ﰡ
﴿الحمد للَّهِ﴾ تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء أى الحمد الله وإن لم تحمدوه ﴿الذى خَلَقَ السماوات والأرض﴾ جمع السموات لأنها طباق بعضها فوق بعض والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور فليس بعضها فوق بعض بل بعضها موال لبعض جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ وإلى مفعولين إن كان بمعنى صبر كقوله ﴿وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا﴾ وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة وأفرد النور لإرادة الجنس ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشئ نظيره ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منها صاحبه والنور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات وقدم الظلمات لقوله عليه السلام خلق الله خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى اهتدى ومن أخطأه ضل ﴿ثْمَّ الذين كَفَرُواْ﴾ بعد هذا البيان ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يساوون به الأوثان تقول عدلت هذا بذا أي ساويته به والباء في بِرَبِّهِمْ صلة للعدل لا للكفر أو ثم الذين كفروا بربهم
﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ﴾
من لابتداء الغاية أى ابتدأ خلق أصلكم يعنى آدم ﴿ثم قضى أجلا﴾ أى تحكم أجل الموت ﴿وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ﴾ أجل القيامة أو الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ أو الأول النوم والثاني الموت أو الثاني هو الأول وتقديره وهو أجل مسمى أى معلوم وأجل مُّسَمًّى مبتدأ والخبر عِندَهُ وقدم المبتدأ وإن كان نكرة والخبر ظرفاً وحقه التأخير لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة ﴿ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ تشكون من المرية أو تجادلون من المراء ومعنى ثم استبعاد أن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم
﴿وهو الله﴾ مبتدأ وخبر ﴿في السماوات وَفِي الأرض﴾ متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل وهو المعبود فيهما كقوله هو الذى فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله أو هو المعروف بالإلهية فيهما أو هو الذي يقال له الله فيهما مبتدأ أى وهو يعلم سركم وجهركم ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ من الخير والشر ويثيب عليه ويعاقب
ومن فى ﴿وما تأتيهم من آية﴾ للاستغراق وفى ﴿من آيات ربهم﴾ للتبعيض أى وما يظهرلهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر
﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ﴾ مردود على كلام محذوف كأنه قيل أن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا ﴿بالحق لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أي بما هو اعظم آية وأكبرها هو القرآن الذي تُحدوا به فعجزوا عنه ﴿فَسَوْفَ يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون﴾ أى أنباء الشئ الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن أي أخباره وأحواله يعنى سيعلمون بأى شيء استهزءوا وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ يعني المكذبين ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ﴾ هو مدة انقضاء أهل كل عصر وهو ثمانون سنة أو سبعون ﴿مكناهم﴾ فى موضع جر صفة لقرن وجمع على المعنى ﴿فِي الأرض ما لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾ التمكين في البلاد إعطاء المكنة والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم من البسطة
الأنعام (٦ _ ١٠)
في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا ﴿وَأَرْسَلْنَا السماء﴾ المطر ﴿عَلَيْهِم مِّدْرَاراً﴾ كثيراً وهو حال من السماء ﴿وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ﴾ من تحت أشجارهم والمعنى عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقيا الغيث المدرار ﴿فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ﴾ ولم يغن ذلك عنهم شيئا ﴿وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾ بدلا منهم
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا﴾ مكتوباً ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾ في ورق ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ هو للتأكيد لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ومن المحتج عليهم العمى ﴿لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره
﴿وَقَالُواْ لَوْلآ﴾ هلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ﴾ على النبي ﷺ ﴿مَلَكٌ﴾ يكلمنا أنه نبي فقال الله ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر﴾ لقضي أمر هلاكهم ﴿ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى ثم بعد ما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر لأن مفاجأه الشدة أشد من نفس الشدة
﴿وَلَوْ جعلناه مَلَكاً﴾ ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون تارة لولا أنزل على محمد ملك وتارة يقولون ما هذا إلا بشر مثلكم ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴿لجعلناه رَجُلاً﴾ لأرسلناه في صورة رجل كما كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله ﷺ في أعم الأحوال في صورة دحية لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ ولخلطنا وأشكلنا عليهم من أمره إذا كان سبيله كسبيلك يا محمد فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة الإنسان هذا إنسان وليس بملك يقال لبست الأمر على القوم وألبسته إذا أشبهته وأشكلته عليهم
ثم سلى نبيه على ما أصابه من استهزاء قومه بقوله ﴿ولقد استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ ما كانوا به يستهزؤون﴾ فاحاط بهم الشئ الذى كانوا يستهزءون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل استهزائهم ومنهم متعلق بسخروا كقوله فيسخرون منهم والضمير للرسل والدال
الأنعام (١١ _ ١٤)
مكسورة عند أبى عمرو وعاصم لالتقاء الساكنين وضمها غيرهما إتباعاً لضم التاء
﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين﴾ والفرق
﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض﴾ من استفهام وما بمعنى الذى فى موضع الرفع على الابتداء ولمن خبره ﴿قل لله﴾ تقدير لهم أى هو لله لاخلاف بيني وبينكم ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئاً إلى غيره ﴿كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة﴾ أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الإجراء على ظاهره إذ لا يجب على الله شيء للعبد فالمراد به أنه وعد ذلك وعداً مؤكداً وهو منجزه لا محالة وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط ثم أو عدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة﴾ فيجازيكم على إشراككم ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ في اليوم أو في الجمع ﴿الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم﴾ نصب على الذم أي أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ وقال الأخفش الذين بدل من كم فى ليجمعنكم أى ليجمعن من هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم والوجه هو الأول لأن سيبويه قال لا يجوز مررت بي المسكين ولا بك المسكين فتجعل المسكين بدلاً من الياء أو الكاف لأنهما في غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير
﴿وَلَهُ﴾ عطف على لِلَّهِ ﴿مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار﴾ من السكنى حتى يتناول الساكن والمتحرك أو من السكون ومعناه ماسكن وتحرك فيهما فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله تقيكم الحر أي الحر والبرد وذكر السكون لأنه أكثر من الحركة وهو احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنه خالق الكل ومدبره ﴿وَهُوَ السميع العليم﴾ يسمع
﴿قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً﴾ ناصراً ومعبوداً وهو مفعول ثان لا تخذ والأول غَيْرَ وإنما أدخل همزة الاستفهام على مفعول اتخذ لا عليه لأن الإنكار في اتخاذ غير الله ولياً لا في اتخاذ الولي فكان أحق بالتقديم ﴿فَاطِرَ السماوات والأرض﴾ بالجر صفة لله أي مخترعهما وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ﴾
وهو يرزق ولا يرزق أي المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع ﴿قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله وبذلك امرت وانا أول المسلمين ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين﴾ وقيل لي لا تكونن من المشركين ولو عطف على ماقبله لفظاً لقيل وأن لا أكون والمعنى أمرت أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك
﴿قُلْ إِنّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي إني أخاف عذاب يوم عظيم وهو القيامة إن عصيت ربي فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به محذوف الجواب
﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ العذاب ﴿يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ الله الرحمة العظمى وهي النجاة مَّن يُصْرَفْ حمزة وعلي وأبو بكر أي من يصرف الله عنه العذاب ﴿وَذَلِكَ الفوز المبين﴾ النجاة الظاهرة
﴿وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ﴾ من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه
﴿وهو القاهر﴾ مبدأ وخبر أي الغالب المقتدر ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ خبر بعد خبر أي عال عليهم بالقدرة والقهر بلوغ المراد بمنع غيره عن بلوغه ﴿وَهُوَ الحكيم﴾ في تنفيذ مراده ﴿الخبير﴾ بأهل القهر من عباده
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شهادة﴾ أَيُّ شَيْء مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز وأى كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه فإذا كانت استفهاماً كان جوابها مسمى باسم ما أضيفت إليه وقوله ﴿قُلِ الله﴾ جواب أى الله أكبر شهادة فالله مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلاً على أنه يجوز إطلاق اسم الشئ على الله تعالى وهذا لأن الشئ اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم والله تعالى موجود فيكون شيئا ولذا تقول الله تعالى شيء لا كالأشياء ثم ابتدأ ﴿شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ﴾ أي هو شهيد بيني وبينكم ويجوز أن يكون الجواب الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ لإنه إذا كان الله شهيداً بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له ﴿وأوحي إلي هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ أي ومن بلغه القرآن إلى قيام الساعة في الحديث من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد ﷺ ومن في محل النصب بالعطف على كم والمراد به أهل مكة والعائد إليه محذوف أي ومن بلغه وفاعل بَلَغَ ضمير القرآن ﴿أَئِنَّكُمْ لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى﴾
الأنعام (١٩ _ ٢٤)
استفهام إنكار وتبكيت ﴿قُلْ لا أشهد﴾ بما تشهدون وكرر ﴿قل﴾ توكيدا و ﴿إنما هو إله واحد﴾ ما كافة لأن عن العمل وهو مبتدأ وإله خبره وواحد صفة أو بمعنى الذى فى لمحل النصب ب
﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ يعنى اليهود والنصارى والكتاب التوراة والإنجيل ﴿يعرفونه﴾ أى رسول الله ﷺ بحليته ونعته الثابت في الكتابين ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ بحلاهم ونعوتهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته ثم قال ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ به
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ استفهام يتضمن معنى النفي أي لا أحد أظلم لنفسه والظلم وضع الشئ في غير موضعه وأشنعه اتخاذ المخلوق معبوداً ﴿مِمَّنِ افترى﴾ اختلق ﴿عَلَى الله كَذِبًا﴾ فيصفه بما لا يليق به ﴿أو كذب بآياته﴾ بالقرآن والمعجزات ﴿إِنَّهُ﴾ إن الأمر والشأن ﴿لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ جمعوا بين أمرين باطلين فكذبوا على الله مالا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة حيث قالوا الملائكة بنات الله وسموا القرآن والمعجزات سحراً
