بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الجمعةمدنية ١
وانظر: الرد أيضا في الأحكام لابن الفرس ٣/ ٥١١ والبحر ٨/ ٢٦٦..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الجمعةمدنية
قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾، آخر السورة.
أي: يصلي ويسجد لله ما في السماوات السبع وما في الأض من الخلق طوعاً وكرهاً. و " يسبح " للحال.
وقوله: ﴿الملك القدوس﴾.
أي: الذي له ملك كل شيء [الطاهر] من كل ما يضيفه إليه
﴿العزيز الحكيم﴾.
أي: الشديد في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خَلْقَه.
- ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً (مِّنْهُمْ)﴾.
أي: الله الذي بعث في العرب -[الذين] لا كتاب عندهم من عند الله - رسولاً منهم، يعني [محمداً] ﷺ.
قال ابن زيد: " سميت أمة محمد أميين لأنه لم ينزل عليهم كتاباً قبل القرآن ".
وروى ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: " نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ
[و] إنما قيل، [للذي] لا يكتب: " أمي "، لأنه نسب إلى أمه، كأنه كما ولد.
وقيل: نسب إليها في أكثر الأحوال لا تكتب.
وقيل: إن [الأميين] إنما نسبوا إلى أم القرى، وهي مكة.
- وقوله: ﴿يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾.
﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب﴾.
أي: القرآن.
﴿والحكمة﴾: التفقه في الدين. وقيل: الكتاب: القرآن وما فيه من حلال وحرام. والحِكْمَةُ: (السُّنَةُ. قاله) قتادة.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾.
أي: وقد كان هؤلاء (الأميون) - من قبل محمد إليهم - في جور ظاهر عن قصد السبيل وعن الهدى والرشاد. وتقديره [في] [العـ]ـربية: وما
- ثم قال تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾.
﴿وَآخَرِينَ﴾: عطف على الأميين، أي: بعث في الأميين وفي آخرين منهم، " فهم " في موضع خفض، وقيل: " هم " في موضع نصب عطف على الهاء والميم في " يُعَلِّمْهُمُ " أو في: " يُزَكَّيهِمْ "، أي: ويعلم آخرين (مِنهُم الكتاب والحكمة،
قال أبو هريرة: " لمَّا نَزَلَ ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ( بِيَدِهِ) عَلَى [سَلْمَانَ] / وَقَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالثُّرَيَّا
وعن مجاهد: " ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾: هم كل من ردف الإسلام من الناس كلهم ".
وقال ابن زيد: هؤلاء كل من كان بعد النبي عليه السلام إلى يوم القيامة (كل من دخل في الإسلام من العرب والحجم.
وقال الضحاك: " كل من آمن وعمل صالحاً إلى يوم القيامة ").
وقال ابن عمر في أهل اليمن: " أَنْتُمْ هُمْ.
أي: لم يَحْيَوْا بَعْدُ [وَسَيَحْيَوْنَ].
ثم قال: ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾.
أي: وهو العزيز في انتقامه من أعدائه، الحكيم في تدبيره خلقه.
ثم قال: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل﴾.
أي: هذا الذي تقدم من الخبر على إرسال محمد إلى الأميين وغيرهم هو فضل من الله تفضل به عليهم، لأنه يؤتي فضله من يشاء من عباده، ولا يستحق الذم ممن حرمه إياه لأنه لم يمنعه حقاً هو له، ولكنه (علم) من هو له أهل
- ثم قال تعالى: ﴿والله ذُو الفضل﴾.
أي: والله ذو الفضل العظيم على جميع خلقه المحسن منهم والمسيء.
- ثم قال تعالى: ﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾.
أي: مثل الذين ألزموما العمل بما في التوراة فلم يقوموا به ولا وفوا بما ألزموما فيها من الإيمان بمحمد وغير ذلك من فروضها. يعني بني إسرائيل والنصارى.
- ﴿كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾.
