تفسير سورة الأنعام

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله تبارك وتعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ... ﴾
القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم : سبعون.
وقوله :﴿ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَّجَعَلْناهُ رَجُلاً... ﴾
في صورة رجل ؛ لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صُورة المَلَك.
وقوله :﴿ كَتَبَ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ... ﴾
إن شِئت جعلت ( الرحمة ) غاية كلام، ثم استأنفت بعدها ﴿ ليَجْمَعَنَّكم ﴾ وإن شِئت جعلته في موضع نصب ؛ كما قال :﴿ كَتَب ربكم على نفسِهِ الرحمة أَنه من عمل مِنكم ﴾ والعرب تقول في الحروف التي يَصْلح معها جواب الأَيْمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون : أرسلت إليه أن يقوم، وأرسلت إليه ليقومنّ. وكذلك قوله :﴿ ثم بدا لهم مِن بعدِ ما رأَوُا الآياتِ ليسجُنُنَّهُ ﴾ وهو في القرآن كثير ؛ ألا ترى أنك لو قلت : بدا لهم أن يسجنوه كان صوابا.
وقوله :﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّماوَاتِ... ﴾
مخفوض في الإعراب ؛ تجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى. ولو نصبته على المدح كان صوابا، وهو معرفة. ولو نويت الفاطرَ الخالِق نصبته على القطع ؛ إذ لم يكن فيه ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كان صوابا ؛ كما قال :( ربُّ السماوات والأَرضِ وما بينهما الرحمن ).
وقوله :﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ... ﴾
كلُّ شيء قهر شيئا فهو مُسْتعلٍ عليه.
وقوله :﴿ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ... ﴾
يريد : ومن بلغه القرآن من بعدكم، و( بلغ ) صِلة ل ( من ). ونصبت ( من ) بالإنذار. وقوله :﴿ آلِهَةً أُخْرَى ﴾ ولم يقل : أُخَر ؛ لأن الآلهة جمع، ( والجمع ) يقع عليه التأنيث ؛ كما قال الله تبارك وتعالى :﴿ ولِلّهِ الأَسماء الحسنى ﴾ وقال الله تبارك وتعالى :﴿ فما بال القُرونِ الأُولى ﴾ ولم يقل : الأُوَل والأوّلين. وكلّ ذلك صواب.
وقوله :﴿ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناهُمُ... ﴾
ذُكر أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سَلاَم : ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : والله لأَنابِهِ إذا رأيته أعرفُ مِنى بابني وهو يلعب مع الصبيان ؛ لأني لا أشكُّ فيه أنه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ولست أدرى ما صنع النساء في الابن. فهذه المعرفة لصفته في كتابهم.
وجاء التفسير في قوله :﴿ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ يقال : ليس من مؤمن ولا كافر إلا له منزل في الجنة وأهل وأزواج، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه ( ومن كفر صار منزله وأزواجه ) إلى من أسلم وسعد. فذلك قوله ﴿ الذِين يَرِثُون الفِردوسَ ﴾ يقول : يرثون منازل الكفار، وهو قوله :﴿ الذِين خسِروا أنفسهم وأهليهم ﴾.
وقوله :﴿ وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنا مُشْرِكِينَ... ﴾
تقرأ : ربِّنا وربَّنا خفضا ونصبا. قال الفرّاء : وحدّثني الحسن بن عيَّاش أخو أبى بكر بن عياش عن الأعمش عن الشعبيّ عن علقمة أنه قرأ ﴿ واللّهِ ربَّنا ﴾ قال : معناه : والله يا ربَّنا. فمن قال ﴿ ربِّنا ﴾ جعله محلوفا به.
وقوله :﴿ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ... ﴾
جعلت الدار ها هنا اسما، وجُعِلت الآخِرة من صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع. ومثله مما يضاف إلى مثله في المعنى قوله ﴿ إِنّ هذا لهو حَقُّ اليَقِين ﴾ والحق هو اليقين ؛ كما أَنّ الدار هي الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى. ومنه : يوم الخميس، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه ؛ كما اختلف الحق واليقين، والدار [ و ] والآخرة، واليوم الخميس. فإذا اتفقا لم تقل العرب : هذا حقُّ الحقّ، ولا يقين اليقين ؛ لأنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى. ومثله في قراءة عبد الله ﴿ وذلك الدِين القَيِّمة ﴾ وفي قراءتنا ﴿ دِين القَيِّمة ﴾ والقَيِّمُ والقَيِّمة بمنزلة قولك : رجل راوية وَهابة للأموال ؛ ووهاب وراو، وشبهه.
وقوله :﴿ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ... ﴾
قرأها العامَّة بالتشديد. قال : حدّثنا الفراء قال حدّثني قيس بن الربيع الاْسَدىّ عن أبى إسحاق السَبِيعىّ عن ناجية بن كعب عن على أنه قرأ ﴿ يُكْذِبونك ﴾ مخفّفة. ومعنى التخفيف - والله أعلم - : لا يجعلونك كذَّابا، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل ؛ لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى الله عليه وسلم كذبا فيكذِّبوه وإنما أكذبوه ؛ أي ما جئت به كذب لا نعرفه. والتكذيب : أن يقال : كَذَبت. والله أعلم.
وقوله :﴿ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّما فِي السَّماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ... ﴾
فافعل، مضمَرة، بذلك جاء التفسير، وذلك معناه. وإنما تفعله العرب في كل موضع يُعرف فيه معنى الجواب ؛ ألا ترى أنك تقول للرجل : إن استطعت أن تتصدق، إن رأيت أن تقوم مَعَنا، بترك الجواب ؛ لمعرفتك بمعرفته به. فإذا جاء ما لا يُعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته ؛ كقولك للرجل : إن تقم تُصِب خيرا، لا بدّ في هذا من جواب ؛ لأن معناه لا يُعرف إذا طُرح.
وقوله :﴿ وَما مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ... ﴾
( الطائر ) مخفوض. ورفعه جائز ( كما تقول : ماعندي من ) رجل ولا امرأةٍ، وامرأةٌ ؛ من رفع قال : ما عندي من رجلٍ ولا عندي امرأة. وكذلك قوله :﴿ وما يعزُبُ عن ربِّك مِن مِثقالِ ذرةٍ ﴾ ثم قال ﴿ ولا أصغرَ مِن ذلك، ولا أَصغرُ، ولا أَكبرَ، ولا أَكبرُ ﴾ إذا نصبت ( أصغر ) فهو في نيَّة خفض، ومَن رفع ردّه على المعنى.
