُسِلَ ) ; وَلِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا لَوْ أُخِذَ مِنْهَا فِي حَال الْحَيَاة فَوَجَبَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ بَعْد الْمَوْت، إِلَّا أَنَّ اللَّحْم لَمَّا كَانَ نَجِسًا فِي حَال الْحَيَاة كَانَ كَذَلِكَ بَعْد الْمَوْت، فَيَجِب أَنْ يَكُون الصُّوف خِلَافه فِي حَال الْمَوْت كَمَا كَانَ خِلَافه فِي حَال الْحَيَاة اِسْتِدْلَالًا بِالْعَكْسِ، وَلَا يَلْزَم عَلَى هَذَا اللَّبَن وَالْبَيْضَة مِنْ الدَّجَاجَة الْمَيِّتَة ; لِأَنَّ اللَّبَن عِنْدنَا طَاهِر بَعْد الْمَوْت، وَكَذَلِكَ الْبَيْضَة، وَلَكِنَّهُمَا حَصَلَا فِي وِعَاء نَجِس فَتَنَجَّسَا بِمُجَاوَرَةِ الْوِعَاء لَا أَنَّهُمَا نُجِّسَا بِالْمَوْتِ.
وَسَيَأْتِي مَزِيد بَيَان لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِمَا مِنْ الْخِلَاف فِي سُورَة " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
التَّاسِعَة : وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَة فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالَة تَكُون إِنْ أُخْرِجَتْ الْفَأْرَة حَيَّة فَهُوَ طَاهِر، وَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالَة يَكُون مَائِعًا فَإِنَّهُ يَنْجُس جَمِيعه، وَحَالَة يَكُون جَامِدًا فَإِنَّهُ يَنْجُس مَا جَاوَرَهَا، فَتُطْرَح وَمَا حَوْلهَا، وَيُنْتَفَع بِمَا بَقِيَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَته ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَة تَقَع فِي السَّمْن فَتَمُوت، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ )، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ إِذَا غُسِلَ، فَقِيلَ : لَا يَطْهُر بِالْغَسْلِ ; لِأَنَّهُ مَائِع نُجِّسَ فَأَشْبَهَ الدَّم وَالْخَمْر وَالْبَوْل وَسَائِر النَّجَاسَات، وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : يَطْهُر بِالْغَسْلِ ; لِأَنَّهُ جِسْم تَنَجَّسَ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَة فَأَشْبَهَ الثَّوْب، وَلَا يَلْزَم عَلَى هَذَا الدَّم ; لِأَنَّهُ نَجِس بِعَيْنِهِ، وَلَا الْخَمْر وَالْبَوْل لِأَنَّ الْغَسْل يَسْتَهْلِكهُمَا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ.
الْعَاشِرَة : فَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ رَجَعَ إِلَى حَالَته الْأُولَى فِي الطَّهَارَة وَسَائِر وُجُوه الِانْتِفَاع، لَكِنْ لَا يَبِيعهُ حَتَّى يُبَيِّن ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْب عِنْد النَّاس تَأْبَاهُ نُفُوسهمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِد تَحْرِيمه وَنَجَاسَته، فَلَا يَجُوز بَيْعه حَتَّى يُبَيِّن الْعَيْب كَسَائِرِ الْأَشْيَاء الْمَعِيبَة، وَأَمَّا قَبْل الْغَسْل فَلَا يَجُوز بَيْعه بِحَالٍ، لِأَنَّ النَّجَاسَات عِنْده لَا يَجُوز بَيْعهَا، وَلِأَنَّهُ مَائِع نَجِس فَأَشْبَهَ الْخَمْر، وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ثَمَن الْخَمْر فَقَالَ :( لَعَنَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانهَا وَأَنَّ اللَّه إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنه ) وَهَذَا الْمَائِع مُحَرَّم لِنَجَاسَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّم ثَمَنه بِحُكْمِ الظَّاهِر.
وَسَيَأْتِي مَزِيد بَيَان لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِمَا مِنْ الْخِلَاف فِي سُورَة " النَّحْل " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
التَّاسِعَة : وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَة فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالَة تَكُون إِنْ أُخْرِجَتْ الْفَأْرَة حَيَّة فَهُوَ طَاهِر، وَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالَة يَكُون مَائِعًا فَإِنَّهُ يَنْجُس جَمِيعه، وَحَالَة يَكُون جَامِدًا فَإِنَّهُ يَنْجُس مَا جَاوَرَهَا، فَتُطْرَح وَمَا حَوْلهَا، وَيُنْتَفَع بِمَا بَقِيَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَته ; لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَة تَقَع فِي السَّمْن فَتَمُوت، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ )، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ إِذَا غُسِلَ، فَقِيلَ : لَا يَطْهُر بِالْغَسْلِ ; لِأَنَّهُ مَائِع نُجِّسَ فَأَشْبَهَ الدَّم وَالْخَمْر وَالْبَوْل وَسَائِر النَّجَاسَات، وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : يَطْهُر بِالْغَسْلِ ; لِأَنَّهُ جِسْم تَنَجَّسَ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَة فَأَشْبَهَ الثَّوْب، وَلَا يَلْزَم عَلَى هَذَا الدَّم ; لِأَنَّهُ نَجِس بِعَيْنِهِ، وَلَا الْخَمْر وَالْبَوْل لِأَنَّ الْغَسْل يَسْتَهْلِكهُمَا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ.
الْعَاشِرَة : فَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ رَجَعَ إِلَى حَالَته الْأُولَى فِي الطَّهَارَة وَسَائِر وُجُوه الِانْتِفَاع، لَكِنْ لَا يَبِيعهُ حَتَّى يُبَيِّن ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْب عِنْد النَّاس تَأْبَاهُ نُفُوسهمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِد تَحْرِيمه وَنَجَاسَته، فَلَا يَجُوز بَيْعه حَتَّى يُبَيِّن الْعَيْب كَسَائِرِ الْأَشْيَاء الْمَعِيبَة، وَأَمَّا قَبْل الْغَسْل فَلَا يَجُوز بَيْعه بِحَالٍ، لِأَنَّ النَّجَاسَات عِنْده لَا يَجُوز بَيْعهَا، وَلِأَنَّهُ مَائِع نَجِس فَأَشْبَهَ الْخَمْر، وَلِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ثَمَن الْخَمْر فَقَالَ :( لَعَنَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانهَا وَأَنَّ اللَّه إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنه ) وَهَذَا الْمَائِع مُحَرَّم لِنَجَاسَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّم ثَمَنه بِحُكْمِ الظَّاهِر.
الْحَادِيَة عَشْرَة : وَاخْتُلِفَ إِذَا وَقَعَ فِي الْقِدْر حَيَوَان، طَائِر أَوْ غَيْره فَمَاتَ فَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ : لَا يُؤْكَل مَا فِي الْقِدْر، وَقَدْ تَنَجَّسَ بِمُخَالَطَةِ الْمَيْتَة إِيَّاهُ، وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يُغْسَل اللَّحْم وَيُرَاق الْمَرَق، وَقَدْ سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَقَالَ : يُغْسَل اللَّحْم وَيُؤْكَل، وَلَا مُخَالِف لَهُ فِي الْمَرَق مِنْ أَصْحَابه، ذَكَرَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد.
الثَّانِيَة عَشْرَة : فَأَمَّا إِنْفَحَة الْمَيْتَة وَلَبَن الْمَيْتَة فَقَالَ الشَّافِعِيّ : ذَلِكَ نَجِس لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة بِطَهَارَتِهِمَا، وَلَمْ يَجْعَل لِمَوْضِعِ الْخِلْقَة أَثَرًا فِي تَنَجُّس مَا جَاوَرَهُ مِمَّا حَدَثَ فِيهِ خِلْقَة، قَالَ : وَلِذَلِكَ يُؤْكَل اللَّحْم بِمَا فِيهِ مِنْ الْعُرُوق، مَعَ الْقَطْع بِمُجَاوَرَةِ الدَّم لِدَوَاخِلِهَا مِنْ غَيْر تَطْهِير وَلَا غَسْل إِجْمَاعًا.
وَقَالَ مَالِك نَحْو قَوْل أَبِي حَنِيفَة إِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُس بِالْمَوْتِ، وَلَكِنْ يَنْجُس بِمُجَاوَرَةِ الْوِعَاء النَّجِس وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَسْل، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَة تَخْرُج مِنْهَا الْبَيْضَة بَعْد مَوْتهَا ; لِأَنَّ الْبَيْضَة لَيِّنَة فِي حُكْم الْمَائِع قَبْل خُرُوجهَا، وَإِنَّمَا تَجْمُد وَتَصْلُب بِالْهَوَاءِ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد فَإِنْ قِيلَ : فَقَوْلكُمْ يُؤَدِّي إِلَى خِلَاف الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ بَعْده كَانُوا يَأْكُلُونَ الْجُبْن وَكَانَ مَجْلُوبًا إِلَيْهِمْ مِنْ أَرْض الْعَجَم، وَمَعْلُوم أَنَّ ذَبَائِح الْعَجَم وَهُمْ مَجُوس مَيْتَة، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِأَنْ يَكُون مُجَمَّدًا بِإِنْفَحَة مَيْتَة أَوْ ذُكِّيَ.
قِيلَ لَهُ : قَدْر مَا يَقَع مِنْ الْإِنْفَحَة فِي اللَّبَن الْمُجَبَّن يَسِير، وَالْيَسِير مِنْ النَّجَاسَة مَعْفُوّ عَنْهُ إِذَا خَالَطَ الْكَثِير مِنْ الْمَائِع.
هَذَا جَوَاب عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَعَلَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، وَلَا يُمْكِن أَحَد أَنْ يَنْقُل أَنَّ الصَّحَابَة أَكَلَتْ الْجُبْن الْمَحْمُول مِنْ أَرْض الْعَجَم، بَلْ الْجُبْن لَيْسَ مِنْ طَعَام الْعَرَب، فَلَمَّا اِنْتَشَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَرْض الْعَجَم بِالْفُتُوحِ صَارَتْ الذَّبَائِح لَهُمْ، فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة أَكَلَتْ جُبْنًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون مَحْمُولًا مِنْ أَرْض الْعَجَم وَمَعْمُولًا مِنْ إِنْفَحَة ذَبَائِحهمْ.
وَقَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا بَأْس بِأَكْلِ طَعَام عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْمَجُوس وَسَائِر مَنْ لَا كِتَاب لَهُ مِنْ الْكُفَّار مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَبَائِحهمْ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَكَاة إِلَّا الْجُبْن لِمَا فِيهِ مِنْ إِنْفَحَة الْمَيْتَة.
الثَّانِيَة عَشْرَة : فَأَمَّا إِنْفَحَة الْمَيْتَة وَلَبَن الْمَيْتَة فَقَالَ الشَّافِعِيّ : ذَلِكَ نَجِس لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة بِطَهَارَتِهِمَا، وَلَمْ يَجْعَل لِمَوْضِعِ الْخِلْقَة أَثَرًا فِي تَنَجُّس مَا جَاوَرَهُ مِمَّا حَدَثَ فِيهِ خِلْقَة، قَالَ : وَلِذَلِكَ يُؤْكَل اللَّحْم بِمَا فِيهِ مِنْ الْعُرُوق، مَعَ الْقَطْع بِمُجَاوَرَةِ الدَّم لِدَوَاخِلِهَا مِنْ غَيْر تَطْهِير وَلَا غَسْل إِجْمَاعًا.
وَقَالَ مَالِك نَحْو قَوْل أَبِي حَنِيفَة إِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُس بِالْمَوْتِ، وَلَكِنْ يَنْجُس بِمُجَاوَرَةِ الْوِعَاء النَّجِس وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَسْل، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَة تَخْرُج مِنْهَا الْبَيْضَة بَعْد مَوْتهَا ; لِأَنَّ الْبَيْضَة لَيِّنَة فِي حُكْم الْمَائِع قَبْل خُرُوجهَا، وَإِنَّمَا تَجْمُد وَتَصْلُب بِالْهَوَاءِ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد فَإِنْ قِيلَ : فَقَوْلكُمْ يُؤَدِّي إِلَى خِلَاف الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ بَعْده كَانُوا يَأْكُلُونَ الْجُبْن وَكَانَ مَجْلُوبًا إِلَيْهِمْ مِنْ أَرْض الْعَجَم، وَمَعْلُوم أَنَّ ذَبَائِح الْعَجَم وَهُمْ مَجُوس مَيْتَة، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِأَنْ يَكُون مُجَمَّدًا بِإِنْفَحَة مَيْتَة أَوْ ذُكِّيَ.
قِيلَ لَهُ : قَدْر مَا يَقَع مِنْ الْإِنْفَحَة فِي اللَّبَن الْمُجَبَّن يَسِير، وَالْيَسِير مِنْ النَّجَاسَة مَعْفُوّ عَنْهُ إِذَا خَالَطَ الْكَثِير مِنْ الْمَائِع.
هَذَا جَوَاب عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَعَلَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، وَلَا يُمْكِن أَحَد أَنْ يَنْقُل أَنَّ الصَّحَابَة أَكَلَتْ الْجُبْن الْمَحْمُول مِنْ أَرْض الْعَجَم، بَلْ الْجُبْن لَيْسَ مِنْ طَعَام الْعَرَب، فَلَمَّا اِنْتَشَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَرْض الْعَجَم بِالْفُتُوحِ صَارَتْ الذَّبَائِح لَهُمْ، فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة أَكَلَتْ جُبْنًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون مَحْمُولًا مِنْ أَرْض الْعَجَم وَمَعْمُولًا مِنْ إِنْفَحَة ذَبَائِحهمْ.
وَقَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا بَأْس بِأَكْلِ طَعَام عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْمَجُوس وَسَائِر مَنْ لَا كِتَاب لَهُ مِنْ الْكُفَّار مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَبَائِحهمْ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَكَاة إِلَّا الْجُبْن لِمَا فِيهِ مِنْ إِنْفَحَة الْمَيْتَة.
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ " الْجُبْن وَالسَّمْن " حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ حَدَّثَنَا سَيْف بْن هَارُون عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّمْن وَالْجُبْن وَالْفِرَاء.
فَقَالَ :( الْحَلَال مَا أَحَلَّ اللَّه فِي كِتَابه وَالْحَرَام مَا حَرَّمَ اللَّه فِي كِتَابه وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ ).
فَقَالَ :( الْحَلَال مَا أَحَلَّ اللَّه فِي كِتَابه وَالْحَرَام مَا حَرَّمَ اللَّه فِي كِتَابه وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ ).
وَالدَّمَ
اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الدَّم حَرَام نَجِس لَا يُؤْكَل وَلَا يُنْتَفَع بِهِ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَأَمَّا الدَّم فَمُحَرَّم مَا لَمْ تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى، وَمَعْفُوّ عَمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى، وَاَلَّذِي تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى هُوَ الدَّم فِي اللَّحْم وَعُرُوقه، وَيَسِيره فِي الْبَدَن وَالثَّوْب يُصَلَّى فِيهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر " قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ].
فَحَرَّمَ الْمَسْفُوح مِنْ الدَّم، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ :( كُنَّا نَطْبُخ الْبُرْمَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلُوهَا الصُّفْرَة مِنْ الدَّم فَنَأْكُل وَلَا نُنْكِرهُ ) لِأَنَّ التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا إِصْر وَفِيهِ مَشَقَّة، وَالْإِصْر وَالْمَشَقَّة فِي الدِّين مَوْضُوع، وَهَذَا أَصْل فِي الشَّرْع، أَنَّ كُلَّمَا حَرَجَتْ الْأُمَّة فِي أَدَاء الْعِبَادَة فِيهِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ الْعِبَادَة عَنْهَا فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرّ يَأْكُل الْمَيْتَة، وَأَنَّ الْمَرِيض يُفْطِر وَيَتَيَمَّم فِي نَحْو ذَلِكَ.
قُلْت : ذَكَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الدَّم هَاهُنَا مُطْلَقًا، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَنْعَام بِقَوْلِهِ " مَسْفُوحًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ] وَحَمَلَ الْعُلَمَاء هَاهُنَا الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد إِجْمَاعًا.
فَالدَّم هُنَا يُرَاد بِهِ الْمَسْفُوح ; لِأَنَّ مَا خَالَطَ اللَّحْم فَغَيْر مُحَرَّم بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْكَبِد وَالطِّحَال مُجْمَع عَلَيْهِ، وَفِي دَم الْحُوت الْمُزَايِل لَهُ اِخْتِلَاف، وَرُوِيَ عَنْ الْقَابِسِيّ أَنَّهُ طَاهِر، وَيَلْزَم عَلَى طَهَارَته أَنَّهُ غَيْر مُحَرَّم، وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن الْعَرَبِيّ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَم السَّمَك نَجِسًا لَشُرِعَتْ ذَكَاته.
قُلْت : وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة فِي دَم الْحُوت، سَمِعْت بَعْض الْحَنَفِيَّة يَقُول : الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ طَاهِر أَنَّهُ إِذَا يَبِسَ اِبْيَضَّ بِخِلَافِ سَائِر الدِّمَاء فَإِنَّهُ يَسْوَدّ، وَهَذِهِ النُّكْتَة لَهُمْ فِي الِاحْتِجَاج عَلَى الشَّافِعِيَّة.
اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الدَّم حَرَام نَجِس لَا يُؤْكَل وَلَا يُنْتَفَع بِهِ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَأَمَّا الدَّم فَمُحَرَّم مَا لَمْ تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى، وَمَعْفُوّ عَمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى، وَاَلَّذِي تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى هُوَ الدَّم فِي اللَّحْم وَعُرُوقه، وَيَسِيره فِي الْبَدَن وَالثَّوْب يُصَلَّى فِيهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر " قُلْ لَا أَجِد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ].
فَحَرَّمَ الْمَسْفُوح مِنْ الدَّم، وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ :( كُنَّا نَطْبُخ الْبُرْمَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلُوهَا الصُّفْرَة مِنْ الدَّم فَنَأْكُل وَلَا نُنْكِرهُ ) لِأَنَّ التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا إِصْر وَفِيهِ مَشَقَّة، وَالْإِصْر وَالْمَشَقَّة فِي الدِّين مَوْضُوع، وَهَذَا أَصْل فِي الشَّرْع، أَنَّ كُلَّمَا حَرَجَتْ الْأُمَّة فِي أَدَاء الْعِبَادَة فِيهِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ الْعِبَادَة عَنْهَا فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرّ يَأْكُل الْمَيْتَة، وَأَنَّ الْمَرِيض يُفْطِر وَيَتَيَمَّم فِي نَحْو ذَلِكَ.
قُلْت : ذَكَرَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الدَّم هَاهُنَا مُطْلَقًا، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَنْعَام بِقَوْلِهِ " مَسْفُوحًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٥ ] وَحَمَلَ الْعُلَمَاء هَاهُنَا الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد إِجْمَاعًا.
فَالدَّم هُنَا يُرَاد بِهِ الْمَسْفُوح ; لِأَنَّ مَا خَالَطَ اللَّحْم فَغَيْر مُحَرَّم بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْكَبِد وَالطِّحَال مُجْمَع عَلَيْهِ، وَفِي دَم الْحُوت الْمُزَايِل لَهُ اِخْتِلَاف، وَرُوِيَ عَنْ الْقَابِسِيّ أَنَّهُ طَاهِر، وَيَلْزَم عَلَى طَهَارَته أَنَّهُ غَيْر مُحَرَّم، وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن الْعَرَبِيّ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَم السَّمَك نَجِسًا لَشُرِعَتْ ذَكَاته.
قُلْت : وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة فِي دَم الْحُوت، سَمِعْت بَعْض الْحَنَفِيَّة يَقُول : الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ طَاهِر أَنَّهُ إِذَا يَبِسَ اِبْيَضَّ بِخِلَافِ سَائِر الدِّمَاء فَإِنَّهُ يَسْوَدّ، وَهَذِهِ النُّكْتَة لَهُمْ فِي الِاحْتِجَاج عَلَى الشَّافِعِيَّة.
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
الْأُولَى : خَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْر اللَّحْم مِنْ الْخِنْزِير لِيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم عَيْنه ذُكِّيَ أَوْ لَمْ يُذَكَّ، وَلِيَعُمّ الشَّحْم وَمَا هُنَالِكَ مِنْ الْغَضَارِيف وَغَيْرهَا.
الثَّانِيَة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَحْرِيم شَحْم الْخِنْزِير، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ مَالِك وَأَصْحَابه عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا لَمْ يَحْنَث بِأَكْلِ اللَّحْم.
فَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ لِأَنَّ اللَّحْم مَعَ الشَّحْم يَقَع عَلَيْهِ اِسْم اللَّحْم، فَقَدْ دَخَلَ الشَّحْم فِي اِسْم اللَّحْم وَلَا يَدْخُل اللَّحْم فِي اِسْم الشَّحْم، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى لَحْم الْخِنْزِير فَنَابَ ذِكْر لَحْمه عَنْ شَحْمه ; لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْت اِسْم اللَّحْم، وَحَرَّمَ اللَّه تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل الشُّحُوم بِقَوْلِهِ :" حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا " [ الْأَنْعَام : ١٤٦ ] فَلَمْ يَقَع بِهَذَا عَلَيْهِمْ تَحْرِيم اللَّحْم وَلَمْ يَدْخُل فِي اِسْم الشَّحْم، فَلِهَذَا فَرَّقَ مَالِك بَيْن الْحَالِف فِي الشَّحْم وَالْحَالِف فِي اللَّحْم، إِلَّا أَنْ يَكُون لِلْحَالِفِ نِيَّة فِي اللَّحْم دُون الشَّحْم فَلَا يَحْنَث وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم، وَلَا يَحْنَث فِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا، وَقَالَ أَحْمَد : إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ الشَّحْم لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ اِجْتِنَاب الدَّسَم.
الثَّالِثَة : لَا خِلَاف أَنَّ جُمْلَة الْخِنْزِير مُحَرَّمَة إِلَّا الشَّعْر فَإِنَّهُ يَجُوز الْخِرَازَة بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخِرَازَة بِشَعْرِ الْخِنْزِير، فَقَالَ :( لَا بَأْس بِذَلِكَ ) ذَكَرَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد، قَالَ : وَلِأَنَّ الْخِرَازَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ، وَبَعْده مَوْجُودَة ظَاهِرَة، لَا نَعْلَم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهَا وَلَا أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة بَعْده.
وَمَا أَجَازَهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَابْتِدَاءِ الشَّرْع مِنْهُ.
الرَّابِعَة : لَا خِلَاف فِي تَحْرِيم خِنْزِير الْبَرّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي خِنْزِير الْمَاء خِلَاف، وَأَبَى مَالِك أَنْ يُجِيب فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَامِسَة : ذَهَبَ أَكْثَر اللُّغَوِيِّينَ إِلَى أَنَّ لَفْظَة الْخِنْزِير رُبَاعِيَّة.
وَحَكَى اِبْن سِيدَه عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ خَزَر الْعَيْن ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْظُر، وَاللَّفْظَة عَلَى هَذَا ثُلَاثِيَّة، وَفِي الصِّحَاح : وَتَخَازَرَ الرَّجُل إِذَا ضَيَّقَ جَفْنه لِيُحَدِّد النَّظَر، وَالْخَزَر : ضِيق الْعَيْن وَصِغَرهَا.
رَجُل أَخْزَر بَيِّن الْخَزَر، وَيُقَال : هُوَ أَنْ يَكُون الْإِنْسَان كَأَنَّهُ يَنْظُر بِمُؤَخَّرِهَا، وَجَمْع الْخِنْزِير خَنَازِير.
وَالْخَنَازِير أَيْضًا عِلَّة مَعْرُوفَة، وَهِيَ قُرُوح صُلْبَة تَحْدُث فِي الرَّقَبَة.
فِيهِ خَمْس مَسَائِل
الْأُولَى : خَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْر اللَّحْم مِنْ الْخِنْزِير لِيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم عَيْنه ذُكِّيَ أَوْ لَمْ يُذَكَّ، وَلِيَعُمّ الشَّحْم وَمَا هُنَالِكَ مِنْ الْغَضَارِيف وَغَيْرهَا.
الثَّانِيَة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَحْرِيم شَحْم الْخِنْزِير، وَقَدْ اِسْتَدَلَّ مَالِك وَأَصْحَابه عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا لَمْ يَحْنَث بِأَكْلِ اللَّحْم.
فَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ لِأَنَّ اللَّحْم مَعَ الشَّحْم يَقَع عَلَيْهِ اِسْم اللَّحْم، فَقَدْ دَخَلَ الشَّحْم فِي اِسْم اللَّحْم وَلَا يَدْخُل اللَّحْم فِي اِسْم الشَّحْم، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى لَحْم الْخِنْزِير فَنَابَ ذِكْر لَحْمه عَنْ شَحْمه ; لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْت اِسْم اللَّحْم، وَحَرَّمَ اللَّه تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل الشُّحُوم بِقَوْلِهِ :" حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا " [ الْأَنْعَام : ١٤٦ ] فَلَمْ يَقَع بِهَذَا عَلَيْهِمْ تَحْرِيم اللَّحْم وَلَمْ يَدْخُل فِي اِسْم الشَّحْم، فَلِهَذَا فَرَّقَ مَالِك بَيْن الْحَالِف فِي الشَّحْم وَالْحَالِف فِي اللَّحْم، إِلَّا أَنْ يَكُون لِلْحَالِفِ نِيَّة فِي اللَّحْم دُون الشَّحْم فَلَا يَحْنَث وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم، وَلَا يَحْنَث فِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا، وَقَالَ أَحْمَد : إِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ الشَّحْم لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ اِجْتِنَاب الدَّسَم.
الثَّالِثَة : لَا خِلَاف أَنَّ جُمْلَة الْخِنْزِير مُحَرَّمَة إِلَّا الشَّعْر فَإِنَّهُ يَجُوز الْخِرَازَة بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخِرَازَة بِشَعْرِ الْخِنْزِير، فَقَالَ :( لَا بَأْس بِذَلِكَ ) ذَكَرَهُ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد، قَالَ : وَلِأَنَّ الْخِرَازَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ، وَبَعْده مَوْجُودَة ظَاهِرَة، لَا نَعْلَم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهَا وَلَا أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة بَعْده.
وَمَا أَجَازَهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَابْتِدَاءِ الشَّرْع مِنْهُ.
الرَّابِعَة : لَا خِلَاف فِي تَحْرِيم خِنْزِير الْبَرّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي خِنْزِير الْمَاء خِلَاف، وَأَبَى مَالِك أَنْ يُجِيب فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الْخَامِسَة : ذَهَبَ أَكْثَر اللُّغَوِيِّينَ إِلَى أَنَّ لَفْظَة الْخِنْزِير رُبَاعِيَّة.
وَحَكَى اِبْن سِيدَه عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ خَزَر الْعَيْن ; لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْظُر، وَاللَّفْظَة عَلَى هَذَا ثُلَاثِيَّة، وَفِي الصِّحَاح : وَتَخَازَرَ الرَّجُل إِذَا ضَيَّقَ جَفْنه لِيُحَدِّد النَّظَر، وَالْخَزَر : ضِيق الْعَيْن وَصِغَرهَا.
رَجُل أَخْزَر بَيِّن الْخَزَر، وَيُقَال : هُوَ أَنْ يَكُون الْإِنْسَان كَأَنَّهُ يَنْظُر بِمُؤَخَّرِهَا، وَجَمْع الْخِنْزِير خَنَازِير.
وَالْخَنَازِير أَيْضًا عِلَّة مَعْرُوفَة، وَهِيَ قُرُوح صُلْبَة تَحْدُث فِي الرَّقَبَة.
وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
أَيْ ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَهِيَ ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَالْوَثَنِيّ وَالْمُعَطِّل.
فَالْوَثَنِيّ يَذْبَح لِلْوَثَنِ، وَالْمَجُوسِيّ لِلنَّارِ، وَالْمُعَطِّل لَا يَعْتَقِد شَيْئًا فَيَذْبَح لِنَفْسِهِ، وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيّ لِنَارِهِ وَالْوَثَنِيّ لِوَثَنِهِ لَا يُؤْكَل، وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَتهمَا عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا وَإِنْ لَمْ يَذْبَحَا لِنَارِهِ وَوَثَنه، وَأَجَازَهُمَا اِبْن الْمُسَيِّب وَأَبُو ثَوْر إِذَا ذَبَحَ لِمُسْلِمٍ بِأَمْرِهِ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة " الْمَائِدَة "، وَالْإِهْلَال : رَفْع الصَّوْت، يُقَال : أَهَلَّ بِكَذَا، أَيْ رَفَعَ صَوْته.
