تفسير سورة القدر

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة القدر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ إنا أنزلناه ﴾ أي ابتدأنا إنزال القرآن العظيم على محمد صلى الله عليه وسلم﴿ في ليلة القدر ﴾ وهي على الأرجح ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان. وقد نزل منجما على حسب الوقائع والمصالح في ثلاث وعشرين سنة. وأول ما نزل من الآيات " اقرأ "، وسميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها ؛ من قولهم : لفلان قدر عند الأمير، أي منزلة وشرف. وشرفها لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، لامّة ذات قدر. أو لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا منه تعالى ؛ ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيامها بالعبادة فقال – كما روى في الصحيحين – :( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) والليلة تستتبع يومها. ثم بين الله تعالى منتهى علو قدرها بقوله.
﴿ ليلة القدر خير... ﴾ أي هي أفضل من أشهر كثيرة مضت على الأمم السالفة ؛ بما نزل فيها من القرآن والشريعة العظمى التي ختمت بها الرسالات الإلهية إلى البشر. أو العبادة فيها أكثر ثوابا، وأعظم فضلا من العبادة في أشهر كثيرة ليس فيها ليلة القدر.
والعمل القليل قد يفضل الكثير باعتبار الزمان والمكان وكيفية الأداء ؛ وهو تفضل منه تعالى، ولله أن يخص ما شاء بما شاء. والمراد من الألف : التكثير ؛ كما في قوله تعالى : " يود أحدهم لو يعمر ألف سنة " ١.
١ آية ٩٦ البقرة..
﴿ تنزل الملائكة... ﴾ أي ومن فضلها وخيرها أن الملائكة – ومنهم جبريل عليه السلام – ينزلون فيها أفواجا إلى الأرض بأمره تعالى، بكل أمر من الخير والبركة، على كل مسلم قائم أو قاعد يذكر الله تعالى فيها ؛ تعبدا لله تعالى وشكرا على أفضل نعمة على المسلمين، وهي إنزاله القرآن وبعثه الرسول والتوفيق للإيمان برب العالمين. ف " من " بمعنى الباء، كما ذكره أبو حاتم. وعطف " الروح " على " الملائكة " عطف خاص لشرفه وتقدمه.
﴿ سلام هي... ﴾ أي ليلة القدر سلام ؛ أي تسليم دائم إلى وقت طلوع الفجر من الملائكة على المؤمنين القائمين فيها لوجهه تعالى. أو سبب سلامة ونجاة من المهالك يوم القيامة لمن قامها إيمانا واحتسابا. أو سلامة من السوء والأذى ووسوسة الشيطان لكل مؤمن ومؤمنة متحققين بما يوجبه الإيمان حتى طلوع الفجر.
والله أعلم.
Icon