وأَما قوله ﴿ وَلاَ طَائرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ﴾ فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو في الكلام بمنزلة قوله ﴿ له تِسع وتسعون نعجة [ ولى نعجة ] أنثى ﴾، وكقولك للرجل : كلَّمته بفي، ومشيت إليه على رِجْلَيّ، إبلاغا في الكلام.
يقال : إنّ كل صنف من البهائم أمّة، والعرب تقول صِنْف [ وصَنْف ].
﴿ ثم إِلى ربِّهِم يحشرون ﴾ حَشْرها : موتها، ثم تحشر مع الناس فيقال لها : كوني ترابا. وعند ذلك يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مِثلها.
وقوله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُكُم... ﴾
العرب لها في ( أرأيت ) لغتان، ومعنيان. أحدهما أن يسأَل الرجلُ الرجل : أرأيت زيدا بعينك ؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها على الرجُل منه قلت : أرأيتَك على غير هذه الحال ؟ تريد : هل رأيتَ نفسك على غير هذه الحال. ثم تثنّى وتجمع، فتقول للرجلين : أرايتماكما، وللقوم : أَرَأَيتموكم، وللنسوة : أَرَأَيْتُنَّكُنَّ، وللمرأة : أَرَأَيْتِكِ، تخفض التاء والكاف، لا يجوز إلا ذلك.
والمعنى الآخر أن تقول : أرأيتَكَ، وأنت تريد : أَخبِرْني ( وتهمزها ) وتنصب التاء منها ؛ وتترك الهمز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحَّدة مفتوحة للواحد والواحدة [ والجميع في ] مؤنّثه ومذكّره. فتقول للمرأة : أرايتك زيدا هل خرج، وللنسوة : أرأيتكن زيدا ما فعل. وإنما تركت العرب التاء واحدة لأنهم لم يريدوا أن يكون الفعل منها واقعا على نفسها، فاكتفَوْا بذكرها في الكاف، ووجَّهوا التاء إلى المذكَّر والتوحيد ؛ إذ لم يكن الفعل واقعا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع ؛ كما أنك إذا قلت للرجل : دونك زيدا وجدت الكاف في اللفظ خفضا وفي المعنى رفعا ؛ لأنها مأمورة.
والعرب إذا أوقعَتْ فِعْل شيء على نفسه قد كُنِى فيه عن الاسم قالوا في الأفعال التامَّة غير ما يقولون في الناقصة. فيقال للرجل : قتلتَ نفسك، وأحسنت إلى نفسِك، ولا يقولون : قتلتَكَ ولا أحسنتَ إليك. كذلك قال الله تبارك وتعالى ﴿ فاقتلوا أنفسكم ﴾ في كثير من القرآن ؛ كقوله ﴿ وما ظلمناهم ولكِن ظلموا أنفسهم ﴾ فإذا كان الفعل ناقصا - مثل حسبت وظننت - قالوا : أَظُنُّني خارجا، وأَحسِبني خارجا، ومتى تراك خارجا. ولم يقولوا : متى ترى نفسك، ولا متى تظنّ نفسك. وذلك أنهم أرادوا أن يفرُقوا بين الفعل الذي قد يُلْغى، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه ؛ ألا ترى أنك تقول : أنا - أظن ّ- خارج، فتبطل ( أظنّ ) ويعمل في الاسم فعله. وقد قال الله تبارك وتعالى ﴿ إِن الإِنسان ليطغى. أَن رآه استغنى ﴾ ولم يقل : رأى نفسه. وربما جاء في الشعر : ضربتَكَ أو شبههُ من التامّ. من ذلك قول الشاعر :
خُذَا حَذراً يا جارتىَّ فإننى رأيتُ جِرَان العَوْدِ قد كاد يُصْلح
لقد كان لي في ضَرّتين عدِمتُني وما كنت أَلقَى من رزينة أَبرحُ
والعربِ يقولون : عدِمتُنِى، ووجدتُنى، وفقدتُنى، وليس بوجه الكلام.
وقوله :﴿ فَلَوْلا إِذْ جاءهم بَأْسُنا تَضَرَّعُواْ... ﴾
معنى ( فلولا ) فهلاَّ. ويكون معناها على معنى لولا ؛ كأنك قلت : لولا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسما واحدا مرفوعا فهو بمعنى لولا التي جوابها اللام ؛ وإذا لم تر بعدها اسما فهي استفهام ؛ كقوله :﴿ لولا أَخَّرْتَنِي إلى أَجلٍ قريب [ فأصدّق وأَكُن مِنَ الصالِحِين ] ﴾ وكقوله :﴿ فلولا إِن كنتم غير مدِينين [ ترجِعونها إن كنتّم صادِقِين ] ﴾ وكذلك ( لوما ) فيها ما في لولا : الاستفهام والخبر.
وقوله :﴿ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ... ﴾
يعنى أبواب الرزق والمطر وهو الخير في الدنيا لنفتنهم فيه. وهو مثل قوله :﴿ حتى إذا أخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفها وازَّيَّنَتْ وظنّ أَهْلُها أنهم قادِرون عليها أتاها أَمْرُنا ليلا أَوْ نهارا ﴾ ومثله ﴿ وأن لوِ استقاموا على الطرِيقةِ لأسقيناهم ماء غدَقا لِنفتِنهم فيه ﴾ والطريقة طريقة الشِرْك ؛ أي لو استمرّوا عليها فعلنا ذلك بهم.
وقوله :﴿ فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ المبلِس : اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب : قد أبلس ؛ وقد قال الراجز :
يا صاحِ هل تعرف رَسْما مُكْرَسَا قال نعم أعرِفه، وأبلسا
أي لم يُحِرْ إلىّ جوابا.
وقوله :﴿ يَأْتِيكُمْ بِهِ... ﴾
كناية عن ذهاب السمع والبصر والختم على الأفئدة. وإذا كنيت عن الأفاعيل وإن كثرت وحَّدت الكناية ؛ كقولك للرجل : إقبالك وإدبارك يؤذيني. وقد يقال : إن الهاء التي في ( به ) كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل.