قَالَ اِبْن أَحْمَر يَصِف فَلَاة :
وَقَالَ النَّابِغَة :
وَمِنْهُ إِهْلَال الصَّبِيّ وَاسْتِهْلَاله، وَهُوَ صِيَاحه عِنْد وِلَادَته، وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْمُرَاد مَا ذُبِحَ لِلْأَنْصَابِ وَالْأَوْثَان، لَا مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اِسْم الْمَسِيح، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْمَائِدَة " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى، وَجَرَتْ عَادَة الْعَرَب بِالصِّيَاحِ بِاسْمِ الْمَقْصُود بِالذَّبِيحَةِ، وَغَلَبَ ذَلِكَ فِي اِسْتِعْمَالهمْ حَتَّى عُبِّرَ بِهِ عَنْ النِّيَّة الَّتِي هِيَ عِلَّة التَّحْرِيم، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَاعَى النِّيَّة فِي الْإِبِل الَّتِي نَحَرَهَا غَالِب أَبُو الْفَرَزْدَق فَقَالَ : إِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ، فَتَرَكَهَا النَّاس.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرَأَيْت فِي أَخْبَار الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اِمْرَأَة مُتْرَفَة صَنَعَتْ لِلُعَبِهَا عُرْسًا فَنَحَرَتْ جَزُورًا، فَقَالَ الْحَسَن : لَا يَحِلّ أَكْلهَا فَإِنَّهَا إِنَّمَا نُحِرَتْ لِصَنَمٍ.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى التَّمِيمِيّ شَيْخ مُسْلِم قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير عَنْ قَابُوس قَالَ : أَرْسَلَ أَبِي اِمْرَأَة إِلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام مِنْهُ، وَتَسْأَلهَا أَيَّة صَلَاة كَانَتْ أَعْجَب إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُوم عَلَيْهَا.
قَالَتْ :( كَانَ يُصَلِّي قَبْل الظُّهْر أَرْبَع رَكَعَات يُطِيل فِيهِنَّ الْقِيَام وَيُحْسِن الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَأَمَّا مَا لَمْ يَدَع قَطُّ، صَحِيحًا وَلَا مَرِيضًا وَلَا شَاهِدًا، رَكْعَتَيْنِ قَبْل صَلَاة الْغَدَاة.
قَالَتْ اِمْرَأَة عِنْد ذَلِكَ مِنْ النَّاس : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا أَظْآرًا مِنْ الْعَجَم لَا يَزَال يَكُون لَهُمْ عِيد فَيُهْدُونَ لَنَا مِنْهُ، أَفَنَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَتْ : أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْم فَلَا تَأْكُلُوا وَلَكِنْ كُلُوا مِنْ أَشْجَارهمْ ).
أَيْ ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه تَعَالَى، وَهِيَ ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَالْوَثَنِيّ وَالْمُعَطِّل.
فَالْوَثَنِيّ يَذْبَح لِلْوَثَنِ، وَالْمَجُوسِيّ لِلنَّارِ، وَالْمُعَطِّل لَا يَعْتَقِد شَيْئًا فَيَذْبَح لِنَفْسِهِ، وَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيّ لِنَارِهِ وَالْوَثَنِيّ لِوَثَنِهِ لَا يُؤْكَل، وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَتهمَا عِنْد مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا وَإِنْ لَمْ يَذْبَحَا لِنَارِهِ وَوَثَنه، وَأَجَازَهُمَا اِبْن الْمُسَيِّب وَأَبُو ثَوْر إِذَا ذَبَحَ لِمُسْلِمٍ بِأَمْرِهِ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي سُورَة " الْمَائِدَة "، وَالْإِهْلَال : رَفْع الصَّوْت، يُقَال : أَهَلَّ بِكَذَا، أَيْ رَفَعَ صَوْته.
قَالَ اِبْن أَحْمَر يَصِف فَلَاة :
| يُهِلّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانهَا | كَمَا يُهِلّ الرَّاكِب الْمُعْتَمِر |
| أَوْ دُرَّة صَدَفِيَّة غَوَّاصهَا | بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلّ وَيَسْجُد |
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرَأَيْت فِي أَخْبَار الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اِمْرَأَة مُتْرَفَة صَنَعَتْ لِلُعَبِهَا عُرْسًا فَنَحَرَتْ جَزُورًا، فَقَالَ الْحَسَن : لَا يَحِلّ أَكْلهَا فَإِنَّهَا إِنَّمَا نُحِرَتْ لِصَنَمٍ.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى التَّمِيمِيّ شَيْخ مُسْلِم قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِير عَنْ قَابُوس قَالَ : أَرْسَلَ أَبِي اِمْرَأَة إِلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام مِنْهُ، وَتَسْأَلهَا أَيَّة صَلَاة كَانَتْ أَعْجَب إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُوم عَلَيْهَا.
قَالَتْ :( كَانَ يُصَلِّي قَبْل الظُّهْر أَرْبَع رَكَعَات يُطِيل فِيهِنَّ الْقِيَام وَيُحْسِن الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَأَمَّا مَا لَمْ يَدَع قَطُّ، صَحِيحًا وَلَا مَرِيضًا وَلَا شَاهِدًا، رَكْعَتَيْنِ قَبْل صَلَاة الْغَدَاة.
قَالَتْ اِمْرَأَة عِنْد ذَلِكَ مِنْ النَّاس : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا أَظْآرًا مِنْ الْعَجَم لَا يَزَال يَكُون لَهُمْ عِيد فَيُهْدُونَ لَنَا مِنْهُ، أَفَنَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَتْ : أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْم فَلَا تَأْكُلُوا وَلَكِنْ كُلُوا مِنْ أَشْجَارهمْ ).
فَمَنِ اضْطُرَّ
فِيهَا تِسْع مَسَائِل
الْأُولَى : قُرِئَ بِضَمِّ النُّون لِلِاتِّبَاعِ وَبِالْكَسْرِ وَهُوَ الْأَصْل لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَفِيهِ إِضْمَار، أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ إِلَى شَيْء مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات أَيْ أُحْوِجَ إِلَيْهَا، فَهُوَ اُفْتُعِلَ مِنْ الضَّرُورَة، وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " فَمَنْ اُطُّرَ " بِإِدْغَامِ الضَّاد فِي الطَّاء، وَأَبُو السَّمَّال " فَمَنْ اِضْطِرَّ " بِكَسْرِ الطَّاء، وَأَصْله اُضْطُرَرَ فَلَمَّا أُدْغِمَتْ نُقِلَتْ حَرَكَة الرَّاء إِلَى الطَّاء.
الثَّانِيَة : الِاضْطِرَار لَا يَخْلُو أَنْ يَكُون بِإِكْرَاهٍ مِنْ ظَالِم أَوْ بِجُوعٍ فِي مَخْمَصَة، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْآيَة هُوَ مَنْ صَيَّرَهُ الْعُدْم وَالْغَرَث وَهُوَ الْجُوع إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيح، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أُكْرِهَ وَغُلِبَ عَلَى أَكْل هَذِهِ الْمُحَرَّمَات.
قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ يَأْخُذهُ الْعَدُوّ فَيُكْرِهُونَهُ عَلَى أَكْل لَحْم الْخِنْزِير وَغَيْره مِنْ مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ الْإِكْرَاه يُبِيح ذَلِكَ إِلَى آخِر الْإِكْرَاه.
وَأَمَّا الْمَخْمَصَة فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُون دَائِمَة أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ دَائِمَة فَلَا خِلَاف فِي جَوَاز الشِّبَع مِنْ الْمَيْتَة، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ أَكْلهَا وَهُوَ يَجِد مَال مُسْلِم لَا يَخَاف فِيهِ قَطْعًا، كَالتَّمْرِ الْمُعَلَّق وَحَرِيسَة الْجَبَل، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا قَطْع فِيهِ وَلَا أَذًى، وَهَذَا مِمَّا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَة بِعِضَاهِ الشَّجَر فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَنَادَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ :( إِنَّ هَذِهِ الْإِبِل لِأَهْلِ بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوَّتهمْ وَيُمْنهمْ بَعْد اللَّه أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ بِهِ أَتَرَوْنَ ذَلِكَ عَدْلًا ) قَالُوا لَا، فَقَالَ :( إِنَّ هَذِهِ كَذَلِكَ ).
قُلْنَا : أَفَرَأَيْت إِنْ اِحْتَجْنَا إِلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب ؟ فَقَالَ :( كُلْ وَلَا تَحْمِل وَاشْرَبْ وَلَا تَحْمِل ).
خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّه، وَقَالَ : هَذَا الْأَصْل عِنْدِي، وَذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه، مَا يَحِلّ لِأَحَدِنَا مِنْ مَال أَخِيهِ إِذَا اُضْطُرَّ إِلَيْهِ ؟ قَالَ :( يَأْكُل وَلَا يَحْمِل وَيَشْرَب وَلَا يَحْمِل ).
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكُلّ مُخْتَلَف فِيهِ بَعْد ذَلِكَ فَمَرْدُود إِلَى تَحْرِيم اللَّه الْأَمْوَال.
فِيهَا تِسْع مَسَائِل
الْأُولَى : قُرِئَ بِضَمِّ النُّون لِلِاتِّبَاعِ وَبِالْكَسْرِ وَهُوَ الْأَصْل لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَفِيهِ إِضْمَار، أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ إِلَى شَيْء مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات أَيْ أُحْوِجَ إِلَيْهَا، فَهُوَ اُفْتُعِلَ مِنْ الضَّرُورَة، وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " فَمَنْ اُطُّرَ " بِإِدْغَامِ الضَّاد فِي الطَّاء، وَأَبُو السَّمَّال " فَمَنْ اِضْطِرَّ " بِكَسْرِ الطَّاء، وَأَصْله اُضْطُرَرَ فَلَمَّا أُدْغِمَتْ نُقِلَتْ حَرَكَة الرَّاء إِلَى الطَّاء.
الثَّانِيَة : الِاضْطِرَار لَا يَخْلُو أَنْ يَكُون بِإِكْرَاهٍ مِنْ ظَالِم أَوْ بِجُوعٍ فِي مَخْمَصَة، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْآيَة هُوَ مَنْ صَيَّرَهُ الْعُدْم وَالْغَرَث وَهُوَ الْجُوع إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيح، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أُكْرِهَ وَغُلِبَ عَلَى أَكْل هَذِهِ الْمُحَرَّمَات.
قَالَ مُجَاهِد : يَعْنِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ يَأْخُذهُ الْعَدُوّ فَيُكْرِهُونَهُ عَلَى أَكْل لَحْم الْخِنْزِير وَغَيْره مِنْ مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى، إِلَّا أَنَّ الْإِكْرَاه يُبِيح ذَلِكَ إِلَى آخِر الْإِكْرَاه.
وَأَمَّا الْمَخْمَصَة فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُون دَائِمَة أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ دَائِمَة فَلَا خِلَاف فِي جَوَاز الشِّبَع مِنْ الْمَيْتَة، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ أَكْلهَا وَهُوَ يَجِد مَال مُسْلِم لَا يَخَاف فِيهِ قَطْعًا، كَالتَّمْرِ الْمُعَلَّق وَحَرِيسَة الْجَبَل، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا لَا قَطْع فِيهِ وَلَا أَذًى، وَهَذَا مِمَّا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَة بِعِضَاهِ الشَّجَر فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَنَادَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ :( إِنَّ هَذِهِ الْإِبِل لِأَهْلِ بَيْت مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوَّتهمْ وَيُمْنهمْ بَعْد اللَّه أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ بِهِ أَتَرَوْنَ ذَلِكَ عَدْلًا ) قَالُوا لَا، فَقَالَ :( إِنَّ هَذِهِ كَذَلِكَ ).
قُلْنَا : أَفَرَأَيْت إِنْ اِحْتَجْنَا إِلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب ؟ فَقَالَ :( كُلْ وَلَا تَحْمِل وَاشْرَبْ وَلَا تَحْمِل ).
خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّه، وَقَالَ : هَذَا الْأَصْل عِنْدِي، وَذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه، مَا يَحِلّ لِأَحَدِنَا مِنْ مَال أَخِيهِ إِذَا اُضْطُرَّ إِلَيْهِ ؟ قَالَ :( يَأْكُل وَلَا يَحْمِل وَيَشْرَب وَلَا يَحْمِل ).
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكُلّ مُخْتَلَف فِيهِ بَعْد ذَلِكَ فَمَرْدُود إِلَى تَحْرِيم اللَّه الْأَمْوَال.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَجُمْلَة الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِم إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ رَدّ رَمَق مُهْجَة الْمُسْلِم، وَتَوَجَّهَ الْفَرْض فِي ذَلِكَ بِأَلَّا يَكُون هُنَاكَ غَيْره قُضِيَ عَلَيْهِ بِتَرْمِيقِ تِلْكَ الْمُهْجَة الْآدَمِيَّة، وَكَانَ لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مُحَارَبَة مَنْ مَنَعَهُ وَمُقَاتَلَته، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسه، وَذَلِكَ عِنْد أَهْل الْعِلْم إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلَّا وَاحِد لَا غَيْر، فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ الْفَرْض، فَإِنْ كَانُوا كَثِيرًا أَوْ جَمَاعَة وَعَدَدًا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَة، وَالْمَاء فِي ذَلِكَ وَغَيْره مِمَّا يَرُدّ نَفْس الْمُسْلِم وَيُمْسِكهَا سَوَاء.
إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي وُجُوب قِيمَة ذَلِكَ الشَّيْء عَلَى الَّذِي رُدَّتْ بِهِ مُهْجَته وَرَمَقَ بِهِ نَفَسه، فَأَوْجَبَهَا مُوجِبُونَ، وَأَبَاهَا آخَرُونَ، وَفِي مَذْهَبنَا الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم مُتَأَخِّرِيهِمْ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ فِي وُجُوب رَدّ مُهْجَة الْمُسْلِم عِنْد خَوْف الذَّهَاب وَالتَّلَف بِالشَّيْءِ الْيَسِير الَّذِي لَا مَضَرَّة فِيهِ عَلَى صَاحِبه وَفِيهِ الْبُلْغَة.
الثَّالِثَة : خَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة أَنْبَأَنَا شَبَّابَة ( ح ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْوَلِيد قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر جَعْفَر بْن إِيَاس قَالَ : سَمِعْت عَبَّاد بْن شُرَحْبِيل - رَجُلًا مِنْ بَنِي غُبَر - قَالَ : أَصَابَنَا عَام مَخْمَصَة فَأَتَيْت الْمَدِينَة فَأَتَيْت حَائِطًا مِنْ حِيطَانهَا فَأَخَذْت سُنْبُلًا فَفَرَكْته وَأَكَلْته وَجَعَلْته فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ لِلرَّجُلِ :( مَا أَطْعَمْته إِذْ كَانَ جَائِعًا أَوْ سَاغِبًا وَلَا عَلَّمْته إِذْ كَانَ جَاهِلًا ) فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَام أَوْ نِصْف وَسْق.
قُلْت : هَذَا حَدِيث صَحِيح اِتَّفَقَ عَلَى رِجَاله الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، إِلَّا اِبْن أَبِي شَيْبَة فَإِنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَحْده، وَعَبَّاد بْن شُرَحْبِيل الْغُبَرِيّ الْيَشْكُرِيّ لَمْ يُخَرِّج لَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر هَذِهِ الْقِصَّة فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه، وَهُوَ يَنْفِي الْقَطْع وَالْأَدَب فِي الْمَخْمَصَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ عَلَى مَاشِيَة فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِل ).
إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي وُجُوب قِيمَة ذَلِكَ الشَّيْء عَلَى الَّذِي رُدَّتْ بِهِ مُهْجَته وَرَمَقَ بِهِ نَفَسه، فَأَوْجَبَهَا مُوجِبُونَ، وَأَبَاهَا آخَرُونَ، وَفِي مَذْهَبنَا الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم مُتَأَخِّرِيهِمْ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ فِي وُجُوب رَدّ مُهْجَة الْمُسْلِم عِنْد خَوْف الذَّهَاب وَالتَّلَف بِالشَّيْءِ الْيَسِير الَّذِي لَا مَضَرَّة فِيهِ عَلَى صَاحِبه وَفِيهِ الْبُلْغَة.
الثَّالِثَة : خَرَّجَ اِبْن مَاجَهْ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة أَنْبَأَنَا شَبَّابَة ( ح ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْوَلِيد قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر جَعْفَر بْن إِيَاس قَالَ : سَمِعْت عَبَّاد بْن شُرَحْبِيل - رَجُلًا مِنْ بَنِي غُبَر - قَالَ : أَصَابَنَا عَام مَخْمَصَة فَأَتَيْت الْمَدِينَة فَأَتَيْت حَائِطًا مِنْ حِيطَانهَا فَأَخَذْت سُنْبُلًا فَفَرَكْته وَأَكَلْته وَجَعَلْته فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ لِلرَّجُلِ :( مَا أَطْعَمْته إِذْ كَانَ جَائِعًا أَوْ سَاغِبًا وَلَا عَلَّمْته إِذْ كَانَ جَاهِلًا ) فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَام أَوْ نِصْف وَسْق.
قُلْت : هَذَا حَدِيث صَحِيح اِتَّفَقَ عَلَى رِجَاله الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم، إِلَّا اِبْن أَبِي شَيْبَة فَإِنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَحْده، وَعَبَّاد بْن شُرَحْبِيل الْغُبَرِيّ الْيَشْكُرِيّ لَمْ يُخَرِّج لَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر هَذِهِ الْقِصَّة فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه، وَهُوَ يَنْفِي الْقَطْع وَالْأَدَب فِي الْمَخْمَصَة.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ عَلَى مَاشِيَة فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِل ).
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيّ عَنْ يَحْيَى بْن سُلَيْم عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة ).
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سُلَيْم، وَذُكِرَ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الثَّمَر الْمُعَلَّق، فَقَالَ :( مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَة غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ).
قَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن، وَفِي حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( إِذَا مَرَّ أَحَدكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ ثِبَانًا ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد قَالَ أَبُو عُمَر : وَهُوَ الْوِعَاء الَّذِي يُحْمَل فِيهِ الشَّيْء، فَإِنْ حَمَلْته بَيْن يَدَيْك فَهُوَ ثِبَان، يُقَال : قَدْ تَثَبَّنْت ثِبَانًا، فَإِنْ حَمَلْته عَلَى ظَهْرك فَهُوَ الْحَال، يُقَال مِنْهُ : قَدْ تَحَوَّلْت كِسَائِي إِذَا جَعَلْت فِيهِ شَيْئًا ثُمَّ حَمَلْته عَلَى ظَهْرك، فَإِنْ جَعَلْته فِي حِضْنك فَهُوَ خُبْنَة، وَمِنْهُ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب الْمَرْفُوع ( وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة ).
يُقَال مِنْهُ : خَبَنْت أَخْبِن خَبْنًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَإِنَّمَا يُوَجَّه هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرّ الَّذِي لَا شَيْء مَعَهُ يَشْتَرِي بِهِ أَلَّا يَحْمِل إِلَّا مَا كَانَ فِي بَطْنه قَدْر قُوته.
قُلْت : لِأَنَّ الْأَصْل الْمُتَّفَق عَلَيْهِ تَحْرِيم مَال الْغَيْر إِلَّا بِطِيبِ نَفْس مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ عَادَة بِعَمَلِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، أَوْ كَمَا هُوَ الْآن فِي بَعْض الْبُلْدَان، فَذَلِكَ جَائِز، وَيُحْمَل ذَلِكَ عَلَى أَوْقَات الْمَجَاعَة وَالضَّرُورَة، كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ النَّادِر فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ يَأْكُل حَتَّى يَشْبَع وَيَتَضَلَّع، وَيَتَزَوَّد إِذَا خَشِيَ الضَّرُورَة فِيمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ مَفَازَة وَقَفْر، وَإِذَا وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا.
قَالَ مَعْنَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَكَثِير مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْحُجَّة فِي ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَة تَرْفَع التَّحْرِيم فَيَعُود مُبَاحًا، وَمِقْدَار الضَّرُورَة إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَة عَدَم الْقُوت إِلَى حَالَة وُجُوده، وَحَدِيث الْعَنْبَر نَصّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ سَفَرهمْ وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُمْ الزَّاد، اِنْطَلَقُوا إِلَى سَاحِل الْبَحْر فَرُفِعَ لَهُمْ عَلَى سَاحِله كَهَيْئَةِ الْكَثِيب الضَّخْم، فَلَمَّا أَتَوْهُ إِذَا هِيَ دَابَّة تُدْعَى الْعَنْبَر، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَمِيرهمْ : مَيْتَة.
ثُمَّ قَالَ : لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيل اللَّه، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا.
قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سُلَيْم، وَذُكِرَ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الثَّمَر الْمُعَلَّق، فَقَالَ :( مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَة غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ).
قَالَ فِيهِ : حَدِيث حَسَن، وَفِي حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( إِذَا مَرَّ أَحَدكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ ثِبَانًا ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد قَالَ أَبُو عُمَر : وَهُوَ الْوِعَاء الَّذِي يُحْمَل فِيهِ الشَّيْء، فَإِنْ حَمَلْته بَيْن يَدَيْك فَهُوَ ثِبَان، يُقَال : قَدْ تَثَبَّنْت ثِبَانًا، فَإِنْ حَمَلْته عَلَى ظَهْرك فَهُوَ الْحَال، يُقَال مِنْهُ : قَدْ تَحَوَّلْت كِسَائِي إِذَا جَعَلْت فِيهِ شَيْئًا ثُمَّ حَمَلْته عَلَى ظَهْرك، فَإِنْ جَعَلْته فِي حِضْنك فَهُوَ خُبْنَة، وَمِنْهُ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب الْمَرْفُوع ( وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة ).
يُقَال مِنْهُ : خَبَنْت أَخْبِن خَبْنًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَإِنَّمَا يُوَجَّه هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرّ الَّذِي لَا شَيْء مَعَهُ يَشْتَرِي بِهِ أَلَّا يَحْمِل إِلَّا مَا كَانَ فِي بَطْنه قَدْر قُوته.
قُلْت : لِأَنَّ الْأَصْل الْمُتَّفَق عَلَيْهِ تَحْرِيم مَال الْغَيْر إِلَّا بِطِيبِ نَفْس مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ هُنَاكَ عَادَة بِعَمَلِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، أَوْ كَمَا هُوَ الْآن فِي بَعْض الْبُلْدَان، فَذَلِكَ جَائِز، وَيُحْمَل ذَلِكَ عَلَى أَوْقَات الْمَجَاعَة وَالضَّرُورَة، كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ النَّادِر فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ يَأْكُل حَتَّى يَشْبَع وَيَتَضَلَّع، وَيَتَزَوَّد إِذَا خَشِيَ الضَّرُورَة فِيمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ مَفَازَة وَقَفْر، وَإِذَا وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا.
قَالَ مَعْنَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَكَثِير مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْحُجَّة فِي ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَة تَرْفَع التَّحْرِيم فَيَعُود مُبَاحًا، وَمِقْدَار الضَّرُورَة إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَة عَدَم الْقُوت إِلَى حَالَة وُجُوده، وَحَدِيث الْعَنْبَر نَصّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ سَفَرهمْ وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُمْ الزَّاد، اِنْطَلَقُوا إِلَى سَاحِل الْبَحْر فَرُفِعَ لَهُمْ عَلَى سَاحِله كَهَيْئَةِ الْكَثِيب الضَّخْم، فَلَمَّا أَتَوْهُ إِذَا هِيَ دَابَّة تُدْعَى الْعَنْبَر، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَمِيرهمْ : مَيْتَة.
ثُمَّ قَالَ : لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيل اللَّه، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا.
قَالَ : فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، الْحَدِيث، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا - رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ - مِمَّا اِعْتَقَدُوا أَنَّهُ مَيْتَة وَتَزَوَّدُوا مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَلَال وَقَالَ :( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمه شَيْء فَتُطْعِمُونَا ) فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ، وَقَالَتْ طَائِفَة.
يَأْكُل بِقَدْرِ سَدّ الرَّمَق.
وَبِهِ قَالَ اِبْن الْمَاجِشُونِ وَابْن حَبِيب وَفَرَّقَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ بَيْن حَالَة الْمُقِيم وَالْمُسَافِر فَقَالُوا : الْمُقِيم يَأْكُل بِقَدْرِ مَا يَسُدّ رَمَقَهُ، وَالْمُسَافِر يَتَضَلَّع وَيَتَزَوَّد : فَإِذَا وَجَدَ غِنًى عَنْهَا طَرَحَهَا، وَإِنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ عِوَضًا، فَإِنَّ الْمَيْتَة لَا يَجُوز بَيْعهَا.
الرَّابِعَة : فَإِنْ اُضْطُرَّ إِلَى خَمْر فَإِنْ كَانَ بِإِكْرَاهٍ شَرِبَ بِلَا خِلَاف، وَإِنْ كَانَ بِجُوعٍ أَوْ عَطَش فَلَا يَشْرَب، وَبِهِ قَالَ مَالِك فِي الْعُتْبِيَّة قَالَ : وَلَا يَزِيدهُ الْخَمْر إِلَّا عَطَشًا.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْر تَحْرِيمًا مُطْلَقًا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَة بِشَرْطِ عَدَم الضَّرُورَة، وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ : إِنْ رَدَّتْ الْخَمْر عَنْهُ جُوعًا أَوْ عَطَشًا شَرِبَهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي الْخِنْزِير " فَإِنَّهُ رِجْس " ثُمَّ أَبَاحَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْخَمْر إِنَّهَا " رِجْس " فَتَدْخُل فِي إِبَاحَة الْخِنْزِير لِلضَّرُورَةِ بِالْمَعْنَى الْجَلِيّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاس، وَلَا بُدّ أَنْ تَرْوِي وَلَوْ سَاعَة، وَتَرُدّ الْجُوع وَلَوْ مُدَّة.
الْخَامِسَة : رَوَى أَصْبَغ عَنْ اِبْن الْقَاسِم أَنَّهُ قَالَ : يَشْرَب الْمُضْطَرّ الدَّم وَلَا يَشْرَب الْخَمْر، وَيَأْكُل الْمَيْتَة وَلَا يَقْرَب ضَوَالّ الْإِبِل - وَقَالَهُ اِبْن وَهْب - وَيَشْرَب الْبَوْل وَلَا يَشْرَب الْخَمْر ; لِأَنَّ الْخَمْر يَلْزَم فِيهَا الْحَدّ فَهِيَ أَغْلَظ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.
السَّادِسَة : فَإِنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَهَلْ يُسِيغهَا بِخَمْرٍ أَوْ لَا، فَقِيلَ : لَا، مَخَافَة أَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَأَجَازَ ذَلِكَ اِبْن حَبِيب ; لِأَنَّهَا حَالَة ضَرُورَة.
يَأْكُل بِقَدْرِ سَدّ الرَّمَق.
وَبِهِ قَالَ اِبْن الْمَاجِشُونِ وَابْن حَبِيب وَفَرَّقَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ بَيْن حَالَة الْمُقِيم وَالْمُسَافِر فَقَالُوا : الْمُقِيم يَأْكُل بِقَدْرِ مَا يَسُدّ رَمَقَهُ، وَالْمُسَافِر يَتَضَلَّع وَيَتَزَوَّد : فَإِذَا وَجَدَ غِنًى عَنْهَا طَرَحَهَا، وَإِنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ عِوَضًا، فَإِنَّ الْمَيْتَة لَا يَجُوز بَيْعهَا.
الرَّابِعَة : فَإِنْ اُضْطُرَّ إِلَى خَمْر فَإِنْ كَانَ بِإِكْرَاهٍ شَرِبَ بِلَا خِلَاف، وَإِنْ كَانَ بِجُوعٍ أَوْ عَطَش فَلَا يَشْرَب، وَبِهِ قَالَ مَالِك فِي الْعُتْبِيَّة قَالَ : وَلَا يَزِيدهُ الْخَمْر إِلَّا عَطَشًا.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْر تَحْرِيمًا مُطْلَقًا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَة بِشَرْطِ عَدَم الضَّرُورَة، وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ : إِنْ رَدَّتْ الْخَمْر عَنْهُ جُوعًا أَوْ عَطَشًا شَرِبَهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي الْخِنْزِير " فَإِنَّهُ رِجْس " ثُمَّ أَبَاحَهُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْخَمْر إِنَّهَا " رِجْس " فَتَدْخُل فِي إِبَاحَة الْخِنْزِير لِلضَّرُورَةِ بِالْمَعْنَى الْجَلِيّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاس، وَلَا بُدّ أَنْ تَرْوِي وَلَوْ سَاعَة، وَتَرُدّ الْجُوع وَلَوْ مُدَّة.
الْخَامِسَة : رَوَى أَصْبَغ عَنْ اِبْن الْقَاسِم أَنَّهُ قَالَ : يَشْرَب الْمُضْطَرّ الدَّم وَلَا يَشْرَب الْخَمْر، وَيَأْكُل الْمَيْتَة وَلَا يَقْرَب ضَوَالّ الْإِبِل - وَقَالَهُ اِبْن وَهْب - وَيَشْرَب الْبَوْل وَلَا يَشْرَب الْخَمْر ; لِأَنَّ الْخَمْر يَلْزَم فِيهَا الْحَدّ فَهِيَ أَغْلَظ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.
السَّادِسَة : فَإِنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَهَلْ يُسِيغهَا بِخَمْرٍ أَوْ لَا، فَقِيلَ : لَا، مَخَافَة أَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَأَجَازَ ذَلِكَ اِبْن حَبِيب ; لِأَنَّهَا حَالَة ضَرُورَة.
