تفسير سورة البقرة

تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين .
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿الم﴾ اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ
﴿ذَلِك﴾ أَيْ هَذَا ﴿الْكِتَاب﴾ الَّذِي يَقْرَؤُهُ مُحَمَّد ﴿لَا رَيْب﴾ لَا شَكَّ ﴿فِيهِ﴾ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَجُمْلَة النَّفْي خَبَر مُبْتَدَؤُهُ ذَلِك وَالْإِشَارَة بِهِ لِلتَّعْظِيمِ ﴿هُدًى﴾ خَبَر ثَانٍ أَيْ هَادٍ ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ الصَّائِرِينَ إلَى التَّقْوَى بِامْتِثَالِ الْأَوَامِر وَاجْتِنَاب النَّوَاهِي لِاتِّقَائِهِمْ بِذَلِكَ النَّار
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ يُصَدِّقُونَ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ بِمَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ الْبَعْث وَالْجَنَّة وَالنَّار ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة﴾ أَيْ يَأْتُونَ بِهَا بِحُقُوقِهَا ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ أَعْطَيْنَاهُمْ ﴿يُنْفِقُونَ﴾ فِي طَاعَة اللَّه
﴿وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك﴾ أَيْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وغيرهما ﴿وبالآخرة هم يؤقنون﴾ يعلمون
﴿أُولَئِكَ﴾ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ ﴿عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ النَّاجُونَ من النار
﴿إنّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كَأَبِي جَهْل وَأَبِي لَهَب وَنَحْوهمَا ﴿سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة وَالْأُخْرَى وَتَرْكه ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لِعِلْمِ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِك فَلَا تَطْمَع فِي إيمَانهمْ وَالْإِنْذَار إعْلَام مَعَ تَخْوِيف
﴿خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ﴾ طَبَعَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْثَقَ فَلَا يَدْخُلهَا خَيْر ﴿وَعَلَى سَمْعهمْ﴾ أَيْ مَوَاضِعه فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ الْحَقّ ﴿وَعَلَى أَبْصَارهمْ غِشَاوَة﴾ غِطَاء فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقّ ﴿وَلَهُمْ عذاب عظيم﴾ قوي دائم
ونزل في المنافقين ﴿وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخر﴾ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ آخِر الْأَيَّام ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ رُوعِيَ فِيهِ مَعْنَى مِنْ وَفِي ضَمِير يَقُول لَفْظهَا
﴿يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بِإِظْهَارِ خِلَاف مَا أَبْطَنُوهُ مِنْ الْكُفْر لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ أَحْكَامه الدُّنْيَوِيَّة ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إلَّا أَنَفْسهمْ﴾ لِأَنَّ وَبَال خِدَاعهمْ رَاجِع إلَيْهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا بِإِطْلَاعِ اللَّه نَبِيّه عَلَى مَا أَبْطَنُوهُ وَيُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَة ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ يَعْلَمُونَ أَنَّ خِدَاعهمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْمُخَادَعَة هُنَا مِنْ وَاحِد كَعَاقَبْت اللِّصّ وَذِكْر اللَّه فِيهَا تَحْسِين وَفِي قِرَاءَة وَمَا يَخْدَعُونَ
١ -
﴿فِي قُلُوبهمْ مَرَض﴾ شَكّ وَنِفَاق فَهُوَ يُمْرِض قُلُوبهمْ أَيْ يُضْعِفهَا ﴿فَزَادَهُمْ اللَّه مَرَضًا﴾ بِمَا أَنْزَلَهُ مِنْ الْقُرْآن لِكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم ﴿بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ نَبِيّ اللَّه وَبِالتَّخْفِيفِ أَيْ قَوْلهمْ آمَنَّا
١ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أَيْ لِهَؤُلَاءِ ﴿لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض﴾ بِالْكُفْرِ وَالتَّعْوِيق عَنْ الْإِيمَان ﴿قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ بِفَسَادٍ قَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ
١ -
﴿أَلَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿إنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يشعرون﴾ بذلك
4
١ -
5
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس﴾ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء﴾ الْجُهَّال أَيْ لَا نَفْعَل كَفِعْلِهِمْ قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ ﴿أَلَا إنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
١ -
﴿وَإِذَا لَقُوا﴾ أَصْله لَقْيُوا حُذِفَتْ الضَّمَّة لِلِاسْتِثْقَالِ ثُمَّ الْيَاء لِالْتِقَائِهَا سَاكِنَة مَعَ الْوَاو ﴿الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا﴾ مِنْهُمْ وَرَجَعُوا ﴿إلَى شَيَاطِينهمْ﴾ رُؤَسَائِهِمْ ﴿قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ﴾ فِي الدِّين ﴿إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ بِهِمْ بِإِظْهَارِ الْإِيمَان
١ -
﴿اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ﴾ يُجَازِيهِمْ بِاسْتِهْزَائِهِمْ ﴿وَيَمُدّهُمْ﴾ يُمْهِلهُمْ ﴿فِي طُغْيَانهمْ﴾ بِتَجَاوُزِهِمْ الْحَدّ فِي الْكُفْر ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يَتَرَدَّدُونَ تَحَيُّرًا حَال
١ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى﴾ أَيْ اسْتَبْدَلُوهَا بِهِ ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتهمْ﴾ أَيْ مَا رَبِحُوا فِيهَا بَلْ خَسِرُوا لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ فِيمَا فَعَلُوا
١ -
﴿مَثَلهمْ﴾ صِفَتهمْ فِي نِفَاقهمْ ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ﴾ أَوْقَدَ ﴿نَارًا﴾ فِي ظُلْمَة ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ﴾ أَنَارَتْ ﴿مَا حَوْله﴾ فَأَبْصَرَ وَاسْتَدْفَأَ وَأَمِنَ مِمَّنْ يَخَافهُ ﴿ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ﴾ أَطْفَأَهُ وَجُمِعَ الضَّمِير مُرَاعَاة لِمَعْنَى الَّذِي ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ﴾ مَا حَوْلهمْ مُتَحَيِّرِينَ عَنْ الطَّرِيق خَائِفِينَ فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ أَمِنُوا بِإِظْهَارِ كَلِمَة الْإِيمَان فَإِذَا مَاتُوا جَاءَهُمْ الْخَوْف وَالْعَذَاب
١ -
هُمْ ﴿صُمّ﴾ عَنْ الْحَقّ فَلَا يَسْمَعُونَهُ سَمَاع قَبُول ﴿بُكْم﴾ خُرْس عَنْ الْخَيْر فَلَا يَقُولُونَهُ ﴿عُمْي﴾ عَنْ طَرِيق الْهُدَى فَلَا يَرَوْنَهُ ﴿فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ عَنْ الضَّلَالَة
5
١ -
6
﴿أَوْ﴾ مَثَلهمْ ﴿كَصَيِّبٍ﴾ أَيْ كَأَصْحَابِ مَطَر وَأَصْله صَيْوِب مِنْ صَابَ يَصُوب أَيْ يَنْزِل ﴿مِنْ السَّمَاء﴾ السَّحَاب ﴿فِيهِ﴾ أَيْ السَّحَاب ﴿ظُلُمَات﴾ مُتَكَاثِفَة ﴿وَرَعْد﴾ هُوَ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهِ وَقِيلَ صَوْته ﴿وَبَرْق﴾ لَمَعَان صَوْته الَّذِي يَزْجُرهُ بِهِ ﴿يَجْعَلُونَ﴾ أي أصحاب الصيب ﴿أصابعهم﴾ أي أناملهم ﴿فِي آذَانهمْ مِنْ﴾ أَجْل ﴿الصَّوَاعِق﴾ شِدَّة صَوْت الرَّعْد لِئَلَّا يَسْمَعُوهَا ﴿حَذَر﴾ خَوْف ﴿الْمَوْت﴾ مِنْ سَمَاعهَا كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ إذَا نَزَلَ الْقُرْآن وَفِيهِ ذِكْر الْكُفْر الْمُشَبَّه بِالظُّلُمَاتِ وَالْوَعِيد عَلَيْهِ الْمُشَبَّه بِالرَّعْدِ وَالْحُجَج الْبَيِّنَة الْمُشَبَّهَة بِالْبَرْقِ يَسُدُّونَ آذَانهمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ فَيَمِيلُوا إلَى الْإِيمَان وَتَرْك دِينهمْ وَهُوَ عِنْدهمْ مَوْت ﴿وَاَللَّه مُحِيط بِالْكَافِرِينَ﴾ عِلْمًا وَقُدْرَة فَلَا يَفُوتُونَهُ
٢ -
﴿يَكَاد﴾ يَقْرَب ﴿الْبَرْق يَخْطَف أَبْصَارهمْ﴾ يَأْخُذهَا بِسُرْعَةٍ ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ أَيْ فِي ضَوْئِهِ ﴿وَإِذَا أَظْلَم عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ وَقَفُوا تَمْثِيل لِإِزْعَاجِ مَا فِي الْقُرْآن مِنْ الْحُجَج قُلُوبهمْ وَتَصْدِيقهمْ لِمَا سَمِعُوا فِيهِ مِمَّا يُحِبُّونَ وَوُقُوفهمْ عَمَّا يَكْرَهُونَ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ بِمَعْنَى أَسْمَاعهمْ ﴿وَأَبْصَارهمْ﴾ الظَّاهِرَة كَمَا ذَهَبَ بِالْبَاطِنَةِ ﴿إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء﴾ شَاءَهُ ﴿قَدِير﴾ ومنه إذهاب ما ذكر
٢ -
﴿يأيها النَّاس﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿اُعْبُدُوا﴾ وَحِّدُوا ﴿رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أَنْشَأَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا ﴿وَ﴾ خَلَقَ ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ بِعِبَادَتِهِ عِقَابه وَلَعَلَّ فِي الْأَصْل لِلتَّرَجِّي وَفِي كَلَامه تعالى للتحقيق
٢ -
﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ خَلَقَ ﴿لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا ؟﴾ حَال بِسَاطًا ؟ يُفْتَرَش لَا غَايَة فِي الصَّلَابَة أَوْ اللُّيُونَة فَلَا يُمْكِن الِاسْتِقْرَار عَلَيْهَا ﴿وَالسَّمَاء بِنَاء﴾ سَقْفًا ؟ ﴿وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ﴾ أَنْوَاع ﴿الثَّمَرَات رِزْقًا ؟ لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ؟﴾ شُرَكَاء فِي الْعِبَادَة ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ الْخَالِق وَلَا تَخْلُقُونَ وَلَا يَكُون إلَهًا إلَّا مَنْ يَخْلُق
٢ -
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْب﴾ شَكّ ﴿مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدنَا﴾ مُحَمَّد مِنْ الْقُرْآن أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْله﴾ أَيْ الْمُنَزَّل وَمِنْ لِلْبَيَانِ أَيْ هِيَ مِثْله فِي الْبَلَاغَة وَحُسْن النَّظْم وَالْإِخْبَار عَنْ الْغَيْب وَالسُّورَة قِطْعَة لَهَا أَوَّل وَآخِر أَقَلّهَا ثَلَاث آيَات ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾ آلِهَتكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا ﴿مِنْ دُون الله﴾ أي من غَيْره لِتُعِينَكُمْ ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا ؟ قَالَهُ مِنْ عِنْد نَفْسه فَافْعَلُوا ذَلِك فَإِنَّكُمْ عَرَبِيُّونَ فُصَحَاء مِثْله وَلَمَّا عَجَزُوا عَنْ ذَلِك قَالَ تَعَالَى
6
٢ -
7
﴿فإن لم تفعلوا﴾ ما ذكر لعجزهم ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ ذَلِك أَبَدًا ؟ لِظُهُورِ إعْجَازه اعْتِرَاض ﴿فَاتَّقُوا﴾ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَام الْبَشَر ﴿النَّار الَّتِي وَقُودهَا النَّاس﴾ الْكُفَّار ﴿وَالْحِجَارَة﴾ كَأَصْنَامِهِمْ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهَا مُفْرِطَة الْحَرَارَة تَتَّقِد بِمَا ذُكِرَ لَا كَنَارِ الدُّنْيَا تَتَّقِد بِالْحَطَبِ وَنَحْوه ﴿أُعِدَّتْ﴾ هُيِّئَتْ ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ يُعَذَّبُونَ بِهَا جُمْلَة مُسْتَأْنَفَة أَوْ حَال لَازِمَة
٢ -
﴿وَبَشِّرْ﴾ أَخْبِرْ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ مِنْ الْفُرُوض وَالنَّوَافِل ﴿أَنَّ﴾ أَيْ بِأَنَّ ﴿لَهُمْ جَنَّات﴾ حَدَائِق ذَات أَشْجَار وَمَسَاكِن ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا﴾ أَيْ تَحْت أَشْجَارهَا وَقُصُورهَا ﴿الْأَنْهَار﴾ أَيْ الْمِيَاه فِيهَا وَالنَّهْر الْمَوْضِع الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاء لِأَنَّ الْمَاء يَنْهَرهُ أَيْ يَحْفِرهُ وَإِسْنَاد الْجَرْي إلَيْهِ مَجَاز ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا﴾ أُطْعِمُوا مِنْ تِلْكَ الْجَنَّات ﴿مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا ؟ قَالُوا هَذَا الَّذِي﴾ أَيْ مِثْل مَا ﴿رُزِقْنَا مِنْ قَبْل﴾ أَيْ قَبْله فِي الْجَنَّة لِتَشَابُهِ ثِمَارهَا بِقَرِينَةِ ﴿وَأُتُوا بِهِ﴾ أَيْ جِيئُوا بِالرِّزْقِ ﴿مُتَشَابِهًا﴾ يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا ؟ لَوْنًا ؟ وَيَخْتَلِف طَعْمًا ؟ ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج﴾ مِنْ الْحُور وَغَيْرهَا ﴿مُطَهَّرَة﴾ مِنْ الْحَيْض وَكُلّ قَذَر ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ مَاكِثُونَ أَبَدًا ؟ لَا يَفْنَوْنَ وَلَا يَخْرُجُونَ وَنَزَلَ رَدًّا ؟ لِقَوْلِ الْيَهُود لَمَّا ضَرَبَ اللَّه الْمَثَل بِالذُّبَابِ فِي قَوْله ﴿وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا ؟﴾ وَالْعَنْكَبُوت فِي قَوْله ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوت﴾ مَا أَرَادَ اللَّه بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاء الْخَسِيسَة فَأَنْزَلَ اللَّه
٢ -
﴿إن الله لا يستحيي أَنْ يَضْرِب﴾ يَجْعَل ﴿مَثَلًا﴾ مَفْعُول أَوَّل ﴿مَا﴾ نَكِرَة مَوْصُوفَة بِمَا بَعْدهَا مَفْعُول ثَانٍ أَيّ أَيّ مَثَل كَانَ أَوْ زَائِدَة لِتَأْكِيدِ الْخِسَّة فَمَا بَعْدهَا الْمَفْعُول الثَّانِي ﴿بَعُوضَة﴾ مُفْرَد الْبَعُوض وَهُوَ صِغَار الْبَقّ ﴿فَمَا فَوْقهَا﴾ أَيْ أَكْبَر مِنْهَا أَيْ لَا يَتْرُك بَيَانه لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُكْم ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ أَيْ الْمَثَل ﴿الْحَقّ﴾ الثَّابِت الْوَاقِع مَوْقِعه ﴿مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا﴾ تَمْيِيز أَيْ بِهَذَا الْمَثَل وَمَا اسْتِفْهَام إنْكَار مُبْتَدَأ وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي بِصِلَتِهِ خَبَره أَيْ أَيّ فَائِدَة فِيهِ قَالَ تَعَالَى فِي جَوَابهمْ ﴿يُضِلّ بِهِ﴾ أَيْ بِهَذَا الْمَثَل ﴿كَثِيرًا ؟﴾ عَنْ الْحَقّ لِكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ؟﴾ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ ﴿وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَته
7
٢ -
8
﴿الَّذِينَ﴾ نَعْتَ ﴿يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه﴾ مَا عَهِدَهُ إلَيْهِمْ فِي الْكُتُب مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿مِنْ بَعْد مِيثَاقه﴾ تَوْكِيده عَلَيْهِمْ ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل﴾ مِنْ الْإِيمَان بِالنَّبِيِّ وَالرَّحِم وَغَيْر ذَلِكَ وَأَنْ بَدَل مِنْ ضَمِير بِهِ ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض﴾ بِالْمَعَاصِي وَالتَّعْوِيق عَنْ الْإِيمَان ﴿أُولَئِكَ﴾ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ ﴿هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ
٢ -
﴿كيف تكفرون﴾ يا أهل مكة ﴿بالله و﴾ وَقَدْ ﴿كُنْتُمْ أَمْوَاتًا ؟﴾ نُطَفًا ؟ فِي الْأَصْلَاب ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ في الأرحام والدينا بنفخ الروح فيكم والاستفهام للتعجب مِنْ كُفْرهمْ مَعَ قِيَام الْبُرْهَان أَوْ لِلتَّوْبِيخِ ﴿ثُمَّ يُمِيتكُمْ﴾ عِنْد انْتِهَاء آجَالكُمْ ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ بِالْبَعْثِ ﴿ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ تُرَدُّونَ بَعْد الْبَعْث فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَقَالَ دَلِيلًا ؟ عَلَى الْبَعْث لِمَا أنكروه
٢ -
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض﴾ أَيْ الْأَرْض وَمَا فِيهَا ﴿جَمِيعًا ؟﴾ لِتَنْتَفِعُوا بِهِ وَتَعْتَبِرُوا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾ بَعْد خَلْق الْأَرْض أَيْ قَصَدَ ﴿إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ﴾ الضَّمِير يَرْجِع إلَى السَّمَاء لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجُمْلَة الْآيِلَة إلَيْهِ أَيْ صَيَّرَهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى ﴿فَقَضَاهُنَّ﴾ ﴿سَبْع سَمَاوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم﴾ مُجْمَلًا ؟ وَمُفَصَّلًا ؟ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى خَلْق ذَلِك ابْتِدَاء ؟ وَهُوَ أَعْظَم مِنْكُمْ قَادِر عَلَى إعادتكم
٣ -
﴿و﴾ اذكر يَا مُحَمَّد ﴿إذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة﴾ يَخْلُفنِي فِي تَنْفِيذ أَحْكَامِي فِيهَا وَهُوَ آدَم ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا﴾ بِالْمَعَاصِي ﴿وَيَسْفِك الدِّمَاء﴾ يُرِيقهَا بِالْقَتْلِ كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانّ وَكَانُوا فِيهَا فَلَمَّا أَفْسَدُوا أَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة فَطَرَدُوهُمْ إلَى الْجَزَائِر وَالْجِبَال ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّح﴾ مُتَلَبِّسِينَ ﴿بِحَمْدِك﴾ أي نقول سبحان الله وبحمده ﴿وَنُقَدِّس لَك﴾ نُنَزِّهك عَمَّا لَا يَلِيق بِك فَاللَّام زَائِدَة وَالْجُمْلَة حَال أَيْ فَنَحْنُ أَحَقّ بِالِاسْتِخْلَافِ ﴿قَالَ﴾ تَعَالَى ﴿إنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ مِنْ الْمَصْلَحَة فِي اسْتِخْلَاف آدَم وَأَنَّ ذُرِّيَّته فِيهِمْ الْمُطِيع وَالْعَاصِي فَيَظْهَر الْعَدْل بَيْنهمْ فَقَالُوا لَنْ يَخْلُق رَبّنَا خَلْقًا ؟ أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم لِسَبْقِنَا لَهُ وَرُؤْيَتنَا مَا لَمْ يَرَهُ فَخَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم مِنْ أَدِيم الْأَرْض أَيْ وَجْههَا بِأَنْ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَة مِنْ جَمِيع أَلْوَانهَا وَعُجِنَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَة وَسَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ حَيَوَانًا ؟ حَسَّاسًا ؟ بَعْد أَنْ كَانَ جَمَادًا
8
٣ -
9
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ﴾ أَيْ أَسَمَاء الْمُسَمَّيَات ﴿كُلّهَا﴾ بِأَنْ أَلْقَى فِي قَلْبه عِلْمهَا ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أَيْ الْمُسَمَّيَات وَفِيهِ تَغْلِيب الْعُقَلَاء ﴿عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ﴾ لَهُمْ تَبْكِيتًا ؟ ﴿أَنْبِئُونِي﴾ أَخْبِرُونِي ﴿بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾ الْمُسَمَّيَات ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي أَنِّي لَا أَخْلُق أَعْلَم مِنْكُمْ أَوْ أَنَّكُمْ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَجَوَاب الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله
٣ -
﴿قَالُوا سُبْحَانك﴾ تَنْزِيهًا لَك عَنْ الِاعْتِرَاض عَلَيْك ﴿لَا عِلْم لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتنَا﴾ إيَّاهُ ﴿إنَّك أَنْت﴾ تَأْكِيد لِلْكَافِ ﴿الْعَلِيم الْحَكِيم﴾ الَّذِي لَا يَخْرُج شَيْء عَنْ عِلْمه وَحِكْمَته
٣ -
﴿قال﴾ تعالى ﴿يآدم أَنْبِئْهُمْ﴾ أَيْ الْمَلَائِكَة ﴿بِأَسْمَائِهِمْ﴾ الْمُسَمَّيَات فَسَمَّى كُلّ شَيْء بِاسْمِهِ وَذَكَرَ حِكْمَته الَّتِي خُلِقَ لَهَا ﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُمْ مُوَبِّخًا ؟ ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنِّي أَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مَا غَابَ فِيهِمَا ﴿وَأَعْلَم مَا تُبْدُونَ﴾ مَا تُظْهِرُونَ مِنْ قَوْلكُمْ أَتَجْعَلُ فِيهَا إلَخْ ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ تُسِرُّونَ مِنْ قَوْلكُمْ لَنْ يَخْلُق أَكْرَم عَلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَعْلَم
٣ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم﴾ سُجُود تَحِيَّة بِالِانْحِنَاءِ ﴿فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس﴾ هُوَ أَبُو الْجِنّ كَانَ بَيْن الْمَلَائِكَة ﴿أَبَى﴾ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُود ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ تَكَبَّرَ عَنْهُ وَقَالَ أَنَا خَيْر مِنْهُ ﴿وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ﴾ فِي عِلْم الله
٣ -
﴿وقلنا يآدم اُسْكُنْ أَنْت﴾ تَأْكِيد لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتِر لِيَعْطِف عَلَيْهِ ﴿وَزَوْجك﴾ حَوَّاء بِالْمَدِّ وَكَانَ خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعه الْأَيْسَر ﴿الْجَنَّة وَكُلَا مِنْهَا﴾ أَكْلًا ﴿رَغَدًا ؟﴾ وَاسِعًا ؟ لَا حَجْر فِيهِ ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة﴾ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَهِيَ الْحِنْطَة أَوْ الْكَرْم أَوْ غَيْرهمَا ﴿فَتَكُونَا﴾ فَتَصِيرَا ﴿مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ العاصين
٣ -
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَان﴾ إبْلِيس أَذْهَبهُمَا وَفِي قِرَاءَة فَأَزَالهُمَا نَحَّاهُمَا ﴿عَنْهَا﴾ أَيْ الْجَنَّة بِأَنْ قَالَ لَهُمَا هَلْ أَدُلّكُمَا عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَقَاسَمَهُمَا بِاَللَّهِ إنَّهُ لَهُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ فَأَكَلَا مِنْهَا ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ مِنْ النَّعِيم ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا﴾ إلَى الْأَرْض أَيْ أَنْتُمَا بِمَا اشْتَمَلْتُمَا عَلَيْهِ مِنْ ذُرِّيَّتكُمَا ﴿بَعْضكُمْ﴾ بَعْض الذُّرِّيَّة ﴿لِبَعْضٍ عَدُوّ﴾ مِنْ ظُلْم بَعْضكُمْ بَعْضًا ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ﴾ مَوْضِع قَرَار ﴿وَمَتَاع﴾ مَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ مِنْ نَبَاتهَا ﴿إلَى حِين﴾ وَقْت انْقِضَاء آجَالكُمْ
9
٣ -
10
﴿فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبّه كَلِمَات﴾ أَلْهَمَهُ إيَّاهَا وَفِي قِرَاءَة بِنَصْبِ آدَم وَرَفْع كَلِمَات أَيْ جَاءَهُ وَهِيَ ﴿رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسنَا﴾ الْآيَة فَدَعَا بِهَا ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ قَبِلَ تَوْبَته ﴿إنَّهُ هُوَ التَّوَّاب﴾ عَلَى عِبَاده ﴿الرَّحِيم﴾ بِهِمْ
