تفسير سورة سورة البقرة من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن
المعروف بـتفسير الثعلبي
.
لمؤلفه
الثعلبي
.
المتوفي سنة 427 هـ
مدنية : وهي مائتان وست وثمانون آية في العدد الكوفي وهي سندأمير المؤمنين علي عليه السلام وهي خمسة وعشرون ألف [ حرف ] وخمسمائة حرف وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة
أخبرنا عبد الله بن حامد بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف حدثنا يعقوب ابن سفيان الصغير حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا شعيب بن زرين عن عطاء الخراساني عن عكرمة قال : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة. فضلها
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها أخبرنا دعلج بن أحمد الشجري ببغداد حدثنا محمد بن أحمد بن هارون حدثنا خندف عن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن شعيب المزني عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ( إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخل في بيته شيطان ثلاثة أيام ).
وأخبرنا محمد بن القاسم بن أحمد المرتب بقراءتي عليه حدثنا أبو عمرو بن مطرف حدثنا أبو عبد الله محمد بن المسيب حدثنا عبد الله بن الحسين حدثنا يوسف بن الأسباط حدثنا حسن بن المهاجر عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ( تعلموا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ) ).
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسن المقري حدثنا أبو أحمد عبد الله بن علي الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى بن مندة حدثنا أبو مصعب حدثنا عمران بن طلحة الليثي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا ثم تتبعهم يستقرئهم فجاء إنسان منهم
فقال :( ( ماذا معك من القرآن ؟ ) ) حتى أتى على آخرهم وهو أحدثهم سنا فقال :( ( ما معك من القرآن ؟ قال : كذا وكذا وسورة البقرة فقال :( اخرجوا وهذا عليكم أمين ) ) قالوا : يا رسول الله هو أحدثنا سنا قال :( ( معه سورة البقرة ) ). التفسير :[ ال م ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من ٢ قبلك وبالأخرة هم يوقنون أولائك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ٧ ]
أخبرنا عبد الله بن حامد بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف حدثنا يعقوب ابن سفيان الصغير حدثنا يعقوب بن سفيان الكبير حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا شعيب بن زرين عن عطاء الخراساني عن عكرمة قال : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة. فضلها
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها أخبرنا دعلج بن أحمد الشجري ببغداد حدثنا محمد بن أحمد بن هارون حدثنا خندف عن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن شعيب المزني عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ( إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخل في بيته شيطان ثلاثة أيام ).
وأخبرنا محمد بن القاسم بن أحمد المرتب بقراءتي عليه حدثنا أبو عمرو بن مطرف حدثنا أبو عبد الله محمد بن المسيب حدثنا عبد الله بن الحسين حدثنا يوسف بن الأسباط حدثنا حسن بن المهاجر عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ( تعلموا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ) ).
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن الحسن المقري حدثنا أبو أحمد عبد الله بن علي الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى بن مندة حدثنا أبو مصعب حدثنا عمران بن طلحة الليثي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا ثم تتبعهم يستقرئهم فجاء إنسان منهم
فقال :( ( ماذا معك من القرآن ؟ ) ) حتى أتى على آخرهم وهو أحدثهم سنا فقال :( ( ما معك من القرآن ؟ قال : كذا وكذا وسورة البقرة فقال :( اخرجوا وهذا عليكم أمين ) ) قالوا : يا رسول الله هو أحدثنا سنا قال :( ( معه سورة البقرة ) ). التفسير :[ ال م ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من ٢ قبلك وبالأخرة هم يوقنون أولائك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ٧ ]
ﰡ
فقال: «ماذا معك من القرآن؟» حتى أتى على آخرهم، وهو أحدثهم سنّا، فقال: «ما معك من القرآن؟» قال: كذا وكذا وسورة البقرة، فقال: «اخرجوا وهذا عليكم أمين»، قالوا: يا رسول الله هو أحدثنا سنّا، قال: «معه سورة البقرة» «١» [٦١].
(التفسير:)
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٧]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
قوله تعالى: الم: اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بها السور، فذهب كثير منهم إلى أنّها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها، فنحن نؤمن بتنزيلها ونكل إلى الله تأويلها.
قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) : في كل كتاب سر، وسر القرآن أوائل السور.
وقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: إنّ لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي.
وفسّره الآخرون، فقال سعيد بن جبير: هي أسماء الله مقطّعة، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم، ألا ترى أنّك تقول: الر «٢» وتقول: حم «٣» وتقول: ن «٤» فيكون الرَّحْمنُ، وكذلك سائرها على هذا الوجه، إلّا أنّا لا نقدر على وصلها والجمع بينها.
وقال قتادة: هي أسماء القرآن.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي أسماء للسور المفتتحة بها.
وقال ابن عباس: هي أقسام أقسم الله بها، وروي أنّه ثناء أثنى الله به على نفسه.
وقال أبو العالية: ليس منها حرف إلّا وهو «٥» مفتاح لاسم من أسماء الله عز وجل، وليس منها حرف إلّا وهو في الآية وبلائه»
، وليس منها حرف إلّا في مدّة قوم وآجال آخرين.
(التفسير:)
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
قوله تعالى: الم: اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بها السور، فذهب كثير منهم إلى أنّها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها، فنحن نؤمن بتنزيلها ونكل إلى الله تأويلها.
قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) : في كل كتاب سر، وسر القرآن أوائل السور.
وقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: إنّ لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي.
وفسّره الآخرون، فقال سعيد بن جبير: هي أسماء الله مقطّعة، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم، ألا ترى أنّك تقول: الر «٢» وتقول: حم «٣» وتقول: ن «٤» فيكون الرَّحْمنُ، وكذلك سائرها على هذا الوجه، إلّا أنّا لا نقدر على وصلها والجمع بينها.
وقال قتادة: هي أسماء القرآن.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي أسماء للسور المفتتحة بها.
وقال ابن عباس: هي أقسام أقسم الله بها، وروي أنّه ثناء أثنى الله به على نفسه.
وقال أبو العالية: ليس منها حرف إلّا وهو «٥» مفتاح لاسم من أسماء الله عز وجل، وليس منها حرف إلّا وهو في الآية وبلائه»
، وليس منها حرف إلّا في مدّة قوم وآجال آخرين.
(١) سنن الترمذي: ٤/ ٢٣٤، بتفاوت. [.....]
(٢) سورة الحجر: ١.
(٣) سورة الدخان: ١.
(٤) سورة القلم: ١.
(٥) في المخطوط: وهي.
(٦) هكذا في المخطوط.
(٢) سورة الحجر: ١.
(٣) سورة الدخان: ١.
(٤) سورة القلم: ١.
(٥) في المخطوط: وهي.
(٦) هكذا في المخطوط.
136
وقال عبد العزيز بن يحيى: معنى هذه الحروف أنّ الله ذكرها، فقال: اسمعوها مقطعة، حتى إذا وردت عليكم مؤلفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك، وكذلك تعلم الصبيان أولا مقطعة، وكان الله أسمعهم مقطعة مفردة، ليعرفوها إذا وردت عليهم، ثم أسمعهم مؤلّفة.
وقال أبو روق: إنّها تكتب للكفار، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلّها، وكان المشركون يقولون: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.
فربما صفّقوا وربما صفّروا وربما لفظوا ليغلّطوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى رسول الله ذلك أسرّ في الظهر والعصر وجهر في سائرها، وكانوا يضايقونه ويؤذونه، فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة، فلمّا سمعوها بقوا متحيرين متفكّرين، فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.
وقال الأخفش: إنّما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها، ولأنّها مباني كتبه المنزلة بالألسن المختلفة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحّدونه، وكأنّه أقسم بهذه الحروف إنّ القرآن كتابه وكلامه لا رَيْبَ فِيهِ.
وقال النقيب: هي النبهة والاستئناف ليعلم أنّ الكلام الأول قد انقطع، كقولك: ولا إنّ زيدا ذهب.
وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها أنّها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلّى الله عليه وسلّم وذلك أنّ كل حرف من هذه الحروف الثمانية والعشرين.
والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه كقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ «١» أي صلّوا لا يصلّون، وقوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ «٢» فعبر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها، وقال: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «٣» أراد جميع أبدانكم.
وقال: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ أي الأنف فعبّر باليد عن الجسد، وبالأنف عن الوجه.
وقال الشاعر في امرأته:
لما رأيت أمرها في خطي... وفنكت في كذب ولط
أخذت منها بقرون شمط... فلم يزل ضربي بها ومعطي «٤»
وقال أبو روق: إنّها تكتب للكفار، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلّها، وكان المشركون يقولون: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.
فربما صفّقوا وربما صفّروا وربما لفظوا ليغلّطوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى رسول الله ذلك أسرّ في الظهر والعصر وجهر في سائرها، وكانوا يضايقونه ويؤذونه، فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة، فلمّا سمعوها بقوا متحيرين متفكّرين، فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.
وقال الأخفش: إنّما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها، ولأنّها مباني كتبه المنزلة بالألسن المختلفة، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحّدونه، وكأنّه أقسم بهذه الحروف إنّ القرآن كتابه وكلامه لا رَيْبَ فِيهِ.
وقال النقيب: هي النبهة والاستئناف ليعلم أنّ الكلام الأول قد انقطع، كقولك: ولا إنّ زيدا ذهب.
وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها أنّها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلّى الله عليه وسلّم وذلك أنّ كل حرف من هذه الحروف الثمانية والعشرين.
والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه كقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ «١» أي صلّوا لا يصلّون، وقوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ «٢» فعبر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها، وقال: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «٣» أراد جميع أبدانكم.
وقال: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ أي الأنف فعبّر باليد عن الجسد، وبالأنف عن الوجه.
وقال الشاعر في امرأته:
لما رأيت أمرها في خطي... وفنكت في كذب ولط
أخذت منها بقرون شمط... فلم يزل ضربي بها ومعطي «٤»
(١) سورة المرسلات: ٤٨.
(٢) سورة العلق: ١٩.
(٣) سورة آل عمران: ١٨٢.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ١٣٢، ولسان العرب: ١٠/ ٤٨٠.
(٢) سورة العلق: ١٩.
(٣) سورة آل عمران: ١٨٢.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ١٣٢، ولسان العرب: ١٠/ ٤٨٠.
137
فعبّر بلفظة «خطي» عن جملة حروف أبجد.
ويقول القائل: (أب ت ث) وهو لا يريد هذه الأربعة الأحرف دون غيرها، بل يريد جميعها وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ، وهو يريد جميع السورة، ونحوها كثير، وكذلك عبّر الله بهذه الحروف عن جملة حروف التهجّي، والإشارة فيه أنّ الله تعالى نبّه العرب وتحدّاهم، فقال: إنّي قد نزّلت هذا الكتاب من جملة الثمانية والعشرين التي هي لغتكم ولسانكم، وعليها مباني كلامكم، فإن كان محمد هو النبي يقوله من تلقاء نفسه، فأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله، فلمّا عجزوا عن ذلك بعد الإجهاد ثبت أنّه معجزة.
هذا قول المبرّد وجماعة من أهل المعاني، فإن قيل: فهل يكون حرفا واحدا عودا للمعنى؟
وهل تجدون في كلام العرب أن يقال: الم زيد قائم؟ وحم عمرو ذاهب؟ قلنا: نعم، هذا عادة العرب يشيرون بلفظ واحد إلى جميع الحروف ويعبّرون به عنه.
قال الراجز:
أي قف أنت.
وأنشد سيبويه لغيلان:
أي لا تركبون فقالوا: ألا فاركبوا.
وأنشد قطرب في جارية:
أراد أن تأتي وتمسح «٣»
وأنشد الزجّاج:
أراد بقوله (فا) : وإن شرا فشر له، وبقوله: تا إلا أن تشاء.
قال الأخفش: هذه الحروف ساكنة لأنّ حروف الهجاء لا تعرب، بل توقف على كلّ حرف على نيّة السكت، ولا بدّ أن تفصل بالعدد في قولهم واحد- اثنان- ثلاثة- أربعة.
ويقول القائل: (أب ت ث) وهو لا يريد هذه الأربعة الأحرف دون غيرها، بل يريد جميعها وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ، وهو يريد جميع السورة، ونحوها كثير، وكذلك عبّر الله بهذه الحروف عن جملة حروف التهجّي، والإشارة فيه أنّ الله تعالى نبّه العرب وتحدّاهم، فقال: إنّي قد نزّلت هذا الكتاب من جملة الثمانية والعشرين التي هي لغتكم ولسانكم، وعليها مباني كلامكم، فإن كان محمد هو النبي يقوله من تلقاء نفسه، فأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله، فلمّا عجزوا عن ذلك بعد الإجهاد ثبت أنّه معجزة.
هذا قول المبرّد وجماعة من أهل المعاني، فإن قيل: فهل يكون حرفا واحدا عودا للمعنى؟
وهل تجدون في كلام العرب أن يقال: الم زيد قائم؟ وحم عمرو ذاهب؟ قلنا: نعم، هذا عادة العرب يشيرون بلفظ واحد إلى جميع الحروف ويعبّرون به عنه.
قال الراجز:
| قلت لها قفي فقالت قاف | لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف «١» |
وأنشد سيبويه لغيلان:
| نادوهم ألا ألجموا ألا تا | قالوا جميعا كلّهم ألا فا «٢» |
وأنشد قطرب في جارية:
| قد وعدتني أم عمرو أن تا | تدهن رأسي وتفليني تا |
وأنشد الزجّاج:
| بالخير خيرات وإن شرّا فا | ولا أريد الشرّ إلّا أن تا «٤» |
قال الأخفش: هذه الحروف ساكنة لأنّ حروف الهجاء لا تعرب، بل توقف على كلّ حرف على نيّة السكت، ولا بدّ أن تفصل بالعدد في قولهم واحد- اثنان- ثلاثة- أربعة.
(١) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٢٦٤، والبيت الأوّل موجود في تفسير القرطبي: ١/ ١٥٥.
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ١٥٦.
(٣) لسان العرب: ١/ ١٦٤ وفيه: تفليني وا.
(٤) لسان العرب: ١٥/ ٢٨٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ١٥٦.
(٣) لسان العرب: ١/ ١٦٤ وفيه: تفليني وا.
(٤) لسان العرب: ١٥/ ٢٨٨.
138
قال أبو النجم:
تكتبان في الطريق لام الألف فإذا أدخلت حرفا من حروف العطف حركتها.
وأنشد أبو عبيدة:
وهذه الحروف تذكّر على اللفظ وتؤنّث على توهم الكلمة.
قال كعب الأحبار: خلق الله العلم من نور أخضر، ثم أنطقه ثمانية وعشرين حرفا من أصل الكلام، وهيّأها بالصوت الذي سمع وينطق به، فنطق بها العلم فكان أوّل ذلك كلّه [.....] «٣» فنظرت إلى بعضها فتصاغرت وتواضعت لربّها تعالى، وتمايلت هيبة له، فسجدت فصارت همزة، فلمّا رأى الله تعالى تواضعها مدّها وطوّلها وفضّلها، فصارت ألفا، فتلفظه بها، ثم جعل القلم ينطق حرفا حرفا «٤» إلى ثمانية وعشرين حرفا، فجعلها مدار الكلام والكتب والأصوات واللغات والعبادات كلّها إلى يوم القيامة، وجميعها كلّها في أبجد.
وجعل الألف لتواضعها مفتاح أول أسمائه، ومقدّما على الحروف كلّها، فأمّا قوله عزّ وجلّ: الم فقد اختلف العلماء في تفسيرها.
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله تعالى: الم قال: أنا الله أعلم.
أبو روق عن الضحاك في قوله الم: أنا الله أعلم.
مجاهد وقتادة: الم اسم من أسماء القرآن.
الربيع بن أنس: (ألف) مفتاح اسم الله، و (لام) مفتاح اسمه لطيف، و (ميم) مفتاح اسمه مجيد.
خالد عن عكرمة قال: الم قسم.
محمد بن كعب: (الألف) آلاء الله، و (اللام) لطفه، و (الميم) ملكه.
| أقبلت من عند زياد كالخرف | تخط رجلاي بخط مختلف «١» |
وأنشد أبو عبيدة:
| إذا اجتمعوا على ألف وواو | وياء هاج بينهم جدال «٢» |
قال كعب الأحبار: خلق الله العلم من نور أخضر، ثم أنطقه ثمانية وعشرين حرفا من أصل الكلام، وهيّأها بالصوت الذي سمع وينطق به، فنطق بها العلم فكان أوّل ذلك كلّه [.....] «٣» فنظرت إلى بعضها فتصاغرت وتواضعت لربّها تعالى، وتمايلت هيبة له، فسجدت فصارت همزة، فلمّا رأى الله تعالى تواضعها مدّها وطوّلها وفضّلها، فصارت ألفا، فتلفظه بها، ثم جعل القلم ينطق حرفا حرفا «٤» إلى ثمانية وعشرين حرفا، فجعلها مدار الكلام والكتب والأصوات واللغات والعبادات كلّها إلى يوم القيامة، وجميعها كلّها في أبجد.
وجعل الألف لتواضعها مفتاح أول أسمائه، ومقدّما على الحروف كلّها، فأمّا قوله عزّ وجلّ: الم فقد اختلف العلماء في تفسيرها.
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله تعالى: الم قال: أنا الله أعلم.
أبو روق عن الضحاك في قوله الم: أنا الله أعلم.
مجاهد وقتادة: الم اسم من أسماء القرآن.
الربيع بن أنس: (ألف) مفتاح اسم الله، و (لام) مفتاح اسمه لطيف، و (ميم) مفتاح اسمه مجيد.
خالد عن عكرمة قال: الم قسم.
محمد بن كعب: (الألف) آلاء الله، و (اللام) لطفه، و (الميم) ملكه.
(١) لسان العرب: ٦٩٨. [.....]
(٢) شرح الرضي على الكافية: ١/ ٦٨.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) في الأصل: حرف حرف.
(٢) شرح الرضي على الكافية: ١/ ٦٨.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) في الأصل: حرف حرف.
139
وفي بعض الروايات عن ابن عباس: (الألف) الله، و (اللام) جبرئيل، أقسم الله بهم إنّ هذا الكتاب لا رَيْبَ فِيهِ
، ويحتمل أن يكون معناه على هذا التأويل: أنزل الله هذا الكتاب على لسان جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال أهل الإشارة: (ألف) : أنا، (لام) : لي، (ميم) : منّي.
وعن علي بن موسى الرضا عن جعفر الصادق، وقد سئل عن قوله: الم فقال: في الألف ست صفات من صفات الله: الابتداء لأنّ الله تعالى ابتدأ جميع الخلق، و (الألف).
ابتداء الحروف، والاستواء: فهو عادل غير جائر، و (الألف) مستو في ذاته، والانفراد: والله فرد والألف فرد، واتصال الخلق بالله، والله لا يتصل بالخلق، فهم يحتاجون إليه وله غنى عنهم.
وكذلك الألف لا يتصل بحرف، فالحروف متصلة: وهو منقطع عن غيره، والله باين بجميع صفاته من خلقه، ومعناه من الألفة، فكما أنّ الله سبب إلفة الخلق، فكذلك الألف عليه تألفت الحروف وهو سبب إلفتها.
وقالت الحكماء: عجز عقول الخلق في ابتداء خطابه، وهو محل الفهم، ليعلموا أن لا سبيل لأحد إلى معرفة حقائق خطابه إلّا بعلمهم، فالعجز عن معرفة الله حقيقة خطابه.
وأما محل الم من الإعراب فرفع بالابتداء وخبره فيما بعده.
وقيل: الم ابتداء، وذلِكَ ابتداء آخر والْكِتابُ خبره، وجملة الكلام خبر الابتداء الأول.
ذلِكَ: قرأت العامة ذلِكَ بفتح الذال، وكذلك هذه وهاتان، وأجاز أبو عمرو الإمالة في هذه، (ذ) للاسم، واللام عماد، والكاف خطاب، وهو إشارة إلى الغائب.
والْكِتابُ: بمعنى المكتوب كالحساب والعماد.
قال الشاعر:
أو مكتوبها، فوضع المصدر موضع الاسم، كما يقال للمخلوق خلق، وللمصور تصوير، وقال: دراهم من ضرب الأمير، أي هي مضروبة، وأصله من الكتب، وهو ضم الحروف بعضها إلى بعض، مأخوذ من قولهم: كتب الخرز، إذا خرزته قسمين، ويقال للخرز كتبة وجمعها كتب.
قال ذو المرّجة:
، ويحتمل أن يكون معناه على هذا التأويل: أنزل الله هذا الكتاب على لسان جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال أهل الإشارة: (ألف) : أنا، (لام) : لي، (ميم) : منّي.
وعن علي بن موسى الرضا عن جعفر الصادق، وقد سئل عن قوله: الم فقال: في الألف ست صفات من صفات الله: الابتداء لأنّ الله تعالى ابتدأ جميع الخلق، و (الألف).
ابتداء الحروف، والاستواء: فهو عادل غير جائر، و (الألف) مستو في ذاته، والانفراد: والله فرد والألف فرد، واتصال الخلق بالله، والله لا يتصل بالخلق، فهم يحتاجون إليه وله غنى عنهم.
وكذلك الألف لا يتصل بحرف، فالحروف متصلة: وهو منقطع عن غيره، والله باين بجميع صفاته من خلقه، ومعناه من الألفة، فكما أنّ الله سبب إلفة الخلق، فكذلك الألف عليه تألفت الحروف وهو سبب إلفتها.
وقالت الحكماء: عجز عقول الخلق في ابتداء خطابه، وهو محل الفهم، ليعلموا أن لا سبيل لأحد إلى معرفة حقائق خطابه إلّا بعلمهم، فالعجز عن معرفة الله حقيقة خطابه.
وأما محل الم من الإعراب فرفع بالابتداء وخبره فيما بعده.
وقيل: الم ابتداء، وذلِكَ ابتداء آخر والْكِتابُ خبره، وجملة الكلام خبر الابتداء الأول.
ذلِكَ: قرأت العامة ذلِكَ بفتح الذال، وكذلك هذه وهاتان، وأجاز أبو عمرو الإمالة في هذه، (ذ) للاسم، واللام عماد، والكاف خطاب، وهو إشارة إلى الغائب.
والْكِتابُ: بمعنى المكتوب كالحساب والعماد.
قال الشاعر:
| بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة | أتتك من الحجج تتلى كتابها «١» |
قال ذو المرّجة:
(١) جامع البيان للطبري: ٣/ ٣٤١.
140
وفراء غرفية أثاي خوارزها... مشلشل ضيعته فبينها الكتب «١»
ويقال: كتبت البغل، إذا حرمت من سفرتها الخلقة، ومنه قيل للجند كتيبة، وجمعها كتائب.
قال الشاعر:
وكتيبة جاءوا ترفل... في الحديد لها ذخر
واختلفوا في هذا الْكِتابُ قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك ومقاتل:
هو القرآن، وعلى هذا القول يكون (ذلِكَ) بمعنى (هذا) كقول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ «٢» أي هذه.
وقال خفاف بن ندبه السلمي:
إن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمدا على عين تيممت مالكا «٣»
أقول له الرمح يأطر متنه... تأمل خفافا إنني أنا ذالكا «٤»
يريد [هذا].
وروى أبو الضحى عن ابن عباس قال: معناه ذلِكَ الْكِتابُ الذي أخبرتك أن أوجّه إليك.
وقال عطاء بن السائب: ذلِكَ الْكِتابُ الذي وعدتكم يوم الميثاق.
وقال يمان بن رئاب: ذلِكَ الْكِتابُ الذي ذكرته في التوراة والإنجيل.
وقال سعيد بن جبير: هو اللوح المحفوظ.
عكرمة: هو التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة.
وقال الفراء: إنّ الله تعالى وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الردّ، فلمّا أنزل القرآن قال: هو الكتاب الذي وعدتك.
وقال ابن كيسان: تأويله أنّ الله تعالى أنزل قبل البقرة بضع عشرة سورة «٥» كذّب بكلها المشركون ثم أنزل سورة البقرة بعدها فقال: ذلِكَ الْكِتابُ يعني ما تقدم البقرة من القرآن.
وقيل: ذلِكَ الْكِتابُ الذي كذب به مالك بن الصيف اليهودي.
ويقال: كتبت البغل، إذا حرمت من سفرتها الخلقة، ومنه قيل للجند كتيبة، وجمعها كتائب.
قال الشاعر:
وكتيبة جاءوا ترفل... في الحديد لها ذخر
واختلفوا في هذا الْكِتابُ قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك ومقاتل:
هو القرآن، وعلى هذا القول يكون (ذلِكَ) بمعنى (هذا) كقول الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ «٢» أي هذه.
وقال خفاف بن ندبه السلمي:
إن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمدا على عين تيممت مالكا «٣»
أقول له الرمح يأطر متنه... تأمل خفافا إنني أنا ذالكا «٤»
يريد [هذا].
وروى أبو الضحى عن ابن عباس قال: معناه ذلِكَ الْكِتابُ الذي أخبرتك أن أوجّه إليك.
وقال عطاء بن السائب: ذلِكَ الْكِتابُ الذي وعدتكم يوم الميثاق.
وقال يمان بن رئاب: ذلِكَ الْكِتابُ الذي ذكرته في التوراة والإنجيل.
وقال سعيد بن جبير: هو اللوح المحفوظ.
عكرمة: هو التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة.
وقال الفراء: إنّ الله تعالى وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الردّ، فلمّا أنزل القرآن قال: هو الكتاب الذي وعدتك.
وقال ابن كيسان: تأويله أنّ الله تعالى أنزل قبل البقرة بضع عشرة سورة «٥» كذّب بكلها المشركون ثم أنزل سورة البقرة بعدها فقال: ذلِكَ الْكِتابُ يعني ما تقدم البقرة من القرآن.
وقيل: ذلِكَ الْكِتابُ الذي كذب به مالك بن الصيف اليهودي.
(١) الصحاح: ١/ ٢٠٨.
(٢) سورة الأنعام: ٨٣.
(٣) لسان العرب: ٣/ ٣٠٢.
(٤) جامع البيان للطبري: ١/ ١٤٣.
(٥) في المخطوط: سورا.
(٢) سورة الأنعام: ٨٣.
(٣) لسان العرب: ٣/ ٣٠٢.
(٤) جامع البيان للطبري: ١/ ١٤٣.
(٥) في المخطوط: سورا.
141
لا رَيْبَ فِيهِ: لا شكّ فيه، إنّه من عند الله.