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ هو مفعول به والتقدير واذكر يوم نحشرهم ﴿جَمِيعاً﴾ حال من ضمير المفعول ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ مع الله غيره توبيخاً وبالياء فيهما يعقوب ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾ آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله ﴿الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ وبالياء حمزة وعلي ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾ كفرهم ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ يعني ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذين لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه إلا الجحود والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به أو ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمي فتنة لأنه كذب وبرفع الفتنة مكي
﴿انظر﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ بقولهم مَا كُنَّا مشركين
الأنعام (٢٤ _ ٢٧)
قال مجاهد إذا جمع الله الخلائق ورأى المشركون سعة رحمة الله وشفاعة رسول الله ﷺ للمؤمنين قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد فإذا قال لهم الله أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم ﴿وَضَلَّ عَنْهُم﴾ وغاب عنهم ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ إلهيته وشفاعته
﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ حين تتلو القرآن روي أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله ﷺ فقالوا للنضر ما يقول محمد فقال والله ما أدري ما يقول محمد ألا إنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال أبو سفيان إني لأراه حقاً فقال أبو جهل كلا فنزلت ﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية جمع كنان وهو الغطاء مثل عنان وأعنة ﴿أن يفقهوه﴾ كراهة أن يفقهوه ﴿وفي آذانهم وَقْرًا﴾ ثقلا يمنع من السمع ووحد الوقر لأنه مصدر وهو عطف على أَكِنَّةً وهو حجة لنا في الأصلح على المعتزلة ﴿وَإِن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يَقُولُ الذين كَفَرُواْ﴾ حتى هي التي تقع بعدها الجمل والجملة قوله إذا جاءوك يقول الذين كفروا ويجادلونك في موضع الحال ويجوز
﴿وهم﴾ أى المشركين ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ ينهون الناس عن القرآن أو عن الرسول وأتباعه والإيمان به ﴿وينأون عَنْهُ﴾ ويبعدون عنه بأنفسهم فيضلون ويضلون ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ﴾ بذلك ﴿إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي لايتعداهم الضرر إلى غيرهم وإن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول الله وقيل عنى به أبو طالب لأنه كان ينهى قريشاً عن التعرض لرسول الله ﷺ وينأى عنه فلا يؤمن به والأول أشبه
﴿وَلَوْ ترى﴾ حذف جوابه أي ولو ترى لشاهدت أمراً عظيماً ﴿إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار﴾ أروها حتى يعاينوها أو حبسوا على الصراط فوق النار ﴿فقالوا يا ليتنا نرد﴾ إلى الدنيا تمنوا
الأنعام (٢٧ _ ٣١)
الرد إلى الدنيا ليؤمنوا وتم تمنيهم ثم ابتدءوا بقوله ﴿ولا نكذب بآيات رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ واعدين الإيمان كأنهم قالوا ونحن لا نكذب ونؤمن وَلاَ نُكَذِّبَ وَنَكُونَ حمزة وعلي وحفص على جواب التمني بالواو وبإضمار أن ومعناه أن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين وافقهما في وَنَكُونَ شامى
﴿بَلْ﴾ للإضراب عن الوفاء بما تمنوا ﴿بَدَا لَهُمْ﴾ ظهر لهم ﴿مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ﴾ من الناس ﴿مِن قَبْلُ﴾ في الدنيا من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وقيل هو في المنافقين وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه أو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من ضحة نبوة رسول الله ﷺ {وَلَوْ
﴿وَقَالُواْ﴾ عطف على لعادوا أي ولو ردوا لكفروا ولقالوا ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا﴾ كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة أو على قوله وَإِنَّهُمْ لكاذبون أي وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء وهم الذين قالوا أن هى إلا حياتنا الدنيا وهي كناية عن الحياة أو هو ضمير القصة ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾
﴿وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ﴾ مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجانى بين يدى سيده ليعابته أو وقفوا على جزاء ربهم ﴿قَالَ﴾ جواب لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه فقيل قال ﴿أَلَيْسَ هذا﴾ أي البعث ﴿بالحق﴾ بالكائن الموجود وهذا تعبير لهم على التكذيب للبعث وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث ما هو بحق ﴿قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا﴾ أقروا وأكدوا الإقرار باليمين ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تكفرون﴾ بكفركم
﴿قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله﴾ ببلوغ الآخرة وما يتصل بها أو هو مجرى على ظاهره لأن منكر البعث منكر للرؤية ﴿حتى﴾ غاية لكذبوا لا لخسر لأن خسرانهم لا غاية له ﴿إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة﴾ أي القيامة لأن مدة تأخرها مع تابد ما بعدها كساعة واحدة ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة وانتصابها على الحال يعني باغتة أو على المصدر كأنه قيل بغتتهم الساعة بغتة وهي ورود الشئ على صاحبه من غير علمه بوقته ﴿قَالُواْ يا حسرتنا﴾ نداء تفجع معناه يا
قصرنا ﴿فِيهَا﴾ في الحياة الدنيا أو في الساعة أي قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ آثامهم ﴿على ظُهُورِهِمْ﴾ خص الظهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور كما عهد الكسب بالأيدي وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم وقيل إن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحاً فيقول أنا عملك السيئ فطالما ركبتني في الدنيا وأنا أركبك اليوم ﴿أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ بئس شيئاً يحملونه وأفاد ألا تعظيم ما يذكر بعده
﴿وَمَا الحياة الدنيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ جواب لقولهم إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا واللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع واللهو الميل عن الجد إلى الهزل قيل ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو وقيل ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو لانها لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة ﴿وللدار﴾ مبتدأ ﴿الآخرة﴾ صفتها ودار الآخرة بالإضافة شامي أي ولدار الساعة الآخرة لأن الشئ لا يضاف إلى صفته وخبر المبتدأ على القراءتين ﴿خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ وفيه دليل على أما سوى أعمال المتقين لعب ولهو ﴿أفلا يعقلون﴾ بالتاء مدنى وحفص
نزلت لما قال أبو جهل ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدق وإنما نكذب ما جئتنا به نزل ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ﴾ الهاء ضمير الشأن ﴿لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾ لا ينسبونك إلى الكذب وبالتخفيف نافع وعلى من أكذبه إذا وجده كاذباً ﴿ولكن الظالمين بآيات الله يَجْحَدُونَ﴾ من أقامة الظاهر مقام المضمر وفيه دلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والباء يتعلق بيجحدون أو بالظالمين كقوله ﴿فظلموا بها﴾ والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله لأن تكذيب الرسل تكذيب المرسل
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ﴾ تسلية لرسول الله ﷺ وهو دليل على أن قوله فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ ليس بنفي لتكذيبه وإنما هو من قولك لغلامك إذا أهانه بعض الناس إنهم لم يهينوك وإنما أهانونى ﴿فصبروا﴾ الصبر حبس النفس على المكروه ﴿على مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ﴾ على تكذيبهم وإيذائهم ﴿حتى أتاهم نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لكلمات الله﴾ لمواعيده من قوله ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين﴾ إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون انا لننصر رسلنا ﴿ولقد جاءك من نبإ المرسلين﴾ بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين وأجاز
الأنعام (٣٥ _ ٣٨)
الأحفش أن تكون من زائدة والفاعل نَّبَإِ المرسلين وسيبويه لا يجيز زيادتها في الواجب
كان يكبر على النبى ﷺ كفر قومه وإعراضهم ويجب مجئ الآيات ليسلموا فنزل ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ﴾ عظم وشق ﴿إِعْرَاضُهُمْ﴾ عن الإسلام ﴿فَإِن استطعت أن تبتغي نفقا﴾ منفدا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها ﴿فِى الأرض﴾ صفة لنفقا ﴿أو سلما في السماء فتأتيهم﴾ منها ﴿بآية﴾ فافعل وهو جواب فإن استطعت وان استطعت وجوابها جواب وَإِن كَانَ كَبُرَ والمعنى إنك لا تستطيع ذلك والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم ﴿وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى﴾ لجعلهم بحيث يختارون الهدى ولكن لما علم أنهم يختارون الكفر لم يشأ أن يجمعهم على ذلك كذا قاله الشيخ أبو منصور رحمه الله ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين﴾ من الذين يجهلون ذلك
ثم أخبر أن حرصه على هدايتهم لا ينفع لعدم سمعهم كالموتى بقوله ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ﴾ أي إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون
﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ﴾ هلا أنزل عليه ﴿آية مّن رَّبّهِ﴾ كما نقترح من جعل الصفا ذهباً وتوسيع أرض مكة وتفجير الأنهار خلالها ﴿قل إن الله قادر على أن ينزل آية﴾ كما اقترحوا ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ إن الله قادر على أن ينزل تلك الآية أو لا يعلمون ما عليهم في الآية من البلاء لو أنزلت
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ﴾ هي اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث ﴿فِي الأرض﴾ في موضع جر صفة لدابة ﴿وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ قيد الطيران بالجناحين لنفي المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع ﴿إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم﴾ في الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها ﴿مَّا فَرَّطْنَا﴾ ما تركنا ﴿فِي الكتاب﴾ في اللوح المحفوظ ﴿مِن شَيْءٍ﴾ من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت أو الكتاب القرآن وقوله مِن شَيْءٍ أي من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة
الأنعام (٣٨ _ ٤٢)
ودلالة واقتضاء ﴿ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ يعني الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما رُوي أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني تراباً وإنما قال إِلاَّ أُمَمٌ مع إفراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيهما
ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادي على عظمته قال ﴿والذين كذبوا بآياتنا صم﴾ لا يسمعون كلام المنيه ﴿وَبُكْمٌ﴾ لا ينطقون بالحق خابطون ﴿فِي الظلمات﴾ أي ظلمة الجهل والحيرة والكفر غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه صُمٌّ وَبُكْمٌ خبر الذين ودخول الواو لا يمنع من ذلك وفى الظلمات خبر آخر ثم قال إيذاناً بأنه
