بسم الله الرحمن الرحيم سورة الليل.
وهي مكية في قول الجمهور وقال المهدوي وقيل هي مدنية وقيل فيها مدني وعددها عشرون آية بإجماع
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الليل
وهي مكية في قول الجمهور، وقال المهدوي وقيل هي مدنية وقيل فيها مدني وعددها عشرون آية بإجماع.
قوله عز وجل:
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ٢١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)
لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩)
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
أقسم الله ب اللَّيْلِ إِذا يَغْشى الأرض وجميع ما فيها وب النَّهارِ إِذا تَجَلَّى، أي ظهر وضوى الآفاق، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
تجلى السرى من وجهه عن صحيفة | على السير مشراق كريم شجونها |
وقوله تعالى: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى يحتمل أن تكون بمعنى الذي كما قالت العرب في سبحان ما سبح الرعد بحمده، وقال أبو عمرو وأهل مكة يقولون للرعد سبحان ما سبحت له، ويحتمل أن تكون ما مصدرية، وهو مذهب الزجاج. وقرأ جمهور الصحابة
«وما خلق الذكر»، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وسمعها من النبي ﷺ وعلقمة وأصحاب عبد الله:
«والذكر والأنثى» وسقط عندهم وَما خَلَقَ. وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ
«وما خلق الذكر والأنثى» بخفض
«الذكر» على البدل من ما على أن التقدير وما خلق الله وقراءة علي ومن ذكر تشهد لهذه، وقال الحسن: المراد هنا ب الذَّكَرَ وَالْأُنْثى آدم وحواء، وقال غيره عام، و
«السعي» العمل. فأخبر تعالى مقسما أن أعمال العباد شتى، أي مفترقة جدا بعضها في رضى الله وبعضها في سخطه، ثم قسم تعالى الساعين فذكر أن من أعطى وظاهر ذلك إعطاء المال، وهي أيضا تتناول إعطاء الحق في كل شيء، قول وفعل، وكذلك البخل المذكور بعد أن يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حق الشريعة أن لا يبخل
490
بها، ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا وكان ينفق في رضى رسول الله ﷺ ماله، وكان الكفار بضد ذلك، وهذا قول من قال السورة كلها مكية، قال عبد الله بن أبي أوفى: نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق وأبي سفيان بن حرب، وقال مقاتل: مر أبو بكر على أبي سفيان وهو يعذب بلالا فاشتراه منه، وقال السدي: نزلت هذه الآية بسبب أبي الدحداح الأنصاري، وذلك أن نخلة لبعض المنافقين كانت مطلة على دار امرأة من المسلمين لها أيتام فكانت التمر تسقط عليهم فيأكلونه فمنعهم المنافق من ذلك، واشتد عليهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بعنيها بنخلة في الجنة»، فقال: لا أفعل، فبلغ ذلك أبا الدحداح فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائط له، وجاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: أنا أشتري النخلة في الجنة بهذه، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله ﷺ يمر على الحائط الذي أعطى أبو الدحداح وقد تعلقت أقناؤه فيقول:
«وكم قنو معلق لأبي الدحداح في الجنة»، وفي البخاري أن هذا اللفظ كان رسول الله ﷺ يقوله في الأقناء التي كان أبو الدحداح يعلقها في المسجد صدقة، وهذا كله قول من يقول بعض السورة مدني. واختلف الناس في
«الحسنى» ما هي في هذه السورة، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره: هي لا إله إلا الله، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة: هي الخلف الذي وعد الله تعالى به، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا. وقال مجاهد والحسن وجماعة:
«الحسنى» :
الجنة. وقال كثير من المفسرين
«الحسنى» : الأجر والثواب مجملا. وقوله تعالى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، ومعناه: سيظهر تيسيرنا إياه يتدرج فيه من أعمال الخير وختم بتيسير قد كان في علم الله أولا، و
«اليسرى» :
الحال الحسنة المرضية في الدنيا والآخرة، و
«العسرى» : الحال السيئة في الدنيا والآخرة ولا بد ومن جعل بخل في المال خاصة جعل استغنى في المال أيضا لتعظم المذمة، ومن جعل البخل عاما في جميع ما ينبغي أن يبذل من قول وفعل قال استغنى عن الله ورحمته بزعمه، ثم وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما ماله عنه وقت ترديه، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال، واختلف الناس في معنى تَرَدَّى: فقال قتادة وأبو صالح معناه تَرَدَّى في جهنم، أي سقط من حافاتها، وقال مجاهد: تَرَدَّى معناه هلك من الردى، وقال قوم معناه تَرَدَّى بأكفانه من الرداء، ومنه قول مالك بن الربيب: [الطويل]
وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي | وردّا على عينيّ فضل ردائيا |
ومنه قول الآخر: [الطويل]
نصيبك مما تجمع الدهر كله | رداءان تلوى فيهما وحنوط |
ثم أخبر تعالى أن عليه هدى الناس جميعا، أي تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك، كما قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [النحل: ٩] ثم كل أحد بعد يتكسب ما قدر له، وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان، ولو كان كذلك لم يوجد كافر. ثم أخبر تعالى أن
«الآخرة والأولى» أي الدارين.
491
وقوله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ إما مخاطبة منه وإما على معنى قل لهم يا محمد، وقرأ جمهور السبعة
«تلظى» بتخفيف التاء، وقرأ البزي عن ابن كثير بشد التاء وإدغام الراء فيها. وقرأها كذلك عبيد بن عمير، وروي أيضا عنه
«تتلظى» بتاءين وكذلك قرأ ابن الزبير وطلحة، وقوله تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى أي لا يَصْلاها صلي خلود، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقا في قليله وكثيره، والْأَشْقَى هنا، الكافر بدليل قوله الذي كذب، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة: [الطويل]
تمنى رجال أن أموت وإن أمت | فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
ولم يختلف أهل التأويل أن المراد ب الْأَتْقَى إلى آخر السورة أبو بكر الصديق، ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات، وقوله تعالى: يَتَزَكَّى معناه: يتطهر ويتنمى وظاهر هذه الآية أنه في المندوبات، وقوله تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ الآية، المعنى: وليس إعطاؤه ليجزي نعما قد أزلت إليه، بل هو مبتدئ ابتغاء وجه الله تعالى، وروي في سبب هذا أن قريشا قالوا لما أعتق أبو بكر بلالا كانت لبلال عنده يد، وذهب الطبري إلى أن المعنى وليس يعطي ليبث نعما يجزي بها يوما ما وينتظر ثوابها، وحوم في هذا المعنى وحلق بتطويل غير مغن ويتجه المعنى الذي أراد بأيسر من قوله وذلك أن التقدير وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ إعطاء ليقع عليه من ذلك لأحد جزاء بل هو لمجرد ثواب الله تعالى وجزائه، وقوله تعالى: إِلَّا ابْتِغاءَ نصب بالاستثناء المنقطع وفيه نظر والابتغاء الطلب، ثم وعده تعالى بالرضى في الآخرة، وهذه عدة لأبي بكر رضي الله عنه، وقرأ
«يرضى» بضم الياء على بناء الفعل للمفعول، وهذه الآية تشبه الرضى في قوله تعالى: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر: ٣١] الآية. انتهى.
492