قال: هُدىً: أي هو هدى، وتم الكلام عند قوله فِيهِ، وقيل: «هو» نصب على الحال، أي هاديا تقديره لا ريب في هدايته للمتقين.
قال أهل المعاني: ظاهره نفي وباطنه نهي، أي لا ترتابوا فيه، كقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ «١» : أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الهدى، والبيان وما يهتدي به ويستبين به الإنسان.
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ: اعلم أنّ التقوى أصله وقى «٢» من وقيت، فجعلت الواو تاء، كالتكلان فأصله وكلان من وكلت، والتخمة أصلها وخمة من وخم معدته إذا لم يستمرئ.
واختلف العلماء في معنى التقوى وحقيقة المتقي،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جماع التقوى في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ... «٣» الآية» «٤» [٦٢].
قال ابن عباس: المتقي الذي يتقي الشرك والكبائر والفواحش.
وقال ابن عمر: التقوى أن لا يرى [نفسه] خيرا من أحد.
وقال الحسن: المتقي الذي يقول لكل من رآه هذا خير مني.
وقال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار: حدّثني عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم، وقال: فما عملت فيه؟ قال: حذرت وتشمّرت، فقال كعب: ذلك التقوى، ونظمه ابن المعتز فقال:
خلّ الذنوب صغيرها... وكبيرها ذاك التقى
واضع كماش فوق أر... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحتقرنّ صغيرة... إنّ الجبال من الحصا «٥»
وقال عمر بن عبد العزيز: ليس التقوى قيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى ترك ما حرّم الله وأداء ما افترض الله، فما رزق بعد ذلك فهو خير على خير.
قال: هُدىً: أي هو هدى، وتم الكلام عند قوله فِيهِ، وقيل: «هو» نصب على الحال، أي هاديا تقديره لا ريب في هدايته للمتقين.
قال أهل المعاني: ظاهره نفي وباطنه نهي، أي لا ترتابوا فيه، كقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ «١» : أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الهدى، والبيان وما يهتدي به ويستبين به الإنسان.
فصل في التقوى
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ: اعلم أنّ التقوى أصله وقى «٢» من وقيت، فجعلت الواو تاء، كالتكلان فأصله وكلان من وكلت، والتخمة أصلها وخمة من وخم معدته إذا لم يستمرئ.
واختلف العلماء في معنى التقوى وحقيقة المتقي،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جماع التقوى في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ... «٣» الآية» «٤» [٦٢].
قال ابن عباس: المتقي الذي يتقي الشرك والكبائر والفواحش.
وقال ابن عمر: التقوى أن لا يرى [نفسه] خيرا من أحد.
وقال الحسن: المتقي الذي يقول لكل من رآه هذا خير مني.
وقال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار: حدّثني عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم، وقال: فما عملت فيه؟ قال: حذرت وتشمّرت، فقال كعب: ذلك التقوى، ونظمه ابن المعتز فقال:
خلّ الذنوب صغيرها... وكبيرها ذاك التقى
واضع كماش فوق أر... ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحتقرنّ صغيرة... إنّ الجبال من الحصا «٥»
وقال عمر بن عبد العزيز: ليس التقوى قيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى ترك ما حرّم الله وأداء ما افترض الله، فما رزق بعد ذلك فهو خير على خير.
(١) سورة البقرة: ١٩٧.
(٢) في المخطوط: وقوي.
(٣) سورة النحل: ٩٠.
(٤) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٢.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ١٦٢. [.....]
(٢) في المخطوط: وقوي.
(٣) سورة النحل: ٩٠.
(٤) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٢.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ١٦٢. [.....]
142
وقيل لطلق بن حبيب: أجمل لنا التقوى؟ فقال: التقوى عمل يطلبه الله على نور من الله رجاء ثواب الله، والتقوى ترك معصية الله على نور من الله مخافة عقاب الله.
وقال بكر بن عبد الله: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون يتقي الطمع، ويتقي الغضب.
وقال عمر بن عبد العزيز: المتقي لمحرم لا تحرم، يعني في الحرم.
وقال شهر بن حوشب: المتقي الذي يترك ما لا يأتمن به حذرا لما به بأس.
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّما سمي المتقون؟ لتركهم ما لا بأس به حذرا للوقوع فيما به بأس «١».
وقال سفيان الثوري والفضيل: هو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه.
وقال الجنيد بن محمد: ليس المتقي الذي يحب الناس ما يحب لنفسه، إنّما المتقي الذي يحب للناس أكثر مما يحب لنفسه، أتدرون ما وقع لأستاذي سري بن المفلّس؟ سلّم عليه ذات يوم صديق له فردّ عليه، وهو عابس لم يبشّ له، فقلت له في ذلك فقال: بلغني أنّ المرء المسلم إذا سلّم على أخيه وردّ عليه أخوه قسمت بينهما مائة رحمة، فتسعون لأجلهما، وعشرة للآخر فأحببت أن يكون له التسعون.
محمد بن علي الترمذي: هو الذي لا خصم له.
السري بن المفلّس: هو الذي يبغض نفسه.
الشبلي: هو الذي يبغي ما دون الله.
قال جعفر الصادق: أصدق كلمة قالت العرب قول لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل «٢»
الثوري: هو الذي اتّقى الدنيا وأقلها.
محمد بن يوسف المقري: مجانبة كل ما يبعدك عن الله.
القاسم بن القاسم: المحافظة على آداب الشريعة.
وقال أبو زيد: هو التورّع عن جميع الشبهات.
وقال أيضا: المتقي من إذا قال قال لله، وإذا سكت سكت لله، وإذا ذكر ذكر لله تعالى.
الفضيل: يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوّه كما يأمنه صديقه.
وقال بكر بن عبد الله: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون يتقي الطمع، ويتقي الغضب.
وقال عمر بن عبد العزيز: المتقي لمحرم لا تحرم، يعني في الحرم.
وقال شهر بن حوشب: المتقي الذي يترك ما لا يأتمن به حذرا لما به بأس.
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّما سمي المتقون؟ لتركهم ما لا بأس به حذرا للوقوع فيما به بأس «١».
وقال سفيان الثوري والفضيل: هو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه.
وقال الجنيد بن محمد: ليس المتقي الذي يحب الناس ما يحب لنفسه، إنّما المتقي الذي يحب للناس أكثر مما يحب لنفسه، أتدرون ما وقع لأستاذي سري بن المفلّس؟ سلّم عليه ذات يوم صديق له فردّ عليه، وهو عابس لم يبشّ له، فقلت له في ذلك فقال: بلغني أنّ المرء المسلم إذا سلّم على أخيه وردّ عليه أخوه قسمت بينهما مائة رحمة، فتسعون لأجلهما، وعشرة للآخر فأحببت أن يكون له التسعون.
محمد بن علي الترمذي: هو الذي لا خصم له.
السري بن المفلّس: هو الذي يبغض نفسه.
الشبلي: هو الذي يبغي ما دون الله.
قال جعفر الصادق: أصدق كلمة قالت العرب قول لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل «٢»
الثوري: هو الذي اتّقى الدنيا وأقلها.
محمد بن يوسف المقري: مجانبة كل ما يبعدك عن الله.
القاسم بن القاسم: المحافظة على آداب الشريعة.
وقال أبو زيد: هو التورّع عن جميع الشبهات.
وقال أيضا: المتقي من إذا قال قال لله، وإذا سكت سكت لله، وإذا ذكر ذكر لله تعالى.
الفضيل: يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوّه كما يأمنه صديقه.
(١) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٣.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٣٥١.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٣٥١.
143
وقال سهل: المتقي من تبرّأ من حوله وقوّته.
وقال: التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك من حيث أمرك.
وقيل: هو الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل: هو أن تتقي بقلبك عن الغفلات، وبنفسك من الشهوات، وبحلقك من اللذات، وبجوارحك من السيئات، فحينئذ يرجى لك الوصول لما ملك الأرض والسموات.
أبو القاسم (حكيم) : هو حسن الخلق.
وقال بعضهم: يستدل على تقوى الرجل بثلاث: بحسن التوكّل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر على ما فات.
وقيل: المتقي من اتّقى متابعة هواه.
وقال مالك: حدثنا وهب بن كيسان أنّ بعض فقهاء أهل المدينة كتب إلى عبد الله بن الزبير أنّ لأهل التقى علامات يعرفون بها: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر عند النعمة، والتذلل لأحكام القرآن.
وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشدّ محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح والسلطان الجائر.
وقال أبو تراب: بين يدي التقوى عقبات، من لا يجاوزها لا ينالها، اختيار الشدة على النعمة، واختيار القول على الفضول، واختيار الذلّ على العزّ، واختيار الجهد على الراحة، واختيار الموت على الحياة.
وقال بعض الحكماء: لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلّا إذا كان بحيث لو جعل ما في قلبه على طبق، فيطاف به في السوق لم يستحي من شيء عليها.
وقيل: التقوى أن تزيّن سرّك للحقّ، كما تزيّن علانيتك للخلق.
وقال أبو الدرداء:
وقال: التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك من حيث أمرك.
وقيل: هو الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل: هو أن تتقي بقلبك عن الغفلات، وبنفسك من الشهوات، وبحلقك من اللذات، وبجوارحك من السيئات، فحينئذ يرجى لك الوصول لما ملك الأرض والسموات.
أبو القاسم (حكيم) : هو حسن الخلق.
وقال بعضهم: يستدل على تقوى الرجل بثلاث: بحسن التوكّل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر على ما فات.
وقيل: المتقي من اتّقى متابعة هواه.
وقال مالك: حدثنا وهب بن كيسان أنّ بعض فقهاء أهل المدينة كتب إلى عبد الله بن الزبير أنّ لأهل التقى علامات يعرفون بها: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر عند النعمة، والتذلل لأحكام القرآن.
وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشدّ محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح والسلطان الجائر.
وقال أبو تراب: بين يدي التقوى عقبات، من لا يجاوزها لا ينالها، اختيار الشدة على النعمة، واختيار القول على الفضول، واختيار الذلّ على العزّ، واختيار الجهد على الراحة، واختيار الموت على الحياة.
وقال بعض الحكماء: لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلّا إذا كان بحيث لو جعل ما في قلبه على طبق، فيطاف به في السوق لم يستحي من شيء عليها.
وقيل: التقوى أن تزيّن سرّك للحقّ، كما تزيّن علانيتك للخلق.
وقال أبو الدرداء:
| يريد المرء أن يعطى مناه | ويأبى الله إلّا ما أرادا |
| يقول «١» المرء فائدتي وذخري | وتقوى الله أفضل ما استفادا «٢» |
(١) في المخطوط: ويقول.
(٢) الدرّ المنثور: ١/ ٢٥.
(٢) الدرّ المنثور: ١/ ٢٥.
144
فصل في الإيمان
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ اعلم أنّ حقيقة الإيمان هي التصديق بالقلب، لأن الخطاب الذي توجّه عليها بلفظ آمنوا إنّما هو بلسان العرب، ولم يكن العرب يعرفون «١» الإيمان غير التصديق، والنقل في اللغة لم يثبت فيه، إذ لو صح النقل عن اللغة لروي عن ذلك، كما روي في الصلاة التي أصلها الدعاء.
إذا كان الأمر كذلك وجب علينا أن نمتثل الأمر على ما يقتضيه لسانهم، كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه السّلام وبنيه وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا «٢» : أي بمصدق لنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ، ويدل عليه من هذه الآية أنّه لما ذكر الإيمان علّقه بالغيب، ليعلم أنّه تصديق الخبر فيما أخبر به من الغيب، ثم أفرده بالذكر عن سائر الطاعات اللازمة للأبدان وفي الأموال فقال: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ والدليل عليه أيضا أنّ الله تعالى حيث ما ذكر الإيمان [نسبه] «٣» إلى القلب فقال: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «٤»، وقال: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ»
، وقال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ «٦»، ونحوها كثير.
فأما محل الإسلام من الإيمان فهو كمحل الشمس من الضوء: كل شمس ضوء، وليس كل ضوء شمسا «٧»، وكل مسك طيب، وليس كل طيب مسكا، كذلك كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا، إذا لم يكن تصديقا لأن الإسلام هو الانقياد والخضوع، يدل عليه قوله تعالى:
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا «٨» من خوف السيف،
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«الإيمان سرا» «٩» [٦٣] وأشار إلى صدره «والإسلام علانية» «١٠» [٦٤]
، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان في قلبه» «١١» [٦٥].
وكذلك اختلف جوابه لجبرائيل في الإسلام والإيمان، فأجاب في الإيمان بالتصديق، وفي الإسلام بشرائع الإيمان، وهو ما
روى أبو بريده، وهو يحيى بن معمر قال: أول من قال في القدر بالبصرة سعيد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجّين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألناه عما يقول هو: ما في القدر؟ فوافقنا عبد الله ابن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن
(١) في المخطوط: يعرف.
(٢) سورة يوسف: ١٧.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) سورة المائدة: ٤١.
(٥) سورة النحل: ١٠٦.
(٦) سورة المجادلة: ٢٢.
(٧) في المخطوط: شمس.
(٨) سورة الحجرات: ١٤.
(٩) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٦.
(١٠) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٦. [.....]
(١١) كنز العمّال: ٣/ ٥٨٥، ح ٨٠٢١.
(٢) سورة يوسف: ١٧.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) سورة المائدة: ٤١.
(٥) سورة النحل: ١٠٦.
(٦) سورة المجادلة: ٢٢.
(٧) في المخطوط: شمس.
(٨) سورة الحجرات: ١٤.
(٩) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٦.
(١٠) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٦. [.....]
(١١) كنز العمّال: ٣/ ٥٨٥، ح ٨٠٢١.
145
شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام لي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنّه قد ظهر قبلنا أناس يقرءون القرآن ويفتقرون [إلى] «١» العلم وذكر من لسانهم أنّهم يزعمون أن لا قدر، وأنّ الأمر أنف، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنّهم برءاء مني، والذي يحلف به عبد الله ابن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم قال: أخبرنا أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسند ركبته إلى ركبته، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام أن يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه! قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وتؤمن بالقدر خيره وشره».
قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»، قال: فأخبرني عن إماراتها؟ قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة شاهقون في البنيان»، قال: ثم انطلق، فلبث علينا ثم قال: يا عمر من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّه جبرائيل عليه السّلام أتاكم ليعلمكم دينكم» «٢».
ثم يسمى اقرار اللسان وأعمال الأبدان إيمانا بوجه من المناسبة وضرب من المقاربة لأنها من شرائعه وتوابعه وعلاماته وإماراته كما نقول: رأيت الفرح في وجه فلان، ورأيت علم زيد في تصنيفه وإنّما الفرج والعلم في القلب،
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وسبعون بابا، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها شهادة «٣» أن لا إله إلّا الله» [٦٦] «٤».
وعن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» [٦٧] «٥».
الحسن بن علي قال: حدثني علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان» [٦٨] «٦».
ثم قال: أخبرنا أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسند ركبته إلى ركبته، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام أن يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه! قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وتؤمن بالقدر خيره وشره».
قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»، قال: فأخبرني عن إماراتها؟ قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة شاهقون في البنيان»، قال: ثم انطلق، فلبث علينا ثم قال: يا عمر من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّه جبرائيل عليه السّلام أتاكم ليعلمكم دينكم» «٢».
ثم يسمى اقرار اللسان وأعمال الأبدان إيمانا بوجه من المناسبة وضرب من المقاربة لأنها من شرائعه وتوابعه وعلاماته وإماراته كما نقول: رأيت الفرح في وجه فلان، ورأيت علم زيد في تصنيفه وإنّما الفرج والعلم في القلب،
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وسبعون بابا، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها شهادة «٣» أن لا إله إلّا الله» [٦٦] «٤».
وعن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» [٦٧] «٥».
الحسن بن علي قال: حدثني علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان» [٦٨] «٦».
(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) صحيح مسلم: ١/ ٢٨- ٢٩ بطوله.
(٣) في المصدر: وارفعها قول.
(٤) مسند أحمد: ٢/ ٤٤٥، وكنز العمّال: ١/ ٣٦.
(٥) صحيح مسلم: ١/ ٤٦.
(٦) المعجم الأوسط: ٦/ ٢٢٦.
(٢) صحيح مسلم: ١/ ٢٨- ٢٩ بطوله.
(٣) في المصدر: وارفعها قول.
(٤) مسند أحمد: ٢/ ٤٤٥، وكنز العمّال: ١/ ٣٦.
(٥) صحيح مسلم: ١/ ٤٦.
(٦) المعجم الأوسط: ٦/ ٢٢٦.
146
وعن علي بن الحسين زين العابدين قال: حدثنا أبي سيد شباب أهل الجنة قال: حدثنا أبي سيد الأوصياء قال: حدثنا محمّد سيد الأنبياء قال: «الإيمان قول مقول وعمل معمول وعرفان بالعقول واتباع الرسول» [٧٢] «١».
وامّا الغيب فهو ما كان مغيّبا عن العيون محصّلا في القلوب وهو مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب، كما قيل للصائم: صوم، وللزائر: زور، وللعادل: عدل.
الربيع بن أبي العالية يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: يؤمنون بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كلّه.
عمر بن الأسود عن عطاء بن أبي رباح: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: بالله، من آمن بالله فقد آمن بالغيب «٢».
سفيان عن عاصم بن أبي النجود في قوله يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: الغيب: القرآن. وقال الكلبي: بما نزل من القرآن وبما لم يجيء بعد.
الضحاك: الغيب لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وقال زرّ بن حبيش وابن جريج وابن واقد: يعني بالوحي، نظيره قوله تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى «٣» وقوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً «٤» وقوله: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «٥».
الحسن: يعني بالآخرة. عبد الله بن هاني: هو ما غاب عنهم من علوم القرآن.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) انه قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم جالسا فقال: «أتدرون أي أهل الأيمان أفضل؟» قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال:
«هم كذلك وحقّ لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم الله تعالى بالمنزلة التي أنزلهم، بل غيرهم».
قلنا: يا رسول الله الأنبياء؟ قال: «هم كذلك وحقّ لهم ذلك وما يمنعهم، بل غيرهم»، قلنا: يا رسول الله فمن هم؟ قال: «أقوام يأتون من بعدي هم في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يرونني، يجدون الورق المعلّق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا» [٧٣] «٦».
وروى حسن إن الحرث بن قيس عن عبد الله بن مسعود: عند الله يحتسب ما سبقتمونا إليه يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال عبد الله بن مسعود: نحن عند الله نحتسب إيمانكم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولم تروه، ثم قال عبد الله: إنّ أمر محمد كان بيّنا لمن رآه والذي لا اله الّا
وامّا الغيب فهو ما كان مغيّبا عن العيون محصّلا في القلوب وهو مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب، كما قيل للصائم: صوم، وللزائر: زور، وللعادل: عدل.
الربيع بن أبي العالية يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: يؤمنون بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث، فهذا غيب كلّه.
عمر بن الأسود عن عطاء بن أبي رباح: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: بالله، من آمن بالله فقد آمن بالغيب «٢».
سفيان عن عاصم بن أبي النجود في قوله يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: الغيب: القرآن. وقال الكلبي: بما نزل من القرآن وبما لم يجيء بعد.
الضحاك: الغيب لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وقال زرّ بن حبيش وابن جريج وابن واقد: يعني بالوحي، نظيره قوله تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى «٣» وقوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً «٤» وقوله: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «٥».
الحسن: يعني بالآخرة. عبد الله بن هاني: هو ما غاب عنهم من علوم القرآن.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) انه قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم جالسا فقال: «أتدرون أي أهل الأيمان أفضل؟» قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال:
«هم كذلك وحقّ لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم الله تعالى بالمنزلة التي أنزلهم، بل غيرهم».
قلنا: يا رسول الله الأنبياء؟ قال: «هم كذلك وحقّ لهم ذلك وما يمنعهم، بل غيرهم»، قلنا: يا رسول الله فمن هم؟ قال: «أقوام يأتون من بعدي هم في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يرونني، يجدون الورق المعلّق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا» [٧٣] «٦».
وروى حسن إن الحرث بن قيس عن عبد الله بن مسعود: عند الله يحتسب ما سبقتمونا إليه يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال عبد الله بن مسعود: نحن عند الله نحتسب إيمانكم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولم تروه، ثم قال عبد الله: إنّ أمر محمد كان بيّنا لمن رآه والذي لا اله الّا
(١) تفسير مجمع البيان: ١/ ٨٦.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٣.
(٣) سورة النجم: ٣٥.
(٤) سورة الجن: ٢٦.
(٥) سورة التكوير: ٢٤.
(٦) مسند أبي يعلى: ١/ ١٤٧.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٣.
(٣) سورة النجم: ٣٥.
(٤) سورة الجن: ٢٦.
(٥) سورة التكوير: ٢٤.
(٦) مسند أبي يعلى: ١/ ١٤٧.
147
هو ما آمن مؤمن أفضل من إيمان الغيب، ثمّ قرأ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي يديمونها ويأتمونها ويحافظون عليها بمواقيتها وركوعها وسجودها وحقوقها وحدودها، وكل من واظب على شيء وقام به فهو مقيم له يقال أقام فلان الحجّ بالناس، وأقام القوم [سوقهم] «١» ولم يعطلوها قال الشاعر:
أي أراد بالصلاة هاهنا الصلوات الخمس، فذكرها بلفظ الواحد، كقوله: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ «٣» أراد الكتب، وأصل الصلاة في اللغة: الدّعاء، ثمّ ضمّت إليها [عبادة] سميت مجموعها صلاة لأن الغالب على هذه العبادة الدّعاء.
وقال أبو حاتم الخارزمي: اشتقاقها من الصّلا وهو النار، فأصله من الرفق وحسن المعاناة للشيء وذلك إنّ الخشبة المعوجّة إذا أرادوا تقويمها [سحنوها بالنار] قوموها [بين خشبتين] فلذلك المصلّي ينبغي أن يتأنى في صلاته ويحفظ حدودها ظاهرا وباطنا ولا يعجّل فيها ولا يخفّ [ولا يعرف] قال الشاعر:
أي ما قوّم أمرك كالمباني.
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم، والرزق عند أهل السنّة: ما صحّ الانتفاع به، فإن كان طعاما فليتغدّى به، وان كان لباسا فلينقى والتوقي، وإن كان مسكنا فللانتفاع به سكنى، وقد ينتفع المنتفع بما هيّئ الانتفاع به على الوجهين: حلالا وحراما، فلذلك قلنا إنّ الله رزق الحلال والحرام، [وأصل الرزق] في اللغة: هو الحظ والبخت.
يُنْفِقُونَ يتصدقون، وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد أو عن الملك. يقال: نفق المبيع إذا كثر مشتروه وأسرع خروجه، ونفقت الدابة إذا خرجت روحها، ونافقاء اليربوع من ذلك لأنه إذا أتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق وأنفق إن خرج منه «٤»، والنفق: سرب في الأرض له مخلص إلى مكان آخر يخرج إليه.
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ: أي يصدّقون بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: يا محمد يعني القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: يعني الكتب المتقدمة مثل صحف إبراهيم وموسى والزّبور والإنجيل وغيرها.
| فلا تعجل بأمرك واستدمه | فما صلّى عصاك [كمستديم] «٢» |
وقال أبو حاتم الخارزمي: اشتقاقها من الصّلا وهو النار، فأصله من الرفق وحسن المعاناة للشيء وذلك إنّ الخشبة المعوجّة إذا أرادوا تقويمها [سحنوها بالنار] قوموها [بين خشبتين] فلذلك المصلّي ينبغي أن يتأنى في صلاته ويحفظ حدودها ظاهرا وباطنا ولا يعجّل فيها ولا يخفّ [ولا يعرف] قال الشاعر:
| فلا تعجّل بأمرك واستدمه | فما صلّى عصاك كمستديم |
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم، والرزق عند أهل السنّة: ما صحّ الانتفاع به، فإن كان طعاما فليتغدّى به، وان كان لباسا فلينقى والتوقي، وإن كان مسكنا فللانتفاع به سكنى، وقد ينتفع المنتفع بما هيّئ الانتفاع به على الوجهين: حلالا وحراما، فلذلك قلنا إنّ الله رزق الحلال والحرام، [وأصل الرزق] في اللغة: هو الحظ والبخت.
يُنْفِقُونَ يتصدقون، وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد أو عن الملك. يقال: نفق المبيع إذا كثر مشتروه وأسرع خروجه، ونفقت الدابة إذا خرجت روحها، ونافقاء اليربوع من ذلك لأنه إذا أتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق وأنفق إن خرج منه «٤»، والنفق: سرب في الأرض له مخلص إلى مكان آخر يخرج إليه.
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ: أي يصدّقون بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: يا محمد يعني القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: يعني الكتب المتقدمة مثل صحف إبراهيم وموسى والزّبور والإنجيل وغيرها.
(١) زيادة عن تفسير الطبري: ١/ ١٥٢ والمخطوط ممسوح. [.....]
(٢) تاج العروس: ٨/ ٢٩٥.
(٣) سورة البقرة: ٢١٣.
(٤) راجع كتاب العين: ٥/ ١٧٨.
(٢) تاج العروس: ٨/ ٢٩٥.
(٣) سورة البقرة: ٢١٣.
(٤) راجع كتاب العين: ٥/ ١٧٨.
148
وَبِالْآخِرَةِ أي بالدار الآخرة، وسمّيت آخرة لأنّها تكون بعد الدّنيا ولأنّها أخّرت حتى تفنى الدنيا ثم تكون.
هُمْ يُوقِنُونَ يعلمون ويتيقّنون أنها كائنة، ودخل (هُمْ) تأكيدا، يسمّيه الكوفيون عمادا والبصريون فصلا.
أُولئِكَ أهل هذه الصفة، وأولاء: اسم مبني على الكسر، ولا واحد له من لفظه، والكاف خطاب، ومحل أُولئِكَ رفع بالابتداء وخبره في قوله: عَلى هُدىً رشد وبيان وصواب. مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ ابتدائان وهُمُ عماد الْمُفْلِحُونَ خبر الابتداء وهم الناجون الفائزون فازوا بالجنّة ونجوا من النار، وقيل: هم الباقون في الثواب والنعيم المقيم.
وأصل الفلاح في اللغة: البقاء. قال لبيد:
نحلّ بلادا كلها حل قبلنا... ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير «١»
وقال آخر:
لو كان حي مدرك الفلاح... أدركه ملاعب الرماح
أبو براء يدرة المسياح «٢»
وقال مجاهد: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدهما نزلت في الكافرين، وثلاث عشرة آية بعدها نزلت في المنافقين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: يعني مشركي العرب، وقال الضحّاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته. وقال الكلبي: يعني اليهود، وقيل: المنافقون.