وقوله :﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ... ﴾
يقول : يخافون أن يحشروا إلى ربهم عِلْما بأنه سيكون. ولذلك فسّر المفسرون ( يخافون ) : يعلمون.
وقوله :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ... ﴾
يقول القائل : وكيف يَطْرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوا ربه حتى يُنْهي عن ذلك ؟ فإنه بلغنا أن عُيَيْنة بن حِصْن الفَزَارىّ دخل على النبىّ صلى الله عليه وسلم وعنده سَلْمان وبِلال وصُهَيب وأشباههم، فقال عُيَينة : يا رسول الله لو نحَّيتَ هؤلاء عنك لأتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي ﴾.
وقوله :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ ﴾
تكسر الألف من ( أنّ ) والتي بعدها في جوابها على الائتناف، وهي في قراءة القرّاء. وإن شئت فتحت الألف من ( أنّ ) تريد : كتب ربكم على نفسه أنه من عمل. ولك في ( أنّ ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأما من فتح فإنه يقول : إنما يحتاج الكتاب إلى ( أنّ ) مرة واحد ؛ ولكن الخبر هو موضعها، فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت إلى موضعها ؛ كما قال :﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاما أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴾ فلما كان موقع أنّ : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت في أوّل الكلام وآخره. ومثله :﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ﴾ بالفتح. ومثله :﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ﴾ ولك أن تكسر ( إن ) التي بعد الفاء في هؤلاء الحروف على الاستئناف ؛ ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول : " كتب أنه من تولاه فهو يضله " بالفتح. وكذلك " وأصلح فهو غفور رحيم " لو كان لكان صوابا. فإذا حسُن دخول ( هو ) حسن الكسر.
وقوله :﴿ وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ... ﴾
ترفع ( السبيل ) بقوله :( وليستبين ) لأنّ الفعل له. من أنَّث السبيل قال :﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾. وقد يجعل الفعل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فتنصب السبيل، يراد به : ولتستبين يا محمد سبيلّ المجرمين.
وقوله :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ... ﴾
كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام ؛ كما كتب ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانيَةَ ﴾ بغير واو، وكما كتب ﴿ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ بغير ياء على اللفظ. فهذه قراءة أصحاب عبد الله. وذُكِر عن على أنه قال :( يَقُصُّ الْحَقَّ ) بالصاد. قال حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثني سفيان بن عُيَينة عن عمرِو بنِ دينارٍ عن رجلٍ عن ابنِ عباسٍ أنه قرأ ( يقضِى بالحق ) قال الفرّاء : وكذلك هي في قراءة عبد الله.
وقوله :﴿ وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الأَرْضِ ﴾
يجوز رفعها.
وقوله :﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾
يقال : خُفيَة وخِفية. وفيها لغة بالواو، - ولا تصلح في القراءة - : خُفوة وخِفوة ؛ كما قيل : قد حَلّ حُبْوته وحِبوته وحِبْيته.
وقوله :﴿ لَّئِنْ أَنجَانا مِنْ هَذِهِ ﴾
قراءة أهل الكوفة، - وكذلك هي في مصاحفهم - " أن جِ ى ن ألف " وبعضهم بالألف ( أنجانا ) وقراءة الناس ( أنجيتنا ) بالتاء.
وقوله :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً ﴾
كما فعل بقوم نوح : المطر والحجارة والطوفان ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ : الخَسْف ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ : يخلطكم شِيَعا ذوى أهواء.
وقوله :﴿ وَلَكِن ذِكْرَى ﴾
في موضع نصب أو رفع ؛ بفعل مضمر ؛ ( ولكِن ) نذكرهم ( ذِكرى ) والرفع على قوله ( ولكن ) هو ( ذكرى ).
وقوله :﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً... ﴾
يقال : ليس من قوم إلاَّ ولهم عيد فهم يَلهُون في أَعيادهم، إلا أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإن أعيادهم بِرّ وصلاة وتكبير وخير.
وقوله :﴿ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ ﴾ أي ترتهن ( والعرب تقول : هذا عليك بَسْل أي حرام. ولذلك قيل : أسَد باسل أي لا يُقْرَب ) والعرب تقول : أعْطِ الراقِي بُسْلته، وهو أجر الرقية.
قوله :﴿ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائتِنا... ﴾
كان أبو بكر الصدّيق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله :﴿ إِلَى الْهُدَى ائتِنا ﴾ أي أطِعْنا، ولو كانت " إِلى الهدى أن ائتنا " لكان صوابا ؛ كما قال :﴿ إِنا أَرْسَلْنا نُوحا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ﴾ في كثير من أشباهه، يجيء بأَنْ، ويطرحُها.
وقوله :﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ... ﴾
مردودة على اللام التي في قوله :﴿ وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ ﴾ والعرب تقول : أمرتك لتذهب ( وأن تذهب ) فأَن في موضع نصب بالردّ على الأمر. ومثله في القرآن كثير.
وقوله :﴿ كُن فَيَكُونُ... ﴾
يقال إنّ قوله :﴿ فيكون ﴾ للصُّور خاصَّة، أي يقول للصُّور :﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾. ويقال إن قوله :﴿ كن فيكون ﴾ لقوله هو الحقّ من نعت القول، ثم تجعل فعله ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ يريد : يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول :﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ﴾ لكل شيء فتكون كلمة مكتفِية وترفع القول بالحقّ، وتنصب ( اليوم ) لأنه محل لقوله الحقّ.
والعرب تقول : نِفخ في الصورِ ونُفِخَ، وفي قراءة عبد الله :﴿ كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرا بإذني ﴾ وقال الشاعر :
لولا ابنُ جَعْدة لم يُفتَح قُهُنْدُزكم ولا خُراسانُ حتى يُنْفَخَ الصورُ
ويقال : إن الصُّور قَرن، ويقال : هو جمع للصور ينفخ في الصور في الموتى. والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله :﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ... ﴾
يقال : آزر في موضع خفض ولا يُجْرى لأنه أعجمىّ. وقد أجمع أهل النسب على أنه ابن تارَحَ، فكأن آزر لقب له. وقد بلغني أن معنى ( آزر ) في كلامهم معوجّ، كأنه عابه بزيغه وبِعِوجه عن الحقّ. وقد قرأ بعضهم ( لأبيه ازرُ ) بالرفع على النداء ( يا ) وهو وجه حسن. وقوله :﴿ أَتَتَّخِذُ أَصْناما آلِهَةً ﴾ نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها.