اِبْن الْعَرَبِيّ :" أَمَّا الْغَاصّ بِلُقْمَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوز لَهُ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى، وَأَمَّا فِيمَا بَيْننَا فَإِنْ شَاهَدْنَاهُ فَلَا تَخْفَى عَلَيْنَا بِقَرَائِن الْحَال صُورَة الْغُصَّة مِنْ غَيْرهَا، فَيُصَدَّق إِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَر حَدَدْنَاهُ ظَاهِرًا وَسَلِمَ مِنْ الْعُقُوبَة عِنْد اللَّه تَعَالَى بَاطِنًا، ثُمَّ إِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرّ مَيْتَة وَخِنْزِيرًا وَلَحْم اِبْن آدَم أَكَلَ الْمَيْتَة ; لِأَنَّهَا حَلَال فِي حَال، وَالْخِنْزِير وَابْن آدَم لَا يَحِلّ بِحَالٍ، وَالتَّحْرِيم الْمُخَفَّف أَوْلَى أَنْ يُقْتَحَم مِنْ التَّحْرِيم الْمُثَقَّل، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يَطَأ أُخْته أَوْ أَجْنَبِيَّة، وَطِئَ الْأَجْنَبِيَّة لِأَنَّهَا تَحِلّ لَهُ بِحَالٍ، وَهَذَا هُوَ الضَّابِط لِهَذِهِ الْأَحْكَام، وَلَا يَأْكُل اِبْن آدَم وَلَوْ مَاتَ، قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَدَاوُد.
اِحْتَجَّ أَحْمَد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( كَسْر عَظْم الْمَيِّت كَكَسْرِهِ حَيًّا )، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَأْكُل لَحْم اِبْن آدَم، وَلَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَقْتُل ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ مُحْتَرَم الدَّم، وَلَا مُسْلِمًا وَلَا أَسِيرًا لِأَنَّهُ مَال الْغَيْر، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا جَازَ قَتْله وَالْأَكْل مِنْهُ، وَشَنَّعَ دَاوُد عَلَى الْمُزَنِيّ بِأَنْ قَالَ : قَدْ أَبَحْت أَكْل لُحُوم الْأَنْبِيَاء فَغَلَبَ عَلَيْهِ اِبْن شُرَيْح بِأَنْ قَالَ : فَأَنْتَ قَدْ تَعَرَّضْت لِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء إِذْ مَنَعْتهمْ مِنْ أَكْل الْكَافِر.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الصَّحِيح عِنْدِي أَلَّا يَأْكُل الْآدَمِيّ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ ذَلِكَ يُنْجِيه وَيُحْيِيه، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : سُئِلَ مَالِك عَنْ الْمُضْطَرّ إِلَى أَكْل الْمَيْتَة وَهُوَ يَجِد مَال الْغَيْر تَمْرًا أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا، فَقَالَ : إِنْ أَمِنَ الضَّرَر عَلَى بَدَنه بِحَيْثُ لَا يُعَدّ سَارِقًا وَيُصَدَّق فِي قَوْله، أَكَلَ مِنْ أَيّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدّ جُوعه وَلَا يَحْمِل مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُل الْمَيْتَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى، وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَلَّا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَة أَجْوَز عِنْدِي، وَلَهُ فِي أَكْل الْمَيْتَة عَلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَة سَعَة.
الثَّامِنَة : رَوَى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّة وَمَعَهُ أَهْله وَوَلَده، فَقَالَ رَجُل : إِنَّ نَاقَة لِي ضَلَّتْ فَإِنْ وَجَدْتهَا فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا فَلَمْ يَجِد صَاحِبهَا فَمَرِضَتْ، فَقَالَتْ اِمْرَأَته : اِنْحَرْهَا، فَأَبَى فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ : اِسْلَخْهَا حَتَّى نُقَدِّد لَحْمهَا وَشَحْمهَا وَنَأْكُلهُ، فَقَالَ : حَتَّى أَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ :( هَلْ عِنْدك غِنًى يُغْنِيك ) قَالَ لَا، قَالَ :( فَكُلُوهَا ) قَالَ : فَجَاءَ صَاحِبهَا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر، فَقَالَ : هَلَّا كُنْت نَحَرْتهَا فَقَالَ : اِسْتَحْيَيْت مِنْك.
اِحْتَجَّ أَحْمَد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( كَسْر عَظْم الْمَيِّت كَكَسْرِهِ حَيًّا )، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَأْكُل لَحْم اِبْن آدَم، وَلَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَقْتُل ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ مُحْتَرَم الدَّم، وَلَا مُسْلِمًا وَلَا أَسِيرًا لِأَنَّهُ مَال الْغَيْر، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا جَازَ قَتْله وَالْأَكْل مِنْهُ، وَشَنَّعَ دَاوُد عَلَى الْمُزَنِيّ بِأَنْ قَالَ : قَدْ أَبَحْت أَكْل لُحُوم الْأَنْبِيَاء فَغَلَبَ عَلَيْهِ اِبْن شُرَيْح بِأَنْ قَالَ : فَأَنْتَ قَدْ تَعَرَّضْت لِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء إِذْ مَنَعْتهمْ مِنْ أَكْل الْكَافِر.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الصَّحِيح عِنْدِي أَلَّا يَأْكُل الْآدَمِيّ إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ ذَلِكَ يُنْجِيه وَيُحْيِيه، وَاَللَّه أَعْلَم.
السَّابِعَة : سُئِلَ مَالِك عَنْ الْمُضْطَرّ إِلَى أَكْل الْمَيْتَة وَهُوَ يَجِد مَال الْغَيْر تَمْرًا أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا، فَقَالَ : إِنْ أَمِنَ الضَّرَر عَلَى بَدَنه بِحَيْثُ لَا يُعَدّ سَارِقًا وَيُصَدَّق فِي قَوْله، أَكَلَ مِنْ أَيّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدّ جُوعه وَلَا يَحْمِل مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُل الْمَيْتَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى، وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَلَّا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَة أَجْوَز عِنْدِي، وَلَهُ فِي أَكْل الْمَيْتَة عَلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَة سَعَة.
الثَّامِنَة : رَوَى أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّة وَمَعَهُ أَهْله وَوَلَده، فَقَالَ رَجُل : إِنَّ نَاقَة لِي ضَلَّتْ فَإِنْ وَجَدْتهَا فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا فَلَمْ يَجِد صَاحِبهَا فَمَرِضَتْ، فَقَالَتْ اِمْرَأَته : اِنْحَرْهَا، فَأَبَى فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ : اِسْلَخْهَا حَتَّى نُقَدِّد لَحْمهَا وَشَحْمهَا وَنَأْكُلهُ، فَقَالَ : حَتَّى أَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ :( هَلْ عِنْدك غِنًى يُغْنِيك ) قَالَ لَا، قَالَ :( فَكُلُوهَا ) قَالَ : فَجَاءَ صَاحِبهَا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَر، فَقَالَ : هَلَّا كُنْت نَحَرْتهَا فَقَالَ : اِسْتَحْيَيْت مِنْك.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُضْطَرّ يَأْكُل مِنْ الْمَيْتَة وَإِنْ لَمْ يَخَفْ التَّلَف، لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْغِنَى وَلَمْ يَسْأَلهُ عَنْ خَوْفه عَلَى نَفْسه، وَالثَّانِي : يَأْكُل وَيَشْبَع وَيَدَّخِر وَيَتَزَوَّد ; لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ الِادِّخَار وَلَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِ أَلَّا يَشْبَع.
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَحَدَّثَنَا هَارُون بْن عَبْد اللَّه قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن دُكَيْن قَالَ أَنْبَأَنَا عُقْبَة بْن وَهْب بْن عُقْبَة الْعَامِرِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ الْفُجَيْع الْعَامِرِيّ أَنَّهُ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا يُحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ :( مَا طَعَامكُمْ ) قُلْنَا : نَغْتَبِق وَنَصْطَبِح.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : فَسَّرَهُ لِي عُقْبَة : قَدَح غَدْوَة وَقَدَح عَشِيَّة قَالَ :( ذَاكَ وَأَبِي الْجُوع ).
قَالَ : فَأَحَلَّ لَهُمْ الْمَيْتَة عَلَى هَذِهِ الْحَال.
قَالَ أَبُو دَاوُد : الْغَبُوق مِنْ آخِر النَّهَار وَالصَّبُوح مِنْ أَوَّل النَّهَار، وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : الْغَبُوق الْعِشَاء، وَالصَّبُوح الْغَدَاء، وَالْقَدَح مِنْ اللَّبَن بِالْغَدَاةِ، وَالْقَدَح بِالْعَشِيِّ يُمْسِك الرَّمَق وَيُقِيم النَّفْس، وَإِنْ كَانَ لَا يُغَذِّي الْبَدَن وَلَا يُشْبِع الشِّبَع التَّامّ، وَقَدْ أَبَاحَ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ تَنَاوُل الْمَيْتَة، فَكَانَ دَلَالَته أَنَّ تَنَاوُل الْمَيْتَة مُبَاح إِلَى أَنْ تَأْخُذ النَّفْس حَاجَتهَا مِنْ الْقُوت.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِك وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : إِذَا جَازَ أَنْ يَصْطَبِحُوا وَيَغْتَبِقُوا جَازَ أَنْ يَشْبَعُوا وَيَتَزَوَّدُوا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَوْل الْآخَر : لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَنَاوَل مِنْ الْمَيْتَة إِلَّا قَدْر مَا يُمْسِك رَمَقَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُزَنِيّ.
قَالُوا : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الِابْتِدَاء بِهَذِهِ الْحَال لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا شَيْئًا، فَكَذَلِكَ إِذَا بَلَغَهَا بَعْد تَنَاوُلهَا، وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ الْحَسَن.
وَقَالَ قَتَادَة : لَا يَتَضَلَّع مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : لَا يَزْدَاد عَلَى ثَلَاث لُقَم، وَالصَّحِيح خِلَاف هَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
التَّاسِعَة : وَأَمَّا التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُحْتَاج إِلَى اِسْتِعْمَالهَا قَائِمَة الْعَيْن أَوْ مُحْرِقَة، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِالْإِحْرَاقِ فَقَالَ اِبْن حَبِيب : يَجُوز التَّدَاوِي بِهَا وَالصَّلَاة، وَخَفَّفَهُ اِبْن الْمَاجِشُونِ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْحَرْق تَطْهِير لِتَغَيُّرِ الصِّفَات، وَفِي الْعُتْبِيَّة مِنْ رِوَايَة مَالِك فِي الْمَرْتَك يُصْنَع مِنْ عِظَام الْمَيْتَة إِذَا وَضَعَهُ فِي جُرْحه لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَحَدَّثَنَا هَارُون بْن عَبْد اللَّه قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن دُكَيْن قَالَ أَنْبَأَنَا عُقْبَة بْن وَهْب بْن عُقْبَة الْعَامِرِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ الْفُجَيْع الْعَامِرِيّ أَنَّهُ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا يُحِلّ لَنَا الْمَيْتَة ؟ قَالَ :( مَا طَعَامكُمْ ) قُلْنَا : نَغْتَبِق وَنَصْطَبِح.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : فَسَّرَهُ لِي عُقْبَة : قَدَح غَدْوَة وَقَدَح عَشِيَّة قَالَ :( ذَاكَ وَأَبِي الْجُوع ).
قَالَ : فَأَحَلَّ لَهُمْ الْمَيْتَة عَلَى هَذِهِ الْحَال.
قَالَ أَبُو دَاوُد : الْغَبُوق مِنْ آخِر النَّهَار وَالصَّبُوح مِنْ أَوَّل النَّهَار، وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : الْغَبُوق الْعِشَاء، وَالصَّبُوح الْغَدَاء، وَالْقَدَح مِنْ اللَّبَن بِالْغَدَاةِ، وَالْقَدَح بِالْعَشِيِّ يُمْسِك الرَّمَق وَيُقِيم النَّفْس، وَإِنْ كَانَ لَا يُغَذِّي الْبَدَن وَلَا يُشْبِع الشِّبَع التَّامّ، وَقَدْ أَبَاحَ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ تَنَاوُل الْمَيْتَة، فَكَانَ دَلَالَته أَنَّ تَنَاوُل الْمَيْتَة مُبَاح إِلَى أَنْ تَأْخُذ النَّفْس حَاجَتهَا مِنْ الْقُوت.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِك وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : إِذَا جَازَ أَنْ يَصْطَبِحُوا وَيَغْتَبِقُوا جَازَ أَنْ يَشْبَعُوا وَيَتَزَوَّدُوا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَوْل الْآخَر : لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَنَاوَل مِنْ الْمَيْتَة إِلَّا قَدْر مَا يُمْسِك رَمَقَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُزَنِيّ.
قَالُوا : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الِابْتِدَاء بِهَذِهِ الْحَال لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا شَيْئًا، فَكَذَلِكَ إِذَا بَلَغَهَا بَعْد تَنَاوُلهَا، وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ الْحَسَن.
وَقَالَ قَتَادَة : لَا يَتَضَلَّع مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : لَا يَزْدَاد عَلَى ثَلَاث لُقَم، وَالصَّحِيح خِلَاف هَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ.
التَّاسِعَة : وَأَمَّا التَّدَاوِي بِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُحْتَاج إِلَى اِسْتِعْمَالهَا قَائِمَة الْعَيْن أَوْ مُحْرِقَة، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِالْإِحْرَاقِ فَقَالَ اِبْن حَبِيب : يَجُوز التَّدَاوِي بِهَا وَالصَّلَاة، وَخَفَّفَهُ اِبْن الْمَاجِشُونِ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْحَرْق تَطْهِير لِتَغَيُّرِ الصِّفَات، وَفِي الْعُتْبِيَّة مِنْ رِوَايَة مَالِك فِي الْمَرْتَك يُصْنَع مِنْ عِظَام الْمَيْتَة إِذَا وَضَعَهُ فِي جُرْحه لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلهُ.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَة قَائِمَة بِعَيْنِهَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُون : لَا يُتَدَاوَى بِهَا بِحَالٍ وَلَا بِالْخِنْزِيرِ ; لِأَنَّ مِنْهَا عِوَضًا حَلَالًا بِخِلَافِ الْمَجَاعَة، وَلَوْ وُجِدَ مِنْهَا عِوَض فِي الْمَجَاعَة لَمْ تُؤْكَل، وَكَذَلِكَ الْخَمْر لَا يُتَدَاوَى بِهَا، قَالَهُ مَالِك، وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَهُوَ اِخْتِيَار اِبْن أَبِي هُرَيْرَة مِنْ أَصْحَابه، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَجُوز شُرْبهَا لِلتَّدَاوِي دُون الْعَطَش، وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي الطَّبَرِيّ مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيّ، وَقَالَ بَعْض الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّة : يَجُوز شُرْبهَا لِلْعَطَشِ دُون التَّدَاوِي، لِأَنَّ ضَرَر الْعَطَش عَاجِل بِخِلَافِ التَّدَاوِي، وَقِيلَ : يَجُوز شُرْبهَا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَمَنَعَ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ التَّدَاوِي بِكُلِّ مُحَرَّم إِلَّا بِأَبْوَالِ الْإِبِل خَاصَّة، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَمَنَعَ بَعْضهمْ التَّدَاوِي بِكُلِّ مُحَرَّم، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل شِفَاء أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ )، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِطَارِقِ بْن سُوَيْد وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْخَمْر فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعهَا فَقَالَ، إِنَّمَا أَصْنَعهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ :( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاء ).
رَوَاهُ مُسْلِم فِي الصَّحِيح، وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يُقَيَّد بِحَالَةِ الِاضْطِرَار، فَإِنَّهُ يَجُوز التَّدَاوِي بِالسُّمِّ وَلَا يَجُوز شُرْبه، وَاَللَّه أَعْلَم.
رَوَاهُ مُسْلِم فِي الصَّحِيح، وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يُقَيَّد بِحَالَةِ الِاضْطِرَار، فَإِنَّهُ يَجُوز التَّدَاوِي بِالسُّمِّ وَلَا يَجُوز شُرْبه، وَاَللَّه أَعْلَم.
غَيْرَ بَاغٍ
" غَيْر " نُصِبَ عَلَى الْحَال، وَقِيلَ : عَلَى الِاسْتِثْنَاء، وَإِذَا رَأَيْت " غَيْر " يَصْلُح فِي مَوْضِعه " فِي " فَهِيَ حَال، وَإِذَا صَلُحَ مَوْضِعهَا " إِلَّا " فَهِيَ اِسْتِثْنَاء، فَقِسْ عَلَيْهِ.
و " بَاغٍ " أَصْله بَاغِي، ثُقِّلَتْ الضَّمَّة عَلَى الْيَاء فَسُكِّنَتْ وَالتَّنْوِين سَاكِن، فَحُذِفَتْ الْيَاء وَالْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى فِيمَا قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن وَالرَّبِيع وَابْن زَيْد وَعِكْرِمَة " غَيْر بَاغٍ " فِي أَكْله فَوْق حَاجَته، " وَلَا عَادٍ " بِأَنْ يَجِد عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات مَنْدُوحَة وَيَأْكُلهَا، وَقَالَ السُّدِّيّ :" غَيْر بَاغٍ " فِي أَكْلهَا شَهْوَة وَتَلَذُّذًا، " وَلَا عَادٍ " بِاسْتِيفَاءِ الْأَكْل إِلَى حَدّ الشِّبَع، وَقَالَ مُجَاهِد وَابْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى " غَيْر بَاغٍ " عَلَى الْمُسْلِمِينَ " وَلَا عَادٍ " عَلَيْهِمْ، فَيَدْخُل فِي الْبَاغِي وَالْعَادِي قُطَّاع الطَّرِيق وَالْخَارِج عَلَى السُّلْطَان وَالْمُسَافِر فِي قَطْع الرَّحِم وَالْغَارَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا شَاكَلَهُ، وَهَذَا صَحِيح، فَإِنَّ أَصْل الْبَغْي فِي اللُّغَة قَصْد الْفَسَاد، يُقَال : بَغَتْ الْمَرْأَة تَبْغِي بِغَاء إِذَا فَجَرَتْ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء " [ النُّور : ٣٣ ]، وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَ الْبَغْي فِي طَلَب غَيْر الْفَسَاد.
وَالْعَرَب تَقُول : خَرَجَ الرَّجُل فِي بِغَاء إِبِل لَهُ، أَيْ فِي طَلَبهَا، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
" غَيْر " نُصِبَ عَلَى الْحَال، وَقِيلَ : عَلَى الِاسْتِثْنَاء، وَإِذَا رَأَيْت " غَيْر " يَصْلُح فِي مَوْضِعه " فِي " فَهِيَ حَال، وَإِذَا صَلُحَ مَوْضِعهَا " إِلَّا " فَهِيَ اِسْتِثْنَاء، فَقِسْ عَلَيْهِ.
و " بَاغٍ " أَصْله بَاغِي، ثُقِّلَتْ الضَّمَّة عَلَى الْيَاء فَسُكِّنَتْ وَالتَّنْوِين سَاكِن، فَحُذِفَتْ الْيَاء وَالْكَسْرَة تَدُلّ عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى فِيمَا قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن وَالرَّبِيع وَابْن زَيْد وَعِكْرِمَة " غَيْر بَاغٍ " فِي أَكْله فَوْق حَاجَته، " وَلَا عَادٍ " بِأَنْ يَجِد عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات مَنْدُوحَة وَيَأْكُلهَا، وَقَالَ السُّدِّيّ :" غَيْر بَاغٍ " فِي أَكْلهَا شَهْوَة وَتَلَذُّذًا، " وَلَا عَادٍ " بِاسْتِيفَاءِ الْأَكْل إِلَى حَدّ الشِّبَع، وَقَالَ مُجَاهِد وَابْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى " غَيْر بَاغٍ " عَلَى الْمُسْلِمِينَ " وَلَا عَادٍ " عَلَيْهِمْ، فَيَدْخُل فِي الْبَاغِي وَالْعَادِي قُطَّاع الطَّرِيق وَالْخَارِج عَلَى السُّلْطَان وَالْمُسَافِر فِي قَطْع الرَّحِم وَالْغَارَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا شَاكَلَهُ، وَهَذَا صَحِيح، فَإِنَّ أَصْل الْبَغْي فِي اللُّغَة قَصْد الْفَسَاد، يُقَال : بَغَتْ الْمَرْأَة تَبْغِي بِغَاء إِذَا فَجَرَتْ، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء " [ النُّور : ٣٣ ]، وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَ الْبَغْي فِي طَلَب غَيْر الْفَسَاد.
وَالْعَرَب تَقُول : خَرَجَ الرَّجُل فِي بِغَاء إِبِل لَهُ، أَيْ فِي طَلَبهَا، وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
| لَا يَمْنَعَنك مِنْ بُغَا | ء الْخَيْر تَعْقَاد الرَّتَائِم |
| إِنَّ الْأَشَائِم كَالْأَيَا | مِن وَالْأَيَامِن كَالْأَشَائِمِ |
| إِلَى كَمْ تُقْتَل الْعُلَمَاء قَسْرًا | وَتَفْجُر بِالشِّقَاقِ وَبِالنِّفَاقِ |
| وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُمْ | بُغَاة مَا بَقِينَا فِي شِقَاق |
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ آيَة عَظِيمَة مِنْ أُمَّهَات الْأَحْكَام ; لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ سِتّ عَشْرَة قَاعِدَة : الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى - وَالنَّشْر وَالْحَشْر وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط وَالْحَوْض وَالشَّفَاعَة وَالْجَنَّة وَالنَّار - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَاب - التَّذْكِرَة - وَالْمَلَائِكَة وَالْكُتُب الْمُنَزَّلَة وَأَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالنَّبِيِّينَ وَإِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَعِنّ مِنْ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَإِيصَال الْقَرَابَة وَتَرْك قَطْعهمْ وَتَفَقُّد الْيَتِيم وَعَدَم إِهْمَاله وَالْمَسَاكِين كَذَلِكَ، وَمُرَاعَاة اِبْن السَّبِيل - قِيلَ الْمُنْقَطِع بِهِ، وَقِيلَ : الضَّيْف - وَالسُّؤَال وَفَكّ الرِّقَاب، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي آيَة الصَّدَقَات، وَالْمُحَافَظَة عَلَى الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَالْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَالصَّبْر فِي الشَّدَائِد، وَكُلّ قَاعِدَة مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِد تَحْتَاج إِلَى كِتَاب.
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَى أَكْثَرهَا، وَيَأْتِي بَيَان بَاقِيهَا بِمَا فِيهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" لَيْسَ الْبِرّ " اُخْتُلِفَ مِنْ الْمُرَاد بِهَذَا الْخِطَاب، فَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرّ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
قَالَ : وَقَدْ كَانَ الرَّجُل قَبْل الْفَرَائِض إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة، وَقَالَ الرَّبِيع وقَتَادَة أَيْضًا : الْخِطَاب لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِأَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي التَّوَجُّه وَالتَّوَلِّي، فَالْيَهُود إِلَى الْمَغْرِب قِبَل بَيْت الْمَقْدِس، وَالنَّصَارَى إِلَى الْمَشْرِق مَطْلِع الشَّمْس، وَتَكَلَّمُوا فِي تَحْوِيل الْقِبْلَة وَفَضَّلَتْ كُلّ فِرْقَة تَوْلِيَتهَا، فَقِيلَ لَهُمْ : لَيْسَ الْبِرّ مَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ.
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص " الْبِرّ " بِالنَّصْبِ ; لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ أَخَوَات كَانَ، يَقَع بَعْدهَا الْمَعْرِفَتَانِ فَتَجْعَل أَيّهمَا شِئْت الِاسْم أَوْ الْخَبَر، فَلَمَّا وَقَعَ بَعْد " لَيْسَ " :" الْبِرّ " نَصَبَهُ، وَجَعَلَ " أَنْ تُوَلُّوا " الِاسْم، وَكَانَ الْمَصْدَر أَوْلَى بِأَنْ يَكُون اِسْمًا لِأَنَّهُ لَا يَتَنَكَّر، وَالْبِرّ قَدْ يَتَنَكَّر وَالْفِعْل أَقْوَى فِي التَّعْرِيف.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ آيَة عَظِيمَة مِنْ أُمَّهَات الْأَحْكَام ; لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ سِتّ عَشْرَة قَاعِدَة : الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى - وَالنَّشْر وَالْحَشْر وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط وَالْحَوْض وَالشَّفَاعَة وَالْجَنَّة وَالنَّار - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَاب - التَّذْكِرَة - وَالْمَلَائِكَة وَالْكُتُب الْمُنَزَّلَة وَأَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالنَّبِيِّينَ وَإِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَعِنّ مِنْ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَإِيصَال الْقَرَابَة وَتَرْك قَطْعهمْ وَتَفَقُّد الْيَتِيم وَعَدَم إِهْمَاله وَالْمَسَاكِين كَذَلِكَ، وَمُرَاعَاة اِبْن السَّبِيل - قِيلَ الْمُنْقَطِع بِهِ، وَقِيلَ : الضَّيْف - وَالسُّؤَال وَفَكّ الرِّقَاب، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي آيَة الصَّدَقَات، وَالْمُحَافَظَة عَلَى الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَالْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَالصَّبْر فِي الشَّدَائِد، وَكُلّ قَاعِدَة مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِد تَحْتَاج إِلَى كِتَاب.
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَى أَكْثَرهَا، وَيَأْتِي بَيَان بَاقِيهَا بِمَا فِيهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" لَيْسَ الْبِرّ " اُخْتُلِفَ مِنْ الْمُرَاد بِهَذَا الْخِطَاب، فَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرّ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
قَالَ : وَقَدْ كَانَ الرَّجُل قَبْل الْفَرَائِض إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة، وَقَالَ الرَّبِيع وقَتَادَة أَيْضًا : الْخِطَاب لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِأَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي التَّوَجُّه وَالتَّوَلِّي، فَالْيَهُود إِلَى الْمَغْرِب قِبَل بَيْت الْمَقْدِس، وَالنَّصَارَى إِلَى الْمَشْرِق مَطْلِع الشَّمْس، وَتَكَلَّمُوا فِي تَحْوِيل الْقِبْلَة وَفَضَّلَتْ كُلّ فِرْقَة تَوْلِيَتهَا، فَقِيلَ لَهُمْ : لَيْسَ الْبِرّ مَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ.
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص " الْبِرّ " بِالنَّصْبِ ; لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ أَخَوَات كَانَ، يَقَع بَعْدهَا الْمَعْرِفَتَانِ فَتَجْعَل أَيّهمَا شِئْت الِاسْم أَوْ الْخَبَر، فَلَمَّا وَقَعَ بَعْد " لَيْسَ " :" الْبِرّ " نَصَبَهُ، وَجَعَلَ " أَنْ تُوَلُّوا " الِاسْم، وَكَانَ الْمَصْدَر أَوْلَى بِأَنْ يَكُون اِسْمًا لِأَنَّهُ لَا يَتَنَكَّر، وَالْبِرّ قَدْ يَتَنَكَّر وَالْفِعْل أَقْوَى فِي التَّعْرِيف.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " الْبِرّ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اِسْم لَيْسَ، وَخَبَره " أَنْ تُوَلُّوا "، تَقْدِيره لَيْسَ الْبِرّ تَوْلِيَتكُمْ وُجُوهكُمْ، وَعَلَى الْأَوَّل لَيْسَ تَوْلِيَتكُمْ وُجُوهكُمْ الْبِرّ، كَقَوْلِهِ :" مَا كَانَ حُجَّتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا " [ الْجَاثِيَة : ٢٥ ]، " ثُمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَ أَنْ كَذَّبُوا " [ الرُّوم : ١٠ ] " فَكَانَ عَاقِبَتهمَا أَنَّهُمَا فِي النَّار " [ الْحَشْر : ١٧ ] وَمَا كَانَ مِثْله، وَيُقَوِّي قِرَاءَة الرَّفْع أَنَّ الثَّانِي مَعَهُ الْبَاء إِجْمَاعًا فِي قَوْله :" وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا " [ الْبَقَرَة : ١٨٩ ] وَلَا يَجُوز فِيهِ إِلَّا الرَّفْع، فَحَمْل الْأَوَّل عَلَى الثَّانِي أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَته لَهُ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَف أَبِي بِالْبَاءِ " لَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تُوَلُّوا " وَكَذَلِكَ فِي مُصْحَف اِبْن مَسْعُود أَيْضًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَر الْقُرَّاء، وَالْقِرَاءَتَانِ حَسَنَتَانِ.
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
الْبِرّ هَاهُنَا اِسْم جَامِع لِلْخَيْرِ، وَالتَّقْدِير : وَلَكِنَّ الْبِرّ بِرّ مَنْ آمَنَ، فَحَذَفَ الْمُضَاف، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ]، " وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل " [ الْبَقَرَة : ٩٣ ] قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَالزَّجَّاج، وَقَالَ الشَّاعِر :
فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَال وَإِدْبَار
أَيْ ذَات إِقْبَال وَذَات إِدْبَار وَقَالَ النَّابِغَة :
أَيْ كَخِلَالَةِ أَبِي مَرْحَب، فَحَذَفَ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَكِنَّ ذَا الْبِرّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه " [ آل عِمْرَان : ١٦٣ ] أَيْ ذَوُو دَرَجَات، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة وَفُرِضَتْ الْفَرَائِض وَصُرِفَتْ الْقِبْلَة إِلَى الْكَعْبَة وَحُدَّتْ الْحُدُود أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : لَيْسَ الْبِرّ كُلّه أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا غَيْر ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْبِرّ - أَيْ ذَا الْبِرّ - مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ، إِلَى آخِرهَا، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَعَطَاء وَسُفْيَان وَالزَّجَّاج أَيْضًا، وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْبِرّ " بِمَعْنَى الْبَارّ وَالْبَرّ، وَالْفَاعِل قَدْ يُسَمَّى بِمَعْنَى الْمَصْدَر، كَمَا يُقَال : رَجُل عَدْل، وَصَوْم وَفِطْر، وَفِي التَّنْزِيل :" إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا " [ الْمُلْك : ٣٠ ] أَيْ غَائِرًا، وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْدَة، وَقَالَ الْمُبَرِّد : لَوْ كُنْت مِمَّنْ يَقْرَأ الْقُرْآن لَقَرَأْت " وَلَكِنَّ الْبَرّ " بِفَتْحِ الْبَاء.