٣ -
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا﴾ مِنْ الْجَنَّة ﴿جَمِيعًا ؟﴾ كَرَّرَهُ لِيَعْطِف عَلَيْهِ ﴿فَإِمَّا﴾ فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الزَّائِدَة ﴿يَأْتِيَنكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ كِتَاب وَرَسُول ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ فَآمَنَ بِي وَعَمِلَ بِطَاعَتِي ﴿فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فِي الْآخِرَة بِأَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّة
٣ -
﴿وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ كُتُبنَا ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب النار هم فيها خالدون﴾ ما كثون أَبَدًا ؟ لَا يَفْنَوْنَ وَلَا يَخْرُجُونَ
٤ -
﴿يَا بَنِي إسْرَائِيل﴾ أَوْلَاد يَعْقُوب ﴿اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ عَلَى آبَائِكُمْ مِنْ الْإِنْجَاء مِنْ فِرْعَوْن وَفَلْق الْبَحْر وَتَظْلِيل الْغَمَام وَغَيْر ذَلِكَ بِأَنْ تَشْكُرُوهَا بِطَاعَتِي ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ الَّذِي عَهِدْته إلَيْكُمْ مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ الَّذِي عَهِدْت إلَيْكُمْ مِنْ الثَّوَاب عَلَيْهِ بدخول الجنة ﴿وإياي فارهبون﴾ خَافُونِ فِي تَرْك الْوَفَاء بِهِ دُون غَيْرِي
٤ -
﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْت﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿مُصَدِّقًا ؟ لِمَا مَعَكُمْ﴾ مِنْ التَّوْرَاة بِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي التَّوْحِيد وَالنُّبُوَّة ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّل كَافِر بِهِ﴾ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّ خَلْفكُمْ تَبَع لَكُمْ فَإِثْمهمْ عَلَيْكُمْ ﴿وَلَا تَشْتَرُوا﴾ تَسْتَبْدِلُوا ﴿بِآيَاتِي﴾ الَّتِي فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ثَمَنًا ؟ قَلِيلًا ؟﴾ عَرَضًا ؟ يَسِيرًا ؟ مِنْ الدُّنْيَا أَيْ لَا تَكْتُمُوهَا خَوْف فَوَات مَا تَأْخُذُونَهُ مِنْ سَفَلَتكُمْ ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ خَافُونِ فِي ذَلِكَ دون غيري
٤ -
﴿وَلَا تَلْبِسُوا﴾ تَخْلِطُوا ﴿الْحَقّ﴾ الَّذِي أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ الَّذِي تَفْتَرُونَهُ ﴿وَ﴾ لَا ﴿تَكْتُمُوا الْحَقّ﴾ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ الْحَقّ
٤ -
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّينَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَنَزَلَ فِي عُلَمَائِهِمْ وَكَانُوا يَقُولُونَ لِأَقْرِبَائِهِمْ الْمُسْلِمِينَ اُثْبُتُوا عَلَى دِين مُحَمَّد فَإِنَّهُ حَقّ
10
٤ -
11
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ﴾ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ﴾ تَتْرُكُونَهَا فَلَا تَأْمُرُونَهَا بِهِ ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة وَفِيهَا الْوَعِيد عَلَى مُخَالَفَة الْقَوْل الْعَمَل ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ سُوء فِعْلكُمْ فَتَرْجِعُونَ فَجُمْلَة النِّسْيَان محل الاستفهام الإنكاري
٤ -
﴿واستعينوا﴾ اطلبوا المعونه عن أُمُوركُمْ ﴿بِالصَّبْرِ﴾ الْحَبْس لِلنَّفْسِ عَلَى مَا تَكْرَه ﴿والصلاة﴾ أفردها بالذكر تعظيما ؟ لشأنه وَفِي الْحَدِيث كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حز به أَمْر بَادَرَ إلَى الصَّلَاة وَقِيلَ الْخِطَاب لِلْيَهُودِ لَمَّا عَاقَهُمْ عَنْ الْإِيمَان الشَّرَه وَحُبّ الرِّيَاسَة فَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ وَهُوَ الصَّوْم لِأَنَّهُ يَكْسِر الشَّهْوَة وَالصَّلَاة لِأَنَّهَا تُورِث الْخُشُوع وَتَنْفِي الْكِبْر ﴿وَإِنَّهَا﴾ أَيْ الصَّلَاة ﴿لَكَبِيرَة﴾ ثَقِيلَة ﴿إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ السَّاكِنِينَ إلَى الطَّاعَة
٤ -
﴿الذين يظنون﴾ يوقنون ﴿أنهم ملاقوا رَبّهمْ﴾ بِالْبَعْثِ ﴿وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ فِي الْآخِرَة فيجازيهم
٤ -
﴿يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ﴾ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا بِطَاعَتِي ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ أَيْ آبَاءَكُمْ ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ عَالِمِي زَمَانهمْ
٤ -
﴿واتقوا﴾ خافوا ﴿يوما ؟ لَا تَجْزِي﴾ فِيهِ ﴿نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا ؟﴾ وهو يوم القيامة ﴿وَلَا يُقْبَل﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿مِنْهَا شَفَاعَة﴾ أَيْ لَيْسَ لَهَا شَفَاعَة فَتُقْبَل ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شافعين﴾ ﴿ولا يؤخذ منها عَدْل﴾ فِدَاء ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يُمْنَعُونَ مِنْ عذاب الله
٤ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْوَا ﴿إذْ نَجَّيْنَاكُمْ﴾ أَيْ آبَاءَكُمْ وَالْخِطَاب بِهِ وَبِمَا بَعْده لِلْمَوْجُودِينَ فِي زَمَن نَبِيّنَا بِمَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى آبَائِهِمْ تَذْكِيرًا ؟ لَهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى لِيُؤْمِنُوا ﴿مِنْ آل فِرْعَوْن يَسُومُونَكُمْ﴾ يُذِيقُونَكُمْ ﴿سُوء الْعَذَاب﴾ أَشَدّه وَالْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير نَجَّيْنَاكُمْ ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ بَيَان لِمَا قَبْله ﴿أَبْنَاءَكُمْ﴾ الْمَوْلُودِينَ ﴿وَيَسْتَحْيُونَ﴾ يَسْتَبْقُونَ ﴿نِسَاءَكُمْ﴾ لِقَوْلِ بَعْض الْكَهَنَة لَهُ إنَّ مَوْلُودًا يُولَد فِي بَنِي إسْرَائِيل يَكُون سَبَبًا ؟ لِذَهَابِ مُلْكك ﴿وَفِي ذَلِكُمْ﴾ الْعَذَاب أَوْ الْإِنْجَاء ﴿بَلَاء﴾ ابْتِلَاء أَوْ إنْعَام ﴿مِنْ رَّبّكُمْ عَظَيِمٌ﴾
٥ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرُوا ﴿إذْ فَرَقْنَا﴾ فَلَقْنَا ﴿بِكُمْ﴾ بِسَبَبِكُمْ ﴿الْبَحْر﴾ حَتَّى دَخَلْتُمُوهُ هَارِبِينَ مِنْ عَدُوّكُمْ ﴿فَأَنْجَيْنَاكُمْ﴾ مِنْ الْغَرَق ﴿وَأَغْرَقْنَا آل فِرْعَوْن﴾ قَوْمه مَعَهُ ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ إلَى انْطِبَاق الْبَحْر عَلَيْهِمْ
11
٥ -
12
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا﴾ بِأَلِفٍ وَدُونهَا ﴿مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة﴾ نُعْطِيه عِنْد انْقِضَائِهَا التَّوْرَاة لِتَعْمَلُوا بِهَا ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل﴾ الَّذِي صَاغَهُ لَكُمْ السَّامِرِيّ إلَهًا ﴿مِنْ بَعْده﴾ أَيْ بَعْد ذَهَابه إلَى مِيعَادنَا ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ بِاِتِّخَاذِهِ لِوَضْعِكُمْ الْعِبَادَة فِي غَيْر محلها
٥ -
﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ﴾ مَحَوْنَا ذُنُوبكُمْ ﴿مِنْ بَعْد ذَلِكَ﴾ الِاتِّخَاذ ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نِعْمَتنَا عَلَيْكُمْ
٥ -
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿وَالْفُرْقَان﴾ عَطْف تَفْسِير أَيْ الْفَارِق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَالْحَلَال وَالْحَرَام ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ بِهِ مِنْ الضَّلَال
٥ -
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْل ﴿يَا قَوْم إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِاِتِّخَاذِكُمْ الْعِجْل﴾ إلَهًا ﴿فَتُوبُوا إلَى بَارِئُكُمْ﴾ خَالِقكُمْ مِنْ عِبَادَته ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ﴾ أَيْ لِيَقْتُل الْبَرِيء مِنْكُمْ الْمُجْرِم ﴿ذَلِكُمْ﴾ الْقَتْل ﴿خَيْر لَكُمْ عِنْد بَارِئِكُمْ﴾ فَوَفَّقَكُمْ لِفِعْلِ ذَلِكَ وَأَرْسَلَ عَلَيْكُمْ سَحَابَة سَوْدَاء لِئَلَّا يُبْصِر بَعْضكُمْ بَعْضًا ؟ فَيَرْحَمهُ حَتَّى قَتَلَ مِنْكُمْ نَحْو سَبْعِينَ أَلْفًا ؟ ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ قَبِلَ تَوْبَتكُمْ ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ﴾
٥ -
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ﴾ وَقَدْ خَرَجْتُمْ مَعَ مُوسَى لِتَعْتَذِرُوا إلَى اللَّه مِنْ عِبَادَة الْعِجْل وَسَمِعْتُمْ كَلَامه ﴿يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة﴾ عِيَانًا ؟ ﴿فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَة﴾ الصَّيْحَة فَمُتُّمْ ﴿وأنتم تنظرون﴾ ما حل بكم
٥ -
﴿ثم بعثنا كم﴾ أحييناكم ﴿من بعد موتكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نِعْمَتنَا بِذَلِكَ
٥ -
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَام﴾ سَتَرْنَاكُمْ بِالسَّحَابِ الرَّقِيق مِنْ حَرّ الشَّمْس فِي التِّيه ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ﴾ فِيهِ ﴿الْمَنّ وَالسَّلْوَى﴾ هُمَا الترنجبين وَالطَّيْر السُّمَانَى بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَالْقَصْر وَقُلْنَا ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ وَلَا تَدَّخِرُوا فَكَفَرُوا النِّعْمَة وَادَّخَرُوا فَقَطَعَ عَنْهُمْ ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ بِذَلِكَ ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ﴾ لِأَنَّ وَبَاله عَلَيْهِمْ
12
٥ -
13
﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ لَهُمْ بَعْد خُرُوجهمْ مِنْ التِّيه ﴿اُدْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَة﴾ بَيْت الْمَقْدِس أَوْ أَرِيحَا ﴿فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا ؟﴾ وَاسِعًا ؟ لَا حَجْر فِيهِ ﴿وَادْخُلُوا الْبَاب﴾ أَيْ بَابهَا ﴿سُجَّدًا ؟﴾ مُنْحَنِينَ ﴿وَقُولُوا﴾ مَسْأَلَتنَا ﴿حِطَّة﴾ أَيْ أَنْ تَحُطّ عَنَّا خَطَايَانَا ﴿نَغْفِر﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ وَالتَّاء مَبْنِيًّا ؟ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا ﴿لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ بِالطَّاعَةِ ثَوَابًا ؟
٥ -
﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مِنْهُمْ ﴿قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ فَقَالُوا حَبَّة فِي شَعْرَة وَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر مُبَالَغَة فِي تَقْبِيح شَأْنهمْ ﴿رِجْزًا ؟﴾ عَذَابًا ؟ طَاعُونًا ؟ ﴿مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ بِسَبَبِ فِسْقهمْ أَيْ خُرُوجهمْ عَنْ الطَّاعَة فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي سَاعَة سَبْعُونَ ألفا ؟ أو أقل
٦ -
﴿و﴾ اذكر ﴿إذْ اسْتَسْقَى مُوسَى﴾ أَيْ طَلَبَ السُّقْيَا ﴿لِقَوْمِهِ﴾ وَقَدْ عَطِشُوا فِي التِّيه ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر﴾ وَهُوَ الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِهِ خَفِيف مُرَبَّع كَرَأْسِ الرَّجُل رُخَام أَوْ كَذَّان فَضَرَبَهُ ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ انْشَقَّتْ وَسَالَتْ ﴿مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا﴾ بِعَدَدِ الْأَسْبَاط ﴿قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس﴾ سَبْط مِنْهُمْ ﴿مَشْرَبهمْ﴾ مَوْضِع شُرْبهمْ فَلَا يَشْرَكهُمْ فِيهِ غَيْرهمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ﴾ حَال مُؤَكِّدَة لِعَامِلِهَا مِنْ عَثِيَ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة أَفْسَدَ
٦ -
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طعام﴾ أي نوع ﴿وَاحِد﴾ وَهُوَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى ﴿فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا﴾ شَيْئًا ؟ ﴿مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ﴾ لِلْبَيَانِ ﴿بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومهَا﴾ حِنْطَتهَا ﴿وَعَدَسهَا وَبَصَلهَا قَالَ﴾ لَهُمْ مُوسَى ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ أَخَسّ ﴿بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر﴾ أَشْرَف أَتَأْخُذُونَهُ بَدَله وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ فَأَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا فَدَعَا اللَّه تَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى ﴿اهْبِطُوا﴾ انْزِلُوا ﴿مِصْرًا﴾ مِنْ الْأَمْصَار ﴿فَإِنَّ لَكُمْ﴾ فِيهِ ﴿مَا سَأَلْتُمْ﴾ مِنْ النَّبَات ﴿وَضُرِبَتْ﴾ جُعِلَتْ ﴿عَلَيْهِمْ الذِّلَّة﴾ الذُّلّ وَالْهَوَان ﴿وَالْمَسْكَنَة﴾ أَيْ أَثَر الْفَقْر مِنْ السُّكُون وَالْخِزْي فَهِيَ لَازِمَة لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاء لُزُوم الدِّرْهَم الْمَضْرُوب لِسِكَّتِهِ ﴿وَبَاءُوا﴾ رَجَعُوا ﴿بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه ذَلِكَ﴾ أَيْ الضَّرْب وَالْغَضَب ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ﴿كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ كَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى ﴿بِغَيْرِ الْحَقّ﴾ أَيْ ظُلْمًا ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ يَتَجَاوَزُونَ الْحَدّ فِي الْمَعَاصِي وَكَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ
13
٦ -
14
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْل ﴿وَاَلَّذِينَ هَادُوا﴾ هُمْ الْيَهُود ﴿وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ طَائِفَة مِنْ الْيَهُود أَوْ النَّصَارَى ﴿مَنْ آمَنَ﴾ مِنْهُمْ ﴿بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ فِي زَمَن نَبِيّنَا ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا ؟﴾ بِشَرِيعَتِهِ ﴿فَلَهُمْ أَجْرهمْ﴾ أَيْ ثَوَاب أَعْمَالهمْ ﴿عِنْدَ ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ رُوعِيَ فِي ضَمِير آمَنَ وَعَمَل لَفْظ مَنْ وفيما بعده معناه
٦ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ﴾ عَهْدكُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة ﴿و﴾ قَدْ ﴿رَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور﴾ الْجَبَل اقْتَلَعْنَاهُ مِنْ أَصْله عَلَيْكُمْ لَمَّا أَبَيْتُمْ قَبُولهَا وَقُلْنَا ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ بِالْعَمَلِ بِهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ النَّار أَوْ الْمَعَاصِي
٦ -
﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أَعْرَضْتُمْ ﴿مِنْ بَعْد ذَلِكَ﴾ الْمِيثَاق عَنْ الطَّاعَة ﴿فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته﴾ لَكُمْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ تَأْخِير الْعَذَاب ﴿لَكُنْتُمْ مِنْ الخاسرين﴾ الهالكين
٦ -
﴿وَلَقَدْ﴾ لَام قَسَم ﴿عَلِمْتُمْ﴾ عَرَفْتُمْ ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا﴾ تجاوزوا الحد ﴿منكم في السبت﴾ بِصَيْدِ السَّمَك وَقَدْ نَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ وَهُمْ أَهْل أَيْلَة ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ﴾ مُبْعَدِينَ فَكَانُوا وَهَلَكُوا بَعْد ثَلَاثَة أَيَّام
٦ -
﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أَيْ تِلْكَ الْعُقُوبَة ﴿نَكَالًا ؟﴾ عِبْرَة مَانِعَة مِنْ ارْتِكَاب مِثْل مَا عَمِلُوا ﴿لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا﴾ أَيْ لِلْأُمَمِ الَّتِي فِي زَمَانهَا وَبَعْدهَا ﴿وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ﴾ اللَّه وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِخِلَافِ غَيْرهمْ
٦ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ وَقَدْ قُتِلَ لَهُمْ قَتِيل لَا يُدْرَى قَاتِله وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُو اللَّه أَنْ يُبَيِّنهُ لَهُمْ فَدَعَاهُ ﴿إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة قَالُوا أتتخذنا هزؤا﴾ مَهْزُوءًا ؟ بِنَا حَيْثُ تُجِيبنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ ﴿قَالَ أَعُوذ﴾ أَمْتَنِع ﴿بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ المستهزئين فلما
٦ -
عَلِمُوا أَنَّهُ عَزَمَ ﴿قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ﴾ أَيْ مَا سِنّهَا ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿إنَّهُ﴾ أَيْ اللَّه ﴿يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض﴾ مُسِنَّة ﴿وَلَا بِكْر﴾ صَغِيرَة ﴿عَوَان﴾ نِصْف ﴿بَيْن ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور مِنْ السِّنِينَ ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾ بِهِ مِنْ ذَبْحهَا
14
٦ -
15
﴿قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا﴾ شَدِيد الصُّفْرَة ﴿تَسُرّ النَّاظِرِينَ﴾ إلَيْهَا بِحُسْنِهَا أَيْ تُعْجِبهُمْ
٧ -
﴿قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ﴾ أَسَائِمَة أَمْ عَامِلَة ﴿إنَّ الْبَقَر﴾ أَيْ جِنْسه الْمَنْعُوت بِمَا ذُكِرَ ﴿تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ لِكَثْرَتِهِ فلم نهتد إلى المقصود ﴿وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ﴾ إلَيْهَا وَفِي الْحَدِيث لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَت لَهُمْ لآخر الأبد
٧ -
﴿قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول﴾ غَيْر مُذَلَّلَة بِالْعَمَلِ ﴿تُثِير الْأَرْض﴾ تُقَلِّبهَا لِلزِّرَاعَةِ وَالْجُمْلَة صِفَة ذَلُول دَاخِلَة فِي النَّهْي ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْث﴾ الْأَرْض الْمُهَيَّأَة لِلزِّرَاعَةِ ﴿مُسَلَّمَة﴾ مِنْ العيوب وآثار العمل ﴿لاشية﴾ لَوْن ﴿فِيهَا﴾ غَيْر لَوْنهَا ﴿قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ﴾ نَطَقْت بِالْبَيَانِ التَّامّ فَطَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا عِنْد الْفَتَى الْبَارّ بِأُمِّهِ فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ مِسْكهَا ذَهَبًا ؟ ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ لِغَلَاءِ ثَمَنهَا وَفِي الْحَدِيث لَوْ ذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَأَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ
٧ -
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا ؟ فَادَّارَأْتُمْ﴾ فِيهِ إدْغَام الدَّال فِي التَّاء أَيْ تَخَاصَمْتُمْ وَتَدَافَعْتُمْ ﴿فِيهَا وَاَللَّه مُخْرِج﴾ مُظْهِر ﴿مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ مِنْ أَمْرهَا وَهَذَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَوَّل الْقِصَّة
٧ -
﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ﴾ أَيْ الْقَتِيل ﴿بِبَعْضِهَا﴾ فَضَرَبَ بِلِسَانِهَا أَوْ عَجَب ذَنَبهَا فَحَيِيَ وَقَالَ قَتَلَنِي فُلَان وَفُلَان لِابْنَيْ عَمّه وَمَاتَ فَحُرِمَا الْمِيرَاث وَقُتِلَا قال تعالى ﴿كَذَلِكَ﴾ الْإِحْيَاء ﴿يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاته﴾ دَلَائِل قُدْرَته ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تَتَدَبَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى إحْيَاء نَفْس وَاحِدَة قَادِر عَلَى إحْيَاء نُفُوس كَثِيرَة فَتُؤْمِنُونَ
15
٧ -
16
﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ﴾ أَيّهَا الْيَهُود صَلَبَتْ عَنْ قَبُول الْحَقّ ﴿مِنْ بَعْد ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور مِنْ إحْيَاء الْقَتِيل وَمَا قَبْله مِنْ الْآيَات ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ فِي الْقَسْوَة ﴿أَوْ أَشَدّ قَسْوَة﴾ مِنْهَا ﴿وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الشِّين ﴿فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط﴾ يَنْزِل مِنْ عُلْو إلَى أَسْفَل ﴿مِنْ خَشْيَة اللَّه﴾ وَقُلُوبكُمْ لَا تَتَأَثَّر وَلَا تَلِين وَلَا تَخْشَع ﴿وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وَإِنَّمَا يُؤَخِّركُمْ لِوَقْتِكُمْ وَفِي قِرَاءَة بالتحتانية وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب
٧ -
﴿أفتطمعون﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيق﴾ طَائِفَة ﴿مِنْهُمْ﴾ أَحْبَارهمْ ﴿يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ يُغَيِّرُونَهُ ﴿مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ﴾ فَهِمُوهُ ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُمْ مُفْتَرُونَ وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ أَيْ لَا تَطْمَعُوا فَلَهُمْ سَابِقَة بالكفر
٧ -
﴿وإذا لقوا﴾ أي منافقوا اليهود ﴿الذين آمنوا قالوا آمنا﴾ بأن محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيّ وَهُوَ الْمُبَشَّر بِهِ فِي كِتَابنَا ﴿وَإِذَا خَلَا﴾ رَجَعَ ﴿بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا﴾ أَيْ رُؤَسَاؤُهُمْ الَّذِينَ لَمْ يُنَافِقُوا لِمَنْ نَافَقَ ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ﴾ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ ﴿بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ عَرَّفَكُمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ﴾ لِيُخَاصِمُوكُمْ وَاللَّام لِلصَّيْرُورَةِ ﴿بِهِ عِنْد رَبّكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة وَيُقِيمُوا عَلَيْكُمْ الْحُجَّة فِي تَرْك اتِّبَاعه مَعَ عِلْمكُمْ بِصِدْقِهِ ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أَنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ إذَا حَدَّثْتُمُوهُمْ فَتَنْتَهُوا
٧ -