وقوله :﴿ فَلَما جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ... ﴾
يقال : جنّ عليه الليل، وأَجَنَّ، وأَجنَّه الليل وجَنّه الليل ؛ وبالألف أجود إذا ألقيت ( على ) وهي أكثر من جنَّه الليل.
يقال في قوله :﴿ فَلَما جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قَالَ هذَا رَبِّي ﴾ قولان : إنما قال : هذا ربّى استدراجا للحجَّة على قومه ليعيب آلهتهم أَنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ؛ ويقال : إنه قاله على الوجه الآخر ؛ كما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما فَآوَى. وَوَجَدَكَ ضَالاّ فَهَدَى ﴾ واحتجوا ها هنا بقول إبراهيم :﴿ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبِّى لأَكُونَنّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾.
وقوله :﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ... ﴾
وذلك أنهم قالوا له : أما تخاف أن تخبِلك آلهتنا لسبِّك إياها ؟ فقال لهم : أَفلا تخافون أنتم ذلك منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذَكَر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصغير. ثم قال لهم : أمن يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شَتَّى ؟ قالوا : من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله :﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ ﴾.
وقوله :﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ... ﴾
هذه الهاء لنوح : و( هدينا ) من ذرِّيتِه داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا ؛ كما تقول : أخذت صدقاتِهِم لكل مائة ( شاةٍ شاةً ) وشاةٌ.
وقوله :﴿ وَالْيَسَعَ... ﴾
يشدّد أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين يقولون ( والْيَسَعَ ) لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يُجْرى ؛ مثل يزيد ويعمر إلا في شعر ؛ أنشد بعضهم :
وَجَدْنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأَحْناء الخِلافةِ كاهِله
وإنما أَدخل في يزيد الألف واللام لما أدخلها في الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسَّت الحرف مدحا.
وقوله :﴿ فَإِن يَكْفُرْ بِها هؤلاء... ﴾
يعنى أهل مكَّة ﴿ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما ﴾ يعنى أهل المدينة ﴿ لَّيْسُواْ بِها بِكَافِرِينَ ﴾ بالآية.
وقوله :﴿ وَما قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ... ﴾
ما عظَّموه حقّ تعظيمه. وقوله ﴿ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ ﴾ يقول : كيف قلتم : لم يُنزل الله على بشر من شيء وقد أنزلت التوراة على موسى ﴿ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ ﴾ والقِرطاس في هذا الموضع صحيفة. وكذلك قوله :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتَاباً في قِرْطَاسٍ ﴾ يعنى : في صحيفة.
﴿ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً ﴾ يقول : تبدون ما تحبون، وتكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله :﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ أُمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ أي : أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت : قل ( هو ) الله. وقد يكون قوله ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ جوابا لقوله :﴿ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى ﴾، ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ أنزله. وإنما اخترت رفع ﴿ اللَّهُ ﴾ بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الذي أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يسألهم :﴿ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ ﴾ وليست بمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جاز لأنه استفهام، والاستفهام يكون له جواب.
وقوله :﴿ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ لو كانت جزما لكان صوابا ؛ كما قال ﴿ ذَرْهُمْ يأكُلُوا وَيَتَمتّعُوا ﴾.
وقوله :﴿ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى... ﴾
يقال في التفسير : إنّ أمّ القرى مَكَّة.
وقوله :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ الهاء تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم وللتنزيل.
وقوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى على اللَّهِ كَذِباً... ﴾
يقال : إنها نزلت في مسيلمة الكذَّاب، وذلك أنه ادّعى النبوّة.
﴿ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ ﴾ ومن في موضع خفض. يريد : ومن أظلم من هذا ومن هذا الذي قال : سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت في عبد الله بن سعد بن أبى سَرْح. وذلك أنه كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمُ ﴾ كتب ( سميع عليم ) أو ( عزيز حكيم ) فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : سواء ؛ حتى أملَّ عليه قوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ إلى قوله :﴿ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ فقال ابن أبى سَرْح ﴿ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ تعجُّبا من تفصيل خَلْق الإنسان، قال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هكذا أنزِلتْ على، فشكَّ وارتدّ. وقال : لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا لقد أوحى إلىّ ( كما أوحى إليه ) ولئن كان كاذبا لقد قلتُ مثل ما قال، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه :﴿ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ ما أَنَزلَ اللَّهُ ﴾.
وقوله :﴿ وَالْمَلائكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ ﴾ ويقال : باسطو أيديهم بإخراج أنفس الكفار. وهو مثل قوله :﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ ولو كانت ( باسطون ) كانت ( أيدِيَهُمْ ) ولو كانت " باسطو أيديهم أن أخرِجوا " كان صوابا. مثله مما تركت فيه أن قوله :﴿ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهدَى ائتِنا ﴾ وإذا طرحت من مثل هذا الكلام ( أن ) ففيه القول مُضمَرٌ كقوله :﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ يقولون :﴿ رَبَّنا ﴾.
وقوله :﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى... ﴾
وهو جمع. والعرب تقول :[ قوم ] فرادى وفرادُ يا هذا فلا يجُرونها، شبهت بثُلاَث ورُبَاع. وفرادى واحدها فَرْد، وفرِد، وفريد، وفراد للجمع، ولا يجوز فرد في هذا المعنى. وأنشدني بعضهم :
ترى النُعَراتِ الزُرْق تحت لَبَانه فُرَادَ ومثنى أصعقتها صواهِله
وقوله :﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ... ﴾
قرأ حمزة ومجاهد ( بينُكُمْ ) يريد وصلكم. وفي قراءة عبد الله ( لقد تقطع ما بينَكم ) وهو وجه الكلام. إذا جعل الفعل لبين ترك نصبا ؛ كما قالوا : أتانى دونك من الرجال فترك نصبا وهو في موضع رفع ؛ لأنه صفة. وإذا قالوا : هذا دون من الرجال رفعوه في موضع الرفع. وكذلك تقول : بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد ؛ إذا أفردته أجريته في العربية وأعطيته الإعراب.
وقوله :﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ... ﴾
والإصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والأصباح صُبْح كل يوم بمجموع.
