تفسير سورة الملك

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الملك من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الملك وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿تبَارك﴾ هُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ أَيْ: فِي يَدِهِ ﴿الْمُلْكُ﴾
﴿ليَبْلُوكُمْ﴾ لِيَخْتَبِرَكُمْ ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي نقمته ﴿الغفور﴾ لمن آمن.
﴿الَّذِي خلق سبع سماوات طباقا﴾ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، غِلَظُ كُلِّ سَمَاء مِنْهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مسيرةُ خَمْسمِائَة عَامٍ ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَن من تفَاوت﴾ أَيْ: اخْتِلافٌ؛ يَعْنِي: مُسْتَوِيَةً ﴿فَارْجِعِ الْبَصَر﴾ أَيْ: فَانْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ ﴿هَلْ ترى من فطور﴾ مِنْ شُقُوقٍ؛ أَيْ: أَنَّكَ لَا تَرَى فِيهَا شُقُوقًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ: فَطَرَ نابُ الْبَعِيرِ إِذَا شقَّ اللَّحْمَ فَظَهَرَ (١)
﴿ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين﴾ مَرَّةً بَعْدَ مرةٍ ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَر﴾ يرجع إِلَيْك
11
الْبَصَر ﴿خاسئا﴾ فاتراً ﴿وَهُوَ حسير﴾ أَيْ: كَلِيلٌ قَدْ أَعْيَا لَا يَجِدُ مُنْقِذًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿خَاسِئًا﴾ أَصْلُ الْكَلِمَةِ الإبْعَاد، تَقُولُ: خَسَأْتُ الكلبَ إِذَا أبْعدته (١). وَقَولُهُ: ﴿حَسِيرٌ﴾ حَقِيقَةُ الْكَلِمَةِ: مُنْقَطِعٌ عَنْ أَنْ تَلْحَقَ مَا نَظَرَ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ يَحْيَى. وَقَالُوا: حَسَرَ الرجلُ وحَسِرَ؛ وَهُوَ الْإِعْيَاءُ الشَّدِيدُ. (٢)
12
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ وَهِي الْكَوَاكِب ﴿وجعلناها﴾ يَعْنِي: الْكَوَاكِب ﴿رجوما للشياطين﴾ يَعْنِي: مَا جُعِلَ مِنْهَا رُجُومًا ﴿وأعتدنا لَهُم﴾ أعددنا لَهُم ﴿عَذَاب السعير﴾ فِي الْآخِرَةِ؛ يَعْنِي: لِلَّذِينَ يُرْجَمُونَ من الشَّيَاطِين. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (٦ - ١٢)
﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شهيقا﴾ صَوتا ﴿وَهِي تَفُور﴾ تغلي
﴿تكَاد تميز﴾ أَيْ: تَبَيَّنُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَتَتَفَرَّقُ تَغَيُّظًا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ ﴿ألم يأتكم نَذِير﴾ نَبِي، ينذركم عَذَاب جَهَنَّم
﴿قَالُوا بلَى﴾ ﴿إِن أَنْتُم﴾ يَعْنُونُ: الرُّسُلَ وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿إِلا فِي ضلالٍ﴾ فِي الدِّينِ ﴿كَبِيرٍ﴾.
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نعقل﴾ لآمنَّا فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ
12
السَّعِيرِ، وَالسَّعِيرُ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّم.
13
﴿فسحقا﴾ فبُعْدًا ﴿لأَصْحَاب السعير﴾.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿سحقا﴾ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ الْمَعْنَى: أَسْحَقَهُمُ اللَّهُ سُحْقًا؛ أَيْ: بَاعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مُبَاعَدَةً (١)، والسَّحِيقُ: الْبَعِيدُ، وَتَقُولُ: سَحَقَ الرّجُلُ وسَحُقَ سُحُوقًا (٢).
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ فِي السِّر بَذِكْرِ ذُنُوبِهِ فِي الْخَلَاء (٣) الله مِنْهَا. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (١٣ - ١٨)
﴿أَلا يعلم من خلق﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: هُوَ خَلَقَكُمْ، فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَعَلانِيَتَكُمْ؟! ﴿وَهُوَ اللَّطِيف﴾ بِلُطْفه خلق الْخلق ﴿الْخَبِير﴾ بأعمال الْعباد.
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذلولا﴾ أَيْ: سهَّل لَكُمُ السُّلوك فِيهَا وذلَّلها لكم ﴿فامشوا﴾ فامضوا ﴿فِي مناكبها﴾ طُرُقِهَا؛ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ
13
﴿وكلوا من رزقه﴾ الَّذِي أحلَّ لَكُمْ ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ الْبَعْث.