والكفر: هو الجحود والإنكار.
وأصله من الكفر وهو التغطية والسّتر، ومنه قيل للحراث: كافر لأنّه [يستر البذر]، قال الله تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ «٣» : يعني الزرّاع، وقيل للبحر: كافر، ولليل: كافر. قال لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر... وأجن عورات الثغور ظلامها «٤»
في ليلة كفر النجوم غمامها «٥»
هُمْ يُوقِنُونَ يعلمون ويتيقّنون أنها كائنة، ودخل (هُمْ) تأكيدا، يسمّيه الكوفيون عمادا والبصريون فصلا.
أُولئِكَ أهل هذه الصفة، وأولاء: اسم مبني على الكسر، ولا واحد له من لفظه، والكاف خطاب، ومحل أُولئِكَ رفع بالابتداء وخبره في قوله: عَلى هُدىً رشد وبيان وصواب. مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ ابتدائان وهُمُ عماد الْمُفْلِحُونَ خبر الابتداء وهم الناجون الفائزون فازوا بالجنّة ونجوا من النار، وقيل: هم الباقون في الثواب والنعيم المقيم.
وأصل الفلاح في اللغة: البقاء. قال لبيد:
نحلّ بلادا كلها حل قبلنا... ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير «١»
وقال آخر:
لو كان حي مدرك الفلاح... أدركه ملاعب الرماح
أبو براء يدرة المسياح «٢»
وقال مجاهد: أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدهما نزلت في الكافرين، وثلاث عشرة آية بعدها نزلت في المنافقين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: يعني مشركي العرب، وقال الضحّاك: نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته. وقال الكلبي: يعني اليهود، وقيل: المنافقون.
والكفر: هو الجحود والإنكار.
وأصله من الكفر وهو التغطية والسّتر، ومنه قيل للحراث: كافر لأنّه [يستر البذر]، قال الله تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ «٣» : يعني الزرّاع، وقيل للبحر: كافر، ولليل: كافر. قال لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر... وأجن عورات الثغور ظلامها «٤»
في ليلة كفر النجوم غمامها «٥»
(١) تفسير الطبري: ١/ ١٨٢.
(٢) تاج العروس: ٢/ ١٤٦ لسان العرب: ٢/ ٤٥٤ وفيه: (أبا براء مدرة السياح)، والمسياح: من يسيح بالنميمة والشر في الأرض.
(٣) سورة الحديد: ٢٠.
(٤) لسان العرب: ٥/ ١٤٧.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ١٦٢.
(٢) تاج العروس: ٢/ ١٤٦ لسان العرب: ٢/ ٤٥٤ وفيه: (أبا براء مدرة السياح)، والمسياح: من يسيح بالنميمة والشر في الأرض.
(٣) سورة الحديد: ٢٠.
(٤) لسان العرب: ٥/ ١٤٧.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ١٦٢.
149
ومنه: المتكفّر بالسلاح، وهو الشاكي الذي غطّى السلاح جميع بدنه.
فيسمى الكافر كافرا لأنه ساتر للحق ولتوحيد الله ونعمه ولنبوّة أنبيائه.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ: أي واحد عليهم ومتساوي لديهم، وهو اسم مشتق من التساوي.
أَأَنْذَرْتَهُمْ: أخوّفتهم وحذّرتهم.
قال أهل المعاني: الإنذار والإعلام مع تحذير، يقال: أنذرتهم فنذروا، أي أعلمتهم فعلموا، وفي المثل: وقد أعذر من أنذر، وفي قوله: أَأَنْذَرْتَهُمْ وأخواتها أربع قراءات:
تحقيق الهمزتين وهي لغة تميم وقراءة أهل الكوفة لأنها ألف الاستفهام دخلت على ألف القطع وحذف الهمزة التي وصلت بفاء الفعل وتعويض مده منها كراهة الجمع بين الهمزتين وهي لغة أهل الحجاز، وإدخال ألف بين الهمزتين وهي قراءة أهل الشام في رواية هشام وإحدى الروايتين عن أبي عمرو.
قال الشاعر:
تطاولت فاستشرقت قرابته... فقلن له: أأنت زيد لا بل قمر «١»
والأخبار اكتفاء بجواب الاستفهام، وهي قراءة الزهري.
أَمْ: حرف عطف على الاستفهام.
لَمْ: حرف جزم لا يلي إلّا الفصل لأنّ الجزم مختص بالأفعال.
تُنْذِرْهُمْ: تحذرهم لا يُؤْمِنُونَ وهذه الآية خاصّة فيمن حقّت عليه كلمة العذاب في سابق علم الله، وظاهرها إنشاء ومعناها إخبار، ثمّ ذكر سبب تركهم للإيمان فقال:
خَتَمَ اللَّهُ: أي طبع عَلى قُلُوبِهِمْ والختم والطبع بمعنى واحد وهما التغطية للشيء [والاستيثاق] «٢» من أن يدخله شيء آخر.
فمعنى الآية: طبع الله على قلوبهم وأغلقها وأقفلها فليست تعي خبرا ولا تفهمه. يدل عليه قوله: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها «٣».
وقال بعضهم: معنى الطبع والختم: حكم الله عليهم بالكفر والشقاوة كما يقال للرجل:
ختمت عليك أن لا تفلح أبدا.
وَعَلى سَمْعِهِمْ: فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وإنما وحّده لأنه مصدر، والمصادر
فيسمى الكافر كافرا لأنه ساتر للحق ولتوحيد الله ونعمه ولنبوّة أنبيائه.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ: أي واحد عليهم ومتساوي لديهم، وهو اسم مشتق من التساوي.
أَأَنْذَرْتَهُمْ: أخوّفتهم وحذّرتهم.
قال أهل المعاني: الإنذار والإعلام مع تحذير، يقال: أنذرتهم فنذروا، أي أعلمتهم فعلموا، وفي المثل: وقد أعذر من أنذر، وفي قوله: أَأَنْذَرْتَهُمْ وأخواتها أربع قراءات:
تحقيق الهمزتين وهي لغة تميم وقراءة أهل الكوفة لأنها ألف الاستفهام دخلت على ألف القطع وحذف الهمزة التي وصلت بفاء الفعل وتعويض مده منها كراهة الجمع بين الهمزتين وهي لغة أهل الحجاز، وإدخال ألف بين الهمزتين وهي قراءة أهل الشام في رواية هشام وإحدى الروايتين عن أبي عمرو.
قال الشاعر:
تطاولت فاستشرقت قرابته... فقلن له: أأنت زيد لا بل قمر «١»
والأخبار اكتفاء بجواب الاستفهام، وهي قراءة الزهري.
أَمْ: حرف عطف على الاستفهام.
لَمْ: حرف جزم لا يلي إلّا الفصل لأنّ الجزم مختص بالأفعال.
تُنْذِرْهُمْ: تحذرهم لا يُؤْمِنُونَ وهذه الآية خاصّة فيمن حقّت عليه كلمة العذاب في سابق علم الله، وظاهرها إنشاء ومعناها إخبار، ثمّ ذكر سبب تركهم للإيمان فقال:
خَتَمَ اللَّهُ: أي طبع عَلى قُلُوبِهِمْ والختم والطبع بمعنى واحد وهما التغطية للشيء [والاستيثاق] «٢» من أن يدخله شيء آخر.
فمعنى الآية: طبع الله على قلوبهم وأغلقها وأقفلها فليست تعي خبرا ولا تفهمه. يدل عليه قوله: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها «٣».
وقال بعضهم: معنى الطبع والختم: حكم الله عليهم بالكفر والشقاوة كما يقال للرجل:
ختمت عليك أن لا تفلح أبدا.
وَعَلى سَمْعِهِمْ: فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وإنما وحّده لأنه مصدر، والمصادر
(١) كذا في المخطوط، ولم نجده.
(٢) المخطوط غير مقروء وما أثبتناه من تفسير القرطبي: ١/ ١٨٦.
(٣) سورة محمد: ٢٤.
(٢) المخطوط غير مقروء وما أثبتناه من تفسير القرطبي: ١/ ١٨٦.
(٣) سورة محمد: ٢٤.
150
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰇ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰈ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰉ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﰊ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰋ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰌ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰍ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰎ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰏ
لا تثنّى ولا تجمع، وقيل: أراد سمع كل واحد منهم كما يقال: آتني برأس كبشين، أراد برأس كل واحد منهما، قال الشاعر:
وقال سيبويه: توحيد السمع يدل على الجمع لأنه لا توحيد جمعين كقوله تعالى:
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ»
يعني الأنوار.
قال الراعي:
وقرأ ابن عبلة: وعلى أسماعهم، وتم الكلام عند قوله وَعَلى سَمْعِهِمْ.
ثم قال: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ: أي غطاء وحجاب، فلا يرون الحق، ومنه غاشية السرج، وقرأ المفضل بن محمد الضبي: غِشاوَةً بالنصب كأنّه أضمر له فعلا أو جملة على الختم: أي وختم على أبصارهم غشاوة. يدل عليه قوله تعالى: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «٤».
وقرأ الحسن: غُشاوَةٌ بضم الغين، وقرأ الخدري: غَشاوَةٌ بفتح الغين، وقرأ أصحاب عبد الله: غشوة بفتح الغين من غير ألف.
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ: القتل والأسر في الدنيا، والعذاب الأليم في العقبى، والعذاب كلّ ما يعنّي الإنسان ويشقّ عليه، ومنه: عذّبه السواط ما فيها من وجود الألم، وقال الخليل:
العذاب ما يمنع الإنسان من مراده، ومنه: الماء العذب لأنه يمنع من العطش، ثم نزلت في المنافقين: عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي، ومعتب بن بشر، وجدّ بن قيس وأصحابهم حين قالوا: تعالوا إلى خلة نسلم بها من محمد وأصحابه ونكون مع ذلك مستمسكين بديننا، فأجمعوا على أن يقرّوا كلمة الإيمان بألسنتهم واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود. فقال الله:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
| كلوا في نصف بطنكم تعيشوا | فإن زمانكم زمن خميص «١» |
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ»
يعني الأنوار.
قال الراعي:
| بها جيف الحسرى فأما عظامها | فبيض وأما جلدها فصليب «٣» |
ثم قال: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ: أي غطاء وحجاب، فلا يرون الحق، ومنه غاشية السرج، وقرأ المفضل بن محمد الضبي: غِشاوَةً بالنصب كأنّه أضمر له فعلا أو جملة على الختم: أي وختم على أبصارهم غشاوة. يدل عليه قوله تعالى: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «٤».
وقرأ الحسن: غُشاوَةٌ بضم الغين، وقرأ الخدري: غَشاوَةٌ بفتح الغين، وقرأ أصحاب عبد الله: غشوة بفتح الغين من غير ألف.
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ: القتل والأسر في الدنيا، والعذاب الأليم في العقبى، والعذاب كلّ ما يعنّي الإنسان ويشقّ عليه، ومنه: عذّبه السواط ما فيها من وجود الألم، وقال الخليل:
العذاب ما يمنع الإنسان من مراده، ومنه: الماء العذب لأنه يمنع من العطش، ثم نزلت في المنافقين: عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي، ومعتب بن بشر، وجدّ بن قيس وأصحابهم حين قالوا: تعالوا إلى خلة نسلم بها من محمد وأصحابه ونكون مع ذلك مستمسكين بديننا، فأجمعوا على أن يقرّوا كلمة الإيمان بألسنتهم واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود. فقال الله:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ١٦]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
(١) زاد المسير: ١/ ٢٢.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٣) قائله علقمة بن عبدة راجع ديوانه: ٢٧ وتفسير الطبري: ٤/ ٣٢٤. [.....]
(٤) سورة الجاثية: ٢٣.
(٢) سورة البقرة: ٢٥٧.
(٣) قائله علقمة بن عبدة راجع ديوانه: ٢٧ وتفسير الطبري: ٤/ ٣٢٤. [.....]
(٤) سورة الجاثية: ٢٣.
151
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا: صدّقنا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ: أي يوم القيامة «١».
قال الله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ والناس: هم جماعة من الحيوان المتميّز بالصورة الإنسانية، وهو جمع إنسان، وإنسان في الأصل إنسيان بالياء، فأسقطوا الياء منه ونقلوا حركته إلى السين فصار إنسانا الا ترى إنّك إذا صغرته رددت الياء إليه فقلت: أنيسيان، واختلف العلماء في تسميته بهذا الاسم: فقال ابن عباس: سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي. قال الله تعالى وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ «٢»، وقال الشاعر:
وسمّيت إنسانا لأنك ناسي «٣»
وقال بعض أهل المعاني: سمّي إنسانا لظهوره وقدس البصير إياه من قولك: آنست كذا:
أي أبصرت. فقال الله تعالى آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً «٤» وقيل: لأنه استأنس به، وقيل:
لما خلق الله آدم آنسه بزوجته فسمّي إنسانا.
يُخادِعُونَ اللَّهَ: أي يخالفون الله ويكذّبونه، وأصل الخدع في اللغة: الإخفاء، ومنه قيل [للبيت الذي يحيا فيه المتاع] مخدع، والمخادع يظهر خلاف ما يضمر، وقال بعضهم: أصل الخداع في لغة: الفساد، قال الشاعر:
أي فسد.
فيكون معناه: ليفسدون بما أضمروا بأنفسهم وبما أضمروا في قلوبهم، وقيل معناه:
يُخادِعُونَ اللَّهَ بزعمهم وفي ظنّهم، يعني إنهم اجترءوا على الله حتى أنهم ظنّوا أنهم يخادعون، وهذا كقوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً «٦» يعني بظنّك وعلى زعمك.
وقيل: معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع فيما بينهم. وقيل: معناه يخادعون رسوله،
قال الله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ والناس: هم جماعة من الحيوان المتميّز بالصورة الإنسانية، وهو جمع إنسان، وإنسان في الأصل إنسيان بالياء، فأسقطوا الياء منه ونقلوا حركته إلى السين فصار إنسانا الا ترى إنّك إذا صغرته رددت الياء إليه فقلت: أنيسيان، واختلف العلماء في تسميته بهذا الاسم: فقال ابن عباس: سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي. قال الله تعالى وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ «٢»، وقال الشاعر:
وسمّيت إنسانا لأنك ناسي «٣»
وقال بعض أهل المعاني: سمّي إنسانا لظهوره وقدس البصير إياه من قولك: آنست كذا:
أي أبصرت. فقال الله تعالى آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً «٤» وقيل: لأنه استأنس به، وقيل:
لما خلق الله آدم آنسه بزوجته فسمّي إنسانا.
يُخادِعُونَ اللَّهَ: أي يخالفون الله ويكذّبونه، وأصل الخدع في اللغة: الإخفاء، ومنه قيل [للبيت الذي يحيا فيه المتاع] مخدع، والمخادع يظهر خلاف ما يضمر، وقال بعضهم: أصل الخداع في لغة: الفساد، قال الشاعر:
| أبيض اللون لذيذ طعمه | طيّب الرّيق إذا الريق خدع «٥» |
فيكون معناه: ليفسدون بما أضمروا بأنفسهم وبما أضمروا في قلوبهم، وقيل معناه:
يُخادِعُونَ اللَّهَ بزعمهم وفي ظنّهم، يعني إنهم اجترءوا على الله حتى أنهم ظنّوا أنهم يخادعون، وهذا كقوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً «٦» يعني بظنّك وعلى زعمك.
وقيل: معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع فيما بينهم. وقيل: معناه يخادعون رسوله،
(١) راجع تفسير الطبري: ١٠/ ٢٤٣ وأسباب النزول للواحدي: ١٧٤.
(٢) سورة طه: ١١٥.
(٣) جاء بنحو النثر لا الشعر في لسان العرب: ٦/ ١١.
(٤) سورة القصص: ٢٩.
(٥) لسان العرب: ٨/ ٦٥.
(٦) سورة طه: ٩٧.
(٢) سورة طه: ١١٥.
(٣) جاء بنحو النثر لا الشعر في لسان العرب: ٦/ ١١.
(٤) سورة القصص: ٢٩.
(٥) لسان العرب: ٨/ ٦٥.
(٦) سورة طه: ٩٧.
152
كقوله: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ «١» أي أسخطونا، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ «٢» أي أولياء الله لأن الله سبحانه لا يؤذى ولا يخادع، فبيّن الله تعالى أنّ من آذى نبيا من أنبيائه ووليا من أوليائه استحق العقوبة كما لو آذى رسوله وخادعه. يدل عليه
الخبر المروي: إن الله تعالى يقول: من آذى وليا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة «٣».
وقيل: إنّ ذكر الله سبحانه في قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ تحسين وتزيين لسامع الكلام، والمقصد بالمخادعة للذين آمنوا كقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ «٤». ثم المخادعة على قدر المعاجلة وأكثر المفاضلة إنّما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين، كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة، وقد يكون أيضا من واحد كقولك: طارقت النعل، وعاقبت اللصّ، وعافاك الله، قال الله عزّ وجلّ: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «٥» وقال: قاتَلَهُمُ اللَّهُ «٦» والمخادعة ها هنا عبارة عن الفعل الذي يختص بالواحد في حين الله تعالى لا يكون منه الخداع.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم: آمنا، وهم غير مؤمنين، وقال بعضهم: من خداعهم المؤمنين: هو أنّهم كانوا يجالسون المؤمنين ويخالطونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدّونهم من أنفسهم فيبثون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم. قال الله تعالى:
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأن وبال خداعهم راجع إليهم كأنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم وذلك أنّ الله تعالى لمطلع نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم على أسرارهم ونفاقهم، فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى.
قال أهل الإشارة: إنما يخادع من لا يعرف البواطن، فأما من عرف البواطن فإنّ من خادعه فإنما يخدع نفسه.
واختلف القرّاء في قوله: وَما يَخْدَعُونَ فقرأ شيبة ونافع وابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء: يُخادِعُونَ بالألف جعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد، وقد ذكرنا خبره وتصديقها الحرف الأول، وقوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ لم يختلفوا فيه إلّا ما روي عن أبي حمزة الشامي إنه قرأ: (يخدعون الله) وقرأ الباقون وَما يَخْدَعُونَ على أشهر اللغتين وأضبطهما واختاره أبو عبيد.
الخبر المروي: إن الله تعالى يقول: من آذى وليا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة «٣».
وقيل: إنّ ذكر الله سبحانه في قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ تحسين وتزيين لسامع الكلام، والمقصد بالمخادعة للذين آمنوا كقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ «٤». ثم المخادعة على قدر المعاجلة وأكثر المفاضلة إنّما تجيء في الفعل المشترك بين اثنين، كالمقاتلة والمضاربة والمشاتمة، وقد يكون أيضا من واحد كقولك: طارقت النعل، وعاقبت اللصّ، وعافاك الله، قال الله عزّ وجلّ: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «٥» وقال: قاتَلَهُمُ اللَّهُ «٦» والمخادعة ها هنا عبارة عن الفعل الذي يختص بالواحد في حين الله تعالى لا يكون منه الخداع.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أي ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم: آمنا، وهم غير مؤمنين، وقال بعضهم: من خداعهم المؤمنين: هو أنّهم كانوا يجالسون المؤمنين ويخالطونهم حتى يأنس بهم المؤمنون ويعدّونهم من أنفسهم فيبثون إليهم أسرارهم فينقلونها إلى أعدائهم. قال الله تعالى:
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأن وبال خداعهم راجع إليهم كأنهم في الحقيقة يخدعون أنفسهم وذلك أنّ الله تعالى لمطلع نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم على أسرارهم ونفاقهم، فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب الشديد في العقبى.
قال أهل الإشارة: إنما يخادع من لا يعرف البواطن، فأما من عرف البواطن فإنّ من خادعه فإنما يخدع نفسه.
واختلف القرّاء في قوله: وَما يَخْدَعُونَ فقرأ شيبة ونافع وابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء: يُخادِعُونَ بالألف جعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد، وقد ذكرنا خبره وتصديقها الحرف الأول، وقوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ لم يختلفوا فيه إلّا ما روي عن أبي حمزة الشامي إنه قرأ: (يخدعون الله) وقرأ الباقون وَما يَخْدَعُونَ على أشهر اللغتين وأضبطهما واختاره أبو عبيد.
(١) سورة الزخرف: ٥٥.
(٢) سورة الأحزاب: ٥٧.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ١٣٧.
(٤) سورة الأنفال: ٤١.
(٥) سورة الأعراف: ٢١.
(٦) سورة التوبة: ٣٠.
(٢) سورة الأحزاب: ٥٧.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ١٣٧.
(٤) سورة الأنفال: ٤١.
(٥) سورة الأعراف: ٢١.
(٦) سورة التوبة: ٣٠.
153
وَما يَشْعُرُونَ «١» وما يعلمون إنها كذلك.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ ونفاق، ومنه يقال: فلان يمرض في الوعد إذا لم يصحّحه، وأصل المرض: الضّعف والفتور. فسمّي الشك في الدّين والنفاق [مرض به] يضعف البدن وينقص قواه ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب، كما أن المرض في البدن يؤدي إلى الهلاك والموت.
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً شكّا ونفاقا وهلاكا.
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم، وهو بمعنى مؤلم كقول عمرو بن معدي كرب:
أي المسمع: يعني خيالها.
بِما كانُوا يَكْذِبُونَ: (ما) مصدرية، أي بتكذيبهم على الله ورسوله في السرّ.
وقرأ أهل الكوفة: بفتح الياء وتخفيف الذال، أي بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.
وَإِذا: حرف توقيت بمعنى حينئذ، وهي تؤذن بوقوع الفعل المنتظر وفيها معنى الجزاء، قِيلَ: فعل ماض مجهول، وكان في الأصل قول مثل قيل، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت كسرتها إلى فاء الفعل فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، هذه اللغة العالية وعليها العامة وهي اختيار أبي عبيد.
وقرأ الكسائي ويعقوب: قيل، وغيض، وحيل، وسيق، وجيء، وشيء وشيت بإشمام الضمّة فيها لتكون دالة على الواو المنقلبة، وفاصلة بين الصّدر والمصدر.
لَهُمْ: يعني المنافقين، وقيل: اليهود. قال لهم المؤمنون: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعصية وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد والقرآن، وقال الضحّاك: تبديل الملّة وتغيير السّنة وتحريف كتاب الله.
قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا: كلمة تنبيه إِنَّهُمْ: هُمُ عماد وتأكيد الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ: ما أعدّ لهم من العذاب.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني: [قال] «٣» المؤمنون لليهود: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ وهم عبد الله ابن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ ونفاق، ومنه يقال: فلان يمرض في الوعد إذا لم يصحّحه، وأصل المرض: الضّعف والفتور. فسمّي الشك في الدّين والنفاق [مرض به] يضعف البدن وينقص قواه ولأنه يؤدي إلى الهلاك بالعذاب، كما أن المرض في البدن يؤدي إلى الهلاك والموت.
فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً شكّا ونفاقا وهلاكا.
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم، وهو بمعنى مؤلم كقول عمرو بن معدي كرب:
| أمن ريحانة الداعي المسيع | يؤرّقني وأصحابي هجوع «٢» |
بِما كانُوا يَكْذِبُونَ: (ما) مصدرية، أي بتكذيبهم على الله ورسوله في السرّ.
وقرأ أهل الكوفة: بفتح الياء وتخفيف الذال، أي بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.
وَإِذا: حرف توقيت بمعنى حينئذ، وهي تؤذن بوقوع الفعل المنتظر وفيها معنى الجزاء، قِيلَ: فعل ماض مجهول، وكان في الأصل قول مثل قيل، فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت كسرتها إلى فاء الفعل فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، هذه اللغة العالية وعليها العامة وهي اختيار أبي عبيد.
وقرأ الكسائي ويعقوب: قيل، وغيض، وحيل، وسيق، وجيء، وشيء وشيت بإشمام الضمّة فيها لتكون دالة على الواو المنقلبة، وفاصلة بين الصّدر والمصدر.
لَهُمْ: يعني المنافقين، وقيل: اليهود. قال لهم المؤمنون: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعصية وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد والقرآن، وقال الضحّاك: تبديل الملّة وتغيير السّنة وتحريف كتاب الله.
قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا: كلمة تنبيه إِنَّهُمْ: هُمُ عماد وتأكيد الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ: ما أعدّ لهم من العذاب.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني: [قال] «٣» المؤمنون لليهود: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ وهم عبد الله ابن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب.
(١) سورة البقرة: ٩. [.....]
(٢) لسان العرب: ٨/ ١٦٤.
(٣) زياد لإتمام المعنى.
(٢) لسان العرب: ٨/ ١٦٤.
(٣) زياد لإتمام المعنى.
154
قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ الجهّال. قال الله: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ بأنهم كذلك، وقيل: لا يؤدون العلم حقّه، وقال المؤرّخ: السفيه: البهّات الكذّاب المتعمّد لخلاف ما يعلم.
قطرب: السفيه: العجول الظلوم يعمل خلاف الحق.
واختلف القرّاء في قوله: السُّفَهاءُ أَلا فحقّق بعضهم الهمزتين، وهو مذهب أهل الكوفة ولغة تميم.
وأما أبو عمرو وأهل الحجاز فإنّهم همزوا الأولى وليّنوا الثانية طلبا للخفّة، واختار الفرّاء حذف الأولى وهمز الثانية، واحتج بأن ما يستأنف- أي بالهمزة- مما يسكت عليه.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا.
قال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن أبيّ بن سلول الخزرجي عظيم المنافقين من رهط سعد بن عبادة، وكان إذا لقى سعدا قال: نعم الدين دين محمد، وكان إذا رجع إلى رؤساء قومه. قالوا: هل نكفر؟ قال: سدّوا أيديكم بدين آبائكم. فأنزل الله هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ محتجا به، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: عبد الله بن أبيّ لأصحابه: أنظروا كيف أدرأ هؤلاء السّفهاء عنكم. فذهب وأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصّدّيق سيّد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، والباذل نفسه وماله له. ثمّ أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيّد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثمّ أخذ بيد علي فقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه سيّد بني هاشم ما خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال علي: كف لله واتق الله ولا تنافق، فإنّ المنافقين شر خليقة الله، فقال له عبد الله: مهلا أبا الحسن إليّ تقول هذا، والله إنّ إيماننا كإيمانكم وتصدّيقنا كتصديقكم ثمّ افترقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت. فأثنوا عليه خيرا، وقالوا: لا نزال معك ما عشت، فرجع المسلمون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه بذلك، فأنزل الله وَإِذا لَقُوا أي رأوا، يعني المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه
، كان (لَقُوا) في الأصل (لقيوا) فاستثقلت الضمة على الياء فبسطت على القاف وسكنت الواو والياء ساكنة فحذفت لاجتماعهما.