وقوله :﴿ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَنا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانا ﴾ الليل في موضع نصب في المعنى. فردّ الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله :﴿ سكنا ﴾ فإذا لم تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يجوز أن ينصب وإن لم يحل بينهما بشيء ؛ أنشد بعضهم :
وبينا نحن ننظره أتانا معلِّقَ شَكْوةٍ وزِنادَ راع
وتقول : أنت آخذٌ حقَّك وحَقِّ غيرك فتضيف في الثاني وقد نوَّنت في الأوّل ؛ لأن المعنى في قولك : أنت ضارب زيدا وضاربُ زيدٍ سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء ؛ كما قال امرؤ القيس :
فظلّ طُهاة اللحم من بينِ مُنْضِج صفيفَ شِواء أو قَدِيرٍ معجَّلِ
فنصب الصفيف وخفض القَدِير على ما قلت لك.
وقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ... ﴾
يعنى في الرحم ﴿ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ في صُلْب الرجُل. ويقرأ ﴿ فمستقِرّ ﴾ يعنى الولد في الرحم ﴿ ومستودع ﴾ في صلب الرجل. ورفعها على إضمار الصفة ؛ كقولك : رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريد منهما كذا وكذا.
وقوله :﴿ فَأَخْرَجْنا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ... ﴾
يقول : رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام. وقد يجوز في العربية أن تضِيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضا، فيكون مثل قوله :﴿ إنّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴾ واليقين هو الحقّ. وقوله :﴿ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ ﴾ الوجه الرفع في القنوان ؛ لأن المعنى : ومن النخل قِنوانه دانية. ولو نصب : وأخرج من النخل من طلعها قنوانا دانية لجاز فيالكلام، ولا يقرأ بها لمكان الكتاب.
وقوله :﴿ وَجَناتٍ مِّنْ أَعْنابٍ ﴾ نصب، إلا أن جمع المؤنث بالتاء يخفض في موضع النصب، ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا.
وقوله :﴿ وَفي الأَرضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ وَجَناتٌ ﴾ الوجه فيه الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسى والأنهار كان صوابا.
وقوله :﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمانَ ﴾ يريد شجرة الزيتون وشجر الرمان، كما قال :﴿ وَاسْأَلَ الْقَرْيَةَ ﴾ يريد أهل القرية.
وقوله :﴿ انْظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾ يقول : انظروا إليه أول ما يَعْقِد ( وَيَنْعِهِ ) : بلوغه وقد قرئت ( ويُنْعِهِ، ويانِعِهِ ). فأما قوله :﴿ ويُنْعِهِ ﴾ فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه.
وقوله :﴿ وجعلوا لله شركاء الجن ﴾
إن شئت جعلت ﴿ الجن ﴾ تفسير للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه على : جعلوا الجن شركاء لله تبارك وتعالى.
وقوله :﴿ وخرقوا ﴾ : واخترقوا وخلقوا واختلقوا، يريد : افتروا.
وقوله :﴿ ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ﴾.
يرفع ﴿ خالق ﴾ على الابتداء، وعلى أن يكون خبرا، ولو نصبته إذ لم يكن فيه الألف واللام على القطع كان صوابا، وهو مثل قوله :﴿ غافر الذنب وقابل التوب ﴾. وكذلك :﴿ فاطر السماوات والأرض ﴾ لو نصبته إذا كان قبله معرفة تامة جاز ذلك ؛ لأنك قد تقول : الفاطر السماوات، الخالق كل شيء، القابل التوب، الشديد العقاب. وقد يجوز أن تقول : مررت بعبد الله محدث زيد، تجعله معرفة وإن حسنت فيه الألف واللام إذا كان قد عرف بذلك، فيكون مثل قولك : مررت بوحشيّ قاتل حمزة، وبابن ملجم قاتل عليّ، عرف به حتى صار كالاسم له.
وقوله :﴿ وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ﴾
يقولون : تعلمت من يهود. وفي قراءة عبد الله ﴿ وليقولوا درس ﴾ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وهو كما تقول في الكلام : قالوا لي : أساء، وقالوا لي : أسأت. ومثله :﴿ قل للذين كفروا سيغلبون ﴾ و ﴿ ستغلبون ﴾.
وقرأ بعضهم ( دارست ) يريد : جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قال ابن عباس. وقرأها مجاهد ( دارست ) وفسرها : قرأت على اليهود وقرءوا عليك. وقد قرئت ( درست ) أي قرئت وتليت. وقرءوا ( درست ) وقرءوا ( درست ) يريد تقادمت، أي هذا الذي يتلوه علينا شيء قد تطاول ومر بنا.
وقوله :﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ... ﴾
المقسمون الكفار. سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خَاضِعِينَ ﴾ فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن، فقال المؤمنون : يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل الله تبارك وتعالى : قل لِلذِين آمنوا : وما يشعِركم أنهم يؤمِنون. فهذا وجه النصب في أنّ ؛ وما يشعركم أنهم يؤمنون ( وَ ) نحن ﴿ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا ﴾، وقرأ بعضهم :( إنها ) مكسور الألف ( إذَا جَاءتْ ) مستأنفة، ويجعل قوله ( وَما يُشْعِرُكُمْ ) كلاما مكتفِيا. وهي في قراءة عبد الله :( وما يشعِركم إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون ).
و( لا ) في هذا الموضع صِلة ؛ كقوله :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ : المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله :﴿ ما مَنَعَكَ أَنْ لاَ تَسْجُدَ ﴾ معناه : أن تسجد.
وهي في قراءة أُبَىّ :( لعلها إِذا جاءتهم لا يؤمِنون ) وللعرب في ( لعلّ ) لغة بأن يقولوا : ما أدرى أنك صاحبها، يريدون : لعلك صاحبها، ويقولون : ما أدرى لو أنك صاحبها، وهو وجه جيد أن تجعل ( أنّ ) في موضع لعل.
وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائكَةَ... ﴾
هذا أمر قد كانوا سألوه، فقال الله تبارك وتعالى : لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا ﴿ إِلاَّ أَن يَشاء اللَّهُ ﴾.
وقوله :( قُبُلاً ) جمع قبيل. والقبيل : الكفيل. وإنما اخترت ها هنا أن يكون القُبُل في معنى الكفالة لقولهم :﴿ أَوْ تَأتِى بِاللّهِ وَالْمَلائكَةِ قَبِيلاً ﴾ يَضْمَنون ذلك.