﴿قل أرأيتكم﴾ وبتليين الهمزة مدني وبتركه علي ومعناه هل علمتم أن الأمر كما يقال لكم فأخبروني بما عندكم والضمير الثاني لا محل له من الإعراب والتاء ضمير الفاعل ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره أرءيتكم ﴿إِنْ أتاكم عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة﴾ من تدعون ثم بكتهم بقوله ﴿أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ﴾ أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله دونها ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ في أن الأصنام آلهة فادعوها لتخلصكم
﴿بَلْ إياه تَدْعُونَ﴾ بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ﴾ أي ما تدعونه إلى كشفه ﴿إِن شَاءَ﴾ إن أراد أن يتفضل عليكم ﴿وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ وتتركون آلهتكم أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأن أذهانكم مغمورة بذكر ربكم وحده إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله ﴿أَغَيْرَ الله تدعون﴾ كأنه قيل أرءيتكم أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إلى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ﴾ رسلاً فالمفعول محذوف فكذبوهم ﴿فأخذناهم بالبأساء والضراء﴾ بالبؤس والضر والأول القحط والجوع والثاني المرض ونقصان الأنفس والأموال ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد
﴿فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾ أي هلا تضرعوا بالتوبة ومعناه
الأنعام (٤٢ _ ٤٨)
فلم يتضرعوا اذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادا ﴿ولكن قست قلوبهم﴾ فلم يتزوجوا بما ابتلوا به ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ﴾ وصاروا معجبين بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم
﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ من البأساء والضراء أي تركوا الاتعاظ به ولم يزجرهم ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبواب كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الصحة والسعة وصنوف النعمة فَتَحْنَا شامي ﴿حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ﴾ من الخير والنعمة ﴿أخذناهم بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ﴾ آيسون متحسرون وأصله الإطراق حزناً لما أصابه أو ندماً على ما فاته وإذا للمفاجأة
﴿فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ﴾ أي أهلكوا عن آخرهم ولم يترك منهم أحد ﴿والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة وأنه من أجل النعم وأجزل القسم أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله
ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله ﴿قُلْ أرأيتم إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأبصاركم﴾ بأن أصمكم وأعماكم ﴿وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ﴾ فسلب العقول والتمييز ﴿مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ بما اخذ وختم عليه من رفع بالابتداء وإله خبره وغير صفة لإله وكذا يأتيكم والجملة فى موضع مفعولى أرأيتم وجواب الشرط محذوف ﴿انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ﴾ لهم ﴿الآيات﴾ نكررها ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يعرضون عن الآيات بعد ظهورها والصدوف الاعراض عن الشئ
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أتاكم عَذَابُ الله بَغْتَةً﴾ بأن لم تظهر أماراته ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾ بأن ظهرت أماراته وعن الحسن ليلاً أو نهاراً ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون﴾ ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم
﴿وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة ﴿فمن آمن وَأَصْلَحَ﴾ أي داوم على إيمانه ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فلا خوف يعقوب
﴿والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب﴾
جعل العذاب ماسا كأنه حى يفعل يهم ما يريد من الآلام ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر
﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ الله﴾ أي قسمه بين الخلق وأرزاقه ومحل ﴿وَلا أَعْلَمُ الغيب﴾ النصب عطفاً على محل عِندِي خَزَائِنُ الله لأنه من جملة المقول كأنه قال لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول ﴿وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ﴾ أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله وعلم الغيب ودعوى الملكية وإنما أدعي ما كان لكثير من البشر وهو النبوة ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ﴾ أي ما أخبركم إلا بما أنزل الله علي ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ مثل للضال والمهتدي أو لمن اتبع ما يوحى إليه
﴿وَأَنذِرْ بِهِ﴾ بما يوحى ﴿الذين يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبّهِمْ﴾ هم المسلمون المقرّون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾ في موضع الحال من يُحْشَرُواْ أي يخافون أن يحشروا غيرا منصورين ولا مشفوعاً لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ يدخلون في زمرة أهل التقوى
ولما أمر النبي عليه السلام بإنذار غير المتقين ليتقوا أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي﴾ وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام أو معناه يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس بالغُدوة شامي ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فالوجه يعبر به عن ذات الشئ وحقيقته نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجلسناك فقال عليه السلام ما أنا بطارد المؤمنين فقالوا اجعل لنا يوماً ولهم يوماً وطلبوا بذلك كتابا فدعا عليا رضى الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فنزلت فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ﴾
كقوله ﴿إن حسابهم إلا على ربي﴾ ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ﴾ وذلك أنهم طعنوا فى دينهم واخلاصهم فقال حسباهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك كما أن
﴿وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ ومثل ذلك الفتن العظيم ابتلينا الأغنياء بالفقراء ﴿ليقولوا﴾ أى الأغنياء ﴿أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا﴾ أي أنعم الله عليهم بالإيمان ونحن المقدمون والرؤساء وهم الفقراء إنكاراً لأن يكون أمثالهم على الحق وممنوناً عليهم من بينهم بالخير ونحوه لَوْ كان خيرا ما سبقونا إليه ﴿أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين﴾ بمن يشكر نعمته
﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ﴾ إِما أن يكون أمراً بتبليغ سلام الله إليهم وإما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطيبا لقلوبهم وكذا قوله ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة﴾ من جملة ما يقول لهم ليبشرهم بسعة رحمة الله وقبوله التوبة منهم ومعناه وعدكم بالرحمة وعداً مؤكداً ﴿أَنَّهُ﴾ الضمير للشأن ﴿مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا﴾ ذنباً ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ في موضع الحال أي عمله وهو جاهل بما يتعلق به من المضرة أو جعل جاهلاً لإيثاره المعصية على الطاعة ﴿ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد السوء أو العمل ﴿وَأَصْلَحَ﴾ وأخلص توبته ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أَنَّهُ فَإِنَّهُ شامي وعاصم الأول بدل الرحمة والثاني خبر مبتدأ محذوف أي فشأنه أنه غفور رحيم أَنَّهُ فَإِنَّهُ مدني الأول بدل الرحمة والثاني مبتدأ
﴿وكذلك نُفَصَّلُ الآياتِ وَلتستبينَ﴾ وبالياء حمزة وعلي وأبو بكر ﴿سَبِيلُ المجرمين﴾ بالنصب مدني غيره بالرفع فرفع السبيل مع التاء والياء لأنها تذكر وتؤنث ونصب السبيل مع التاء على خطاب الرسول ﷺ يقال استبان الأمر وتبين واستبنته وتبيته والمعى ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها في صفة أحوال المجرمين من هو مطبوع على قلبه ومن يرجى إسلامه ولتستوضح سبيلهم فتعامل كلاً منهم بما يجب أن يعامل به
الأنعام (٥٦ _ ٥٩)
فصلنا ذلك التفصيل
﴿قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي صرفت وزجرت بأدلة العقل والسمع عن عبادة ما تعبدون من دون الله ﴿قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ أي لا أجري في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل وهو بيان للسبب الذي منه وقعوا في الضلال ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً﴾ أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين﴾ وما أنا من المهتدين في شيء يعني أنكم كذلك
ولما نفي أن يكون الهوى متبعاً نبه على ما يجب اتباعه بقوله ﴿قُلْ إِنّي على بَيّنَةٍ مِّن رَّبّي﴾ أي إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه على حجة واضحة ﴿وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ حيث أشركتم به غيره وقيل على بينة من ربي على حجة من جهة ربي وهو القرآن وكذبتم به بالبينة وذكر الضمير على تأويل البرهان أو البيان أو القرآن ثم عقبه بما دل على أنهم أحقاء بأن يعاقبوا بالعذاب فقال ﴿مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حجارة من السماء ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ في تأخير عذابكم ﴿يَقُصُّ الحق﴾ حجازي
﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى﴾ أي في قدرتي وإمكاني ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذاب ﴿لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي ﴿والله أَعْلَمُ بالظالمين﴾ فهو ينزل عليكم العذاب في وقت يعلم أنه أردع
﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ المفاتح جمع مفتح وهو المفتاح وهى خزائن العذاب والرزق أو ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والأحوال جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالأغلاق والأقفال ومن علم مفاتحها وكيفية فتحها توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن قيل عنده مفاتح الغيب وعندك مفاتح الغيب فمن آمن بغيبه أسبل الله الستر على عيبه ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي البر﴾ من النبات والدواب ﴿والبحر﴾ من الحيوان والجواهر وغيرهما {وَمَا تَسْقُطُ من
الأنعام (٥٩ _ ٦٣)
واحوالها قيل السقوط وبعد ﴿وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظلمات الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ﴾ عطف على وَرَقَةٍ وداخل في حكمها وقوله ﴿إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ﴾ كالتكرير لقوله إِلاَّ يَعْلَمُهَا لأن معنى إِلاَّ يَعْلَمُهَا ومعنى إلا كتاب مُّبِينٍ واحد وهو علم الله أو اللوح
ثم خاطب الكفرة بقوله ﴿وَهُوَ الذي يتوفاكم بالليل﴾ أي يقبض أنفسكم عن التصرف بالتمام في المنام ﴿وَيَعْلَمَ مَا جَرَحْتُم بالنهار﴾ كسبتم فيه من الآثام ﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ ثم يوقظكم في النهار أو التقدير ثم يبعثكم في النهار ويعلم ما جرحتم فيه فقدم الكسب لأنه أهم وليس فيه أنه لا يعلم ما جرحنا بالليل ولا أنه لا يتوفانا بالنهار فدل أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي ما عداه ﴿ليقضى أَجَلٌ مّسَمًّى﴾ لتوفى الآجال على الاستكمال ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ رجوعكم بالبعث بعد الموت ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في ليلكم ونهاركم قال بعض أهل الكلام أن لكل حاسة من هذه الحواس روجا تقبض عند النوم ثم ترد إليها إذا ذهب النوم فأما الروح التي تحيا بها النفس فإنها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل والمراد بالأرواح المعاني والقوى التي تقوم بالحواس ويكون بها السمع والبصر والأخذ والمثنى والشم ومعنى ثم يبعثكم فيه أى يوقظكم ويرد إليكم أرواح الحواس فيستدل به على منكري البعث لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها إليها فكذا يحيي الأنفس بعد موتها
﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ليكون ذلك أزجر للعباد عن ارتكاب الفساد
﴿ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله﴾ إلى حكمه وجزائه أي رد المتوفون برد الملائكة ﴿مولاهم﴾ مالكهم الذي يلي عليهم أمورهم ﴿الحق﴾ العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وهما صفتان لله ﴿أَلاَ لَهُ الحكم﴾ يومئذ لا حكم فيه لغيره ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين﴾ لا يشغله حساب عن حساب يحاسب جميع الخلق في مقدار حلب شاة وقيل الرد إلى من رباك خير من البقاء مع من آذاك
﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ﴾ يُنَجِّيكُمْ ابن عباس ﴿مِّن ظلمات البر والبحر﴾ مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما أو ظلمات البر الصواعق والبحر
الأنعام (٦٣ _ ٦٨)
الأمواج وكلاهما في الغيم والليل ﴿تَدْعُونَهُ﴾ حال من ضمير المفعول في يُنَجِّيكُمْ ﴿تَضَرُّعًا﴾ معلنين الضراعة وهو مصدر في موضع الحال وكذا ﴿وَخُفْيَةً﴾ أي مسرين في أنفسكم خفية حيث كان أبو بكر وهما لغتان ﴿لَّئِنْ أنجانا﴾ عاصم وبالإمالة حمزة وعلي الباقون أَنْجَيْتَنَا والمعنى يقولون لئن خلصنا ﴿مِنْ هذه﴾ الظلمات ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾ لله تعالى
﴿قُلِ الله يُنَجّيكُمْ﴾ بالتشديد كوفي ﴿مِّنْهَا﴾ من الظلمات ﴿وَمِن كُلِّ كَرْبٍ﴾ وغم وحزن ﴿ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ ولا تشكرون
﴿قل هو القادر﴾ هو الذى عرفتموه قادر أو هو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس ﴿على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ﴾ كما أمطر على قوم
﴿وَكَذَّبَ بِهِ﴾ بالقرآن أو بالعذاب ﴿قَوْمُكَ﴾ قريش ﴿وَهُوَ الحق﴾ أي الصدق أو لا بد أن ينزل بهم ﴿قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ بحفيظ وكل إليّ أمركم إنما أنا منذر
﴿لكل نبإ﴾ لكل شيء ينبأ به يعني إنباءهم بأنهم يعذبون وإيعادهم به ﴿مُّسْتَقَرٌّ﴾ وقت استقرار وحصول لا بد منه ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تهديد
﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا﴾ أي القرآن يعني يخوضون فى الاستهزاء بها والطعن فيها وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ ولا تجالسهم وقم عنهم ﴿حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ غير القرآن مما يحل فحينئذ يجوز أن تجالسهم ﴿وَإِمَّا ينسينك الشيطان﴾ ما نهيت
الأنعام (٦٨ _ ٧١)
عنه يُنسِيَنَّكَ
﴿وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم﴾ من حساب هؤلاء الذين يخوضون في القرآن تكذيباً وستهزاء ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ أي وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه من ذنوبهم ﴿ولكن﴾ عليهم أن يذكروهم ﴿ذِكْرِى﴾ إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم ومحل ذِكْرِى نصب أي ولكن يذكرونهم ذكرى أى تذكيرا أو رفع والتقدير ولكن عليهم ذكرى فذكرى مبتدأ والخبر محذوف ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم
﴿وذر الذين اتخذوا دينهم﴾ الذى كلفواه ودعوا إليه وهو دين الإسلام ﴿لَعِباً وَلَهْواً﴾ سخروا به واستهزءوا ومعنى ذَرْهُمْ أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم واللهو ما يشغل الإنسان من هوى أو طرب ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا وَذَكّرْ بِهِ﴾ وعظ بالقرآن ﴿أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها وأصل الإبسال المنع ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِيٌّ﴾ ينصرها بالقوة ﴿وَلاَ شَفِيعٌ﴾ يدفع عنها بالمسألة ولا وقف على كَسَبَتْ في الصحيح لأن قوله لَيْسَ لَهَا صفة لنفس والمعنى وذكر بالقرآن كراهة أن تبسل نفس عادمة ولياً وشفيعا يكسبها ﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾ نصب على المصدر وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأن الفادي يعدل المفدي بمثله وفاعل ﴿لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ لا ضمير العدل لأن العدل هنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ وأما في قوله ولا يؤخذ منها عدل فبمعنى الفدى به فصح إسناده إليه ﴿أولئك﴾ إشارة إلى المتخذين من دينهم لعباً ولهواً وهو مبتدأ والخبر
﴿قُلْ﴾ لأبي بكر يقل لابنه عبد الرحمن وكان يدعوا أباه إلى عبادة الأوثان أَنَدْعُواْ أنعبد مِن دُونِ الله الضار النافع ﴿مَا لاَ يَنفَعُنَا﴾ مالايقدر على نفعنا إن دعوناه ﴿وَلاَ يَضُرُّنَا﴾ إن تركناه ﴿وَنُرَدُّ﴾ وأنرد ﴿على أعقابنا﴾ راجعين إلى الشرك ﴿بعد إذ هدانا الله﴾ للاسلام
الأنعام (٧١ _ ٧٤)
وأنقذنا من عبادة الأصنام ﴿كالذي استهوته الشياطين﴾ كالذي ذهبت به الغيلان ومردة الجن والكاف في محل النصب على الحال من الضمير في نُرَدُّ على أعقابنا أي أننكص مشبهين من استهوته الشياطين وهو استفعال من هوى في الأرض إذا ذهب فيها كأن معناه طلبت هو يه ﴿فِي الأرض﴾ في المهمه ﴿حَيْرَانَ﴾ حال من مفعول استهوته أي تائهاً ضالاً عن الجادة لا يدرى كيف يصنع ﴿له﴾ لهذا المستوى ﴿أصحاب﴾ رفقة ﴿يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى﴾ إلى أن يهدوه الطريق سمي الطريق المستقيم بالهدى يقولون له ﴿ائتنا﴾ رقد اعتسف المهمة تابعاً للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم وهذا مبني على ما يقال إن الجن تستهوي الإنسان والغيلان تستولي عليه فشبه به الضال عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان والمسلمون يدعونه إليه فلا يلتفت إليهم ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى الله﴾ وهو الإسلام ﴿هُوَ الهدى﴾ وحده وما وراءه ضلال ﴿وَأُمِرْنَا﴾ محله
﴿وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة﴾ والتقدير وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة ﴿واتقوه وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ يوم القيامة
﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ بالحكمة أو محقاً ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ﴾ على الخبر دون الجواب ﴿قوله الحق﴾ مبتدأ ويوم يقول خبره مقدما كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق أي قولك الصدق كان يوم الجمعة واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه خلق السموات والأرض بالحق والحكمة وحين يقول لشئ من الأشياء كن فيكون ذلك الشئ قوله الحق والحكمة أى لا يكون شيء من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب ﴿وَلَهُ الملك﴾ مبتدأ وخبر ﴿يَوْمَ يُنفَخُ﴾ ظرف لقوله وَلَهُ الملك ﴿فِي الصور﴾ هو القرن بلغة اليمن أو جمع صورة ﴿عالم الغيب﴾ هُوَ عَالِمُ الغيب ﴿والشهادة﴾ أي السر والعلانية ﴿وَهُوَ الحكيم﴾ في الإفناء والإحياء ﴿الخبير﴾ بالحساب والجزاء
﴿وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر﴾ هو اسم أبيه أو لقبه لأنه خلاف بين النسابين أن اسم أبيه تارح وهو عطف بيان لأبيه وزنه فاعل ﴿أَتَتَّخِذُ أصناما آلهة﴾ استفهام توبيخ أى أتتخذها آلهة
الأنعام (٧٤ _ ٧٨)
وهي لا تستحق الإلهية ﴿إِنّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضلال مُّبِينٍ﴾
﴿وكذلك﴾ أي وكما أريناه قبح الشرك ﴿نُرِي إبراهيم مَلَكُوتَ السماوات والأرض﴾ أي نري بصيرته لطائف خلق السموات والأرض ونرى حكاية حال ماضية والملكوت أبلغ من الملك لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة قال مجاهد فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى نظره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى ما فيهن ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين﴾ فعلنا ذلك أو ليستدل وليكون من الموقنين عياناً كما أيقن بيانا
﴿فلما جن عليه الليل﴾ أي أظلم وهو عطف على قَالَ إبراهيم لأَبِيهِ وقوله وَكَذَلِكَ نُرِي إبراهيم جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿رأى كَوْكَباً﴾ أي الزهرة أو المشتري وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئاً منها ليس بإله لقيام دليل الحدوث فيها ولأن لها محدثاً أحدثها ومدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه ﴿قَالَ هذا رَبّي﴾ أي قال لهم هذا ربي في زعمكم أو المراد أهذا استهزاء بهم وإنكاراً عليهم والعرب تكتفى عن حرف الاستفهام بنغمة الصوت والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأنه أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ غاب ﴿قَالَ لا أُحِبُّ الآفلين﴾ أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال لأن ذلك من صفات الأجسام
﴿فلما رأى القمر بَازِغاً﴾ مبتدئاً في الطلوع {قَالَ هذا رَبّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ
﴿فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي﴾ وامنا ذكره لأنه أراد الطالع أو لأنه جعل المبتدأ مثل الخبر لأنهما شيء واحد معنى وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ولهذا قالوا في صفات الله تعالى علام ولم يقولوا علامة وان كان الثانى أبلغ تقاديا من علامة التأنيث ﴿هذا أَكْبَرُ﴾ من باب استعمال الصفة أيضا مع خصومه ﴿فلما أفلت قال يا قوم إِنّي بَرِىءٌ مّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ من الأجرام التي تجعلونها
الأنعام (٧٩ _ ٨٤)
شركاء لخالقها وقيل هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله تعالى والأول أظهر لقوله يا قوم إنى برئ مما تشركون
﴿إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِى فَطَرَ السماوات والأرض﴾ أي للذي دلت هذه المحدثات على أنه منشئها ﴿حَنِيفاً﴾ حال أي مائلاً عن الأديان كلها إلا هذا الإسلام ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ بالله شيئاً من خلقه
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ﴾ في توحيد الله تعالى ونفى الشركاء عنه ﴿قَالَ أَتُحَآجُّونّي فِي الله﴾ في توحيده أَتُحَاجُّونّي مدني وابن ذكوان ﴿وَقَدْ هدان﴾ إلى التوحيد والياء في الوصل أبو عمرو ولما خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء قال ﴿وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبّي شَيْئاً﴾ أي لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربي أن يصيبني منها بضر فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعاً وفيما شاء ضراً لا الأصنام
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ﴾ معبوداتكم وهي مأمونة الخوف ﴿وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ بإشراكه ﴿عَلَيْكُمْ سلطانا﴾ حجة إذ الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة والمعنى وما لم تفكرون عليّ الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف ﴿فَأَيُّ الفريقين﴾ أي فريقي الموحدين والمشركين ﴿أَحَقُّ بالأمن﴾ من العذاب ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ولم يقل فأينا احترازاً من تزكية نفسه
ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله ﴿الذين آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ﴾ بشرك عن الصديق رضى الله عنه ﴿أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾ ثم كلام إبراهيم عليه السلام
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا﴾ إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله فلما جن عليه الليل إلى وهم مهتدون ﴿آتيناها إبراهيم على قَوْمِهِ﴾ وهو خبر بعد خبر ﴿نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاءُ﴾ في العلم والحكمة وبالتنوين كوفي وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ﴾ بالرفع ﴿عَلِيمٌ﴾ بالأهل
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ لإبراهيم ﴿إسحاق وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا﴾
أى
﴿وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ﴾ أي كلهم ﴿مِّنَ الصالحين﴾ وذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضاً لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام وهو لا يتصل به إلا بالأم وبذا أجيب الحجاج حين أنكر أن يكون بنو فاطمة أولاد النبي عليه السلام