قَالَ تَعَالَى ﴿أَوَلَا ؟ يَعْلَمُونَ﴾ الِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْوَاو الدَّاخِلَة عَلَيْهَا لِلْعَطْفِ ﴿أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مَا يُخْفُونَ وَمَا يُظْهِرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْره فَيَرْعَوُوا عَنْ ذَلِكَ
٧ -
﴿وَمِنْهُمْ﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿أُمِّيُّونَ﴾ عَوَامّ ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿أَمَانِيّ﴾ أَكَاذِيب تَلَقَّوْهَا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ فَاعْتَمَدُوهَا ﴿وَإِنْ﴾ مَا ﴿هُمْ﴾ فِي جَحْد نُبُوَّة النَّبِيّ وَغَيْره مِمَّا يَخْتَلِقُونَهُ ﴿إلَّا يَظُنُّونَ﴾ ظَنًّا ؟ وَلَا عِلْم لَهُمْ
٧ -
﴿فَوَيْل﴾ شِدَّة عَذَاب ﴿لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ أَيْ مُخْتَلَقًا ؟ مِنْ عِنْدهمْ ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا ؟ قَلِيلًا ؟﴾ مِنْ الدُّنْيَا وَهُمْ الْيَهُود غَيَّرُوا صِفَة النَّبِيّ فِي التَّوْرَاة وَآيَة الرَّجْم وَغَيْرهمَا وَكَتَبُوهَا عَلَى خِلَاف مَا أُنْزِلَ ﴿فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ﴾ مِنْ الْمُخْتَلَق ﴿وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ مِنْ الرِّشَا جَمْع رِشْوَة
16
٨ -
17
﴿وَقَالُوا﴾ لَمَّا وَعَدَهُمْ النَّبِيّ النَّار ﴿لَنْ تَمَسّنَا﴾ تُصِيبنَا ﴿النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة﴾ قَلِيلَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ؟ مُدَّة عِبَادَة آبَائِهِمْ الْعِجْل ثُمَّ تَزُول ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿أتخذتم﴾ حذفت منه هَمْزَة الْوَصْل اسْتِغْنَاء بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام ﴿عِنْد اللَّه عَهْدًا ؟﴾ مِيثَاقًا ؟ مِنْهُ بِذَلِكَ ﴿فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عهده﴾ به أم لَا ﴿أَمْ﴾ بَلْ ﴿تقولون على الله ما لا تعلمون﴾
٨ -
﴿بَلَى﴾ تَمَسّكُمْ وَتُخَلَّدُونَ فِيهَا ﴿مَنْ كَسَب سَيِّئَة﴾ شِرْكًا ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته﴾ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع أَيْ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ وَأَحْدَقَتْ بِهِ مِنْ كُلّ جَانِب بِأَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فيها خالدون﴾ روعي فيه معنى من
٨ -
﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾
٨ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل﴾ فِي التَّوْرَاة وَقُلْنَا ﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿إلا الله﴾ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي وَقُرِئَ لَا تعبدوا ﴿وَ﴾ أَحْسِنُوا ﴿بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا﴾ بِرًّا ﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾ الْقَرَابَة عَطْف عَلَى الْوَالِدَيْنِ ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا لِلنَّاسِ﴾ قَوْلًا ﴿حُسْنًا﴾ مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَالصِّدْق فِي شَأْن مُحَمَّد وَالرِّفْق بِهِمْ وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُون السِّين مَصْدَر وُصِفَ بِهِ مُبَالَغَة ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة﴾ فَقَبِلْتُمْ ذَلِكَ ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أَعْرَضْتُمْ عَنْ الْوَفَاء بِهِ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغِيبَة وَالْمُرَاد آبَاؤُهُمْ ﴿إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عَنْهُ كآبائكم
٨ -
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ﴾ وَقُلْنَا ﴿لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ تُرِيقُونَهَا بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بَعْضًا ﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ﴾ لَا يُخْرِج بَعْضكُمْ بَعْضًا مِنْ دَاره ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ﴾ قَبِلْتُمْ ذَلِكَ الْمِيثَاق ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ عَلَى أَنْفُسكُمْ
17
٨ -
18
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ يَا ﴿هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ﴾ بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بَعْضًا ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الظَّاء وَفِي قِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفهَا تَتَعَاوَنُونَ ﴿عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ﴾ بِالْمَعْصِيَةِ ﴿وَالْعُدْوَان﴾ الظُّلْم ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أسارى﴾ وفي قراءة أسرى ﴿تفدوهم﴾ وفي قراءة ﴿تفادوهم﴾ تُنْقِذُوهُمْ مِنْ الْأَسْر بِالْمَالِ أَوْ غَيْره وَهُوَ مِمَّا عُهِدَ إلَيْهِمْ ﴿وَهُوَ﴾ أَيْ الشَّأْن ﴿مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ﴾ مُتَّصِل بِقَوْلِهِ وَتُخْرِجُونَ وَالْجُمْلَة بَيْنهمَا اعْتِرَاض أَيْ كَمَا حَرَّمَ تَرْك الْفِدَاء وَكَانَتْ قُرَيْظَة حَالَفُوا الْأَوْس وَالنَّضِير الْخَزْرَج فَكَانَ كُلّ فَرِيق يُقَاتِل مَعَ حُلَفَائِهِ وَيُخَرِّب دِيَارهمْ وَيُخْرِجهُمْ فَإِذَا أُسِرُوا فَدَوْهُمْ وَكَانُوا إذَا سُئِلُوا لَمْ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ قَالُوا أُمِرْنَا بِالْفِدَاءِ فَيُقَال فَلِمَ تقاتلونهم فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا قال تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب﴾ وَهُوَ الْفِدَاء ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ وَهُوَ تَرْك الْقَتْل وَالْإِخْرَاج وَالْمُظَاهَرَة ﴿فَمَا جَزَاء من يفعل ذلك منكم إلَّا خِزْي﴾ هَوَان وَذُلّ ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ وَقَدْ خُزُوا بِقَتْلِ قُرَيْظَة وَنَفْي النَّضِير إلَى الشَّام وَضَرْب الْجِزْيَة ﴿وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون﴾ بالباء والتاء
٨ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ بِأَنْ آثَرُوهَا عَلَيْهَا ﴿فَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يُمْنَعُونَ مِنْهُ
٨ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ﴾ أَيْ أَتْبَعْنَاهُمْ رَسُولًا فِي إثْر رسول ﴿وآتينا عيسى بن مَرْيَم الْبَيِّنَات﴾ الْمُعْجِزَات كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص ﴿وَأَيَّدْنَاهُ﴾ قَوَّيْنَاهُ ﴿بِرُوحِ الْقُدُس﴾ مِنْ إضَافَة الْمَوْصُوف إلَى الصِّفَة أَيْ الرُّوح الْمُقَدَّسَة جِبْرِيل لِطَهَارَتِهِ يَسِير مَعَهُ حَيْثُ سَارَ فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى﴾ تُحِبّ ﴿أَنْفُسكُمْ﴾ مِنْ الْحَقّ ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ تَكَبَّرْتُمْ عَنْ اتِّبَاعه جَوَاب كُلَّمَا وَهُوَ مَحَلّ الِاسْتِفْهَام وَالْمُرَاد بِهِ التَّوْبِيخ ﴿فَفَرِيقًا﴾ مِنْهُمْ ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ كَعِيسَى ﴿وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ الْمُضَارِع لِحِكَايَةِ الْحَال الْمَاضِيَة أَيْ قَتَلْتُمْ كَزَكَرِيَّا ويحيى
٨ -
﴿وَقَالُوا لِلنَّبِيِّ اسْتِهْزَاء {قُلُوبنَا غُلْف﴾ جَمْع أَغْلَف أَيْ مُغَشَّاة بِأَغْطِيَةٍ فَلَا تَعِي مَا تَقُول قال تعالى ﴿بَلْ﴾ لِلْإِضْرَابِ ﴿لَعَنَهُمْ اللَّه﴾ أَبْعَدهمْ مِنْ رَحْمَته وَخَذَلَهُمْ عَنْ الْقَبُول ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ وَلَيْسَ عَدَم قَبُولهمْ لِخَلَلٍ فِي قُلُوبهمْ ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ مَا زَائِدَة لِتَأْكِيدِ الْقِلَّة أَيْ إيمَانهمْ قَلِيل جِدًّا
18
٨ -
19
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ﴾ مِنْ التَّوْرَاة هُوَ الْقُرْآن ﴿وَكَانُوا من قبل﴾ قبل مجيئه ﴿يستفتحون﴾ يستنصرونه ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ اُنْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوث آخِر الزَّمَان ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ مِنْ الْحَقّ وَهُوَ بَعْثَة النَّبِيّ ﴿كَفَرُوا بِهِ﴾ حَسَدًا وَخَوْفًا عَلَى الرِّيَاسَة وَجَوَاب لَمَّا الْأُولَى دَلَّ عَلَيْهِ جَوَاب الثَّانِيَة ﴿فلعنة الله على الكافرين﴾
٩ -
﴿بئسما اشتروا﴾ باعوا ﴿به أنفسهم﴾ أي حظها من الثواب وما نكرة بمعنى شيئا تميزا لفاعل بئس والمخصوص بالذم ﴿أَنْ يَكْفُرُوا﴾ أَيْ كُفْرهمْ ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿بَغْيًا﴾ مَفْعُول لَهُ لِيَكْفُرُوا أَيْ حَسَدًا عَلَى ﴿أَنْ يُنَزِّل اللَّه﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿مِنْ فَضْله﴾ الْوَحْي ﴿عَلَى مَنْ يُشَاء﴾ لِلرِّسَالَةِ ﴿من عباده فبآؤا﴾ رَجَعُوا ﴿بِغَضَبٍ﴾ مِنْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ الله وَالتَّنْكِير لِلتَّعْظِيمِ ﴿عَلَى غَضَب﴾ اسْتَحَقُّوهُ مِنْ قَبْل بِتَضْيِيعِ التَّوْرَاة وَالْكُفْر بِعِيسَى ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين﴾ ذو إهانة
٩ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ الْقُرْآن وَغَيْره ﴿قَالُوا نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ أي التوراة قال تعالى ﴿وَيَكْفُرُونَ﴾ الْوَاو لِلْحَالِ ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ سِوَاهُ أَوْ بَعْده مِنْ الْقُرْآن ﴿وَهُوَ الْحَقّ﴾ حَال ﴿مُصَدِّقًا﴾ حَال ثَانِيَة مُؤَكِّدَة ﴿لِمَا مَعَهُمْ قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ أَيْ قَتَلْتُمْ ﴿أَنْبِيَاء اللَّه مِنْ قَبْل إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بِالتَّوْرَاةِ وَقَدْ نُهِيتُمْ فِيهَا عَنْ قَتْلهمْ وَالْخِطَاب لِلْمَوْجُودِينَ مِنْ زَمَن نَبِيّنَا بِمَا فَعَلَ آبَاؤُهُمْ لِرِضَاهُمْ بِهِ
٩ -
﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْمُعْجِزَاتِ كَالْعَصَا وَالْيَد وَفَلْق الْبَحْر ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْل﴾ إلَهًا ﴿مِنْ بَعْده﴾ مِنْ بَعْد ذَهَابه إلَى الْمِيقَات ﴿وَأَنْتُمْ ظالمون﴾ باتخاذه
19
٩ -
20
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ﴾ عَلَى الْعَمَل بِمَا فِي التَّوْرَاة ﴿و﴾ قَدْ ﴿رَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور﴾ الْجَبَل حِين امْتَنَعْتُمْ مِنْ قَبُولهَا لِيَسْقُط عَلَيْكُمْ وَقُلْنَا ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد ﴿وَاسْمَعُوا﴾ مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ سَمَاع قَبُول ﴿قَالُوا سَمِعْنَا﴾ قَوْلك ﴿وَعَصَيْنَا﴾ أَمْرك ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل﴾ أَيْ خَالَطَ حُبُّهُ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُخَالِط الشَّرَاب ﴿بِكُفْرِهِمْ قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿بِئْسَمَا﴾ شَيْئًا ﴿يَأْمُركُمْ بِهِ إيمَانكُمْ﴾ بِالتَّوْرَاةِ عِبَادَة الْعِجْل ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بِهَا كَمَا زَعَمْتُمْ الْمَعْنَى لَسْتُمْ بِمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الإيمان لم يَأْمُر بِعِبَادَةِ الْعِجْل وَالْمُرَاد آبَاؤُهُمْ أَيْ فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ بِمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْرَاةِ وَقَدْ كَذَّبْتُمْ مُحَمَّدًا وَالْإِيمَان بِهَا لَا يَأْمُر بِتَكْذِيبِهِ
٩ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿إنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّار الْآخِرَة﴾ أَيْ الْجَنَّة ﴿عِنْد اللَّه خَالِصَة﴾ خَاصَّة ﴿مِنْ دُون النَّاس﴾ كَمَا زَعَمْتُمْ ﴿فَتَمَنَّوْا الْمَوْت إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ تَعَلَّقَ بِتَمَنَّوْا الشَّرْطَانِ عَلَى أَنَّ الْأَوَّل قَيْد فِي الثَّانِي أَيْ إنْ صَدَقْتُمْ فِي زَعْمكُمْ أَنَّهَا لَكُمْ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ يُؤْثِرهَا وَالْمُوَصِّل إلَيْهَا الْمَوْت فتمنوه
٩ -
﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ﴾ مِنْ كُفْرهمْ بِالنَّبِيِّ الْمُسْتَلْزِم لِكَذِبِهِمْ ﴿وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ﴾ الكافرين فيجازيهم
٩ -
﴿وَلَتَجِدَنهُمْ﴾ لَام قَسَم ﴿أَحْرَص النَّاس عَلَى حَيَاة و﴾ أحرص ﴿من الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ عَلَيْهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَصِيرهمْ النَّار دُون الْمُشْرِكِينَ لِإِنْكَارِهِمْ لَهُ ﴿يَوَدّ﴾ يَتَمَنَّى ﴿أَحَدهمْ لَو يُعَمَّر أَلْف سَنَة﴾ لَوْ مَصْدَرِيَّة بِمَعْنَى أَنْ وَهِيَ بِصِلَتِهَا فِي تَأْوِيل مَصْدَر مَفْعُول يَوَدّ ﴿وَمَا هُوَ﴾ أَيْ أَحَدهمْ ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾ مُبْعِده ﴿مِنْ الْعَذَاب﴾ النَّار ﴿أَنْ يُعَمَّر﴾ فَاعِل مُزَحْزِحه أَيْ تَعْمِيره ﴿وَاَللَّه بَصِير بِمَا يعملون﴾ بالياء والتاء فيجازيهم وسأل بن صُورِيَّا النَّبِيّ أَوْ عُمَر عَمَّنْ يَأْتِي بِالْوَحْيِ مِنْ الْمَلَائِكَة فَقَالَ جِبْرِيل فَقَالَ هُوَ عَدُوّنَا يَأْتِي بِالْعَذَابِ وَلَوْ كَانَ مِيكَائِيل لَآمَنَّا لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْخِصْبِ وَالسِّلْم فَنَزَلَ
٩ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيل﴾ فَلْيَمُتْ غَيْظًا ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿عَلَى قَلْبك بِإِذْنِ﴾ بِأَمْرِ ﴿اللَّه مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ﴾ قَبْله مِنْ الْكُتُب ﴿وَهُدًى﴾ مِنْ الضَّلَالَة ﴿وَبُشْرَى﴾ بالجنة {للمؤمنين
20
٩ -
21
﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل﴾ بكسر الجيم وفتحها بلا همز وَبِهِ بِيَاءٍ وَدُونهَا ﴿وَمِيكَال﴾ عُطِفَ عَلَى الْمَلَائِكَة من الْخَاصّ عَلَى الْعَامّ وَفِي قِرَاءَة مِيكَائِيل بِهَمْزَةٍ وَيَاء وَفِي أُخْرَى بِلَا يَاء ﴿فَإِنَّ اللَّه عَدُوّ لِلْكَافِرِينَ﴾ أَوْقَعه مَوْقِع لَهُمْ بَيَانًا لِحَالِهِمْ
٩ -
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿آيَات بَيِّنَات﴾ أي واضحات حال ردا لقول بن صُورِيَّا لِلنَّبِيِّ مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ ﴿وَمَا يَكْفُر بها إلا الفاسقون﴾ كفروا بها
١٠ -
﴿أو كلما عَاهَدُوا﴾ اللَّه ﴿عَهْدًا﴾ عَلَى الْإِيمَان بِالنَّبِيِّ إنْ خَرَجَ أَوْ النَّبِيّ أَنْ لَا يُعَاوِنُوا عَلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ ﴿نَبَذَهُ﴾ طَرَحَهُ ﴿فَرِيق مِنْهُمْ﴾ بِنَقْضِهِ جَوَاب كُلَّمَا وَهُوَ مَحَلّ الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ ﴿بَلْ﴾ لِلِانْتِقَالِ ﴿أكثرهم لا يؤمنون﴾
١٠ -
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُول مِنْ عِنْد اللَّه﴾ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب كِتَاب اللَّه﴾ أَيْ التَّوْرَاة ﴿وَرَاء ظُهُورهمْ﴾ أَيْ لَمْ يعلموا بِمَا فِيهَا مِنْ الْإِيمَان بِالرَّسُولِ وَغَيْره ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ مَا فِيهَا مِنْ أَنَّهُ نَبِيّ حق أو أنها كتاب الله
21
١٠ -
22
﴿واتبعوا﴾ عطف على نبذ ﴿ما تتلوا﴾ أَيْ تَلَتْ ﴿الشَّيَاطِين عَلَى﴾ عَهْد ﴿مُلْك سُلَيْمَان﴾ مِنْ السِّحْر وَكَانَتْ دَفَنَتْهُ تَحْت كُرْسِيّه لَمَّا نُزِعَ مُلْكه أَوْ كَانَتْ تَسْتَرِق السَّمْع وَتَضُمّ إلَيْهِ أَكَاذِيب وَتُلْقِيه إلَى الْكَهَنَة فَيُدَوِّنُونَهُ وَفَشَا ذَلِكَ وَشَاعَ أَنَّ الْجِنّ تَعْلَم الْغَيْب فَجَمَعَ سُلَيْمَان الْكُتُب وَدَفَنَهَا فَلَمَا مَاتَ دَلَّتْ الشَّيَاطِين عَلَيْهَا النَّاس فَاسْتَخْرَجُوهَا فَوَجَدُوا فِيهَا السِّحْر فَقَالُوا إنَّمَا مَلَكَكُمْ بِهَذَا فَتَعْلَمُوهُ فَرَفَضُوا كُتُب أَنْبِيَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى تَبْرِئَة لِسُلَيْمَان وَرَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ اُنْظُرُوا إلَى مُحَمَّد يَذْكُر سُلَيْمَان فِي الْأَنْبِيَاء وَمَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان﴾ أَيْ لَمْ يَعْمَل السِّحْر لِأَنَّهُ كَفَرَ ﴿وَلَكِنَّ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف ﴿الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر﴾ الْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير كَفَرُوا ﴿و﴾ يُعَلِّمُونَهُم ﴿مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ أَيْ أُلْهِمَاهُ مِنْ السِّحْر وَقُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام الْكَائِنَيْنِ ﴿بِبَابِل﴾ بَلَد فِي سَوَاد الْعِرَاق ﴿هَارُوت وَمَارُوت﴾ بدل أو عطف بيان للملكين قال بن عَبَّاس هُمَا سَاحِرَانِ كَانَا يُعَلِّمَانِ السِّحْر وَقِيلَ مَلَكَانِ أُنْزِلَا لِتَعْلِيمِهِ ابْتِلَاء مِنْ اللَّه لِلنَّاسِ ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿أَحَد حَتَّى يَقُولَا﴾ لَهُ نُصْحًا ﴿إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة﴾ بَلِيَّة مِنْ اللَّه إلَى النَّاس لِيَمْتَحِنهُمْ بِتَعْلِيمِهِ فَمَنْ تَعَلَّمَهُ كَفَرَ وَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ مُؤْمِن ﴿فَلَا تَكْفُر﴾ بِتَعَلُّمِهِ فَإِنْ أَبَى إلَّا التَّعْلِيم عَلَّمَاهُ ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه﴾ بِأَنْ يُبَغِّض كُلًّا إلَى الْآخَر ﴿وَمَا هُمْ﴾ أَيْ السَّحَرَة ﴿بِضَارِّينَ بِهِ﴾ بِالسِّحْرِ ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿أَحَد إلَّا بِإِذْنِ اللَّه﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَلَا يَنْفَعهُمْ﴾ وَهُوَ السِّحْر ﴿وَلَقَدْ﴾ لَام قَسَم ﴿عَلِمُوا﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿لَمَنْ﴾ لَام ابْتِدَاء مُعَلَّقَة لِمَا قَبْلهَا وَمَنْ مَوْصُولَة ﴿اشْتَرَاهُ﴾ اخْتَارَهُ أَوْ اسْتَبْدَلَهُ بِكِتَابِ اللَّه ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق﴾ نَصِيب فِي الْجَنَّة ﴿وَلَبِئْسَ مَا﴾ شَيْئًا ﴿شَرَوْا﴾ بَاعُوا ﴿بِهِ أَنْفُسهمْ﴾ أَيْ الشَّارِينَ أَيْ حَظّهَا مِنْ الْآخِرَة إنْ تَعَلَّمُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَ لَهُمْ النَّار ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ حَقِيقَة مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب مَا تَعَلَّمُوهُ
١٠ -
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿آمَنُوا﴾ بِالنَّبِيِّ وَالْقُرْآن ﴿وَاتَّقَوْا﴾ عِقَاب اللَّه بِتَرْكِ مَعَاصِيه كَالسِّحْرِ وَجَوَاب لَوْ مَحْذُوف أَيْ لَأُثِيبُوا دَلَّ عَلَيْهِ ﴿لَمَثُوبَة﴾ ثَوَاب وَهُوَ مُبْتَدَأ وَاللَّام فِيهِ لِلْقَسَمِ ﴿مِنْ عِنْد اللَّه خَيْر﴾ خَبَره مِمَّا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ خَيْر لَمَا آثروه عليه
١٠ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا﴾ لِلنَّبِيِّ ﴿رَاعِنَا﴾ أَمْر مِنْ الْمُرَاعَاة وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ بِلُغَةِ الْيَهُود سَبّ مِنْ الرُّعُونَة فَسُرُّوا بِذَلِكَ وَخَاطَبُوا بِهَا النَّبِيّ فَنُهِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْهَا ﴿وَقُولُوا﴾ بَدَلهَا ﴿انْظُرْنَا﴾ أَيْ اُنْظُرْ إلَيْنَا ﴿وَاسْمَعُوا﴾ مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ سَمَاع قَبُول ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم هُوَ النَّار
١٠ -
﴿مَا يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ مِنْ الْعَرَب عُطِفَ عَلَى أَهْل الْكِتَاب وَمِنْ لِلْبَيَانِ ﴿أَنْ يُنَزَّل عَلَيْكُمْ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿خَيْر﴾ وَحْي ﴿مِنْ رَبّكُمْ﴾ حَسَدًا لَكُمْ ﴿وَاَللَّه يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ﴾ نُبُوَّته {من يشاء والله ذو الفضل العظيم
22
١٠ -
23
وَلَمَّا طَعَنَ الْكُفَّار فِي النَّسْخ وَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُر أَصْحَابه الْيَوْم بِأَمْرٍ وَيَنْهَى عَنْهُ غَدًا نَزَلَ ﴿مَا﴾ شَرْطِيَّة ﴿نَنْسَخ مِنْ آيَة﴾ أَيْ نَزَلَ حُكْمهَا إمَّا مَعَ لَفْظهَا أَوْ لَا وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ النُّون مِنْ أَنْسَخ أي نأمرك أو جبريل بنسخها ﴿أو ننسأها﴾ نُؤَخِّرهَا فَلَا نُنْزِل حُكْمهَا وَنَرْفَع تِلَاوَتهَا أَوْ نُؤَخِّرهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي قِرَاءَة بِلَا هَمْز مِنْ النِّسْيَان أَيْ نُنْسِكهَا أَيْ نَمْحُهَا مِنْ قَلْبك وَجَوَاب الشَّرْط ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ أَنْفَع لِلْعِبَادِ فِي السُّهُولَة أَوْ كَثْرَة الْأَجْر ﴿أَوْ مِثْلهَا﴾ فِي التَّكْلِيف وَالثَّوَاب ﴿أَلَمْ تَعْلَم إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ النَّسْخ وَالتَّبْدِيل وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ
١٠ -
﴿أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَفْعَل مَا يَشَاء ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿وَلِيّ﴾ يَحْفَظكُمْ ﴿وَلَا نَصِير﴾ يَمْنَع عَنْكُمْ عَذَابه إنْ أَتَاكُمْ وَنَزَلَ لَمَّا سَأَلَهُ أَهْل مَكَّة أَنْ يوسعها ويجعل الصفا ذهبا
١٠ -
﴿أم﴾ بل أ ﴿تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى﴾ أَيْ سَأَلَهُ قَوْمه ﴿مِنْ قَبْل﴾ مِنْ قَوْلهمْ أَرِنَا اللَّه جَهْرَة وَغَيْر ذَلِكَ ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّل الْكُفْر بِالْإِيمَانِ﴾ أَيْ يَأْخُذهُ بَدَله بِتَرْكِ النَّظَر فِي الْآيَات وَاقْتِرَاح غَيْرهَا ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل﴾ أَخْطَأَ الطَّرِيق الْحَقّ وَالسَّوَاء فِي الْأَصْل الوسط