وقد يكون ( قُبُلا ) : من قبل وجوههم ؛ كما تقول : أتيتك قُبُلا ولم آتك دُبُرا. وقد يكون القبيل جميعا للقبيلة كأنك قلت : أو تأتينا بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة.
ولو قرئت قَبَلا على معنى : معاينةً كان صوابا، كما تقول : أنا لقيته قبلا.
وقوله :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ... ﴾
نصبت العدوّ والشياطين بقوله : جعلنا.
وقوله :﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ فإن إبليس - فيما ذكر - جعل فرقة من شياطينه مع الإنس، وفرقة مع الجنّ، فإذا التقى شيطان الإنسىّ وشيطان الجنىّ قال : أضللتُ صاحبي بكذا وكذا، فأضلِل به صاحبك، ويقوله له ( شيطان الجنىّ ) مثل ذلك. فهذا وحى بعضهم إلى بعض.
قال الفرّاء : حدّثني بذلك حيان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس.
وقوله :﴿ وَلِيَقْتَرِفُواْ ما هُم مُّقْتَرِفُونَ... ﴾
الاقتراف : الكسب ؛ تقول العرب : خرج فلان يقترف أهله.
وقوله :﴿ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾
من الشاكّين أنهم يعلمون أنه منزل من ربك.
وقوله :﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ... ﴾
في أكل الميتة ﴿ يُضِلُّوكَ ﴾ لأن أكثرهم كانوا ضُلاّلا. وذلك أنهم قالوا للمسلمين : أتأكلون ما قَتَلتم ولا تأكلون ما قَتَل ربّكم ! فأنزلت هذه الآية ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ ﴾.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾
وقوله :" هو أعلم من يضل... "
( من ) في موضع رفع كقوله :﴿ لِنَعْلَمَ أيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ﴾ إذا كانت ( من ) بعد العلم والنظر والدراية - مثل نظرت وعلمت ودريت - كانت في مذهب أيّ.
فإن كان بعدها فعل لها رفعتها به، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها ؛ كقولك : ما أدرى من قام، ترفع ( من ) بقام، وما أدرى من ضربت، تنصبها بضربت.
وقوله :﴿ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾
فأما ظاهره فالفجور والزنى، وأما باطنه فالمخالّة : أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها.
وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾
يقول : أكلكم ما لم يذكر اسم الله عليه فسق أي كفر. وكنى عن الأكل، كما قال :﴿ فَزَادَهُمْ إِيمانا ﴾ يريد : فزادهم قول الناس إيمانا.
وقوله :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ﴾
أي كان ضالاّ فهديناه.
وقوله :﴿ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناسِ ﴾ يعنى إيمانه.
وقوله :﴿ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ ﴾
أي من عند الله، كذلك قال المفسرون. وهو في العربية ؛ كما تقول : سيأتيني رزق عندك، كقولك : سيأتيني الذي عند الله. سيصيبهم الصغار الذي عنده، ولمحمد صلى الله عليه وسلم أن ينزله بهم. ولا يجوز في العربية أن تقول : جئت عند زيد، وأنت تريد : من عند زيد.
وقد يكون قوله :﴿ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ ﴾ أنهم اختاروا الكفر تعَزُّزا وأنَفَة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل الله ذلك صَغَارا عنده.
وقوله :﴿ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ... ﴾
[ من ] ومن في موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما.
وقوله :( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً ) قرأها ابن عبّاس وعمر ( حرِجا ).
وقرأها الناس : حَرَجا.
والحرج - فيما فسر ابن عباس - : الموضع الكثير الشجر الذي لا تصل إليه الراعية.
قال : فكذلك صَدْر الكافر لا تصل إليه الحكمة. وهو في كسره وفتحه بمنزلة الوحَد والوحِد، والفَرَد والفرِد، والدنَف والدنِف : تقوله العرب في معنى واحد.
وقوله :﴿ كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماء ﴾ يقول : ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد في السماء وليس يقدر. وتقرأ ( كأنما يصَّاعَد ) يريد يتصاعد، ( ويَصْعد ) مخففة.
وقوله :﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ ﴾
يقول : قد أضللتم كثيرا.
وقوله :﴿ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ﴾ فالاستمتاع من الإنس بالجنّ أن الرجل كان إذا فارق فاستوحش أو قتل صيدا من صيدهم فخاف قال : أعوذ بسيّد هذا الوادي، فيبيت آمنا في نفسه. وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما نالوا بهم من تعظيم الإنس إيّاهم، فكان الجِنّ يقولون : سُدْنا الجنّ والإنس.
وقوله :﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ ﴾
فيقول القائل : إنما الرسل من الإنس خاصّة، فكيف قال للجنّ والإنس ( منكم ) ؟ قيل : هذا كقوله :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴾. ثم قال :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُما اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من المِلْح دون العَذْب. فكأنك قلت : يخرج من بعضهما، ومن أحدهما.
وقوله :﴿ ذلك أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ ﴾
إن شئت جعلت ( ذلك ) في موضع نصب، وجعلت ( أن ) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا.
يريد : فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى. وإن شئت جعلت ( ذلك ) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله :﴿ ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ و﴿ ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾. ومثله :﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾، و﴿ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهُ مُوهِنُ كَيْد الْكَافِرِينَ ﴾ الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله :﴿ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غَافِلُونَ ﴾ يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لَما يأتهم رسول ولا حُجَّة.
وقوله في هود :﴿ وَما كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ﴾ يقول : لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول : بشركهم ( وأهلها مصلحون ) يتعاطَون الحقَّ فيما بينهم.
هكذا جاء التفسير. وفيها وجه - وهو أحبّ إلىّ من ذا ؛ لأن الشرك أعظم الذنوب - والمعنى والله أعلم : لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.
وقوله :﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾
( مَنْ تَكُونُ لَهُ ) في موضع رفع، ولو نصبتها كان صوابا ؛ كما قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَاللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾.
وقوله :﴿ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ إذا كان الفعل في مذهب مصدر مؤنثا مثل العاقبة، والموعظة، والعافية، فإنك إذا قدّمت فعله قبله أنَّثته وذكّرته ؛ كما قال الله عزّ وجلّ :﴿ فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾ بالتذكير، وقال :﴿ قَدْ جَاءتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ بالتأنيث. وكذلك ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ ﴿ وَأَخَذَتِ ﴾ فلا تهابنّ من هذا تذكيرا ولا تأنيثا.