وقرأ محمد بن السميقع: وإذا لاقوا وهما بمعنى واحد.
الَّذِينَ آمَنُوا: يعني أبا بكر وأصحابه قالُوا آمَنَّا كأيمانكم. وَإِذا خَلَوْا رجعوا، ويجوز أن تكون من الخلوة، تقول: خلوت به وخلوت إليه، وخلوت معه، كلها بمعنى واحد.
قطرب: السفيه: العجول الظلوم يعمل خلاف الحق.
واختلف القرّاء في قوله: السُّفَهاءُ أَلا فحقّق بعضهم الهمزتين، وهو مذهب أهل الكوفة ولغة تميم.
وأما أبو عمرو وأهل الحجاز فإنّهم همزوا الأولى وليّنوا الثانية طلبا للخفّة، واختار الفرّاء حذف الأولى وهمز الثانية، واحتج بأن ما يستأنف- أي بالهمزة- مما يسكت عليه.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا.
قال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن أبيّ بن سلول الخزرجي عظيم المنافقين من رهط سعد بن عبادة، وكان إذا لقى سعدا قال: نعم الدين دين محمد، وكان إذا رجع إلى رؤساء قومه. قالوا: هل نكفر؟ قال: سدّوا أيديكم بدين آبائكم. فأنزل الله هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ محتجا به، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: عبد الله بن أبيّ لأصحابه: أنظروا كيف أدرأ هؤلاء السّفهاء عنكم. فذهب وأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصّدّيق سيّد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، والباذل نفسه وماله له. ثمّ أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيّد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثمّ أخذ بيد علي فقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه سيّد بني هاشم ما خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال علي: كف لله واتق الله ولا تنافق، فإنّ المنافقين شر خليقة الله، فقال له عبد الله: مهلا أبا الحسن إليّ تقول هذا، والله إنّ إيماننا كإيمانكم وتصدّيقنا كتصديقكم ثمّ افترقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت. فأثنوا عليه خيرا، وقالوا: لا نزال معك ما عشت، فرجع المسلمون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه بذلك، فأنزل الله وَإِذا لَقُوا أي رأوا، يعني المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه
، كان (لَقُوا) في الأصل (لقيوا) فاستثقلت الضمة على الياء فبسطت على القاف وسكنت الواو والياء ساكنة فحذفت لاجتماعهما.
وقرأ محمد بن السميقع: وإذا لاقوا وهما بمعنى واحد.
الَّذِينَ آمَنُوا: يعني أبا بكر وأصحابه قالُوا آمَنَّا كأيمانكم. وَإِذا خَلَوْا رجعوا، ويجوز أن تكون من الخلوة، تقول: خلوت به وخلوت إليه، وخلوت معه، كلها بمعنى واحد.
155
وقال النضر بن شميل: إِلى ها هنا بمعنى (مع) كقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ «١» : أي مع نسائكم، وقوله: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «٢» وقوله:
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ «٣» النابغة:
أي مع الناس.
وقال آخر:
أي مع جؤجؤ.
إِلى شَياطِينِهِمْ: أي رؤسائهم وكبرائهم وقادتهم وكهنتهم.
قال ابن عباس: هم خمسة نفر من اليهود، ولا يكون كاهن إلّا ومعه شيطان تابع له: كعب ابن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم، وعبد الله في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السّوداء بالشام.
والشيطان: المتمرد العاصي من الجن والإنس، ومن كل شيء، ومنه قيل: للحيّة النضناض «٦» : الشيطان، قال الله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ «٧» أي الحيات، وتقول العرب: اتّق تلك الدابة فإنّها شيطان.
وفي الحديث: «إذا مرّ الرجل بين يدي أحدكم وهو يمتطي فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنّه شيطان».
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّه نظر الى رجل يتبع حماما طائرا فقال: «شيطان يتبع شيطانا «٨» »
[٧٤] «٩».
مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ «٣» النابغة:
| ولا تتركنّي بالوعيد كأنني | إلى الناس مطليّ به القار أجرب «٤» |
وقال آخر:
| ولوح ذراعين في بركة | إلى جؤجؤ رهل المنكب «٥» |
إِلى شَياطِينِهِمْ: أي رؤسائهم وكبرائهم وقادتهم وكهنتهم.
قال ابن عباس: هم خمسة نفر من اليهود، ولا يكون كاهن إلّا ومعه شيطان تابع له: كعب ابن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم، وعبد الله في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السّوداء بالشام.
والشيطان: المتمرد العاصي من الجن والإنس، ومن كل شيء، ومنه قيل: للحيّة النضناض «٦» : الشيطان، قال الله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ «٧» أي الحيات، وتقول العرب: اتّق تلك الدابة فإنّها شيطان.
وفي الحديث: «إذا مرّ الرجل بين يدي أحدكم وهو يمتطي فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنّه شيطان».
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّه نظر الى رجل يتبع حماما طائرا فقال: «شيطان يتبع شيطانا «٨» »
[٧٤] «٩».
(١) سورة البقرة: ١٨٧.
(٢) سورة النساء: ٢.
(٣) آل عمران: ٥٢.
(٤) لسان العرب: ١٥/ ٤٣٥.
(٥) لسان العرب: ٣/ ١٥٦.
(٦) النضناض من الحيّات: التي أخرجت لسانها تحركه، أو التي لا تستقر في مكان، أو التي إذا نهشت قتلت من ساعتها.
(٧) سورة الصافات: ٦٥.
(٨) وفي بعض المصادر: شيطانه.
(٩) مسند أحمد: ٢/ ٣٤٥ كنز العمال: ١٥/ ٢١٨.
(٢) سورة النساء: ٢.
(٣) آل عمران: ٥٢.
(٤) لسان العرب: ١٥/ ٤٣٥.
(٥) لسان العرب: ٣/ ١٥٦.
(٦) النضناض من الحيّات: التي أخرجت لسانها تحركه، أو التي لا تستقر في مكان، أو التي إذا نهشت قتلت من ساعتها.
(٧) سورة الصافات: ٦٥.
(٨) وفي بعض المصادر: شيطانه.
(٩) مسند أحمد: ٢/ ٣٤٥ كنز العمال: ١٥/ ٢١٨.
156
أراد الراعي الخبيث الداعي.
ويحكى عن بعضهم إنه قال في تضاعيف كلامه: وكل ذلك حين ركبني شيطان قيل له:
وأي الشياطين ركبك؟ قال: الغضب.
وقال أبو النجم:
قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أي على دينكم وأنصاركم.
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بمحمد وأصحابه.
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم جزاء استهزائهم، فسمّي الجزاء باسم الابتداء إذ كان مثله في الصورة كقوله جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «٢» فسمّي جزاء السيئة سيئة.
وقال عمرو بن كلثوم:
وقال آخر:
فسمّى الجزاء ظلما.
وقيل: معناه: الله يوبّخهم ويعرضهم ويخطّئ فعلهم لأنّ الاستهزاء والسخرية عند العرب العيب والتجهيل، كما يقال: إنّ فلانا يستهزأ به منذ اليوم، أي يعاب. قال الله إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها «٤» أي تعاب، وقال أخبارا عن نوح عليه السّلام: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ «٥».
وقال الحسن: معناه: الله يظهر المؤمنين على نفاقهم.
وقال ابن عباس: هو أن الله يطلع المؤمنين يوم القيامة وهم في الجنة على المنافقين وهم في النار، فيقولون لهم: أتحبّون أن تدخلوا الجنة، فيقولون: نعم فيفتح لهم باب من الجنة، ويقال لهم: ادخلوا فيسبحون ويتقلبون في النار، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عليهم، وردّوا إلى
ويحكى عن بعضهم إنه قال في تضاعيف كلامه: وكل ذلك حين ركبني شيطان قيل له:
وأي الشياطين ركبك؟ قال: الغضب.
وقال أبو النجم:
| إنّي وكل شاعر من البشر | شيطانه أنثى وشيطاني ذكر «١» |
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بمحمد وأصحابه.
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم جزاء استهزائهم، فسمّي الجزاء باسم الابتداء إذ كان مثله في الصورة كقوله جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «٢» فسمّي جزاء السيئة سيئة.
وقال عمرو بن كلثوم:
| ألا لا يجهلنّ أحد علينا | فنجهل فوق جهل الجاهلينا «٣» |
| نجازيهم كيل الصواع بما أتوا | ومن يركب ابن العمّ بالظلم يظلم |
وقيل: معناه: الله يوبّخهم ويعرضهم ويخطّئ فعلهم لأنّ الاستهزاء والسخرية عند العرب العيب والتجهيل، كما يقال: إنّ فلانا يستهزأ به منذ اليوم، أي يعاب. قال الله إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها «٤» أي تعاب، وقال أخبارا عن نوح عليه السّلام: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ «٥».
وقال الحسن: معناه: الله يظهر المؤمنين على نفاقهم.
وقال ابن عباس: هو أن الله يطلع المؤمنين يوم القيامة وهم في الجنة على المنافقين وهم في النار، فيقولون لهم: أتحبّون أن تدخلوا الجنة، فيقولون: نعم فيفتح لهم باب من الجنة، ويقال لهم: ادخلوا فيسبحون ويتقلبون في النار، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عليهم، وردّوا إلى
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٩/ ٤٢٥.
(٢) سورة الشورى: ٤٠.
(٣) لسان العرب: ٣/ ١٧٧ و ٨/ ٦٤. [.....]
(٤) سورة النساء: ١٤٠.
(٥) سورة هود: ٣٨.
(٢) سورة الشورى: ٤٠.
(٣) لسان العرب: ٣/ ١٧٧ و ٨/ ٦٤. [.....]
(٤) سورة النساء: ١٤٠.
(٥) سورة هود: ٣٨.
157
النار ويضحك المؤمنون منهم، فذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ»
إلى قوله: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ «٢».
الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمر بناس من الناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها ووجدوا رائحتها ونظروا إلى ما أعدّ الله فيها لأهلها من الكرامة، نودوا: أن اصرفوهم عنها. قال: ويرجعون بحسرة وندامة لم يرجع الخلائق بمثلها. فيقولون: يا ربّنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا. فيقول الله جل جلاله: هذه الذي أردت بكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلّوني وكنتم تراؤون الناس بأعمالكم خلاف ما كنتم ترونني من قلوبكم. فاليوم أذيقكم من عذابي مع ما حرمتكم من ثوابي» [٧٥] «٣».
وقيل: هو خذلانه إياهم وحرمانهم التوفيق والهداية.
وهو قوله فيما بعد: وَيَمُدُّهُمْ يتركهم، ويمهلهم ويطيل لهم، وأصله: الزيادة، ويقال:
مدّ النهر، ومدّة: زمن آخر.
وقرأ ابن محيصن وشبل: وَيُمِدُّهُمْ بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد لأنّ المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير. قال الله عزّ وجلّ في المد: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا «٤»، وقال في الإمداد: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ «٥» وقال: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ «٦»، وقال: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ «٧».
فِي طُغْيانِهِمْ كفرهم وضلالتهم وجهالتهم، وأصل الطغيان: مجاوزة القدر، يقال:
ميزان فيه طغيان، أي مجاوزة للقدر في الإستواء. قال الله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ «٨» أي جاوز حدّه الذي قدّر له، وقال لفرعون: إِنَّهُ طَغى «٩» أي أسرف في الدعوى حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «١٠».
يَعْمَهُونَ يمضون، يترددون في الضلالة متحيرين.
يقال: عمه يعمه عمها وعموها، وعمها فهو عمه، وعامه: إذا كان جائرا عن الحق. قال رؤبة:
إلى قوله: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ «٢».
الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمر بناس من الناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها ووجدوا رائحتها ونظروا إلى ما أعدّ الله فيها لأهلها من الكرامة، نودوا: أن اصرفوهم عنها. قال: ويرجعون بحسرة وندامة لم يرجع الخلائق بمثلها. فيقولون: يا ربّنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا. فيقول الله جل جلاله: هذه الذي أردت بكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلّوني وكنتم تراؤون الناس بأعمالكم خلاف ما كنتم ترونني من قلوبكم. فاليوم أذيقكم من عذابي مع ما حرمتكم من ثوابي» [٧٥] «٣».
وقيل: هو خذلانه إياهم وحرمانهم التوفيق والهداية.
وهو قوله فيما بعد: وَيَمُدُّهُمْ يتركهم، ويمهلهم ويطيل لهم، وأصله: الزيادة، ويقال:
مدّ النهر، ومدّة: زمن آخر.
وقرأ ابن محيصن وشبل: وَيُمِدُّهُمْ بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد لأنّ المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير. قال الله عزّ وجلّ في المد: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا «٤»، وقال في الإمداد: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ «٥» وقال: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ «٦»، وقال: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ «٧».
فِي طُغْيانِهِمْ كفرهم وضلالتهم وجهالتهم، وأصل الطغيان: مجاوزة القدر، يقال:
ميزان فيه طغيان، أي مجاوزة للقدر في الإستواء. قال الله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ «٨» أي جاوز حدّه الذي قدّر له، وقال لفرعون: إِنَّهُ طَغى «٩» أي أسرف في الدعوى حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «١٠».
يَعْمَهُونَ يمضون، يترددون في الضلالة متحيرين.
يقال: عمه يعمه عمها وعموها، وعمها فهو عمه، وعامه: إذا كان جائرا عن الحق. قال رؤبة:
| ومهمه أطرافه في مهمه | أعمى الهدى بالجاهلين العمّه «١١» |
(١) سورة المطففين: ٢٩.
(٢) سورة المطففين: ٣٤.
(٣) كنز العمال: ٣/ ٤٨٤ بتفاوت.
(٤) سورة مريم: ٧٩.
(٥) سورة الإسراء: ٦.
(٦) سورة المؤمنون: ٥٥.
(٧) سورة نوح: ١٢.
(٨) سورة الحاقة: ١١.
(٩) سورة طه: ٢٤.
(١٠) سورة النازعات: ٢٤.
(١١) لسان العرب: ١٣/ ٥١٩.
(٢) سورة المطففين: ٣٤.
(٣) كنز العمال: ٣/ ٤٨٤ بتفاوت.
(٤) سورة مريم: ٧٩.
(٥) سورة الإسراء: ٦.
(٦) سورة المؤمنون: ٥٥.
(٧) سورة نوح: ١٢.
(٨) سورة الحاقة: ١١.
(٩) سورة طه: ٢٤.
(١٠) سورة النازعات: ٢٤.
(١١) لسان العرب: ١٣/ ٥١٩.
158
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى:
قال ابن عباس: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، ومعناه: إنهم استبدلوا الكفر على الإيمان، وإنّما أخرجه بلفظ الشّرى والتجارة توسّعا لأن الشرى والتجارة راجعان إلى الاستبدال والإختيار وذلك أنّ كل واحد من البيعين يختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه، وقال الشاعر:
أي اختار النصرانية على الإسلام.
وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق: اشْتَرَوِا الضَّلالَةَ بكسر الواو لأنّ الجزم يحرّك الى الكسرة العدوى بفتحها حركة إلى أخف الحركات.
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ: أي فما ربحوا في تجارتهم.
تقول العرب: ربح بيعك، وخسرت صفقتك، ونام ليلك. أي ربحت وخسرت في بيعك، ونمت في ليلك.
قال الله عزّ وجلّ: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ «٢»، وقال: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «٣».
قال الشاعر:
وقال آخر:
وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة: (فما ربحت تجاراتهم) بالجمع.
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: من الضلالة، وقال: مصيبين في تجاراتهم.
قال سفيان الثوري: كلكم تاجر فلينظر امرؤ ما تجارته؟ قال الله فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وقال: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «٦».
قال ابن عباس: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، ومعناه: إنهم استبدلوا الكفر على الإيمان، وإنّما أخرجه بلفظ الشّرى والتجارة توسّعا لأن الشرى والتجارة راجعان إلى الاستبدال والإختيار وذلك أنّ كل واحد من البيعين يختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه، وقال الشاعر:
| أخذت بالجمّة رأسا إزعرا | وبالثنايا الواضحات الدّردرا |
| وبالطويل العمر عمرا جيدرا | كما اشترى المسلم إذ تنصّرا «١» |
وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق: اشْتَرَوِا الضَّلالَةَ بكسر الواو لأنّ الجزم يحرّك الى الكسرة العدوى بفتحها حركة إلى أخف الحركات.
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ: أي فما ربحوا في تجارتهم.
تقول العرب: ربح بيعك، وخسرت صفقتك، ونام ليلك. أي ربحت وخسرت في بيعك، ونمت في ليلك.
قال الله عزّ وجلّ: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ «٢»، وقال: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «٣».
قال الشاعر:
| وأعور من نيهان أمّا نهاره | فأعمى وأمّا ليله فبصير «٤» |
| حارث قد فرّجت عنّي همّي | فنام ليلي وتجلّى غمّي «٥» |
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: من الضلالة، وقال: مصيبين في تجاراتهم.
قال سفيان الثوري: كلكم تاجر فلينظر امرؤ ما تجارته؟ قال الله فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وقال: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «٦».
(١) التبيان- الطوسي-: ١/ ٨٣. [.....]
(٢) سورة محمد: ٢١.
(٣) سورة سبأ: ٣٣.
(٤) جامع البيان للطبري: ١/ ٢٠٢.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ٢٠٢.
(٦) سورة الصف: ١٠.
(٢) سورة محمد: ٢١.
(٣) سورة سبأ: ٣٣.
(٤) جامع البيان للطبري: ١/ ٢٠٢.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ٢٠٢.
(٦) سورة الصف: ١٠.
159
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)مَثَلُهُمْ شبههم. كَمَثَلِ الَّذِي بمعنى الذين، دليله سياق الآية نظير قوله تعالى:
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ثم قال أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «١».
وقال الشاعر:
| وانّ الذي حانت بفلج دماؤهم | هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد «٢» |
قال الشاعر:
| وداع دعانا من يجيب الى النّدى | فلم يستجبه عند ذاك مجيب «٣» |
وقرأ محمد بن السميقع (ضاءت) بغير ألف. و (حَوْلَهُ) نصب على الظرف.
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ أي أذهب الله نورهم، وإنما قال: (بِنُورِهِمْ) والمذكور في أوّل الآية النار لأنّ النار شيئان النّور والحرارة فذهب نورهم وبقيت الحرارة عليهم.
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ: قال ابن عباس وقتادة والضحّاك ومقاتل والسدي:
نزلت هذه الآية في المنافقين. يقول: مثلهم في كفرهم ونفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستضاء بها فاستدفأ ورأى ما حوله فاتّقى ما يحذر ويخاف فأمن، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيّرا، كذلك المنافقون إذا أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها واعتزّوا بعزّها وناكحوا المسلمين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم وأمّنوا على أموالهم وأولادهم، فإذا ماتوا عادوا الى الخوف والظلمة وهووا في العذاب والنقمة.
(١) سورة البقرة: ١٧٧.
(٢) كتاب العين: ٨/ ٢٠٩، بدل (بفلح) كلمة (بفلج).
(٣) لسان العرب: ١/ ٢٨٣.
(٢) كتاب العين: ٨/ ٢٠٩، بدل (بفلح) كلمة (بفلج).
(٣) لسان العرب: ١/ ٢٨٣.
160
وقال مجاهد: إضاءة النار: إقبالهم الى المسلمين والهدى، وذهاب نورهم: إقبالهم الى المشركين والضّلالة.
سعيد بن جبير ومحمد بن كعب وعطاء، ويمان بن رئاب: نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم وإيمانهم به واستفتاحهم به على مشركي العرب، فلمّا خرج كفروا به، وذلك بأنّ قريظة والنضير وبنو قينقاع قدموا من الشام الى يثرب حتى انقطعت النبوة من بني إسرائيل وأفضت الى العرب، فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنبوة وأنّ أمّته خير الأمم وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يقال له: عبد الله بن هيبان قبل أن يوحي الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّ سنة فيعظهم على طاعة الله تعالى وإقامة التوراة والإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم رسول إذا خرج: فلا تفرّقوا عنه وانصروه وقد كنت أطمع أن أدركه، ثمّ مات قبل خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقبلوا منه، ثم لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفروا به فضرب الله لهم هذا المثل.
وقال الضحاك: لمّا أضاءت النار أرسل الله عليه ريحا قاصفا فأطفأها، فكذلك اليهود كلّما أوقدوا نارا لحرب محمد صلّى الله عليه وسلّم أَطْفَأَهَا اللَّهُ.
ثم وصفهم جميعا فقال: صُمٌّ: أي هم صمّ عن الهدى فلا يسمعون.
بُكْمٌ: عنه فلا يقولون.
عُمْيٌ: عنه فلا يرونه.
وقيل: صُمٌّ يتصاممون عن سماع الحقّ، بُكْمٌ يتباكمون عن قول الحقّ، عُمْيٌ يتعامون عن النظر الى الحق بغير اعتبار.
وقرأ عبد الله: صمّا بكما عميا على معنى وتركهم كذلك، وقيل: على الذّم، وقيل:
على الحال.
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ عن الضلالة والكفر الى الهداية والإيمان.
ثم قال: أَوْ كَصَيِّبٍ هذا مثل آخر ضربه الله لهم أيضا معطوف على المثل الأوّل مجازه: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ومثلهم أيضا كَصَيِّبٍ.
قال أهل المعاني: (أَوْ) بمعنى الواو، يريد وكصيّب، كقوله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ «١» وأنشد الفرّاء:
سعيد بن جبير ومحمد بن كعب وعطاء، ويمان بن رئاب: نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم وإيمانهم به واستفتاحهم به على مشركي العرب، فلمّا خرج كفروا به، وذلك بأنّ قريظة والنضير وبنو قينقاع قدموا من الشام الى يثرب حتى انقطعت النبوة من بني إسرائيل وأفضت الى العرب، فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنبوة وأنّ أمّته خير الأمم وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يقال له: عبد الله بن هيبان قبل أن يوحي الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّ سنة فيعظهم على طاعة الله تعالى وإقامة التوراة والإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم رسول إذا خرج: فلا تفرّقوا عنه وانصروه وقد كنت أطمع أن أدركه، ثمّ مات قبل خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقبلوا منه، ثم لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفروا به فضرب الله لهم هذا المثل.
وقال الضحاك: لمّا أضاءت النار أرسل الله عليه ريحا قاصفا فأطفأها، فكذلك اليهود كلّما أوقدوا نارا لحرب محمد صلّى الله عليه وسلّم أَطْفَأَهَا اللَّهُ.
ثم وصفهم جميعا فقال: صُمٌّ: أي هم صمّ عن الهدى فلا يسمعون.
بُكْمٌ: عنه فلا يقولون.
عُمْيٌ: عنه فلا يرونه.
وقيل: صُمٌّ يتصاممون عن سماع الحقّ، بُكْمٌ يتباكمون عن قول الحقّ، عُمْيٌ يتعامون عن النظر الى الحق بغير اعتبار.
وقرأ عبد الله: صمّا بكما عميا على معنى وتركهم كذلك، وقيل: على الذّم، وقيل:
على الحال.
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ عن الضلالة والكفر الى الهداية والإيمان.
ثم قال: أَوْ كَصَيِّبٍ هذا مثل آخر ضربه الله لهم أيضا معطوف على المثل الأوّل مجازه: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ومثلهم أيضا كَصَيِّبٍ.
قال أهل المعاني: (أَوْ) بمعنى الواو، يريد وكصيّب، كقوله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ «١» وأنشد الفرّاء:
| وقد زعمت سلمى بأنّي فاجر | لنفسي تقاها أو عليها فجورها «٢» |
(١) سورة البقرة: ١٠٨.
(٢) لسان العرب: ١٤/ ٥٥.
(٢) لسان العرب: ١٤/ ٥٥.
161
وأنشد أبو عبيدة:
وأصله من صاب يصوب صوبا إذا نزل.
قال الشاعر:
وقال امرأ القيس:
فسمّي المطر صيّبا لأنّه ينزل من السماء.
واختلف النّحاة في وزنه من الفعل، فقال البصريون: هو على وزن فيعل بكسر العين، ولا يوجد هذا المثال إلّا في المعتل نحو سيّد وميّت وليّن وهيّن وضيّق وطيّب، وأصله صهيوب، فجعلت الواو ياء فأدغمت إحدى الياءين في الأخرى.
وقال الكوفيون: هو وأمثاله على وزن فعيل بكسر العين وأصله: صييب فاستثقلت الكسرة على الياء فسكّنت وأدغمت إحداهما في الأخرى وحرّكت الى الكسر.
والسماء: كلّ ما علاك فأظلك «٣» وأصله: سماو لأنه من سما يسمو، فقلبت الواو همزة لأنّ الألف لا تخلو من مدّة وتلك المدّة كالحركة، وهو من أسماء الأجناس، يكون واحدا أو جمعا، قال الله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ «٤» ثم قال: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ «٥».
وقيل: هو جمع واحدتها سماوة، والسموات جمع الجمع.
قال الرّاجز:
فِيهِ أي في الصيّب، وقيل: في الليل كناية عن [ضمير] مذكور، وقيل: في السماء لأنّ المراد بالسماء السّحاب، وقيل: هو عائد الى السماء على لغة من يذكرها.
| يصيب قد راح يروي الغدرا | [فاستوعب] الأرض لمّا أن سرا |
قال الشاعر:
| فلست لإنسي ولكن لملاك | تنزّل من جوّ السماء يصوب «١» |
| كأن المدام وصوب الغمام | وريح الخزامي ونشر القطر «٢» |
واختلف النّحاة في وزنه من الفعل، فقال البصريون: هو على وزن فيعل بكسر العين، ولا يوجد هذا المثال إلّا في المعتل نحو سيّد وميّت وليّن وهيّن وضيّق وطيّب، وأصله صهيوب، فجعلت الواو ياء فأدغمت إحدى الياءين في الأخرى.
وقال الكوفيون: هو وأمثاله على وزن فعيل بكسر العين وأصله: صييب فاستثقلت الكسرة على الياء فسكّنت وأدغمت إحداهما في الأخرى وحرّكت الى الكسر.