١٠ -
﴿وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَوْ﴾ مَصْدَرِيَّة ﴿يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْد إيمَانكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا﴾ مَفْعُول لَهُ كَائِنًا ﴿مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ﴾ أَيْ حَمَلَتْهُمْ عَلَيْهِ أَنْفُسهمْ الْخَبِيثَة ﴿مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿الْحَقّ﴾ فِي شَأْن النَّبِيّ ﴿فَاعْفُوا﴾ عَنْهُمْ أَيْ اُتْرُكُوهُمْ ﴿وَاصْفَحُوا﴾ أَعْرِضُوا فَلَا تُجَازُوهُمْ ﴿حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ﴾ فِيهِمْ مِنْ الْقِتَال ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾
١١ -
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر﴾ طَاعَة كَصِلَةٍ وَصَدَقَة ﴿تَجِدُوهُ﴾ أَيْ ثَوَابه ﴿عِنْد اللَّه إنَّ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
١١ -
﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾ جَمْع هَائِد ﴿أَوْ نَصَارَى﴾ قَالَ ذَلِكَ يَهُود الْمَدِينَة وَنَصَارَى نَجْرَان لَمَّا تَنَاظَرُوا بَيْن يَدَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ قَالَ الْيَهُود لَنْ يَدْخُلهَا إلَّا الْيَهُود وَقَالَ النَّصَارَى لَنْ يَدْخُلهَا إلَّا النَّصَارَى ﴿تِلْكَ﴾ الْقَوْلَة ﴿أَمَانِيّهمْ﴾ شَهَوَاتهمْ الْبَاطِلَة ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿هَاتُوا بُرْهَانكُمْ﴾ حُجَّتكُمْ عَلَى ذَلِكَ ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِيهِ
23
١١ -
24
﴿بَلَى﴾ يَدْخُل الْجَنَّة غَيْرهمْ ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ﴾ أَيْ انْقَادَ لِأَمْرِهِ وَخَصَّ الْوَجْه لِأَنَّهُ أَشْرَف الْأَعْضَاء فَغَيْره أَوْلَى ﴿وَهُوَ مُحْسِن﴾ مُوَحِّد ﴿فَلَهُ أَجْره عِنْد رَبّه﴾ أَيْ ثَوَاب عَمَله الْجَنَّة ﴿وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فِي الْآخِرَة
١١ -
﴿وَقَالَتْ الْيَهُود لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْء﴾ مُعْتَدّ بِهِ وَكَفَرَتْ بِعِيسَى ﴿وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُود عَلَى شَيْء﴾ مُعْتَدّ بِهِ وَكَفَرَتْ بِمُوسَى ﴿وَهُمْ﴾ أَيْ الْفَرِيقَانِ ﴿يَتْلُونَ الْكِتَاب﴾ الْمُنَزَّل عَلَيْهِمْ وَفِي كِتَاب الْيَهُود تَصْدِيق عِيسَى وَفِي كِتَاب النَّصَارَى تَصْدِيق مُوسَى وَالْجُمْلَة حَال ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْعَرَب وَغَيْرهمْ ﴿مِثْل قَوْلهمْ﴾ بَيَان لِمَعْنَى ذَلِكَ أَيْ قَالُوا لِكُلِّ ذِي دِين لَيْسُوا عَلَى شَيْء ﴿فَاَللَّه يَحْكُم بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين فَيَدْخُل الْمُحِقّ الْجَنَّة وَالْمُبْطِل النَّار
١١ -
﴿وَمَنْ أَظْلَم﴾ أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم ﴿مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ يُذْكَر فِيهَا اسْمه﴾ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيح ﴿وَسَعَى فِي خَرَابهَا﴾ بِالْهَدْمِ أَوْ التَّعْطِيل نَزَلَتْ إخْبَارًا عَنْ الرُّوم الَّذِينَ خَرَّبُوا بَيْت الْمَقْدِس أَوْ فِي الْمُشْرِكِينَ لَمَّا صَدُّوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة عَنْ الْبَيْت ﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلَّا خَائِفِينَ﴾ خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ أَخِيفُوهُمْ بِالْجِهَادِ فَلَا يَدْخُلهَا أَحَد آمِنًا ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي﴾ هَوَان بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي وَالْجِزْيَة ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم﴾ هُوَ النَّار
١١ -
وَنَزَلَ لَمَّا طَعَنَ الْيَهُود فِي نَسْخ الْقِبْلَة أَوْ فِي صَلَاة النَّافِلَة عَلَى الرَّاحِلَة فِي السَّفَر حَيْثُمَا تَوَجَّهْت ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب﴾ أَيْ الْأَرْض كُلّهَا لِأَنَّهُمَا نَاحِيَتَاهَا ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾ وُجُوهكُمْ فِي الصَّلَاة بِأَمْرِهِ ﴿فَثَمَّ﴾ هُنَاكَ ﴿وَجْه اللَّه﴾ قِبْلَته الَّتِي رَضِيَهَا ﴿إنَّ اللَّه وَاسِع﴾ يَسَع فَضْله كُلّ شَيْء ﴿عَلِيم﴾ بِتَدْبِيرِ خَلْقه
24
١١ -
25
﴿وَقَالُوا﴾ بِوَاوٍ وَبِدُونِهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه ﴿اتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا﴾ قَالَ تَعَالَى ﴿سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْهُ ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا وَالْمِلْكِيَّة تُنَافِي الْوِلَادَة وَعَبَّرَ بِمَا تَغْلِيبًا لِمَا لَا يَعْقِل ﴿كُلّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ مُطِيعُونَ كُلّ بِمَا يُرَاد مِنْهُ وَفِيهِ تَغْلِيب الْعَاقِل
١١ -
﴿بَدِيع السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مُوجِدهمْ لَا عَلَى مِثَال سَبَقَ ﴿وَإِذَا قَضَى﴾ أَرَادَ ﴿أَمْرًا﴾ أَيْ إيجَاده ﴿فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾ أَيْ فَهُوَ يَكُون وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ
١١ -
﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة للنبي ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿يُكَلِّمنَا اللَّه﴾ بِأَنَّك رَسُوله ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَة﴾ مِمَّا اقْتَرَحْنَاهُ عَلَى صِدْقك ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ﴿قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ مِنْ كُفَّار الْأُمَم الْمَاضِيَة لِأَنْبِيَائِهِمْ ﴿مِثْل قَوْلهمْ﴾ مِنْ التَّعَنُّت وَطَلَب الْآيَات ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبهمْ﴾ فِي الْكُفْر وَالْعِنَاد فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا آيَات فَيُؤْمِنُونَ فَاقْتِرَاح آيَة مَعَهَا تعنت
١١ -
﴿إنَّا أَرْسَلْنَاك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْهُدَى ﴿بَشِيرًا﴾ مَنْ أَجَابَ إلَيْهِ بِالْجَنَّةِ ﴿وَنَذِيرًا﴾ مَنْ لَمْ يُجِبْ إلَيْهِ بِالنَّارِ ﴿وَلَا تُسْأَل عَنْ أَصْحَاب الْجَحِيم﴾ النَّار أَيْ الْكُفَّار مَا لَهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا إنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ وَفِي قِرَاءَة بِجَزْمِ تسأل نهيا
١٢ -
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِع مِلَّتهمْ﴾ دِينهمْ ﴿قُلْ إنَّ هُدَى اللَّه﴾ أَيْ الْإِسْلَام ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ وَمَا عَدَاهُ ضَلَال ﴿وَلَئِنْ﴾ لَام قَسَم ﴿اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ﴾ الَّتِي يَدْعُونَك إلَيْهَا فَرْضًا ﴿بَعْد الَّذِي جَاءَك مِنْ الْعِلْم﴾ الْوَحْي مِنْ اللَّه ﴿مَا لَك مِنْ اللَّه من ولي﴾ بحفظك ﴿ولا نصير﴾ يمنعك منه
١٢ -
﴿والذين آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب﴾ مُبْتَدَأ ﴿يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته﴾ أَيْ يقرؤونه كَمَا أُنْزِلَ وَالْجُمْلَة حَال وَحَقّ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر وَالْخَبَر ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ نَزَلَتْ فِي جَمَاعَة قَدِمُوا مِنْ الْحَبَشَة وَأَسْلَمُوا ﴿وَمَنْ يَكْفُر بِهِ﴾ أَيْ بِالْكِتَابِ الْمُؤْتَى بِأَنْ يُحَرِّفهُ ﴿فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ
١٢ -
﴿يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ تَقَدَّمَ مِثْله
١٢ -
﴿واتقوا﴾ خافوا ﴿يوما لا تجزي﴾ تُغْنِي ﴿نَفْس عَنْ نَفْس﴾ فِيهِ ﴿شَيْئًا وَلَا يقبل منها عدل﴾ فداء ﴿ولا ينفعها شَفَاعَة وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَاب الله
25
١٢ -
26
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ ابْتَلَى﴾ اخْتَبَرَ ﴿إبْرَاهِيمَ﴾ وَفِي قِرَاءَة إبْرَاهَام ﴿رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ بِأَوَامِر وَنَوَاهٍ كَلَّفَهُ بِهَا قِيلَ هِيَ مَنَاسِك الْحَجّ وَقِيلَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَالسِّوَاك وَقَصّ الشَّارِب وَفَرْق الشَّعْر وَقَلْم الإظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء ﴿فَأَتَمّهنَّ﴾ أَدَّاهُنَّ تَامَّات ﴿قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُ ﴿إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا﴾ قُدْوَة فِي الدِّين ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أَوْلَادِي اجْعَلْ أَئِمَّة ﴿قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي﴾ بِالْإِمَامَةِ ﴿الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَنَال غَيْر الظَّالِم
١٢ -
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت﴾ الْكَعْبَة ﴿مَثَابَة لِلنَّاسِ﴾ مَرْجِعًا يَثُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ جَانِب ﴿وَأَمْنًا﴾ مَأْمَنًا لَهُمْ مِنْ الظُّلْم وَالْإِغَارَات الْوَاقِعَة فِي غَيْره كَانَ الرَّجُل يَلْقَى قَاتِل أَبِيهِ فِيهِ فَلَا يهيجه ﴿واتخذوا﴾ أيها الناس ﴿مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم﴾ هُوَ الْحَجَر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ عِنْد بِنَاء الْبَيْت ﴿مُصَلًّى﴾ مَكَان صَلَاة بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف وفي قراءة بفتح الخاء خبر ﴿وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل﴾ أَمَرْنَاهُمَا ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿طَهِّرَا بَيْتِي﴾ مِنْ الْأَوْثَان ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ﴾ الْمُقِيمِينَ فِيهِ ﴿وَالرُّكَّع السُّجُود﴾ جَمْع رَاكِع وَسَاجِد المصلين
١٢ -
﴿وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا﴾ الْمَكَان ﴿بَلَدًا آمِنًا﴾ ذَا أَمْن وَقَدْ أَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ فَجَعَلَهُ حَرَمًا لَا يُسْفَك فِيهِ دَم إنْسَان وَلَا يُظْلَم فِيهِ أَحَد وَلَا يُصَاد صَيْده وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ ﴿وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات﴾ وَقَدْ فَعَلَ بِنَقْلِ الطَّائِف مِنْ الشَّام إلَيْهِ وَكَانَ أَقْفَر لَا زَرْع فِيهِ وَلَا مَاء ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ بَدَل مِنْ أَهْله وَخَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ مُوَافَقَة لِقَوْلِهِ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿قَالَ﴾ تَعَالَى ﴿وَ﴾ اُرْزُقْ ﴿مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف فِي الدُّنْيَا بِالرِّزْقِ ﴿قَلِيلًا﴾ مُدَّة حَيَاته ﴿ثُمَّ أَضْطَرّهُ﴾
أُلْجِئهُ فِي الْآخِرَة ﴿إلَى عَذَاب النَّار﴾ فَلَا يَجِد عَنْهَا مَحِيصًا ﴿وَبِئْسَ الْمَصِير﴾ الْمَرْجِع هي
١٢ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد﴾ الْأُسُس أَوْ الْجُدُر ﴿مِنْ الْبَيْت﴾ يَبْنِيه مُتَعَلِّق بِيَرْفَعُ ﴿وَإِسْمَاعِيل﴾ عُطِفَ عَلَى إبْرَاهِيم يَقُولَانِ ﴿رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ بِنَاءَنَا ﴿إنَّك أَنْت السَّمِيع﴾ لِلْقَوْلِ ﴿الْعَلِيم﴾ بالفعل
26
١٢ -
27
﴿ربنا واجعلنا مسلمين﴾ منقادين ﴿لك و﴾ اجعل ﴿من ذريتنا﴾ أَوْلَادنَا ﴿أُمَّة﴾ جَمَاعَة ﴿مُسْلِمَة لَك﴾ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَأَتَى بِهِ لِتَقَدُّمِ قَوْله لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿وَأَرِنَا﴾ عَلِّمْنَا ﴿مَنَاسِكنَا﴾ شَرَائِع عِبَادَتنَا أَوْ حَجّنَا ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّك أَنْت التَّوَّاب الرَّحِيم﴾ سَأَلَاهُ التَّوْبَة مَعَ عِصْمَتهمَا تَوَاضُعًا وَتَعْلِيمًا لِذُرِّيَّتِهِمَا
١٢ -
﴿رَبّنَا وَابَعْث فِيهِمْ﴾ أَيْ أَهْل الْبَيْت ﴿رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ مِنْ أَنْفُسهمْ وَقَدْ أَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتك﴾ الْقُرْآن ﴿وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحِكْمَة﴾ أَيْ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَام ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك ﴿إنَّك أَنْت الْعَزِيز﴾ الْغَالِب ﴿الْحَكِيم﴾ فِي صنعه
١٣ -
﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا ﴿يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم﴾ فَيَتْرُكهَا ﴿إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه﴾ جَهِلَ أَنَّهَا مَخْلُوقَة لِلَّهِ يَجِب عَلَيْهَا عِبَادَته أَوْ اسْتَخَفَّ بِهَا وَامْتَهَنَهَا ﴿وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ﴾ اخْتَرْنَاهُ ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بِالرِّسَالَةِ وَالْخَلَّة ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ﴾ الَّذِينَ لَهُمْ الدَّرَجَات الْعُلَى
١٣ -
وَاذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ﴾ انْقَدْ لِلَّهِ وَأَخْلِصْ لَهُ دِينك ﴿قال أسلمت لرب العالمين﴾
١٣ -
﴿وَوَصَّى﴾ وَفِي قِرَاءَة أَوْصَى ﴿بِهَا﴾ بِالْمِلَّةِ ﴿إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب﴾ بَنِيهِ قَالَ ﴿يَا بَنِيّ إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين﴾ دِين الْإِسْلَام ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ نَهَى عَنْ تَرْك الْإِسْلَام وَأَمَرَ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ إلَى مُصَادَفَة الْمَوْت
١٣ -
وَلَمَّا قَالَ الْيَهُود لِلنَّبِيِّ أَلَسْت تَعْلَم أَنَّ يَعْقُوب يَوْم مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ نَزَلَ ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء﴾ حُضُورًا ﴿إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إذْ﴾ بَدَل مِنْ إذْ قَبْله ﴿قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ بَعْد مَوْتِي ﴿قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق﴾ عَدّ إسْمَاعِيل مِنْ الْآبَاء تَغْلِيب وَلِأَنَّ الْعَمّ بِمَنْزِلَةِ الْأَب ﴿إلَهًا وَاحِدًا﴾ بَدَل مِنْ إلَهك ﴿ونحن له مسلمون﴾ وَأَمْ بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار أَيْ لَمْ تَحْضُرُوهُ وَقْت مَوْته فَكَيْفَ تَنْسُبُونَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيق بِهِ
27
١٣ -
28
﴿تِلْكَ﴾ مُبْتَدَأ وَالْإِشَارَة إلَى إبْرَاهِيم وَيَعْقُوب وَبَنِيهِمَا وَأَنَّثَ لِتَأْنِيثِ خَبَره ﴿أُمَّة قَدْ خَلَتْ﴾ سَلَفَتْ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ مِنْ الْعَمَل أَيْ جَزَاؤُهُ اسْتِئْنَاف ﴿وَلَكُمْ﴾ الْخِطَاب لِلْيَهُودِ ﴿مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ كَمَا لَا يُسْأَلُونَ عَنْ عَمَلكُمْ وَالْجُمْلَة تَأْكِيد لِمَا قَبْلهَا
١٣ -
﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ أَوْ لِلتَّفْصِيلِ وَقَائِل الْأَوَّل يَهُود الْمَدِينَة وَالثَّانِي نَصَارَى نَجْرَان ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿بَلْ﴾ نَتَّبِع ﴿مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا﴾ حَال مِنْ إبْرَاهِيم مَائِلًا عَنْ الْأَدْيَان كُلّهَا إلَى الدِّين الْقَيِّم ﴿وما كان من المشركين﴾
١٣ -
﴿قُولُوا﴾ خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم﴾ مِنْ الصُّحُف الْعَشْر ﴿وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط﴾ أولاده ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ مِنْ التَّوْرَاة ﴿وَعِيسَى﴾ مِنْ الْإِنْجِيل ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ﴾ مِنْ الْكُتُب وَالْآيَات ﴿لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ﴾ فَنُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿ونحن له مسلمون﴾
١٣ -
﴿فَإِنْ آمَنُوا﴾ أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿بِمِثْلِ﴾ مِثْل زَائِدَة ﴿مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ عَنْ الْإِيمَان بِهِ ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق﴾ خِلَاف مَعَكُمْ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه﴾ يَا مُحَمَّد شِقَاقهمْ ﴿وَهُوَ السَّمِيع﴾ لِأَقْوَالِهِمْ ﴿الْعَلِيم﴾ بِأَحْوَالِهِمْ وَقَدْ كَفَاهُ إيَّاهُمْ بِقَتْلِ قُرَيْظَة وَنَفْي النَّضِير وَضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِمْ
١٣ -
﴿صِبْغَة اللَّه﴾ مَصْدَر مُؤَكِّد لِآمَنَّا وَنَصْبُهُ بِفِعْلٍ مُقَدَّر أَيْ صَبَغَنَا اللَّه وَالْمُرَاد بِهَا دِينه الَّذِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهِ لِظُهُورِ أَثَره عَلَى صَاحِبه كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْب ﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة﴾ تَمْيِيز ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ قَالَ الْيَهُود لِلْمُسْلِمِينَ نَحْنُ أَهْل الْكِتَاب الْأَوَّل وَقِبْلَتنَا أَقْدَم وَلَمْ تَكُنْ الْأَنْبِيَاء مِنْ الْعَرَب وَلَوْ كَانَ مُحَمَّد نَبِيًّا لَكَانَ منا فنزل
١٣ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَتُحَاجُّونَنَا﴾ تُخَاصِمُونَنَا ﴿فِي اللَّه﴾ أَنْ اصْطَفَى نَبِيًّا مِنْ الْعَرَب ﴿وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ﴾ فَلَهُ أَنْ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاء ﴿وَلَنَا أَعْمَالنَا﴾ نُجَازِي بِهَا ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ﴾ تُجَازُونَ بِهَا فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون فِي أَعْمَالنَا مَا نَسْتَحِقّ بِهِ الْإِكْرَام ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ الدِّين وَالْعَمَل دُونكُمْ فَنَحْنُ أَوْلَى بِالِاصْطِفَاءِ وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ وَالْجُمَل الثلاث أحوال
28
١٤ -
29
﴿أم﴾ بل أ ﴿تَقُولُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿إنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَم أَمْ اللَّه﴾ أَيْ اللَّه أَعْلَم وَقَدْ بَرَأَ مِنْهُمَا إبْرَاهِيم بِقَوْلِهِ ﴿مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ وَالْمَذْكُورُونَ مَعَهُ تَبَع لَهُ ﴿وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ﴾ أَخْفَى عَنْ النَّاس ﴿شَهَادَة عِنْده﴾ كَائِنَة ﴿مِنْ اللَّه﴾ أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم مِنْهُ وَهُمْ الْيَهُود كَتَمُوا شَهَادَة اللَّه فِي التَّوْرَاة لِإِبْرَاهِيم بِالْحَنِيفِيَّةِ ﴿وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ تَهْدِيد لَهُمْ
١٤ -
﴿تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يعملون﴾ تقدم مثله
١٤ -
﴿سيقول السفهاء﴾ الجهال ﴿مِنْ النَّاس﴾ الْيَهُود وَالْمُشْرِكِينَ ﴿مَا وَلَّاهُمْ﴾ أَيّ شَيْء صَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ عَلَى استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس وَالْإِتْيَان بِالسِّينِ الدَّالَّة عَلَى الِاسْتِقْبَال مِنْ الْإِخْبَار بالغيب ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب﴾ أَيْ الْجِهَات كُلّهَا فَيَأْمُر بِالتَّوَجُّهِ إلَى أَيّ جِهَة شَاءَ لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاء﴾ هِدَايَته ﴿إلَى صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيم﴾ دِين الْإِسْلَام أَيْ وَمِنْهُمْ أَنْتُمْ دَلَّ عَلَى هَذَا
29
١٤ -
30
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا هَدَيْنَاكُمْ إلَيْهِ ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾ يَا أُمَّة مُحَمَّد ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ خِيَارًا عُدُولًا ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس﴾ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّ رُسُلهمْ بَلَّغَتْهُمْ ﴿وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ أَنَّهُ بَلَّغَكُمْ ﴿وَمَا جَعَلْنَا﴾ صَيَّرْنَا ﴿الْقِبْلَة﴾ لَك الْآن الْجِهَة ﴿الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا﴾ أَوَّلًا وَهِيَ الْكَعْبَة وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَيْهَا فَلَمَّا هَاجَرَ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْت الْمَقْدِس تَأَلُّفًا لِلْيَهُودِ فَصَلَّى إلَيْهِ سِتَّة أَوْ سَبْعَة عَشْر شَهْرًا ثُمَّ حُوِّلَ ﴿إلَّا لِنَعْلَم﴾ عِلْم ظُهُور ﴿مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول﴾ فَيُصَدِّقهُ ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ أَيْ يَرْجِع إلَى الْكُفْر شَكًّا فِي الدِّين وَظَنًّا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِيرَة مِنْ أَمْره وَقَدْ ارْتَدَّ لِذَلِك جَمَاعَة ﴿وَإِنْ﴾ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ وَإِنَّهَا ﴿كَانَتْ﴾ أَيْ التَّوْلِيَة إلَيْهَا ﴿لَكَبِيرَة﴾ شَاقَّة عَلَى النَّاس ﴿إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه﴾ مِنْهُمْ ﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إيمَانكُمْ﴾ أَيْ صَلَاتكُمْ إلَى بَيْت الْمَقْدِس بَلْ يُثِيبكُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَب نُزُولهَا السُّؤَال عَمَّنْ مَاتَ قَبْل التحويل ﴿إن الله بالناس﴾ المؤمنين ﴿لرؤوف رَحِيم﴾ فِي عَدَم إضَاعَة أَعْمَالهمْ وَالرَّأْفَة شِدَّة الرَّحْمَة وَقَدَّمَ الْأَبْلَغ لِلْفَاصِلَةِ
١٤ -
