تفسير سورة الملك

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الملك من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الملك مكية وهي ثلاثون آية، وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها من عذاب القبر، وجاء مرفوعا من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)
﴿تبارك﴾ تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين ﴿الذى بيده الملك﴾ أي بتصرفه الملك والاستيلاء عل كل موجود وهو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْءٍ﴾ من المقدورات أو من الإنعام والانتقام ﴿قَدِيرٌ﴾ قادر على الكمال
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)
﴿الذى خَلَقَ الموت﴾ خبر مبتدأ
محذوف أو بدل من الذي قبله ﴿والحياة﴾ أي ما يصح بوجوده الإحساس والموت ضده ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيه المكلفون ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ ليمتحنكم بأمره ونهيه فيما بين الموت الذي يعم الأمير والأسير والحياة التي لا تفي بعليل ولا طبيب فيظهر منكم ما علم أنه يكون منكم فيجازيكم على عملكم لا على علمه بكم ﴿أَيُّكُمْ﴾ مبتدأ وخبره ﴿أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي أخلصه وأصوبه فالخالص أن يكون لوجه الله
510
والصواب أن يكون على السنة والمراد أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل وسلط عليمك الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح فما وراءه إلا البعث والجزاء الذي لا بد منه وقدم الموت على الحياة لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى المسوق له الآية أهم ولما قدم الموت الذي هو أثر صفة القهر على الحياة التي هي أثر اللطف قدم صفة القهر على صفة اللطف بقوله ﴿وَهُوَ العزيز﴾ أي الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ﴿الغفور﴾ الستور الذي لا ييأس منه أهل الإساءة والزلل
511
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣)
﴿الذى خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقًا﴾ مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقاً على طبق وهذا وصف بالمصدر أو على ذات طباق أو على طوبقت طباقاً وقيل جمع طبق كجمل وجمال الخطاب في ﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن﴾ للرسول أو لكل مخاطب ﴿مِن تفاوت﴾ تَفَوُتٍ حمزة وعلي ومعنى البناءين واحد كالتعاهد والتعهد أي من اختلاف واضطراب وعن السدي من عيب وحقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضاً ولا يلائمه وهذه الجملة صفة لطباقا واصلها ما ترى فيهن من تفاوت وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب ﴿فارجع البصر﴾ رده إلى السماء حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة فلا تبقى معك شبهة فيه ﴿هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ صدوع وشقوق جمع فطر وهو الشق
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)
﴿ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ كرر النظر مرتين أي كرتين مع الأولى وقيل سوى الأولى فتكون ثلاث مرات وقيل لم يرد الاقتصار على مرتين بل أراد به التكرير بكثرة أي كرر نظرك ودققه هل ترى خللا أو
511
عيباً وجواب الأمر ﴿يَنقَلِبَ﴾ يرجع ﴿إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا﴾ ذليلاً أو بعيداً مما تريد وهو حال من البصر ﴿وهو حسير﴾ كايل معي ولم ير فيها خللاً
512
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)
﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا﴾ القربى أي السماء الدنيا منكم ﴿بمصابيح﴾ بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح والمصابيح السرج فسميت بها الكواكب الناس يزينون مساجدهم ودورهم
بايقاد المصابيح ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة ﴿وجعلناها رُجُوماً للشياطين﴾ أي لأعدائكم الذين يخرجونكم من النور إلى الظلمات قال قتادة خلق الله النجوم لثلاث زينة الساء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف مالا علم له به والرجوم جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ومعنى كونها رجوماً للشياطين أن ينفصل عنها شهاب قيس يؤخذ من نار فيقتل الجني أو يخبله لأن الكواكب لا تزول عن أماكنها لأنها قارة في الفلك على حالها ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ للشياطين ﴿عَذَابَ السعير﴾ في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦)
﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ ليس الشياطين المرجومون مخصوصين بذلك ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ المرجع جهنم
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧)
﴿إذا ألقوا فيها﴾ طرحوا في جنهم كما يطرح الحطب في النار العظيمة ﴿سَمِعُواْ لَهَا﴾ لجهنم ﴿شَهِيقًا﴾ صوتاً منكراً كصوت الحمير شبه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق ﴿وَهِىَ تَفُورُ﴾ تغلي بهم غليان المرجل بما فيه
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨)
﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ﴾ أي تتميز يعني تتقطع وتتفرق ﴿مِنَ الغيظ﴾ على الكفار فجعلت كالمغتاظة عليهم استعارة لشدة غليانها بهم ﴿كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ﴾