والسماء: كلّ ما علاك فأظلك «٣» وأصله: سماو لأنه من سما يسمو، فقلبت الواو همزة لأنّ الألف لا تخلو من مدّة وتلك المدّة كالحركة، وهو من أسماء الأجناس، يكون واحدا أو جمعا، قال الله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ «٤» ثم قال: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ «٥».
وقيل: هو جمع واحدتها سماوة، والسموات جمع الجمع.
قال الرّاجز:
| سماوة الهلال حتى احقوقفا | طي الليالي زلفا فزلفا «٦» |
(١) لسان العرب: ١٠/ ٣٩٤، وتاج العروس: ١/ ٣٣٩.
(٢) تاج العروس: ٣/ ٥٦٥.
(٣) لسان العرب: ١٤/ ٣٩٨.
(٤) سورة البقرة: ٢٩. [.....]
(٥) سورة البقرة: ٢٩.
(٦) لسان العرب: ٩/ ٥٢، ولكن العبارة هكذا:
فِي رَيْبٍ أي في شك وتهمة.
مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا محمد يعني القرآن.
فَأْتُوا لم يأتوا بمثله، لأنّ الله علم عجزهم عنه.
بِسُورَةٍ أصلها في قول بعضهم: من أسارت، أي أفضلت فحذفت الهمزة كأنّها قطعة من القرآن، وقيل: هي الدرجة الرفيعة، وأصلها من سورة البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة:
مِنْ مِثْلِهِ يعني مثل القرآن، و (من) صلة كقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ «٣».
كقول النابغة:
أي أحدا.
وقيل في قوله: (مِثْلِهِ) : راجعة الى محمد صلّى الله عليه وسلّم ومعناه: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي من رجل أمّي لا يحسن الخط والكتابة.
وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ يعني استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله.
وقال مجاهد والقرظي: ناسا يشهدون لكم.
وإنما ذكر الاستعانة بلفظ الدعاء على عادة العرب في دعائهم القائل في الحروب والشدائد: [ياك.....] «٤».
قال الشاعر:
كنت لهم من النّصارى جارا «١»
أي فكنت لهم.
وقال أكثر المفسرين: أرادوا كما فعل بنو الجانّ قاسوا بالشاهد على الغائب، وقال بعض أهل المعاني: فيه إضمار واختصار معناه: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ؟ أم تجعل فيها من لا يفسد ولا يسفك الدماء؟ لقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ «٢» يعني كمن هو غير قانت، وهو اختيار الحسن بن الفضل.
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.
قال الحسن: يقولون: سبحان الله وبحمده، وهو صلاة الخلق وتسبيحهم وعليها يرزقون.
يدل عليه
الحديث المروي عن أبي ذر إنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفاه الله تعالى لملائكته: سبحان الله وبحمده» [٧٩] «٣».
وقيل: معناه: ونحن نصلي لك بأمرك، والتسبيح يكون بمعنى التنزيه ويكون بمعنى الصلاة، ومنه قيل: للصلاة سبحة، وقيل: معناه: نصلي، ونقرأ فيها فاتحة الكتاب.
وَنُقَدِّسُ لَكَ وننزهك واللام صلة، وقيل: هي لام الأجل، أي ونطهّر لأجلك قلوبنا من الشرك بك [وأبداننا] من معصيتك.
وقال بعض العلماء: في الآية تقديم وتأخير مجازها: ونحن نسبّح ونقدّس لك بحمدك لأنّه إذا حملت الآية على التأويل الأول تنافي قول الملائكة المتزكية بالإدلال بالعمل، وإذا حملت على هذا التأويل ضاهى قولهم التحدّث بنعمة الله واضافة [.....] «٤» إلى الله فكأنّهم قالوا: وأن سبّحنا وقدّسنا وأطعنا وعبدنا فذلك كله بحمدك لا بأنفسنا، قال الله:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ من استخلافي في الأرض ووجه المصلحة فيه، فلا تعترضوا عليّ في حكمي وتدبيري، وقيل: أراد أني أعلم أنّ في من استخلفه في الأرض: أنبياء وأولياء وعلماء وصلحاء، وقيل: أني أعلم إنّهم يذنبون وأغفر لهم.
قال بعض الحكماء: إنّ الله تعالى أخرج [أدم] من الجنّة قبل أن يدخله فيها «٥». لقوله
(٢) تاج العروس: ٣/ ٥٦٥.
(٣) لسان العرب: ١٤/ ٣٩٨.
(٤) سورة البقرة: ٢٩. [.....]
(٥) سورة البقرة: ٢٩.
(٦) لسان العرب: ٩/ ٥٢، ولكن العبارة هكذا:
| طي الليالي زلفا فزلفا | سماوة الهلال حتى احقوقفا |
| فلو رفع السماء إليه قوما | لحقنا بالسماء مع السّحاب «١» |
ظُلُماتٌ: جمع ظلمة، وضمّت اللام على الإتباع بضمّ الظاء.
وقرأ الأعمش: (ظُلْماتٌ) بسكون اللام على أصل الكلام لأنّها ساكنة في التوحيد.
كقول الشاعر وهو ذو الرّمّة:
| أبت ذكر من عوّدن أحشاء قلبه | خفوقا ورفصات الهوى في المفاصل «٤» |
وقرأ أشهب العقيلي: (ظُلَماتٌ) بفتح اللام، وذلك إنّه لمّا أراد تحريك اللام حرّكها الى أخفّ الحركات.
كقول الشاعر:
| فلمّا رأونا باديا ركباتنا | على موطن لا نخلط «٥» الجدّ بالهزل «٦» |
وَبَرْقٌ: وهو النار الذي تخرج منه.
قال مجاهد: الرعد ملك يسبّح بحمده، يقال لذلك الملك: رعد، والصّريم أيضا رعد.
والبرق: ملك يسوق السحاب.
وقال عكرمة: الرعد ملك موكّل بالسحاب يسوقها كما يسوق الراعي الإبل «٧».
شهر بن حوشب: الرعد ملك يزجي السحاب كما يحثّ الراعي الإبل فإذا انتبذت السحاب ضمّها فإذا اشتدّ غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق.
(١) لسان العرب: ١٤/ ٣٩٨.
(٢) سورة المزمل: ١٨.
(٣) سورة الإنفطار: ١.
(٤) لسان العرب: ١/ ٤٧٥.
(٥) في تفسير القرطبي: «نخلط» بدلا من «يخلط».
(٦) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣١٠.
(٧) زاد المسير: ١/ ٣٤.
(٢) سورة المزمل: ١٨.
(٣) سورة الإنفطار: ١.
(٤) لسان العرب: ١/ ٤٧٥.
(٥) في تفسير القرطبي: «نخلط» بدلا من «يخلط».
(٦) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣١٠.
(٧) زاد المسير: ١/ ٣٤.
163
ربيعة بن الأبيض عن علي عليه السّلام قال: البرق مخاريق الملائكة «١».
وقال أبو الدرداء: الرعد للتسبيح، والبرق للخوف والطمع، والبرد عقوبة، والصواعق للخطيئة، والجراد رزق لقوم وزجر لآخرين، والبحر بمكيال، والجبال بميزان.
وأصل البرق من البريق والضوء، والصواعق: المهالك، وهو جمع صاعقة، والصاعقة والصاقعة والصّعقة: المهلكة، ومنه قيل: صعق الإنسان، إذا غشي عليه، وصعق، إذا مات.
حَذَرَ الْمَوْتِ أي مخافة الموت، وهو نصب على المصدر، وقيل لنزع حرف الصفة.
وقرأ قتادة: حذار الموت.
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ أي عالم بهم، يدل عليه قوله: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً «٢».
وقيل: معناه: والله مهلكهم وجامعهم، دليله قوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ «٣» : أي تهلكوا جميعا.
وأمال أبو عمرو والكسائي (الكافرين) في حال الخفض والنّصب ولكسرة الفاء والراء.
يَكادُ الْبَرْقُ أي يقرب. يقال: كاد، أي قرب ولم يفعل، والعرب تقول: كاد يفعل- بحذف أن- فإذا سببّوه بقي قالوا: كاد أن يفعل، والأوّل أوضح وأظهر. قال الشاعر:
قد كاد من طول البلى أن تمسحا
يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ: أي يخطفها ويشغلها، ومنه الخطّاف.
وقرأ أبيّ: يتخطف.
وقرأ ابن أبي إسحاق: نصب الخاء والتشديد (يخطّف) فأدغم. وقرأ الحسن: كسر الخاء والطّاء مع التشديد أتبع الكسرة الكسرة.
وقرأ العامة: التخفيف لقوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ «٤» وقوله: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ «٥».
كُلَّما: حرف علة ضمّ إليه (ما) الجزاء فصار أداة للتكرار، وهي منصوبة بالظرف، ومعناهما: متى ما.
وقال أبو الدرداء: الرعد للتسبيح، والبرق للخوف والطمع، والبرد عقوبة، والصواعق للخطيئة، والجراد رزق لقوم وزجر لآخرين، والبحر بمكيال، والجبال بميزان.
وأصل البرق من البريق والضوء، والصواعق: المهالك، وهو جمع صاعقة، والصاعقة والصاقعة والصّعقة: المهلكة، ومنه قيل: صعق الإنسان، إذا غشي عليه، وصعق، إذا مات.
حَذَرَ الْمَوْتِ أي مخافة الموت، وهو نصب على المصدر، وقيل لنزع حرف الصفة.
وقرأ قتادة: حذار الموت.
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ أي عالم بهم، يدل عليه قوله: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً «٢».
وقيل: معناه: والله مهلكهم وجامعهم، دليله قوله: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ «٣» : أي تهلكوا جميعا.
وأمال أبو عمرو والكسائي (الكافرين) في حال الخفض والنّصب ولكسرة الفاء والراء.
يَكادُ الْبَرْقُ أي يقرب. يقال: كاد، أي قرب ولم يفعل، والعرب تقول: كاد يفعل- بحذف أن- فإذا سببّوه بقي قالوا: كاد أن يفعل، والأوّل أوضح وأظهر. قال الشاعر:
قد كاد من طول البلى أن تمسحا
يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ: أي يخطفها ويشغلها، ومنه الخطّاف.
وقرأ أبيّ: يتخطف.
وقرأ ابن أبي إسحاق: نصب الخاء والتشديد (يخطّف) فأدغم. وقرأ الحسن: كسر الخاء والطّاء مع التشديد أتبع الكسرة الكسرة.
وقرأ العامة: التخفيف لقوله: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ «٤» وقوله: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ «٥».
كُلَّما: حرف علة ضمّ إليه (ما) الجزاء فصار أداة للتكرار، وهي منصوبة بالظرف، ومعناهما: متى ما.
(١) السنن الكبرى (البيهقي) : ٣/ ٣٦٣ الصحاح (الجوهري) : ٤/ ١٤٦٧.
(٢) سورة الطلاق: ١٢.
(٣) سورة يوسف: ٦٦.
(٤) سورة الحج: ٣١.
(٥) سورة الصافات: ١٠. [.....]
(٢) سورة الطلاق: ١٢.
(٣) سورة يوسف: ٦٦.
(٤) سورة الحج: ٣١.
(٥) سورة الصافات: ١٠. [.....]
164
أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ: وفي حرف عبد الله [.....] «١».
وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا: أي أقاموا ووقفوا متحيّرين.
القول في معنى الآيتين ونظمهما وحكمهما
قوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ أي كأصحاب صيّب، كقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٢» شبههم الله في كفرهم ونفاقهم وحيرتهم وتردّدهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة فأصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها إنّ الساري لا يمكنه المشي من ظلمته، فذلك قوله: إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا.
ورعد من صفته أن يضع السامع يده الى أذنه من الهول والفرق مخافة الموت والصعق، ذلك قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ.
وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويذهب بضوئها ونعيمها من كثرته وشدّة توقّده، وذلك قوله يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن واجماع الناس والكافرين معه:
فالمطر: هو القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان.
فِيهِ ظُلُماتٌ وهو ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك والشك وبيان الفتن والمحن.
وَرَعْدٌ: وهو ما خوّفوا به من الوعيد وذكر النار والزّواجر والنواهي.
وَبَرْقٌ: وهو ما في القرآن من الشفاء والبيان والهدى والنّور والرعد وذكر الجنة.
فكما أنّ أصحاب الرعد والبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت كذلك المنافقون واليهود والكافرون يسدّون آذانهم عند قراءة القرآن ولا يصغون إليه مخافة ميل القلب الى القرآن فيؤدّي ذلك الى الإيمان لأنّ الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم عندهم كفر والكفر موت.
وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه، لا يسمع صوتا إلّا ظنّ أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلّا ظنّ إنه ميّت أجبن قوم وأخذ له للحق «٣» كما قال في آية أخرى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ «٤».
وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا: أي أقاموا ووقفوا متحيّرين.
القول في معنى الآيتين ونظمهما وحكمهما
قوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ أي كأصحاب صيّب، كقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٢» شبههم الله في كفرهم ونفاقهم وحيرتهم وتردّدهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة فأصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها إنّ الساري لا يمكنه المشي من ظلمته، فذلك قوله: إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا.
ورعد من صفته أن يضع السامع يده الى أذنه من الهول والفرق مخافة الموت والصعق، ذلك قوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ.
وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويذهب بضوئها ونعيمها من كثرته وشدّة توقّده، وذلك قوله يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن واجماع الناس والكافرين معه:
فالمطر: هو القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان.
فِيهِ ظُلُماتٌ وهو ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك والشك وبيان الفتن والمحن.
وَرَعْدٌ: وهو ما خوّفوا به من الوعيد وذكر النار والزّواجر والنواهي.
وَبَرْقٌ: وهو ما في القرآن من الشفاء والبيان والهدى والنّور والرعد وذكر الجنة.
فكما أنّ أصحاب الرعد والبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت كذلك المنافقون واليهود والكافرون يسدّون آذانهم عند قراءة القرآن ولا يصغون إليه مخافة ميل القلب الى القرآن فيؤدّي ذلك الى الإيمان لأنّ الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم عندهم كفر والكفر موت.
وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه، لا يسمع صوتا إلّا ظنّ أنه قد أتي ولا يسمع صياحا إلّا ظنّ إنه ميّت أجبن قوم وأخذ له للحق «٣» كما قال في آية أخرى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ «٤».
(١) غير مقروءة في المخطوط.
(٢) سورة يوسف: ٨٢.
(٣) تفسير الدر المنثور: ١/ ٣٣.
(٤) سورة المنافقون: ٤.
(٢) سورة يوسف: ٨٢.
(٣) تفسير الدر المنثور: ١/ ٣٣.
(٤) سورة المنافقون: ٤.
165
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ
ﰔ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﰕ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﰖ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰗ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰘ
وقوله: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا يعني المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان أمنوا وصارت لهم نورا فإذا ماتوا عادوا الى الخشية والظلمة.
قتادة: والمنافق إذا كثر ماله وحسن حاله وأصاب في الإسلام رخاء وعافية ثبت عليه فقال: أنا معكم، وإذ ذهب ماله وأصابته شدّة، قام متحيرا وخفق عندها فلم يصبر على بلائها ولم يحتسب أجرها. وتفسيره في سورة الحجّ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «١» الآية.
الوالبي عن ابن عباس: هم اليهود لما نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببدر طمعوا وقالوا: هذا والله النبي الذي بشرّنا به موسى لا تردّ له راية، فلمّا نكب بأحد ارتدّوا وسكتوا.
وَلَوْ: حرف تمنّي وشك وفيه معنى الجزاء وجوابه اللام.
ومعنى الآية: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ: أي أسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنية حتى صاروا صمّا بكما عميا.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قادر، وكان حمزة يكسر شِاء، وجِاء وأمثالها لانكسار فاء الفعل، إذا أخبرت عن نفسك قلت: شئت وجئت وزدتّ وطبت وغيرها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٥]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
يا أَيُّهَا النَّاسُ: قال ابن عباس: يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب أهل مكة، ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب أهل المدينة، وهو هاهنا عام.
اعْبُدُوا وحّدوا وأطيعوا. رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أوجدكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا. وَالَّذِينَ أي وخلق الذين مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لكي تنجوا من السحت والعذاب.
قال سيبويه: لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله [.....] «٢».
قتادة: والمنافق إذا كثر ماله وحسن حاله وأصاب في الإسلام رخاء وعافية ثبت عليه فقال: أنا معكم، وإذ ذهب ماله وأصابته شدّة، قام متحيرا وخفق عندها فلم يصبر على بلائها ولم يحتسب أجرها. وتفسيره في سورة الحجّ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «١» الآية.
الوالبي عن ابن عباس: هم اليهود لما نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببدر طمعوا وقالوا: هذا والله النبي الذي بشرّنا به موسى لا تردّ له راية، فلمّا نكب بأحد ارتدّوا وسكتوا.
وَلَوْ: حرف تمنّي وشك وفيه معنى الجزاء وجوابه اللام.
ومعنى الآية: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ: أي أسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنية حتى صاروا صمّا بكما عميا.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قادر، وكان حمزة يكسر شِاء، وجِاء وأمثالها لانكسار فاء الفعل، إذا أخبرت عن نفسك قلت: شئت وجئت وزدتّ وطبت وغيرها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ الى ٢٥]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
يا أَيُّهَا النَّاسُ: قال ابن عباس: يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب أهل مكة، ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب أهل المدينة، وهو هاهنا عام.
اعْبُدُوا وحّدوا وأطيعوا. رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أوجدكم وأنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا. وَالَّذِينَ أي وخلق الذين مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لكي تنجوا من السحت والعذاب.
قال سيبويه: لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله [.....] «٢».
(١) سورة الحج: ١١.
(٢) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٢) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
166
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً بساطا ومقاما ومناما. وَالسَّماءَ بِناءً سقفا مرفوعا محفوظا.
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ: من السحاب. ماءً وهو المطر فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ من ألوان الثمرات وأنواع النبات.
رِزْقاً طعاما. لَكُمُ وعلفا لدوابكم.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أي أمثالا [وأعدالا] وقرأ ابن المسيقع: ندّا على الواحد، كقول جرير:
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ إنّه واحد وأنّه خالق هذه الأشياء.
قال ابن مسعود في قوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً قال: أكفّاء من الرجال تطيعوهم في معصية الله.
وقال عكرمة: هو قول الرجل: لولا كلبنا لدخل اللص دارنا.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ الآية نزلت في الكفّار، وذلك أنهم قالوا لما سمعوا القرآن: ما يشبه هذا كلام الله وإنّا لفي شكّ منه، فأنزل الله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ يا معشر الكفّار، [وإن] «٢» لفظة جزاء وشرط، ومعناه: إذ لأنّ الله تعالى علم إنهم شاكّون كقوله: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٣» وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٤».
قال الأعشى:
قال المؤرّخ: أصلها من السّورة وهي الوثبة: تقول العرب سرت إليه وثبت إليه.
قال العجاج:
قال الأعشى:
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ: من السحاب. ماءً وهو المطر فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ من ألوان الثمرات وأنواع النبات.
رِزْقاً طعاما. لَكُمُ وعلفا لدوابكم.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أي أمثالا [وأعدالا] وقرأ ابن المسيقع: ندّا على الواحد، كقول جرير:
| أتيما تجعلون إليّ ندّا | وما تيم لذي حسب نديد «١» |
قال ابن مسعود في قوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً قال: أكفّاء من الرجال تطيعوهم في معصية الله.
وقال عكرمة: هو قول الرجل: لولا كلبنا لدخل اللص دارنا.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ الآية نزلت في الكفّار، وذلك أنهم قالوا لما سمعوا القرآن: ما يشبه هذا كلام الله وإنّا لفي شكّ منه، فأنزل الله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ يا معشر الكفّار، [وإن] «٢» لفظة جزاء وشرط، ومعناه: إذ لأنّ الله تعالى علم إنهم شاكّون كقوله: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٣» وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٤».
قال الأعشى:
| بانت وقد أسفرت في النفس حاجتها | بعد ائتلاف وخير الودّ ما نفعا «٥» |
قال العجاج:
| وربّ ذي سرادق محجور | سرت إليه في أعالي السّور |
(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٨٢.
(٢) غير موجودة في المخطوط، أضفناها لزيادة بيان المطلب.
(٣) سورة آل عمران: ١٣٩.
(٤) سورة البقرة: ٢٧٨.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ٧٢.
(٢) غير موجودة في المخطوط، أضفناها لزيادة بيان المطلب.
(٣) سورة آل عمران: ١٣٩.
(٤) سورة البقرة: ٢٧٨.
(٥) جامع البيان للطبري: ١/ ٧٢.
167
| وسمعت حلفتها التي حلفت | إن كان سمعك غير ذي وقر «١» |
مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا محمد يعني القرآن.
فَأْتُوا لم يأتوا بمثله، لأنّ الله علم عجزهم عنه.
بِسُورَةٍ أصلها في قول بعضهم: من أسارت، أي أفضلت فحذفت الهمزة كأنّها قطعة من القرآن، وقيل: هي الدرجة الرفيعة، وأصلها من سورة البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة:
| ألم تر أنّ الله أعطاك سورة | ترى كل ملك دونها يتذبذب «٢» |
كقول النابغة:
| ولا أرى ملكا في الناس يشبهه | ولا أخا [لي] من الأقوام من أحد |
وقيل في قوله: (مِثْلِهِ) : راجعة الى محمد صلّى الله عليه وسلّم ومعناه: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي من رجل أمّي لا يحسن الخط والكتابة.
وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ يعني استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله.
وقال مجاهد والقرظي: ناسا يشهدون لكم.
وإنما ذكر الاستعانة بلفظ الدعاء على عادة العرب في دعائهم القائل في الحروب والشدائد: [ياك.....] «٤».
قال الشاعر:
| فلمّا التقت فرساننا ورجالهم | دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر «٥» |
(١) لسان العرب: ٥/ ٤٤.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٣٨٦.
(٣) سورة النور: ٣٠- ٣١. [.....]
(٤) كذا في المخطوط.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ٥٣.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٣٨٦.
(٣) سورة النور: ٣٠- ٣١. [.....]
(٤) كذا في المخطوط.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ٥٣.
168
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنّ محمدا أسرّ قوله من تلقاء نفسه، فلما تحدّاهم وعجزوا [قال الله تعالى] : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي فإن لم تجيئوا بمثل القرآن.
وَلَنْ تَفْعَلُوا: ولن تقدروا على ذلك.
وقيل فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فيما مضى وَلَنْ تَفْعَلُوا فيما بقي.
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا حطبها وعلفها النَّاسُ وَالْحِجارَةُ قال الحسن ومجاهد:
(وُقُودُهَا) بضم الواو حيث كان وهو رديء، لأن الوقود بضم الراء المصدر وهو الالتهاب، والوقود بالفتح وهو ما يوقد به النار كالظهور والبرود، ومثليهما ومثل الوضوء والوضوء.
وقرأ عبيد بن عمير: وقيدها الناس والحجارة.
قيل: تلك الحجارة [كجت الأرض النائية] مثل الكبريت يجعل في أعناقهم إذا اشتعلت فيها النار أحرق توهجها وجوههم، فذلك قوله تعالى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ «١».
اختلفوا في الحجارة، فقال ابن عباس وأكثر المفسّرين: إنها حجارة الكبريت [الأسود وهي أشد الأشياء حرا]، وقال حفص ابن المعلى: أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت معمولة من الحجر، دليله قوله: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «٢».
وقيل: هي أن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا فتنشأ سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج ويرفعون رؤوسهم إليها فتمطرهم حجارة عظاما كحجارة الرّحا، فتزداد النار اتّقادا والتهابا كنار الدنيا إذا زيد حطبها زاد لهيبها.
وقيل: ذكر الحجارة ها هنا تعظيما لأمر النار لأنها لا تأكل الحجارة إلّا إذا كانت فظيعة وهائلة.
أُعِدَّتْ: خلقت وهيئت لِلْكافِرِينَ، وفي هذه الآية دليل على أنّ النار مخلوقة لأنّ المعدّ لا يكون إلّا موجودا.
وَبَشِّرِ أي وأخبر.
الَّذِينَ آمَنُوا وأصل التبشير: إيصال الخبر السار على [مسامع الناس] ويستبشر به، وأصله من البشرة لأنّ الإنسان إذا فرح بان ذلك في وجهه وبشرته، ثمّ كثر حتى وضع موضع الخبر فيما [ساء وسرّ] قال الله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٣».
وَلَنْ تَفْعَلُوا: ولن تقدروا على ذلك.
وقيل فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فيما مضى وَلَنْ تَفْعَلُوا فيما بقي.
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا حطبها وعلفها النَّاسُ وَالْحِجارَةُ قال الحسن ومجاهد:
(وُقُودُهَا) بضم الواو حيث كان وهو رديء، لأن الوقود بضم الراء المصدر وهو الالتهاب، والوقود بالفتح وهو ما يوقد به النار كالظهور والبرود، ومثليهما ومثل الوضوء والوضوء.
وقرأ عبيد بن عمير: وقيدها الناس والحجارة.
قيل: تلك الحجارة [كجت الأرض النائية] مثل الكبريت يجعل في أعناقهم إذا اشتعلت فيها النار أحرق توهجها وجوههم، فذلك قوله تعالى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ «١».
اختلفوا في الحجارة، فقال ابن عباس وأكثر المفسّرين: إنها حجارة الكبريت [الأسود وهي أشد الأشياء حرا]، وقال حفص ابن المعلى: أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت معمولة من الحجر، دليله قوله: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «٢».
وقيل: هي أن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا فتنشأ سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج ويرفعون رؤوسهم إليها فتمطرهم حجارة عظاما كحجارة الرّحا، فتزداد النار اتّقادا والتهابا كنار الدنيا إذا زيد حطبها زاد لهيبها.
وقيل: ذكر الحجارة ها هنا تعظيما لأمر النار لأنها لا تأكل الحجارة إلّا إذا كانت فظيعة وهائلة.
أُعِدَّتْ: خلقت وهيئت لِلْكافِرِينَ، وفي هذه الآية دليل على أنّ النار مخلوقة لأنّ المعدّ لا يكون إلّا موجودا.
وَبَشِّرِ أي وأخبر.
الَّذِينَ آمَنُوا وأصل التبشير: إيصال الخبر السار على [مسامع الناس] ويستبشر به، وأصله من البشرة لأنّ الإنسان إذا فرح بان ذلك في وجهه وبشرته، ثمّ كثر حتى وضع موضع الخبر فيما [ساء وسرّ] قال الله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٣».
(١) سورة الزمر: ٢٤.
(٢) سورة الأنبياء: ٩٨.