وقوله :﴿ هَذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ... ﴾
وبِزُعْمِهم، وزِعمِهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر الزاي أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف في مثل هذا ؛ فيقولون : الفَتْك والفُتْك والفِتك، والوُدّ والوِدّ والوَدّ، في أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفي قراءة عبد الله " وهذا لشركائهم " وهو كما تقول في الكلام : قال عبد الله : إنّ له مالا، وإنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر :
رَجْلانِ من ضَبّة أَخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا
ولو قال : أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا.
وقوله :﴿ وكذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ﴾
وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم، فزيَّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول : لئن وُلد لي كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحداً. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع ؛ لأنهم الذين زيَّنوا.
وكان بعضهم يقرأ : " وكذلك زُيِّن لِكثِيرٍ مِن المشركين قتلُ أولادِهم " فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله، ويرفع ( الشركاء ) بفعل ينوِيه ؛ كأنه قال : زيَّنه لهم شركاؤهم. ومثله قوله :( يُسَبَّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) ثم قال :﴿ رجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ﴾. وفي بعض مصاحف أهل الشام ( شركايهم ) بالياء، .
فإن تكن مثبتة عن الأوّلين فينبغي أن يقرأ ( زُيِّنَ ) وتكون الشركاء هم الأولاد ؛ لأنهم منهم في النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون ( زَيَّنَ ) فلست أعرف جهتها ؛ إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون : أتيتها عِشايا ثم يقولون في تثنية ( الحمراء : حمرايان ) فهذا وجه أن يكونوا قالوا : " زَيَّنَ لكثيرٍ من المشركين قتل أولادِهم شركايُهُمْ " وإن شئت جعلت ( زَيَّنَ ) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول من قال : إنما أرادوا مثل قول الشاعر :
فزججتها متمكّنا *** زجَّ القَلوصَ أبِى مزاد
بشيء. وهذا مِما كان يقوله نَحْويُّو أهلِ الحجاز، ولم نجد مثله في العربية.
وقوله :﴿ وَقَالُواْ ما فِي بُطُونِ هذه الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنا ﴾
وفي قراءة عبد الله " خالص لذكورنا " وتأنيثه لتأنيث الأنعام ؛ لأن ما في بطونها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير ( ما ) وقد قرأ بعضهم " خالصُهُ لذكورِنا " يضيفه إلى الهاء وتكون الهاء لما. ولو نصبت الخالص والخالصة على القطع وجعلت خبر ما في اللام التي في قوله ( لِذُكُورِنا ) كأنك قلت : ما في بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصا وخالصةً كما قال :﴿ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً ﴾ والنصب في هذا الموضع قليل ؛ لا يكادون يقولون : عبد الله قائما فيها، ولكنه قياس.
وقوله :﴿ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء ﴾ إن شئت رفعت الميتة، وإن شئت نصبتها فقلت ( ميتةً ) ولك أن تقول تكن ويكن بالتاء والياء.
وقد تكون الخالصة مصدرا لتأنيثها كما تقول : العاقبة والعافية. وهو مثل قوله :﴿ إِنا أَخْلَصْناهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾.
وقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَناتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ﴾
هذه الكروم، ثم قال :﴿ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمانَ مُتَشَابِها ﴾ في لونه و ﴿ غَيْرَ مُتَشَابِهٍ ﴾ في طعمه، منه حلو ومنه حامض.
وقوله :﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ هذا لمن حضره من اليتامى والمساكين.
وقوله :﴿ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ في أن تعطوا كله. وذلك أن ثابت بن قيس خلَّى بين الناس وبين نخله، فذُهِب به كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال الله تبارك وتعالى :﴿ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.
وقوله :﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً ﴾
يقول : وأنشأ لكم من الأنعام حمولة، يريد ما أطاق الحمل والعمل : والفرش : الصغار.
وقوله :﴿ ثَمانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾
فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا. وقوله :﴿ ثَمانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت اثنين واثنين لدخول ( مِن ) كان صوابا كما تقول : رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعد وقائما.
والمعنى في قوله :﴿ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ﴾ يقول : أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبَحِيرة والوَصِيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين ؟ فلو قالوا : من قِبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا : من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثم قال :﴿ أَما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ ﴾ يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم ؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى ؛ لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و ( ما ) في قوله : " أما اشْتَمَلَتْ " في موضع نصب، نصبته بإتباعه الذكرين والأنثيين.
وقوله :﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إذ وصاكم بهذا ﴾
يقول : أوَصَّاكم الله بهذا معاينة ؟
وقوله :﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي ما أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّما... ﴾
ثم قال جلَّ وجهه :﴿ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً ﴾ وإن شئت ( تَكُونَ ) وفي ( الميتة ) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح الرفع في القراءة ؛ لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز ( أن تكون ) لتأنيث الميتة، ثم تردّ ما بعدها عليها.
ومن رفع ( الميتة ) جعل ( يكون ) فعلا لها، اكتفي بيكون بلا فعل. وكذلك ( يكون ) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل ؛ ألا ترى أنك تقول : ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل : قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب : قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفي أظنّ وأخواتها : أن تقول ( أظنه زيد أخوك و ) أظنّه فيها زيد. ويجوز في إنّ وأخواتها ؛ كقول الله تبارك وتعالى :﴿ يَا بُنَىّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ ﴾ وكقوله :﴿ إِنَّهُ أَنا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ فتذكّر الهاء وتوحّدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز ؛ فتقول : إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت : كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين ؟
قلت : لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ ﴿ وَأَخَذَتِ ﴾ جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز : قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت : أتجيز تثنيتها في قول من قال : ذهبا أخواك ؟ قلت : لا، من قِبل أنّ الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحِبي الفعل، والواو في الجمع تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا ؛ لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما : إنها أسَد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكِّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها ؛ فهذه واحد. ومتى ما ذكَّرت فعل مؤنث فقلت : قام جاريتك، أو طال صلاتك، ( ثم أدخلت عليه إنه ) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول : إنه طال صلاتك ؛ فذكَّرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ - مثل عندك، وفوقك، وفيها - فأنِّثْ وذكّر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يُقَدر فيها على التأنيث كما يقدر ( في قام ) جاريتك على أن تقول : قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت : إذا كان غدا فأتنا. وتقول : اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا ؛ كأنه قال : ليس أحد إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب ؛ لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت. ومن قال : إذا كان غُدْوةً فأتنا لم يجز له أن يقول : إذا غدوةً كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت : إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت : إن شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب. قال وأنشدني بعضهم :
فعينَىَّ هلاَّ تبكيان عِفَاقا إذا كان طعنا بينهم وعِناقا
فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب ؛ يقولون : لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك.