﴿وإسماعيل واليسع﴾ والليسع حيث كان بلامين حمزة وعلى ﴿وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين﴾ بالنبوة والرسالة
﴿ومن آبائهم﴾ في موضع النصب عطفاً على كُلاَّ أي وفضلنا بعض آبائهم ﴿وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾
﴿ذلك﴾ أى مادان به هؤلاء المذكورون ﴿هُدَى الله﴾ دين الله ﴿يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ فيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون إن الله شاء هداية الخلق كلهم لكنهم لم يهتدوا ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ﴾ مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلى ﴿لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ لبطلت أعمالهم كما قال لئن أشركت ليحبطن عملك
﴿أولئك الذين آتيناهم الكتاب﴾ يريد الجنس ﴿والحكم﴾ والحكمة او
﴿أولئك الذين هَدَى الله﴾ أي الأنبياء الذين مر ذكرهم
الأنعام (٩٠ _ ٩٢)
﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد إلا بهم وهذا معنى تقديم المفعول والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع فهي مختلفة والهاء في اقتده للوقف تسقط في الوصل واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء فى المصحف وبحذفها حمزة وعلى في الوصل ويختلسها شامي ﴿قُل لا أسألكم عَلَيْهِ﴾ على الوحي أو على تبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد ﴿أجرا﴾ جعلا وفيه دليلا على أن أخذ الأجر على تعليم القرآن ورواية الحديث لا يجوز ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى للعالمين﴾ ما القرآن إلا عظة للجن والانس
﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ ما أنزل الله على بشر من شيء﴾ أى ما عرفوه حتى معرفته في الرحمة على عباده حين أنكروا بعثة الرسل والوحي إليهم وذلك من أعظم رحمته وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين رُوي أن جماعة من اليهود منهم مالك بن الصيف كانوا يجادلون النبي عليه السلام فقال النبى عليه السلام أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين قال نعم قال
﴿وهذا كتاب أنزلناه﴾ على نبينا عليه السلام ﴿مباركا﴾ كثير المنافع والفوائد ﴿مُّصَدِّقُ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب ﴿ولتنذر﴾ وبالبياء أبو بكر أي الكتاب وهو معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب ولا نذار ﴿أُمَّ القرى﴾ مكة وسميت أم القرى لأنها سرة الأرض وقبلة أهل القرى وأعظمها شأناً ولأن الناس يؤمونها ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾
أهل الشرق والغرب ﴿والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ يصدقون بالعاقبة ويخافونها ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بهذا الكتاب فأصل الدين خوف العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن ﴿وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يحافظون﴾ حصت الصلاة بالذكر لأنها علم الإيمان وعماد الدين فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها ظاهراً
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ هو مالك بن الصيف {أَوْ قَالَ أُوْحِي
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا﴾ للحساب والجزاء ﴿فرادى﴾ منفردين بلا مال ولا معين هو جمع فريد كأسير وأسارى ﴿كَمَا خلقناكم﴾ في محل النصب
الأنعام (٩٤ _ ٩٧)
﴿وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم﴾ ملكناكم ﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ ولم تحتملوا منه نقيراً ﴿وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء﴾ فى استعبادكم ﴿لقد تقطع بينكم﴾ وصلكم عن الزجاج والبين الوصل والهجر قال... فوالله لولا البين لم يكن الهوى... ولولا الهوى ما حن للبين الف...
بَيْنِكُمْ مدني وعلي وحفص أي وقع التقطع بينكم ﴿وَضَلَّ عَنكُم﴾ وضاع وبطل ﴿مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنها شفعاؤكم عند الله
﴿إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى﴾ بالنبات والشجر أي فلق الحب عن السنبلة والنواة عن النخلة والقلق الشق وعن مجاهد أراد الشقين اللذين في النواة والحنطة ﴿يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت﴾ النبات الغض النامي من الحب اليابس ﴿وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي﴾ الحب اليابس من النبات النامي أو الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم وإنما قال وَمُخْرِجُ الميت بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل وَيُخْرِجُ الحي مِنَ الميت موقعه موقع الجملة المبينة لقوله فَالِقُ الحب والنوى لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله ﴿ويحيي الأرض بعد موتها﴾ ﴿ذلكم الله﴾ ذلكم المحيي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية لا الأصنام ﴿فأنى تؤفكون﴾ فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا
﴿فَالِقُ الإصباح﴾ هو مصدر سمي به الصبح أى شاق عمودا صبح
﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم﴾ خلقها ﴿لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظلمات البر والبحر﴾ أي في ظلمات الليل
الأنعام (٩٧ _ ١٠٠)
بالبر والبحر وأضافها إليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون
﴿وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة﴾ هي آدم عليه السلام ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ فَمُسْتَقَر بالكسر مكي وبصري فمن فتح القاف كان المستودع اسم مكان مثله ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول يعني فلكم مستقر في الرحم ومستودع في الصلب أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات
﴿وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً﴾ من السحاب مطراً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ بالماء ﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ نبت كل صنف من أصناف النامي أي السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف مختلفة ﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ﴾ من النبات ﴿خَضِْرًا﴾ أي شيئاً غضاً أخضر يقال أخضر وخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة ﴿نُّخْرِجُ مِنْهُ﴾ من الخضر ﴿حَبّاً مُّتَرَاكِباً﴾ وهو السنبل الذى تراكب فيه حبه ﴿ومن النخل من طلعها قنوان﴾ وهو جمع قنو وهو العذق نظيره صنو وصنوان ﴿دانية﴾ من المجتنى لا نحنائها يثقل حملها أو لقصر ساقها وفيه اكتفاء أي وغير دانية لطولها كقوله سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر ﴿وجنات﴾ بالنصب عطفاً على نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ أي وأخرجنا به جنات ﴿مِّنْ أعناب﴾ أي مع النخل وكذا ﴿والزيتون والرمان﴾ وجنات بالرفع الأعشى أي وثم جنات من أعناب أي مع النخل ﴿مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ متشابه﴾ يقال اشتبه الشيئان وتشابها نحو استويا وتساويا والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا أو تقديره والزيتون متشابهاً وغير متشابه والرمان كذلك يعني بعضه متشابه وبعضه غير متشابه في القدر واللون والطعم ﴿انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ﴾ إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضعيفاً لا ينتفع به ﴿وَيَنْعِهِ﴾ ونضجه أي انظروا إلى نضجه كيف يعود شيئا جامعا لمنافع نظراعتبار واستدلال على قدرة مقدره ومدبره وناقله من حال إلى حال ﴿إِنَّ فِي ذلكم لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ثَمَرِهِ وكذا ما بعده حمزة
﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ الجن﴾
إن جعلت لِلَّهِ شُرَكَاءَ مفعولي جَعَلُواْ كان الجن بدلاً من شُرَكَاء وإلا كان شُرَكَاء الجن مفعولين قدم ثانيهما على الأوّل وفائدة التقديم استعظام أن يتخذلله شريك من كان ملكا أو جنبا أو غير ذلك والمعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء لله ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ أي وقد خلق الجن فكيف يكون المخلوق شريكاً لخالقه والجملة حال أو وخلق الجاعلين لله شركاء فكيف يعبدون غيره ﴿وخرقوا له﴾ أى اختلفوا يقال خلق الافك وخرقه واختلفه واخترقه بمعنى أو هو من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له ﴿بَنْيَنَ﴾ كقول أهل الكتابين في المسيح وعزير ﴿وَبَنَاتٍ﴾ كقول بعض العرب في الملائكة وَخَرَقُواْ بالتشديد للتكثير مدني لقوله بَنِينَ وَبَنَاتٍ ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا من خطأ أو صواب ولكن رمياً بقول عن جهالة وهو حال من فاعل خرقوا أي جاهلين بما قالوا ﴿سبحانه وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من الشريك والولد
﴿بديع السماوات والأرض﴾ يقال بدع الشئ فهو بديع وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها يعني بديع سمواته وأرضه أو هو بمعنى المبدع أي مبدعها وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره ﴿أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ أو هو فاعل تَعَالَى ﴿وَلَمْ تكن له صاحبة﴾ أى من يكون له ولد والولد لا يكون إلا من صاحبة ولا صاحبة له ولأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسماً حتى يكون له ولد ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي ما من شيء إلا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنياً عن كل شيء والوالد إنما يطلبه المحتاج
﴿ذلكم﴾ إشارة إلى الموصوف بما تقدم من الصفات وهو
﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار﴾ لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستنب لأن المنفي هو الإدراك لا الرؤية والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم ونفى الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى
الأنعام (١٠٣ _ ١٠٧)
العلم به فهكذا هذا على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل مالايرى لا يدرك وإنما التمدح بنفي الإدراك مع تحقيق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات فكانت الآية حجة لنا علهيم ولو أنعموا النظر فيها لاغتنموا التقصي عن عهدتها ومن ينفي الرؤية يلزمه نفي أنه معلوم موجود والافكما يعلم موجودا بلاكيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئي وهذا لأن الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فإن كان المرئي في الجهة يرى فيها وان كان إلا فى الجهة يرى لافيها ﴿وَهُوَ﴾ للطف إدراكه ﴿يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف﴾ أي العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها ﴿الخبير﴾ العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر
﴿قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ﴾ البصيرة نور القلب الذي به يستبصر القلب كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي والتنبيه ما هو للقلوب كالبصائر ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ﴾ الحق وآمن ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ أبصر وإياها نفع ﴿وَمَنْ عَمِيَ﴾ عنه وضل ﴿فَعَلَيْهَا﴾ فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى ﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم
الكاف في ﴿وكذلك نُصَرّفُ الآيات﴾ في موضع نصب صفة المصدر المحذوف أي نصرف الآيات تصريفاً مثل ما تلونا عليك ﴿وَلِيَقُولُواْ﴾ جوابه محذوف أي وليقولوا ﴿دَرَسْتَ﴾ نصرفها ومعنى دَرَسْتَ قرأت كتب أهل الكتاب دارست مكي وأبو عمرو أي دارست أهل الكتاب دَرَسْتَ شامي أي قدمت هذه الآية ومضت كما قالوا أساطير الأولين ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ﴾ أي القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلوماً أو الآيات لانها فى معنى القرآن قبل اللام الثاينة حقيقة والأولى لام العاقبة والصيرورة أى لنصير عاقبة أمرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقولك فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً وهم لم يلتقطوه للعداوة وإنما التقطوه ليصير لهم قرة عين ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة فكذلك الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا درست ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل النبيين فشبه به وقيل ليقولوا لنبينه وعندنا ليس كذلك لما عرف ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الحق من الباطل
﴿اتبع مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ ولا تتبع أهواءهم ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ اعتراض أكد به اتباع الوحي لا محل له من الإعراب أو حال من ربكم مؤكدة ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين﴾ في الحال إلى أن يرد الأمر بالقتال
﴿وَلَوْ شَاءَ الله﴾ أي إيمانهم فالمفعول محذوف ﴿ما أشركوا﴾
الأنعام (١٠٧ _ ١١٠)
بيّن أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة الله ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فشاء شركهم فأشركوا بمشيئته ﴿وَمَا جعلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ مراعياً لأعمالهم مأخوذاً بإجرامهم ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بوكيل﴾ بمسلط
وكان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله بقوله ﴿ولا تسبوا﴾ آلهة ﴿الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله﴾ منصوبا على جواب النهي ﴿عَدْوَاً﴾ ظلماً وعدواناً ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به ﴿كذلك﴾ مثل ذلك التزيين ﴿زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ من أمم الكفار ﴿عَمَلَهُمْ﴾ وهو كقوله أفمن زين له سوء علمه فرآه حَسَناً فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي من يشاء وهو حجة لنا في الأصلح ﴿ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ﴾ مصيرهم ﴿فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فيخبرهم بما عملوا ويجزيهم عليه
﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم﴾ جهد مصدر وقع موقع الحال أي جاهدين في الإتيان بأوكد الإيمان ﴿لئن جاءتهم آية﴾ من مفترحاتهم ﴿لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾ وهو قادر عليها لا عندي فكيف آتيكم بها ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ وما يدريكم ﴿إنَّهَا﴾ أن الآية المقترحة ﴿إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تعلمون ذلك وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله تعالى وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى إنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون إنها بالكسرة مكي وبصري وأبو بكر على أن
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ﴾ عن قبول الحق ﴿وأبصارهم﴾ عن رؤية الحق عند نزول الآية التي اقترحوها فلا يؤمنون بها قيل هو عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم وما يعشركم أي وما يشعركم أنهم لا يؤمنون وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ كما كانوا عند نزول آياتنا اولا لا يومنون بها ﴿ونذرهم في طغيانهم يعمهون﴾
الأنعام (١١٠ _ ١١٤)
قيل وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم يعمهون يتحيرون
﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة﴾ كما قالوا لولا أنزل علينا الملائكة ﴿وَكَلَّمَهُمُ الموتى﴾ كما قالوا فأتوا بآبائنا ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ جمعنا ﴿كُلَّ شيء قبلا﴾ كفلاء بصحة ما بشر نابه وأنذرنا جمع قبيل وهو الكفيل قُبُلاً مدني وشامي أي عياناً وكلاهما نصب على الحال ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ إيمانهم فيؤمنوا وهذا جواب لقول المؤمنين لعلهم يؤمنون بنزول الآية ﴿ولكن أكثرهم يجهلون﴾ ان هؤلاء لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية المقترحة
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً﴾ وكما جعلنا لك أعداء من المشركين جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء أعداء لما فيه من الابتلاء الذى هو سبب ظهور الثبات والصبروكثرة الثواب والأجر وانتصب ﴿شياطين الإنس والجن﴾ على البدل من عدو أو على أنه من المفعول الأول وعدوا مفعول ثانٍ
﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ ولتميل إلى زخرف القول قلوب الكفار وهي معطوفة على غرورا أى ليغروه ولتصفى إليه ﴿وليرضوه﴾ لأنفسهم ﴿وليقترفوا ما هم مُّقْتَرِفُونَ﴾ من الآثام
﴿أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِي حَكَماً﴾ أي قل يا محمد أفغير الله أطلب حاكماً يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل ﴿وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب﴾ المعجز ﴿مُفَصَّلاً﴾ حال من الكتاب أي مبيناً فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء ثم عضد الدلالة على أن القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه
الأنعام (١١٤ _ ١١٩)
ماعندهم وموافقته له بقوله ﴿والذين آتيناهم الكتاب﴾ أي عبد الله بن سلام وأصحابه ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ﴾ شامي وحفص ﴿مِّن رَّبِّكَ بالحق فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ الشاكين فيه أيها السماع
﴿وتمت كلمة رَبِّكَ﴾ أي ما تكلم به كلمات رَبّكَ حجازى وشامى وأبو عمرو أى ثم كل ما أخبر به وأمر ونهي ووعد وأوعد ﴿صِدْقاً﴾ في وعده ووعيده ﴿وَعَدْلاً﴾ في أمره ونهيه وانتصبا على التمييز أو على الحال ﴿لاَ مُبَدّلَ لكلماته﴾ لا أحد يبدل شيئاً من ذلك ﴿وَهُوَ السميع﴾ لإقرار من أقر ﴿العليم﴾ بإصرار من أصر أو السميع لما يقولون العليم بما يضمرون
﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض﴾ أي الكفار لأنهم الأكثرون ﴿يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله﴾ دينه ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾ وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون في أن الله حرم عليهم كذا وأحل لهم كذا
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ أي هو يعلم الكفار والمؤمنين من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام والخبر يضل وموضع الجملة نصب بيعلم المقدر لا باعلم لأن أفعل لا يعمل في الاسم الظاهر النصب ويعمل الجر وقيل تقديره أعلم بمن يضل بدليل ظهور الباء بعده فى المهتدين
﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ إِن كنتم بآياته مؤمنين﴾ هو مسبب على إنكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم فقيل للمسليمن إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم
﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ﴾ ما استفهام في موضع رفع بالابتداء ولكم الخبر أي وأي غرض لكم في أن لا تأكلوا ﴿مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم﴾ بين لكم ﴿مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مما لم يحرم بقوله ﴿حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة﴾ فصل وحرم كوفي غير حفص وبفتحهما مدني وحفص وبضمهما غيرهم ﴿إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ﴾ مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أى شدة المجاعة إلى أكله
الأنعام (١١٩ _ ١٢٣)
﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ﴾ ليضلون كوفي ﴿بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة ﴿إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين﴾ بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل
﴿وَذَرُواْ ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ﴾ علانيته وسره أو الزنا في الحوانيت والصديقة في السر أو الشرك الجلي والخفي ﴿إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ﴾ يوم القيامة ﴿بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ يكتسبون فى الدنيا
﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ﴾ عند الذبح ﴿وَأَنَّهُ﴾ وإن أكله ﴿لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ﴾ ليوسوسون ﴿إلى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ من المشركين ﴿ليجادلوكم﴾ بقولهم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تذبحون بأيديكم والآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو يجعل الناسي ذاكراً تقديراً ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ في استحلال ماحرمه الله ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ لأن من اتبع غير الله دينه فقد أشرك به ومن حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم
﴿أو من كان ميتا فأحييناه﴾ أى كافرا فهديناه لأن الإيمان حيات القلوب مَيْتًا مدني ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي به في الناس﴾ مستضيا به والمراد به اليقين ﴿كَمَن مَّثَلُهُ﴾ أي صفته ﴿فِي الظلمات﴾ أي خابط فيها ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا﴾ لا يفارقها ولا يتخلص منها وهو حال قيل المراد بهما حمزة وأبو جهل والأصح أن الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضله الله فبين أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيّئاً يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان ومثل الكافر مثل من هو في الظمات التى لا يتخلص منها ﴿كذلك﴾ كما زين للمؤمن إيمانه ﴿زُيّنَ للكافرين﴾ بتزيين الله تعالى كقوله زينا لهم أعمالهم ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي أعمالهم
﴿وكذلك﴾ أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها
الأنعام (١٢٣ _ ١٢٦)
﴿جَعَلْنَا﴾ صيرنا ﴿فِي كُلّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصي واللام على ظاهرها عند أهل السنة وليست بلام العاقبة وخص الأكابر وهم الرؤساء لأن ما فيهم من الرياسة والسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر من غيرهم دليله وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ثم سلى رسوله عليه السلام ووعد له النصرة بقوله {وَمَا
ولما قال أبو جهل زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحي إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه نزل ﴿وَإِذَا جَآءَتْهُمْ﴾ أي الأكابر ﴿آية﴾ معجزة أو آية من القرآن تأمرهم بالإيمان ﴿قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله﴾ أي نعطي من الآيات مثل ما أعطي الأنبياء فأعلم الله تعالى أنه أعلم بمن يصلح للنبوة فقال تعالى ﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ مكي وحفص رسالاته غيرها حَيْثُ مفعول به والعامل محذوف والتقدير يعلم موضع رسالته ﴿سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ﴾ من أكابرها ﴿صغار﴾ ذل وهوان ﴿عَندَ الله﴾ في القيامة ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الدارين من القتل والأسر وعذاب النار ﴿بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ في الدنيا
﴿فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام﴾ يوسعه وينور قلبه قال عليه السلام إذا دخل الندر في القلب انشرح وانفتح قيل وما علامة ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ﴿وَمَن يُرِدِ﴾ أي الله ﴿أَن يُضِلَّهُ يجعل صدره ضيقا﴾ ضيقا مكى ﴿حرجا﴾ صفة لضيقا مدنى وأبو بكر بالغا فى الضيق
﴿وهذا صراط ربك﴾ أى
الأنعام (١٢٦ _ ١٣٠)
طريقه الذي اقتضته الحكمة وسنته في شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقاً لمن أراد ضلاله ﴿مستقيما﴾ عادلا مطردا أو حال مؤكدة ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ يتعظون