أي يحمل كتباً من العلم لا ينتفع بها ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة فيها بيان أمر محمد وبعثه والأمر بالإيمان به، فلم ينتفعوا بذلك ولا وفوا به، فصاروا في عدم الانتفاع بذلك مثل الحمار الذي يحمل أسفاراً. أي: كتباً بها العلم.
قال الضحاك: " الكتاب بالنبطية يسمى سِفْراً ".
- ثم قال: ﴿بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾.
(أي: بئس هذا المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله) وحججه.
﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾.
لا يوفقهم (إلى) الهدى عقوبة لهم بكفرهم.
- ثم قال تعالى: {قُلْ يا أيها الذين هادوا إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ
أي: قل - يا محمد - لليهود: إن كنتم تزعمون أنكم أولياء لله من دون المؤمنين فتمنوا الموت إن كنتم محقين في قولكم: إنكم أولياؤه، فإن الله لا يعذب أولياءه، بل يكرمهم [وينعمهم]، فيستريحون من تعب الدنيا وكربها إلى النعيم.
- ثم قال: ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ (أَبَداً) بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾.
(أي): ولا يتمنى - محمد - اليهودُ الموتَ أبداً لمعرفتهم (بما) قدمت أيديهم من الآثام ﴿والله عَلِيمٌ بالظالمين﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ﴾.
أي: قل لليهود - يا محمد -: إن الموت الذي تهربون منه وتكرهونه - لما قدمت أيديكم من الآثام - لا بد أن يحل بكم ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ﴾ - إذا متّمْ - ﴿إلى عَالِمِ الغيب والشهادة﴾، أي: إلى الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ويعلم ما ظهر من ذلك، ويعلم ما أسررتم من أعمالكم وما أظهرتم فيجازيكم
ودخلت الفاء في قوله: " فإنه " لتقدم " الذي " وإن كان نعتاً، لأن النعت هو المنعوت في المعنى. و " الذي " فيه إبهام، فشابه الشرط بالإبهام الذي فيه، فدخلت الفاء في خبر " إن " لكون اسمها فيه إبهام كما تدخل في جواب الشرط، لأن خبر " إن " كجواب الشرط، فلما شابهه من الإبهام الذي في " الذي " دخل فيه ما يدخل في جواب الشرط.
وقد قيل: إن الخبر ل " إن " هنا هو جملة من ابتداء وخبر، والتقدير: قل إن الموت هو الذي تفرون منه.
- ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾.
أي: إذا سمعتم النداء إلى الصلاة في يوم الجمعة) فامضوا إليها، وهو الآذن الذي يكون عند قعود الإمام على المنبر للخطبة.
والسعي: [العمل] لا السرعة في المشي، دليله (قوله): ﴿وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى﴾ [عبس: ٨] و: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى﴾ [النازعات: ٢٢] و: ﴿وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض﴾ [البقرة: ٢٠٥] / ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي﴾ [الصافات: ١٠٢] كل هذا ليس يراد به سرعة مشي ولا جَرْيٌ، إنما هو العمل. ويزيد في بيانه قوله تعالى: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى﴾ [الليل: ٤] أي: إن عملكم لمختلف.
قال قتادة: " السعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها "، وهو قول عكرمة.
(وقال) ابن زيد: إذا سمعتم الداعي الأول فأجيبوا إلى ذلك.
قال: ولم يكن في زمان رسول الله ﷺ أذان إلا الأذان حين يجلس على المنبر، وأذان حين تقام الصلاة. قال: وهذا الآخِر شيء أحدثه الناس بَعْدُ في
أي: دعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة (يوم الجمعة).
والذكر هنا هو موعظة الإمامِ الناس في خطبته، قاله ابن المسيب وغيره.