الْبِرّ هَاهُنَا اِسْم جَامِع لِلْخَيْرِ، وَالتَّقْدِير : وَلَكِنَّ الْبِرّ بِرّ مَنْ آمَنَ، فَحَذَفَ الْمُضَاف، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ]، " وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل " [ الْبَقَرَة : ٩٣ ] قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَالزَّجَّاج، وَقَالَ الشَّاعِر :
فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَال وَإِدْبَار
أَيْ ذَات إِقْبَال وَذَات إِدْبَار وَقَالَ النَّابِغَة :
| وَكَيْف تُوَاصِل مَنْ أَصْبَحْت | خِلَالَته كَأَبِي مَرْحَب |
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة وَبِهَا كَمَال الْبِرّ، وَقِيلَ : الْمُرَاد الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِمَا خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة ) ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة، وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه وَقَالَ :" هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَأَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر يُضَعَّف، وَرَوَى بَيَان وَإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنْ الشَّعْبِيّ هَذَا الْحَدِيث قَوْله وَهُوَ أَصَحّ ".
قُلْت : وَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَال فَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّته مَعْنَى مَا فِي الْآيَة نَفْسهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة " فَذَكَرَ الزَّكَاة مَعَ الصَّلَاة، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ :" وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " لَيْسَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُون تَكْرَارًا، وَاَللَّه أَعْلَم، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَة بَعْد أَدَاء الزَّكَاة فَإِنَّهُ يَجِب صَرْف الْمَال إِلَيْهَا.
قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : يَجِب عَلَى النَّاس فِدَاء أَسْرَاهُمْ وَإِنْ اِسْتَغْرَقَ ذَلِكَ أَمْوَالهمْ، وَهَذَا إِجْمَاع أَيْضًا، وَهُوَ يُقَوِّي مَا اِخْتَرْنَاهُ، وَالْمُوَفِّق الْإِلَه.
" عَلَى حُبّه " الضَّمِير فِي " حُبّه " اُخْتُلِفَ فِي عَوْده، فَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْمُعْطِي لِلْمَالِ، وَحُذِفَ الْمَفْعُول وَهُوَ الْمَال.
وَيَجُوز نَصْب " ذَوِي الْقُرْبَى " بِالْحُبِّ، فَيَكُون التَّقْدِير عَلَى حُبّ الْمُعْطِي ذَوِي الْقُرْبَى، وَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْمَال، فَيَكُون الْمَصْدَر مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُول.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَجِيء قَوْله " عَلَى حُبّه " اِعْتِرَاضًا بَلِيغًا أَثْنَاء الْقَوْل.
قُلْت : وَنَظِيره قَوْله الْحَقّ :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا " [ الْإِنْسَان : ٨ ] فَإِنَّهُ جَمَعَ الْمَعْنَيَيْنِ، الِاعْتِرَاض وَإِضَافَة الْمَصْدَر إِلَى الْمَفْعُول، أَيْ عَلَى حُبّ الطَّعَام، وَمِنْ الِاعْتِرَاض قَوْله الْحَقّ :" وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ " [ النِّسَاء : ١٢٤ ] وَهَذَا عِنْدهمْ يُسَمَّى التَّتْمِيم، وَهُوَ نَوْع مِنْ الْبَلَاغَة، وَيُسَمَّى أَيْضًا الِاحْتِرَاس وَالِاحْتِيَاط، فَتَمَّمَ بِقَوْلِهِ " عَلَى حُبّه " وَقَوْله :" وَهُوَ مُؤْمِن " [ النِّسَاء : ١٢٤ ]، وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر :
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
فَقَوْله :" عَلَى عِلَّاته " و " قَبْل سُؤَاله " تَتْمِيم حَسَن، وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة :
اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة وَبِهَا كَمَال الْبِرّ، وَقِيلَ : الْمُرَاد الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِمَا خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس قَالَتْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة ) ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة، وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه وَقَالَ :" هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَأَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر يُضَعَّف، وَرَوَى بَيَان وَإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنْ الشَّعْبِيّ هَذَا الْحَدِيث قَوْله وَهُوَ أَصَحّ ".
قُلْت : وَالْحَدِيث وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَال فَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّته مَعْنَى مَا فِي الْآيَة نَفْسهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة " فَذَكَرَ الزَّكَاة مَعَ الصَّلَاة، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ :" وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " لَيْسَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُون تَكْرَارًا، وَاَللَّه أَعْلَم، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَة بَعْد أَدَاء الزَّكَاة فَإِنَّهُ يَجِب صَرْف الْمَال إِلَيْهَا.
قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : يَجِب عَلَى النَّاس فِدَاء أَسْرَاهُمْ وَإِنْ اِسْتَغْرَقَ ذَلِكَ أَمْوَالهمْ، وَهَذَا إِجْمَاع أَيْضًا، وَهُوَ يُقَوِّي مَا اِخْتَرْنَاهُ، وَالْمُوَفِّق الْإِلَه.
" عَلَى حُبّه " الضَّمِير فِي " حُبّه " اُخْتُلِفَ فِي عَوْده، فَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْمُعْطِي لِلْمَالِ، وَحُذِفَ الْمَفْعُول وَهُوَ الْمَال.
وَيَجُوز نَصْب " ذَوِي الْقُرْبَى " بِالْحُبِّ، فَيَكُون التَّقْدِير عَلَى حُبّ الْمُعْطِي ذَوِي الْقُرْبَى، وَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْمَال، فَيَكُون الْمَصْدَر مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُول.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَجِيء قَوْله " عَلَى حُبّه " اِعْتِرَاضًا بَلِيغًا أَثْنَاء الْقَوْل.
قُلْت : وَنَظِيره قَوْله الْحَقّ :" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا " [ الْإِنْسَان : ٨ ] فَإِنَّهُ جَمَعَ الْمَعْنَيَيْنِ، الِاعْتِرَاض وَإِضَافَة الْمَصْدَر إِلَى الْمَفْعُول، أَيْ عَلَى حُبّ الطَّعَام، وَمِنْ الِاعْتِرَاض قَوْله الْحَقّ :" وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ " [ النِّسَاء : ١٢٤ ] وَهَذَا عِنْدهمْ يُسَمَّى التَّتْمِيم، وَهُوَ نَوْع مِنْ الْبَلَاغَة، وَيُسَمَّى أَيْضًا الِاحْتِرَاس وَالِاحْتِيَاط، فَتَمَّمَ بِقَوْلِهِ " عَلَى حُبّه " وَقَوْله :" وَهُوَ مُؤْمِن " [ النِّسَاء : ١٢٤ ]، وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر :
| مَنْ يَلْقَ يَوْمًا عَلَى عِلَّاته هَرِمًا | يَلْقَ السَّمَاحَة مِنْهُ وَالنَّدَى خُلُقَا |
| عَلَى هَيْكَل يُعْطِيك قَبْل سُؤَاله | أَفَانِين جَرْي غَيْر كَزّ وَلَا وَانِ |
| أَثْنَى عَلَيَّ بِمَا عَلِمْت فَإِنَّنِي | سَمْح مُخَالَفَتِي إِذَا لَمْ أُظْلَم |
| فَسَقَى دِيَارك غَيْر مُفْسِدهَا | صَوْب الرَّبِيع وَدِيمَة تَهْمِي |
| فَنِيت وَمَا يَفْنَى صَنِيعِي وَمَنْطِقِي | وَكُلّ اِمْرِئٍ إِلَّا أَحَادِيثه فَان |
| فَأَفْنَى الرَّدَى أَرْوَاحنَا غَيْر ظَالِم | وَأَفْنَى النَّدَى أَمْوَالنَا غَيْر عَائِب |
وَقِيلَ : يَعُود عَلَى الْإِيتَاء ; لِأَنَّ الْفِعْل يَدُلّ عَلَى مَصْدَره، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ " [ آل عِمْرَان : ١٨٠ ] أَيْ الْبُخْل خَيْرًا لَهُمْ، فَإِذَا أَصَابَتْ النَّاس حَاجَة أَوْ فَاقَة فَإِيتَاء الْمَال حَبِيب إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ : يَعُود عَلَى اِسْم اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله " مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ "، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُود أَنْ يَتَصَدَّق الْمَرْء فِي هَذِهِ الْوُجُوه وَهُوَ صَحِيح شَحِيح يَخْشَى الْفَقْر وَيَأْمَن الْبَقَاء.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْطَى الْيَتِيم مِنْ صَدَقَة التَّطَوُّع بِمُجَرَّدِ الْيُتْم عَلَى وَجْه الصِّلَة وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، أَوْ لَا يُعْطَى حَتَّى يَكُون فَقِيرًا، قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُون إِيتَاء الْمَال غَيْر الزَّكَاة الْوَاجِبَة، عَلَى مَا نُبَيِّنهُ آنِفًا.
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ
" وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ " أَيْ فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى وَفِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن النَّاس.
" وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء " الْبَأْسَاء : الشِّدَّة وَالْفَقْر، وَالضَّرَّاء : الْمَرَض وَالزَّمَانَة، قَالَهُ اِبْن مَسْعُود، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( يَقُول اللَّه تَعَالَى أَيّمَا عَبْد مِنْ عِبَادِي اِبْتَلَيْته بِبَلَاءٍ فِي فِرَاشه فَلَمْ يَشْكُ إِلَى عُوَّاده أَبْدَلْته لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمه وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمه فَإِنْ قَبَضْته فَإِلَى رَحْمَتِي وَإِنْ عَافَيْته عَافَيْته وَلَيْسَ لَهُ ذَنْب ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه، مَا لَحْم خَيْر مِنْ لَحْمه ؟ قَالَ :( لَحْم لَمْ يُذْنِب ) قِيلَ : فَمَا دَم خَيْر مِنْ دَمه ؟ قَالَ :( دَم لَمْ يُذْنِب )، وَالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء اِسْمَانِ بُنِيَا عَلَى فَعْلَاء، وَلَا فِعْل لَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا اِسْمَانِ وَلَيْسَا بِنَعْتٍ.
" وَحِين الْبَأْس " أَيْ وَقْت الْحَرْب.
" وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ " فَقِيلَ : يَكُون " الْمُوفُونَ " عَطْفًا عَلَى " مَنْ " لِأَنَّ مَنْ فِي مَوْضِع جَمْع وَمَحَلّ رَفْع، كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنَّ الْبِرّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ، قَالَهُ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش.
" وَالصَّابِرِينَ " نُصِبَ عَلَى الْمَدْح، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْل، وَالْعَرَب تَنْصِب عَلَى الْمَدْح وَعَلَى الذَّمّ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِفْرَاد الْمَمْدُوح وَالْمَذْمُوم وَلَا يَتَّبِعُونَهُ أَوَّل الْكَلَام، وَيَنْصِبُونَهُ، فَأَمَّا الْمَدْح فَقَوْله :" وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة " [ النِّسَاء : ١٦٢ ]، وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيّ :
وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة :
وَقَالَ آخَر :
نَحْنُ بَنِي ضَبَّة أَصْحَاب الْجَمَل
فَنُصِبَ عَلَى الْمَدْح، وَأَمَّا الذَّمّ فَقَوْله تَعَالَى :" مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا " [ الْأَحْزَاب : ٦١ ] الْآيَة، وَقَالَ عُرْوَة بْن الْوَرْد :
وَهَذَا مَهْيَع فِي النُّعُوت، لَا مَطْعَن فِيهِ مِنْ جِهَة الْإِعْرَاب، مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب كَمَا بَيَّنَّا، وَقَالَ بَعْض مَنْ تَعَسَّفَ فِي كَلَامه : إِنَّ هَذَا غَلَط مِنْ الْكُتَّاب حِين كَتَبُوا مُصْحَف الْإِمَام، قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَان أَنَّهُ نَظَرَ فِي الْمُصْحَف فَقَالَ : أَرَى فِيهِ لَحْنًا وَسَتُقِيمُهُ الْعَرَب بِأَلْسِنَتِهَا، وَهَكَذَا قَالَ فِي سُورَة النِّسَاء " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة " [ النِّسَاء : ١٦٢ ]، وَفِي سُورَة الْمَائِدَة " وَالصَّابِئُونَ " [ الْمَائِدَة : ٦٩ ].
" وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ " أَيْ فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى وَفِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن النَّاس.
" وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء " الْبَأْسَاء : الشِّدَّة وَالْفَقْر، وَالضَّرَّاء : الْمَرَض وَالزَّمَانَة، قَالَهُ اِبْن مَسْعُود، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( يَقُول اللَّه تَعَالَى أَيّمَا عَبْد مِنْ عِبَادِي اِبْتَلَيْته بِبَلَاءٍ فِي فِرَاشه فَلَمْ يَشْكُ إِلَى عُوَّاده أَبْدَلْته لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمه وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمه فَإِنْ قَبَضْته فَإِلَى رَحْمَتِي وَإِنْ عَافَيْته عَافَيْته وَلَيْسَ لَهُ ذَنْب ) قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه، مَا لَحْم خَيْر مِنْ لَحْمه ؟ قَالَ :( لَحْم لَمْ يُذْنِب ) قِيلَ : فَمَا دَم خَيْر مِنْ دَمه ؟ قَالَ :( دَم لَمْ يُذْنِب )، وَالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء اِسْمَانِ بُنِيَا عَلَى فَعْلَاء، وَلَا فِعْل لَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا اِسْمَانِ وَلَيْسَا بِنَعْتٍ.
" وَحِين الْبَأْس " أَيْ وَقْت الْحَرْب.
" وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ " فَقِيلَ : يَكُون " الْمُوفُونَ " عَطْفًا عَلَى " مَنْ " لِأَنَّ مَنْ فِي مَوْضِع جَمْع وَمَحَلّ رَفْع، كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنَّ الْبِرّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ، قَالَهُ الْفَرَّاء وَالْأَخْفَش.
" وَالصَّابِرِينَ " نُصِبَ عَلَى الْمَدْح، أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْل، وَالْعَرَب تَنْصِب عَلَى الْمَدْح وَعَلَى الذَّمّ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِفْرَاد الْمَمْدُوح وَالْمَذْمُوم وَلَا يَتَّبِعُونَهُ أَوَّل الْكَلَام، وَيَنْصِبُونَهُ، فَأَمَّا الْمَدْح فَقَوْله :" وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة " [ النِّسَاء : ١٦٢ ]، وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيّ :
| وَكُلّ قَوْم أَطَاعُوا أَمْر مُرْشِدهمْ | إِلَّا نُمَيْرًا أَطَاعَتْ أَمْر غَاوِيهَا |
| الظَّاعِنِينَ وَلَمَّا يُظْعِنُوا أَحَدًا | وَالْقَائِلُونَ لِمَنْ دَارَ نُخَلِّيهَا |
| لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ | سُمّ الْعُدَاة وَآفَة الْجُزْر |
| النَّازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَك | وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِد الْأُزْر |
نَحْنُ بَنِي ضَبَّة أَصْحَاب الْجَمَل
فَنُصِبَ عَلَى الْمَدْح، وَأَمَّا الذَّمّ فَقَوْله تَعَالَى :" مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا " [ الْأَحْزَاب : ٦١ ] الْآيَة، وَقَالَ عُرْوَة بْن الْوَرْد :
| سَقَوْنِي الْخَمْر ثُمَّ تَكَنَّفُونِي | عُدَاة اللَّه مِنْ كَذِب وَزُور |
وَالْجَوَاب مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ :" الْمُوفُونَ " رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف، تَقْدِيره وَهُمْ الْمُوفُونَ، وَقَالَ الْكِسَائِيّ :" وَالصَّابِرِينَ " عُطِفَ عَلَى " ذَوِي الْقُرْبَى " كَأَنَّهُ قَالَ : وَآتَى الصَّابِرِينَ.
قَالَ النَّحَّاس :" وَهَذَا الْقَوْل خَطَأ وَغَلَط بَيِّن ; لِأَنَّك إِذَا نَصَبْت " وَالصَّابِرِينَ " وَنَسَّقْته عَلَى " ذَوِي الْقُرْبَى " دَخَلَ فِي صِلَة " مَنْ " وَإِذَا رَفَعْت " وَالْمُوفُونَ " عَلَى أَنَّهُ نَسَق عَلَى " مَنْ " فَقَدْ نَسَّقْت عَلَى " مَنْ " مِنْ قَبْل أَنْ تَتِمّ الصِّلَة، وَفَرَّقْت بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول بِالْمَعْطُوفِ "، وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " وَالْمُوفِينَ، وَالصَّابِرِينَ "، وَقَالَ النَّحَّاس :" يَكُونَانِ مَنْسُوقَيْنِ عَلَى " ذَوِي الْقُرْبَى " أَوْ عَلَى الْمَدْح.
قَالَ الْفَرَّاء : وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِي النِّسَاء " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة " [ النِّسَاء : ١٦٢ ].
وَقَرَأَ يَعْقُوب وَالْأَعْمَش " وَالْمُوفُونَ وَالصَّابِرُونَ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " بِعُهُودِهِمْ "، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " وَالْمُوفُونَ " عُطِفَ عَلَى الضَّمِير الَّذِي فِي " آمَنَ "، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَقَالَ : لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الْبِرّ بِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ هُوَ وَالْمُوفُونَ، أَيْ آمَنَّا جَمِيعًا.
كَمَا تَقُول : الشُّجَاع مَنْ أَقْدَمَ هُوَ وَعَمْرو، وَإِنَّمَا الَّذِي بَعْد قَوْله " مَنْ آمَنَ " تَعْدَاد لِأَفْعَالِ مَنْ آمَنَ وَأَوْصَافهمْ.
قَالَ النَّحَّاس :" وَهَذَا الْقَوْل خَطَأ وَغَلَط بَيِّن ; لِأَنَّك إِذَا نَصَبْت " وَالصَّابِرِينَ " وَنَسَّقْته عَلَى " ذَوِي الْقُرْبَى " دَخَلَ فِي صِلَة " مَنْ " وَإِذَا رَفَعْت " وَالْمُوفُونَ " عَلَى أَنَّهُ نَسَق عَلَى " مَنْ " فَقَدْ نَسَّقْت عَلَى " مَنْ " مِنْ قَبْل أَنْ تَتِمّ الصِّلَة، وَفَرَّقْت بَيْن الصِّلَة وَالْمَوْصُول بِالْمَعْطُوفِ "، وَقَالَ الْكِسَائِيّ : وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " وَالْمُوفِينَ، وَالصَّابِرِينَ "، وَقَالَ النَّحَّاس :" يَكُونَانِ مَنْسُوقَيْنِ عَلَى " ذَوِي الْقُرْبَى " أَوْ عَلَى الْمَدْح.
قَالَ الْفَرَّاء : وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِي النِّسَاء " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاة " [ النِّسَاء : ١٦٢ ].
وَقَرَأَ يَعْقُوب وَالْأَعْمَش " وَالْمُوفُونَ وَالصَّابِرُونَ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " بِعُهُودِهِمْ "، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " وَالْمُوفُونَ " عُطِفَ عَلَى الضَّمِير الَّذِي فِي " آمَنَ "، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيّ وَقَالَ : لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الْبِرّ بِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ هُوَ وَالْمُوفُونَ، أَيْ آمَنَّا جَمِيعًا.
كَمَا تَقُول : الشُّجَاع مَنْ أَقْدَمَ هُوَ وَعَمْرو، وَإِنَّمَا الَّذِي بَعْد قَوْله " مَنْ آمَنَ " تَعْدَاد لِأَفْعَالِ مَنْ آمَنَ وَأَوْصَافهمْ.
أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
وَصَفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالتَّقْوَى فِي أُمُورهمْ وَالْوَفَاء بِهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا جَادِّينَ فِي الدِّين، وَهَذَا غَايَة الثَّنَاء.
وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال، وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ، وَفِي الْحَدِيث :( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْبِرّ وَإِنَّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّة وَمَا يَزَال الرَّجُل يَصْدُق وَيَتَحَرَّى الصِّدْق حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه صِدِّيقًا ).
وَصَفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالتَّقْوَى فِي أُمُورهمْ وَالْوَفَاء بِهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا جَادِّينَ فِي الدِّين، وَهَذَا غَايَة الثَّنَاء.
وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال، وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ، وَفِي الْحَدِيث :( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْبِرّ وَإِنَّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّة وَمَا يَزَال الرَّجُل يَصْدُق وَيَتَحَرَّى الصِّدْق حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه صِدِّيقًا ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
رَوَى الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :" كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل الْقِصَاص وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَة، فَقَالَ اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء " فَالْعَفْو أَنْ يَقْبَل الدِّيَة فِي الْعَمْد " فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ " يَتَّبِع بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ " ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة " مِمَّا كَتَبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ " فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ عَذَاب أَلِيم " قَتَلَ بَعْد قَبُول الدِّيَة ".
هَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ سَمِعْت مُجَاهِدًا قَالَ سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : وَقَالَ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى :" الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى " قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب اِقْتَتَلَتَا فَقَالُوا، نَقْبَل بِعَبْدِنَا فُلَان بْن فُلَان، وَبِأُمَّتِنَا فُلَانَة بِنْت فُلَان، وَنَحْوه عَنْ قَتَادَة.
" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص " " كُتِبَ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُثْبِتَ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة :
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " كُتِبَ " هُنَا إِخْبَار عَمَّا كُتِبَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَسَبَقَ بِهِ الْقَضَاء، وَالْقِصَاص مَأْخُوذ مِنْ قَصّ الْأَثَر وَهُوَ اِتِّبَاعه، وَمِنْهُ الْقَاصّ لِأَنَّهُ يَتْبَع الْآثَار وَالْأَخْبَار.
وَقَصّ الشَّعْر اِتِّبَاع أَثَره، فَكَأَنَّ الْقَاتِل سَلَكَ طَرِيقًا مِنْ الْقَتْل فَقَصَّ أَثَره فِيهَا وَمَشَى عَلَى سَبِيله فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُ " فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا " [ الْكَهْف : ٦٤ ]، وَقِيلَ : الْقَصّ الْقَطْع، يُقَال : قَصَصْت مَا بَيْنهمَا، وَمِنْهُ أَخْذ الْقِصَاص ; لِأَنَّهُ يَجْرَحهُ مِثْل جُرْحه أَوْ يَقْتُلهُ بِهِ، يُقَال : أَقَصَّ الْحَاكِم فُلَانًا مِنْ فُلَان وَأَبَاءَهُ بِهِ فَأَمْثَلَهُ فَامْتَثَلَ مِنْهُ، أَيْ اِقْتَصَّ مِنْهُ.
صُورَة الْقِصَاص هُوَ أَنَّ الْقَاتِل فُرِضَ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ الْوَلِيّ الْقَتْل الِاسْتِسْلَام لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِقِصَاصِهِ الْمَشْرُوع، وَأَنَّ الْوَلِيّ فُرِضَ عَلَيْهِ الْوُقُوف عِنْد قَاتِل وَلِيّه وَتَرْك التَّعَدِّي عَلَى غَيْره، كَمَا كَانَتْ الْعَرَب تَتَعَدَّى فَتَقْتُل غَيْر الْقَاتِل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاس عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة رَجُل قَتَلَ غَيْر قَاتِله وَرَجُل قَتَلَ فِي الْحَرَم وَرَجُل أَخَذَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّة ).
رَوَى الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :" كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل الْقِصَاص وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَة، فَقَالَ اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء " فَالْعَفْو أَنْ يَقْبَل الدِّيَة فِي الْعَمْد " فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ " يَتَّبِع بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ " ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة " مِمَّا كَتَبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ " فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ عَذَاب أَلِيم " قَتَلَ بَعْد قَبُول الدِّيَة ".
هَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ سَمِعْت مُجَاهِدًا قَالَ سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : وَقَالَ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى :" الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى " قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب اِقْتَتَلَتَا فَقَالُوا، نَقْبَل بِعَبْدِنَا فُلَان بْن فُلَان، وَبِأُمَّتِنَا فُلَانَة بِنْت فُلَان، وَنَحْوه عَنْ قَتَادَة.
" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص " " كُتِبَ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُثْبِتَ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَر بْن أَبِي رَبِيعَة :
| كُتِبَ الْقَتْل وَالْقِتَال عَلَيْنَا | وَعَلَى الْغَانِيَات جَرّ الذُّيُول |
وَقَصّ الشَّعْر اِتِّبَاع أَثَره، فَكَأَنَّ الْقَاتِل سَلَكَ طَرِيقًا مِنْ الْقَتْل فَقَصَّ أَثَره فِيهَا وَمَشَى عَلَى سَبِيله فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُ " فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا " [ الْكَهْف : ٦٤ ]، وَقِيلَ : الْقَصّ الْقَطْع، يُقَال : قَصَصْت مَا بَيْنهمَا، وَمِنْهُ أَخْذ الْقِصَاص ; لِأَنَّهُ يَجْرَحهُ مِثْل جُرْحه أَوْ يَقْتُلهُ بِهِ، يُقَال : أَقَصَّ الْحَاكِم فُلَانًا مِنْ فُلَان وَأَبَاءَهُ بِهِ فَأَمْثَلَهُ فَامْتَثَلَ مِنْهُ، أَيْ اِقْتَصَّ مِنْهُ.
صُورَة الْقِصَاص هُوَ أَنَّ الْقَاتِل فُرِضَ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ الْوَلِيّ الْقَتْل الِاسْتِسْلَام لِأَمْرِ اللَّه وَالِانْقِيَاد لِقِصَاصِهِ الْمَشْرُوع، وَأَنَّ الْوَلِيّ فُرِضَ عَلَيْهِ الْوُقُوف عِنْد قَاتِل وَلِيّه وَتَرْك التَّعَدِّي عَلَى غَيْره، كَمَا كَانَتْ الْعَرَب تَتَعَدَّى فَتَقْتُل غَيْر الْقَاتِل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاس عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة رَجُل قَتَلَ غَيْر قَاتِله وَرَجُل قَتَلَ فِي الْحَرَم وَرَجُل أَخَذَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّة ).
قَالَ الشَّعْبِيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : إِنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ فِيهِمْ بَغْي وَطَاعَة لِلشَّيْطَانِ، فَكَانَ الْحَيّ إِذَا كَانَ فِيهِ عِزّ وَمَنَعَة فَقُتِلَ لَهُمْ عَبْد، قَتَلَهُ عَبْد قَوْم آخَرِينَ قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهِ إِلَّا حُرًّا، وَإِذَا قُتِلَتْ مِنْهُمْ اِمْرَأَة قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهَا إِلَّا رَجُلًا، وَإِذَا قُتِلَ لَهُمْ وَضِيع قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهِ إِلَّا شَرِيفًا، وَيَقُولُونَ :[ الْقَتْل أَوْقَى لِلْقَتْلِ ] بِالْوَاوِ وَالْقَاف، وَيُرْوَى [ أَبْقَى ] بِالْبَاءِ وَالْقَاف، وَيُرْوَى [ أَنْفَى ] بِالنُّونِ وَالْفَاء، فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ الْبَغْي فَقَالَ :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ " الْآيَة، وَقَالَ " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة " [ الْبَقَرَة : ١٧٩ ]، وَبَيْن الْكَلَامَيْنِ فِي الْفَصَاحَة وَالْجَزْل بَوْن عَظِيم.
لَا خِلَاف أَنَّ الْقِصَاص فِي الْقَتْل لَا يُقِيمهُ إِلَّا أُولُوا الْأَمْر، فُرِضَ عَلَيْهِمْ النُّهُوض بِالْقِصَاصِ وَإِقَامَة الْحُدُود وَغَيْر ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَاطَبَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ لَا يَتَهَيَّأ لِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقِصَاص، فَأَقَامُوا السُّلْطَان مَقَام أَنْفُسهمْ فِي إِقَامَة الْقِصَاص وَغَيْره مِنْ الْحُدُود، وَلَيْسَ الْقِصَاص بِلَازِمٍ إِنَّمَا اللَّازِم أَلَّا يَتَجَاوَز الْقِصَاص وَغَيْره مِنْ الْحُدُود إِلَى الِاعْتِدَاء، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الرِّضَا بِدُونِ الْقِصَاص مِنْ دِيَة أَوْ عَفْو فَذَلِكَ مُبَاح، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى " كُتِبَ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُلْزِمَ، فَكَيْف يَكُون الْقِصَاص غَيْر وَاجِب ؟ قِيلَ لَهُ : مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتُمْ، فَأَعْلَمَ أَنَّ الْقِصَاص هُوَ الْغَايَة عِنْد التَّشَاحّ، وَالْقَتْلَى جَمْع قَتِيل، لَفْظ مُؤَنَّث تَأْنِيث الْجَمَاعَة، وَهُوَ مِمَّا يَدْخُل عَلَى النَّاس كُرْهًا، فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى هَذَا الْبِنَاء كَجَرْحَى وَزَمْنَى وَحَمْقَى وَصَرْعَى وَغَرْقَى، وَشَبَههنَّ.