﴿قَدْ﴾ لِلتَّحْقِيقِ ﴿نَرَى تَقَلُّب﴾ تَصَرُّف ﴿وَجْهك فِي﴾ جِهَة ﴿السَّمَاء﴾ مُتَطَلِّعًا إلَى الْوَحْي وَمُتَشَوِّقًا لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَة وَكَانَ يَوَدّ ذَلِكَ لِأَنَّهَا قِبْلَة إبْرَاهِيم وَلِأَنَّهُ أَدْعَى إلَى إسْلَام الْعَرَب ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ نُحَوِّلَنَّك ﴿قِبْلَة تَرْضَاهَا﴾ تُحِبّهَا ﴿فَوَلِّ وَجْهك﴾ اسْتَقْبِلْ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْر﴾ نَحْو ﴿الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ أَيْ الْكَعْبَة ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ خِطَاب لِلْأُمَّةِ ﴿فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿شَطْره وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ أَيْ التَّوَلِّي إلَى الْكَعْبَة ﴿الْحَقّ﴾ الثَّابِت ﴿مِنْ رَبّهمْ﴾ لِمَا فِي كُتُبهمْ مِنْ نَعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّل إلَيْهَا ﴿وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عما تعملون﴾ بِالتَّاءِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ امْتِثَال أَمْره وَبِالْيَاءِ أَيْ الْيَهُود مِنْ إنْكَار أَمْر الْقِبْلَة
١٤ -
﴿وَلَئِنْ﴾ لَام الْقَسَم ﴿أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب بِكُلِّ آيَة﴾ عَلَى صِدْقك فِي أَمْر الْقِبْلَة ﴿مَا تَبِعُوا﴾ أَيْ لَا يَتْبَعُونَ ﴿قِبْلَتك﴾ عِنَادًا ﴿وَمَا أَنْت بِتَابِعٍ قِبْلَتهمْ﴾ قَطْع لِطَمَعِهِ فِي إسْلَامهمْ وَطَمَعهمْ فِي عَوْده إلَيْهَا ﴿وَمَا بَعْضهمْ بِتَابِعٍ قِبْلَة بَعْض﴾ أَيْ الْيَهُود قِبْلَة النَّصَارَى وَبِالْعَكْسِ ﴿وَلَئِنْ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ﴾ الَّتِي يَدْعُونَك إلَيْهَا ﴿مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم﴾ الْوَحْي ﴿إنَّك إذًا﴾ إنْ اتَّبَعْتهمْ فَرْضًا ﴿لمن الظالمين﴾
١٤ -
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ﴾ أَيْ مُحَمَّدًا ﴿كَمَا يعرفون أبناءهم﴾ بنعته في كتبهم قال بن سَلَام لَقَدْ عَرَفْته حِين رَأَيْته كَمَا أَعْرِف ابني ومعرفتي لمحمد أَشَدّ ﴿وَإْنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ﴾ نَعْته ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ هَذَا الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ
١٤ -
﴿الْحَقّ﴾ كَائِنًا ﴿مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ الشَّاكِّينَ فِيهِ أَيْ مِنْ هَذَا النَّوْع فَهُوَ أَبْلَغ مِنْ أَنْ لَا تَمْتَرِ
١٤ -
﴿وَلِكُلٍّ﴾ مِنْ الْأُمَم ﴿وِجْهَة﴾ قِبْلَة ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ وِجْهَة فِي صَلَاته وَفِي قِرَاءَة مَوْلَاهَا ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات﴾ بَادِرُوا إلَى الطَّاعَات وَقَبُولهَا ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا﴾ يَجْمَعكُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ {إن الله على كل شيء قدير
30
١٤ -
31
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت﴾ لِسَفَرٍ ﴿فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّهُ لَلْحَقّ مِنْ رَبّك وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَقَدَّمَ مِثْله وَكَرَّرَهُ لِبَيَانِ تَسَاوِي حُكْم السَّفَر وَغَيْره
١٥ -
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الحرام وحيثما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ شَطْره﴾ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ ﴿لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ﴾ الْيَهُود أَوْ الْمُشْرِكِينَ ﴿عَلَيْكُمْ حُجَّة﴾ أَيْ مُجَادَلَة فِي التَّوَلِّي إلَى غَيْره لِتَنْتِفِي مُجَادَلَتهمْ لَكُمْ مِنْ قَوْل الْيَهُود يَجْحَد دِيننَا وَيَتْبَع قِبْلَتنَا وَقَوْل الْمُشْرِكِينَ يَدَّعِي مِلَّة إبْرَاهِيم وَيُخَالِف قِبْلَته ﴿إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ بِالْعِنَادِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهَا إلَّا مَيْلًا إلَى دِين آبَائِهِ وَالِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل وَالْمَعْنَى لَا يَكُون لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ كَلَام إلَّا كَلَام هَؤُلَاءِ ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾ تَخَافُوا جِدَالهمْ فِي التَّوَلِّي إلَيْهَا ﴿وَاخْشَوْنِي﴾ بِامْتِثَالِ أَمْرِي ﴿وَلِأُتِمّ﴾ عُطِفَ عَلَى لِئَلَّا يَكُون ﴿نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ بِالْهِدَايَةِ إلَى مَعَالِم دِينكُمْ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلَى الْحَقّ
١٥ -
﴿كما أرسلنا﴾ متعلق بأتم أي إتمام كَإِتْمَامِهَا بِإِرْسَالِنَا ﴿فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتنَا﴾ الْقُرْآن ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ يُطَهِّركُمْ مِنْ الشِّرْك ﴿وَيُعَلِّمكُمْ الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحِكْمَة﴾ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَام ﴿ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون﴾
١٥ -
﴿فَاذْكُرُونِي﴾ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيح وَنَحْوه ﴿أَذْكُركُمْ﴾ قِيلَ مَعْنَاهُ أُجَازِيكُمْ وَفِي الْحَدِيث عَنْ اللَّه مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْته فِي مَلَأ خَيْر مِنْ مَلَئِهِ ﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ نِعْمَتِي بِالطَّاعَةِ ﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ بالمعصية
١٥ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا﴾ عَلَى الْآخِرَة ﴿بِالصَّبْرِ﴾ عَلَى الطَّاعَة وَالْبَلَاء ﴿وَالصَّلَاة﴾ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِتَكَرُّرِهَا وَعِظَمهَا ﴿إنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بِالْعَوْنِ
١٥ -
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه﴾ هُمْ ﴿أَمْوَات بَلْ﴾ هُمْ ﴿أَحْيَاء﴾ أَرْوَاحهمْ فِي حَوَاصِل طُيُور خُضْر تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ ﴿وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ تَعْلَمُونَ ما فيه
31
١٥ -
32
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْف﴾ لِلْعَدُوِّ ﴿وَالْجُوع﴾ الْقَحْط ﴿وَنَقْص مِنْ الْأَمْوَال﴾ بِالْهَلَاكِ ﴿وَالْأَنْفُس﴾ بِالْقَتْلِ وَالْمَوْت وَالْأَمْرَاض ﴿وَالثَّمَرَات﴾ بِالْحَوَائِجِ أَيْ لَنَخْتَبِرَنَّكُم فَنَنْظُر أَتَصْبِرُونَ أَمْ لَا ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ﴾ عَلَى الْبَلَاء بِالْجَنَّةِ
١٥ -
هُمُ ﴿الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة﴾ بَلَاء ﴿قَالُوا إنَّا لِلَّهِ﴾ مَلِكًا وَعَبِيدًا يَفْعَل بِنَا مَا يَشَاء ﴿وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ فِي الْآخِرَة فَيُجَازِينَا وَفِي الْحَدِيث مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْد الْمُصِيبَة أَجَرَهُ اللَّه فِيهَا وَأَخْلَفَ اللَّه عَلَيْهِ خَيْرًا وَفِيهِ أَنَّ مِصْبَاح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُفِئَ فَاسْتَرْجَعَ فَقَالَتْ عَائِشَة إنَّمَا هَذَا مِصْبَاح فَقَالَ كُلّ مَا أَسَاءَ الْمُؤْمِن فَهُوَ مُصِيبَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيله
١٥ -
﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات﴾ مَغْفِرَة ﴿مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة﴾ نعمة ﴿واؤلئك هُمْ الْمُهْتَدُونَ﴾ إلَى الصَّوَاب
١٥ -
﴿إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة﴾ جَبَلَانِ بِمَكَّة ﴿مِنْ شَعَائِر اللَّه﴾ أَعْلَام دِينه جَمْع شَعِيرَة ﴿فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ﴾ أَيْ تَلَبَّسَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة وَأَصْلهمَا الْقَصْد وَالزِّيَارَة ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ﴾ إثْم عَلَيْهِ ﴿أَنْ يَطَّوَّف﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الطَّاء ﴿بِهِمَا﴾ بِأَنْ يَسْعَى بَيْنهمَا سَبْعًا نَزَلَتْ لَمَّا كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا وَعَلَيْهِمَا صنمان يمسحونهما وعن بن عَبَّاس أَنَّ السَّعْي غَيْر فَرْض لِمَا أَفَادَهُ رَفْع الْإِثْم مِنْ التَّخْيِير وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَغَيْره رُكْن وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيضَته بِقَوْلِهِ إنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْي رَوَاهُ البيهقي وغيره وقال ابدأوا بِمَا بَدَأَ اللَّه بِهِ يَعْنِي الصَّفَا رَوَاهُ مُسْلِم ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالتَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيد الطَّاء مَجْزُومًا وَفِيهِ إدْغَام التَّاء فِيهَا ﴿خَيْرًا﴾ أَيْ بِخَيْرٍ أَيْ عَمِلَ مَا لَمْ يَجِب عَلَيْهِ مِنْ طَوَاف وَغَيْره ﴿فَإِنَّ اللَّه شَاكِر﴾ لِعَمَلِهِ بِالْإِثَابَةِ عَلَيْهِ ﴿عَلِيم﴾ بِهِ
١٥ -
وَنَزَلَ فِي الْيَهُود ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ النَّاس ﴿مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى﴾ كَآيَةِ الرَّجْم وَنَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه﴾ يُبْعِدهُمْ مِنْ رَحْمَته ﴿وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ﴾ الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ أَوْ كُلّ شَيْء بِالدُّعَاءِ عليهم باللعنة
١٦ -
﴿إلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ عَمَلهمْ ﴿وَبَيَّنُوا﴾ مَا كَتَمُوا ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوب عَلَيْهِمْ﴾ أَقْبَل تَوْبَتهمْ ﴿وَأَنَا التَّوَّاب الرَّحِيم﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
32
١٦ -
33
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار﴾ حَال ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ أَيْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالنَّاس قِيلَ عَامّ وَقِيلَ الْمُؤْمِنُونَ
١٦ -
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ اللَّعْنَة وَالنَّار الْمَدْلُول بِهَا عَلَيْهَا ﴿لَا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب﴾ طَرْفَة عَيْن ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ لِمَعْذِرَةٍ
١٦ -
وَنَزَلَ لَمَّا قَالُوا صِفْ لَنَا رَبّك ﴿وَإِلَهكُمْ﴾ الْمُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ مِنْكُمْ ﴿إلَه وَاحِد﴾ لَا نَظِير له لا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته ﴿لَا إلَه إلَّا هُوَ﴾ هُوَ ﴿الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ وَطَلَبُوا آيَة على ذلك فنزلت
١٦ -
﴿إن في خلق السماوات والأرض﴾ وما فيهما مِنْ الْعَجَائِب ﴿وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيء وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان ﴿وَالْفُلْك﴾ السُّفُن ﴿الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر﴾ وَلَا تَرْسُب مُوقَرَة ﴿بِمَا يَنْفَع النَّاس﴾ مِنْ التِّجَارَات وَالْحَمْل ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء﴾ مَطَر ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض﴾ بِالنَّبَاتِ ﴿بَعْد مَوْتهَا﴾ يُبْسهَا ﴿وَبَثَّ﴾ فَرَّقَ وَنَشَرَ بِهِ ﴿فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة﴾ لِأَنَّهُمْ يَنْمُونَ بِالْخِصْبِ الْكَائِن عَنْهُ ﴿وَتَصْرِيف الرِّيَاح﴾ تَقْلِيبهَا جُنُوبًا وَشِمَالًا حَارَّة وَبَارِدَة ﴿وَالسَّحَاب﴾ الْغَيْم ﴿الْمُسَخَّر﴾ الْمُذَلَّل بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى يَسِير إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّه ﴿بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ بِلَا عَلَاقَة ﴿لَآيَات﴾ دَالَّات عَلَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يَتَدَبَّرُونَ
١٦ -
﴿وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿أَنْدَادًا﴾ أَصْنَامًا ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ بِالتَّعْظِيمِ وَالْخُضُوع ﴿كَحُبِّ اللَّه﴾ أَيْ كَحُبِّهِمْ لَهُ ﴿وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ مِنْ حُبّهمْ لِلْأَنْدَادِ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنْهُ بِحَالٍ مَا وَالْكُفَّار يَعْدِلُونَ فِي الشِّدَّة إلَى اللَّه ﴿وَلَوْ يَرَى﴾ تُبْصِر يَا مُحَمَّد ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بِاِتِّخَاذِ الْأَنْدَاد ﴿إذْ يَرَوْنَ﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُول يُبْصِرُونَ ﴿الْعَذَاب﴾
لَرَأَيْت أَمْرًا عَظِيمًا وَإِذْ بِمَعْنَى إذَا ﴿أَنَّ﴾ أَيْ لِأَنَّ ﴿الْقُوَّة﴾ الْقُدْرَة وَالْغَلَبَة ﴿لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ حَال ﴿وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب﴾ وَفِي قِرَاءَة تَرَى وَالْفَاعِل ضَمِير السَّامِع وَقِيلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَهِيَ بِمَعْنَى يَعْلَم وَأَنَّ وَمَا بَعْدهَا سَدَّتْ مَسَدّ الْمَفْعُولَيْنِ وَجَوَاب لَوْ مَحْذُوف وَالْمَعْنَى لَوْ عَلِمُوا فِي الدُّنْيَا شِدَّة عَذَاب اللَّه وَأَنَّ الْقُدْرَة لِلَّهِ وَحْده وَقْت مُعَايَنَتهمْ لَهُ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة لَمَّا اتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَنْدَادًا
33
١٦ -
34
﴿إذْ﴾ بَدَل مِنْ إذْ قَبْله ﴿تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا﴾ أَيْ الرُّؤَسَاء ﴿مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ أَيْ أَنْكَرُوا إضْلَالهمْ ﴿وَ﴾ قَدْ ﴿رَأَوْا الْعَذَاب وَتَقَطَّعَتْ﴾ عُطِفَ عَلَى تَبَرَّأَ ﴿بِهِمْ﴾ عَنْهُمْ ﴿الْأَسْبَاب﴾ الْوَصْل الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَرْحَام والمودة
١٦ -
﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة﴾ رجعة إلى الدنيا ﴿فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ﴾ أَيْ الْمَتْبُوعِينَ ﴿كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ اليوم ولو للتمني ونتبرأ جوابه ﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ كَمَا أَرَاهُمْ شِدَّة عَذَابه وَتَبَرَّأَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ﴿يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ﴾ السَّيِّئَة ﴿حَسَرَات﴾ حَال نَدَامَات ﴿عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّار﴾ بَعْد دُخُولهَا
١٦ -
ونزل فيمن حرم السوائب ونحوها ﴿يأيها النَّاس كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْض حَلَالًا﴾ حَال ﴿طَيِّبًا﴾ صِفَة مُؤَكِّدَة أَيْ مُسْتَلَذًّا ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات﴾ طُرُق ﴿الشَّيْطَان﴾ أَيْ تَزْيِينه ﴿إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين﴾ بَيِّن الْعَدَاوَة
١٦ -
﴿إنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالسُّوءِ﴾ الْإِثْم ﴿وَالْفَحْشَاء﴾ الْقَبِيح شَرْعًا ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ مِنْ تَحْرِيم مَا لَمْ يُحَرِّم وَغَيْره
١٧ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ مِنْ التَّوْحِيد وَتَحْلِيل الطَّيِّبَات ﴿قَالُوا﴾ لَا ﴿بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا﴾ وَجَدْنَا ﴿عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام وَتَحْرِيم السَّوَائِب وَالْبَحَائِر قال تعالى ﴿أ﴾ يتبعونهم ﴿ولو كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا﴾ مِنْ أَمْر الدين ﴿ولا يهتدون﴾ إلى الحق والهمزة للإنكار
١٧ -
﴿وَمَثَل﴾ صِفَة ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وَمَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْهُدَى ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ يُصَوِّت ﴿بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء﴾ أَيْ صَوْتًا وَلَا يَفْهَم مَعْنَاهُ أَيْ فِي سَمَاع الْمَوْعِظَة وَعَدَم تَدَبُّرهَا كَالْبَهَائِمِ تَسْمَع صَوْت رَاعِيهَا وَلَا تَفْهَمهُ هُمْ ﴿صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ الموعظة
١٧ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات﴾ حَلَالَات ﴿مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ عَلَى مَا أَحَلَّ لَكُمْ {إن كنتم إياه تعبدون
34
١٧ -
35
﴿إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة﴾ أَيْ أَكْلهَا إذْ الْكَلَام فِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدهَا وَهِيَ مَا لم يذك شرعا وألحق به بِالسُّنَّةِ مَا أُبِينَ مِنْ حَيّ وَخَصَّ مِنْهَا السَّمَك وَالْجَرَاد ﴿وَالدَّم﴾ أَيْ الْمَسْفُوح كَمَا فِي الْأَنْعَام ﴿وَلَحْم الْخِنْزِير﴾ خَصَّ اللَّحْم لِأَنَّهُ مُعْظَم الْمَقْصُود وَغَيْره تَبَع لَهُ ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه﴾ أَيْ ذُبِحَ عَلَى اسْم غَيْره وَالْإِهْلَال رَفْع الصَّوْت وَكَانُوا يَرْفَعُونَهُ عِنْد الذَّبْح لِآلِهَتِهِمْ ﴿فَمَنْ اُضْطُرَّ﴾ أَيْ أَلْجَأَتْهُ الضَّرُورَة إلَى أَكْل شَيْء مِمَّا ذُكِرَ فَأَكَلَهُ ﴿غَيْر بَاغٍ﴾ خَارِج عَلَى الْمُسْلِمِينَ ﴿وَلَا عَادٍ﴾ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِمْ بِقَطْعِ الطَّرِيق ﴿فَلَا إثْم عَلَيْهِ﴾ فِي أَكْله ﴿إنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِأَوْلِيَائِهِ ﴿رَحِيم﴾ بِأَهْلِ طَاعَته حَيْثُ وَسَّعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَخَرَجَ الْبَاغِي وَالْعَادِي وَيَلْحَق بِهِمَا كُلّ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَالْمَكَّاس فَلَا يَحِلّ لَهُمْ أَكْل شَيْء مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتُوبُوا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ
١٧ -
﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب﴾ الْمُشْتَمِل عَلَى نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ الْيَهُود ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ مِنْ الدُّنْيَا يَأْخُذُونَهُ بَدَله مِنْ سَفَلَتهمْ فَلَا يُظْهِرُونَهُ خَوْف فَوْته عَلَيْهِمْ ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ إلَّا النَّار﴾ لِأَنَّهَا مَآلهمْ ﴿وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة﴾ غَضَبًا عَلَيْهِمْ ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ يُطَهِّرهُمْ مِنْ دَنَس الذُّنُوب ﴿وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم هُوَ النَّار
١٧ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى﴾ أَخَذُوهَا بَدَله فِي الدُّنْيَا ﴿وَالْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ﴾ الْمُعَدَّة لَهُمْ فِي الْآخِرَة لَوْ لَمْ يَكْتُمُوا ﴿فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار﴾ أَيْ مَا أَشَدّ صَبْرهمْ وَهُوَ تَعَجُّب لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ ارْتِكَابهمْ مُوجِبَاتهَا مِنْ غَيْر مُبَالَاة وَإِلَّا فَأَيّ صَبْر لَهُمْ
١٧ -
﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَكْلهمْ النَّار وَمَا بَعْده ﴿بِأَنَّ﴾ بِسَبَبِ أَنَّ ﴿اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ﴾ مُتَعَلِّق بِنَزَّلَ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَيْثُ آمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ بِكَتْمِهِ ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَاب﴾ بِذَلِكَ وَهُمْ الْيَهُود وَقِيلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْقُرْآن حَيْثُ قَالَ بَعْضهمْ شِعْر وَبَعْضهمْ سِحْر وَبَعْضهمْ كَهَانَة ﴿لَفِي شِقَاق﴾ خِلَاف ﴿بَعِيد﴾ عن الحق
35
١٧ -
36
﴿لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب﴾ نَزَلَ رَدًّا عَلَى الْيَهُود والنصارى حين زَعَمُوا ذَلِكَ ﴿وَلَكِنَّ الْبِرّ﴾ أَيْ ذَا الْبِرّ وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْبَاء أَيْ الْبَارّ ﴿مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَاب﴾ أَيْ الْكُتُب ﴿وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَال عَلَى﴾ مَعَ ﴿حُبّه﴾ لَهُ ﴿ذوي القربى﴾
القرابة ﴿واليتامى والمساكين وبن السَّبِيل﴾ الْمُسَافِر ﴿وَالسَّائِلِينَ﴾ الطَّالِبِينَ ﴿وَفِي﴾ فَكّ ﴿الرِّقَاب﴾ الْمُكَاتَبِينَ وَالْأَسْرَى ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة﴾ الْمَفْرُوضَة وَمَا قَبْله فِي التَّطَوُّع ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا﴾ اللَّه أَوْ النَّاس ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ نُصِبَ عَلَى الْمَدْح ﴿فِي الْبَأْسَاء﴾ شِدَّة الْفَقْر ﴿وَالضَّرَّاء﴾ الْمَرَض ﴿وَحِين الْبَأْس﴾ وَقْت شِدَّة الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّه ﴿أُولَئِكَ﴾ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ ﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ فِي إيمَانهمْ أَوْ ادِّعَاء الْبِرّ ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ المتقون﴾ الله