(٣) سورة آل عمران: ٢١.
(٢) سورة الأنبياء: ٩٨.
(٣) سورة آل عمران: ٢١.
169
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي الخصال والفعلات الصَّالِحاتِ نعت لاسم مؤنث محذوف.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه في وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: معناه أخلصوا الأعمال، يدلّ عليه قوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً «١» أي خالصا لأن المنافق والمرائي لا يكون عمله خالصا، وقال: أقاموا الصلوات المفروضات، دليله قوله تعالى: وَأَقامُوا الصَّلاةَ.
إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ «٢» من المسلمين.
وقال ابن عباس: عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فيما بينهم وبين ربّهم، وقال: العمل الصالح يكون فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والإخلاص.
وقال سهل بن عبد الله: لزموا السنّة لأنّ عمل المبتدع لا يكون صالحا.
وقيل: أدّوا الأمانة، يدل عليه قوله: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً «٣» أي أمينا.
وقيل: تابوا، ودليله قوله تعالى: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ «٤» أي التائبين.
أَنَّ لَهُمْ: محل (أن) نصب بنزع حرف الصّفة، أي بأنّ لهم.
جَنَّاتٍ: في محل النصب فخفض لأنها جمع التأنيث، وهي جمع الجنّة وهي البستان، سمّيت جنّة لاجتنانها بالأشجار.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ: أي من تحت شجرها ومساكنها. وقيل: بأمرهم، كقوله:
وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي «٥» أي بأمري.
والأنهار: جمع نهر، سمّي نهرا لسعته وضيائه ومنه النهار.
وأنشد أبو عبيدة:
أي وسعتها، يصف طعنة.
وأراد بالأنهار المياه على قرب الجوار لأن النهر لا يجري.
وقد جاء في الحديث: «أنهار الجنّة تجري في غير أخدود» [٧٦].
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه في وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: معناه أخلصوا الأعمال، يدلّ عليه قوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً «١» أي خالصا لأن المنافق والمرائي لا يكون عمله خالصا، وقال: أقاموا الصلوات المفروضات، دليله قوله تعالى: وَأَقامُوا الصَّلاةَ.
إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ «٢» من المسلمين.
وقال ابن عباس: عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فيما بينهم وبين ربّهم، وقال: العمل الصالح يكون فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والإخلاص.
وقال سهل بن عبد الله: لزموا السنّة لأنّ عمل المبتدع لا يكون صالحا.
وقيل: أدّوا الأمانة، يدل عليه قوله: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً «٣» أي أمينا.
وقيل: تابوا، ودليله قوله تعالى: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ «٤» أي التائبين.
أَنَّ لَهُمْ: محل (أن) نصب بنزع حرف الصّفة، أي بأنّ لهم.
جَنَّاتٍ: في محل النصب فخفض لأنها جمع التأنيث، وهي جمع الجنّة وهي البستان، سمّيت جنّة لاجتنانها بالأشجار.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ: أي من تحت شجرها ومساكنها. وقيل: بأمرهم، كقوله:
وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي «٥» أي بأمري.
والأنهار: جمع نهر، سمّي نهرا لسعته وضيائه ومنه النهار.
وأنشد أبو عبيدة:
| ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها | يرى قائم من دونها ما وراءها «٦» |
وأراد بالأنهار المياه على قرب الجوار لأن النهر لا يجري.
وقد جاء في الحديث: «أنهار الجنّة تجري في غير أخدود» [٧٦].
(١) سورة الكهف: ١١٠.
(٢) سورة الأعراف: ١٧٠.
(٣) سورة الكهف: ٨٢.
(٤) سورة يوسف: ٩.
(٥) سورة الزخرف: ٥١.
(٦) لسان العرب: ٥/ ٢٣٧.
(٢) سورة الأعراف: ١٧٠.
(٣) سورة الكهف: ٨٢.
(٤) سورة يوسف: ٩.
(٥) سورة الزخرف: ٥١.
(٦) لسان العرب: ٥/ ٢٣٧.
170
كُلَّما متى ما رُزِقُوا أطعموا مِنْها من الجنّة مِنْ ثَمَرَةٍ: أي ثمره، و (من) صلة.
رِزْقاً طعاما. قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا أطعمنا مِنْ قَبْلُ: طعامهما، وقيل معناه:
هذا الذي رزقنا من قبل، أي وعدنا الله في الدنيا وهو قول عطاء، و (قَبْلُ) رفع على الغاية، قال الله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ «١».
وَأُتُوا وجيئوا بِهِ بالرزق.
قرأ هارون بن موسى: (وأتوا) بفتح الألف، أراد أتاهم الخدم به.
مُتَشابِهاً اختلفوا في معناه، فقال ابن عباس ومجاهد والربيع والسّدي: مُتَشابِهاً في الألوان، مختلفا في الطعوم.
الحسن وقتادة: مُتَشابِهاً في الفضل، خيارا كلّه لأنّ ثمار الدنيا [تبقى] ويرذل منها، وإن ثمار الجنة لا يرذل منها شيء.
محمد بن كعب وعلي بن زيد: بمعنى يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب.
وقال بعضهم: مُتَشابِهاً في الإسم مختلفا في الطعم.
قال ابن عباس: ليس في الجنة شيء ممّا في الدنيا غير الأسماء.
وَلَهُمْ فِيها في الجنّات. أَزْواجٌ نساء وجوار، يعني الحور العين.
قال ثعلب: الزوج في اللغة: المرأة والرجل، والجمع والفرد، والنوع واللون، وجميعها أزواج.
مُطَهَّرَةٌ من الغائط والبول والحيض والنفاس والمخاط والبصاق والقيء والمني والولد وكل قذر ودنس.
وقال إبراهيم النخعي: في الجنة جماع ما شئت ولا ولد «٢».
وقيل: مطهّرة عن مساوئ الأخلاق.
وقال يمان: مطهّرة من الإثم والأذى.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتفلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ولا يتمخطون». قيل: فما بال الطعام؟ قال: «جشأ ورشح تجري من أعرافهم كريح المسك يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس» [٧٧] «٣».
رِزْقاً طعاما. قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا أطعمنا مِنْ قَبْلُ: طعامهما، وقيل معناه:
هذا الذي رزقنا من قبل، أي وعدنا الله في الدنيا وهو قول عطاء، و (قَبْلُ) رفع على الغاية، قال الله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ «١».
وَأُتُوا وجيئوا بِهِ بالرزق.
قرأ هارون بن موسى: (وأتوا) بفتح الألف، أراد أتاهم الخدم به.
مُتَشابِهاً اختلفوا في معناه، فقال ابن عباس ومجاهد والربيع والسّدي: مُتَشابِهاً في الألوان، مختلفا في الطعوم.
الحسن وقتادة: مُتَشابِهاً في الفضل، خيارا كلّه لأنّ ثمار الدنيا [تبقى] ويرذل منها، وإن ثمار الجنة لا يرذل منها شيء.
محمد بن كعب وعلي بن زيد: بمعنى يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب.
وقال بعضهم: مُتَشابِهاً في الإسم مختلفا في الطعم.
قال ابن عباس: ليس في الجنة شيء ممّا في الدنيا غير الأسماء.
وَلَهُمْ فِيها في الجنّات. أَزْواجٌ نساء وجوار، يعني الحور العين.
قال ثعلب: الزوج في اللغة: المرأة والرجل، والجمع والفرد، والنوع واللون، وجميعها أزواج.
مُطَهَّرَةٌ من الغائط والبول والحيض والنفاس والمخاط والبصاق والقيء والمني والولد وكل قذر ودنس.
وقال إبراهيم النخعي: في الجنة جماع ما شئت ولا ولد «٢».
وقيل: مطهّرة عن مساوئ الأخلاق.
وقال يمان: مطهّرة من الإثم والأذى.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتفلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ولا يتمخطون». قيل: فما بال الطعام؟ قال: «جشأ ورشح تجري من أعرافهم كريح المسك يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس» [٧٧] «٣».
(١) سورة الروم: ٤.
(٢) الدر المنثور: ١/ ٤٠.
(٣) كنز العمال: ١٤/ ٤٦٩ بتفاوت. [.....]
(٢) الدر المنثور: ١/ ٤٠.
(٣) كنز العمال: ١٤/ ٤٦٩ بتفاوت. [.....]
171
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﰙ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰚ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰛ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ
ﰜ
وَهُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون مقيمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
الحسن عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الجنة: كيف هي؟
قال: «من يدخل الجنة يحيى ولا يموت وينعم ولا يبؤس ولا تبلى ثيابه ولا شبابه».
قيل: يا رسول الله كيف بناؤها؟ قال: «لبنة من فضّة ولبنة من ذهب، بلاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران» [٧٨] «١».
وقال يحيى بن أبي كثير: إنّ الحور العين لتنادينّ أزواجهنّ بأصوات حسان، فيقلن: طالما انتظرناكم، نحن الراضيات الناعمات الخالدات، أنتم حبّنا ونحن حبّكم ليس دونكم مقصد ولا وراءكم معذر.
وقال الحسن في هذه الآية: هنّ عجائزكم الغمض الرّمض العمش طهّرن من قذرات الدنيا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا هذه الآية نزلت في اليهود، وذلك أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العنكبوت والذباب فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً «٢» الآية.
وقال: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ «٣» الآية، ضحكت اليهود وقالوا: ما هذا الكلام وماذا أراد الله بذكر هذه الأشياء الخبيثة في كتابه وما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا أي لا يترك ولا يمنعه الحياء أن يضرب مثلا أن تصف للحق شبها. ما بَعُوضَةً. (ما) صلة، وبعوضة نصب يدلّ على المثل.
فَما فَوْقَها: ابن عباس يعني الذباب والعنكبوت. وقال أبو عبيدة: يعني فما دونها.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد والقرآن فَيَعْلَمُونَ يعني أنّ هذا المثل هو أَنَّهُ الْحَقُّ الصدق الصحيح. مِنْ رَبِّهِمْ.
الحسن عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الجنة: كيف هي؟
قال: «من يدخل الجنة يحيى ولا يموت وينعم ولا يبؤس ولا تبلى ثيابه ولا شبابه».
قيل: يا رسول الله كيف بناؤها؟ قال: «لبنة من فضّة ولبنة من ذهب، بلاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران» [٧٨] «١».
وقال يحيى بن أبي كثير: إنّ الحور العين لتنادينّ أزواجهنّ بأصوات حسان، فيقلن: طالما انتظرناكم، نحن الراضيات الناعمات الخالدات، أنتم حبّنا ونحن حبّكم ليس دونكم مقصد ولا وراءكم معذر.
وقال الحسن في هذه الآية: هنّ عجائزكم الغمض الرّمض العمش طهّرن من قذرات الدنيا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا هذه الآية نزلت في اليهود، وذلك أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العنكبوت والذباب فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً «٢» الآية.
وقال: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ «٣» الآية، ضحكت اليهود وقالوا: ما هذا الكلام وماذا أراد الله بذكر هذه الأشياء الخبيثة في كتابه وما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا أي لا يترك ولا يمنعه الحياء أن يضرب مثلا أن تصف للحق شبها. ما بَعُوضَةً. (ما) صلة، وبعوضة نصب يدلّ على المثل.
فَما فَوْقَها: ابن عباس يعني الذباب والعنكبوت. وقال أبو عبيدة: يعني فما دونها.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد والقرآن فَيَعْلَمُونَ يعني أنّ هذا المثل هو أَنَّهُ الْحَقُّ الصدق الصحيح. مِنْ رَبِّهِمْ.
(١) الدر المنثور: ١/ ٣٦.
(٢) سورة الحج: ٧٣.
(٣) العنكبوت: ٤١.
(٢) سورة الحج: ٧٣.
(٣) العنكبوت: ٤١.
172
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن. فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا: أي بهذا المثل. فلمّا حذف الألف واللام نصب على الحال والقطع والتمام، كقوله: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً «١».
فأجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون.
وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الكافرين، وأصل الفسق: الخروج، قال الله تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «٢» أي خرج. تقول العرب: فسقت الرّطبة عن القشر، أي خرجت.
ثمّ وصفهم فقال: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ أي يتركون ويخالفون، وأصل النقض: الكسر.
عَهْدَ اللَّهِ أمره الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «٣» وما عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم [وضمّنه] نعته وصفته.
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ توكيده وتشديده، وهو مفعال من الوثيقة.
وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يعني الأرحام، وقيل: هو الإيمان بجميع الرّسل والكتب، وهو نوع من الصّلة لأنهم قالوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ «٤» فقطعوا، وقال المؤمنون: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «٥» فوصلوا.
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: أي المغبونون بالعقوبة وفوت المثوبة، ثمّ قال: لمشركي مكة على التعجّب:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ واو الحال أَمْواتاً نطفا في أصلاب آبائكم فَأَحْياكُمْ في الأرحام في الدنيا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تأتون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
وقرأ يعقوب: تَرْجِعُونَ، وبيانه بفتح الأول وكسر الجيم جعل الفعل لهم.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ لأجلكم. ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي قصد وعمد الى خلق السماء.
فأجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون.
وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الكافرين، وأصل الفسق: الخروج، قال الله تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «٢» أي خرج. تقول العرب: فسقت الرّطبة عن القشر، أي خرجت.
ثمّ وصفهم فقال: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ أي يتركون ويخالفون، وأصل النقض: الكسر.
عَهْدَ اللَّهِ أمره الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «٣» وما عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم [وضمّنه] نعته وصفته.
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ توكيده وتشديده، وهو مفعال من الوثيقة.
وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يعني الأرحام، وقيل: هو الإيمان بجميع الرّسل والكتب، وهو نوع من الصّلة لأنهم قالوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ «٤» فقطعوا، وقال المؤمنون: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «٥» فوصلوا.
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: أي المغبونون بالعقوبة وفوت المثوبة، ثمّ قال: لمشركي مكة على التعجّب:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ واو الحال أَمْواتاً نطفا في أصلاب آبائكم فَأَحْياكُمْ في الأرحام في الدنيا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم. ثُمَّ يُحْيِيكُمْ للبعث. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تأتون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
وقرأ يعقوب: تَرْجِعُونَ، وبيانه بفتح الأول وكسر الجيم جعل الفعل لهم.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ لأجلكم. ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ أي قصد وعمد الى خلق السماء.
(١) سورة النحل: ٥٢.
(٢) سورة الكهف: ٥٠.
(٣) سورة الأعراف: ١٧٢.
(٤) سورة النساء: ١٥٠.
(٥) سورة البقرة: ٢٨٥.
(٢) سورة الكهف: ٥٠.
(٣) سورة الأعراف: ١٧٢.
(٤) سورة النساء: ١٥٠.
(٥) سورة البقرة: ٢٨٥.
173
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰝ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰞ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰟ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰠ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰡ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰢ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰣ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰥ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰦ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أي خلق سبع سماوات مستويات بلا فطور ولا شطور ولا عمد تحتها ولا علامة فوقها. وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: عالم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٩]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩)
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ يعني: وقد قال، وقيل معناه: واذكر إذ قال ربّك، وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله.
و (إذ) و (إذا) حرفا توقيت، إلّا أنّ (إذ) للماضي و (إذا) للمستقبل، وقد يوضع أحدهما موضع الآخر.
قال المبرّد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضيا نحو قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ «١» وإِذْ يَقُولُ، يريد وإذ مكر وإذ قال، وإذا إذ جاء مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى «٢» فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ «٣» إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ «٤» أي يجيء، وقال الشاعر:
أي يجزيه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٩]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩)
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ يعني: وقد قال، وقيل معناه: واذكر إذ قال ربّك، وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله.
و (إذ) و (إذا) حرفا توقيت، إلّا أنّ (إذ) للماضي و (إذا) للمستقبل، وقد يوضع أحدهما موضع الآخر.
قال المبرّد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضيا نحو قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ «١» وإِذْ يَقُولُ، يريد وإذ مكر وإذ قال، وإذا إذ جاء مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى «٢» فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ «٣» إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ «٤» أي يجيء، وقال الشاعر:
| ثمّ جزاه الله عنا إذ جزا | جنّات عدن والعلا إلى العلا «٥» |
(١) سورة الأنفال: ٣٠.
(٢) سورة النازعات: ٣٤.
(٣) سورة عبس: ٣٣.
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى: النازعات- ٣٤).
(٤) سورة النصر: ١.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ٤٦٣، وتاج العروس: ١/ ٤٢٤.
(٢) سورة النازعات: ٣٤.
(٣) سورة عبس: ٣٣.
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى: النازعات- ٣٤).
(٤) سورة النصر: ١.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ٤٦٣، وتاج العروس: ١/ ٤٢٤.
174
لِلْمَلائِكَةِ الذين كانوا في الأرض، والملائكة: الرسل، واحدها ملك، وأصله: مالك، وجمعه: ملائكة، وهي من الملكة والمالكة والألوك الرسالة ويقال: ألكني الى فلان، أي كن رسولي إليه فقلبت، فقيل: ملاك. قال الشاعر:
ثمّ حذف الهمزة للخفّة وكثير استعماله فقيل: ملك.
قال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات علمه.
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي بدلا منكم ورافعكم إليّ، سمّي (خليفة) لأنه يخلف الذاهب ويجيء بعده، فالخليفة من يتولى إمضاء الأمر عن الآمر، وقرأ [زيد بن علي] «٢» :
(خليقة) بالقاف.
قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجنّ الأرض، فعبدوا دهرا طويلا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن، رأسهم عدو الله إبليس وهم خزّان الجنان اشتق لهم اسم من الجنّة فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجنّ عن وجهها فالحقوهم بشعوب الجبال، وجزائر البحر، وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة، وأحبّوا البقاء في الأرض لذلك، وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنان، فكان يعبد الله تارة في الأرض، وتارة في السماء، وتارة في الجنة.
فلما رأى ذلك دخله الكبر والعجب، وقال في نفسه: أعطاني الله هذا الملك إلّا لأني أكرم الملائكة عليه، وأعظمهم منزلة لديه فلما ظهر الكبر جاء العزل، فقال الله له ولجنده:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فلما قال لهم ذلك كرهوا لأنّهم كانوا أهون في الملائكة عبادة، ولأنّ العزل شديد.
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي. وَيَسْفِكُ يصبّ الدِّماءَ بغير حق.
فإن قيل: كيف علموا ذلك وهو غيب؟
والجواب عنه ما قال السّدي: لما قال الله لهم ذلك، قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟
قال: تكون له ذرية، يفسدون في الأرض [ويتحاسدون] «٣» ويقتل بعضهم بعضا «٤». قالوا عند ذلك: أَتَجْعَلُ فِيها ومعناه: فقالوا، فحذف فاء التنسيق. كقول الشاعر:
| فلست لإنسي لكن لملاك | تنزّل من جوّ السماء يصوب «١» |
قال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات علمه.
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي بدلا منكم ورافعكم إليّ، سمّي (خليفة) لأنه يخلف الذاهب ويجيء بعده، فالخليفة من يتولى إمضاء الأمر عن الآمر، وقرأ [زيد بن علي] «٢» :
(خليقة) بالقاف.
قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجنّ الأرض، فعبدوا دهرا طويلا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن، رأسهم عدو الله إبليس وهم خزّان الجنان اشتق لهم اسم من الجنّة فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجنّ عن وجهها فالحقوهم بشعوب الجبال، وجزائر البحر، وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة، وأحبّوا البقاء في الأرض لذلك، وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنان، فكان يعبد الله تارة في الأرض، وتارة في السماء، وتارة في الجنة.
فلما رأى ذلك دخله الكبر والعجب، وقال في نفسه: أعطاني الله هذا الملك إلّا لأني أكرم الملائكة عليه، وأعظمهم منزلة لديه فلما ظهر الكبر جاء العزل، فقال الله له ولجنده:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فلما قال لهم ذلك كرهوا لأنّهم كانوا أهون في الملائكة عبادة، ولأنّ العزل شديد.
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي. وَيَسْفِكُ يصبّ الدِّماءَ بغير حق.
فإن قيل: كيف علموا ذلك وهو غيب؟
والجواب عنه ما قال السّدي: لما قال الله لهم ذلك، قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟
قال: تكون له ذرية، يفسدون في الأرض [ويتحاسدون] «٣» ويقتل بعضهم بعضا «٤». قالوا عند ذلك: أَتَجْعَلُ فِيها ومعناه: فقالوا، فحذف فاء التنسيق. كقول الشاعر:
(١) الصحاح: ١/ ١٦٥. [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣.
(٣) كذا في المخطوط.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ٢٨٩.
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ٢٦٣.
(٣) كذا في المخطوط.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ٢٨٩.
175
| لما رأيت نبطا أنصارا | شمرّت عن ركبتي الإزارا |
أي فكنت لهم.
وقال أكثر المفسرين: أرادوا كما فعل بنو الجانّ قاسوا بالشاهد على الغائب، وقال بعض أهل المعاني: فيه إضمار واختصار معناه: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ؟ أم تجعل فيها من لا يفسد ولا يسفك الدماء؟ لقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ «٢» يعني كمن هو غير قانت، وهو اختيار الحسن بن الفضل.
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ.
قال الحسن: يقولون: سبحان الله وبحمده، وهو صلاة الخلق وتسبيحهم وعليها يرزقون.
يدل عليه
الحديث المروي عن أبي ذر إنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفاه الله تعالى لملائكته: سبحان الله وبحمده» [٧٩] «٣».
وقيل: معناه: ونحن نصلي لك بأمرك، والتسبيح يكون بمعنى التنزيه ويكون بمعنى الصلاة، ومنه قيل: للصلاة سبحة، وقيل: معناه: نصلي، ونقرأ فيها فاتحة الكتاب.
وَنُقَدِّسُ لَكَ وننزهك واللام صلة، وقيل: هي لام الأجل، أي ونطهّر لأجلك قلوبنا من الشرك بك [وأبداننا] من معصيتك.
وقال بعض العلماء: في الآية تقديم وتأخير مجازها: ونحن نسبّح ونقدّس لك بحمدك لأنّه إذا حملت الآية على التأويل الأول تنافي قول الملائكة المتزكية بالإدلال بالعمل، وإذا حملت على هذا التأويل ضاهى قولهم التحدّث بنعمة الله واضافة [.....] «٤» إلى الله فكأنّهم قالوا: وأن سبّحنا وقدّسنا وأطعنا وعبدنا فذلك كله بحمدك لا بأنفسنا، قال الله:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ من استخلافي في الأرض ووجه المصلحة فيه، فلا تعترضوا عليّ في حكمي وتدبيري، وقيل: أراد أني أعلم أنّ في من استخلفه في الأرض: أنبياء وأولياء وعلماء وصلحاء، وقيل: أني أعلم إنّهم يذنبون وأغفر لهم.
قال بعض الحكماء: إنّ الله تعالى أخرج [أدم] من الجنّة قبل أن يدخله فيها «٥». لقوله
(١) جامع البيان للطبري: ١/ ٤٥٤.
(٢) سورة الزمر: ٩.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ١٤٨.
(٤) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٥) الدر المنثور: ١/ ٤٤.
(٢) سورة الزمر: ٩.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ١٤٨.
(٤) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٥) الدر المنثور: ١/ ٤٤.
176
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ثم كان خروجه من الجنّة بذنبه يدل أنه كان بقضاء الله وقدره.
ابن نجيح عن مجاهد في قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتج آدم وموسى. فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنّة. فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله لرسالته وكلامه، ثم تلومني على أمر قدّر قبل أن أخلق. فحج آدم موسى» [٨٠] «١».
قيل: سأل أمير المؤمنين الخطاب، طلحة والزبير وكعبا وسلمان: ما الخليفة من الملك؟
فقال طلحة والزبير: ما ندري. فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرّعية ويقسم بينهم بالسّويّة ويشفق عليهم شفقة الرّجل على أهله ويقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري، ولكنّ الله عزّ وجلّ ملأ سلمان حكما وعلما وعدلا.
وروى زاذان عن سلمان: إنّ عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ووضعته في غير حقّه فأنت ملك. قال: فاستعبر عمر رضي الله عنه.
وعن يونس: إنّ معاوية كان يقول إذا جلس على المنبر: أيّها الناس إنّ الخلافة ليست لجمع المال ولا تفريقه، ولكنّ الخلافة بالحقّ والحكم بالعدل وأخذ الناس بأمر الله عزّ وجل.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها وذلك إنّ الله تعالى لمّا قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا فيما بينهم: ليخلق ربّنا ما شاء فلن يخلق خلقا أفضل ولا أكرم عليه منّا، وإن كان خيرا منّا فنحن أعلم منه لأنّا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره، فلما أعجبوا بعلمهم وعبادتهم، فضّل الله تعالى عليهم آدم عليه السّلام بالعلم فعلّمه الأسماء كلّها وهذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة.
واختلف العلماء في هذه الأسماء، فقال الربيع وابن أنس: أسماء الملائكة، وقال عبد الرحمن بن زيد: أسماء الذّرّية.
وقال ابن عبّاس ومجاهد وقتادة والضّحّاك: علّمه الله اسم كلّ شيء حتى القصعة والقصيعة.
ابن نجيح عن مجاهد في قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتج آدم وموسى. فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنّة. فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله لرسالته وكلامه، ثم تلومني على أمر قدّر قبل أن أخلق. فحج آدم موسى» [٨٠] «١».
فصل في معنى الخليفة
قيل: سأل أمير المؤمنين الخطاب، طلحة والزبير وكعبا وسلمان: ما الخليفة من الملك؟
فقال طلحة والزبير: ما ندري. فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرّعية ويقسم بينهم بالسّويّة ويشفق عليهم شفقة الرّجل على أهله ويقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري، ولكنّ الله عزّ وجلّ ملأ سلمان حكما وعلما وعدلا.
وروى زاذان عن سلمان: إنّ عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ووضعته في غير حقّه فأنت ملك. قال: فاستعبر عمر رضي الله عنه.
وعن يونس: إنّ معاوية كان يقول إذا جلس على المنبر: أيّها الناس إنّ الخلافة ليست لجمع المال ولا تفريقه، ولكنّ الخلافة بالحقّ والحكم بالعدل وأخذ الناس بأمر الله عزّ وجل.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها وذلك إنّ الله تعالى لمّا قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا فيما بينهم: ليخلق ربّنا ما شاء فلن يخلق خلقا أفضل ولا أكرم عليه منّا، وإن كان خيرا منّا فنحن أعلم منه لأنّا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره، فلما أعجبوا بعلمهم وعبادتهم، فضّل الله تعالى عليهم آدم عليه السّلام بالعلم فعلّمه الأسماء كلّها وهذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة.