512
جماعة من الكفار ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ مالك وأعوانه من الزبانية توبيخاً لهم ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ رسول يخوفكم من هذا العذاب
513
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩)
﴿قَالُواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ﴾ اعتراف منهم بعدل الله واقرارا بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ﴿فَكَذَّبْنَا﴾ أي فكذبناهم ﴿وَقُلْنَا ما نزل الله من شيء﴾ مما تقولون من وعد ووعيد وغير ذلك ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال كَبِيرٍ﴾ أي قال الكفار للمنذرين ما أنتم إلا في خطأ عظيم فالنذير بمعنى الإنذار ثم وصف به منذروهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذاراً وجاز أن يكون هذا كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ومرادهم بالضلال بالهلاك أو سموا جزاء الضلال باسمه كما سمي جزاء السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ويسمى المشاكلة في علم البيان أو كلام الرسل لهم حكوه للخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)
﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾ الإنذار سماع طالب الحق ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ أي نعقله عقل متأمل ﴿مَا كُنَّا فِى أصحاب السعير﴾ في جملة أهل النار وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملزمتان
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)
﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ﴾ بكفرهم في تكذيبهم الرسل ﴿فَسُحْقًا لأصحاب السعير﴾
وبضم الحاء يزيد وعلي فبعداً لهم عن رحمة الله وكرامته اعترفوا أو جحدوا فإن ذلك لا ينفعهم وانتصابه على أنه مصدر وقع موقع الدعاء
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)
﴿إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب﴾ قبل معاينة العذاب ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ للذنوب ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي الجنة
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣)
﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ﴾ ظاهره الأمر بأحد الأمرين الاسرار والإجهار ومعناه وليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما رُوي
513
أن مشركي مكة كانوا ينالون من رسول الله ﷺ فيخبره جبريل مما قالوه فيه ونالوه منه فقالوا فيما بينهم أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنزلت ثم عللت بقوله ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به
514
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)
﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ من في موضع رفع بأنه فاعل يَعْلَم ﴿وَهُوَ اللطيف الخبير﴾ أنكر أن لا يحيط علماً بالمضمر والمسر والمجهر من خلقها وصفته أنه اللطيف أي العالم بدقائق الأشياء الخبير العالم بحقائق الأشياء وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد وقال أبو بكر بن الأصم وجعفر بن حرب مَنْ مفعول والفاعل مضمر وهو الله تعالى فاحتالا بهذا لنفي خلق الأفعال
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)
﴿هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً﴾ لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها ﴿فامشوا في مناكبها﴾ جوابها استدلالا استرزاقا أو جبالها أو طرقها ﴿وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ﴾ أي من رزق الله فيها ﴿وَإِلَيْهِ النشور﴾ أي وإليه نشوركم فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)
﴿أأمنتم مَّن فِى السماء﴾ أي من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته ومنها تنزل قضايا وكتبه وأوامره ونواهيه فكأنه قال أأمنتم خالق السماء وملكه أو لأنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه فقيل لهم على حسب اعتقادهم أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعالٍ عن المكان ﴿أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض﴾ كما خسف بقارون ﴿فَإِذَا هِىَ تَمُورُ﴾ تضطرب وتتحرك
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧)
﴿أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى السماء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا﴾ حجارة أن يرسل بدل من بدل الاشتمال وكذا أَن يَخْسِفَ ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نذير﴾ أي إذا رأيتم
514
المنذر ربه علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم
515
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨)
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قومك ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي إنكاري عليهم إذا أهلكتهم ثم نبه على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير﴾
