تفسير سورة الهمزة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الهمزة
مكية، وهي تسع آيات.

﴿ ويل لكل همزة لّمزة ١ ﴾ قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب، ومعناهما واحد، وهو عياب. وقال مقاتل : الهمزة الذي يعيبك في الوجه، واللمزة الذي يعيبك في الغيبة، وقال أبو العالية والحسن على ضده. وقال سعيد بن جبير وقتادة : الهمزة : الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم، واللمزة : الطعان فيهم. وقال ابن زيد : الهمزة : من يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم، وقال سفيان الثوري : يهمزه بلسانه، ويلمز بعينه ومثله وقال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤذي جليسه باللفظ، واللمزة : الذي يومض بعينه، ويشير برأسه، ويرمز بحاجبه. قلت : الهمزة في الأصل الكسر والنخس، في الحديث " اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين " ١، واللمز : الطعن، ثم شاعا فيما ذكره هو الكسر في أعراض الناس، والطعن فيهم. وبناء فعله للاعتياد، فلا يقال : ضحكة وشجرة ولعهة وهمزة ولمزة إلا للمكثر المتعود. وأخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن عمر قال : ما زلنا نسمع أن ﴿ ويل لكل همزة ﴾ نزلت في أبي بن خلف. وأخرج عن السدي قال : نزلت في أخنس بن شريق بن وهب الثقفي. وأخرج ابن جرير عن رجل من أهل الرقة قال : نزلت في جميل بن عامر. وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق : كان أمية بن خلف الجمحي إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه، فأنزل الله تعالى﴿ ويل لكل همزة ﴾ السورة كلها. وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه. والآية عامة بصيغتها لكل من هذه صفة، وإن كانت نازلة في واحد منهم.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات وأخرجه أبو داود في كتاب: الطب، باب: كيف الرقى (٣٨٨٨)..
﴿ الذي جمع ﴾ قرأ جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على التكثير، والباقون بالتخفيف، والموصول إما مجرور بدل من كل، أو منصوب على الذم، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي هو الذي جمع ﴿ مالاً وعدّده ﴾ أي أحصاه وجعله عدة للنوازل، وعدة مرة بعد أخرى.
﴿ يحسب أنّ ماله أخلده ٣ ﴾ أن مع الجملة قائم مقام المفعولين ليحسب، أي يجعله خالداً في الدنيا لا يموت مع يساره، كأنه يزعم أن من لا مال له يموت بالجوع، ومن كان له مال لا يموت أبداً، وهذا كناية عن طول أمله وغفلته عن الموت وحبه للمال، وليس على الحقيقة، فإن أحداً لا يزعم أنه لا يموت أبداً. وفيه تعريض بأن المخلد هو الإيمان والأعمال الصالحة دون المال. عن عبد الله بن مسعود قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانب الذي في الوسط، فقال :" هذا إنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطاه هذا نهشه هذا " ١، وعن أنس قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطاً فقال :" هذا الأمل وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخطا لأقرب " روى من المحدثين البخاري.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: في الأمل وطوله (٦٤١٧)..
﴿ كلاّ ﴾ ردع عن الخصال المذكورة من الهمزة واللمزة، وحب المال وطوال الأمل ﴿ لينبذنّ ﴾ جواب قسم محذوف، وجاز أن يكون كلاً بمعنى حقاً مفيد المعنى القسم، فعلى هذا قوله :﴿ لينبذن ﴾ جواب قسم مذكور ﴿ في الحطمة ﴾ وهي اسم من أسماء جهنم، وإنما لا سميم به ؛ لأنها تحطم وتكسر كل ما يطرح فيها، ثم بين شدة أمرها بقوله :﴿ وما أدراك ما الحطمة ٥ ﴾.
﴿ وما أدراك ما الحطمة ٥ ﴾استفهام للتفخيم والتهويل، والجملة معترضة لاستعظام شأنها، يعني أنت لا تدري شدة أمرها، فإنها أعظم من أن يدرك، أو يخيل، ثم فسرها بعد الإبهام بقوله ﴿ نار الله الموقدة ﴾.
﴿ نار الله ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي هي نار الله. أضاف إلى نفسه للتعظيم ؛ فإنها مظهر قهر الله نعوذ بالله منها، وصفات الله تعالى كلها جلالية كانت أو جمالية بالغة في الكمال إلى مرتبة لا يمكن فوقها ولا يدرك قدرها ﴿ الموقدة ﴾ صفة للنار على البناء للمجهول، يعني أوقدها الله تعالى، وما أوقده الله تعالى لا يقدر غيره أن يطفئه. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة )١ رواه الترمذي.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة جهنم (٢٥٩١)..
﴿ التي تطّلع على الأفئدة ٧ ﴾ أي تبلغ إلى الأفئدة والاطلاع والبلوغ، بمعنى واحد، يحكى عن العرب : من اطلعت أرضنا أي بلغت، أخرج ابن المبارك عن خالد بن عمر بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن النار تأكل أهلها، حتى إذا طلعت إلى أفئدتهم انتهت، ثم يعود كما كان، ثم تستقبله فتطلع على فؤاده، فهو كذلك، فكذلك قوله تعالى :﴿ نار الله الموقدة ٦ التي تطّلع على الأفئدة ٧ ﴾ وكذا قال القرطبي والكلبي، قلت : فذكر الفؤاد ها هنا للدلالة على تأبيد العذاب، فإن نار الدنيا إذا أحرقت أحدا تميته قبل أن تطلع على فؤاده، بخلاف نار جهنم، أو لأن الفؤاد ألطف ما في البدن، وأشد تألماً، أو لأنه محل العقائد الزائفة ومنشأ الأعمال القبيحة، فكأنه هو منبع نار جهنم.
﴿ إنها عليهم ﴾ جمع الضمير رعاية لمعنى كل، والظرف متعلق بما بعده ﴿ مؤصدة ﴾ جملة مستأنفة كأنها في جواب ما بالهم لا يخرجون ولا يفرون، فقال : إنها عليهم مؤصدة، أي مطبقة، كذا أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني مغلقة، من أوصدت الباب إذا أطبقه. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال : إذا ابتلي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من حديد، فيها مسامير من حديد، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من حديد، ثم قذفوا في أسفل الجحيم، فما يرى أحداً بعذاب غيره، وأخرج أبو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه.
﴿ في عمد ممدّدة ٩ ﴾ الظرف متعلقا بمحذوف في محل النصب على الحالية، أي موثقين في عمد. وجاز أن يكون متعلقاً بمؤصدة، فيكون النار داخل العمد. قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عمد بضم العين والميم، والآخرون بفتحها، وهما جمع عمود مثل أديم وآدم وآدم، قاله الفراء. وقال أبو عبيد : جمع عماد، مثل أهاب وأهب. قال ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد، وفي أعناقهم السلاسل، وسدت عليهم بعماد لهما الأبواب. وقال قتادة : بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار. وقيل : هي أوتاد الأطباق الذي يطبق على أهل النار، أي إنها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة، وهي في قراءة عبد الله بعمد بالباء، وقال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم، ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم باب، ولا يدخل عليهم. ممددة صفة لعمد، أي مطولة، فتكون أرسخ من القصيرة. والله تعالى أعلم.
Icon