﴿لَهُمْ﴾ أي لقوم يذكرون ﴿دَارُ السلام﴾ دار الله يعني الجنة أضافها إلى نفسه تعظيماً لها أو دار السلامة من كل آفة وكدر أو السلام التحية سميت دار السلام لقوله تحيتهم فيها سلام إلا قيلا سلاما سلاما ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في ضمانة ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُم﴾ محبهم أو ناصرهم على أعدائهم ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بأعمالهم أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون أو هو ولينا في الدنيا بتوفيق الأعمال وفى العقبى تبحقيق الآمال
﴿ويوم نحشرهم جَمِيعاً﴾ وبالياء حفص أي واذكر يوم
﴿وكذلك نُوَلّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً﴾ نتبع بعضهم بعض في النار أو نسلط بعضهم على بعض أو نجعل بعضهم أولياء بعض ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي ثم يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ
﴿يا معشر الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ﴾ عن الضحاك بعث إلى
الأنعام (١٣٠ _ ١٣٥)
الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس رسلا منهم لأنهم به آنس وعليه ظاهر النص وقال آخرون الرسل من الإنس خاصة وإنما قيل رُسُلٌ
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك ﴿أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غافلون﴾ تعليل أي الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن أن مصدرية ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم بسبب ظلم أقدموا عليه أو ظالماً على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينهوا برسول وكتاب لكان ظالماً وهو متعال عنه
﴿وَلِكُلٍّ﴾ من المكلفين ﴿درجات﴾ منازل ﴿مّمَّا عَمِلُواْ﴾ من جزاء أعمالهم وبه استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على أن للجن الثواب بالطاعة لأنه ذكر عقيب ذكر الثقلين ﴿وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ بساه عنه وبالتاء شامى
﴿وربك الغني﴾ عن عباده وعن عباتهم ﴿ذُو الرحمة﴾ عليهم بالتكليف ليعرِّضهم للمنافع الدائمة ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ أيها الظلمة
﴿إِنَّ مَا﴾ ما بمعنى الذي ﴿تُوعَدُونَ﴾ من البعث والحساب والثواب والعقاب ﴿لآتٍ﴾ خبر إن أي لكائن ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين رد لقولهم من مات فقد فات المكانة تكون مصدراً يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة
وقوله ﴿يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ﴾ يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم واعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ويقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله على مكانتك يا فلان أي اثبت على ما أنت عليه ﴿إني عامل﴾ على
الأنعام (١٣٥ _ ١٣٨)
مكانتي التي أنا عليها أي اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم وهو أمر تهديد ووعيد ودليله قوله ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار﴾ أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة وهذا طريق لطيف في الإنذار ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ أي الكافرون مكاناتكم حيث كان أبو بكر يَكُونَ حمزة وعلي وموضع منْ رفع إذا كان بمعنى أي وعلق عنه فعل العلم أو نصب إذا كان بمعنى الذي
﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً﴾ أي وللأصنام نصيباً فاكتفى بدلالة قوله تعالى ﴿فَقَالُواْ هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَائِنَا﴾ بزعمهم علي وكذا ما بعده أي زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله﴾ أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين ﴿وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ﴾ من إنفاقهم عليها والإجراء على سدنتها رُوي أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منهما لآلهتم فإذا رأوا ما جعلوا لله زاكياً نامياً رجعوا فجعلوه للأصنام وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها وقالوا إن الله غني وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها وفي قوله ﴿مِمَّا ذَرَأَ﴾ إشارة إلى أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي لأنه هو الذي ذرأه ثم ذم صنيعهم بقوله ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ في إيثار آلهتهم على الله وعملهم على مالم يشرع لهم وموضع ما رفع أى ساءالحكم حكمهم أو نصب أي ساء حكماً حكمهم
﴿وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين﴾ أي كما زين لهم تجزئة المال زين وأد البنات ﴿قتل﴾ مفعول زين ﴿أولادهم شُرَكَاؤُهُمْ﴾ هو فاعل زين زُيِّنَ بالضم قَتْلَ بالرفع أولادهم بالنصب شُرَكَائِهِمْ بالجر شامي على إضافة القتل إلى الشركاء أي الشياطين والفصل بينهما بغير الظرف وهو المفعول وتقديره زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ ليهلكوهم بالإغواء ﴿وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ وليخلطوا عليهم ويشوبوه ودينهم ما كانوا عليه من دين
﴿وَقَالُواْ هذه أنعام وَحَرْثٌ﴾ للأوثان ﴿حِجْرٍ﴾ حرام فعل بمعنى المفعول كالذبح والطعن ويستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث
الأنعام (١٣٨ _ ١٤١)
والواحد والجمع لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات وكانوا إذا عينوا أشياء من حرثهم وأنعامهم لآلهتهم قالوا ﴿لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء والزعم قول الظن يشوبه الكذب ﴿وأنعام حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ هي البحائر والسوائب والحوامي ﴿وأنعام لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا﴾ حالة الذبح وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام ﴿افتراء عَلَيْهِ﴾ هو مفعول له أو حال أي قسموا أنعامهم قسم حجر وقسم لا يركب وقسم لا يذكر اسم الله عليها ونسبوا ذلك إلى الله افتراء عليه ﴿سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ وعيد
﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا﴾ كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حياً فهو خالص للذكور لا يأكل منه الإناث وما ولد ميتاً اشترك فيه الذكور والإناث وأنث خَالِصَةٌ وهو خبر ما للحمل على المعنى لأن ما في معنى الأجنة وذكر وَمُحَرَّمٌ حملاً على اللفظ أو التاء للمبالغة كنسابة ﴿وَإِن يَكُن مَّيْتَةً﴾ أي وإن يكن ما في بطونها ميتة وَأَنْ تَكُنْ مَيْتَةً أبو بكر
﴿قَدْ خَسِرَ الذين قَتَلُواْ أولادهم﴾ كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر قَتَّلُواْ مكي وشامي ﴿سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ لخفة أحلامهم وجهلهم بأن لله هو رازق أولادهم لا هم ﴿وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله﴾ من البحائر والسوائب وغيرها ﴿افتراء عَلَى الله﴾ مفعول له ﴿قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ إلى الصواب
﴿وَهُوَ الذي أَنشَأَ﴾ خلق ﴿جنات﴾ من الكروم ﴿معروشات﴾ مسموكات مرفوعات ﴿وَغَيْرَ معروشات﴾ متروكات على وجه الأرض لم تعرش يقال عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكاً تعطف عليه القضبان ﴿والنخل والزرع مُخْتَلِفًا﴾ في اللون والطعم والحجم والرائحة وهو حال مقدرة لأن النخل وقت خروجه لا أكل فيه حتى يكون مختلفا وهو كقوله ﴿فادخلوها خالدين﴾ أَكُلُهُ أَكْله حجازي وهو ثمره الذي يؤكل والضمير للنخل
الأنعام (١٤١ _ ١٤٤)
الزرع داخل في حكمه لأنه معطوف عليه أو لكل واحد ﴿والزيتون والرمان متشابها﴾
في اللون ﴿وَغَيْرَ متشابه﴾ في الطعم ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ من ثمر كل واحد وفائدة إِذَا أَثْمَرَ أن يعلم أن أول وقت الإباحة وقت إطلاع الشجر الثمر ولا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك ﴿وآتوا حقه﴾ عشره وهو حجة أبى حنيفة رحمه الله فى تعيمم
﴿وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو الحمولة الكبار التي تصلح للحمل والفرش الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها ﴿كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ أي ما أحل لكم منها ولا تحرموها كما في الجاهلية ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان﴾ طرقه في التحليل والتحريم كفعل أهل الجاهلية ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مبين﴾ فانهموه على دينكم
﴿ثمانية أزواج﴾ بدل من حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴿مّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين﴾ زوجين اثنين يريد الذكر والأنثى والواحد إذا كان وحده فهو فرد وإذا كان معه غيره من جنسه سمي كل واحد منهما زوجاً وهما زوجان بدليل قوله خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى ويدل عليه قوله ثمانية أزواج ثم فسرها بقوله مّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين والضأن والمعز جمع ضائن وماعز كتاجر وتجر وفتح عين المعز مكي وشامي وأبو عمرو وهما لغتان والهمزة فى ﴿قل آلذكرين حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين﴾ للإنكار والمراد بالذكرين الذكر من الضأن والذكر من المعز والانثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز والمعنى إنكار أن يحرم الله من جنسي الغنم ضأنها ومعزها شيئاً من نوعي ذكورها وإناثها ولا مما تحمل الإناث وذلك أنهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة وإناثها طوراً وأولادها كيفا كانت ذكورا أو إناثا أو مختلطة وكانوا يقولون قد حرمها الله فأنكر
﴿ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين﴾
منهما ﴿حَرَّمَ أَمِ الأنثيين﴾ منهما ﴿أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين﴾ أم ما تحمل إناثها ﴿أم كنتم شهداء﴾ أى منقطعة أى بل كنتم شهداء ﴿إِذْ وصاكم الله بهذا﴾ يعني أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم ولما كانوا لا يؤمنون برسول الله وهم يقولون الله حرم هذا الذي نحرمه تهكم بهم في قوله ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ﴾ على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا﴾ فنسب إليه تحريم ما لم يحرم ﴿لِيُضِلَّ الناس بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي الذين في علمه أنهم يختمون على الكفر ووقع الفاصل بين بعض المعدود وبعضه اعتراضاً غير أجنبي من المعدود وذلك أن الله تعالى مَنَّ على عباده بانشاء الأنعام لمنافعهم وباباحتها لهم فالاعترض بالاحتجاج على من حرمها يكون تأكيد للتحليل والاعترضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد
﴿قل لا أجد فيما أُوْحِيَ إِلَيَّ﴾ أي في ذلك الوقت أو في وحي القرآن لأن وحي السنة قد حرم غيره أو من الأنعام لأن الآية في رد البحيرة وأخواتها وأما الموقوذة والمتردية والنطيحة فمن الميتة وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه لا بهوى الأنفس ﴿مُحَرَّمًا﴾ حيواناً حرم أكله ﴿على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ على آكل يأكله ﴿إِلا أَن يَكُونَ ميتة﴾ إلا أن يكون الشئ المحرم ميتة أَن تَكُونَ مكي وشامي وحمزة مَيْتَةً شامي {أَوْ دَمًا
﴿وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ﴾ أي ماله أصبع من دابة أو طائر ويدخل فيه الإبل والنعام ﴿وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ أي حرمنا عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه وكل شيء منه ولم يحرم من البقر والغنم إلا الشحوم وهي الثروب وشحوم الكلى ﴿إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب
الأنعام ١٤٠ ١٤٤ من السَّحفة ﴿أَوِ الحوايا﴾ أو ما اشتمل على الأمعاء واحدها حاوياء أو حوية ﴿أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ﴾ وهو الألية أو المخ ﴿ذلك﴾ مفعول ثان لقوله ﴿جزيناهم﴾ والتقدير جزيناهم ذلك ﴿بِبَغْيِهِمْ﴾ بسبب ظلمهم ﴿وِإِنَّا لصادقون﴾ فيما أخبرنا به وكيف نشكر من سبب معصيتهم لتحريم الحلال ومعصية سالفنا لتحليل الحرام حيث قال وعفا عنكم فالآن باشروهن