وقوله :﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما... ﴾
حرّم عليهم الثَّرْب، وشحوم الكُلَى.
ثم قال :﴿ إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ﴾ و ( ما ) في موضع نصب بالفعل بالاستثناء. و ( الحَوَايَا ) في موضع رفع، تردّها على الظهور : إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهي المباعر وبنات اللبن. والنصب على أن تريد ( أو شحوم الحوايا ) فتحذف الشحوم وتكتفي بالحوايا ؛ كما قال :﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ يريد : واسأل أهل القرية.
وقوله :﴿ أَوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾ وهي الأَلْية. و ( ما ) في موضع نصب.
وقوله :﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً... ﴾
إن شئت جعلت ( لاَ تُشْرِكُوا ) نهيا أدخلت عليه ( أن ). وإن شئت جعلته خبرا و( تشِركوا ) في موضع نصب ؛ كقولك : أمرتك ألاَّ تذهبَ ( نَصْب ) إلى زيد، وأن لا تذهبْ ( جَزْم )، وإن شئت جعلت ما نسقته على ( أَلاَّ تُشْرِكُوا بِه ) بعضه جزما ونصبا بعضه ؛ كما قال :﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ ﴾، فنصب أوله ونهي عن آخره ؛ كما قال الشاعر :
حجَّ وأوصى بسليمى الأعبدا ألاّ ترى ولا تكلمْ أحدا
*** ولا تُمَشِّ بفَضاء بعدَا ***
فنوى الخبر في أوّله ونهي في آخره. قال : والجزم في هذه الآية أحبّ إلىّ لقوله :﴿ وَأَوفُوا الْكَيْلَ ﴾. فجعلت أوّله نهيا لقوله :﴿ وَأَوفُوا الْكَيْلَ ﴾.
وقوله :﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيما ﴾
تكسر إنَّ إذا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع ( أتل ) عليها. وإن شئت جعلتها خفصا، تريد ﴿ ذلكمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ﴾ و ﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ ﴾.
وقوله :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ﴾ يعنى اليهودية والنصرانية. يقول : لا تتبعوها فتضلوا.
وقوله :﴿ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتَابَ تَماما على الَّذِي أَحْسَنَ ﴾
تماما على المحسن. ويكون المحسن في مذهب جمع ؛ كما قال :﴿ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفي خُسْرٍ ﴾. وفي قراءة عبد الله ( تَماما على الذِين أحسنوا ) تصديقا لذلك. وإن شئت جعلت ( الذي ) على معنى ( ما ) تريد : تماما على ما أحسن موسى، فيكون المعنى : تماما على إحسانه. ويكون ( أحسن ) مرفوعا ؛ تريد على الذي هو أحسن، وتنصب ( أحسن ) ها هنا تنوى بها الخفض ؛ لأن العرب تقول : مررت بالذي هو خير منك، وشر منك، ولا يقولون : مررت بالذي قائم ؛ لأن ( خيرا منك ) كالمعرفة ؛ إذ لم تدخل فيه الألف واللام. وكذلك يقولون : مررت بالذي أخيك، وبالذي مثلِك، إذا جعلوا صلة الذي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذي ؛ أنشدني الكسائي :
إن الزُّبيرىَّ الذي مِثْلَ الحَلَمْ مَشَّى بأسلابك في أهل العَلَم
وقوله :﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْناهُ مُبَارَكٌ ﴾
جعلت مباركا نعت الكتاب فرفعته. ولو نصبته على الخروج من الهاء في ( أَنْزَلْناهُ ) كان صوابا.
وقوله :﴿ أَن تَقُولُواْ إِنَّما أُنزِلَ الْكِتَابُ ﴾
( أن ) في موضع نصب من مكانين. أحدهما : أنزلناه لئلا تقولوا إنما أنزل. والآخر من قوله : واتقوا أن تقولوا، ( لا ) يصلح في موضع ( أن ) ها هنا كقوله :﴿ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ يصلح فيه ﴿ لا تضلون ﴾ كم قال :﴿ سَلَكْناهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾.
وقوله :﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائكَةُ ﴾
لقبض أرواحهم :﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ : القيامة ﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ : طلوع الشمس من مغربها.
وقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ... ﴾
قرأها على ( فارقوا )، وقال : والله ما فرَّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس ( فَرَّقُوا دِينَهُمْ ) وكلّ وجه.
وقوله :﴿ لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ يقول من قتالهم في شيء، ثم نسختها :﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾.
وقوله :﴿ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها ﴾
من خفض يريد : فله عشر حسناتٍ أمثالها. ولو قال هاهنا : فله عشر مِثْلِها ؛ يريد عشر حسنات مثلها كان صوابا. ومن قال : عشْرٌ أَمثالها جعلهنّ من نعت العشر. و( مثل ) يجوز توحيده : أن تقول في مثله من الكلام : هم مثلكم، وأمثالكم ؛ قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنكم إِذاً مثلهم ﴾ فوحَّد، وقال :﴿ ثم لا يكونوا أَمثالكم ﴾ فجمع. ولو قلت : عَشْرٌ أمثالها كما تقول : عندي خمسةٌ أثوابٌ لجاز.
وقوله :﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ ﴾ : بلا إله إلا الله، والسيئة : الشِّرك.
وقوله :﴿ دِينا قِيَما ﴾
و " قَيِّما ". حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثني عمرو بن أبى المقدام عن رجل عن عمران بن حذيفة قال : رآني أبى حذيفة راكعا قد صوّبت رأسي، قال ارفع رأسك، دينا قيما. ( دينا قيما ) منصوب على المصدر. و( مِلةَ إِبراهِيم ) كذلك.
وقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائفَ الأَرْضِ ﴾
جعلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خلائف كل الأمم ﴿ ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ ﴾ في الرزق ( لِيبلوكم ) بذلك ( فِيما آتاكم ).
Icon