ﰡ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ لم يكن كان يوم القيامة مع خير البرية مساء ومقبلا «١» ».
سورة الزلزلة
مدنية وقيل مكية، وآياتها ٨ [نزلت بعد النساء] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
زِلْزالَها قرئ بكسر الزاى وفتحها، فالمكسور مصدر، والمفتوح: اسم، وليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف. فإن قلت: ما معنى زلزالها بالإضافة؟ قلت: معناه زلزالها الذي تستوجبه في الحكمة ومشيئة الله، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده. ونحوه قولك: أكرم التقىّ إكرامه، وأهن الفاسق إهانته، تريد: ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة أو زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه. الأثقال: جمع «٢» ثقل. وهو متاع البيت، وتحمل أثقالكم جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك عند النفخة الثانية حين تزلزل وتلفظ أمواتها أحياء، فيقولون ذلك
(٢). قوله «جمع ثقل وهو متاع» في الصحاح «الثقل» : واحد الأثقال، مثل حمل وأحمال. والثقل- بالتحريك متاع المسافر وحشمه. (ع)
وقيل: ينطقها الله على الحقيقة. وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وروى عن رسول الله ﷺ تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها «١». فإن قلت: إِذا، ويَوْمَئِذٍ: ما ناصبهما؟ قلت:
يَوْمَئِذٍ: بدل من إِذا، وناصبهما تُحَدِّثُ. ويجوز أن ينتصب إِذا بمضمر، ويَوْمَئِذٍ بتحدث. فإن قلت: أين مفعولا تُحَدِّثُ؟ قلت: قد حذف أوّلهما، والثاني أخبارها، وأصله تحدث الخلق أخبارها، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم. فإن قلت: بم تعلقت الباء في قوله بِأَنَّ رَبَّكَ؟ قلت، بتحدّث، معناه: تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث. ويجوز أن يكون المعنى: يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها: تحديث بأخبارها، كما تقول:
نصحتني كل نصيحة، بأن نصحتني في الدين. ويجوز أن يكون بِأَنَّ رَبَّكَ بدلا من أَخْبارَها كأنه قيل: يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها، لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا. وأَوْحى لَها بمعنى أوحى إليها، وهو مجاز كقوله أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال:
أوحى لها القرار فاستقرّت «٢»
وقرأ ابن مسعود: تنبئ أخبارها، وسعيد بن جبير: تنبئ، بالتخفيف. يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف أَشْتاتاً بيض الوجوه آمنين، وسود الوجوه فزعين. أو يصدرون عن الموقف أشتاتا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار، ليروا جزاء أعمالهم. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: ليروا بالفتح. وقرأ ابن عباس وزيد بن على: يره، بالضم. ويحكى أنّ أعرابيا أخر خَيْراً يَرَهُ فقيل له، قدّمت وأخرت، فقال:
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة ٧٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
خذا بطن هرشى أو قفاها فإنّه | كلا جانبي هرشى لهنّ طريق «١» |
الحال والشأن كل من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها، وتكرير لفظ «هرشى» لتقريرها في ذهن السامع خوف غفلته عنها، والمقام كان مقام هداية، فحسن فيه ذلك. [.....]
(٢). قال محمود: «إن قلت حسنات الكافر محبطة بالكفر... الخ» قال أحمد: السؤال مبنى على قاعدتين، إحداهما: أن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وهذه فيها نظر، فان حسنات الكافر محبطة، أى: لا يثاب عليها ولا ينعم. وأما تخفيف العذاب بسببها، فغير منكر، فقد وردت به الأحاديث الصحيحة. وقد ورد أن حاتما يخفف الله عنه لكرمه ومعروفه، وورد ذلك في حق غيره كأبى طالب أيضا، فحينئذ لحسنات الكافر أثر ما في تخفيف العذاب، فيمكن أن يكون المرئي هو ذلك الأثر، والله أعلم. وأما القاعدة الثانية: وهي القول بأن اجتناب الكبائر يوجب تمحيص الصغائر ويكفرها عن المؤمن، فمردود عند أهل السنة فان الصغائر عندهم حكمها في التكفير في حكم الكبائر: تكفر بأحد أمرين: إما بالتوبة النصوح المقبولة، وإما بالمشية لا غير ذلك. وأما اجتناب الكبيرة عندهم فلا يوجب التكفير للصغيرة، فالسؤال المذكور إذا ساقط عن أهل السنة، ولكن الزمخشري التزم الجواب عنه الزموه على قاعدته الفاسدة، والله الموفق.
(٣). أخرجه الثعلبي من حديث على بإسناد أهل البيت، لكنه من رواية أبى القاسم الطائي. وهو ساقط وشاهده عند ابن أبى شيبة والبزار من رواية سلمة بن وردان عن أنس مرفوعا: إذا زلزلت تعدل ربع القرآن» وأخرجه ابن مردويه والواحدي باسناديهما إلى أبى بن كعب بلفظ «من قرأ إذا زلزلت أعطى من الأجر كمن قرأ القرآن.