14
﴿أأمنتم من فِي السَّمَاء﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ يَعْنِي: نَفْسَهُ ﴿أَنْ يخسف بكم الأَرْض﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ تَأْمَنُونَ ذَلِكَ، قَالَ: ﴿فَإِذا هِيَ﴾ قَبْلَ أَنْ تُخْسَفَ بِكُمْ ﴿تَمُورُ﴾ تحرّك حَتَّى يخسف بكم
﴿أم أمنتم﴾ أَي: أأ منتم؟ ﴿من فِي السَّمَاء﴾ يَعْنِي: نَفسه؛ أَي تَأْمَنُونَ ﴿أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ كَمَا حَصَبَ قَوْمَ لُوطٍ؛ يَعْنِي: الْحِجَارَة الَّتِي أمطرها عَلَيْهِم (١)
(ل ٣٦٨)
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِير﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: كَانَ شَدِيدًا؛ وَنَكِيرِي: عُقُوبَتِي.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ذَكَرَ ابْنُ مُجَاهِدٍ (٢) أَنَّ وَرْشًا رَوَى عَنْ نَافِعٍ: ﴿نَذِيرِي﴾ وَ ﴿نَكِيرِي﴾ بياء فِي الْوَصْلِ. قَالَ: وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ فِي وصل وَلَا وقف (٣). تَفْسِير سُورَة الْملك من آيَة (١٩ - ٢٥)
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافات﴾ بِأَجْنِحَتِهَا؛ أَيْ: قَدْ رَأَوْهَا. ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ يَعْنِي: إِذَا وَقَفَ الطَّائِرُ صَافًّا بِجَنَاحَيْهِ لَا يَزُولُ؛ فِي تَفْسِيرِ بَعضهم.
﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جندٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ إِنْ أَرَادَ عَذَابَكُمْ، أَيْ: لَيْسَ أحدٌ يَنْصَرُكُمْ مِنْ دونه ﴿إِن الْكَافِرُونَ﴾ مَا الْكَافِرُونَ ﴿إِلا فِي غُرُورٍ﴾ يَعْنِي: فِي غرور الشَّيْطَان
﴿بل لجوا فِي عتو﴾ وَهُوَ الشّرك ﴿ونفور﴾ عَن الْإِيمَان.
﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾ لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ؛ وَهَذَا مثلٌ لِلْكَافِرِ ﴿أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سويًّا﴾ عَدْلاً يُبْصِرُ حَيْثُ يَسْلُكُ، وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ أَيْ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَهْدَى مِنَ الْكَافِرِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أكبَّ عَلَى وَجْهِهِ بِالْأَلِفِ، وكبَّه الله بِغَيْر ألفٍ (١).
﴿قَلِيلا مَا تشكرون﴾ أَي: أقلكم من يُؤمن. تَفْسِير سُورَة الْملك من الْآيَة (٢٦ - ٣٠)
﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي عِلْمُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُ قِيَامَهَا إِلَّا هُوَ ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير﴾ أنذركم عَذَاب الله ﴿مُبين﴾ أبين لكم عَن الله
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ يَعْنِي:
15
الْعَذَاب ﴿زلفة﴾ قَرِيبًا ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ سَاءَ الْعَذَاب وُجُوههم ﴿وَقيل﴾ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ﴿هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تدعون﴾ لقَولهم: ﴿ائتنا بِعَذَاب الله﴾ (١) اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا.
قَالَ محمدٌ: ذَكَرَ أَبُو عُبَيد أَنَّ مُنَ الْقُرَّاءِ مَنْ قَرَأَ: (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعون) خَفِيفَةً (٢)؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِالْعَذَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة﴾ (٣) الْآيَةُ، قَالَ: وَقَرَأَ أَكْثَرُهُمْ (تدَّعون) بِالتَّشْدِيدِ (٤)، قَالَ: وَهِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا، وَالتَّشْدِيدُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّخْفِيفِ (تَدْعون) تفْعَلون، و (تدَّعون) تفتعلون مُشْتَقَّة مِنْهُ (٥).
16
قَوْله: ﴿قل﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمن معي﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يجير﴾ أَي: يمْنَع ﴿الْكَافرين﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُجيرٌ يَمْنَعُهُمْ من عَذَاب الله
﴿فستعلمون﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿مَنْ هُوَ فِي ضلال مُبين﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ فِي ضلال مُبين.
﴿إِن أصبح ماؤكم غورا﴾ أَيْ: قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ فَذَهَبَ، وَالْغَوْرُ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَلا تُدْرِكُهُ الدِّلاء ﴿فَمَنْ يأتيكم بِمَاء معِين﴾ جَاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الْمَعِينُ الظَّاهِرُ. قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعِينُ: الَّذِي أَصْلُهُ مِنَ الْعُيُونِ (٦).
16
قَالَ مُحَمَّد: ﴿غورا﴾ مصْدَرٌ موْصُوفٌ بِهِ؛ تَقُولُ: ماءٌ غَوْرٌ وَمَاءَانِ غورٌ ومياهٌ غَوْرٌ كَمَا تَقُولُ: هَذَا عدلٌ، وَهَذَانِ عدلٌ، وَهَؤُلاءِ عدلٌ (١).
17
تَفْسِيرُ سُورَةُ ((ن)) وَهِيَ مَكِّيَةٌ كلهَا
بِسم اله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَفْسِير سُورَة ن من الْآيَة (١ - ١٦)
18
Icon