لَا خِلَاف أَنَّ الْقِصَاص فِي الْقَتْل لَا يُقِيمهُ إِلَّا أُولُوا الْأَمْر، فُرِضَ عَلَيْهِمْ النُّهُوض بِالْقِصَاصِ وَإِقَامَة الْحُدُود وَغَيْر ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَاطَبَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ لَا يَتَهَيَّأ لِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقِصَاص، فَأَقَامُوا السُّلْطَان مَقَام أَنْفُسهمْ فِي إِقَامَة الْقِصَاص وَغَيْره مِنْ الْحُدُود، وَلَيْسَ الْقِصَاص بِلَازِمٍ إِنَّمَا اللَّازِم أَلَّا يَتَجَاوَز الْقِصَاص وَغَيْره مِنْ الْحُدُود إِلَى الِاعْتِدَاء، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الرِّضَا بِدُونِ الْقِصَاص مِنْ دِيَة أَوْ عَفْو فَذَلِكَ مُبَاح، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى " كُتِبَ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُلْزِمَ، فَكَيْف يَكُون الْقِصَاص غَيْر وَاجِب ؟ قِيلَ لَهُ : مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتُمْ، فَأَعْلَمَ أَنَّ الْقِصَاص هُوَ الْغَايَة عِنْد التَّشَاحّ، وَالْقَتْلَى جَمْع قَتِيل، لَفْظ مُؤَنَّث تَأْنِيث الْجَمَاعَة، وَهُوَ مِمَّا يَدْخُل عَلَى النَّاس كُرْهًا، فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى هَذَا الْبِنَاء كَجَرْحَى وَزَمْنَى وَحَمْقَى وَصَرْعَى وَغَرْقَى، وَشَبَههنَّ.
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى
فِيهَا عَشْرَة مَسَائِل
الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلهَا، فَقَالَتْ طَائِفَة : جَاءَتْ الْآيَة مُبَيِّنَة لِحُكْمِ النَّوْع إِذَا قَتَلَ نَوْعه، فَبَيَّنَتْ حُكْم الْحُرّ إِذَا قَتَلَ حُرًّا، وَالْعَبْد إِذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَالْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ أُنْثَى، وَلَمْ تَتَعَرَّض لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ إِذَا قَتَلَ الْآخَر، فَالْآيَة مُحْكَمَة وَفِيهَا إِجْمَال يُبَيِّنهُ قَوْله تَعَالَى :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ]، وَبَيَّنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ لَمَّا قَتَلَ الْيَهُودِيّ بِالْمَرْأَةِ، قَالَهُ مُجَاهِد، وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ " الْمَائِدَة " وَهُوَ قَوْل أَهْل الْعِرَاق.
الثَّانِيَة : قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْرِيّ : يُقْتَل الْحُرّ بِالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِم بِالذِّمِّيِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى " فَعَمَّ، وَقَوْله :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ]، قَالُوا : وَالذِّمِّيّ مَعَ الْمُسْلِم مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُرْمَة الَّتِي تَكْفِي فِي الْقِصَاص وَهِيَ حُرْمَة الدَّم الثَّابِتَة عَلَى التَّأْبِيد، فَإِنَّ الذِّمِّيّ مَحْقُون الدَّم عَلَى التَّأْبِيد، وَالْمُسْلِم كَذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا قَدْ صَارَ مِنْ أَهْل دَار الْإِسْلَام، وَاَلَّذِي يُحَقِّق ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِم يُقْطَع بِسَرِقَةِ مَال الذِّمِّيّ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَال الذِّمِّيّ قَدْ سَاوَى مَال الْمُسْلِم، فَدَلَّ عَلَى مُسَاوَاته لِدَمِهِ إِذْ الْمَال إِنَّمَا يَحْرُم بِحُرْمَةِ مَالِكه، وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ الْحُرّ يُقْتَل بِالْعَبْدِ كَمَا يُقْتَل الْعَبْد بِهِ، وَهُوَ قَوْل دَاوُد، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَقَتَادَة وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة، وَالْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء لَا يَقْتُلُونَ الْحُرّ بِالْعَبْدِ، لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيم فِي الْآيَة.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر : لَمَّا اِتَّفَقَ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاص بَيْن الْعَبِيد وَالْأَحْرَار فِيمَا دُون النُّفُوس كَانَتْ النُّفُوس أَحْرَى بِذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ مِنْهُمْ بَيْن ذَلِكَ فَقَدْ نَاقَضَ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاع فِيمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقِيمَة، فَكَمَا لَمْ يُشْبِه الْحُرّ فِي الْخَطَأ لَمْ يُشْبِههُ فِي الْعَمْد، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْد سِلْعَة مِنْ السِّلَع يُبَاع وَيُشْتَرَى، وَيَتَصَرَّف فِيهِ الْحُرّ كَيْف شَاءَ، فَلَا مُسَاوَاة بَيْنه وَبَيْن الْحُرّ وَلَا مُقَاوَمَة.
فِيهَا عَشْرَة مَسَائِل
الْأُولَى : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلهَا، فَقَالَتْ طَائِفَة : جَاءَتْ الْآيَة مُبَيِّنَة لِحُكْمِ النَّوْع إِذَا قَتَلَ نَوْعه، فَبَيَّنَتْ حُكْم الْحُرّ إِذَا قَتَلَ حُرًّا، وَالْعَبْد إِذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَالْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ أُنْثَى، وَلَمْ تَتَعَرَّض لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ إِذَا قَتَلَ الْآخَر، فَالْآيَة مُحْكَمَة وَفِيهَا إِجْمَال يُبَيِّنهُ قَوْله تَعَالَى :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ]، وَبَيَّنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ لَمَّا قَتَلَ الْيَهُودِيّ بِالْمَرْأَةِ، قَالَهُ مُجَاهِد، وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ " الْمَائِدَة " وَهُوَ قَوْل أَهْل الْعِرَاق.
الثَّانِيَة : قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْرِيّ : يُقْتَل الْحُرّ بِالْعَبْدِ، وَالْمُسْلِم بِالذِّمِّيِّ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى " فَعَمَّ، وَقَوْله :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ]، قَالُوا : وَالذِّمِّيّ مَعَ الْمُسْلِم مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُرْمَة الَّتِي تَكْفِي فِي الْقِصَاص وَهِيَ حُرْمَة الدَّم الثَّابِتَة عَلَى التَّأْبِيد، فَإِنَّ الذِّمِّيّ مَحْقُون الدَّم عَلَى التَّأْبِيد، وَالْمُسْلِم كَذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا قَدْ صَارَ مِنْ أَهْل دَار الْإِسْلَام، وَاَلَّذِي يُحَقِّق ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِم يُقْطَع بِسَرِقَةِ مَال الذِّمِّيّ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَال الذِّمِّيّ قَدْ سَاوَى مَال الْمُسْلِم، فَدَلَّ عَلَى مُسَاوَاته لِدَمِهِ إِذْ الْمَال إِنَّمَا يَحْرُم بِحُرْمَةِ مَالِكه، وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَابْن أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ الْحُرّ يُقْتَل بِالْعَبْدِ كَمَا يُقْتَل الْعَبْد بِهِ، وَهُوَ قَوْل دَاوُد، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَقَتَادَة وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالْحَكَم بْن عُيَيْنَة، وَالْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء لَا يَقْتُلُونَ الْحُرّ بِالْعَبْدِ، لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيم فِي الْآيَة.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر : لَمَّا اِتَّفَقَ جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاص بَيْن الْعَبِيد وَالْأَحْرَار فِيمَا دُون النُّفُوس كَانَتْ النُّفُوس أَحْرَى بِذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ مِنْهُمْ بَيْن ذَلِكَ فَقَدْ نَاقَضَ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاع فِيمَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقِيمَة، فَكَمَا لَمْ يُشْبِه الْحُرّ فِي الْخَطَأ لَمْ يُشْبِههُ فِي الْعَمْد، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْد سِلْعَة مِنْ السِّلَع يُبَاع وَيُشْتَرَى، وَيَتَصَرَّف فِيهِ الْحُرّ كَيْف شَاءَ، فَلَا مُسَاوَاة بَيْنه وَبَيْن الْحُرّ وَلَا مُقَاوَمَة.
قُلْت : هَذَا الْإِجْمَاع صَحِيح، وَأَمَّا قَوْله أَوَّلًا :" وَلَمَّا اِتَّفَقَ جَمِيعهمْ - إِلَى قَوْله - فَقَدْ نَاقَضَ " فَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد بِالْقِصَاصِ بَيْن الْأَحْرَار وَالْعَبِيد فِي النَّفْس وَفِي جَمِيع الْأَعْضَاء، وَاسْتَدَلَّ دَاوُد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ ) فَلَمْ يُفَرِّق بَيْن حُرّ وَعَبْد.
وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : وَالْجُمْهُور أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَل مُسْلِم بِكَافِرٍ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يُقْتَل مُسْلِم بِكَافِرٍ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، وَلَا يَصِحّ لَهُمْ مَا رَوَوْهُ مِنْ حَدِيث رَبِيعَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْم خَيْبَر مُسْلِمًا بِكَافِرٍ ; لِأَنَّهُ مُنْقَطِع، وَمِنْ حَدِيث اِبْن الْبَيْلَمَانِيّ وَهُوَ ضَعِيف عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ :" لَمْ يُسْنِدهُ غَيْر إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوك الْحَدِيث، وَالصَّوَاب عَنْ رَبِيعَة عَنْ اِبْن الْبَيْلَمَانِيّ مُرْسَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْن الْبَيْلَمَانِيّ ضَعِيف الْحَدِيث لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة إِذَا وَصَلَ الْحَدِيث، فَكَيْف بِمَا يُرْسِلهُ ".
قُلْت : فَلَا يَصِحّ فِي الْبَاب إِلَّا حَدِيث الْبُخَارِيّ، وَهُوَ يُخَصِّص عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى " الْآيَة، وَعُمُوم قَوْله :" النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ].
الرَّابِعَة : رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ مُبَيِّنَة حُكْم الْمَذْكُورِينَ، لِيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى الْفَرْق بَيْنهمْ وَبَيْن أَنْ يَقْتُل حُرّ عَبْدًا أَوْ عَبْد حُرًّا، أَوْ ذَكَر أُنْثَى أَوْ أُنْثَى ذَكَرًا، وَقَالَا : إِذَا قَتَلَ رَجُل اِمْرَأَة فَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهَا قَتَلُوا صَاحِبهمْ وَوَفَّوْا أَوْلِيَاءَهُ نِصْف الدِّيَة، وَإِنْ أَرَادُوا اِسْتَحْيَوْهُ وَأَخَذُوا مِنْهُ دِيَة الْمَرْأَة.
وَإِذَا قَتَلَتْ اِمْرَأَة رَجُلًا فَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلهَا قَتَلُوهَا وَأَخَذُوا نِصْف الدِّيَة، وَإِلَّا أَخَذُوا دِيَة صَاحِبهمْ وَاسْتَحْيَوْهَا.
رَوَى هَذَا الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ، وَلَا يَصِحّ ; لِأَنَّ الشَّعْبِيّ لَمْ يَلْقَ عَلِيًّا، وَقَدْ رَوَى الْحَكَم عَنْ عَلِيّ وَعَبْد اللَّه قَالَا : إِذَا قَتَلَ الرَّجُل الْمَرْأَة مُتَعَمِّدًا فَهُوَ بِهَا قَوَد، وَهَذَا يُعَارِض رِوَايَة الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَعْوَر وَالْأَشَلّ إِذَا قَتَلَ رَجُلًا سَالِم الْأَعْضَاء أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُل الْأَعْوَر، وَيَأْخُذ مِنْهُ نِصْف الدِّيَة مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَتَلَ ذَا عَيْنَيْنِ وَهُوَ أَعْوَر، وَقَتَلَ ذَا يَدَيْنِ وَهُوَ أَشَلّ، فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّفْس مُكَافِئَة لِلنَّفْسِ، وَيُكَافِئ الطِّفْل فِيهَا الْكَبِير.
وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " النِّسَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الثَّالِثَة : وَالْجُمْهُور أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَل مُسْلِم بِكَافِرٍ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يُقْتَل مُسْلِم بِكَافِرٍ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، وَلَا يَصِحّ لَهُمْ مَا رَوَوْهُ مِنْ حَدِيث رَبِيعَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْم خَيْبَر مُسْلِمًا بِكَافِرٍ ; لِأَنَّهُ مُنْقَطِع، وَمِنْ حَدِيث اِبْن الْبَيْلَمَانِيّ وَهُوَ ضَعِيف عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ :" لَمْ يُسْنِدهُ غَيْر إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوك الْحَدِيث، وَالصَّوَاب عَنْ رَبِيعَة عَنْ اِبْن الْبَيْلَمَانِيّ مُرْسَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْن الْبَيْلَمَانِيّ ضَعِيف الْحَدِيث لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة إِذَا وَصَلَ الْحَدِيث، فَكَيْف بِمَا يُرْسِلهُ ".
قُلْت : فَلَا يَصِحّ فِي الْبَاب إِلَّا حَدِيث الْبُخَارِيّ، وَهُوَ يُخَصِّص عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى " الْآيَة، وَعُمُوم قَوْله :" النَّفْس بِالنَّفْسِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ].
الرَّابِعَة : رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ مُبَيِّنَة حُكْم الْمَذْكُورِينَ، لِيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى الْفَرْق بَيْنهمْ وَبَيْن أَنْ يَقْتُل حُرّ عَبْدًا أَوْ عَبْد حُرًّا، أَوْ ذَكَر أُنْثَى أَوْ أُنْثَى ذَكَرًا، وَقَالَا : إِذَا قَتَلَ رَجُل اِمْرَأَة فَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهَا قَتَلُوا صَاحِبهمْ وَوَفَّوْا أَوْلِيَاءَهُ نِصْف الدِّيَة، وَإِنْ أَرَادُوا اِسْتَحْيَوْهُ وَأَخَذُوا مِنْهُ دِيَة الْمَرْأَة.
وَإِذَا قَتَلَتْ اِمْرَأَة رَجُلًا فَإِنْ أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلهَا قَتَلُوهَا وَأَخَذُوا نِصْف الدِّيَة، وَإِلَّا أَخَذُوا دِيَة صَاحِبهمْ وَاسْتَحْيَوْهَا.
رَوَى هَذَا الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ، وَلَا يَصِحّ ; لِأَنَّ الشَّعْبِيّ لَمْ يَلْقَ عَلِيًّا، وَقَدْ رَوَى الْحَكَم عَنْ عَلِيّ وَعَبْد اللَّه قَالَا : إِذَا قَتَلَ الرَّجُل الْمَرْأَة مُتَعَمِّدًا فَهُوَ بِهَا قَوَد، وَهَذَا يُعَارِض رِوَايَة الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَعْوَر وَالْأَشَلّ إِذَا قَتَلَ رَجُلًا سَالِم الْأَعْضَاء أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُل الْأَعْوَر، وَيَأْخُذ مِنْهُ نِصْف الدِّيَة مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَتَلَ ذَا عَيْنَيْنِ وَهُوَ أَعْوَر، وَقَتَلَ ذَا يَدَيْنِ وَهُوَ أَشَلّ، فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّفْس مُكَافِئَة لِلنَّفْسِ، وَيُكَافِئ الطِّفْل فِيهَا الْكَبِير.
وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : إِنْ كَانَ الرَّجُل لَا تُكَافِئهُ الْمَرْأَة وَلَا تَدْخُل تَحْت قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ ) فَلِمَ قَتَلْت الرَّجُل بِهَا وَهِيَ لَا تُكَافِئهُ ثُمَّ تَأْخُذ نِصْف الدِّيَة، وَالْعُلَمَاء قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الدِّيَة لَا تَجْتَمِع مَعَ الْقِصَاص، وَأَنَّ الدِّيَة إِذَا قُبِلَتْ حَرُمَ الدَّم وَارْتَفَعَ الْقِصَاص، فَلَيْسَ قَوْلك هَذَا بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاس، قَالَهُ أَبُو عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَإِذَا قَتَلَ الْحُرّ الْعَبْد، فَإِنْ أَرَادَ سَيِّد الْعَبْد قَتَلَ وَأَعْطَى دِيَة الْحُرّ إِلَّا قِيمَة الْعَبْد، وَإِنْ شَاءَ اِسْتَحْيَا وَأَخَذَ قِيمَة الْعَبْد، هَذَا مَذْكُور عَنْ عَلِيّ وَالْحَسَن، وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ أَيْضًا.
الْخَامِسَة : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَتْل الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَة بِالرَّجُلِ، وَالْجُمْهُور لَا يَرَوْنَ الرُّجُوع بِشَيْءٍ، وَفِرْقَة تَرَى الِاتِّبَاع بِفَضْلِ الدِّيَات.
قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر : وَكَذَلِكَ الْقِصَاص بَيْنهمَا فِيمَا دُون النَّفْس، وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَأَبُو حَنِيفَة : لَا قِصَاص بَيْنهمَا فِيمَا دُون النَّفْس وَإِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْس بِالنَّفْسِ، وَهُمَا مَحْجُوجَانِ بِإِلْحَاقِ مَا دُون النَّفْس بِالنَّفْسِ عَلَى طَرِيق الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَقَدْ بَلَغَتْ الْجَهَالَة بِأَقْوَامٍ إِلَى أَنْ قَالُوا : يُقْتَل الْحُرّ بِعَبْدِ نَفْسه، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ قَتَلَ عَبْده قَتَلْنَاهُ ) وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل " [ الْإِسْرَاء : ٣٣ ] وَالْوَلِيّ هَاهُنَا السَّيِّد، فَكَيْف يُجْعَل لَهُ سُلْطَان عَلَى نَفْسه "، وَقَدْ اِتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ السَّيِّد لَوْ قَتَلَ عَبْده خَطَأ أَنَّهُ لَا تُؤْخَذ مِنْهُ قِيمَته لِبَيْتِ الْمَال، وَقَدْ رَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْده مُتَعَمِّدًا فَجَلَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَنَفَاهُ سَنَة وَمَحَا سَهْمه مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقِدْهُ بِهِ )
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُل زَوْجَته لِمَ لَمْ تَقُولُوا : يُنَصَّب النِّكَاح شُبْهَة فِي دَرْء الْقِصَاص عَنْ الزَّوْج، إِذْ النِّكَاح ضَرْب مِنْ الرِّقّ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ اللَّيْث بْن سَعْد.
قُلْنَا : النِّكَاح يَنْعَقِد لَهَا عَلَيْهِ، كَمَا يَنْعَقِد لَهُ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّج أُخْتهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَتُطَالِبهُ فِي حَقّ الْوَطْء بِمَا يُطَالِبهَا، وَلَكِنْ لَهُ عَلَيْهَا فَضْل الْقِوَامَة الَّتِي جَعَلَ اللَّه لَهُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ مِنْ مَاله، أَيْ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاق وَنَفَقَة، فَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَة لَأَوْرَثَهَا فِي الْجَانِبَيْنِ.
الْخَامِسَة : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَتْل الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَة بِالرَّجُلِ، وَالْجُمْهُور لَا يَرَوْنَ الرُّجُوع بِشَيْءٍ، وَفِرْقَة تَرَى الِاتِّبَاع بِفَضْلِ الدِّيَات.
قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر : وَكَذَلِكَ الْقِصَاص بَيْنهمَا فِيمَا دُون النَّفْس، وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَأَبُو حَنِيفَة : لَا قِصَاص بَيْنهمَا فِيمَا دُون النَّفْس وَإِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْس بِالنَّفْسِ، وَهُمَا مَحْجُوجَانِ بِإِلْحَاقِ مَا دُون النَّفْس بِالنَّفْسِ عَلَى طَرِيق الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسَة : قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَقَدْ بَلَغَتْ الْجَهَالَة بِأَقْوَامٍ إِلَى أَنْ قَالُوا : يُقْتَل الْحُرّ بِعَبْدِ نَفْسه، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ قَتَلَ عَبْده قَتَلْنَاهُ ) وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَدَلِيلنَا قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْل " [ الْإِسْرَاء : ٣٣ ] وَالْوَلِيّ هَاهُنَا السَّيِّد، فَكَيْف يُجْعَل لَهُ سُلْطَان عَلَى نَفْسه "، وَقَدْ اِتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ السَّيِّد لَوْ قَتَلَ عَبْده خَطَأ أَنَّهُ لَا تُؤْخَذ مِنْهُ قِيمَته لِبَيْتِ الْمَال، وَقَدْ رَوَى عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْده مُتَعَمِّدًا فَجَلَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَنَفَاهُ سَنَة وَمَحَا سَهْمه مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقِدْهُ بِهِ )
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا قَتَلَ الرَّجُل زَوْجَته لِمَ لَمْ تَقُولُوا : يُنَصَّب النِّكَاح شُبْهَة فِي دَرْء الْقِصَاص عَنْ الزَّوْج، إِذْ النِّكَاح ضَرْب مِنْ الرِّقّ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ اللَّيْث بْن سَعْد.
قُلْنَا : النِّكَاح يَنْعَقِد لَهَا عَلَيْهِ، كَمَا يَنْعَقِد لَهُ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّج أُخْتهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَتُطَالِبهُ فِي حَقّ الْوَطْء بِمَا يُطَالِبهَا، وَلَكِنْ لَهُ عَلَيْهَا فَضْل الْقِوَامَة الَّتِي جَعَلَ اللَّه لَهُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ مِنْ مَاله، أَيْ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاق وَنَفَقَة، فَلَوْ أَوْرَثَ شُبْهَة لَأَوْرَثَهَا فِي الْجَانِبَيْنِ.
قُلْت : هَذَا الْحَدِيث الَّذِي ضَعَّفَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ صَحِيح، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد، وَتَتْمِيم مَتْنه :( وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ وَمَنْ أَخْصَاهُ أَخْصَيْنَاهُ )، وَقَالَ الْبُخَارِيّ عَنْ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : سَمَاع الْحَسَن مِنْ سَمُرَة صَحِيح، وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ الْبُخَارِيّ : وَأَنَا أَذْهَب إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحّ الْحَدِيث لَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَانِ الْإِمَامَانِ، وَحَسْبك بِهِمَا، وَيُقْتَل الْحُرّ بِعَبْدِ نَفْسه.
قَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْحَسَن لَمْ يَسْمَع مِنْ سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاص بَيْن الْعَبِيد فِيمَا دُون النَّفْس، هَذَا قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَالزُّهْرِيّ وَقُرَّان وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : لَا قِصَاص بَيْنهمْ إِلَّا فِي النَّفْس.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : الْأَوَّل أَصَحّ.
السَّابِعَة : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ عَنْ سُرَاقَة بْن مَالِك قَالَ : حَضَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيد الْأَب مِنْ اِبْنه، وَلَا يُقِيد الِابْن مِنْ أَبِيهِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى :" هَذَا حَدِيث لَا نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيث سُرَاقَة إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيحٍ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ الْمُثَنَّى بْن الصَّبَّاح، وَالْمُثَنَّى يُضَعَّف فِي الْحَدِيث، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَنْ الْحَجَّاج عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب مُرْسَلًا، وَهَذَا الْحَدِيث فِيهِ اِضْطِرَاب، وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْأَب إِذَا قَتَلَ اِبْنه لَا يُقْتَل بِهِ، وَإِذَا قَذَفَهُ لَا يُحَدّ "، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الرَّجُل يَقْتُل اِبْنه عَمْدًا، فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا قَوَد عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَته، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد، وَقَالَ مَالِك وَابْن نَافِع وَابْن عَبْد الْحَكَم : يُقْتَل بِهِ، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهَذَا نَقُول لِظَاهِرِ الْكِتَاب وَالسُّنَّة، فَأَمَّا ظَاهِر الْكِتَاب فَقَوْله تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ "، وَالثَّابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ ) وَلَا نَعْلَم خَبَرًا ثَابِتًا يَجِب بِهِ اِسْتِثْنَاء الْأَب مِنْ جُمْلَة الْآيَة، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ أَخْبَارًا غَيْر ثَابِتَة، وَحَكَى إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ عَنْ عُثْمَان الْبَتِّيّ أَنَّهُ يُقْتَل الْوَالِد بِوَلَدِهِ، لِلْعُمُومَات فِي الْقِصَاص.
وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنْ مَالِك، وَلَعَلَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ أَخْبَار الْآحَاد فِي مُقَابَلَة عُمُومَات الْقُرْآن.
وَقَالَ الْبُخَارِيّ : وَأَنَا أَذْهَب إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحّ الْحَدِيث لَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَانِ الْإِمَامَانِ، وَحَسْبك بِهِمَا، وَيُقْتَل الْحُرّ بِعَبْدِ نَفْسه.
قَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْحَسَن لَمْ يَسْمَع مِنْ سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاص بَيْن الْعَبِيد فِيمَا دُون النَّفْس، هَذَا قَوْل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَالزُّهْرِيّ وَقُرَّان وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : لَا قِصَاص بَيْنهمْ إِلَّا فِي النَّفْس.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : الْأَوَّل أَصَحّ.
السَّابِعَة : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ عَنْ سُرَاقَة بْن مَالِك قَالَ : حَضَرْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيد الْأَب مِنْ اِبْنه، وَلَا يُقِيد الِابْن مِنْ أَبِيهِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى :" هَذَا حَدِيث لَا نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيث سُرَاقَة إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيحٍ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ الْمُثَنَّى بْن الصَّبَّاح، وَالْمُثَنَّى يُضَعَّف فِي الْحَدِيث، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَنْ الْحَجَّاج عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب مُرْسَلًا، وَهَذَا الْحَدِيث فِيهِ اِضْطِرَاب، وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْأَب إِذَا قَتَلَ اِبْنه لَا يُقْتَل بِهِ، وَإِذَا قَذَفَهُ لَا يُحَدّ "، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الرَّجُل يَقْتُل اِبْنه عَمْدًا، فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا قَوَد عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَته، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد، وَقَالَ مَالِك وَابْن نَافِع وَابْن عَبْد الْحَكَم : يُقْتَل بِهِ، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهَذَا نَقُول لِظَاهِرِ الْكِتَاب وَالسُّنَّة، فَأَمَّا ظَاهِر الْكِتَاب فَقَوْله تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ "، وَالثَّابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ ) وَلَا نَعْلَم خَبَرًا ثَابِتًا يَجِب بِهِ اِسْتِثْنَاء الْأَب مِنْ جُمْلَة الْآيَة، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ أَخْبَارًا غَيْر ثَابِتَة، وَحَكَى إِلْكِيَا الطَّبَرِيّ عَنْ عُثْمَان الْبَتِّيّ أَنَّهُ يُقْتَل الْوَالِد بِوَلَدِهِ، لِلْعُمُومَات فِي الْقِصَاص.
وَرُوِيَ مِثْل ذَلِكَ عَنْ مَالِك، وَلَعَلَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ أَخْبَار الْآحَاد فِي مُقَابَلَة عُمُومَات الْقُرْآن.
قُلْت : لَا خِلَاف فِي مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ الرَّجُل اِبْنه مُتَعَمِّدًا مِثْل أَنْ يُضْجِعهُ وَيَذْبَحهُ أَوْ يَصْبِرهُ مِمَّا لَا عُذْر لَهُ فِيهِ وَلَا شُبْهَة فِي اِدِّعَاء الْخَطَأ، أَنَّهُ يُقْتَل بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، فَأَمَّا إِنْ رَمَاهُ بِالسِّلَاحِ أَدَبًا أَوْ حَنَقًا فَقَتَلَهُ، فَفِيهِ فِي الْمَذْهَب قَوْلَانِ : يُقْتَل بِهِ، وَلَا يُقْتَل بِهِ وَتُغَلَّظ الدِّيَة، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة الْعُلَمَاء، وَيُقْتَل الْأَجْنَبِيّ بِمِثْلِ هَذَا.
اِبْن الْعَرَبِيّ :" سَمِعْت شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام الشَّاشِيّ يَقُول فِي النَّظَر : لَا يُقْتَل الْأَب بِابْنِهِ ; لِأَنَّ الْأَب كَانَ سَبَب وُجُوده، فَكَيْف يَكُون هُوَ سَبَب عَدَمه ؟ وَهَذَا يَبْطُل بِمَا إِذَا زَنَى بِابْنَتِهِ فَإِنَّهُ يُرْجَم، وَكَانَ سَبَب وُجُودهَا وَتَكُون هِيَ سَبَب عَدَمه، ثُمَّ أَيّ فِقْه تَحْت هَذَا، وَلِمَ لَا يَكُون سَبَب عَدَمه إِذَا عَصَى اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ أَثَرُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يُقَاد الْوَالِد بِوَلَدِهِ ) وَهُوَ حَدِيث بَاطِل، وَمُتَعَلِّقهمْ أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَضَى بِالدِّيَةِ مُغَلَّظَة فِي قَاتِل اِبْنه وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ الصَّحَابَة عَلَيْهِ، فَأَخَذَ سَائِر الْفُقَهَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ الْمَسْأَلَة مُسْجَلَة، وَقَالُوا : لَا يُقْتَل الْوَالِد بِوَلَدِهِ، وَأَخَذَهَا مَالِك مُحْكَمَة مُفَصَّلَة فَقَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَهَذِهِ حَالَة مُحْتَمَلَة لِقَصْدِ الْقَتْل وَعَدَمه، وَشَفَقَة الْأُبُوَّة شُبْهَة مُنْتَصِبَة شَاهِدَة بِعَدَمِ الْقَصْد إِلَى الْقَتْل تُسْقِط الْقَوَد، فَإِذَا أَضْجَعَهُ كَشَفَ الْغِطَاء عَنْ قَصْده فَالْتَحَقَ بِأَصْلِهِ ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكَانَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق يَقُولُونَ : إِذَا قَتَلَ الِابْن الْأَب قُتِلَ بِهِ.