١٧ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ﴾ فُرِضَ ﴿عَلَيْكُمْ الْقِصَاص﴾ الْمُمَاثَلَة ﴿فِي الْقَتْلَى﴾ وَصْفًا وَفِعْلًا ﴿الْحُرّ﴾ يُقْتَل ﴿بِالْحُرِّ﴾ وَلَا يُقْتَل بِالْعَبْدِ ﴿وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ الذَّكَر يُقْتَل بِهَا وَأَنَّهُ تُعْتَبَر الْمُمَاثَلَة فِي الدِّين فَلَا يُقْتَل مُسْلِم وَلَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ وَلَوْ حُرًّا ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ مِنْ الْقَاتِلِينَ ﴿مِنْ﴾ دَم ﴿أَخِيهِ﴾ الْمَقْتُول ﴿شَيْء﴾ بِأَنْ تَرَكَ الْقِصَاص مِنْهُ وَتَنْكِير شَيْء يُفِيد سُقُوط الْقِصَاص بِالْعَفْوِ عَنْ بَعْضه وَمِنْ بَعْض الْوَرَثَة وَفِي ذِكْر أَخِيهِ تَعَطُّف دَاعٍ إلَى الْعَفْو وَإِيذَان بِأَنَّ الْقَتْل لَا يَقْطَع أُخُوَّة الْإِيمَان وَمَنْ مُبْتَدَأ شَرْطِيَّة أَوْ مَوْصُولَة وَالْخَبَر ﴿فَاتِّبَاع﴾ أَيْ فِعْل الْعَافِي اتِّبَاع لِلْقَاتِلِ ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِأَنْ يُطَالِبهُ بِالدِّيَةِ بِلَا عُنْف وَتَرْتِيب الِاتِّبَاع عَلَى الْعَفْو يُفِيد أَنَّ الْوَاجِب أَحَدهمَا وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَالثَّانِي الْوَاجِب الْقِصَاص وَالدِّيَة بَدَل عَنْهُ فَلَوْ عَفَا وَلَمْ يُسَمِّهَا فَلَا شَيْء وَرَجَحَ ﴿و﴾ عَلَى الْقَاتِل ﴿أَدَاء﴾ الدِّيَة ﴿إلَيْهِ﴾ أَيْ الْعَافِي وَهُوَ الْوَارِث ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ بِلَا مَطْل وَلَا بَخْس ﴿ذَلِكَ﴾ الْحُكْم الْمَذْكُور مِنْ جَوَاز الْقِصَاص وَالْعَفْو عَنْهُ عَلَى الدِّيَة ﴿تَخْفِيف﴾ تَسْهِيل ﴿مِنْ رَبّكُمْ﴾ عَلَيْكُمْ ﴿وَرَحْمَة﴾ بِكُمْ حَيْثُ وَسَّعَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُحَتِّم وَاحِدًا مِنْهُمَا كَمَا حَتَّمَ عَلَى الْيَهُود الْقِصَاص وَعَلَى النَّصَارَى الدِّيَة ﴿فَمَنْ اعْتَدَى﴾ ظَلَمَ الْقَاتِل بِأَنْ قَتَلَهُ ﴿بَعْد ذَلِكَ﴾ أَيْ الْعَفْو ﴿فَلَهُ عَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم فِي الْآخِرَة بِالنَّارِ أَوْ فِي الدنيا بالقتل
١٧ -
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة﴾ أَيْ بَقَاء عَظِيم ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَاب﴾ ذَوِي الْعُقُول لِأَنَّ الْقَاتِل إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَل ارْتَدَعَ فَأَحْيَا نَفْسه وَمَنْ أَرَادَ قَتْله فَشَرَعَ ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الْقَتْل مخافة القود
36
١٨ -
37
﴿كُتِبَ﴾ فُرِضَ ﴿عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ﴾ أَيْ أَسْبَابه ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ مَالًا ﴿الْوَصِيَّة﴾ مَرْفُوع بِكُتِبَ وَمُتَعَلِّق بِإِذَا إنْ كَانَتْ ظَرْفِيَّة وَدَالّ عَلَى جَوَابهَا إنْ كَانَتْ شَرْطِيَّة وَجَوَاب إنْ أَيْ فَلْيُوصِ ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالْعَدْلِ بِأَنْ لَا يَزِيد عَلَى الثُّلُث وَلَا يَفْضُل الْغَنِيّ ﴿حَقًّا﴾ مَصْدَر مُؤَكِّد لِمَضْمُونِ الْجُمْلَة قَبْله ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ اللَّه وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ الْمِيرَاث وَبِحَدِيثِ لَا وَصِيَّة لِوَارِثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
١٨ -
﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾ أَيْ الْإِيصَاء مِنْ شَاهِد وَوَصِيّ ﴿بعد ما سمعه﴾ علمه ﴿فإنما إثمه﴾ أي الإيصاء الْمُبَدَّل ﴿عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ فِيهِ إقَامَة الظَّاهِر مَقَام الْمُضْمَر ﴿إنَّ اللَّه سَمِيع﴾ لِقَوْلِ الْمُوصِي ﴿عَلِيم﴾ بِفِعْلِ الْوَصِيّ فَمُجَازٍ عَلَيْهِ
١٨ -
﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ﴾ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا ﴿جَنَفًا﴾ مَيْلًا عَنْ الْحَقّ خَطَأ ﴿أَوْ إثْمًا﴾ بِأَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُث أَوْ تَخْصِيص غني مثلا ﴿فأصلح بينهم﴾ بين الوصي وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَمْرِ بِالْعَدْلِ ﴿فَلَا إثْم عَلَيْهِ﴾ في ذلك ﴿إن الله غفور رحيم﴾
١٨ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ﴾ فُرِضَ ﴿عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ﴾ مِنْ الْأُمَم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الْمَعَاصِي فَإِنَّهُ يَكْسِر الشَّهْوَة الَّتِي هي مبدؤها
37
١٨ -
38
﴿أَيَّامًا﴾ نُصِبَ بِالصِّيَامِ أَوْ يَصُومُوا مُقَدَّرًا ﴿مَعْدُودَات﴾ أَيْ قَلَائِل أَوْ مُؤَقَّتَات بِعَدَدٍ مَعْلُوم وَهِيَ رَمَضَان كَمَا سَيَأْتِي وَقَلَّلَهُ تَسْهِيلًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ﴾ حِين شُهُوده ﴿مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر﴾ أَيْ مُسَافِرًا سَفَر الْقَصْر وَأَجْهَدَهُ الصَّوْم فِي الْحَالَيْنِ فَأَفْطَرَ ﴿فَعِدَّة﴾ فَعَلَيْهِ عِدَّة مَا أَفْطَرَ ﴿مِنْ أَيَّام أُخَر﴾ يَصُومهَا بَدَله ﴿وَعَلَى الَّذِينَ﴾ لَا ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ﴿فِدْيَة﴾ هِيَ ﴿طَعَام مِسْكِين﴾ أَيْ قَدْر مَا يَأْكُلهُ فِي يَوْمه وَهُوَ مُدّ مِنْ غَالِب قُوت الْبَلَد لِكُلِّ يَوْم وَفِي قِرَاءَة بِإِضَافَةِ فِدْيَة وَهِيَ لِلْبَيَانِ وَقِيلَ لَا غَيْر مُقَدَّرَة وَكَانُوا مُخَيَّرِينَ فِي صَدْر الْإِسْلَام بَيْن الصَّوْم وَالْفِدْيَة ثُمَّ نُسِخَ بِتَعْيِينِ الصَّوْم بِقَوْلِهِ مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ قال بن عَبَّاس إلَّا الْحَامِل وَالْمُرْضِع إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَد فَإِنَّهَا بَاقِيَة بِلَا نَسْخ فِي حَقّهمَا ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْر الْمَذْكُور فِي الْفِدْيَة ﴿فَهُوَ﴾ أَيْ التَّطَوُّع ﴿خَيْر لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا﴾ مُبْتَدَأ خَبَره ﴿خَيْر لَكُمْ﴾ ومن الْإِفْطَار وَالْفِدْيَة ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَافْعَلُوهُ
١٨ -
تِلْكَ الْأَيَّام ﴿شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾ مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْهُ ﴿هُدًى﴾ حَال هَادِيًا مِنْ الضَّلَالَة ﴿لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات﴾ آيَات وَاضِحَات ﴿مِنْ الْهُدَى﴾ بِمَا يَهْدِي إلَى الْحَقّ مِنْ الْأَحْكَام ﴿و﴾ من ﴿الْفُرْقَان﴾ مِمَّا يُفَرَّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل ﴿فَمَنْ شَهِدَ﴾ حَضَرَ ﴿مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر﴾ تَقَدَّمَ مِثْله وَكُرِّرَ لِئَلَّا يُتَوَهَّم نَسْخه بِتَعْمِيمِ مَنْ شَهِدَ ﴿يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر﴾ وَلِذَا أَبَاحَ لَكُمْ الْفِطْر فِي الْمَرَض وَالسَّفَر لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعِلَّة أَيْضًا لِلْأَمْرِ بِالصَّوْمِ عُطِفَ عَلَيْهِ ﴿وَلِتُكْمِلُوا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿الْعِدَّة﴾ أَيْ عِدَّة صَوْم رَمَضَان ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه﴾ عِنْد إكْمَالهَا ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ أَرْشَدكُمْ لِمَعَالِم دِينه ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ اللَّه على ذلك
١٨ -
وَسَأَلَ جَمَاعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرِيب رَبّنَا فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيد فَنُنَادِيه فَنَزَلَ ﴿وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب﴾ مِنْهُمْ بعلمي فأخبرهم بذلك ﴿أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾ بِإِنَالَتِهِ مَا سَأَلَ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ دُعَائِي بِالطَّاعَةِ ﴿وليؤمنوا﴾ يداوموا على الإيمان ﴿بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ يَهْتَدُونَ
38
١٨ -
39
﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث﴾ بِمَعْنَى الْإِفْضَاء ﴿إلَى نِسَائِكُمْ﴾ بِالْجِمَاعِ نَزَلَ نَسْخًا لِمَا كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام عَلَى تَحْرِيمه وَتَحْرِيم الْأَكْل وَالشُّرْب بَعْد الْعِشَاء ﴿هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ﴾ كِنَايَة عَنْ تَعَانُقهمَا أَوْ احْتِيَاج كُلّ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبه ﴿عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ﴾ تَخُونُونَ ﴿أَنْفُسكُمْ﴾ بِالْجِمَاعِ لَيْلَة الصِّيَام وَقَعَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَغَيْره وَاعْتَذَرُوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ قَبْل تَوْبَتكُمْ ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن﴾ إذْ أُحِلَّ لَكُمْ ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ جَامِعُوهُنَّ ﴿وَابْتَغُوا﴾ اُطْلُبُوا ﴿مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ﴾ أَيْ أَبَاحَهُ مِنْ الْجِمَاع أَوْ قَدْره مِنْ الْوَلَد ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ اللَّيْل كُلّه ﴿حَتَّى يَتَبَيَّن﴾ يَظْهَر ﴿لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر﴾ أَيْ الصَّادِق بَيَان لِلْخَيْطِ الْأَبْيَض وَبَيَان الْأَسْوَد مَحْذُوف أَيْ مِنْ اللَّيْل شِبْه مَا يَبْدُو مِنْ الْبَيَاض وَمَا يَمْتَدّ مَعَهُ مِنْ الْغَبَش بِخَيْطَيْنِ أَبْيَض وَأَسْوَد فِي الِامْتِدَاد ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام﴾ مِنْ الْفَجْر ﴿إلَى اللَّيْل﴾ أَيْ إلَى دُخُوله بِغُرُوبِ الشَّمْس ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ أَيْ نِسَاءَكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ﴾ مُقِيمُونَ بِنِيَّةِ الاعتكاف ﴿في المساجد﴾ متعلق بعافكون نَهْي لِمَنْ كَانَ يَخْرُج وَهُوَ مُعْتَكِف فَيُجَامِع امْرَأَته وَيَعُود ﴿تِلْكَ﴾ الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة ﴿حُدُود اللَّه﴾ حَدَّهَا لِعِبَادِهِ لِيَقِفُوا عِنْدهَا ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ أَبْلَغ مِنْ لَا تَعْتَدُوهَا الْمُعَبَّر بِهِ فِي آيَة أُخْرَى ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ مَا ذُكِرَ ﴿يُبَيِّن اللَّه آيَاته لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ مَحَارِمه
١٨ -
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ﴾ أَيْ يَأْكُل بَعْضكُمْ مَال بَعْض ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ الْحَرَام شَرْعًا كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْب ﴿و﴾ لَا ﴿تُدْلُوا﴾ تُلْقُوا ﴿بِهَا﴾ أَيْ بِحُكُومَتِهَا أَوْ بِالْأَمْوَالِ رِشْوَة ﴿إلَى الْحُكَّام لِتَأْكُلُوا﴾ بِالتَّحَاكُمِ ﴿فَرِيقًا﴾ طَائِفَة ﴿مِنْ أَمْوَال النَّاس﴾ مُتَلَبِّسِينَ ﴿بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّكُمْ مُبْطِلُونَ
١٨ -
﴿يَسْأَلُونَك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَنْ الْأَهِلَّة﴾ جَمْع هِلَال لَمْ تَبْدُو دَقِيقَة ثُمَّ تَزِيد حَتَّى تَمْتَلِئ نُورًا ثُمَّ تَعُود كَمَا بَدَتْ وَلَا تَكُون عَلَى حَالَة وَاحِدَة كَالشَّمْسِ ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿هِيَ مَوَاقِيت﴾ جَمْع مِيقَات ﴿لِلنَّاسِ﴾ يَعْلَمُونَ بِهَا أَوْقَات زَرْعهمْ وَمَتَاجِرهمْ وَعِدَد نِسَائِهِمْ وَصِيَامهمْ وَإِفْطَارهمْ ﴿وَالْحَجّ﴾ عُطِفَ عَلَى النَّاس أَيْ يَعْلَم بِهَا وَقْته فَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَة لَمْ يَعْرِف ذَلِكَ ﴿وليس البر أن تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا﴾ فِي الْإِحْرَام بِأَنْ تَنْقُبُوا فِيهَا نَقْبًا تَدْخُلُونَ مِنْهُ وَتَخْرُجُونَ وَتَتْرُكُوا الْبَاب وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَهُ بِرًّا ﴿وَلَكِنَّ الْبِرّ﴾ أَيْ ذَا الْبِرّ ﴿مَنْ اتَّقَى﴾ اللَّه بِتَرْكِ مُخَالَفَته ﴿وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا﴾
فِي الْإِحْرَام ﴿وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تَفُوزُونَ
39
١٩ -
40
ولما صد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة وَصَالَحَ الْكُفَّار عَلَى أَنْ يَعُود الْعَام القابل ويخلو لَهُ مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَتَجَهَّزَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاء وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِي قُرَيْش وَيُقَاتِلُوهُمْ وَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالهمْ فِي الْحَرَم وَالْإِحْرَام وَالشَّهْر الْحَرَام نَزَلَ ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ لِإِعْلَاءِ دِينه ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ الْكُفَّار ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ عَلَيْهِمْ بِالِابْتِدَاءِ بِالْقِتَالِ ﴿إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ﴾ الْمُتَجَاوِزِينَ مَا حَدّ لَهُمْ وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ بَرَاءَة أَوْ بِقَوْلِهِ
١٩ -
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أَيْ مِنْ مَكَّة وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ عَام الْفَتْح ﴿وَالْفِتْنَة﴾ الشِّرْك مِنْهُمْ ﴿أَشَدّ﴾ أَعْظَم ﴿مِنْ الْقَتْل﴾ لَهُمْ فِي الْحَرَم أَوْ الْإِحْرَام الَّذِي اسْتَعْظَمْتُمُوهُ ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ أَيْ فِي الْحَرَم ﴿حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ﴾ فِيهِ ﴿فَاقْتُلُوهُمْ﴾ فِيهِ وَفِي قِرَاءَة بِلَا أَلِف فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة ﴿كَذَلِكَ﴾ الْقَتْل وَالْإِخْرَاج ﴿جزاء الكافرين﴾
١٩ -
﴿فَإِنْ انْتَهَوْا﴾ عَنْ الْكُفْر وَأَسْلَمُوا ﴿فَإِنَّ اللَّه غَفُور﴾ لَهُمْ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
١٩ -
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون﴾ تُوجَد ﴿فِتْنَة﴾ شِرْك ﴿وَيَكُون الدِّين﴾ الْعِبَادَة ﴿لِلَّهِ﴾ وَحْده لَا يُعْبَد سِوَاهُ ﴿فَإِنْ انْتَهَوْا﴾ عَنْ الشِّرْك فَلَا تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ دَلَّ عَلَى هَذَا ﴿فَلَا عُدْوَان﴾ اعْتِدَاء بِقَتْلٍ أَوْ غَيْره ﴿إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ وَمَنْ انْتَهَى فَلَيْسَ بِظَالِمٍ فَلَا عُدْوَان عَلَيْهِ
١٩ -
﴿الشَّهْر الْحَرَام﴾ الْمُحَرَّم مُقَابَل ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرَام﴾ فَكُلَّمَا قاتلوكم فيه قاتلوهم فِي مِثْله رَدّ لِاسْتِعْظَامِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ ﴿وَالْحُرُمَات﴾ جَمْع حُرْمَة مَا يَجِب احْتِرَامه ﴿قِصَاص﴾ أَيْ يَقْتَصّ بِمِثْلِهَا إذَا اُنْتُهِكَتْ ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ بِالْقِتَالِ فِي الْحَرَم أَوْ الْإِحْرَام أَوْ الشَّهْر الْحَرَام ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ سَمَّى مُقَابَلَته اعْتِدَاء لِشَبَهِهَا بِالْمُقَابِلِ بِهِ فِي الصُّورَة ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِي الِانْتِصَار وَتَرْك الِاعْتِدَاء ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
١٩ -
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه﴾ طَاعَته بِالْجِهَادِ وَغَيْره ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ أَيْ أَنْفُسكُمْ وَالْبَاء زَائِدَة ﴿إلَى التَّهْلُكَة﴾ الْهَلَاك بِالْإِمْسَاكِ عَنْ النَّفَقَة فِي الْجِهَاد أَوْ تَرْكه لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوّ عَلَيْكُمْ ﴿وَأَحْسِنُوا﴾ بِالنَّفَقَةِ وَغَيْرهَا ﴿إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي يثيبهم
40
١٩ -
41
﴿وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ﴾ أَدُّوهُمَا بِحُقُوقِهِمَا ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ مُنِعْتُمْ عَنْ إتْمَامهَا بِعَدُوٍّ ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾ تَيَسَّرَ ﴿مِنْ الْهَدْي﴾ عَلَيْكُمْ وَهُوَ شَاة ﴿وَلَا تحلقوا رؤوسكم﴾ أَيْ لَا تَتَحَلَّلُوا ﴿حَتَّى يَبْلُغ الْهَدْي﴾ الْمَذْكُور ﴿مَحِلّه﴾ حَيْثُ يَحِلّ ذَبْحه وَهُوَ مَكَان الْإِحْصَار عِنْد الشَّافِعِيّ فَيَذْبَح فِيهِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّل وَيُفَرِّق على مساكينه ويحلق به يَحْصُل التَّحَلُّل ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسه﴾ كَقَمْلٍ وَصُدَاع فَحَلَقَ فِي الْإِحْرَام ﴿فَفِدْيَة﴾ عَلَيْهِ ﴿مِنْ صِيَام﴾ ثَلَاثَة أَيَّام ﴿أَوْ صَدَقَة﴾ بِثَلَاثَةِ أَصْوُع مِنْ غَالِب قُوت الْبَلَد عَلَى سِتَّة مَسَاكِين ﴿أَوْ نُسُك﴾ أي ذبح شاة أو لِلتَّخْيِيرِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ حَلَقَ لِغَيْرِ عُذْر لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا مَنْ اسْتَمْتَعَ بِغَيْرِ الْحَلْق كَالطِّيبِ وَاللُّبْس وَالدَّهْن لِعُذْرٍ أَوْ غَيْره ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ الْعَدُوّ بِأَنْ ذَهَبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ﴾ اسْتَمْتَعَ ﴿بِالْعُمْرَةِ﴾ أَيْ بِسَبَبِ فَرَاغه مِنْهَا بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَام ﴿إلَى الْحَجّ﴾
أَيْ إلَى الْإِحْرَام بِهِ بِأَنْ يَكُون أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُره ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾ تَيَسَّرَ ﴿مِنْ الْهَدْي﴾ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاة يَذْبَحهَا بَعْد الْإِحْرَام بِهِ وَالْأَفْضَل يَوْم النَّحْر ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِد﴾ الْهَدْي لِفَقْدِهِ أَوْ فَقْد ثَمَنه ﴿فَصِيَام﴾ أَيْ فَعَلَيْهِ صِيَام ﴿ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ﴾ أَيْ فِي حَال الْإِحْرَام بِهِ فَيَجِب حِينَئِذٍ أَنْ يُحْرِم قَبْل السَّابِع مِنْ ذِي الْحِجَّة وَالْأَفْضَل قَبْل السَّادِس لِكَرَاهَةِ صَوْم يَوْم عَرَفَة وَلَا يَجُوز صَوْمهَا أَيَّام التَّشْرِيق عَلَى أَصَحّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ ﴿وَسَبْعَة إذَا رَجَعْتُمْ﴾ إلَى وَطَنكُمْ مَكَّة أَوْ غَيْرهَا وَقِيلَ إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَعْمَال الْحَجّ وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغِيبَة ﴿تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة﴾ جُمْلَة تَأْكِيد لِمَا قَبْلهَا ﴿ذَلِكَ﴾ الْحُكْم الْمَذْكُور مِنْ وُجُوب الْهَدْي أَوْ الصِّيَام عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ ﴿لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى دُون مَرْحَلَتَيْنِ من الحرم عِنْد الشَّافِعِيّ فَإِنْ كَانَ فَلَا دَم عَلَيْهِ وَلَا صِيَام وَإِنْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَد وَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيّ وَالثَّانِي لَا وَالْأَهْل كناية عن النفس وألحق بالتمتع فِيمَا ذُكِرَ بِالسُّنَّةِ الْقَارِن وَهُوَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجّ مَعًا أَوْ يَدْخُل الْحَجّ عَلَيْهَا قَبْل الطَّوَاف ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِيمَا يَأْمُركُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب﴾ لِمَنْ خَالَفَهُ
41
١٩ -
42
﴿الْحَجّ﴾ وَقْته ﴿أَشْهُر مَعْلُومَات﴾ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَة وَعَشْر لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّة وَقِيلَ كُلّه ﴿فَمَنْ فَرَضَ﴾ عَلَى نَفْسه ﴿فِيهِنَّ الْحَجّ﴾ بِالْإِحْرَامِ بِهِ ﴿فَلَا رَفَث﴾ جِمَاع فِيهِ ﴿وَلَا فُسُوق﴾ مَعَاصٍ ﴿وَلَا جِدَال﴾ خِصَام ﴿فِي الْحَجّ﴾ وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْمُرَاد فِي الثَّلَاثَة النَّهْي ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر﴾ كَصَدَقَةٍ ﴿يَعْلَمهُ اللَّه﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ وَنَزَلَ فِي أَهْل الْيَمَن وَكَانُوا يَحُجُّونَ بِلَا زَاد فَيَكُونُونَ كَلًّا عَلَى النَّاس ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ مَا يُبَلِّغكُمْ لِسَفَرِكُمْ ﴿فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى﴾ مَا يَتَّقِي بِهِ سُؤَال النَّاس وَغَيْره ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب﴾ ذَوِي الْعُقُول
١٩ -
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح﴾ فِي ﴿أَنْ تَبْتَغُوا﴾ تَطْلُبُوا ﴿فَضْلًا﴾ رِزْقًا ﴿مِنْ رَبّكُمْ﴾ بِالتِّجَارَةِ فِي الْحَجّ نَزَلَ رَدًّا لِكَرَاهَتِهِمْ ذَلِكَ ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ دَفَعْتُمْ ﴿مِنْ عَرَفَات﴾ بَعْد الْوُقُوف بِهَا ﴿فَاذْكُرُوا اللَّه﴾ بَعْد الْمَبِيت بِمُزْدَلِفَةَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّهْلِيل وَالدُّعَاء ﴿عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام﴾ هُوَ جَبَل فِي آخِر الْمُزْدَلِفَة يُقَال لَهُ قُزَح وَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِهِ يَذْكُر اللَّه وَيَدْعُو حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا رَوَاهُ مُسْلِم ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ لِمَعَالِم دِينه وَمَنَاسِك حَجّه وَالْكَاف لِلتَّعْلِيلِ ﴿وَإِنْ﴾ مُخَفَّفَة ﴿كُنْتُمْ مِنْ قَبْله﴾ قَبْل هُدَاهُ ﴿لمن الضالين﴾
١٩ -
﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ يَا قُرَيْش ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس﴾ أَيْ مِنْ عَرَفَة بِأَنْ تَقِفُوا بِهَا مَعَهُمْ وَكَانُوا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَرَفُّعًا عَنْ الْوُقُوف مَعَهُمْ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْر ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه﴾ مِنْ ذُنُوبكُمْ ﴿إنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿رَحِيم﴾ بهم
٢٠ -
﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ﴾ أَدَّيْتُمْ ﴿مَنَاسِككُمْ﴾ عِبَادَات حَجّكُمْ بِأَنْ رَمَيْتُمْ جَمْرَة الْعَقَبَة وَطُفْتُمْ وَاسْتَقْرَرْتُمْ بِمِنًى ﴿فَاذْكُرُوا اللَّه﴾ بِالتَّكْبِيرِ وَالثَّنَاء ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ كَمَا كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُمْ عِنْد فَرَاغ حَجّكُمْ بِالْمُفَاخَرَةِ ﴿أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا﴾ مِنْ ذِكْركُمْ إيَّاهُمْ وَنُصِبَ أَشَدّ عَلَى الْحَال مِنْ ذِكْر الْمَنْصُوب بِاُذْكُرُوا إذْ لَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَكَانَ صِفَة لَهُ ﴿فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا﴾ نَصِيبًا ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ فَيُؤْتَاهُ فِيهَا ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خلاق﴾ نصيب
٢٠ -
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ نِعْمَة ﴿وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة﴾ هِيَ الْجَنَّة ﴿وَقِنَا عَذَاب النَّار﴾ بِعَدَمِ دُخُولهَا وَهَذَا بَيَان لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ وَلِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْقَصْد بِهِ الْحَثّ عَلَى طَلَب خَيْر الدَّارَيْنِ كَمَا وَعَدَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ
42
٢٠ -
43
﴿أولئك لهم نصيب﴾ ثواب ﴿م﴾ ن أجل ﴿ما كسبوا﴾ عملوا من الْحَجّ وَالدُّعَاء ﴿وَاَللَّه سَرِيع الْحِسَاب﴾ يُحَاسِب الْخَلْق كُلّهمْ فِي قَدْر نِصْف نَهَار مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ
٢٠ -
﴿وَاذْكُرُوا اللَّه﴾ بِالتَّكْبِيرِ عِنْد رَمْي الْجَمَرَات ﴿فِي أَيَّام مَعْدُودَات﴾ أَيْ أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ﴾ أَيْ اسْتَعْجَلَ بِالنَّفْرِ مِنْ مِنًى ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ أَيْ فِي ثَانِي أَيَّام التَّشْرِيق بَعْد رَمْي جِمَاره ﴿فَلَا إثْم عَلَيْهِ﴾ بِالتَّعْجِيلِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ﴾ بِهَا حَتَّى بَاتَ لَيْلَة الثَّالِث وَرَمَى جِمَاره ﴿فَلَا إثْم عَلَيْهِ﴾ بِذَلِكَ أَيْ هُمْ مُخَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ وَنَفْي الْإِثْم ﴿لِمَنْ اتَّقَى﴾ اللَّه فِي حَجّه لِأَنَّهُ الْحَاجّ فِي الْحَقِيقَة ﴿وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فِي الْآخِرَة فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ
٢٠ -
﴿وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ وَلَا يُعْجِبك فِي الْآخِرَة لِمُخَالَفَتِهِ لِاعْتِقَادِهِ ﴿وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه﴾ أَنَّهُ مُوَافِق لِقَوْلِهِ ﴿وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام﴾ شَدِيد الْخُصُومَة لَك وَلِأَتْبَاعِك لِعَدَاوَتِهِ لَك وَهُوَ الْأَخْنَس بْن شَرِيقٍ كَانَ مُنَافِقًا حُلْو الْكَلَام لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِف أَنَّهُ مُؤْمِن بِهِ وَمُحِبّ لَهُ فَيُدْنِي مَجْلِسه فَأَكْذَبَهُ اللَّه فِي ذَلِكَ وَمَرَّ بِزَرْعٍ وَحُمُر لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَأَحْرَقَهُ وعقرها ليلا كما قال تعالى
٢٠ -
﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ انْصَرَفَ عَنْك ﴿سَعَى﴾ مَشَى ﴿فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل﴾ مِنْ جُمْلَة الْفَسَاد ﴿وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد﴾ أَيْ لَا يَرْضَى بِهِ
٢٠ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه﴾ فِي فِعْلك ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّة﴾ حَمَلَتْهُ الْأَنَفَة وَالْحَمِيَّة عَلَى الْعَمَل ﴿بِالْإِثْمِ﴾ الَّذِي أُمِرَ بِاتِّقَائِهِ ﴿فَحَسْبه﴾ كَافِيه ﴿جَهَنَّم وَلَبِئْسَ الْمِهَاد﴾ الْفِرَاش هِيَ
٢٠ -
﴿وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي﴾ يَبِيع ﴿نَفْسه﴾ أَيْ يبذلها في طاعة الله ﴿ابتغاء﴾ طلب ﴿مرضات اللَّه﴾ رِضَاهُ وَهُوَ صُهَيْب لَمَّا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَة وَتَرَكَ لَهُمْ مَاله ﴿وَاَللَّه رؤوف بِالْعِبَادِ﴾ حَيْثُ أَرْشَدهمْ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ
٢٠ -
وَنَزَلَ فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه لَمَّا عَظَّمُوا السَّبْت وَكَرِهُوا الْإِبِل بَعْد الْإِسْلَام ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْم﴾ بِفَتْحِ السِّين وَكَسْرهَا الْإِسْلَام ﴿كَافَّة﴾ حَال مِنْ السِّلْم أَيْ فِي جَمِيع شَرَائِعه ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات﴾ طُرُق ﴿الشَّيْطَان﴾ أَيْ تَزْيِينه بِالتَّفْرِيقِ ﴿إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين﴾ بَيِّن الْعَدَاوَة
43
٢٠ -
44
﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ مِلْتُمْ عَنْ الدُّخُول فِي جَمِيعه ﴿مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَات﴾ الْحُجَج الظَّاهِرَة على أنه حق ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه عَزِيز﴾ لَا يُعْجِزهُ شَيْء عَنْ انْتِقَامه مِنْكُمْ ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه
٢١ -
﴿هَلْ﴾ مَا ﴿يَنْظُرُونَ﴾ يَنْتَظِر التَّارِكُونَ الدُّخُول فِيهِ ﴿إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّه﴾ أَيْ أَمْره كَقَوْلِهِ أَوْ يَأْتِي أَمْر رَبّك أَيْ عَذَابه ﴿فِي ظُلَل﴾ جَمْع ظُلَّة ﴿مِنْ الْغَمَام﴾ السَّحَاب ﴿وَالْمَلَائِكَة وَقُضِيَ الْأَمْر﴾ تَمَّ أَمْر هَلَاكهمْ ﴿وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِل فِي الْآخِرَة فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ
٢١ -
﴿سَلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بَنِي إسْرَائِيل﴾ تَبْكِيتًا ﴿كَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ كَمْ اسْتِفْهَامِيَّة مُعَلَّقَة سَلْ عَنْ الْمَفْعُول الثَّانِي وَهِيَ ثَانِي مَفْعُول آتَيْنَا وَمُمَيِّزهَا ﴿مِنْ آيَة بَيِّنَة﴾ ظَاهِرَة كَفَلْقِ الْبَحْر وَإِنْزَال الْمَنّ وَالسَّلْوَى فَبَدَّلُوهَا كُفْرًا ﴿وَمَنْ يُبَدِّل نِعْمَة اللَّه﴾ أَيْ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْآيَات لِأَنَّهَا سَبَب الْهِدَايَة ﴿مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُ﴾ كُفْرًا ﴿فَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب﴾ لَهُ
٢١ -
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِنْ أَهْل مَكَّة ﴿الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ بِالتَّمْوِيهِ فَأَحَبُّوهَا ﴿و﴾ هُمْ ﴿يَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لِفَقْرِهِمْ كَبِلَالٍ وَعَمَّار وَصُهَيْب أَيْ يستهزؤون بِهِمْ وَيَتَعَالَوْنَ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ ﴿وَاَلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشِّرْك وَهُمْ هَؤُلَاءِ ﴿فَوْقهمْ يَوْم الْقِيَامَة وَاَللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب﴾ أَيْ رِزْقًا وَاسِعًا فِي الْآخِرَة أَوْ الدُّنْيَا بِأَنْ يَمْلِك الْمَسْخُور مِنْهُمْ أَمْوَال السَّاخِرِينَ وَرِقَابهمْ
٢١ -
﴿كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة﴾ عَلَى الْإِيمَان فَاخْتَلَفُوا بِأَنْ آمَنَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض ﴿فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ﴾ إلَيْهِمْ ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ مَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَاب﴾ بِمَعْنَى الْكُتُب ﴿بِالْحَقِّ﴾ مُتَعَلِّق بِأَنْزَل ﴿لِيَحْكُم﴾ بِهِ ﴿بَيْن النَّاس فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ مِنْ الدِّين ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾ أَيْ الدِّين ﴿إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ أَيْ الْكِتَاب فَآمَنَ بَعْض وَكَفَرَ بَعْض ﴿مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات﴾ الْحُجَج الظَّاهِرَة عَلَى التَّوْحِيد وَمِنْ مُتَعَلِّقَة بِاخْتَلَفَ وَهِيَ وَمَا بَعْدهَا مُقَدَّم عَلَى الِاسْتِثْنَاء فِي الْمَعْنَى ﴿بَغْيًا﴾ مِنْ الْكَافِرِينَ ﴿بَيْنهمْ فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ﴾ لِلْبَيَانِ ﴿الْحَقّ بِإِذْنِهِ﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء﴾ هِدَايَته ﴿إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ طَرِيق الْحَقّ
44
٢١ -
45
ونزل في جهد أصاب المسلمين ﴿أَمْ﴾ بَلْ أَ ﴿حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا﴾ لَمْ ﴿يَأْتِكُمْ مَثَل﴾ شِبْه مَا أَتَى ﴿الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ﴾ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْمِحَن فَتَصْبِرُوا كَمَا صَبَرُوا ﴿مَسَّتْهُمْ﴾ جُمْلَة مُسْتَأْنَفَة مُبَيِّنَة مَا قَبْلهَا ﴿الْبَأْسَاء﴾ شِدَّة الْفَقْر ﴿وَالضَّرَّاء﴾ الْمَرَض ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ أُزْعِجُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَاء ﴿حَتَّى يَقُول﴾ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع أَيْ قَالَ ﴿الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ اسْتِبْطَاء للنصر للتناهي الشدة عليهم ﴿مَتَى﴾ يَأْتِي ﴿نَصْر اللَّه﴾ الَّذِي وُعِدْنَاهُ فَأُجِيبُوا مِنْ قِبَل اللَّه ﴿أَلَا إنَّ نَصْر اللَّه قريب﴾ إتيانه
٢١ -
﴿يسألونك﴾ يا محمد ﴿ماذا ينفقون﴾ أي الذين يُنْفِقُونَهُ وَالسَّائِل عَمْرو بْن الْجَمُوح وَكَانَ شَيْخًا ذَا مَال فَسَأَلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُنْفِق وَعَلَى مَنْ يُنْفِق ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر﴾ بَيَان لِمَا شَامِل لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِير وَفِيهِ بَيَان الْمُنْفِق الَّذِي هُوَ أَحَد شِقَّيْ السُّؤَال وَأَجَابَ عَنْ الْمَصْرِف الَّذِي هُوَ الشِّقّ الْآخَر بِقَوْلِهِ ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى والمساكين وبن السَّبِيل﴾ أَيْ هُمْ أَوْلَى بِهِ ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر﴾ إنْفَاق أَوْ غَيْره ﴿فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم﴾ فَمُجَازٍ عَلَيْهِ
٢١ -
﴿كُتِبَ﴾ فُرِضَ ﴿عَلَيْكُمْ الْقِتَال﴾ لِلْكُفَّارِ ﴿وَهُوَ كُرْه﴾ مكروه ﴿لكم﴾ طبعا لِمَشَقَّتِهِ ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرّ لَكُمْ﴾ لِمَيْلِ النَّفْس إلَى الشَّهَوَات الْمُوجِبَة لِهَلَاكِهَا وَنُفُورهَا عَنْ التَّكْلِيفَات الْمُوجِبَة لِسَعَادَتِهَا فَلَعَلَّ لَكُمْ فِي الْقِتَال وَإِنْ كَرِهْتُمُوهُ خَيْرًا لِأَنَّ فِيهِ إمَّا الظَّفَر وَالْغَنِيمَة أَوْ الشَّهَادَة وَالْأَجْر وَفِي تَرْكه وَإِنْ أَحْبَبْتُمُوهُ شَرًّا لِأَنَّ فِيهِ الذُّلّ وَالْفَقْر وَحِرْمَان الْأَجْر ﴿وَاَللَّه يَعْلَم﴾ مَا هُوَ خَيْر لَكُمْ ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فَبَادِرُوا إلى ما يأمركم به
45
٢١ -
46
وأرسل النبي أَوَّل سَرَايَاهُ وَعَلَيْهَا عَبْد اللَّه بْن جَحْش فقاتلوا المشركين وقتلوا بن الحضرمي أخر يوم من جمادى الآخر وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ بِرَجَبٍ فَعَيَّرَهُمْ الْكُفَّار بِاسْتِحْلَالِهِ فَنَزَلَ ﴿يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام﴾ الْمُحَرَّم ﴿قِتَال فِيهِ﴾ بَدَل اشْتِمَال ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿قِتَال فِيهِ كَبِير﴾ عَظِيم وِزْرًا مُبْتَدَأ وَخَبَر ﴿وَصَدّ﴾ مُبْتَدَأ مَنْع لِلنَّاسِ ﴿عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ دِينه ﴿وَكُفْر بِهِ﴾ بالله ﴿وصد عنالمسجد الْحَرَام﴾ أَيْ مَكَّة ﴿وَإِخْرَاج أَهْله مِنْهُ﴾ وَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَخَبَر الْمُبْتَدَأ ﴿أَكْبَر﴾ أَعْظَم وِزْرًا ﴿عِنْد اللَّه﴾ مِنْ الْقِتَال فِيهِ ﴿وَالْفِتْنَة﴾ الشِّرْك مِنْكُمْ ﴿أَكْبَر مِنْ الْقَتْل﴾ لَكُمْ فِيهِ ﴿وَلَا يَزَالُونَ﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿حَتَّى﴾ كَيْ ﴿يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينكُمْ﴾ إلَى الْكُفْر ﴿إنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ﴾ بَطَلَتْ ﴿أَعْمَالهمْ﴾ الصَّالِحَة ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ فَلَا اعْتِدَاد بِهَا وَلَا ثَوَاب عَلَيْهَا وَالتَّقَيُّد بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ يُفِيد أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَام لَمْ يَبْطُل عَمَله فَيُثَاب عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدهُ كَالْحَجِّ مَثَلًا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ ﴿وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾
٢١ -
وَلَمَّا ظَنَّ السَّرِيَّة أَنَّهُمْ إنْ سَلِمُوا مِنْ الْإِثْم فَلَا يَحْصُل لَهُمْ أَجْر نَزَلَ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا﴾ فَارَقُوا أَوْطَانهمْ ﴿وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه﴾ لِإِعْلَاءِ دِينه ﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رحمت اللَّه﴾ ثَوَابه ﴿وَاَللَّه غَفُور﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
٢١ -
﴿يسألونك عن الخمر والميسر﴾ القمار ما حكمها ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿فِيهِمَا﴾ أَيْ فِي تَعَاطِيهمَا ﴿إثْم كَبِير﴾ عَظِيم وَفِي قِرَاءَة بِالْمُثَلَّثَةِ لِمَا يَحْصُل بِسَبَبِهِمَا مِنْ الْمُخَاصَمَة وَالْمُشَاتَمَة وَقَوْل الْفُحْش ﴿وَمَنَافِع لِلنَّاسِ﴾ بِاللَّذَّةِ وَالْفَرَح فِي الْخَمْر وَإِصَابَة الْمَال بِلَا كَدّ فِي الْمَيْسِر ﴿وَإِثْمهمَا﴾ أَيْ مَا يَنْشَأ عَنْهُمَا مِنْ الْمَفَاسِد ﴿أَكْبَر﴾ أَعْظَم ﴿مِنْ نَفْعهمَا﴾ وَلَمَّا نَزَلَتْ شَرِبَهَا قَوْم وَامْتَنَعَ عَنْهَا آخرون إلى أَنْ حَرَّمَتْهَا آيَة الْمَائِدَة ﴿وَيَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ أَيْ مَا قَدْره ﴿قُلْ﴾ أَنْفِقُوا ﴿الْعَفْو﴾ أَيْ الْفَاضِل عَنْ الْحَاجَة وَلَا تُنْفِقُوا مَا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَتُضَيِّعُوا أَنْفُسكُمْ وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ ﴿كَذَلِكَ﴾ أَيْ كَمَا بُيِّنَ لَكُمْ مَا ذكر {يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون
46
٢٢ -
47
﴿فِي﴾ أَمْر ﴿الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ فَتَأْخُذُونَ بِالْأَصْلَحِ لَكُمْ فِيهِمَا ﴿وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْيَتَامَى﴾ وَمَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ الْحَرَج فِي شَأْنهمْ فَإِنْ وَاكَلُوهُمْ يَأْثَمُوا وَإِنْ عَزَلُوا مَا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ وَصَنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا وَحْدهمْ فَحَرَج ﴿قُلْ إصْلَاح لَهُمْ﴾ فِي أموالهم بتنميتها ومداخلتكم ﴿خَيْر﴾ مِنْ تَرْك ذَلِكَ ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ أَيْ تَخْلِطُوا نَفَقَتكُمْ بِنَفَقَتِهِمْ ﴿فَإِخْوَانكُمْ﴾ أَيْ فَهُمْ إخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمِنْ شَأْن الْأَخ أَنْ يُخَالِط أَخَاهُ أَيْ فَلَكُمْ ذَلِكَ ﴿وَاَللَّه يَعْلَم الْمُفْسِد﴾ لِأَمْوَالِهِمْ بِمُخَالَطَتِهِ ﴿مِنْ الْمُصْلِح﴾ بِهَا فَيُجَازِي كُلًّا مِنْهُمَا ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَأَعْنَتَكُمْ﴾ لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ بِتَحْرِيمِ الْمُخَالَطَة ﴿إنَّ اللَّه عَزِيز﴾ غَالِب عَلَى أَمْره ﴿حَكِيم﴾
فِي صُنْعه
٢٢ -
﴿وَلَا تَنْكِحُوا﴾ تَتَزَوَّجُوا أَيّهَا الْمُسْلِمُونَ ﴿الْمُشْرِكَات﴾ أَيْ الْكَافِرَات ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْر مِنْ مُشْرِكَة﴾ حُرَّة لِأَنَّ سَبَب نُزُولهَا الْعَيْب عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أَمَة وَتَرْغِيبه فِي نِكَاح حُرَّة مُشْرِكَة ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ لِجَمَالِهَا وَمَالهَا وَهَذَا مَخْصُوص بِغَيْرِ الْكِتَابِيَّات بِآيَةِ ﴿وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب﴾ ﴿وَلَا تُنْكِحُوا﴾ تُزَوِّجُوا ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ أَيْ الْكُفَّار الْمُؤْمِنَات ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْد مُؤْمِن خَيْر مِنْ مُشْرِك وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ لِمَالِهِ وَجَمَاله ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ أَهْل الشِّرْك ﴿يَدْعُونَ إلَى النَّار﴾ بِدُعَائِهِمْ إلَى الْعَمَل الْمُوجِب لَهَا فَلَا تَلِيق مُنَاكَحَتهمْ ﴿وَاَللَّه يَدْعُو﴾ عَلَى لِسَان رُسُله ﴿إلَى الْجَنَّة وَالْمَغْفِرَة﴾ أَيْ الْعَمَل الْمُوجِب لَهُمَا ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بِإِرَادَتِهِ فَتَجِب إجَابَته بِتَزْوِيجِ أَوْلِيَائِهِ ﴿وَيُبَيِّن آيَاته لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يتذكرون﴾ يتعظون
٢٢ -
﴿وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيض﴾ أَيْ الْحَيْض أَوْ مَكَانه مَاذَا يَفْعَل بِالنِّسَاءِ فِيهِ ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ قَذَر أَوْ مَحَلّه ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء﴾ اُتْرُكُوا وَطْأَهُنَّ ﴿فِي الْمَحِيض﴾ أَيْ وَقْته أَوْ مَكَانه ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ بِالْجِمَاعِ ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ بِسُكُونِ الطَّاء وَتَشْدِيدهَا وَالْهَاء وَفِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الطَّاء أَيْ يَغْتَسِلْنَ بَعْد انْقِطَاعه ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ بِالْجِمَاعِ ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّه﴾ بِتَجَنُّبِهِ فِي الْحَيْض وَهُوَ الْقُبُل وَلَا تَعْدُوهُ إلَى غَيْره ﴿إنَّ اللَّه يُحِبّ﴾ يُثِيب وَيُكْرِم ﴿التَّوَّابِينَ﴾ مِنْ الذُّنُوب ﴿وَيُحِبّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ مِنْ الْأَقْذَار
٢٢ -
﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ﴾ أَيْ مَحَلّ زَرْعكُمْ الْوَلَد ﴿فَأْتُوا حَرْثكُمْ﴾ أَيْ مَحَلّه وَهُوَ الْقُبُل ﴿أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿شِئْتُمْ﴾ مِنْ قِيَام وَقُعُود وَاضْطِجَاع وَإِقْبَال وَإِدْبَار وَنَزَلَ رَدًّا لِقَوْلِ الْيَهُود مَنْ أَتَى امْرَأَته فِي قُبُلهَا أَيْ مِنْ جِهَة دُبُرهَا جَاءَ الْوَلَد أَحْوَل ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ الْعَمَل الصَّالِح كَالتَّسْمِيَةِ عِنْد الْجِمَاع ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِي أَمْره وَنَهْيه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ بِالْبَعْثِ فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ﴿وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الَّذِينَ اتَّقَوْهُ بِالْجَنَّةِ
47
٢٢ -
48
﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّه﴾ أَيْ الْحَلِف بِهِ ﴿عُرْضَة﴾ عِلَّة مَانِعَة ﴿لِأَيْمَانِكُمْ﴾ أَيْ نَصْبًا لَهَا بِأَنْ تُكْثِرُوا الْحَلِف بِهِ ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾ فَتُكْرَه الْيَمِين عَلَى ذَلِكَ وَيُسَنّ فِيهِ الْحِنْث وَيُكَفِّر بِخِلَافِهَا عَلَى فِعْل الْبِرّ وَنَحْوه فَهِيَ طَاعَة ﴿وَتُصْلِحُوا بَيْن النَّاس﴾ الْمَعْنَى لَا تَمْتَنِعُوا مِنْ فِعْل مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِرّ وَنَحْوه إذَا حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ بَلْ ائْتُوهُ وَكَفَّرُوا لِأَنَّ سَبَب نُزُولهَا الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ ﴿وَاَللَّه سَمِيع﴾ لِأَقْوَالِكُمْ ﴿عَلِيم﴾ بِأَحْوَالِكُمْ
٢٢ -
﴿لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ﴾ الْكَائِن ﴿فِي أَيْمَانكُمْ﴾ وَهُوَ مَا يَسْبِق إلَيْهِ اللِّسَان مِنْ غَيْر قَصْد الْحَلِف نَحْو وَاَللَّه وَبَلَى وَاَللَّه فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبكُمْ﴾ أَيْ قَصَدَتْهُ مِنْ الْأَيْمَان إذَا حَنِثْتُمْ ﴿وَاَللَّه غَفُور﴾ لِمَا كَانَ مِنْ اللَّغْو ﴿حليم﴾ بتأخير العقوبة عن مستحقها
٢٢ -
﴿للذين يؤولون مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ أَيْ يَحْلِفُونَ أَنْ لَا يُجَامِعُوهُنَّ ﴿تَرَبُّص﴾ انْتِظَار ﴿أَرْبَعَة أَشْهُر فَإِنْ فَاءُوا﴾ رَجَعُوا فِيهَا أَوْ بَعْدهَا عَنْ الْيَمِين إلَى الْوَطْء ﴿فإن الله غَفُور﴾ لَهُمْ مَا أَتَوْهُ مِنْ ضَرَر الْمَرْأَة بِالْحَلِفِ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
٢٢ -
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاق﴾ أَيْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَفِيئُوا فَلْيُوقِعُوهُ ﴿فَإِنَّ اللَّه سَمِيع﴾ لِقَوْلِهِمْ ﴿عَلِيم﴾ بِعَزْمِهِمْ الْمَعْنَى لَيْسَ لَهُمْ بَعْد تَرَبُّص مَا ذُكِرَ إلَّا الْفَيْئَة أَوْ الطَّلَاق
48
٢٢ -
49
﴿والمطلقات يتربصن﴾ أي لينتظرن ﴿بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ عَنْ النِّكَاح ﴿ثَلَاثَة قُرُوء﴾ تَمْضِي مِنْ حِين الطَّلَاق جَمْع قَرْء بِفَتْحِ الْقَاف وَهُوَ الطُّهْر أَوْ الْحَيْض قَوْلَانِ وَهَذَا فِي الْمَدْخُول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهم لِقَوْلِهِ ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة﴾ وَفِي غَيْر الْآيِسَة وَالصَّغِيرَة فَعِدَّتهنَّ ثَلَاثَة أَشْهُر وَالْحَوَامِل فَعِدَّتهنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلهنَّ كَمَا فِي سُورَة الطَّلَاق وَالْإِمَاء فَعِدَّتهنَّ قَرْءَانِ بِالسُّنَّةِ ﴿وَلَا يَحِلّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّه فِي أَرْحَامهنَّ﴾ مِنْ الْوَلَد وَالْحَيْض ﴿إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَبُعُولَتهنَّ﴾ أَزْوَاجهنَّ ﴿أَحَقّ بِرَدِّهِنَّ﴾ بمراجعتهن ولو أبين ﴿فِي ذَلِكَ﴾ أَيْ فِي زَمَن التَّرَبُّص ﴿إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا﴾