واختلف العلماء في هذه الأسماء، فقال الربيع وابن أنس: أسماء الملائكة، وقال عبد الرحمن بن زيد: أسماء الذّرّية.
وقال ابن عبّاس ومجاهد وقتادة والضّحّاك: علّمه الله اسم كلّ شيء حتى القصعة والقصيعة.
(١) مسند أحمد: ٢/ ٢٦٤.
177
قال مقاتل: خلق الله كلّ شيء- الحيوان والجماد وغيرها- ثمّ علّم آدم أسماءها كلها.
فقال له: يا آدم هذا فرس، وهذا بغل، وهذا حمار حتى أتى على آخرها ثم عرض تلك الأشياء كما عرض الموجودات على الملائكة. فكذلك قال: ثُمَّ عَرَضَهُمْ ولم يقل: عرضها، وردّه الى الشخوص والمسمّيات لأنّ الأعراض لا تعرض.
وقيل: علّم الله آدم عليه السّلام صنعة كل شيء.
جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: علّم الله آدم أسماء الخلق والقرى والمدن والجبال والسباع وأسماء الطير والشجر وأسماء ما كان وما يكون وكل نسمة الله عزّ وجلّ بارئها إلى يوم القيامة، وعرض تلك الأسماء على الملائكة.
فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنّ الخليفة الذي أجعله في الأرض يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. أراد الله تعالى بذلك: كيف تدّعون علم ما لم يكن بعد، وأنتم لا تعلمون ما ترون وتعاينون.
وقال الحسن وقتادة:
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إني لا أخلق خلقا إلّا كنتم أعلم وأفضل منه، قالت الملائكة: إقرارا بالعجز واعتذارا.
قالُوا سُبْحانَكَ: تنزيها لك عن الاعتراض لعلمك في حكمك وتدبيرك، وهو نصب على المصدر، أي نسبح سبحانا في قول الخليل.
وقال الكسائي: خارج عن الوصف، وقيل: على النداء المضاف أي: يا سبحانك.
لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بخلقك الْحَكِيمُ في أمرك.
وللحكيم معنيان: أحدهما: المحكم للفعل، كقوله: عَذابٌ أَلِيمٌ، وحز وجيع. قال الشاعر:
أي المؤلم والموجع، والمسمع «٢» فعيل بمعنى: مفعل وعلى هذا التأويل هو صفة فعل.
والآخر: بمعنى (الحاكم العالم) وحينئذ يكون صفة ذات، وأصل الحكمة في كلام العرب: المنع. يقال: أحكمت اليتيم عن الفساد وحكمته، أي منعته.
قال جرير:
فقال له: يا آدم هذا فرس، وهذا بغل، وهذا حمار حتى أتى على آخرها ثم عرض تلك الأشياء كما عرض الموجودات على الملائكة. فكذلك قال: ثُمَّ عَرَضَهُمْ ولم يقل: عرضها، وردّه الى الشخوص والمسمّيات لأنّ الأعراض لا تعرض.
وقيل: علّم الله آدم عليه السّلام صنعة كل شيء.
جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: علّم الله آدم أسماء الخلق والقرى والمدن والجبال والسباع وأسماء الطير والشجر وأسماء ما كان وما يكون وكل نسمة الله عزّ وجلّ بارئها إلى يوم القيامة، وعرض تلك الأسماء على الملائكة.
فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنّ الخليفة الذي أجعله في الأرض يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. أراد الله تعالى بذلك: كيف تدّعون علم ما لم يكن بعد، وأنتم لا تعلمون ما ترون وتعاينون.
وقال الحسن وقتادة:
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إني لا أخلق خلقا إلّا كنتم أعلم وأفضل منه، قالت الملائكة: إقرارا بالعجز واعتذارا.
قالُوا سُبْحانَكَ: تنزيها لك عن الاعتراض لعلمك في حكمك وتدبيرك، وهو نصب على المصدر، أي نسبح سبحانا في قول الخليل.
وقال الكسائي: خارج عن الوصف، وقيل: على النداء المضاف أي: يا سبحانك.
لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بخلقك الْحَكِيمُ في أمرك.
وللحكيم معنيان: أحدهما: المحكم للفعل، كقوله: عَذابٌ أَلِيمٌ، وحز وجيع. قال الشاعر:
| أمن ريحانة الداعي السّميع | يؤرّقني وأصحابي هموع «١» |
والآخر: بمعنى (الحاكم العالم) وحينئذ يكون صفة ذات، وأصل الحكمة في كلام العرب: المنع. يقال: أحكمت اليتيم عن الفساد وحكمته، أي منعته.
قال جرير:
(١) تفسير الطبري: ١/ ١٧٩، وهو لعمرو بن معد يكرب.
(٢) هذا تفسير للشعر فقوله فيه: السميع: أي المسمع كما في تفسير الطبري.
(٢) هذا تفسير للشعر فقوله فيه: السميع: أي المسمع كما في تفسير الطبري.
178
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم... إني أخاف عليكم أن أغضبا «١»
ويقال للحديدة المعترضة في فم الدابة: حكمة لأنها تمنع الدابة من الاعوجاج، والحكمة تمنع من الباطل، ومالا يجمل فلا يحلّ في المحكم من الأمر بمنعه من الخلل، وفي هذه الآية دليل على جواز تكليف ما لا يطاق حيث أمر الله تعالى الملائكة بإنباء ما لم يعلموا، وهو عالم بعجزهم عنه.
فلما ظهر عجزهم، قال الله تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فسمّى كل شيء باسمه، وألحق كل شيء بجنسه.
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ أخبرهم. بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يا ملائكتي. إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما كن فيها وما يكون. وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ من الخضوع والطاعة لآدم.
وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ تخفون في أنفسكم من العداوة له. وقيل: ما تُبْدُونَ من الإقرار بالعجز والاعتذار، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من الكراهية في استخلاف آدم.
قال ابن عباس: هو أنّ إبليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه، فقال: لأمر ما خلق هذا، ثمّ دخل من فيه وخرج من دبره، وقال: إنّه لا يتماسك إلّا بالجوف، ثمّ قال للملائكة الذين معه: أرأيتم أن فضّل هذا عليكم، وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون؟ قالوا:
نطيع أمر ربّنا. فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكته، ولئن سلّط عليّ لأعصينّه.
فقال الله تعالى: وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعني الملائكة من الطاعة وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني إبليس من المعصية.
قال الحسن وقتادة: ما تُبْدُونَ يعني قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها... وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني قولهم لن يخلق خلقا أفضل ولا أعلم ولا أكرم عليه منّا.
القول في حدّ الاسم وأقسامه
فقال أصحابنا: الاسم: كل لفظة دلت على معنى ما وشيء ما، وهو مشتق من السّمة، وهي العلامة التي يعرف بها الشيء، وأقسامه ثمانية منها: اسم علم مثل زيد، وعمرو، وفاطمة، وعائشة، ودار، وفرس.
ومنها: اسم لازم كقولك: رجل، وامرأة، وشمس، وقمر، وحجر، ومدر ونحوها سمّي لازما لأنّه لا ينقلب ولا يفارق، فلا يقال للشمس قمر ولا للقمر حجر.
ومنها: اسم مفارق مثل: صغير، وكبير، وطفل، وكهل، وقليل، وكثير، وقيل له مفارق لأنّه كان ولم يكن له هذا الاسم ويزول عنه المعنى المسمّى به.
ومنها: اسم مشتق: ككاتب، وخياط، وصائغ، وصبّاغ فالاسم مشتق من فعله.
ويقال للحديدة المعترضة في فم الدابة: حكمة لأنها تمنع الدابة من الاعوجاج، والحكمة تمنع من الباطل، ومالا يجمل فلا يحلّ في المحكم من الأمر بمنعه من الخلل، وفي هذه الآية دليل على جواز تكليف ما لا يطاق حيث أمر الله تعالى الملائكة بإنباء ما لم يعلموا، وهو عالم بعجزهم عنه.
فلما ظهر عجزهم، قال الله تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فسمّى كل شيء باسمه، وألحق كل شيء بجنسه.
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ أخبرهم. بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يا ملائكتي. إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ما كن فيها وما يكون. وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ من الخضوع والطاعة لآدم.
وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ تخفون في أنفسكم من العداوة له. وقيل: ما تُبْدُونَ من الإقرار بالعجز والاعتذار، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من الكراهية في استخلاف آدم.
قال ابن عباس: هو أنّ إبليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه، فقال: لأمر ما خلق هذا، ثمّ دخل من فيه وخرج من دبره، وقال: إنّه لا يتماسك إلّا بالجوف، ثمّ قال للملائكة الذين معه: أرأيتم أن فضّل هذا عليكم، وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون؟ قالوا:
نطيع أمر ربّنا. فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكته، ولئن سلّط عليّ لأعصينّه.
فقال الله تعالى: وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ يعني الملائكة من الطاعة وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني إبليس من المعصية.
قال الحسن وقتادة: ما تُبْدُونَ يعني قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها... وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني قولهم لن يخلق خلقا أفضل ولا أعلم ولا أكرم عليه منّا.
القول في حدّ الاسم وأقسامه
فقال أصحابنا: الاسم: كل لفظة دلت على معنى ما وشيء ما، وهو مشتق من السّمة، وهي العلامة التي يعرف بها الشيء، وأقسامه ثمانية منها: اسم علم مثل زيد، وعمرو، وفاطمة، وعائشة، ودار، وفرس.
ومنها: اسم لازم كقولك: رجل، وامرأة، وشمس، وقمر، وحجر، ومدر ونحوها سمّي لازما لأنّه لا ينقلب ولا يفارق، فلا يقال للشمس قمر ولا للقمر حجر.
ومنها: اسم مفارق مثل: صغير، وكبير، وطفل، وكهل، وقليل، وكثير، وقيل له مفارق لأنّه كان ولم يكن له هذا الاسم ويزول عنه المعنى المسمّى به.
ومنها: اسم مشتق: ككاتب، وخياط، وصائغ، وصبّاغ فالاسم مشتق من فعله.
(١) لسان العرب: ١٢/ ١٤٤.
179
ومنها: اسم مضاف مثل: غلام جعفر، وركوب عمرو، ودار زيد.
ومنها: اسم مشبهة كقولك: فلان أسد وحمار وشعلة نار.
ومنها: اسم منسوب يثبت بنفسه ويثبت غيره، كقولك: أب، وأمّ، وأخ، وأخت، وابن، وبنت، وزوج، وزوجة، فإذا قلت أب فقد أثبته وأثبت له الولد، وإذا قلت: أخ أثبته وأثبت له الأخت.
ومنها: اسم الجنس: وهو اسم واحد ويدل على أشياء كثيرة، كقولك: حيوان، وناس ونحوهما.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ سجدة تعظيم وتحية لا سجود صلاة وعبادة، نظيره قوله في قصة يوسف: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً «١» وكان ذلك تحيّة الناس، ويعظم بعضهم بعضا، ولم يكن وضع الوجه على الأرض [وإنما] كان الانحناء والتكبير والتقبيل. فلما جاء الإسلام بطّل ذلك بالسّلام.
وفي الحديث إنّ معاذ بن جبل رجع من اليمن فسجد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتغيّر وجه رسول الله فقال: ما هذا؟ قال: رأيت اليهود يسجدون لأحبارهم والنصارى يسجدون لقسّيسيهم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مه يا معاذ كذب اليهود والنصارى إنّما السجود لله تعالى»
[٨١] «٢».
وقال بعضهم: كان سجودا على الحقيقة جعل آدم قبلة لهم والسجود لله، كما جعلت الكعبة قبلة لصلاة المؤمنين والصلاة لله تعالى.
قال ابن مسعود: أمرهم الله تعالى أن يأتوا بآدم فسجدت الملائكة وآدم لله ربّ العالمين.
وقال أبيّ بن كعب: معناه: أقروا لآدم إنّه خير وأكرم عليّ منكم فأقروا بذلك، والسجود على قول عبد الله وأبيّ بمعنى الخضوع والطاعة والتذلل، كقول الشاعر:
ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر «٣»
وآدم على وزن افعل.
فلذلك لم يصرفه.
السّدي عمّن حدّثه عن ابن عباس قال: إنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض
، ومنهم من قال: سمّي بذلك لأنه خلق من التراب، والتراب بلسان العبرانية آدم، وبعضهم من قال:
ومنها: اسم مشبهة كقولك: فلان أسد وحمار وشعلة نار.
ومنها: اسم منسوب يثبت بنفسه ويثبت غيره، كقولك: أب، وأمّ، وأخ، وأخت، وابن، وبنت، وزوج، وزوجة، فإذا قلت أب فقد أثبته وأثبت له الولد، وإذا قلت: أخ أثبته وأثبت له الأخت.
ومنها: اسم الجنس: وهو اسم واحد ويدل على أشياء كثيرة، كقولك: حيوان، وناس ونحوهما.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ سجدة تعظيم وتحية لا سجود صلاة وعبادة، نظيره قوله في قصة يوسف: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً «١» وكان ذلك تحيّة الناس، ويعظم بعضهم بعضا، ولم يكن وضع الوجه على الأرض [وإنما] كان الانحناء والتكبير والتقبيل. فلما جاء الإسلام بطّل ذلك بالسّلام.
وفي الحديث إنّ معاذ بن جبل رجع من اليمن فسجد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتغيّر وجه رسول الله فقال: ما هذا؟ قال: رأيت اليهود يسجدون لأحبارهم والنصارى يسجدون لقسّيسيهم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مه يا معاذ كذب اليهود والنصارى إنّما السجود لله تعالى»
[٨١] «٢».
وقال بعضهم: كان سجودا على الحقيقة جعل آدم قبلة لهم والسجود لله، كما جعلت الكعبة قبلة لصلاة المؤمنين والصلاة لله تعالى.
قال ابن مسعود: أمرهم الله تعالى أن يأتوا بآدم فسجدت الملائكة وآدم لله ربّ العالمين.
وقال أبيّ بن كعب: معناه: أقروا لآدم إنّه خير وأكرم عليّ منكم فأقروا بذلك، والسجود على قول عبد الله وأبيّ بمعنى الخضوع والطاعة والتذلل، كقول الشاعر:
ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر «٣»
وآدم على وزن افعل.
فلذلك لم يصرفه.
السّدي عمّن حدّثه عن ابن عباس قال: إنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض
، ومنهم من قال: سمّي بذلك لأنه خلق من التراب، والتراب بلسان العبرانية آدم، وبعضهم من قال:
(١) سورة يوسف: ١٠٠.
(٢) المعجم الكبير: ٨/ ٣١. بتفاوت. [.....]
(٣) جامع البيان للطبري: ١/ ٤٢٧. والعبارة كالتالي:
(٢) المعجم الكبير: ٨/ ٣١. بتفاوت. [.....]
(٣) جامع البيان للطبري: ١/ ٤٢٧. والعبارة كالتالي:
| بجمع تضل البلق في حجراته | ترى الاكم فيه سجدا للحوافر |
| حسن من علم يزينه حلم | ومن ناله قد فاز بالفرج |
وقال آخر:
| لكل همّ من الهموم سعة | والمسى والصبح لا فلاح معه «٢» |
وقال الشاعر وهو حسّان:
| إنّ شرخ الشباب والشعر الأسود | ما لم يعاص كان جنونا «٤» |
ردّ الكناية إلى الاستعانة، معناه: وأن الاستعانة بالصبر والصلاة لكبيرة ثقيلة شديدة إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ يعني المؤمنين، وقال ابن عباس: يعني المصلّين. الوراق: العابدين المطيعين.
مقاتل بن حيان: المتواضعين، الحسن: الخائفين. قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخنوع عليه، وكخشوع الدار بعد الإقواء، هذا هو الأصل «٥».
وقال النابغة:
| رماد ككحل العين ما أن تبينه | ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع |
وقال دريد بن الصمة:
| فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج | سراتهم في الفارسي المسرّد «٧» |
(١) سورة المؤمنون: ٥٠.
(٢) شرح الرضي على الكافية: ٤/ ٤٩٤ وفيه: لا بقاء معه.
(٣) سورة التوبة: ٦٢.
(٤) الصحاح: ١/ ٤٢٤.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ٣٧٤.
(٦) سورة الحاقة: ٢١.
(٧) الصحاح: ٦/ ٢١٦٠.
(٢) شرح الرضي على الكافية: ٤/ ٤٩٤ وفيه: لا بقاء معه.
(٣) سورة التوبة: ٦٢.
(٤) الصحاح: ١/ ٤٢٤.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ٣٧٤.
(٦) سورة الحاقة: ٢١.
(٧) الصحاح: ٦/ ٢١٦٠.
189
يعني أيقنوا.
والظن من الأضداد يكون شكّا ويقينا كالرّجاء يكون أملا وخوفا.
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ معاينو ربّهم في الآخرة وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ فيجزيهم بأعمالهم.
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ يعني عالمي زمانكم.
وَاتَّقُوا يَوْماً أي واحذروا يوما واخشوا يوم.
لا تَجْزِي أي لا تقضي ولا تكفي ولا تغني.
ومنه
الحديث عن أبي بردة بن ديّان في الأضحية: لا تجزي عن أحد بعدك.
وقرأ أبو السماك العدوي: لا تُجزئ مضمومة التّاء مهموزة الياء من أجزأ يجزي إذا كفي.
قال الشاعر:
وقال الزجاج: وفي الآية إضمار معناه: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً من الشدائد والمكاره.
وأنشد الشاعر:
ويوم شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه.
وقيل: معناه: ولا تغني نفس مؤمنة ولا كافرة عن نفس كافرة.
وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ إذا كانت كافرة.
قرأ أهل مكّة والبصرة: بالتّاء لتأنيث الشفاعة. وقرأ الباقون: بالياء لتقديم الفعل.
وقرأ قتادة: (وَلا يَقْبَلُ مِنْها شَفاعَةً) بياء مفتوحة، ونصب الشفاعة أي لا يقبل الله.
وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ فداءً كانوا يأخذون في الدنيا، وسمّي الفداء عدلا لأنّه يعادل المفدّى ويماثله قال الله عزّ وجلّ: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً «٢».
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي يمنعون من عذاب الله.
والظن من الأضداد يكون شكّا ويقينا كالرّجاء يكون أملا وخوفا.
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ معاينو ربّهم في الآخرة وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ فيجزيهم بأعمالهم.
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ يعني عالمي زمانكم.
وَاتَّقُوا يَوْماً أي واحذروا يوما واخشوا يوم.
لا تَجْزِي أي لا تقضي ولا تكفي ولا تغني.
ومنه
الحديث عن أبي بردة بن ديّان في الأضحية: لا تجزي عن أحد بعدك.
وقرأ أبو السماك العدوي: لا تُجزئ مضمومة التّاء مهموزة الياء من أجزأ يجزي إذا كفي.
قال الشاعر:
| وأجزأت أمر العالمين ولم يكن | ليجزي إلّا كامل وابن كامل «١» |
وأنشد الشاعر:
ويوم شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه.
وقيل: معناه: ولا تغني نفس مؤمنة ولا كافرة عن نفس كافرة.
وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ إذا كانت كافرة.
قرأ أهل مكّة والبصرة: بالتّاء لتأنيث الشفاعة. وقرأ الباقون: بالياء لتقديم الفعل.
وقرأ قتادة: (وَلا يَقْبَلُ مِنْها شَفاعَةً) بياء مفتوحة، ونصب الشفاعة أي لا يقبل الله.
وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ فداءً كانوا يأخذون في الدنيا، وسمّي الفداء عدلا لأنّه يعادل المفدّى ويماثله قال الله عزّ وجلّ: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً «٢».
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي يمنعون من عذاب الله.
(١) تفسير القرطبي: ١/ ٣٧٨.
(٢) سورة المائدة: ٩٥.
(٢) سورة المائدة: ٩٥.
190
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﰰ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰱ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰲ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
ﰳ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰴ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ
ﰵ
قال الزجاج: كانت اليهود تزعم أنّ آباءها الأنبياء تشفع لهم عند الله عزّ وجلّ، فأيأسهم الله من ذلك.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ يعني أسلافكم وآباءكم فاعتدّها منّة عليهم لأنّهم نجوا بنجاتهم، ومآثر الآباء مفاخر الأبناء.
وقوله: فَأَنْجَيْناكُمْ «١» : أصله ألقيناكم على النّجاة وهو ما ارتفع واتّسع من الأرض هذا، هو الأصل، ثم سمّي كلّ فائز ناجيا كأنّه خرج من الضيق والشدة الى الرخاء والراحة.
وقرأ إبراهيم النخعي: وإذ نجّاكم على الواحد.
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أي أشياعه وأتباعه وأسرته وعزّته وأهل دينه، وأصله من الأول وهو الرجوع كأنّه يؤول إليك، وكان في الأصل همزتان فعوّضت من إحداهما مدّ وتخفيف.
وفرعون: هو الوليد بن مصعب بن الريّان، وكان من العماليق.
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني يكلّفونكم ويذيقونكم أشدّ العذاب وأسوأه، وذلك أنّ فرعون جعل بني إسرائيل خدما وعبيدا وصنّفهم في أعمالهم. فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمون، ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال فعليه الجزية.
يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ.
وقرأ ابن محيصن: بالتخفيف فتح الياء والباء من الذبح، والتشديد على التكثير، وذلك أنّ فرعون رأى في منامه كأنّ نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فهاله ذلك، ودعا بالسحرة والكهنة وسألهم عن رؤياه فقالوا: إنّه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل، وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهنّ: لا
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ يعني أسلافكم وآباءكم فاعتدّها منّة عليهم لأنّهم نجوا بنجاتهم، ومآثر الآباء مفاخر الأبناء.
وقوله: فَأَنْجَيْناكُمْ «١» : أصله ألقيناكم على النّجاة وهو ما ارتفع واتّسع من الأرض هذا، هو الأصل، ثم سمّي كلّ فائز ناجيا كأنّه خرج من الضيق والشدة الى الرخاء والراحة.
وقرأ إبراهيم النخعي: وإذ نجّاكم على الواحد.
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أي أشياعه وأتباعه وأسرته وعزّته وأهل دينه، وأصله من الأول وهو الرجوع كأنّه يؤول إليك، وكان في الأصل همزتان فعوّضت من إحداهما مدّ وتخفيف.
وفرعون: هو الوليد بن مصعب بن الريّان، وكان من العماليق.
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني يكلّفونكم ويذيقونكم أشدّ العذاب وأسوأه، وذلك أنّ فرعون جعل بني إسرائيل خدما وعبيدا وصنّفهم في أعمالهم. فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمون، ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال فعليه الجزية.
يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ.
وقرأ ابن محيصن: بالتخفيف فتح الياء والباء من الذبح، والتشديد على التكثير، وذلك أنّ فرعون رأى في منامه كأنّ نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فهاله ذلك، ودعا بالسحرة والكهنة وسألهم عن رؤياه فقالوا: إنّه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك، فأمر فرعون بقتل كلّ غلام يولد في بني إسرائيل، وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهنّ: لا
(١) سورة البقرة: ٥٠.
191
يسقطنّ على أيديكنّ غلام من بني إسرائيل إلّا قتل ولا جارية إلّا تركت، ووكّل بهنّ من يفعلن ذلك، وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا له: إنّ الموت قد وقع في بني إسرائيل وأنت تذبح صغارهم [ويموت كبارهم، فيوشك أن يقع العمل علينا، فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك، وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها].
وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ في إنجائكم منهم نعمة عظيمة، والبلاء تنصرف على وجهين:
النعماء والنقماء [.............] «١».
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ....... «٢»..
الْبَحْرَ: وذلك إنّه لما دنا هلاك فرعون أمر الله عزّ وجلّ موسى أن يسري ببني إسرائيل، وأمرهم أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله عزّ وجلّ كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم وأخرج [من بني إسرائيل كل ولد زنا منهم] «٣» إلى القبط حتى رجع كل واحد منهم الى أبيه، وألقى الله عزّ وجلّ على القبط الموت فمات كل بكرا، فاشتغلوا بدفنهم [عن طلبهم حتى] «٤» طلعت الشمس وخرج موسى عليه السّلام في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يتعدّون ابن العشرين أصغرهم، ولا ابن الستين أكبرهم، سوى الذرية. فلما أرادوا السير ضرب عليهم التّيه فلم يدروا أين يذهبون، فدعا موسى عليه السّلام مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك.
فقالوا: إنّ يوسف عليه السّلام لما حضرته الوفاة أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسدّ علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا.
فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف إلّا أخبرني به، ومن لم يعلم فصمّت أذناه عن قولي. فكان يمرّ بين الرّجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كلّما سألتك، فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربّي، فأمره الله عزّ وجلّ بإيتاء سؤلها، فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر هذا في الدّنيا، وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل بغرفة من الجنة إلّا نزلتها معك، قال: نعم، قالت: إنّه في جوف الماء في النيل، فادع الله حتى يحبس عنه الماء. فدعا الله فحبس عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف، فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من المرمر فحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق.
وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ في إنجائكم منهم نعمة عظيمة، والبلاء تنصرف على وجهين:
النعماء والنقماء [.............] «١».
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ....... «٢»..
الْبَحْرَ: وذلك إنّه لما دنا هلاك فرعون أمر الله عزّ وجلّ موسى أن يسري ببني إسرائيل، وأمرهم أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله عزّ وجلّ كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم وأخرج [من بني إسرائيل كل ولد زنا منهم] «٣» إلى القبط حتى رجع كل واحد منهم الى أبيه، وألقى الله عزّ وجلّ على القبط الموت فمات كل بكرا، فاشتغلوا بدفنهم [عن طلبهم حتى] «٤» طلعت الشمس وخرج موسى عليه السّلام في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يتعدّون ابن العشرين أصغرهم، ولا ابن الستين أكبرهم، سوى الذرية. فلما أرادوا السير ضرب عليهم التّيه فلم يدروا أين يذهبون، فدعا موسى عليه السّلام مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك.
فقالوا: إنّ يوسف عليه السّلام لما حضرته الوفاة أخذ على إخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسدّ علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا.
فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف إلّا أخبرني به، ومن لم يعلم فصمّت أذناه عن قولي. فكان يمرّ بين الرّجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كلّما سألتك، فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربّي، فأمره الله عزّ وجلّ بإيتاء سؤلها، فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر هذا في الدّنيا، وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل بغرفة من الجنة إلّا نزلتها معك، قال: نعم، قالت: إنّه في جوف الماء في النيل، فادع الله حتى يحبس عنه الماء. فدعا الله فحبس عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف، فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من المرمر فحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق.