اِبْن الْعَرَبِيّ :" سَمِعْت شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام الشَّاشِيّ يَقُول فِي النَّظَر : لَا يُقْتَل الْأَب بِابْنِهِ ; لِأَنَّ الْأَب كَانَ سَبَب وُجُوده، فَكَيْف يَكُون هُوَ سَبَب عَدَمه ؟ وَهَذَا يَبْطُل بِمَا إِذَا زَنَى بِابْنَتِهِ فَإِنَّهُ يُرْجَم، وَكَانَ سَبَب وُجُودهَا وَتَكُون هِيَ سَبَب عَدَمه، ثُمَّ أَيّ فِقْه تَحْت هَذَا، وَلِمَ لَا يَكُون سَبَب عَدَمه إِذَا عَصَى اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ أَثَرُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يُقَاد الْوَالِد بِوَلَدِهِ ) وَهُوَ حَدِيث بَاطِل، وَمُتَعَلِّقهمْ أَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَضَى بِالدِّيَةِ مُغَلَّظَة فِي قَاتِل اِبْنه وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ الصَّحَابَة عَلَيْهِ، فَأَخَذَ سَائِر الْفُقَهَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ الْمَسْأَلَة مُسْجَلَة، وَقَالُوا : لَا يُقْتَل الْوَالِد بِوَلَدِهِ، وَأَخَذَهَا مَالِك مُحْكَمَة مُفَصَّلَة فَقَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَهَذِهِ حَالَة مُحْتَمَلَة لِقَصْدِ الْقَتْل وَعَدَمه، وَشَفَقَة الْأُبُوَّة شُبْهَة مُنْتَصِبَة شَاهِدَة بِعَدَمِ الْقَصْد إِلَى الْقَتْل تُسْقِط الْقَوَد، فَإِذَا أَضْجَعَهُ كَشَفَ الْغِطَاء عَنْ قَصْده فَالْتَحَقَ بِأَصْلِهِ ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكَانَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق يَقُولُونَ : إِذَا قَتَلَ الِابْن الْأَب قُتِلَ بِهِ.
الثَّامِنَة : وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى قَوْله : لَا تُقْتَل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ، قَالَ : لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه شَرَطَ الْمُسَاوَاة وَلَا مُسَاوَاة بَيْن الْجَمَاعَة وَالْوَاحِد، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :" وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ]، وَالْجَوَاب أَنَّ الْمُرَاد بِالْقِصَاصِ فِي الْآيَة قَتْل مَنْ قَتَلَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، رَدًّا عَلَى الْعَرَب الَّتِي كَانَتْ تُرِيد أَنْ تَقْتُل بِمَنْ قُتِلَ مَنْ لَمْ يَقْتُل، وَتَقْتُل فِي مُقَابَلَة الْوَاحِد مِائَة، اِفْتِخَارًا وَاسْتِظْهَارًا بِالْجَاهِ وَالْمَقْدِرَة، فَأَمَرَ اللَّه سُبْحَانه بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاة، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقْتَل مَنْ قَتَلَ، وَقَدْ قَتَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَبْعَة بِرَجُلٍ بِصَنْعَاء وَقَالَ : لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْل صَنْعَاء لَقَتَلْتهمْ بِهِ جَمِيعًا، وَقَتَلَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْحَرُورِيَّة بِعَبْدِ اللَّه بْن خَبَّاب فَإِنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ قِتَالهمْ حَتَّى يُحْدِثُوا، فَلَمَّا ذَبَحُوا عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب كَمَا تُذْبَح الشَّاة، وَأُخْبِرَ عَلِيّ بِذَلِكَ قَالَ :( اللَّه أَكْبَر نَادُوهُمْ أَنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا قَاتِل عَبْد اللَّه بْن خَبَّاب، فَقَالُوا : كُلّنَا قَتَلَهُ، ثَلَاث مَرَّات، فَقَالَ عَلِيّ لِأَصْحَابِهِ : دُونكُمْ الْقَوْم، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَتَلَهُمْ عَلِيّ وَأَصْحَابه ) خَرَّجَ الْحَدِيثَيْنِ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه، وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد وَأَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنَّ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض اِشْتَرَكُوا فِي دَم مُؤْمِن لَأَكَبَّهُمْ اللَّه فِي النَّار ).
وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث غَرِيب، وَأَيْضًا فَلَوْ عَلِمَ الْجَمَاعَة أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا الْوَاحِد لَمْ يُقْتَلُوا لِتَعَاوُنِ الْأَعْدَاء عَلَى قَتْل أَعْدَائِهِمْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي قَتْلهمْ وَبَلَغُوا الْأَمَل مِنْ التَّشَفِّي، وَمُرَاعَاة هَذِهِ الْقَاعِدَة أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وَاَللَّه أَعْلَم، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَحَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَابْن سِيرِينَ : لَا يُقْتَل اِثْنَانِ بِوَاحِدٍ.
رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل وَابْن الزُّبَيْر وَعَبْد الْمَلِك، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ، وَلَا حُجَّة مَعَ مَنْ أَبَاحَ قَتْل جَمَاعَة بِوَاحِدٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن الزُّبَيْر مَا ذَكَرْنَاهُ.
التَّاسِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي شُرَيْح الْكَعْبِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَا إِنَّكُمْ مَعْشَر خُزَاعَة قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيل مِنْ هُذَيْل وَإِنِّي عَاقِله فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْد مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيل فَأَهْله بَيْن خَيْرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْل أَوْ يَقْتُلُوا )، لَفْظ أَبِي دَاوُد.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَلَهُ أَنْ يَقْتُل أَوْ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذ الدِّيَة )، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْض أَهْل الْعِلْم، وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَقَالَ فِيهِ : حَدِيث غَرِيب، وَأَيْضًا فَلَوْ عَلِمَ الْجَمَاعَة أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا الْوَاحِد لَمْ يُقْتَلُوا لِتَعَاوُنِ الْأَعْدَاء عَلَى قَتْل أَعْدَائِهِمْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي قَتْلهمْ وَبَلَغُوا الْأَمَل مِنْ التَّشَفِّي، وَمُرَاعَاة هَذِهِ الْقَاعِدَة أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وَاَللَّه أَعْلَم، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَحَبِيب بْن أَبِي ثَابِت وَابْن سِيرِينَ : لَا يُقْتَل اِثْنَانِ بِوَاحِدٍ.
رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل وَابْن الزُّبَيْر وَعَبْد الْمَلِك، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ، وَلَا حُجَّة مَعَ مَنْ أَبَاحَ قَتْل جَمَاعَة بِوَاحِدٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن الزُّبَيْر مَا ذَكَرْنَاهُ.
التَّاسِعَة : رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي شُرَيْح الْكَعْبِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَا إِنَّكُمْ مَعْشَر خُزَاعَة قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيل مِنْ هُذَيْل وَإِنِّي عَاقِله فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْد مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيل فَأَهْله بَيْن خَيْرَتَيْنِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْل أَوْ يَقْتُلُوا )، لَفْظ أَبِي دَاوُد.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَلَهُ أَنْ يَقْتُل أَوْ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذ الدِّيَة )، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْض أَهْل الْعِلْم، وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق.
الْعَاشِرَة : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي أَخْذ الدِّيَة مِنْ قَاتِل الْعَمْد، فَقَالَتْ طَائِفَة : وَلِيّ الْمَقْتُول بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ اِقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْقَاتِل.
يُرْوَى هَذَا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء وَالْحَسَن، وَرَوَاهُ أَشْهَب عَنْ مَالِك، وَبِهِ قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَحُجَّتهمْ حَدِيث أَبِي شُرَيْح وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ نَصّ فِي مَوْضِع الْخِلَاف، وَأَيْضًا مِنْ طَرِيق النَّظَر فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الدِّيَة بِغَيْرِ رِضَاهُ ; لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إِحْيَاء نَفْسه، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ]، وَقَوْله :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء " أَيْ تَرَكَ لَهُ دَمه فِي أَحَد التَّأْوِيلَات، وَرَضِيَ مِنْهُ بِالدِّيَةِ " فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ " أَيْ فَعَلَى صَاحِب الدَّم اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُطَالَبَة بِالدِّيَةِ، وَعَلَى الْقَاتِل أَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، أَيْ مِنْ غَيْر مُمَاطَلَة وَتَأْخِير عَنْ الْوَقْت " ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة " أَيْ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلنَا لَمْ يَفْرِض اللَّه عَلَيْهِمْ غَيْر النَّفْس بِالنَّفْسِ، فَتَفَضَّلَ اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِالدِّيَةِ إِذَا رَضِيَ بِهَا وَلِيّ الدَّم، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول إِلَّا الْقِصَاص، وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة إِلَّا إِذَا رَضِيَ الْقَاتِل، رَوَاهُ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَس فِي قِصَّة الرَّبِيع حِين كُسِرَتْ ثَنِيَّة الْمَرْأَة، رَوَاهُ الْأَئِمَّة قَالُوا : فَلَمَّا حَكَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ وَقَالَ :( الْقِصَاص كِتَاب اللَّه، الْقِصَاص كِتَاب اللَّه ) وَلَمْ يُخَيِّرْ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بَيْن الْقِصَاص وَالدِّيَة ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِب بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّة رَسُوله فِي الْعَمْد هُوَ الْقِصَاص، وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْح الْمَذْكُور، وَرَوَى الرَّبِيع عَنْ الشَّافِعِيّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيفَة بْن سِمَاك بْن الْفَضْل الشِّهَابِيّ قَالَ : وَحَدَّثَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْكَعْبِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَام الْفَتْح :( مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقْل وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَد ).
يُرْوَى هَذَا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء وَالْحَسَن، وَرَوَاهُ أَشْهَب عَنْ مَالِك، وَبِهِ قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَحُجَّتهمْ حَدِيث أَبِي شُرَيْح وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ نَصّ فِي مَوْضِع الْخِلَاف، وَأَيْضًا مِنْ طَرِيق النَّظَر فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الدِّيَة بِغَيْرِ رِضَاهُ ; لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إِحْيَاء نَفْسه، وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ]، وَقَوْله :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء " أَيْ تَرَكَ لَهُ دَمه فِي أَحَد التَّأْوِيلَات، وَرَضِيَ مِنْهُ بِالدِّيَةِ " فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ " أَيْ فَعَلَى صَاحِب الدَّم اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُطَالَبَة بِالدِّيَةِ، وَعَلَى الْقَاتِل أَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، أَيْ مِنْ غَيْر مُمَاطَلَة وَتَأْخِير عَنْ الْوَقْت " ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة " أَيْ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلنَا لَمْ يَفْرِض اللَّه عَلَيْهِمْ غَيْر النَّفْس بِالنَّفْسِ، فَتَفَضَّلَ اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِالدِّيَةِ إِذَا رَضِيَ بِهَا وَلِيّ الدَّم، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول إِلَّا الْقِصَاص، وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة إِلَّا إِذَا رَضِيَ الْقَاتِل، رَوَاهُ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَس فِي قِصَّة الرَّبِيع حِين كُسِرَتْ ثَنِيَّة الْمَرْأَة، رَوَاهُ الْأَئِمَّة قَالُوا : فَلَمَّا حَكَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ وَقَالَ :( الْقِصَاص كِتَاب اللَّه، الْقِصَاص كِتَاب اللَّه ) وَلَمْ يُخَيِّرْ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بَيْن الْقِصَاص وَالدِّيَة ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِب بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّة رَسُوله فِي الْعَمْد هُوَ الْقِصَاص، وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْح الْمَذْكُور، وَرَوَى الرَّبِيع عَنْ الشَّافِعِيّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو حَنِيفَة بْن سِمَاك بْن الْفَضْل الشِّهَابِيّ قَالَ : وَحَدَّثَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْكَعْبِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَام الْفَتْح :( مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقْل وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَد ).
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : فَقُلْت لِابْنِ أَبِي ذِئْب : أَتَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَارِث فَضَرَبَ صَدْرِي وَصَاحَ عَلَيَّ صِيَاحًا كَثِيرًا وَنَالَ مِنِّي وَقَالَ : أُحَدِّثك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُول : تَأْخُذ بِهِ نَعَمْ آخُذ بِهِ، وَذَلِكَ الْفَرْض عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ، إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ اِخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّاس فَهَدَاهُمْ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، وَاخْتَارَ لَهُمْ مَا اِخْتَارَهُ لَهُ وَعَلَى لِسَانه، فَعَلَى الْخَلْق أَنْ يَتَّبِعُوهُ طَائِعِينَ أَوْ دَاخِرِينَ، لَا مَخْرَج لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ : وَمَا سَكَتَ عَنِّي حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ يَسْكُت.
بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل " مَنْ " و " عُفِيَ " عَلَى تَأْوِيلَات خَمْس :
أَحَدهَا أَنَّ " مَنْ " يُرَاد بِهَا الْقَاتِل، و " عُفِيَ " تَتَضَمَّن عَافِيًا هُوَ وَلِيّ الدَّم، وَالْأَخ هُوَ الْمَقْتُول، و " شَيْء " هُوَ الدَّم الَّذِي يُعْفَى عَنْهُ وَيُرْجَع إِلَى أَخْذ الدِّيَة، هَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْعَفْو فِي هَذَا الْقَوْل عَلَى بَابه الَّذِي هُوَ التَّرْك، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْقَاتِل إِذَا عَفَا عَنْهُ وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْ دَم مَقْتُوله وَأَسْقَطَ الْقِصَاص فَإِنَّهُ يَأْخُذ الدِّيَة وَيَتَّبِع بِالْمَعْرُوفِ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ الْقَاتِل بِإِحْسَانٍ.
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْل مَالِك أَنَّ " مَنْ " يُرَاد بِهِ الْوَلِيّ " وَعُفِيَ " يُسِّرَ، لَا عَلَى بَابهَا فِي الْعَفْو، وَالْأَخ يُرَاد بِهِ الْقَاتِل، و " شَيْء " هُوَ الدِّيَة، أَيْ أَنَّ الْوَلِيّ إِذَا جَنَحَ إِلَى الْعَفْو عَنْ الْقِصَاص عَلَى أَخْذ الدِّيَة فَإِنَّ الْقَاتِل مُخَيَّر بَيْن أَنْ يُعْطِيهَا أَوْ يُسَلِّم نَفْسه، فَمَرَّة تُيَسَّر وَمَرَّة لَا تُيَسَّر، وَغَيْر مَالِك يَقُول : إِذَا رَضِيَ الْأَوْلِيَاء بِالدِّيَةِ فَلَا خِيَار لِلْقَاتِلِ بَلْ تَلْزَمهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك هَذَا الْقَوْل، وَرَجَّحَهُ كَثِير مِنْ أَصْحَابه، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنَّ مَعْنَى " عُفِيَ " بُذِلَ، وَالْعَفْو فِي اللُّغَة : الْبَذْل، وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" خُذْ الْعَفْو " [ الْأَعْرَاف : ١٩٩ ] أَيْ مَا سَهُلَ، وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ :
خُذِي الْعَفْو مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَّل الْوَقْت رِضْوَان اللَّه وَآخِره عَفْو اللَّه ) يَعْنِي شَهِدَ اللَّه عَلَى عِبَاده، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَنْ بُذِلَ لَهُ شَيْء مِنْ الدِّيَة فَلْيَقْبَلْ وَلْيَتَّبِعْ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ قَوْم : وَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ الْقَاتِل بِإِحْسَانٍ، فَنَدَبَهُ تَعَالَى إِلَى أَخْذ الْمَال إِذَا سُهِّلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة الْقَاتِل، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَخْفِيف مِنْهُ وَرَحْمَة، كَمَا قَالَ ذَلِكَ عَقِب ذِكْر الْقِصَاص فِي سُورَة [ الْمَائِدَة ] " فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ] فَنَدَبَ إِلَى رَحْمَة الْعَفْو وَالصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ نَدَبَ فِيمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَى قَبُول الدِّيَة إِذَا بَذَلَهَا الْجَانِي بِإِعْطَاءِ الدِّيَة، ثُمَّ أَمَرَ الْوَلِيّ بِاتِّبَاعٍ وَأَمَرَ الْجَانِي بِالْأَدَاءِ بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظ فِي الْمُعَيَّنِينَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ الْآيَة كُلّهَا وَتَسَاقَطُوا الدِّيَات فِيمَا بَيْنهمْ مُقَاصَّة، وَمَعْنَى الْآيَة : فَمَنْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى شَيْء مِنْ تِلْكَ الدِّيَات، وَيَكُون " عُفِيَ " بِمَعْنَى فُضِلَ.
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل " مَنْ " و " عُفِيَ " عَلَى تَأْوِيلَات خَمْس :
أَحَدهَا أَنَّ " مَنْ " يُرَاد بِهَا الْقَاتِل، و " عُفِيَ " تَتَضَمَّن عَافِيًا هُوَ وَلِيّ الدَّم، وَالْأَخ هُوَ الْمَقْتُول، و " شَيْء " هُوَ الدَّم الَّذِي يُعْفَى عَنْهُ وَيُرْجَع إِلَى أَخْذ الدِّيَة، هَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْعَفْو فِي هَذَا الْقَوْل عَلَى بَابه الَّذِي هُوَ التَّرْك، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْقَاتِل إِذَا عَفَا عَنْهُ وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْ دَم مَقْتُوله وَأَسْقَطَ الْقِصَاص فَإِنَّهُ يَأْخُذ الدِّيَة وَيَتَّبِع بِالْمَعْرُوفِ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ الْقَاتِل بِإِحْسَانٍ.
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْل مَالِك أَنَّ " مَنْ " يُرَاد بِهِ الْوَلِيّ " وَعُفِيَ " يُسِّرَ، لَا عَلَى بَابهَا فِي الْعَفْو، وَالْأَخ يُرَاد بِهِ الْقَاتِل، و " شَيْء " هُوَ الدِّيَة، أَيْ أَنَّ الْوَلِيّ إِذَا جَنَحَ إِلَى الْعَفْو عَنْ الْقِصَاص عَلَى أَخْذ الدِّيَة فَإِنَّ الْقَاتِل مُخَيَّر بَيْن أَنْ يُعْطِيهَا أَوْ يُسَلِّم نَفْسه، فَمَرَّة تُيَسَّر وَمَرَّة لَا تُيَسَّر، وَغَيْر مَالِك يَقُول : إِذَا رَضِيَ الْأَوْلِيَاء بِالدِّيَةِ فَلَا خِيَار لِلْقَاتِلِ بَلْ تَلْزَمهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك هَذَا الْقَوْل، وَرَجَّحَهُ كَثِير مِنْ أَصْحَابه، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنَّ مَعْنَى " عُفِيَ " بُذِلَ، وَالْعَفْو فِي اللُّغَة : الْبَذْل، وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" خُذْ الْعَفْو " [ الْأَعْرَاف : ١٩٩ ] أَيْ مَا سَهُلَ، وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ :
خُذِي الْعَفْو مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَوَّل الْوَقْت رِضْوَان اللَّه وَآخِره عَفْو اللَّه ) يَعْنِي شَهِدَ اللَّه عَلَى عِبَاده، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَنْ بُذِلَ لَهُ شَيْء مِنْ الدِّيَة فَلْيَقْبَلْ وَلْيَتَّبِعْ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ قَوْم : وَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ الْقَاتِل بِإِحْسَانٍ، فَنَدَبَهُ تَعَالَى إِلَى أَخْذ الْمَال إِذَا سُهِّلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة الْقَاتِل، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَخْفِيف مِنْهُ وَرَحْمَة، كَمَا قَالَ ذَلِكَ عَقِب ذِكْر الْقِصَاص فِي سُورَة [ الْمَائِدَة ] " فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ " [ الْمَائِدَة : ٤٥ ] فَنَدَبَ إِلَى رَحْمَة الْعَفْو وَالصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ نَدَبَ فِيمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَى قَبُول الدِّيَة إِذَا بَذَلَهَا الْجَانِي بِإِعْطَاءِ الدِّيَة، ثُمَّ أَمَرَ الْوَلِيّ بِاتِّبَاعٍ وَأَمَرَ الْجَانِي بِالْأَدَاءِ بِالْإِحْسَانِ، وَقَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظ فِي الْمُعَيَّنِينَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ الْآيَة كُلّهَا وَتَسَاقَطُوا الدِّيَات فِيمَا بَيْنهمْ مُقَاصَّة، وَمَعْنَى الْآيَة : فَمَنْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى شَيْء مِنْ تِلْكَ الدِّيَات، وَيَكُون " عُفِيَ " بِمَعْنَى فُضِلَ.
رَوَى سُفْيَان بْن حُسَيْن بْن شوعة عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : كَانَ بَيْن حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَب قِتَال، فَقُتِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَقَالَ أَحَد الْحَيَّيْنِ : لَا نَرْضَى حَتَّى يُقْتَل بِالْمَرْأَةِ الرَّجُل وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَة، فَارْتَفَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( الْقَتْل سَوَاء ) فَاصْطَلَحُوا عَلَى الدِّيَات، فَفَضَلَ أَحَد الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَر، فَهُوَ قَوْله :" كُتِبَ " إِلَى قَوْله :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء " يَعْنِي فَمَنْ فُضِلَ لَهُ عَلَى أَخِيهِ فَضْل فَلْيُؤَدِّهِ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَخْبَرَ الشَّعْبِيّ عَنْ السَّبَب فِي نُزُول الْآيَة، وَذَكَرَ سُفْيَان الْعَفْو هُنَا الْفَضْل، وَهُوَ مَعْنًى يَحْتَمِلهُ اللَّفْظ.
وَتَأْوِيل خَامِس : وَهُوَ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن فِي الْفَضْل بَيْن دِيَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة وَالْحُرّ وَالْعَبْد، أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْل فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، و " عُفِيَ " فِي هَذَا الْمَوْضِع أَيْضًا بِمَعْنَى فُضِلَ.
هَذِهِ الْآيَة حَضّ مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى حُسْن الِاقْتِضَاء مِنْ الطَّالِب، وَحُسْن الْقَضَاء مِنْ الْمُؤَدِّي، وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوب أَوْ النَّدْب، فَقِرَاءَة الرَّفْع تَدُلّ عَلَى الْوُجُوب ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ النَّحَّاس :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ " شَرْط وَالْجَوَاب ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ النَّحَّاس :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ " شَرْط وَالْجَوَاب " فَاتِّبَاع " وَهُوَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالتَّقْدِير فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن " فَاتِّبَاعًا " و " أَدَاء " بِجَعْلِهِمَا مَصْدَرَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَرَأَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة " فَاتِّبَاعًا " بِالنَّصْبِ، وَالرَّفْع سَبِيل لِلْوَاجِبَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ]، وَأَمَّا الْمَنْدُوب إِلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْصُوبًا، كَقَوْلِهِ :" فَضَرْب الرِّقَاب " [ مُحَمَّد : ٤ ].
وَتَأْوِيل خَامِس : وَهُوَ قَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَالْحَسَن فِي الْفَضْل بَيْن دِيَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة وَالْحُرّ وَالْعَبْد، أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْل فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، و " عُفِيَ " فِي هَذَا الْمَوْضِع أَيْضًا بِمَعْنَى فُضِلَ.
هَذِهِ الْآيَة حَضّ مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى حُسْن الِاقْتِضَاء مِنْ الطَّالِب، وَحُسْن الْقَضَاء مِنْ الْمُؤَدِّي، وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوب أَوْ النَّدْب، فَقِرَاءَة الرَّفْع تَدُلّ عَلَى الْوُجُوب ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ النَّحَّاس :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ " شَرْط وَالْجَوَاب ; لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ النَّحَّاس :" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ " شَرْط وَالْجَوَاب " فَاتِّبَاع " وَهُوَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالتَّقْدِير فَعَلَيْهِ اِتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن " فَاتِّبَاعًا " و " أَدَاء " بِجَعْلِهِمَا مَصْدَرَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَرَأَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة " فَاتِّبَاعًا " بِالنَّصْبِ، وَالرَّفْع سَبِيل لِلْوَاجِبَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ]، وَأَمَّا الْمَنْدُوب إِلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْصُوبًا، كَقَوْلِهِ :" فَضَرْب الرِّقَاب " [ مُحَمَّد : ٤ ].
بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
لِأَنَّ أَهْل التَّوْرَاة كَانَ لَهُمْ الْقَتْل وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَيْر ذَلِكَ، وَأَهْل الْإِنْجِيل كَانَ لَهُمْ الْعَفْو وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَوَد وَلَا دِيَة، فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا لِهَذِهِ الْأُمَّة، فَمَنْ شَاءَ قَتَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة، وَمَنْ شَاءَ عَفَا.
لِأَنَّ أَهْل التَّوْرَاة كَانَ لَهُمْ الْقَتْل وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَيْر ذَلِكَ، وَأَهْل الْإِنْجِيل كَانَ لَهُمْ الْعَفْو وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَوَد وَلَا دِيَة، فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا لِهَذِهِ الْأُمَّة، فَمَنْ شَاءَ قَتَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَة، وَمَنْ شَاءَ عَفَا.
وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ
شَرْط وَجَوَابه، أَيْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة وَسُقُوط [ الدَّم ] قَاتلَ وَلِيّه.
" فَلَهُ عَذَاب أَلِيم " قَالَ الْحَسَن : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا فَرَّ إِلَى قَوْمه فَيَجِيء قَوْمه فَيُصَالِحُونَ بِالدِّيَةِ فَيَقُول وَلِيّ الْمَقْتُول : إِنِّي أَقْبَلُ الدِّيَة، حَتَّى يَأْمَن الْقَاتِل وَيَخْرُج، فَيَقْتُلهُ ثُمَّ يَرْمِي إِلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة، فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : هُوَ كَمَنْ قَتَلَ اِبْتِدَاء، إِنْ شَاءَ الْوَلِيّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَعَذَابه فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ قَتَادَة وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ : عَذَابه أَنْ يُقْتَل أَلْبَتَّة، وَلَا يُمَكِّن الْحَاكِم الْوَلِيّ مِنْ الْعَفْو، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا أَعْفَى مَنْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة ).
وَقَالَ الْحَسَن : عَذَابه أَنْ يَرُدّ الدِّيَة فَقَطْ وَيَبْقَى إِثْمه إِلَى عَذَاب الْآخِرَة.
وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَمْره إِلَى الْإِمَام يَصْنَع فِيهِ مَا يَرَى، وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ أُصِيب بِدَمٍ أَوْ خَبْل - وَالْخَبْل عَرَج - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْن إِحْدَى ثَلَاث فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَة فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ بَيْن أَنْ يَقْتَصّ أَوْ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذ الْعَقْل فَإِنْ قَبِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَدَا بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ النَّار خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا ).
شَرْط وَجَوَابه، أَيْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة وَسُقُوط [ الدَّم ] قَاتلَ وَلِيّه.
" فَلَهُ عَذَاب أَلِيم " قَالَ الْحَسَن : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا فَرَّ إِلَى قَوْمه فَيَجِيء قَوْمه فَيُصَالِحُونَ بِالدِّيَةِ فَيَقُول وَلِيّ الْمَقْتُول : إِنِّي أَقْبَلُ الدِّيَة، حَتَّى يَأْمَن الْقَاتِل وَيَخْرُج، فَيَقْتُلهُ ثُمَّ يَرْمِي إِلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة، فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : هُوَ كَمَنْ قَتَلَ اِبْتِدَاء، إِنْ شَاءَ الْوَلِيّ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَعَذَابه فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ قَتَادَة وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ : عَذَابه أَنْ يُقْتَل أَلْبَتَّة، وَلَا يُمَكِّن الْحَاكِم الْوَلِيّ مِنْ الْعَفْو، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا أَعْفَى مَنْ قَتَلَ بَعْد أَخْذ الدِّيَة ).
وَقَالَ الْحَسَن : عَذَابه أَنْ يَرُدّ الدِّيَة فَقَطْ وَيَبْقَى إِثْمه إِلَى عَذَاب الْآخِرَة.
وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَمْره إِلَى الْإِمَام يَصْنَع فِيهِ مَا يَرَى، وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( مَنْ أُصِيب بِدَمٍ أَوْ خَبْل - وَالْخَبْل عَرَج - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْن إِحْدَى ثَلَاث فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَة فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ بَيْن أَنْ يَقْتَصّ أَوْ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذ الْعَقْل فَإِنْ قَبِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَدَا بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ النَّار خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا ).
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي
" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة " هَذَا مِنْ الْكَلَام الْبَلِيغ الْوَجِيز كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْنَاهُ : لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا، رَوَاهُ سُفْيَان عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْقِصَاص إِذَا أُقِيمَ وَتَحَقَّقَ الْحُكْم فِيهِ اُزْدُجِرَ مَنْ يُرِيد قَتْل آخَر، مَخَافَة أَنْ يُقْتَصّ مِنْهُ فَحَيِيَا بِذَلِكَ مَعًا.
وَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا قُتِلَ الرَّجُل الْآخَر حَمِيَ قَبِيلَاهُمَا وَتَقَاتَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى قَتْل الْعَدَد الْكَثِير، فَلَمَّا شَرَعَ اللَّه الْقِصَاص قَنَعَ الْكُلّ بِهِ وَتَرَكُوا الِاقْتِتَال، فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ حَيَاة.
اِتَّفَقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصّ مِنْ أَحَد حَقّه دُون السُّلْطَان، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يَقْتَصّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِسُلْطَانٍ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ السُّلْطَان لِذَلِكَ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّه السُّلْطَان لِيَقْبِض أَيْدِي النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ عَلَى السُّلْطَان أَنْ يَقْتَصّ مِنْ نَفْسه إِنْ تَعَدَّى عَلَى أَحَد مِنْ رَعِيَّته، إِذْ هُوَ وَاحِد مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا لَهُ مَزِيَّة النَّظَر لَهُمْ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيل، وَذَلِكَ لَا يَمْنَع الْقِصَاص، وَلَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْعَامَّة فَرْق فِي أَحْكَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى "، وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلًا قَطَعَ يَده : لَئِنْ كُنْت صَادِقًا لَأُقِيدَنك مِنْهُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم شَيْئًا إِذْ أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُل، فَطَعَنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ، فَصَاحَ الرَّجُل، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَعَالَ فَاسْتَقِدْ ).
قَالَ : بَلْ عَفَوْت يَا رَسُول اللَّه، وَرَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي فِرَاس قَالَ : خَطَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : أَلَا مَنْ ظَلَمَهُ أَمِيره فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إِلَيَّ أُقِيدهُ مِنْهُ، فَقَامَ عَمْرو بْن الْعَاص فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لَئِنْ أَدَّبَ رَجُل مِنَّا رَجُلًا مِنْ أَهْل رَعِيَّته لَتَقُصَّنهُ مِنْهُ ؟ قَالَ : كَيْف لَا أَقُصّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصّ مِنْ نَفْسه، وَلَفْظ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَبْعَث عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَاركُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أَقُصّهُ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة " هَذَا مِنْ الْكَلَام الْبَلِيغ الْوَجِيز كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْنَاهُ : لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا، رَوَاهُ سُفْيَان عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْقِصَاص إِذَا أُقِيمَ وَتَحَقَّقَ الْحُكْم فِيهِ اُزْدُجِرَ مَنْ يُرِيد قَتْل آخَر، مَخَافَة أَنْ يُقْتَصّ مِنْهُ فَحَيِيَا بِذَلِكَ مَعًا.
وَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا قُتِلَ الرَّجُل الْآخَر حَمِيَ قَبِيلَاهُمَا وَتَقَاتَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى قَتْل الْعَدَد الْكَثِير، فَلَمَّا شَرَعَ اللَّه الْقِصَاص قَنَعَ الْكُلّ بِهِ وَتَرَكُوا الِاقْتِتَال، فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ حَيَاة.
اِتَّفَقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصّ مِنْ أَحَد حَقّه دُون السُّلْطَان، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يَقْتَصّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِسُلْطَانٍ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ السُّلْطَان لِذَلِكَ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّه السُّلْطَان لِيَقْبِض أَيْدِي النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ عَلَى السُّلْطَان أَنْ يَقْتَصّ مِنْ نَفْسه إِنْ تَعَدَّى عَلَى أَحَد مِنْ رَعِيَّته، إِذْ هُوَ وَاحِد مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا لَهُ مَزِيَّة النَّظَر لَهُمْ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيل، وَذَلِكَ لَا يَمْنَع الْقِصَاص، وَلَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْعَامَّة فَرْق فِي أَحْكَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى "، وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ شَكَا إِلَيْهِ أَنَّ عَامِلًا قَطَعَ يَده : لَئِنْ كُنْت صَادِقًا لَأُقِيدَنك مِنْهُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : بَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم شَيْئًا إِذْ أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُل، فَطَعَنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُرْجُونٍ كَانَ مَعَهُ، فَصَاحَ الرَّجُل، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَعَالَ فَاسْتَقِدْ ).
قَالَ : بَلْ عَفَوْت يَا رَسُول اللَّه، وَرَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي فِرَاس قَالَ : خَطَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : أَلَا مَنْ ظَلَمَهُ أَمِيره فَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إِلَيَّ أُقِيدهُ مِنْهُ، فَقَامَ عَمْرو بْن الْعَاص فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لَئِنْ أَدَّبَ رَجُل مِنَّا رَجُلًا مِنْ أَهْل رَعِيَّته لَتَقُصَّنهُ مِنْهُ ؟ قَالَ : كَيْف لَا أَقُصّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصّ مِنْ نَفْسه، وَلَفْظ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَبْعَث عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَاركُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أَقُصّهُ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
مَا كَانَ مِثْله فِيمَا وَرَدَ فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْل " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " فِيهِ ثَلَاث تَأْوِيلَات الْأَوَّل : أَنَّ " لَعَلَّ " عَلَى بَابهَا مِنْ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع، وَالتَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع إِنَّمَا هُوَ فِي حَيِّز الْبَشَر، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ اِفْعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الرَّجَاء مِنْكُمْ وَالطَّمَع أَنْ تَعْقِلُوا وَأَنْ تَذْكُرُوا وَأَنْ تَتَّقُوا هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَرُؤَسَاء اللِّسَان قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى " [ طَه :
٤٣ - ٤٤ ] قَالَ مَعْنَاهُ اِذْهَبَا عَلَى طَمَعكُمَا وَرَجَائِكُمَا أَنْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل أَبُو الْمَعَالِي.
الثَّانِي أَنَّ الْعَرَب اِسْتَعْمَلَتْ " لَعَلَّ " مُجَرَّدَة مِنْ الشَّكّ بِمَعْنَى لَام كَيْ فَالْمَعْنَى لِتَعْقِلُوا وَلِتَذَّكَّرُوا وَلِتَتَّقُوا، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلّ قَوْل الشَّاعِر :
الْمَعْنَى كُفُّوا الْحُرُوب لِنَكُفّ، وَلَوْ كَانَتْ " لَعَلَّ " هُنَا شَكًّا لَمْ يُوَثِّقُوا لَهُمْ كُلّ مُوَثَّق، وَهَذَا الْقَوْل عَنْ قُطْرُب وَالطَّبَرِيّ.
الثَّالِث : أَنْ تَكُون " لَعَلَّ " بِمَعْنَى التَّعَرُّض لِلشَّيْءِ كَأَنَّهُ قِيلَ اِفْعَلُوا مُتَعَرِّضِينَ تَعَقَّلُوا أَوْ لِأَنْ تَذَّكَّرُوا أَوْ لِأَنْ تَتَّقُوا.
وَالْمُرَاد هُنَا " تَتَّقُونَ " الْقَتْل فَتَسْلَمُونَ مِنْ الْقِصَاص، ثُمَّ يَكُون ذَلِكَ دَاعِيَة لِأَنْوَاعِ التَّقْوَى فِي غَيْر ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّه يُثِيب بِالطَّاعَةِ عَلَى الطَّاعَة، وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاء أَوْس بْن عَبْد اللَّه الرَّبَعِيّ " وَلَكُمْ فِي الْقَصَص حَيَاة ".
قَالَ النَّحَّاس : قِرَاءَة أَبِي الْجَوْزَاء شَاذَّة.
قَالَ غَيْره : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَصْدَرًا كَالْقِصَاصِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَصَصِ الْقُرْآن، أَيْ لَكُمْ فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي شُرِعَ فِيهِ الْقَصَص حَيَاة، أَيْ نَجَاة.
مَا كَانَ مِثْله فِيمَا وَرَدَ فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْل " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَذْكُرُونَ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " فِيهِ ثَلَاث تَأْوِيلَات الْأَوَّل : أَنَّ " لَعَلَّ " عَلَى بَابهَا مِنْ التَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع، وَالتَّرَجِّي وَالتَّوَقُّع إِنَّمَا هُوَ فِي حَيِّز الْبَشَر، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ اِفْعَلُوا ذَلِكَ عَلَى الرَّجَاء مِنْكُمْ وَالطَّمَع أَنْ تَعْقِلُوا وَأَنْ تَذْكُرُوا وَأَنْ تَتَّقُوا هَذَا قَوْل سِيبَوَيْهِ وَرُؤَسَاء اللِّسَان قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْن إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى " [ طَه :
٤٣ - ٤٤ ] قَالَ مَعْنَاهُ اِذْهَبَا عَلَى طَمَعكُمَا وَرَجَائِكُمَا أَنْ يَتَذَكَّر أَوْ يَخْشَى وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل أَبُو الْمَعَالِي.
الثَّانِي أَنَّ الْعَرَب اِسْتَعْمَلَتْ " لَعَلَّ " مُجَرَّدَة مِنْ الشَّكّ بِمَعْنَى لَام كَيْ فَالْمَعْنَى لِتَعْقِلُوا وَلِتَذَّكَّرُوا وَلِتَتَّقُوا، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلّ قَوْل الشَّاعِر :
| وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوب لَعَلَّنَا | نَكُفّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلّ مُوَثَّق |
| فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْب كَانَتْ عُهُودكُمْ | كَلُمَعِ سَرَاب فِي الْمَلَا مُتَأَلِّق |
الثَّالِث : أَنْ تَكُون " لَعَلَّ " بِمَعْنَى التَّعَرُّض لِلشَّيْءِ كَأَنَّهُ قِيلَ اِفْعَلُوا مُتَعَرِّضِينَ تَعَقَّلُوا أَوْ لِأَنْ تَذَّكَّرُوا أَوْ لِأَنْ تَتَّقُوا.
وَالْمُرَاد هُنَا " تَتَّقُونَ " الْقَتْل فَتَسْلَمُونَ مِنْ الْقِصَاص، ثُمَّ يَكُون ذَلِكَ دَاعِيَة لِأَنْوَاعِ التَّقْوَى فِي غَيْر ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّه يُثِيب بِالطَّاعَةِ عَلَى الطَّاعَة، وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاء أَوْس بْن عَبْد اللَّه الرَّبَعِيّ " وَلَكُمْ فِي الْقَصَص حَيَاة ".
قَالَ النَّحَّاس : قِرَاءَة أَبِي الْجَوْزَاء شَاذَّة.
قَالَ غَيْره : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَصْدَرًا كَالْقِصَاصِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَصَصِ الْقُرْآن، أَيْ لَكُمْ فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي شُرِعَ فِيهِ الْقَصَص حَيَاة، أَيْ نَجَاة.
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
هَذِهِ آيَة الْوَصِيَّة، لَيْسَ فِي الْقُرْآن ذِكْر لِلْوَصِيَّةِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَفِي " النِّسَاء " :" مِنْ بَعْد وَصِيَّة " [ النِّسَاء : ١٢ ] وَفِي " الْمَائِدَة " :" حِين الْوَصِيَّة ".
[ الْمَائِدَة : ١٠٦ ] وَاَلَّتِي فِي الْبَقَرَة أَتَمّهَا وَأَكْمَلهَا وَنَزَلَتْ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْمَوَارِيث، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَفِي الْكَلَام تَقْدِير وَاو الْعَطْف، أَيْ وَكُتِبَ عَلَيْكُمْ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَام أُسْقِطَتْ الْوَاو.
وَمِثْله فِي بَعْض الْأَقْوَال :" لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى.
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى " [ اللَّيْل :
١٥ - ١٦ ] أَيْ وَاَلَّذِي، فَحُذِفَ، وَقِيلَ : لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّم أَنْ يَقْتَصّ، فَهَذَا الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى مَنْ يَقْتَصّ مِنْهُ وَهُوَ سَبَب الْمَوْت فَكَأَنَّمَا حَضَرَهُ الْمَوْت، فَهَذَا أَوَان الْوَصِيَّة، فَالْآيَة مُرْتَبِطَة بِمَا قَبْلهَا وَمُتَّصِلَة بِهَا فَلِذَلِكَ سَقَطَتْ وَاو الْعَطْف.
و " كُتِبَ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُثْبِتَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُضُور الْمَوْت : أَسْبَابه، وَمَتَى حَضَرَ السَّبَب كَنَّتْ بِهِ الْعَرَب عَنْ الْمُسَبِّب، قَالَ شَاعِرهمْ :
وَقَالَ عَنْتَرَة :
وَقَالَ جَرِير فِي مُهَاجَاة الْفَرَزْدَق :
إِنْ قِيلَ : لِمَ قَالَ " كُتِبَ " وَلَمْ يَقُلْ كُتِبَتْ، وَالْوَصِيَّة مُؤَنَّثَة ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَصِيَّةِ الْإِيصَاء، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ فَاصِل، فَكَانَ الْفَاصِل كَالْعِوَضِ مِنْ تَاء التَّأْنِيث، تَقُول الْعَرَب : حَضَرَ الْقَاضِي الْيَوْم اِمْرَأَة، وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ : قَامَ اِمْرَأَة، وَلَكِنَّ حُسْن ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ طُول الْحَائِل.
هَذِهِ آيَة الْوَصِيَّة، لَيْسَ فِي الْقُرْآن ذِكْر لِلْوَصِيَّةِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَة، وَفِي " النِّسَاء " :" مِنْ بَعْد وَصِيَّة " [ النِّسَاء : ١٢ ] وَفِي " الْمَائِدَة " :" حِين الْوَصِيَّة ".
[ الْمَائِدَة : ١٠٦ ] وَاَلَّتِي فِي الْبَقَرَة أَتَمّهَا وَأَكْمَلهَا وَنَزَلَتْ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْمَوَارِيث، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه، وَفِي الْكَلَام تَقْدِير وَاو الْعَطْف، أَيْ وَكُتِبَ عَلَيْكُمْ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَام أُسْقِطَتْ الْوَاو.
وَمِثْله فِي بَعْض الْأَقْوَال :" لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى.
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى " [ اللَّيْل :
١٥ - ١٦ ] أَيْ وَاَلَّذِي، فَحُذِفَ، وَقِيلَ : لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّم أَنْ يَقْتَصّ، فَهَذَا الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى مَنْ يَقْتَصّ مِنْهُ وَهُوَ سَبَب الْمَوْت فَكَأَنَّمَا حَضَرَهُ الْمَوْت، فَهَذَا أَوَان الْوَصِيَّة، فَالْآيَة مُرْتَبِطَة بِمَا قَبْلهَا وَمُتَّصِلَة بِهَا فَلِذَلِكَ سَقَطَتْ وَاو الْعَطْف.
و " كُتِبَ " مَعْنَاهُ فُرِضَ وَأُثْبِتَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُضُور الْمَوْت : أَسْبَابه، وَمَتَى حَضَرَ السَّبَب كَنَّتْ بِهِ الْعَرَب عَنْ الْمُسَبِّب، قَالَ شَاعِرهمْ :
| يَا أَيّهَا الرَّاكِب الْمُزْجِي مَطِيَّته | سَائِل بَنِي أَسَد مَا هَذِهِ الصَّوْت |
| وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعُذْرِ وَالْتَمِسُوا | قَوْلًا يُبَرِّئكُمْ إِنِّي أَنَا الْمَوْت |
| وَإِنَّ الْمَوْت طَوْع يَدَيَّ إِذَا مَا | وَصَلْت بَنَانهَا بِالْهُنْدُوَانِ |
| أَنَا الْمَوْت الَّذِي حُدِّثْت عَنْهُ | فَلَيْسَ لِهَارِبٍ مِنِّي نَجَاء |
إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
فِيهَا خَمْسَة عَشَر مَسْأَلَة
الْأُولَى :" إِنْ " شَرْط، وَفِي جَوَابه لِأَبِي الْحَسَن الْأَخْفَش قَوْلَانِ، قَالَ الْأَخْفَش : التَّقْدِير فَالْوَصِيَّة، ثُمَّ حُذِفَتْ الْفَاء، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَالْجَوَاب الْآخَر : أَنَّ الْمَاضِي يَجُوز أَنْ يَكُون جَوَابه قَبْله وَبَعْده، فَيَكُون التَّقْدِير الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا، فَإِنْ قَدَّرْت الْفَاء فَالْوَصِيَّة رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ تُقَدِّر الْفَاء جَازَ أَنْ تَرْفَعهَا بِالِابْتِدَاءِ، وَأَنْ تَرْفَعهَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، أَيْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْوَصِيَّة، وَلَا يَصِحّ عِنْد جُمْهُور النُّحَاة أَنْ تَعْمَل " الْوَصِيَّة " فِي " إِذَا " لِأَنَّهَا فِي حُكْم الصِّلَة لِلْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْوَصِيَّة وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، فَلَا يَجُوز أَنْ تَعْمَل فِيهَا مُتَقَدِّمَة، وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِي " إِذَا " :" كُتِبَ " وَالْمَعْنَى : تَوَجَّهَ إِيجَاب اللَّه إِلَيْكُمْ وَمُقْتَضَى كِتَابه إِذَا حَضَرَ، فَعَبَّرَ عَنْ تَوَجُّه الْإِيجَاب بِكُتِبَ لِيَنْتَظِم إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ مَكْتُوب فِي الْأَزَل.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِي " إِذَا " الْإِيصَاء يَكُون مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَى الْوَصِيَّة، الْمَعْنَى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْإِيصَاء إِذًا.
الثَّانِيَة :" خَيْرًا " الْخَيْر هُنَا الْمَال مِنْ غَيْر خِلَاف، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَاره، فَقِيلَ : الْمَال الْكَثِير، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَقَالُوا فِي سَبْعمِائَةِ دِينَار إِنَّهُ قَلِيل.
قَتَادَة عَنْ الْحَسَن : الْخَيْر أَلْف دِينَار فَمَا فَوْقهَا.
الشَّعْبِيّ : مَا بَيْن خَمْسمِائَةِ دِينَار إِلَى أَلْف، وَالْوَصِيَّة عِبَارَة عَنْ كُلّ شَيْء يُؤْمَر بِفِعْلِهِ وَيُعْهَد بِهِ فِي الْحَيَاة وَبَعْد الْمَوْت، وَخَصَّصَهَا الْعُرْف بِمَا يُعْهَد بِفِعْلِهِ وَتَنْفِيذه بَعْد الْمَوْت، وَالْجَمْع وَصَايَا كَالْقَضَايَا جَمْع قَضِيَّة، وَالْوَصِيّ يَكُون الْمُوصِي وَالْمُوصَى إِلَيْهِ، وَأَصْله مِنْ وَصَى مُخَفَّفًا، وَتَوَاصَى النَّبْت تَوَاصِيًا إِذَا اِتَّصَلَ، وَأَرْض وَاصِيَة : مُتَّصِلَة النَّبَات، وَأَوْصَيْت لَهُ بِشَيْءٍ وَأَوْصَيْت إِلَيْهِ إِذَا جَعَلْته وَصِيّك، وَالِاسْم الْوِصَايَة وَالْوَصَايَة ( بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح )، وَأَوْصَيْته وَوَصَّيْته أَيْضًا تَوْصِيَة بِمَعْنًى، وَالِاسْم الْوُصَاة.
وَتَوَاصَى الْقَوْم أَوْصَى بَعْضهمْ بَعْضًا.
وَفِي الْحَدِيث :( اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَان عِنْدكُمْ ).
وَوَصَّيْت الشَّيْء بِكَذَا إِذَا وَصَلْته بِهِ.
فِيهَا خَمْسَة عَشَر مَسْأَلَة
الْأُولَى :" إِنْ " شَرْط، وَفِي جَوَابه لِأَبِي الْحَسَن الْأَخْفَش قَوْلَانِ، قَالَ الْأَخْفَش : التَّقْدِير فَالْوَصِيَّة، ثُمَّ حُذِفَتْ الْفَاء، كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
| مَنْ يَفْعَل الْحَسَنَات اللَّه يَشْكُرهَا | وَالشَّرّ بِالشَّرِّ عِنْد اللَّه مِثْلَانِ |
وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْعَامِل فِي " إِذَا " الْإِيصَاء يَكُون مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَى الْوَصِيَّة، الْمَعْنَى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْإِيصَاء إِذًا.
الثَّانِيَة :" خَيْرًا " الْخَيْر هُنَا الْمَال مِنْ غَيْر خِلَاف، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَاره، فَقِيلَ : الْمَال الْكَثِير، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَقَالُوا فِي سَبْعمِائَةِ دِينَار إِنَّهُ قَلِيل.
قَتَادَة عَنْ الْحَسَن : الْخَيْر أَلْف دِينَار فَمَا فَوْقهَا.
الشَّعْبِيّ : مَا بَيْن خَمْسمِائَةِ دِينَار إِلَى أَلْف، وَالْوَصِيَّة عِبَارَة عَنْ كُلّ شَيْء يُؤْمَر بِفِعْلِهِ وَيُعْهَد بِهِ فِي الْحَيَاة وَبَعْد الْمَوْت، وَخَصَّصَهَا الْعُرْف بِمَا يُعْهَد بِفِعْلِهِ وَتَنْفِيذه بَعْد الْمَوْت، وَالْجَمْع وَصَايَا كَالْقَضَايَا جَمْع قَضِيَّة، وَالْوَصِيّ يَكُون الْمُوصِي وَالْمُوصَى إِلَيْهِ، وَأَصْله مِنْ وَصَى مُخَفَّفًا، وَتَوَاصَى النَّبْت تَوَاصِيًا إِذَا اِتَّصَلَ، وَأَرْض وَاصِيَة : مُتَّصِلَة النَّبَات، وَأَوْصَيْت لَهُ بِشَيْءٍ وَأَوْصَيْت إِلَيْهِ إِذَا جَعَلْته وَصِيّك، وَالِاسْم الْوِصَايَة وَالْوَصَايَة ( بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح )، وَأَوْصَيْته وَوَصَّيْته أَيْضًا تَوْصِيَة بِمَعْنًى، وَالِاسْم الْوُصَاة.
وَتَوَاصَى الْقَوْم أَوْصَى بَعْضهمْ بَعْضًا.
وَفِي الْحَدِيث :( اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَان عِنْدكُمْ ).
وَوَصَّيْت الشَّيْء بِكَذَا إِذَا وَصَلْته بِهِ.
الثَّالِثَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب الْوَصِيَّة عَلَى مَنْ خَلَّفَ مَالًا، بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَى مَنْ قِبَله وَدَائِع وَعَلَيْهِ دُيُون، وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة غَيْر وَاجِبَة عَلَى مَنْ لَيْسَ قِبَله شَيْء مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ، مُوسِرًا كَانَ الْمُوصِي أَوْ فَقِيرًا، وَقَالَتْ طَائِفَة : الْوَصِيَّة وَاجِبَة عَلَى ظَاهِر الْقُرْآن، قَالَهُ الزُّهْرِيّ وَأَبُو مِجْلَز، قَلِيلًا كَانَ الْمَال أَوْ كَثِيرًا، وَقَالَ أَبُو ثَوْر : لَيْسَتْ الْوَصِيَّة وَاجِبَة إِلَّا عَلَى رَجُل عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عِنْده مَال لِقَوْمٍ، فَوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُب وَصِيَّته وَيُخْبِر بِمَا عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ لَا دَيْن عَلَيْهِ وَلَا وَدِيعَة عِنْده فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَشَاء.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا حَسَن ; لِأَنَّ اللَّه فَرَضَ أَدَاء الْأَمَانَات إِلَى أَهْلهَا، وَمَنْ لَا حَقّ عَلَيْهِ وَلَا أَمَانَة قِبَله فَلَيْسَ وَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يُوصِي.
اِحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم لَهُ شَيْء يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده ) وَفِي رِوَايَة ( يَبِيت ثَلَاث لَيَالٍ ) وَفِيهَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَة مُنْذُ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهَا بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمْ يَجْعَلهَا إِلَى إِرَادَة الْمُوصِي، وَلَكَانَ ذَلِكَ لَازِمًا عَلَى كُلّ حَال، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ أَنَّ ظَاهِره الْوُجُوب فَالْقَوْل بِالْمُوجِبِ يَرُدّهُ، وَذَلِكَ فِيمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حُقُوق لِلنَّاسِ يَخَاف ضَيَاعهَا عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ أَبُو ثَوْر، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لَهُ حُقُوق عِنْد النَّاس يَخَاف تَلَفهَا عَلَى الْوَرَثَة، فَهَذَا يَجِب عَلَيْهِ الْوَصِيَّة وَلَا يُخْتَلَف فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ " وَكُتِبَ فُرِضَ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوب الْوَصِيَّة قِيلَ لَهُمْ : قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَاب عَنْهُ فِي الْآيَة قَبْل، وَالْمَعْنَى : إِذَا أَرَدْتُمْ الْوَصِيَّة، وَاَللَّه أَعْلَم، وَقَالَ النَّخَعِيّ : مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ، وَقَدْ أَوْصَى أَبُو بَكْر، فَإِنْ أَوْصَى فَحَسَن، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
الرَّابِعَة : لَمْ يُبَيِّن اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه مِقْدَار مَا يُوصَى بِهِ مِنْ الْمَال، وَإِنَّمَا قَالَ :" إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " وَالْخَيْر الْمَال، كَقَوْلِهِ :" وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر " [ الْبَقَرَة : ٢٧٢ ]، " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر " [ الْعَادِيَات : ٨ ] فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِقْدَار ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْخُمُسِ.
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ غَنَائِم الْمُسْلِمِينَ بِالْخُمُسِ، وَقَالَ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا حَسَن ; لِأَنَّ اللَّه فَرَضَ أَدَاء الْأَمَانَات إِلَى أَهْلهَا، وَمَنْ لَا حَقّ عَلَيْهِ وَلَا أَمَانَة قِبَله فَلَيْسَ وَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يُوصِي.
اِحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم لَهُ شَيْء يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده ) وَفِي رِوَايَة ( يَبِيت ثَلَاث لَيَالٍ ) وَفِيهَا قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَة مُنْذُ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهَا بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمْ يَجْعَلهَا إِلَى إِرَادَة الْمُوصِي، وَلَكَانَ ذَلِكَ لَازِمًا عَلَى كُلّ حَال، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ أَنَّ ظَاهِره الْوُجُوب فَالْقَوْل بِالْمُوجِبِ يَرُدّهُ، وَذَلِكَ فِيمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حُقُوق لِلنَّاسِ يَخَاف ضَيَاعهَا عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ أَبُو ثَوْر، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لَهُ حُقُوق عِنْد النَّاس يَخَاف تَلَفهَا عَلَى الْوَرَثَة، فَهَذَا يَجِب عَلَيْهِ الْوَصِيَّة وَلَا يُخْتَلَف فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ " وَكُتِبَ فُرِضَ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوب الْوَصِيَّة قِيلَ لَهُمْ : قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَاب عَنْهُ فِي الْآيَة قَبْل، وَالْمَعْنَى : إِذَا أَرَدْتُمْ الْوَصِيَّة، وَاَللَّه أَعْلَم، وَقَالَ النَّخَعِيّ : مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ، وَقَدْ أَوْصَى أَبُو بَكْر، فَإِنْ أَوْصَى فَحَسَن، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
الرَّابِعَة : لَمْ يُبَيِّن اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه مِقْدَار مَا يُوصَى بِهِ مِنْ الْمَال، وَإِنَّمَا قَالَ :" إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " وَالْخَيْر الْمَال، كَقَوْلِهِ :" وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر " [ الْبَقَرَة : ٢٧٢ ]، " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر " [ الْعَادِيَات : ٨ ] فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِقْدَار ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْخُمُسِ.
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ غَنَائِم الْمُسْلِمِينَ بِالْخُمُسِ، وَقَالَ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة.
أَوْصَى عُمَر بِالرُّبُعِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :( لَأَنْ أُوصِي بِالْخُمُسِ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ، وَلَأَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالثُّلُثِ ) وَاخْتَارَ جَمَاعَة لِمَنْ مَاله قَلِيل وَلَهُ وَرَثَة تَرْكَ الْوَصِيَّة، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
رَوَى ابْن أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة قَالَ لَهَا : إِنِّي أُرِيد أَنْ أُوصِي : قَالَتْ : وَكَمْ مَالُك ؟ قَالَ : ثَلَاثَة آلَاف.
قَالَتْ : فَكَمْ عِيَالك ؟ قَالَ أَرْبَعَة.
قَالَتْ :( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " وَهَذَا شَيْء يَسِير فَدَعْهُ لِعِيَالِك فَإِنَّهُ أَفْضَل لَك )
الْخَامِسَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِي بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَأَصْحَابه فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ لَمْ يَتْرُك الْمُوصِي وَرَثَة جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِي بِمَالِهِ كُلّه، وَقَالُوا : إِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى الثُّلُث فِي الْوَصِيَّة إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْل أَنْ يَدَع وَرَثَته أَغْنِيَاء، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّك إِنْ تَذَر وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ) الْحَدِيث، رَوَاهُ الْأَئِمَّة.
