تفسير سورة العاديات

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة العاديات من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية، وآياتها إحدى عشرة.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والعاديات ضبحا ١ فالموريات قدحا ٢ فالمغيرات صبحا ٣ فأثرن به نقعا ٤ فوسطن به جمعا ٥ إن الإنسان لربه لكنود ٦ وإنه على ذلك لشهيد ٧ وإنه لحب الخير لشديد ٨ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ٩ وحصّل ما في الصدور ١٠ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾.
ذلك قسم من الله بجزء مما خلق وهي الخيل. وهذا الصنف من الخلق كان عدة المجاهدين في الأزمنة الخالية في مجاهدتهم الكفر والكافرين. لقد كان هذا الصنف من المراكب وسيلة عظيمة يمتطيها الرجال وهم يغيرون على الظالمين لصدهم عن دين الله، ولكفّ أذاهم وعدوانهم عن بلاد المسلمين. يقسم الله بهذا الصنف من الخلق، وهي الخيل العادية الضابحة المغيرة بقوله :﴿ والعاديات ضبحا ﴾ ضبحا منصوب على المصدر في موضع الحال١. والمراد بالعاديات، الخيل أو الأفراس التي تعدو ﴿ ضبحا ﴾ أي وهي تحمحم. وذلك من الضّبح، وهو صوت أنفاس الخيل إذا عدت٢ وقيل : المراد بها الإبل. والمعنى الأول أظهر وهو الذي عليه أكثر المفسرين.
١ البان لابن النباري جـ ٢ ص ٥٢٨..
٢ مختار الصحاح ص ٣٧٦..
قوله :﴿ فالموريات قدحا ﴾ قدحا، مصدر مؤكد١، والمراد بها الخيل توري النار بحوافرها إذا صكّت الصخر بها وهي عادية مغيرة.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٥٢٨..
قوله :﴿ فالمغيرات صبحا ﴾ أي تغير على العدو في وقت الصبح. وصبحا، منصوب على الظرف١، ويستوي في المغيرات الخيل أو غيرها من المركوبات. فإنه لم يخصص من ذلك مغيرة دون مغيرة، فكل مغيرة صبحا داخل في المقسوم به، سواء كان من الخيل أو الإبل أو الحافلات المصنوعة من مثال المراكب على اختلاف أصنافها وضروبها في العصر الراهن.
١ نفس المصدر السابق..
قوله :﴿ فأثرن به نقعا ﴾ النقع معناه الغبار١ أي الخيل تثير الغبار من شدة عدوها في المكان الذي تغير فيه.
١ مختار الصحاح ص ٦٧٦..
قوله :﴿ فوسطن به جمعا ﴾ جمعا، مفعول به للفعل وسطن، والمعنى : فوسطن بركبانهن جمع الكفار.
قوله :﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾ وهذا هو المقسم عليه، أو هو جواب القسم. والكنود، معناه الكفور. فلان كند النعمة أي كفرها. وأصل الكنود، منع الحق والخير. والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا١. والمعنى : إن الإنسان لنعمة ربه لشديد الكفران.
١ مختار الصحاح ٥٧٩..
قوله :﴿ وإنه على ذلك لشهيد ﴾ ذلك مقسم عليه ثان. يعني وإن الله جل وعلا لشهيد على ابن آدم بذلك، وهو كونه كنودا، وهو قول أكثر المفسرين. وقيل : إن الإنسان على كنوده ﴿ لشهيد ﴾ أي يشهد على نفسه بذلك ولا يجحده لظهوره، وهذا المعنى أرجح لدلالة السياق.
قوله :﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾ فالضمير راجع إلى الإنسان ﴿ وإنه لحب الخير لشديد ﴾ وذلك مقسم عليه ثالث. وهو أن الإنسان لشديد الحب للمال. فهو مفطور على هذا الطبع، وهو حبه المال حبا جما.
قوله :﴿ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ﴾ الاستفهام للإنكار، والفاء للعطف على مقدر. وتقديره : يفعل ما يفعل من السوء فلا يعلم. وبعثر، معناه نثر. أي : أفلا يعلم هذا الجاحد لنعمة ربه إذا نثر ما في القبور من الموتى وأخرجوا.
قوله :﴿ وحصل ما في الصدور ﴾ يعني، وأظهر ما كانوا يخفونه في قلوبهم من النوايا والأسرار.
قوله :﴿ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ﴾ أي عالم بهم، لا يخفى عليه من أخبارهم شيء. وخص هذا اليوم بالذكر ؛ لأن الله مجازي العباد فيه١.
١ الكشاف جـ ٤ ص ٢٧٨ وتفسير الرازي جـ ٣٢ ص ٦٧ وفتح القدير جـ ٥ ص ٤٨٢- ٤٨٤..
Icon