(١) بياض في المخطوط. [.....]
(٢) كلام غير مقروء.
(٣) استدراك عن الدر المنثور: ٥/ ٨٤ والمخطوط بياض.
(٤) استدراك عن تفسير الطبري: ١/ ٣٩٦.
(٢) كلام غير مقروء.
(٣) استدراك عن الدر المنثور: ٥/ ٨٤ والمخطوط بياض.
(٤) استدراك عن تفسير الطبري: ١/ ٣٩٦.
192
فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم، وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الدّيك. فو الله ما صاح ديك في تلك الليلة.
فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألف من دهم الخيل سوى سائر الشّيات، وسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة.
نظروا فإذا هم بفرعون وذلك حين أشرقت الشمس، فبقوا متحيرين وقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وما الحيلة؟ فرعون خلفنا والبحر أمامنا. قال موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ «١» فأوحى إليه: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ «٢» فضربه فلم يطعه، فأوحى الله إليه أن كنّه، فضربه موسى بعصاه وقال: انفلق أبا خالد بإذن الله، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ «٣» وظهر فيها اثنا عشر طريقا لكلّ سبط طريق، وأرسل الله عزّ وجلّ الريح والشمس على مقر البحر حتى صار يبسا.
وقال سعيد بن جبير: أرسل معاوية الى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلّا مرة واحدة؟ فكتب إليه: إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل «٤».
فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا، فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا. فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي، فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أي فقلنا وميّزنا الماء يمينا وشمالا.
فَأَنْجَيْناكُمْ من آل فرعون والغرق.
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وذلك إنّ فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقا، قال لقومه:
انظروا إلى البحر انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا وأقتلهم، أدخلوا البحر، فهاب قومه أن يدخلوه ولم يكن في خيل فرعون أنثى، وإنما كانت كلها ذكور، فجاء جبرائيل عليه السّلام على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر، فلما شمّت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم، حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وهمّ أولهم أن يخرج، أمر الله تعالى البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين وذلك بمرأى من بني إسرائيل، وذلك قوله: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ.
فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم سبعون ألف من دهم الخيل سوى سائر الشّيات، وسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة.
نظروا فإذا هم بفرعون وذلك حين أشرقت الشمس، فبقوا متحيرين وقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وما الحيلة؟ فرعون خلفنا والبحر أمامنا. قال موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ «١» فأوحى إليه: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ «٢» فضربه فلم يطعه، فأوحى الله إليه أن كنّه، فضربه موسى بعصاه وقال: انفلق أبا خالد بإذن الله، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ «٣» وظهر فيها اثنا عشر طريقا لكلّ سبط طريق، وأرسل الله عزّ وجلّ الريح والشمس على مقر البحر حتى صار يبسا.
وقال سعيد بن جبير: أرسل معاوية الى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلّا مرة واحدة؟ فكتب إليه: إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل «٤».
فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا، فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا. فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي، فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا، ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أي فقلنا وميّزنا الماء يمينا وشمالا.
فَأَنْجَيْناكُمْ من آل فرعون والغرق.
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وذلك إنّ فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقا، قال لقومه:
انظروا إلى البحر انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا وأقتلهم، أدخلوا البحر، فهاب قومه أن يدخلوه ولم يكن في خيل فرعون أنثى، وإنما كانت كلها ذكور، فجاء جبرائيل عليه السّلام على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر، فلما شمّت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم، حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وهمّ أولهم أن يخرج، أمر الله تعالى البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين وذلك بمرأى من بني إسرائيل، وذلك قوله: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ.
(١) سورة الشعراء: ٦٢.
(٢) سورة الشعراء: ٦٣.
(٣) سورة الشعراء: ٦٣.
(٤) البداية والنهاية: ٨/ ٣٣٤، وذكر تمام القصة.
(٢) سورة الشعراء: ٦٣.
(٣) سورة الشعراء: ٦٣.
(٤) البداية والنهاية: ٨/ ٣٣٤، وذكر تمام القصة.
193
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلى مصارعهم.
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وذلك أنّ بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم، ودخلوا مصر، ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها، فوعد الله عزّ وجلّ موسى أن ينزّل عليهم التوراة، فقال موسى لقومه: إنّي ذاهب إلى ميقات ربي، وآتيكم بكتاب فيه تبيان ما تأتون وما تذرون، فواعدهم أربعين ليلة- ثلاثين من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة- واستخلف عليهم أخاه هارون.
فلما أتى الوعد جاء جبرئيل على فرس يقال لها فرس الحياة لا يصيب شيئا إلّا حييّ ليذهب بموسى إلى ربه، فلمّا رآه السامري وكان رجلا صائغا من أهل باجرو واسمه ميخا- وقال ابن عباس: اسمه موسى بن ظفر، وكان رجلا منافقا قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل قلبه حبّ البقر- فلما رأى جبرئيل على ذلك الفرس، قال: إنّ لهذا شأنا، وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرئيل، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرا من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لغلة عرس لهم فأهلك الله عزّ وجلّ قوم فرعون فبقيت تلك الحلي في يد بني إسرائيل. فلما وصل موسى. قال السامري: إنّ الأمتعة والحلي التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة، ولا تحلّ لكم. فاحفروا حفرة وادفنوها فيها حتى يرجع موسى، ويرى فيها رأيه، ففعلوا ذلك.
فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري، ثم ألقى القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرئيل فيه، فخرج عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون وخار خورة. قال السّدي: كان يخور ويمشي [ويقول:] هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ، أي تركه هاهنا وخرج بطلبه.
وكان بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدّوا اليوم والليلة يومين، فلما مضت عشرون يوما ولم يرجع موسى عليه السّلام ورأوا العجل وسمعوا قول السامري، أفتتن بالعجل ثمانية ألف رجل منهم، وعكفوا عليه يعبدونه من دون الله عزّ وجلّ.
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى: قرأ أبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب: (وعدنا) بغير ألف في جميع القرآن، وقرأ الباقون: (واعَدْنا) بالألف، وهي قراءة ابن مسعود. فمن قرأ بغير ألف قال: لأنّ الله عزّ وجلّ هو المتفرد بالوعد والقرآن ينطق به كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ «١» وقوله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ «٢»، ومن قرأ بالألف قال: قد يجيء المفاعلة من واحد كقولهم: عاقبت اللص، وعافاك الله، وطارقت النعل.
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وذلك أنّ بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم، ودخلوا مصر، ولم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها، فوعد الله عزّ وجلّ موسى أن ينزّل عليهم التوراة، فقال موسى لقومه: إنّي ذاهب إلى ميقات ربي، وآتيكم بكتاب فيه تبيان ما تأتون وما تذرون، فواعدهم أربعين ليلة- ثلاثين من ذي القعدة وعشرا من ذي الحجة- واستخلف عليهم أخاه هارون.
فلما أتى الوعد جاء جبرئيل على فرس يقال لها فرس الحياة لا يصيب شيئا إلّا حييّ ليذهب بموسى إلى ربه، فلمّا رآه السامري وكان رجلا صائغا من أهل باجرو واسمه ميخا- وقال ابن عباس: اسمه موسى بن ظفر، وكان رجلا منافقا قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل قلبه حبّ البقر- فلما رأى جبرئيل على ذلك الفرس، قال: إنّ لهذا شأنا، وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرئيل، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حليا كثيرا من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لغلة عرس لهم فأهلك الله عزّ وجلّ قوم فرعون فبقيت تلك الحلي في يد بني إسرائيل. فلما وصل موسى. قال السامري: إنّ الأمتعة والحلي التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة، ولا تحلّ لكم. فاحفروا حفرة وادفنوها فيها حتى يرجع موسى، ويرى فيها رأيه، ففعلوا ذلك.
فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري، ثم ألقى القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرئيل فيه، فخرج عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون وخار خورة. قال السّدي: كان يخور ويمشي [ويقول:] هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ، أي تركه هاهنا وخرج بطلبه.
وكان بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدّوا اليوم والليلة يومين، فلما مضت عشرون يوما ولم يرجع موسى عليه السّلام ورأوا العجل وسمعوا قول السامري، أفتتن بالعجل ثمانية ألف رجل منهم، وعكفوا عليه يعبدونه من دون الله عزّ وجلّ.
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى: قرأ أبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب: (وعدنا) بغير ألف في جميع القرآن، وقرأ الباقون: (واعَدْنا) بالألف، وهي قراءة ابن مسعود. فمن قرأ بغير ألف قال: لأنّ الله عزّ وجلّ هو المتفرد بالوعد والقرآن ينطق به كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ «١» وقوله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ «٢»، ومن قرأ بالألف قال: قد يجيء المفاعلة من واحد كقولهم: عاقبت اللص، وعافاك الله، وطارقت النعل.
(١) سورة النساء: ٩٥.
(٢) سورة إبراهيم: ٢٢.
(٢) سورة إبراهيم: ٢٢.
194
قال الزجاج: (واعَدْنا) جيد لأن بالطاعة والقبول بمنزلة المواعدة فكان من الله الوعد ومن موسى القبول.
وموسى: هو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب.
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وقرأ زيد بن علي: (أَرْبِعِينَ) بكسر الباء وهي لغة، و (لَيْلَةً) نصب على التمييز والتفسير، وإنّما قرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على مسير القمر، والهلال إنّما يهلّ بالليل، وقيل لأنّ الظلمة أقدم من الضوء، والليل خلق قبل النهار. قال الله عزّ وجلّ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ «١» الآية.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ يقول أبو العالية: إنّما سمّي العجل لأنّهم تعجّلوه قبل رجوع موسى عليه السّلام.
مِنْ بَعْدِهِ من بعد انطلاق موسى إلى الجبل للميعاد.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ مشّاؤون لأنفسكم بالمعصية، وواضعون العبادة في غير موضعها.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ أي تركناكم فلم نستأصلكم،
من قول له عليه السّلام: أحفوا الشّوارب واعفوا اللحي
، وقيل: محونا ذنوبكم، من قول العرب: عفت الرّيح المنازل فعفت.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد عبادتكم العجل.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لكي تشكروا عفوي عنكم، وصنيعي إليكم.
واختلف العلماء في ماهيّة الشكر، فقال ابن عباس: هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السر والعلانية.
وقال الحسن: شكر النعمة ذكرها، قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «٢».
الفضل: شكر كل نعمة ألّا يعصى الله بعد تلك النعمة.
أبو بكر بن محمد بن عمر الوراق: حقيقة الشكر: معرفة المنعم، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا بل تراها من الله عزّ وجلّ. قال الله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ «٣» يدل عليه ما
روى سيف بن ميمون عن الحسين: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال موسى عليه السّلام: يا ربّ كيف استطاع آدم أن يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمك، خلقته بيدك وأسجدت له ملائكتك واسكنته جنّتك؟ فأوحى الله إليه: إنّ آدم علم إنّ ذلك كله منّي ومن عندي فذلك شكر» [٨٥] «٤».
وموسى: هو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب.
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وقرأ زيد بن علي: (أَرْبِعِينَ) بكسر الباء وهي لغة، و (لَيْلَةً) نصب على التمييز والتفسير، وإنّما قرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على مسير القمر، والهلال إنّما يهلّ بالليل، وقيل لأنّ الظلمة أقدم من الضوء، والليل خلق قبل النهار. قال الله عزّ وجلّ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ «١» الآية.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ يقول أبو العالية: إنّما سمّي العجل لأنّهم تعجّلوه قبل رجوع موسى عليه السّلام.
مِنْ بَعْدِهِ من بعد انطلاق موسى إلى الجبل للميعاد.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ مشّاؤون لأنفسكم بالمعصية، وواضعون العبادة في غير موضعها.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ أي تركناكم فلم نستأصلكم،
من قول له عليه السّلام: أحفوا الشّوارب واعفوا اللحي
، وقيل: محونا ذنوبكم، من قول العرب: عفت الرّيح المنازل فعفت.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد عبادتكم العجل.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لكي تشكروا عفوي عنكم، وصنيعي إليكم.
واختلف العلماء في ماهيّة الشكر، فقال ابن عباس: هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السر والعلانية.
وقال الحسن: شكر النعمة ذكرها، قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «٢».
الفضل: شكر كل نعمة ألّا يعصى الله بعد تلك النعمة.
أبو بكر بن محمد بن عمر الوراق: حقيقة الشكر: معرفة المنعم، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا بل تراها من الله عزّ وجلّ. قال الله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ «٣» يدل عليه ما
روى سيف بن ميمون عن الحسين: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال موسى عليه السّلام: يا ربّ كيف استطاع آدم أن يؤدي شكر ما أجريت عليه من نعمك، خلقته بيدك وأسجدت له ملائكتك واسكنته جنّتك؟ فأوحى الله إليه: إنّ آدم علم إنّ ذلك كله منّي ومن عندي فذلك شكر» [٨٥] «٤».
(١) سورة يس: ٣٧.
(٢) سورة الضحى: ١١.
(٣) سورة النحل: ٥٣.
(٤) روضة الواعظين (الفتال النيسابوري) : ص: ٤٧٣، الشكر لله- ابن أبي الدنيا- ص: ٧٠.
(٢) سورة الضحى: ١١.
(٣) سورة النحل: ٥٣.
(٤) روضة الواعظين (الفتال النيسابوري) : ص: ٤٧٣، الشكر لله- ابن أبي الدنيا- ص: ٧٠.
195
وعن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخرساني عن وهب بن منبّه قال: قال داود عليه السّلام:
إلهي كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلّا بنعمتك؟ فأوحى الله تعالى إليه: ألست تعلم أنّ الذي بك من النعم منّي؟ قال: بلى يا ربّ، قال: أرضى بذلك لك شكرا.
وقال وهب: وكذلك قال موسى: يا ربّ أنعمت عليّ بالنعم السوابغ وأمرتني بالشكر لك عليها، وإنما شكري لكل نعمة منك عليّ، فقال الله: يا موسى تعلّمت العلم الذي لا يفوته علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو منّي ومن عندي.
قال الجنيد: حقيقة الشكر: العجز عن الشكر.
وروى ذلك عن داود عليه السّلام إنّه قال: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.
وقال بعضهم: الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم.
أبو عثمان الخيري: صدق الشكر: لا تمدح بلسانك غير المنعم.
أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الرازي عن الشبلي: الشكر: التواضع تحت رؤية المنّة.
وقيل: الشكر خمسة أشياء: مجانبة السيئات، والمحافظة على الحسنات، ومخالفة الشهوات، وبذل الطاعات، ومراقبة ربّ السموات.
قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم القناد في الجامع بحضرة أبي بكر بن عدوس وأنا حاضر: من أشكر الشاكرين؟ قال: الطاهر من الذنوب، يعدّ نفسه من المذنبين، والمجتهد في النوافل بعداد الفرائض، يعدّ نفسه من المقصّرين، والراضي بالقليل من الدّنيا، يعد نفسه من المفلسين، فهذا أشكر الشاكرين.
بكر بن عبد الرحمن عن ذي النّور: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ قال مجاهد والفراء: هما شيء واحد، والعرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه على التوهم، وأنشد الفراء:
إلهي كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلّا بنعمتك؟ فأوحى الله تعالى إليه: ألست تعلم أنّ الذي بك من النعم منّي؟ قال: بلى يا ربّ، قال: أرضى بذلك لك شكرا.
وقال وهب: وكذلك قال موسى: يا ربّ أنعمت عليّ بالنعم السوابغ وأمرتني بالشكر لك عليها، وإنما شكري لكل نعمة منك عليّ، فقال الله: يا موسى تعلّمت العلم الذي لا يفوته علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو منّي ومن عندي.
قال الجنيد: حقيقة الشكر: العجز عن الشكر.
وروى ذلك عن داود عليه السّلام إنّه قال: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكرا، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.
وقال بعضهم: الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم.
أبو عثمان الخيري: صدق الشكر: لا تمدح بلسانك غير المنعم.
أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الرازي عن الشبلي: الشكر: التواضع تحت رؤية المنّة.
وقيل: الشكر خمسة أشياء: مجانبة السيئات، والمحافظة على الحسنات، ومخالفة الشهوات، وبذل الطاعات، ومراقبة ربّ السموات.
قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سئل أبو الحسن علي بن عبد الرحيم القناد في الجامع بحضرة أبي بكر بن عدوس وأنا حاضر: من أشكر الشاكرين؟ قال: الطاهر من الذنوب، يعدّ نفسه من المذنبين، والمجتهد في النوافل بعداد الفرائض، يعدّ نفسه من المقصّرين، والراضي بالقليل من الدّنيا، يعد نفسه من المفلسين، فهذا أشكر الشاكرين.
بكر بن عبد الرحمن عن ذي النّور: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ قال مجاهد والفراء: هما شيء واحد، والعرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه على التوهم، وأنشد الفراء:
| وقدّمت الأديم لراهشيه | وألفى قولها كذبا ومينا «١» |
(١) تاج العروس: ٩/ ٣٥٥. [.....]
196
وقال عنترة:
وقال الزجاج: وهذا هو القول لأنّ الله عزّ وجلّ ذكر لموسى الفرقان في غير هذا الموضع فقال: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ «٤».
وقال الكسائي: الفرقان: نعت للكتاب، يريد: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ فرّق بين الحلال والحرام، والكفر والإيمان، والوعد والوعيد. فزيدت الواو فيه كما يزاد في النعوت من قولهم: فلان حسن وطويل، وأنشد:
ودليل هذا التأويل قوله: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ «٦».
وقال قطرب: أراد به الفرقان، وفي الآية إضمار، ومعناه: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَمحمّد الْفُرْقانَ.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين، كقول الشاعر:
وقال ابن عباس: أراد بالفرقان النصر على الأعداء، نصر الله عزّ وجلّ موسى وأهلك فرعون وقومه، يدلّ عليه قوله عزّ وجلّ: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ «٨» يوم بدر.
يمان بن رباب: الفرقان: انفراق البحر وهو من عظيم الآيات، يدلّ عليه قوله تعالى:
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ الذين اتخذوا العجل. يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي ضررتم أنفسكم بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ إلها، فقالوا: فأي شيء نصنع وما الحيلة؟ قال: فَتُوبُوا
| حيّيت من طلل تقادم «١» عهده | أقوى «٢» وأقفر بعد أمّ الهيثم «٣» |
وقال الكسائي: الفرقان: نعت للكتاب، يريد: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ فرّق بين الحلال والحرام، والكفر والإيمان، والوعد والوعيد. فزيدت الواو فيه كما يزاد في النعوت من قولهم: فلان حسن وطويل، وأنشد:
| إلى الملك العزم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم «٥» |
وقال قطرب: أراد به الفرقان، وفي الآية إضمار، ومعناه: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَمحمّد الْفُرْقانَ.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين، كقول الشاعر:
| تراه كأن الله يجدع أنفه | وعينيه إن مولاه بات له وفر «٧» |
يمان بن رباب: الفرقان: انفراق البحر وهو من عظيم الآيات، يدلّ عليه قوله تعالى:
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ الذين اتخذوا العجل. يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي ضررتم أنفسكم بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ إلها، فقالوا: فأي شيء نصنع وما الحيلة؟ قال: فَتُوبُوا
(١) كذا في القرطبي.
(٢) كذا في تفسير القرطبي.
(٣) تفسير القرطبي: ١/ ٣٩٩.
(٤) سورة الأنبياء: ٤٨.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ٣٨٥.
(٦) سورة الأنعام: ١٥٤.
(٧) لسان العرب: ٨/ ٤١.
(٨) سورة الأنفال: ٤١.
(٢) كذا في تفسير القرطبي.
(٣) تفسير القرطبي: ١/ ٣٩٩.
(٤) سورة الأنبياء: ٤٨.
(٥) تفسير القرطبي: ١/ ٣٨٥.
(٦) سورة الأنعام: ١٥٤.
(٧) لسان العرب: ٨/ ٤١.
(٨) سورة الأنفال: ٤١.
197
فارجعوا. إِلى بارِئِكُمْ أي خالقكم، وكان أبو عمرو يختلس الهمزة الى الجزم في قوله:
بارِئِكُمْ و (يَأْمُرُكُمْ) ويَنْصُرْكُمُ طلبا للخفة «١» كقول امرؤ القيس:
وأنشد:
قال: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ليقتل البريء المجرم. ذلِكُمْ القتل. خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ قال ابن جرير: فأبى الله عزّ وجلّ أن يقبل توبة بني إسرائيل إلّا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل.
وقال قتادة: [جعل عقوبة] عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا، والكفر يبيح الدّم.
وقرأ قتادة: (فأقيلوا أنفسكم) من الإقالة أي استقيلوا العثرة بالتوبة، فلما أهمّ موسى بالقتل قالوا: نصير لأمر الله تعالى فجلسوا بالأفنية مختبئين وأصلت القوم عليهم الخناجر وكان الرّجل يرى ابنه وأباه وعمّه وقومه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله وقالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وقيل لهم من حلّ حبوته أو مدّ طرفه الى قاتله أو اتّقى بيد أو رجل فهو طعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم الى المساء، فلمّا كثر فيهم القتل دعا هارون وموسى وبكيا وجزعا وتضرّعا وقالا: يا ربّ هلكت بنو إسرائيل البقيّة البقيّة، فكشف الله عزّ وجلّ السحاب وأمرهم أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل.
فتكشّفت عن ألوف من القتلى، فاشتدّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنّة، وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم نكفّر عنه ذنوبه، فذلك قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ يعني ففعلتم بأمره فتاب عليكم وتجاوز عنكم.
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٩]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)
بارِئِكُمْ و (يَأْمُرُكُمْ) ويَنْصُرْكُمُ طلبا للخفة «١» كقول امرؤ القيس:
| فاليوم أشرب غير مستحقب | إثما من الله ولا واغل «٢» |
| وإذا اعوججن قلت صاحب قوّم | بالدوّ أمثال السفين العوم «٣» |
وقال قتادة: [جعل عقوبة] عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا، والكفر يبيح الدّم.
وقرأ قتادة: (فأقيلوا أنفسكم) من الإقالة أي استقيلوا العثرة بالتوبة، فلما أهمّ موسى بالقتل قالوا: نصير لأمر الله تعالى فجلسوا بالأفنية مختبئين وأصلت القوم عليهم الخناجر وكان الرّجل يرى ابنه وأباه وعمّه وقومه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله وقالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وقيل لهم من حلّ حبوته أو مدّ طرفه الى قاتله أو اتّقى بيد أو رجل فهو طعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم الى المساء، فلمّا كثر فيهم القتل دعا هارون وموسى وبكيا وجزعا وتضرّعا وقالا: يا ربّ هلكت بنو إسرائيل البقيّة البقيّة، فكشف الله عزّ وجلّ السحاب وأمرهم أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل.
فتكشّفت عن ألوف من القتلى، فاشتدّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنّة، وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم نكفّر عنه ذنوبه، فذلك قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ يعني ففعلتم بأمره فتاب عليكم وتجاوز عنكم.
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٩]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)
(١) أي باختلاس الحركة، وروي عنه السكون وقرأ الباقون بغير اختلاس.
(٢) لسان العرب: ١٠/ ٤٢٦.
(٣) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٢٢٥، ولسان العرب: ١٢/ ٤٣٢.
(٢) لسان العرب: ١٠/ ٤٢٦.
(٣) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٢٢٥، ولسان العرب: ١٢/ ٤٣٢.
198
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً الآية، وذلك أنّ الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار سبعين رجلا من خيارهم، وقال لهم: صوموا وتطهّروا وطهّروا ثيابكم، ففعلوا ذلك، فخرج بهم موسى الى طور سيناء لميقات ربّه، فلمّا وصل ذلك الموضع قالوا: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا، فقال: أفعل، فلمّا دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشّى الجبل كلّه فدخل في الغمام وقال القوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلّمه ربّه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام وخرّوا سجّدا، وسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه، وأسمعهم الله تعالى: إنّي أنا الله لا اله إلّا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري.
فلمّا فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم، فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا.
وقال وهب: أرسل الله عزّ وجلّ عليهم جندا من السماء فلما سمعوا بحسّها ماتوا يوما وليلة. والصاعقة: المهلكة، فذلك قوله: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لن نصدّقك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «١».
قرأه العامّة بجزم الهاء، وقرأ ابن عباس: (جَهَرَةً) بفتح الهاء وهما لغتان مثل زهره وزهره.
جَهْرَةً أي معاينة بلا ساتر بيننا وبينه، وأصل الجهر من الكشف.
قال الشاعر:
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ
قرأ عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) :(الصعقة) بغير ألف،
وقرأ الباقون (الصَّاعِقَةُ) بالألف وهما لغتان.
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وذلك أنهم لما هلكوا جعل [موسى] «٣» يبكي
فلمّا فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم، فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا.
وقال وهب: أرسل الله عزّ وجلّ عليهم جندا من السماء فلما سمعوا بحسّها ماتوا يوما وليلة. والصاعقة: المهلكة، فذلك قوله: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لن نصدّقك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «١».
قرأه العامّة بجزم الهاء، وقرأ ابن عباس: (جَهَرَةً) بفتح الهاء وهما لغتان مثل زهره وزهره.
جَهْرَةً أي معاينة بلا ساتر بيننا وبينه، وأصل الجهر من الكشف.
قال الشاعر:
| يجهر أجواف المياه السّدم «٢» | [وانتحابها على الحان] |
قرأ عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) :(الصعقة) بغير ألف،
وقرأ الباقون (الصَّاعِقَةُ) بالألف وهما لغتان.
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وذلك أنهم لما هلكوا جعل [موسى] «٣» يبكي
(١) بتفاوت في قصص الأنبياء لابن كثير: ٢/ ١٢٦.
(٢) سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم- ابن هشام الحميري-: ٢/ ٣٧٧، والسدم: الندم.
(٣) سقطت في أصل المخطوط والظاهر ما أثبتناه. [.....]
(٢) سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم- ابن هشام الحميري-: ٢/ ٣٧٧، والسدم: الندم.
(٣) سقطت في أصل المخطوط والظاهر ما أثبتناه. [.....]
199
ويتضرّع ويقول: يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ولَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ، ويا ربّي أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا «١» فلم يزل يناشد ربّه حتى أحياهم الله تعالى جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم الى