في كل من هذه السورة الكريمة، وسورة الناس بعدها... توجيه من رب العالمين لرسوله الكريم وللمؤمنين جميعا أن يلجأوا إليه، ويلوذوا بحماه، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه من شر مخلوقاته، ومن كل ما يضر وما يخيف في هذا الكون العجيب.
فإذا أخلصوا في دعائهم، والتزموا بابه الكريم، فإنه يستجيب لهم، وينصرهم، ويَقبلهم، وينزّل السكينة في قلوبهم، فتدخل الطمأنينة إلى نفوسهم، ويغدون في سلام آمنين.
ﰡ
الفلَق : ضوء الصبح والخَلْق.
قل يا محمد : إني أَعتصِمُ بربّ الصُّبح الذي ينجَلي عنه الظلام.
ومن شرِّ الليلِ إذا أظلمَ واشتدّ ظلامه. وقد أمرَنا الله أن نتعوّذ من شرِّ الليل ؛ لأنّه فيه تحدُث معظم الجرائم، ففي ظلامه سَتر لكلّ مجرِم، وفيه تخرج السِّباع من آجامها، والهوامُ من أَمكنتها.
ومن شر كلّ من يسعَى بين الناس بالإفساد، ومنهم تلك السواحِرُ اللاتي يَنْفُثْن في العُقَد لضررِ عبادِ الله، وليفرّقنَ بين المرءِ وزوجه.
وهناك رواياتٌ في سبب نزول هذه السورة والّتي تَليها تذكُر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سَحَرَه يهوديٌّ اسمه لَبيد بن الأعصم. فنزلت المعوِّذتان، وزال السِّحر عندما قرأهما الرسول الكريم. ومع أن بعض هذه الروايات في الصحيح ولكنها مخالِفَة للعقيدة، وتناقض العِصمةَ التي أُعطيت للرسول بقوله تعالى :﴿ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، والواقع أنّ هاتين السورتين مكيّتان، وفي ذلك ما يُوهِنُ صحة الروايات.
ونعوذُ بالله تعالى من شرِّ الحاسدِ الذي يتمنَّى زوالَ النعمة عن غيره، والحسدُ خلُق مذموم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحسدُ يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب ".
والحسد أول معصية عُصِيَ اللهُ بها في السماء وفي الأرض، فَحَسَدَ إبليسُ آدمَ، وحسد قابيلُ أخاه هابيل فقتَله.
والحاسد يضرّ نفسَه ثلاث مضرّات :
إحداها اكتسابُ الذنوب ؛ لأن الحسدَ حرام.
الثانية : سوءُ الأدبِ مع الله تعالى، فإن حقيقةَ الحسد كراهيةُ إِنعام الله على عبده، واعتراضٌ على الله.
الثالثة : تألُّم قلبِ الحاسِد من كثرةِ همِّه وغمِّه.
كلُّ العداوة قد تُرجَى إزالتها*** إلا عداوةُ من عاداكَ من حسَد