جمع طائر ﴿فَوْقَهُمْ﴾ في الهواء ﴿صافات﴾ باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن ويقبضن معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى أي يصففن ويقبضن أو صافات وقابضات واختيار هذا التركيب باعتبار أن أصل الطيران هو صف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والهواء للطائر كالماء للسابح والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك فجئ بما هو طارئ بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ عن الوقوع عند القبض والبسط ﴿إِلاَّ الرحمن﴾ بقدرته وإلا فالثقيل طبعا حالا ولا يعلوا وكذا لو أمسك حفظه تدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك وما يُمْسِكُهُنَّ مستأنف وإن جعل حالاً من الضمير في يقبضن يجوز ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ﴾ يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠)
﴿أمن﴾ مبتدأ خبره ﴿هذا﴾ ويدل من هذا ﴿الذى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ﴾ ومحل ﴿ينصركم من دون الرحمن﴾ رفع نعت لجند محمول على اللفظ والمعنى من المشار إليه بالنصر غير الله تعالى ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ في غرور﴾ أي ماهم إلا في غرور
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)
﴿أَمَّنْ هذا الذى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه وهذا على التقدير ويجوز أن
515
يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند الناصر والرازق فلما لم يتعظون أضرب عنهم فقال ﴿بَل لَّجُّواْ﴾ تمادوا ﴿فِى عتو﴾ استكبارا عن الحق ﴿وَنُفُورٍ﴾ وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه ثم ضرب مثلاً للكافرين والمؤمنين فقال
516
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)
﴿أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ﴾ أي ساقطاً على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفاً وخير من ﴿أهدى﴾ أرشد وأكب مطاوع كبه يقال كببته فاكب ﴿أم من يَمْشِى سَوِيّاً﴾ مستوياً منتصباً سالماً من العثور والخرور ﴿على صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ على طريق مستوٍ وخبر منْ محذوف لدلالة أهدى عليه وعن الكلبي عني بالمكبأبو جهل وبالسوي النبي عليه السلام
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٢٣)
﴿قُلْ هُوَ الذى أَنشَأَكُمْ﴾ خلقكم ابتداء ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة﴾ خصها لأنها آلات العلم ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة والمعنى تشكرون شكرا قليلا وما زائدة وقيل القلة عبارة عن العدم
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
﴿قُلْ هُوَ الذى ذَرَأَكُمْ﴾ خلقكم ﴿فِى الأرض وإليه تحشرون﴾
السحاب والجزاء
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)
﴿وَيَقُولُونَ﴾ أي الكافرون للمؤمنين استهزاء ﴿متى هذا الوعد﴾ التي تعدوننا به يعني العذاب ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ في كونه فأعلمونا زمانه
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)
﴿قُلْ إِنَّمَا العلم﴾ أي علم وقت العذاب ﴿عِندَ الله وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ﴾ مخوّف ﴿مُّبِينٌ﴾ أبين لكم الشرائع
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أي الوعد يعني العذاب الموعود ﴿زُلْفَةً﴾ قريباً منهم
516
وانتصابها على الحال ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ﴾ أي ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علتها الكآبة والمساءة وغشيتها الفترة والسواد ﴿وقيل هذا الذي﴾ القائلون للزبانية ﴿كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾ تفتعلون من الدعاء أي تسألون تعجيله وتقولون اثتنا بما تعدنا أو هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون وقرأ يعقوب تدعون
517
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٨)
﴿قل أرأيتم إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله﴾ أي أماتني الله كقوله ان امرؤ هلك ﴿وَمَن مَّعِىَ﴾ من أصحابي ﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ أو أخر في آجالنا ﴿فَمَن يُجِيرُ﴾ ينجي ﴿الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ مؤلم كان كفار مكة يدعون على رسول الله ﷺ وعلى المؤمنين بالهلاك فأمر بأن يقول لهم نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين إما أن نهلك كما نتمنون فنقلب إلى الجنة أو نرحم بالنصرة عليكم كما نرجوا فأنتم ما تصنعون مِنْ مجيركم وأنتم كافرون من عذاب النار لا بد لكم منه
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٩)
﴿قُلْ هُوَ الرحمن﴾ أي الذي أدعوكم إليه الرحمن ﴿آمنا بِهِ﴾ صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم ﴿وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ فوضنا إليه أمورنا ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ إذا نزل بكم العذاب وبالياء علي ﴿مَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ نحن أم أنتم
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)
﴿قل أرأيتم إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً﴾ غائراً ذاهباً في الأرض لا تناله الدلاء وهو وصف بالمصدر كعدل بمعنى عادل ﴿فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ جارٍ يصل إليه من أراده وتليت عند ملحد فقال يأتي بالمعول والمعن فذهب ماء عينه في تلك الليلة وعمي وقيل إنه محمد بن زكريا المتطبب زادنا الله بصيرة
517
سورة ن مكية وهي اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

518
Icon