- ثم قال: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
أي: سَعْيُكم إليها وتركُ البيع والشراء خير لكم في عُقْبَاكُمْ إن كنتم تعلمون مصالِحَ أنفسكم ومضارَّها، وقد قال الضحاك والحسن وعطاء: إذا زالت
وقال مالك: يفسخ البيع إذا وقع في هذا الوقت المنهي عنه، ولم ير الشافعي فسخه لأن الآية ليس فيها فسخة، فقيل له: أرأيت نكاحَ [المُحْرِمِ] ونكاحَ الشِّغَارِ يُفسخان إذا وقعا؟ [فقال: نعم]، قال: فكيف [تفسخهما] وليس في
فإن أعتق أو أنكح بعد الأذان يوم الجمعة لم يفسخ، لأنه ليس من البيع الذي نص الله [عليه]، [ولأنه] أمر نادر غير دائم كالبيع الذي هو دائم
قال جابر: " أَقْبَلَتْ عِيرٌ بِتِجَارَةٍ يَوْمَ الجُمعةِ ورسولُ الله ﷺ يَخْطُبُ، فانصرفَ الناسُ يَنْظُرُونَ، وبَقِيَ رسولُ الله (يخطب) فِي (اثْنَيْ) عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ ".
ولا جمعة على المسافر ولا على النساء، فإن (حضرن) وصلين مع الناس ركعتين أجزتهن عن الظهر.
وكان ابن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول: أخرجن إلى بيوتكن (خيراً لكن. وجائز للمسافر السفر) يوم الجمعة ما لم يحضر الوقت عند
والجمعة يجب أن يأتيها من كان على ثلاثة أميال فأقل من المسجد عند ملك.
وعن الزهري: من كان على (مسافة ستة) أميال فأقل يجب عليه الإتيان. وقيل: لا يجب إلا على من سمع النداء، روي (عن) عبد الله بن عمر وسعيد بن
وقال أصحاب الرأي: تجب الجمعة على أهل المصر، من سمع النداء ومن لم يسمع.
وقال ابن المنكدر والزهري: تجب الجمعة على من كان على أربعة أميال.
وقال أبو العالية والحسن: (هي) (عند) زوال الشمس.
وقالت عائشة رضي الله عنها: هي عند إذان المؤذن لصلاة الجمعة.
وقال أبو بردة: هي عند نزول الإمام.
وقال أبو السوار: هي ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة.
وعن أبي ذر: أنها بعد زيغ الشمس شبراً إلى ذراع من يوم الجمعة.
وعن جماعة/ من العلماء: أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
أي: إن شئتم، (وهذه) رخصة بعد [خطر]. وقد روى أنس أن النبي عليه السلام قال: " ﴿فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ لَيْسَ بِطَلَبِ دُنْيَا وَلَكِنْ عَبَادَةُ مَرِيضٍ وَحَضُورُ جَنَازَةٍ وَزِيَارَةُ أَخٍ في الله ".
وقوله: ﴿واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
اي: اذكروه بالحمد والشكر على ما وفقكم له لعلكم تنجون وتبقون في
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾.
التقدير عند المبرد: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، وإذا رأوا لهواً انفضوا إليه (ثم حذف وأخر ضمير الأول.
والمعنى: إذا رأوا ذلك أسرعوا إليه) وتركوك قائماً تخطب. يوبخ المؤمنين بذلك من فعلهم (إذ) خرجوا عن رسول الله - وهو يخطب - لرؤية العير التي أتت من (الشام) وكانت تحمل زيتاً (أتى) به دحي بن (خليفة)
قال الحسن: أصاب الناس جوع و (غلاء) سعر، فقدمت عير والنبي ﷺ يخطب فخرجوا إليها.
واللهو (هنا): ما يصنع عند النكاح من الدف. وقيل: وهو الطبل.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة﴾.
أي: ما عنده من الثواب والأجر خير من ذلك لمن جلس واستمع الخطبة.
﴿والله خَيْرُ الرازقين﴾.
أي: خير رازق، فارغبوا إليه في توسعة الرزق.