وَمَنْ لَا وَارِث لَهُ فَلَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْحَدِيثِ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَمَسْرُوق، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاق وَمَالِك فِي أَحَد قَوْلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَسَبَب الْخِلَاف مَعَ مَا ذَكَرْنَا، الْخِلَاف فِي بَيْت الْمَال هَلْ هُوَ وَارِث أَوْ حَافِظ لِمَا يُجْعَل فِيهِ ؟ قَوْلَانِ :
السَّادِسَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَة فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِي بِجَمِيعِ مَاله، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاص رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِين حَضَرَتْهُ الْوَفَاة لِابْنِهِ عَبْد اللَّه :( إِنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُوصِي، فَقَالَ لَهُ : أَوْصِ وَمَالُك فِي مَالِي، فَدَعَا كَاتِبًا فَأَمْلَى، فَقَالَ عَبْد اللَّه : فَقُلْت لَهُ مَا أَرَاك إِلَّا وَقَدْ أَتَيْت عَلَى مَالِي وَمَالِك، وَلَوْ دَعَوْت إِخْوَتِي فَاسْتَحْلَلْتهمْ.
السَّابِعَة : وَأَجْمَعُوا أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُغَيِّر وَصِيَّته وَيَرْجِع فِيمَا شَاءَ مِنْهَا، إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُدَبَّر، فَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الْأَمْر الْمُجْمَع عَلَيْهِ عِنْدنَا أَنَّ الْمُوصِي إِذَا أَوْصَى فِي صِحَّته أَوْ مَرَضه بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَة رَقِيق مِنْ رَقِيقه أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَيِّر مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوت، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَح تِلْكَ الْوَصِيَّة وَيُسْقِطهَا فَعَلَ، إِلَّا أَنْ يُدَبِّر فَإِنْ دَبَّرَ مَمْلُوكًا فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى تَغْيِير مَا دَبَّرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم لَهُ شَيْء يُوصِي فِيهِ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده ).
رَوَى ابْن أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة قَالَ لَهَا : إِنِّي أُرِيد أَنْ أُوصِي : قَالَتْ : وَكَمْ مَالُك ؟ قَالَ : ثَلَاثَة آلَاف.
قَالَتْ : فَكَمْ عِيَالك ؟ قَالَ أَرْبَعَة.
قَالَتْ :( إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " وَهَذَا شَيْء يَسِير فَدَعْهُ لِعِيَالِك فَإِنَّهُ أَفْضَل لَك )
الْخَامِسَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِي بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَأَصْحَابه فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ لَمْ يَتْرُك الْمُوصِي وَرَثَة جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِي بِمَالِهِ كُلّه، وَقَالُوا : إِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى الثُّلُث فِي الْوَصِيَّة إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْل أَنْ يَدَع وَرَثَته أَغْنِيَاء، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّك إِنْ تَذَر وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ) الْحَدِيث، رَوَاهُ الْأَئِمَّة.
وَمَنْ لَا وَارِث لَهُ فَلَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْحَدِيثِ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَمَسْرُوق، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاق وَمَالِك فِي أَحَد قَوْلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَسَبَب الْخِلَاف مَعَ مَا ذَكَرْنَا، الْخِلَاف فِي بَيْت الْمَال هَلْ هُوَ وَارِث أَوْ حَافِظ لِمَا يُجْعَل فِيهِ ؟ قَوْلَانِ :
السَّادِسَة : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَة فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِي بِجَمِيعِ مَاله، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاص رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِين حَضَرَتْهُ الْوَفَاة لِابْنِهِ عَبْد اللَّه :( إِنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُوصِي، فَقَالَ لَهُ : أَوْصِ وَمَالُك فِي مَالِي، فَدَعَا كَاتِبًا فَأَمْلَى، فَقَالَ عَبْد اللَّه : فَقُلْت لَهُ مَا أَرَاك إِلَّا وَقَدْ أَتَيْت عَلَى مَالِي وَمَالِك، وَلَوْ دَعَوْت إِخْوَتِي فَاسْتَحْلَلْتهمْ.
السَّابِعَة : وَأَجْمَعُوا أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُغَيِّر وَصِيَّته وَيَرْجِع فِيمَا شَاءَ مِنْهَا، إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُدَبَّر، فَقَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الْأَمْر الْمُجْمَع عَلَيْهِ عِنْدنَا أَنَّ الْمُوصِي إِذَا أَوْصَى فِي صِحَّته أَوْ مَرَضه بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَة رَقِيق مِنْ رَقِيقه أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَيِّر مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوت، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَح تِلْكَ الْوَصِيَّة وَيُسْقِطهَا فَعَلَ، إِلَّا أَنْ يُدَبِّر فَإِنْ دَبَّرَ مَمْلُوكًا فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى تَغْيِير مَا دَبَّرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم لَهُ شَيْء يُوصِي فِيهِ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده ).
قَالَ أَبُو الْفَرَج الْمَالِكِيّ : الْمُدَبَّر فِي الْقِيَاس كَالْمُعْتَقِ إِلَى شَهْر ; لِأَنَّهُ أَجَل آتٍ لَا مَحَالَة، وَأَجْمَعُوا أَلَّا يَرْجِع فِي الْيَمِين بِالْعِتْقِ وَالْعِتْق إِلَى أَجَل فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّر، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : هُوَ وَصِيَّة ; لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ فِي الثُّلُث كَسَائِرِ الْوَصَايَا.
وَفِي إِجَازَتهمْ وَطْء الْمُدَبَّرَة مَا يَنْقُض قِيَاسهمْ الْمُدَبَّر عَلَى الْعِتْق إِلَى أَجَل، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ مُدَبَّرًا، وَأَنَّ عَائِشَة دَبَّرَتْ جَارِيَة لَهَا ثُمَّ بَاعَتْهَا، وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ، وَقَالَتْ طَائِفَة : يُغَيِّر الرَّجُل مِنْ وَصِيَّته مَا شَاءَ إِلَّا الْعَتَاقَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيّ وَابْن سِيرِينَ وَابْن شُبْرُمَة وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُل يَقُول لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرّ بَعْد مَوْتِي، وَأَرَادَ الْوَصِيَّة، فَلَهُ الرُّجُوع عِنْد مَالِك فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالَ : فُلَان مُدَبَّر بَعْد مَوْتِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوع فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّدْبِير بِقَوْلِهِ الْأَوَّل لَمْ يَرْجِع أَيْضًا عِنْد أَكْثَر أَصْحَاب مَالِك، وَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر فَكُلّ هَذَا عِنْدهمْ وَصِيَّة ; لِأَنَّهُ فِي الثُّلُث، وَكُلّ مَا كَانَ فِي الثُّلُث فَهُوَ وَصِيَّة، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيّ قَالَ : لَا يَكُون الرُّجُوع فِي الْمُدَبَّر إِلَّا بِأَنْ يُخْرِجهُ عَنْ مِلْكه بِبَيْعٍ أَوْ هِبَة.
وَلَيْسَ قَوْله :- قَدْ رَجَعْت - رُجُوعًا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِج الْمُدَبَّر عَنْ مِلْكه حَتَّى يَمُوت فَإِنَّهُ يَعْتِق بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ فِي الْقَدِيم : يَرْجِع فِي الْمُدَبَّر كَمَا يَرْجِع فِي الْوَصِيَّة، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاعهمْ عَلَى الرُّجُوع فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِذَا قَالَ قَدْ رَجَعْت فِي مُدَبَّرِي فَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِير، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِق، وَاخْتَلَفَ اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب فِيمَنْ قَالَ : عَبْدِي حُرّ بَعْد مَوْتِي، وَلَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّة وَلَا التَّدْبِير، فَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : هُوَ وَصِيَّة، وَقَالَ أَشْهَب : هُوَ مُدَبَّر وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّة.
التَّاسِعَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْآيَة هَلْ هِيَ مَنْسُوخَة أَوْ مُحْكَمَة، فَقِيلَ : هِيَ مُحْكَمَة، ظَاهِرهَا الْعُمُوم وَمَعْنَاهَا الْخُصُوص فِي الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَرِثَانِ كَالْكَافِرَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ وَفِي الْقَرَابَة غَيْر الْوَرَثَة، قَالَهُ الضَّحَّاك وَطَاوُس وَالْحَسَن، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَفِي إِجَازَتهمْ وَطْء الْمُدَبَّرَة مَا يَنْقُض قِيَاسهمْ الْمُدَبَّر عَلَى الْعِتْق إِلَى أَجَل، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ مُدَبَّرًا، وَأَنَّ عَائِشَة دَبَّرَتْ جَارِيَة لَهَا ثُمَّ بَاعَتْهَا، وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ، وَقَالَتْ طَائِفَة : يُغَيِّر الرَّجُل مِنْ وَصِيَّته مَا شَاءَ إِلَّا الْعَتَاقَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيّ وَابْن سِيرِينَ وَابْن شُبْرُمَة وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ.
الثَّامِنَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُل يَقُول لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرّ بَعْد مَوْتِي، وَأَرَادَ الْوَصِيَّة، فَلَهُ الرُّجُوع عِنْد مَالِك فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالَ : فُلَان مُدَبَّر بَعْد مَوْتِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوع فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّدْبِير بِقَوْلِهِ الْأَوَّل لَمْ يَرْجِع أَيْضًا عِنْد أَكْثَر أَصْحَاب مَالِك، وَأَمَّا الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر فَكُلّ هَذَا عِنْدهمْ وَصِيَّة ; لِأَنَّهُ فِي الثُّلُث، وَكُلّ مَا كَانَ فِي الثُّلُث فَهُوَ وَصِيَّة، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيّ قَالَ : لَا يَكُون الرُّجُوع فِي الْمُدَبَّر إِلَّا بِأَنْ يُخْرِجهُ عَنْ مِلْكه بِبَيْعٍ أَوْ هِبَة.
وَلَيْسَ قَوْله :- قَدْ رَجَعْت - رُجُوعًا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِج الْمُدَبَّر عَنْ مِلْكه حَتَّى يَمُوت فَإِنَّهُ يَعْتِق بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ فِي الْقَدِيم : يَرْجِع فِي الْمُدَبَّر كَمَا يَرْجِع فِي الْوَصِيَّة، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاعهمْ عَلَى الرُّجُوع فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِذَا قَالَ قَدْ رَجَعْت فِي مُدَبَّرِي فَقَدْ بَطَلَ التَّدْبِير، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِق، وَاخْتَلَفَ اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب فِيمَنْ قَالَ : عَبْدِي حُرّ بَعْد مَوْتِي، وَلَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّة وَلَا التَّدْبِير، فَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : هُوَ وَصِيَّة، وَقَالَ أَشْهَب : هُوَ مُدَبَّر وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّة.
التَّاسِعَة : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْآيَة هَلْ هِيَ مَنْسُوخَة أَوْ مُحْكَمَة، فَقِيلَ : هِيَ مُحْكَمَة، ظَاهِرهَا الْعُمُوم وَمَعْنَاهَا الْخُصُوص فِي الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَرِثَانِ كَالْكَافِرَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ وَفِي الْقَرَابَة غَيْر الْوَرَثَة، قَالَهُ الضَّحَّاك وَطَاوُس وَالْحَسَن، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَعَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّ الْوَصِيَّة وَاجِبَة فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : أَجْمَعَ كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَرِثَانِ وَالْأَقْرِبَاء الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ جَائِزَة، وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن أَيْضًا وَقَتَادَة : الْآيَة عَامَّة، وَتَقَرَّرَ الْحُكْم بِهَا بُرْهَة مِنْ الدَّهْر، وَنُسِخَ مِنْهَا كُلّ مَنْ كَانَ يَرِث بِآيَةِ الْفَرَائِض، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آيَة الْفَرَائِض لَمْ تَسْتَقِلّ بِنَسْخِهَا بَلْ بِضَمِيمَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ اللَّه قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقّ حَقّه فَلَا وَصِيَّة لِوَارِثٍ ).
رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح، فَنَسْخ الْآيَة إِنَّمَا كَانَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَة لَا بِالْإِرْثِ عَلَى الصَّحِيح مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيث لَأَمْكَنَ الْجَمْع بَيْن الْآيَتَيْنِ بِأَنْ يَأْخُذُوا الْمَال عَنْ الْمُوَرِّث بِالْوَصِيَّةِ، وَبِالْمِيرَاثِ إِنْ لَمْ يُوصِ، أَوْ مَا بَقِيَ بَعْد الْوَصِيَّة، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيث وَالْإِجْمَاع، وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو الْفَرَج وَإِنْ كَانَا مَنَعَا مِنْ نَسْخ الْكِتَاب بِالسُّنَّةِ فَالصَّحِيح جَوَازه بِدَلِيلِ أَنَّ الْكُلّ حُكْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمِنْ عِنْده، وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ فِي الْأَسْمَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
وَنَحْنُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَر بَلَغَنَا آحَادًا لَكِنْ قَدْ اِنْضَمَّ إِلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا تَجُوز وَصِيَّة لِوَارِثٍ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ وُجُوب الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخ بِالسُّنَّةِ وَأَنَّهَا مُسْتَنَد الْمُجْمِعِينَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن : نُسِخَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ بِالْفَرْضِ فِي سُورَة " النِّسَاء " وَثَبَتَتْ لِلْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْمَالِكِيِّينَ وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الْمَال لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ مَا أُحِبّ، فَجُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجُعِلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، لِلْمَرْأَةِ الثُّمُن وَالرُّبُع، وَالزَّوْج الشَّطْر وَالرُّبُع.
وَقَالَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَابْن زَيْد : الْآيَة مَنْسُوخَة، وَبَقِيَتْ الْوَصِيَّة نَدْبًا، وَنَحْو هَذَا قَوْل مَالِك رَحِمَهُ اللَّه، وَذَكَرَهُ النَّحَّاس عَنْ الشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ الرَّبِيع بْن خُثَيْم : لَا وَصِيَّة.
قَالَ عُرْوَة بْن ثَابِت : قُلْت لِلرَّبِيعِ بْن خُثَيْم أَوْصِ لِي بِمُصْحَفِك، فَنَظَرَ إِلَى وَلَده وَقَرَأَ " وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه " [ الْأَنْفَال : ٧٥ ]، وَنَحْو هَذَا صَنَعَ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
الْعَاشِرَة :" وَالْأَقْرَبِينَ " الْأَقْرَبُونَ جَمْع أَقْرَب.
رَوَاهُ أَبُو أُمَامَة، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح، فَنَسْخ الْآيَة إِنَّمَا كَانَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَة لَا بِالْإِرْثِ عَلَى الصَّحِيح مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيث لَأَمْكَنَ الْجَمْع بَيْن الْآيَتَيْنِ بِأَنْ يَأْخُذُوا الْمَال عَنْ الْمُوَرِّث بِالْوَصِيَّةِ، وَبِالْمِيرَاثِ إِنْ لَمْ يُوصِ، أَوْ مَا بَقِيَ بَعْد الْوَصِيَّة، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيث وَالْإِجْمَاع، وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو الْفَرَج وَإِنْ كَانَا مَنَعَا مِنْ نَسْخ الْكِتَاب بِالسُّنَّةِ فَالصَّحِيح جَوَازه بِدَلِيلِ أَنَّ الْكُلّ حُكْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمِنْ عِنْده، وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ فِي الْأَسْمَاء، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى.
وَنَحْنُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَر بَلَغَنَا آحَادًا لَكِنْ قَدْ اِنْضَمَّ إِلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا تَجُوز وَصِيَّة لِوَارِثٍ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ وُجُوب الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخ بِالسُّنَّةِ وَأَنَّهَا مُسْتَنَد الْمُجْمِعِينَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن : نُسِخَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ بِالْفَرْضِ فِي سُورَة " النِّسَاء " وَثَبَتَتْ لِلْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْمَالِكِيِّينَ وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الْمَال لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ مَا أُحِبّ، فَجُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجُعِلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، لِلْمَرْأَةِ الثُّمُن وَالرُّبُع، وَالزَّوْج الشَّطْر وَالرُّبُع.
وَقَالَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَابْن زَيْد : الْآيَة مَنْسُوخَة، وَبَقِيَتْ الْوَصِيَّة نَدْبًا، وَنَحْو هَذَا قَوْل مَالِك رَحِمَهُ اللَّه، وَذَكَرَهُ النَّحَّاس عَنْ الشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ الرَّبِيع بْن خُثَيْم : لَا وَصِيَّة.
قَالَ عُرْوَة بْن ثَابِت : قُلْت لِلرَّبِيعِ بْن خُثَيْم أَوْصِ لِي بِمُصْحَفِك، فَنَظَرَ إِلَى وَلَده وَقَرَأَ " وَأُولُوا الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه " [ الْأَنْفَال : ٧٥ ]، وَنَحْو هَذَا صَنَعَ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
الْعَاشِرَة :" وَالْأَقْرَبِينَ " الْأَقْرَبُونَ جَمْع أَقْرَب.
قَالَ قَوْم : الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبِينَ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِب، لِنَصِّ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَالَ الضَّحَّاك : إِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته فَقَدْ خَتَمَ عَمَله بِمَعْصِيَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَاده لِكُلِّ وَاحِدَة بِأَرْبَعَةِ آلَاف.
وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَة وَصَّتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا بِأَثَاثِ الْبَيْت، وَرُوِيَ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْحَسَن : إِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ الْأَقْرَبِينَ رُدَّتْ الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبِينَ، فَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ فَمَعَهُمْ، وَلَا تَجُوز لِغَيْرِهِمْ مَعَ تَرْكهمْ، وَقَالَ النَّاس حِين مَاتَ أَبُو الْعَالِيَة : عَجَبًا لَهُ أَعْتَقَتْهُ اِمْرَأَة مِنْ ريَاح وَأَوْصَى بِمَالِهِ لِبَنِي هَاشِم، وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَامَة، وَقَالَ طَاوُس : إِذَا أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته رُدَّتْ الْوَصِيَّة إِلَى قَرَابَته وَنُقِضَ فِعْله، وَقَالَهُ جَابِر بْن زَيْد، وَقَدْ رُوِيَ مِثْل هَذَا عَنْ الْحَسَن أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته وَتَرَكَ قَرَابَته مُحْتَاجِينَ فَبِئْسَمَا صَنَعَ وَفِعْله مَعَ ذَلِكَ جَائِز مَاضٍ لِكُلِّ مَنْ أَوْصَى لَهُ مِنْ غَنِيّ وَفَقِير، قَرِيب وَبَعِيد، مُسْلِم وَكَافِر، وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَعَائِشَة، وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَحْسَن، وَأَمَّا أَبُو الْعَالِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَلَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ بَنِي هَاشِم أَوْلَى مِنْ مُعْتِقَته لِصُحْبَتِهِ اِبْن عَبَّاس وَتَعْلِيمه إِيَّاهُ وَإِلْحَاقه بِدَرَجَةِ الْعُلَمَاء فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَهَذِهِ الْأُبُوَّة وَإِنْ كَانَتْ مَعْنَوِيَّة فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة، وَمُعْتِقَته غَايَتهَا أَنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْأَحْرَارِ فِي الدُّنْيَا، فَحَسْبهَا ثَوَاب عِتْقهَا، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْحَادِيَة عَشْرَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْمَرِيض يُحْجَر عَلَيْهِ فِي مَاله، وَشَذَّ أَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : لَا يُحْجَر عَلَيْهِ وَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَالْحَدِيث وَالْمَعْنَى يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ سَعْد : عَادَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع مِنْ وَجَع أَشْفَيْت مِنْهُ عَلَى الْمَوْت فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه، بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنْ الْوَجَع، وَأَنَا ذُو مَال وَلَا يَرِثنِي إِلَّا بِنْت وَاحِدَة، أَفَأَتَصَدَّق بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ :( لَا )، قُلْت : أَفَأَتَصَدَّق بِشَطْرِهِ ؟ قَالَ :( لَا، الثُّلُث وَالثُّلُث كَثِير إِنَّك أَنْ تَذَر وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ) الْحَدِيث.
وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَة وَصَّتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا بِأَثَاثِ الْبَيْت، وَرُوِيَ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَقَالَ الْحَسَن : إِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ الْأَقْرَبِينَ رُدَّتْ الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبِينَ، فَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ فَمَعَهُمْ، وَلَا تَجُوز لِغَيْرِهِمْ مَعَ تَرْكهمْ، وَقَالَ النَّاس حِين مَاتَ أَبُو الْعَالِيَة : عَجَبًا لَهُ أَعْتَقَتْهُ اِمْرَأَة مِنْ ريَاح وَأَوْصَى بِمَالِهِ لِبَنِي هَاشِم، وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَامَة، وَقَالَ طَاوُس : إِذَا أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته رُدَّتْ الْوَصِيَّة إِلَى قَرَابَته وَنُقِضَ فِعْله، وَقَالَهُ جَابِر بْن زَيْد، وَقَدْ رُوِيَ مِثْل هَذَا عَنْ الْحَسَن أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل : مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته وَتَرَكَ قَرَابَته مُحْتَاجِينَ فَبِئْسَمَا صَنَعَ وَفِعْله مَعَ ذَلِكَ جَائِز مَاضٍ لِكُلِّ مَنْ أَوْصَى لَهُ مِنْ غَنِيّ وَفَقِير، قَرِيب وَبَعِيد، مُسْلِم وَكَافِر، وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَعَائِشَة، وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَحْسَن، وَأَمَّا أَبُو الْعَالِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَلَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ بَنِي هَاشِم أَوْلَى مِنْ مُعْتِقَته لِصُحْبَتِهِ اِبْن عَبَّاس وَتَعْلِيمه إِيَّاهُ وَإِلْحَاقه بِدَرَجَةِ الْعُلَمَاء فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَهَذِهِ الْأُبُوَّة وَإِنْ كَانَتْ مَعْنَوِيَّة فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة، وَمُعْتِقَته غَايَتهَا أَنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْأَحْرَارِ فِي الدُّنْيَا، فَحَسْبهَا ثَوَاب عِتْقهَا، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْحَادِيَة عَشْرَة : ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْمَرِيض يُحْجَر عَلَيْهِ فِي مَاله، وَشَذَّ أَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : لَا يُحْجَر عَلَيْهِ وَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَالْحَدِيث وَالْمَعْنَى يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ سَعْد : عَادَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع مِنْ وَجَع أَشْفَيْت مِنْهُ عَلَى الْمَوْت فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه، بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنْ الْوَجَع، وَأَنَا ذُو مَال وَلَا يَرِثنِي إِلَّا بِنْت وَاحِدَة، أَفَأَتَصَدَّق بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ :( لَا )، قُلْت : أَفَأَتَصَدَّق بِشَطْرِهِ ؟ قَالَ :( لَا، الثُّلُث وَالثُّلُث كَثِير إِنَّك أَنْ تَذَر وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ) الْحَدِيث.
وَمَنَعَ أَهْل الظَّاهِر أَيْضًا الْوَصِيَّة بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَة، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْكَافَّة إِذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَة، وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ الْمَرِيض إِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّة بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُث لِحَقِّ الْوَارِث، فَإِذَا أَسْقَطَ الْوَرَثَة حَقّهمْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا صَحِيحًا، وَكَانَ كَالْهِبَةِ مِنْ عِنْدهمْ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس، قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تَجُوز الْوَصِيَّة لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاء الْوَرَثَة )، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن خَارِجَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا وَصِيَّة لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ تُجِيز الْوَرَثَة ).
الثَّانِيَة عَشْرَة : وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوع الْمُجِيزِينَ لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فِي حَيَاة الْمُوصِي بَعْد وَفَاته، فَقَالَتْ طَائِفَة : ذَلِكَ جَائِز عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوع فِيهِ.
هَذَا قَوْل عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَطَاوُس وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَتْ طَائِفَة : لَهُمْ الرُّجُوع فِي ذَلِكَ إِنْ أَحَبُّوا.
هَذَا قَوْل اِبْن مَسْعُود وَشُرَيْح وَالْحَكَم وَطَاوُس وَالثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر، وَفَرَّقَ مَالِك فَقَالَ : إِذَا أَذِنُوا فِي صِحَّته فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضه حِين يُحْجَب عَنْ مَالِه فَذَلِكَ جَائِز عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاق.
اِحْتَجَّ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِأَنَّ الْمَنْع وَقَعَ مِنْ أَجْل الْوَرَثَة، فَإِذَا أَجَازُوهُ جَازَ، وَقَدْ اِتَّفَقُوا أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِأَكْثَر مِنْ ثُلُثه لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ بِإِجَازَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَاحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الثَّانِي بِأَنَّهُمْ أَجَازُوا شَيْئًا لَمْ يَمْلِكُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْمَال بَعْد وَفَاته، وَقَدْ يَمُوت الْوَارِث الْمُسْتَأْذِن قَبْله وَلَا يَكُون وَارِثًا وَقَدْ يَرِثهُ غَيْره، فَقَدْ أَجَازَ مَنْ لَا حَقّ لَهُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمهُ شَيْء.
وَاحْتَجَّ مَالِك بِأَنْ قَالَ : إِنَّ الرَّجُل إِذَا كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ أَحَقّ بِمَالِهِ كُلّه يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ، فَإِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي صِحَّته فَقَدْ تَرَكُوا شَيْئًا لَمْ يَجِب لَهُمْ، وَإِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضه فَقَدْ تَرَكُوا مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ الْحَقّ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْفَذَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ.
الثَّالِثَة عَشْرَة : فَإِنْ لَمْ يُنْفِذ الْمَرِيض ذَلِكَ كَانَ لِلْوَارِثِ الرُّجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بِالتَّنْفِيذِ، قَالَهُ الْأَبْهَرِيّ، وَذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّ قَوْل مَالِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَشْبَه بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْره.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَاتَّفَقَ قَوْل مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر أَنَّهُمْ إِذَا أَجَازُوا ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَزِمَهُمْ.
الثَّانِيَة عَشْرَة : وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوع الْمُجِيزِينَ لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فِي حَيَاة الْمُوصِي بَعْد وَفَاته، فَقَالَتْ طَائِفَة : ذَلِكَ جَائِز عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوع فِيهِ.
هَذَا قَوْل عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَطَاوُس وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَتْ طَائِفَة : لَهُمْ الرُّجُوع فِي ذَلِكَ إِنْ أَحَبُّوا.
هَذَا قَوْل اِبْن مَسْعُود وَشُرَيْح وَالْحَكَم وَطَاوُس وَالثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر، وَفَرَّقَ مَالِك فَقَالَ : إِذَا أَذِنُوا فِي صِحَّته فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضه حِين يُحْجَب عَنْ مَالِه فَذَلِكَ جَائِز عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاق.
اِحْتَجَّ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِأَنَّ الْمَنْع وَقَعَ مِنْ أَجْل الْوَرَثَة، فَإِذَا أَجَازُوهُ جَازَ، وَقَدْ اِتَّفَقُوا أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِأَكْثَر مِنْ ثُلُثه لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ بِإِجَازَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَاحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الثَّانِي بِأَنَّهُمْ أَجَازُوا شَيْئًا لَمْ يَمْلِكُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْمَال بَعْد وَفَاته، وَقَدْ يَمُوت الْوَارِث الْمُسْتَأْذِن قَبْله وَلَا يَكُون وَارِثًا وَقَدْ يَرِثهُ غَيْره، فَقَدْ أَجَازَ مَنْ لَا حَقّ لَهُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمهُ شَيْء.
وَاحْتَجَّ مَالِك بِأَنْ قَالَ : إِنَّ الرَّجُل إِذَا كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ أَحَقّ بِمَالِهِ كُلّه يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ، فَإِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي صِحَّته فَقَدْ تَرَكُوا شَيْئًا لَمْ يَجِب لَهُمْ، وَإِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضه فَقَدْ تَرَكُوا مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ الْحَقّ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَنْفَذَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ.
الثَّالِثَة عَشْرَة : فَإِنْ لَمْ يُنْفِذ الْمَرِيض ذَلِكَ كَانَ لِلْوَارِثِ الرُّجُوع فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بِالتَّنْفِيذِ، قَالَهُ الْأَبْهَرِيّ، وَذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّ قَوْل مَالِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَشْبَه بِالسُّنَّةِ مِنْ غَيْره.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَاتَّفَقَ قَوْل مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر أَنَّهُمْ إِذَا أَجَازُوا ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَزِمَهُمْ.
الرَّابِعَة عَشْرَة : وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُل يُوصِي لِبَعْضِ وَرَثَته بِمَالٍ، وَيَقُول فِي وَصِيَّته : إِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَة فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ فَهُوَ فِي سَبِيل اللَّه، فَلَمْ يُجِيزُوهُ.
فَقَالَ مَالِك : إِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَة ذَلِكَ رُجِعَ إِلَيْهِمْ، وَفِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَمَعْمَر صَاحِب عَبْد الرَّزَّاق يَمْضِي فِي سَبِيل اللَّه.
الْخَامِسَة عَشْرَة : لَا خِلَاف فِي وَصِيَّة الْبَالِغ الْعَاقِل غَيْر الْمَحْج
فَقَالَ مَالِك : إِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَة ذَلِكَ رُجِعَ إِلَيْهِمْ، وَفِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَمَعْمَر صَاحِب عَبْد الرَّزَّاق يَمْضِي فِي سَبِيل اللَّه.
الْخَامِسَة عَشْرَة : لَا خِلَاف فِي وَصِيَّة الْبَالِغ الْعَاقِل غَيْر الْمَحْج