﴿فَإِن كَذَّبُوكَ﴾ فيما أوحيت إليك من هذا ﴿فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسعة﴾ بها يمهل المكذبين ولا يعاجلهم بالعقوبة ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ﴾ عذابه مع
﴿سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ﴾ إخبار بما سوف يقولونه ﴿لو شاء الله﴾ لانشرك ﴿ما أشركنا ولا آباؤنا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾ ولكن شاء فهذا عذرنا يعنون أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله لهم بمشيئته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك ﴿كذلك كَذَّبَ الذين من قبلهم﴾ أى كتكذبيهم إياك كان تكذيب المقدمين رسلهم وتشبثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك إذ لم يقولوه عن اعتقاد بل قالوا ذلك استهزاء ولانهم جعلوا مشيئته الشرك والشرك مراد لكنه غير مرضي ألا ترى أنه قال فلوا شاء لهداكم أجمعين اخبرانه لو شاء منهم الهدى لآمن كلهم ولكن لم يشأ من الكل الإيمان بل شاء من البعض الإيمان ومن البعض الكفر فيحب حمل المشيئة هنا على ما ذكرنا دفعا للتناقض ﴿حتى ذاقوا بأسنا﴾ حى أنزلنا عليهم العذاب ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ﴾ من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم ﴿فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ فتظهروه ﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ﴾ تكذبون
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة﴾ عليكم بأوامره ونواهيه ولا حجة لكم على الله بمشيئته ﴿فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي فلو شاء هدايتكم وبه تبطل صولة المعتزلة
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ﴾ هاتوا شهداءكم وقربوهم ويستوي في هذه الكلمة الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين وبنوا تميم تؤنث
الأنعام ١٤٤ ١٤٦ ﴿فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم فكان واحداً منهم ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الذين كَذَّبُواْ بآياتنا﴾ من وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات الله فهومتبع للهوى إذ لو تبع الدليل لم يكن إلا مصدقاً بالآيات موحداً لله ﴿والذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ هم المشركون ﴿وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يسوون الأصنام
﴿قُلْ﴾ للذين حرموا الحرث والأنعام ﴿تَعَالَوْاْ﴾ هو من الخاص الذى صار عام وأصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه ثم كثر حتى عم ﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ الذي حرمه ربكم ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من صلة حرم ﴿أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً﴾ أى مفسرة لفعل التلاوة ولا للنهي ﴿وبالوالدين إِحْسَانًا﴾ وأحسنوا بالوالدين إحساناً ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان ذكر في المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم مِّنْ إملاق﴾ من أجل فقر ومن خشيته كقوله خَشْيَةَ إملاق ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ لأن رزق العبيد على مولاهم ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ ما بينك وبين الخلق ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ ما بينك وبين الله ما ظهر بدل من الفواحش ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ كالقصاص والقتل على الردة والرجم ﴿ذلكم وصاكم بِهِ﴾ أي المذكور مفصلاً أمركم ربكم بحفظه ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لتعقلوا عظمها عند الله
﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أَحْسَنُ﴾ إلا بالخصلة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره ﴿حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ أشده مبلغ حلمه فادفعوه إليه وواحده شد كفلس وأفلس ﴿وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط﴾ بالسوية والعدل ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ إلا ما يسعها ولا تعجز عنه وإنما أتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذى لا زيادة ولا نقصان مما فيه حرج فأمر
الأنعام ١٤٦ ١٤٩ ببلوغ الوسع وأن ما وراءه معفو عنه ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا﴾ فاصدقوا ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قربى﴾ ولو كان المقوم له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة للقائل كقوله ﴿وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوالدين والأقربين﴾ وَبِعَهْدِ الله يوم الميثاق أو في الأمر والنهي والوعد والوعيد والنذر واليمين ﴿أَوْفُواْ ذلكم﴾ أى مامر ﴿وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ بالتخفيف حيث كان حمزة وعلي وحفص على حذف إحدى التاءين غيرهم بالتشديد أصله تتذكرون فأدغم التاء الثانية في الذال أي أمركم به لتتعظوا
﴿وَأَنَّ هذا صراطي﴾ ولأن هذا صراطي فهو علة للاتباع بتقدير اللام وَأَنْ بالتخفيف شامي وأصله وأنه على أن الهاء ضمير الشأن والحديث وَإنْ على الابتداء حمزة وعلي ﴿مُّسْتَقِيماً﴾ حال ﴿فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل﴾ الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات ﴿فتفرق بكم عن سبيله﴾ فنفرقكم أيادي سبأ عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام روى أن رسول الله ﷺ خط خطاً مستوياً ثم قال هذا سبيل الرشد وصراط الله فاتبعوه ثم خط على كل
﴿ثم آتينا مُوسَى الكتاب تَمَامًا﴾ أي ثم أخبركم إنا آتينا أو هو عطف على قُلْ أي ثم قل آتينا أو ثم مع الجملة تأتي بمعنى الواو كقوله ثم الله شهيد ﴿عَلَى الذي أَحْسَنَ﴾ على من كان محسناً صالحاً يريد جنس المحسنين دليله قراءة عبد الله عَلَى الذين أَحْسَنُواْ أو أراد به ﴿وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَيْءٍ﴾ وبياناً مفصلاً لكل ما يحتاجون إليه في دينهم ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم﴾ أي بني إسرائيل ﴿بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ يصدقون أي بالبعث والحساب وبالرؤية
﴿وهذا﴾ أى القرآن
الأنعام ١٤٩ ١٥٢ ﴿كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ﴾ كثير الخير ﴿فاتبعوه واتقوا﴾ مخالفته ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لترحموا
﴿أَن تَقُولُواْ﴾ كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا ﴿إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب على طَائِفَتَيْنِ مِن قبلنا﴾ أى أهل التوارة وأهل الإنجيل وهذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب ﴿وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ﴾ عن تلاوة كتبهم ﴿لغافلين﴾ لا علم لنا بشئ من ذلك إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والأصل وإنه كنا عن دراستهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن والخطاب لأهل مكة والمراد إثبات الحجة علهيم بانزال القرآن على محمد ﷺ كى لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما
﴿أَوْ تَقُولُواْ﴾ كراهة أن تقولوا ﴿لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ﴾ لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا وغزارة حفظنا لأيام العرب ﴿فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيّنَةٌ مّن رَّبِّكُمْ﴾ أي إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم ما فيه البيان الساطع والبرهان القاطع فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بآيات الله﴾ بعدما عرف صحتها وصدقها ﴿وصدف عنها﴾ أى أعرض ﴿سَنَجْزِي الذين يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنَا سُوءَ العذاب﴾ وهو النهاية في النكاية ﴿بِمَا كَانُواْ يصدفون﴾ بإعراضهم
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ أي أقمنا حجج الوحدانية وثبوت الرسالة وأبطلنا ما يعتقدون من الضلالة فما ينتظرون في ترك الضلالة بعدها ﴿إِلا أَن تأتيهم الملائكة﴾ أى ملاك الموت لقبض أرواحهم يَأْتِيهِمُ حمزة وعلي {أَوْ
أي إخلاصاً كما لا يقبل إيمان الكافر بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل إخلاص المنافق أيضاً أو توبته وتقديره لا ينفع إيمان من لم يؤمن ولا توبة من لم يتب قبل ﴿قُلِ انتظروا﴾ إحدى الآيات الثلاث ﴿إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ بكم إحداها
﴿إن الذين فرقوا دينهم﴾ اختلفوا فيه وصاروا فرقاً كما اختلفت اليهود والنصارى وفي الحديث افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها فى الهاوية إلا واحدة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي السواد الأعظم وفي رواية وهي ما أنا عليه وأصحابي وقيل فرقوا دينهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض فارقوا دِينَهُمُ حمزة وعلي أي تركوا ﴿وَكَانُواْ شِيَعاً﴾ فرقاً كل فرقة تشيع إماماً لها ﴿لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم أو من عقابهم ﴿إنما أمرهم إلى الله ثم يُنَبّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ فيجازيهم على ذلك
﴿مَن جَاءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ تقديره عشر حسنات أمثالها إلا
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبّي﴾ رَبّي أبو عمرو ومدني ﴿إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ دِينًا﴾ نصب على البدل من محل إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ لأن معناه هداني صراطاً بدليل قوله ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صراطا مستقيما﴾ فيما فيعل من قام كسدي من ساد وهو أبلغ من القائم قَيِّماً كوفي وشامي وهو مصدر بمعنى القيام وصف به ﴿مِلَّةِ إبراهيم﴾ عطف بيان ﴿حَنِيفاً﴾ حال من إِبْرَاهِيمَ ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾ بالله يا معشر قريش
﴿قل إن صلاتي ونسكي﴾ أى عبادتى والنسك العابد أو ذبحي أو حجي ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ وما أتيته في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعلم الصالح ﴿لله رب العالمين﴾ خالصة لوجهه محياى وَمَمَاتِي بسكون الياء الأول وفتح الثاني مدني وبعكسه غيره
﴿لاَ شَرِيكَ لَهُ﴾ في شيء من ذلك ﴿وبذلك﴾ الإخلاص ﴿أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين﴾ لأن إسلام كل نبيٍ متقدم على إسلام أمته
﴿قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً﴾ جواب عن دعائهم له على عبادة آلهتهم والهمزة للإنكار أي منكر أن أطلب رباً غيره وتقديم المفعول للإشعار بأنه أهم ﴿وهو رب كل شيء﴾
الأنعام ١٥٨ ١٥٩ وكل من دونه مربوب ليس في الوجود من له الربوبية غيره ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾ جواب عن قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي لا تؤخذ نفس آثمة
﴿وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف الأرض﴾ لأن محمداً ﷺ خاتم النبيين فأمته قد خلفت سائر الأمم أو لأن بعضهم يخلف بعضاً أو هم خلفاء الله فى أرضه يملكونها ويترفون فيها ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ﴾ في الشرف والرزق وغير ذلك ﴿درجات﴾ مفعول ثانٍ أو التقدير إلى درجات أو هى واقعة موقع المصدر كأنه قيل رفعة بعد رفعة ﴿لّيَبْلُوَكُمْ فِى ما آتاكم﴾ فيما أعطاكم من نعمة الجاه والمال كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع والغني بالفقير والمالك بالمملوك ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب﴾ لمن كفر ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن قام بشكرها ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آتٍ قريب وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أقرب عن النبى ﷺ من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام حين يصبح وكل الله تعالى به سبيعن ألف ملك يحفظونه وكتب له مثل أعمالهم إلى يوم القيامة
سورة الأعراف مكية وهي مائتان وخمس آيات بصرى وست كوفى ومدنى
بسم الله الرحمن الرحيم