بَيْنهمَا لِإِضْرَارِ الْمَرْأَة وَهُوَ تَحْرِيض عَلَى قَصْده لَا شَرْط لِجَوَازِ الرَّجْعَة وَهَذَا فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ وَأَحَقّ لَا تَفْضِيل فِيهِ إذ لو حَقّ لِغَيْرِهِمْ مِنْ نِكَاحهنَّ فِي الْعِدَّة ﴿وَلَهُنَّ﴾ عَلَى الْأَزْوَاج ﴿مِثْل الَّذِي﴾ لَهُمْ ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ مِنْ الْحُقُوق ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شَرْعًا مِنْ حُسْن الْعِشْرَة وَتَرْك الْإِضْرَار وَنَحْو ذَلِكَ ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة﴾ فَضِيلَة فِي الْحَقّ مِنْ وُجُوب طَاعَتهنَّ لَهُمْ لِمَا سَاقُوهُ مِنْ الْمَهْر وَالْإِنْفَاق ﴿وَاَللَّه عَزِيز﴾ فِي مُلْكه ﴿حَكِيم﴾ فِيمَا دَبَّرَهُ لِخَلْقِهِ
٢٢ -
﴿الطَّلَاق﴾ أَيْ التَّطْلِيق الَّذِي يُرَاجِع بَعْده ﴿مَرَّتَانِ﴾ أَيْ اثْنَتَانِ ﴿فَإِمْسَاك﴾ أَيْ فَعَلَيْكُمْ إمْسَاكهنَّ بَعْده بِأَنْ تُرَاجِعُوهُنَّ ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ مِنْ غَيْر ضِرَار ﴿أَوْ تَسْرِيح﴾ أَيْ إرْسَالهنَّ ﴿بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلّ لَكُمْ﴾ أَيّهَا الْأَزْوَاج ﴿أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ مِنْ الْمُهُور ﴿شَيْئًا﴾ إذَا طَلَّقْتُمُوهُنَّ ﴿إلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ أي الزوجان ﴿أ﴾ ن ﴿لَا يُقِيمَا حُدُود اللَّه﴾ أَيْ أَنْ لَا يَأْتِيَا بِمَا حَدَّهُ لَهُمَا مِنْ الْحُقُوق وَفِي قِرَاءَة يُخَافَا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَأَنْ لَا يُقِيمَا بَدَل اشْتِمَال مِنْ الضَّمِير فِيهِ وَقُرِئَ بالفوقانية في الفعلين ﴿فإن خفتم أ﴾ ن ﴿لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما﴾ ﴿فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ نَفْسهَا مِنْ الْمَال لِيُطَلِّقهَا أَيْ لَا حَرَج عَلَى الزَّوْج فِي أَخْذه وَلَا الزَّوْجَة فِي بَذْله ﴿تِلْكَ﴾ الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة ﴿حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾
٢٣ -
﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ الزَّوْج بَعْد الثِّنْتَيْنِ ﴿فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْد﴾ بَعْد الطَّلْقَة الثَّالِثَة ﴿حَتَّى تَنْكِح﴾ تَتَزَوَّج ﴿زَوْجًا غَيْره﴾ وَيَطَأهَا كَمَا فِي الْحَدِيث رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ أَيْ الزَّوْج الثَّانِي ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا﴾ أَيْ الزَّوْجَة وَالزَّوْج الْأَوَّل ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ إلَى النِّكَاح بَعْد انْقِضَاء الْعِدَّة ﴿إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُود اللَّه وَتِلْكَ﴾ الْمَذْكُورَات ﴿حُدُود اللَّه يُبَيِّنهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ يتدبرون
49
٢٣ -
50
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلهنَّ﴾ قَارَبْنَ انْقِضَاء عِدَّتهنَّ ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ بِأَنْ تُرَاجِعُوهُنَّ ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ مِنْ غَيْر ضَرَر ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ اُتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهنَّ ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ﴾ بِالرَّجْعَةِ ﴿ضِرَارًا﴾ مَفْعُول لِأَجْلِهِ ﴿لِتَعْتَدُوا﴾ عَلَيْهِنَّ بِالْإِلْجَاءِ إلَى الِافْتِدَاء وَالتَّطْلِيق وَتَطْوِيل الْحَبْس ﴿وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسه﴾ بِتَعْرِيضِهَا إلَى عَذَاب اللَّه ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا﴾ مهزوءا بها بمخالفتها ﴿واذكروا نعمت اللَّه عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِسْلَامِ ﴿وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿وَالْحِكْمَة﴾ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْكَام ﴿يَعِظكُمْ بِهِ﴾ بِأَنْ تَشْكُرُوهَا بِالْعَمَلِ بِهِ ﴿وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم﴾ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء
٢٣ -
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلهنَّ﴾ انْقَضَتْ عِدَّتهنَّ ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ خِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ أَيْ تَمْنَعُوهُنَّ مِنْ ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجهنَّ﴾ الْمُطَلِّقِينَ لَهُنَّ لِأَنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ أُخْت مَعْقِل بْن يَسَار طَلَّقَهَا زَوْجهَا فَأَرَادَ أَنْ يُرَاجِعهَا فَمَنَعَهَا مَعْقِل بْن يَسَار كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم ﴿إذَا تَرَاضَوْا﴾ أَيْ الْأَزْوَاج وَالنِّسَاء ﴿بَيْنهمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ شَرْعًا ﴿ذَلِكَ﴾ النَّهْي عَنْ الْعَضْل ﴿يُوعَظ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِع بِهِ ﴿ذَلِكُمْ﴾ أَيْ تَرْك الْعَضْل ﴿أَزْكَى﴾ خَيْر ﴿لَكُمْ وَأَطْهَر﴾ لَكُمْ وَلَهُمْ لِمَا يَخْشَى عَلَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرِّيبَة بِسَبَبِ الْعَلَاقَة بَيْنهمَا ﴿وَاَللَّه يَعْلَم﴾ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَة ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فاتبعوا أوامره
٢٣ -
﴿وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ﴾ أَيْ لِيُرْضِعْنَ ﴿أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ﴾ عَامَيْنِ ﴿كَامِلَيْنِ﴾ صِفَة مُؤَكِّدَة ذَلِكَ ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ الرَّضَاعَة﴾ وَلَا زِيَادَة عَلَيْهِ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُود لَهُ﴾ أَيْ الْأَب ﴿رِزْقهنَّ﴾ إطْعَام الْوَالِدَات ﴿وَكِسْوَتهنَّ﴾ عَلَى الْإِرْضَاع إذَا كُنَّ مُطَلَّقَات ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِقَدْرِ طَاقَته ﴿لَا تُكَلَّف نَفْس إلَّا وُسْعهَا﴾ طَاقَتهَا ﴿لَا تُضَارّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا﴾ أَيْ بِسَبَبِهِ بِأَنْ تكره على إرضاعه إذا امتنعت ﴿وَلَا﴾ يُضَارّ ﴿مَوْلُود لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أَيْ بِسَبَبِهِ بِأَنْ يُكَلَّف فَوْق طَاقَته وَإِضَافَة الْوَلَد إلَى كُلّ مِنْهُمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِاسْتِعْطَافِ ﴿وَعَلَى الْوَارِث﴾ أَيْ وَارِث الْأَب وَهُوَ الصَّبِيّ أَيْ عَلَى وَلِيّه فِي مَاله ﴿مِثْل ذَلِكَ﴾ الَّذِي عَلَى الْأَب لِلْوَالِدَةِ مِنْ الرِّزْق وَالْكِسْوَة ﴿فَإِنْ أَرَادَا﴾ أي الولدان ﴿فِصَالًا﴾ فِطَامًا لَهُ قَبْل الْحَوْلَيْنِ صَادِرًا ﴿عَنْ تَرَاضٍ﴾ اتِّفَاق ﴿مِنْهُمَا وَتَشَاوُر﴾ بَيْنهمَا لِتَظْهَر مَصْلَحَة الصَّبِيّ فِيهِ ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا﴾ فِي ذَلِكَ ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ﴾ خِطَاب لِلْآبَاءِ ﴿أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادكُمْ﴾ مَرَاضِع غَيْر الْوَالِدَات ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ﴾ فِيهِ ﴿إذَا سَلَّمْتُمْ﴾ إلَيْهِنَّ ﴿مَا آتَيْتُمْ﴾ أَيْ أَرَدْتُمْ إيتَاءَهُ لَهُنَّ مِنْ الْأُجْرَة ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالْجَمِيلِ كَطِيبِ النَّفْس ﴿وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ
50
٢٣ -
51
﴿وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ يَمُوتُونَ ﴿مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ﴾ يَتْرُكُونَ ﴿أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ ﴿بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ بَعْدهمْ عَنْ النِّكَاح ﴿أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا﴾ مِنْ اللَّيَالِي وَهَذَا فِي غَيْر الْحَوَامِل أَمَّا الْحَوَامِل فَعِدَّتهنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلهنَّ بِآيَةِ الطَّلَاق وَالْأَمَة عَلَى النِّصْف مِنْ ذلك بالنسبة ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلهنَّ﴾ انْقَضَتْ مُدَّة تَرَبُّصهنَّ ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ﴾ أَيّهَا الْأَوْلِيَاء ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسهنَّ﴾ مِنْ التَّزَيُّن وَالتَّعَرُّض لِلْخُطَّابِ ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شَرْعًا ﴿وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ عَالِم بِبَاطِنِهِ كَظَاهِرِهِ
٢٣ -
﴿وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ﴾ لَوَّحْتُمْ ﴿بِهِ مِنْ خِطْبَة النِّسَاء﴾ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي الْعِدَّة كَقَوْلِ الْإِنْسَان مَثَلًا إنَّك لَجَمِيلَة وَمَنْ يَجِد مِثْلك وَرُبّ رَاغِب فِيك ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ﴾ أَضْمَرْتُمْ ﴿فِي أَنْفُسكُمْ﴾ مِنْ قَصْد نِكَاحهنَّ ﴿عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ بِالْخِطْبَةِ وَلَا تَصْبِرُونَ عَنْهُنَّ فَأَبَاحَ لَكُمْ التَّعْرِيض ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ أَيْ نِكَاحًا ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ أَيْ مَا عُرِفَ شَرْعًا مِنْ التَّعْرِيض فَلَكُمْ ذَلِكَ ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَة النِّكَاح﴾ أَيْ عَلَى عَقْده ﴿حَتَّى يَبْلُغ الْكِتَاب﴾ أَيْ الْمَكْتُوب مِنْ الْعِدَّة ﴿أَجَله﴾ بِأَنْ يَنْتَهِي ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا فِي أَنْفُسكُمْ﴾ مِنْ الْعَزْم وَغَيْره ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾ أَنْ يُعَاقِبكُمْ إذَا عَزَمْتُمْ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِمَنْ يَحْذَرهُ ﴿حَلِيم﴾ بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَة عَنْ مُسْتَحِقّهَا
٢٣ -
﴿لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ وَفِي قِرَاءَة ﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ أَيْ تُجَامِعُوهُنَّ ﴿أو﴾ لم ﴿تفرضوا لهن فريضة﴾ مهرا وَمَا مَصْدَرِيَّة ظَرْفِيَّة أَيْ لَا تَبَعَة عَلَيْكُمْ فِي الطَّلَاق زَمَن عَدَم الْمَسِيس وَالْفَرْض بِإِثْمٍ ولا مهر فطلقوهن ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أَعْطُوهُنَّ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ ﴿عَلَى الْمُوسِع﴾ الْغَنِيّ مِنْكُمْ ﴿قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر﴾ الضَّيِّق الرِّزْق ﴿قَدَره﴾ يُفِيد أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى قَدَر الزَّوْجَة ﴿مَتَاعًا﴾ تَمْتِيعًا ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شَرْعًا صِفَة مَتَاعًا ﴿حقا﴾ صفة ثانية أو مصدرية مُؤَكِّدَة ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ الْمُطِيعِينَ
51
٢٣ -
52
﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ﴾ يَجِب لَهُنَّ وَيَرْجِع لَكُمْ النِّصْف ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿أَنْ يَعْفُونَ﴾ أَيْ الزَّوْجَات فَيَتْرُكْنَهُ ﴿أَوْ يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَة النِّكَاح﴾ وَهُوَ الزَّوْج فَيَتْرُك لَهَا الكل وعن بن عَبَّاس الْوَلِيّ إذَا كَانَتْ مَحْجُورَة فَلَا حَرَج فِي ذَلِكَ ﴿وَأَنْ تَعْفُوا﴾ مُبْتَدَأ خَبَره ﴿أَقْرَب لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنكُمْ﴾ أَيْ أَنْ يَتَفَضَّل بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض ﴿إنَّ اللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
٢٣ -
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات﴾ الْخَمْس بِأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتهَا ﴿وَالصَّلَاة الْوُسْطَى﴾ هِيَ الْعَصْر أَوْ الصُّبْح أَوْ الظُّهْر أَوْ غَيْرهَا أَقْوَال وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِفَضْلِهَا ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ﴾ فِي الصَّلَاة ﴿قَانِتِينَ﴾ قِيلَ مُطِيعِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ قُنُوت فِي الْقُرْآن فَهُوَ طَاعَة رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْره وَقِيلَ سَاكِتِينَ لِحَدِيثِ زَيْد بْن أَرْقَم كُنَّا نَتَكَلَّم فِي الصَّلَاة حَتَّى نَزَلَتْ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَام رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
٢٣ -
﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ مِنْ عَدُوّ أَوْ سَيْل أَوْ سَبُع ﴿فَرِجَالًا﴾ جَمْع رَاجِل أَيْ مُشَاة صَلَّوْا ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾ جَمْع رَاكِب أَيْ كَيْفَ أَمْكَنَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَة أَوْ غَيْرهَا وَيُومِئ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ مِنْ الْخَوْف ﴿فَاذْكُرُوا اللَّه﴾ أَيْ صَلُّوا ﴿كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ قَبْل تَعْلِيمه مِنْ فَرَائِضهَا وَحُقُوقهَا وَالْكَاف بِمَعْنَى مِثْل وَمَا مَصْدَرِيَّة أَوْ مَوْصُولَة
٢٤ -
﴿وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ فَلْيُوصُوا ﴿وَصِيَّة﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ أَيْ عَلَيْهِمْ ﴿لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ وَلْيُعْطُوهُنَّ ﴿مَتَاعًا﴾ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ مِنْ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة ﴿إلَى﴾ تَمَام ﴿الْحَوْل﴾ حَال أَيْ غَيْر مُخْرِجَات مِنْ مَسْكَنهنَّ ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴿فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ﴾ يَا أَوْلِيَاء الْمَيِّت ﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسهنَّ مِنْ مَعْرُوف﴾ شَرْعًا كَالتَّزَيُّنِ وَتَرْك الْإِحْدَاد وَقَطْع النَّفَقَة عَنْهَا ﴿وَاَللَّه عَزِيز﴾ فِي مُلْكه ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه وَالْوَصِيَّة الْمَذْكُورَة مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْمِيرَاث وَتَرَبُّص الْحَوْل بِآيَةِ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا السَّابِقَة الْمُتَأَخِّرَة فِي النُّزُول وَالسُّكْنَى ثَابِتَة لَهَا عِنْد الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه
٢٤ -
﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع﴾ يُعْطِينَهُ ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِقَدْرِ الْإِمْكَان ﴿حَقًّا﴾ نُصِبَ بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ اللَّه تَعَالَى كَرَّرَهُ لِيَعُمّ الْمَمْسُوسَة أَيْضًا إذْ الْآيَة السَّابِقَة في غيرها
٢٤ -
﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا يُبَيِّن لَكُمْ مَا ذُكِرَ ﴿يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تَتَدَبَّرُونَ
52
٢٤ -
53
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ اسْتِفْهَام تَعْجِيب وَتَشْوِيق إلَى اسْتِمَاع مَا بَعْده أَيْ يَنْتَهِ عِلْمك ﴿إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف﴾ أَرْبَعَة أَوْ ثَمَانِيَة أَوْ عَشَرَة أَوْ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ سَبْعُونَ أَلْفًا ﴿حَذَر الْمَوْت﴾ مَفْعُول لَهُ وَهُمْ قَوْم مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَقَعَ الطَّاعُون بِبِلَادِهِمْ فَفَرُّوا ﴿فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا﴾ فَمَاتُوا ﴿ثم أحياهم﴾ بعث ثَمَانِيَة أَيَّام أَوْ أَكْثَر بِدُعَاءِ نَبِيّهمْ حِزْقِيل بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَالْقَاف وَسُكُون الزَّاي فَعَاشُوا دَهْرًا عَلَيْهِمْ أَثَر الْمَوْت لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إلَّا عَادَ كَالْكَفَنِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَسْبَاطهمْ ﴿إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس﴾ وَمِنْهُ إحْيَاء هَؤُلَاءِ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس﴾ وَهُمْ الْكُفَّار ﴿لَا يَشْكُرُونَ﴾ وَالْقَصْد مِنْ ذِكْر خَبَر هَؤُلَاءِ تَشْجِيع الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ
٢٤ -
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ لِإِعْلَاءِ دِينه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع﴾ لِأَقْوَالِكُمْ ﴿عَلِيم﴾ بِأَحْوَالِكُمْ فمجازيكم}
٢٤ -
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه﴾ بِإِنْفَاقِ مَاله فِي سَبِيل اللَّه ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ بِأَنْ يُنْفِقهُ لله عَزَّ وَجَلّ عَنْ طِيب قَلْب ﴿فَيُضَاعِفهُ﴾ وَفِي قِرَاءَة فَيُضَعِّفهُ بِالتَّشْدِيدِ ﴿لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة﴾ مِنْ عَشْر إلَى أَكْثَر مِنْ سَبْعمِائَةٍ كَمَا سَيَأْتِي ﴿وَاَللَّه يَقْبِض﴾ يُمْسِك الرِّزْق عَمَّنْ يَشَاء ابْتِلَاء ﴿وَيَبْسُط﴾ يُوَسِّعهُ لِمَنْ يَشَاء امْتِحَانًا ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فِي الْآخِرَة بِالْبَعْثِ فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ
٢٤ -
﴿ألم تر إلى الملأ﴾ الجماعة ﴿مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْدِ﴾ مَوْت ﴿مُوسَى﴾ أي إلى قصتهم وخبرهم ﴿إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لهم﴾ هو شمويل ﴿ابعث﴾ أقم ﴿لنا مَلِكًا نُقَاتِل﴾ مَعَهُ ﴿فِي سَبِيل اللَّه﴾ تَنْتَظِم بِهِ كَلِمَتنَا وَنَرْجِع إلَيْهِ ﴿قَالَ﴾ النَّبِيّ لَهُمْ ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْر ﴿إن كتب عليكم القتال أ﴾ ن ﴿لَا تُقَاتِلُوا﴾ خَبَر عَسَى وَالِاسْتِفْهَام لِتَقْرِيرِ التَّوَقُّع بها ﴿قالوا وما لنا أ﴾ ن ﴿لَا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ بِسَبْيِهِمْ وَقَتْلهمْ وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ قَوْم جَالُوت أَيْ لَا مَانِع لنا منه مع وجود مقتضيه قال تعالى ﴿فلما كتب عليهم القتال تَوَلَّوْا﴾ عَنْهُ وَجَبُنُوا ﴿إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ وَهُمْ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهْر مَعَ طَالُوت كَمَا سَيَأْتِي ﴿وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ﴾ فَمُجَازِيهمْ وَسَأَلَ النَّبِيّ إرْسَال مَلِك فَأَجَابَهُ إلَى إرْسَال طَالُوت
53
٢٤ -
54
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة وَلَا النُّبُوَّة وَكَانَ دَبَّاغًا أَوْ رَاعِيًا ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال﴾ يَسْتَعِين بِهَا عَلَى إقَامَة الْمُلْك ﴿قَالَ﴾ النَّبِيّ لَهُمْ ﴿إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ﴾ اخْتَارَهُ لِلْمُلْكِ ﴿عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة﴾ سَعَة ﴿فِي الْعِلْم وَالْجِسْم﴾ وَكَانَ أَعْلَم بَنِي إسْرَائِيل يَوْمئِذٍ وَأَجْمَلهمْ وَأَتَمّهمْ خَلْقًا ﴿وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء﴾ إيتَاءَهُ لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ ﴿وَاَللَّه وَاسِع﴾ فَضْله ﴿عَلِيم﴾ بِمَنْ هُوَ أَهْل لَهُ
٢٤ -
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ﴾ لَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ آيَة عَلَى مُلْكه ﴿إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ﴾ الصُّنْدُوق كَانَ فِيهِ صُوَر الْأَنْبِيَاء أَنْزَلَهُ عَلَى آدَم وَاسْتَمَرَّ إلَيْهِمْ فَغَلَبَهُمْ الْعَمَالِقَة عَلَيْهِ وَأَخَذُوهُ وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى عَدُوّهُمْ وَيُقَدِّمُونَهُ في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى ﴿فِيهِ سَكِينَة﴾ طُمَأْنِينَة لِقُلُوبِكُمْ ﴿مِنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ﴾ وَهِيَ نَعْلَا مُوسَى وَعَصَاهُ وَعِمَامَة هَارُونَ وَقَفِيز مِنْ الْمَنّ الَّذِي كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِمْ وَرُضَاض مِنْ الْأَلْوَاح ﴿تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة﴾ حَال مِنْ فَاعِل يَأْتِيكُمْ ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لَكُمْ﴾ عَلَى مُلْكه ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَة بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْد طَالُوت فَأَقَرُّوا بِمُلْكِهِ وَتَسَارَعُوا إلَى الْجِهَاد فَاخْتَارَ مِنْ شَبَابهمْ سَبْعِينَ أَلْفًا
54
٢٤ -
55
﴿فَلَمَّا فَصَلَ﴾ خَرَجَ ﴿طَالُوت بِالْجُنُودِ﴾ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس وَكَانَ الْحَرّ شَدِيدًا وَطَلَبُوا مِنْهُ الْمَاء ﴿قَالَ إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ﴾ مُخْتَبِركُمْ ﴿بِنَهَرٍ﴾ لِيَظْهَر الْمُطِيع مِنْكُمْ وَالْعَاصِي وَهُوَ بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين ﴿فمن شرب منه﴾ أي من ماءه ﴿فَلَيْسَ مِنِّي﴾ أَيْ مِنْ أَتْبَاعِي ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ﴾ يَذُقْهُ ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة﴾ بِالْفَتْحِ وَالضَّمّ ﴿بِيَدِهِ﴾ فَاكْتَفَى بِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ مِنِّي ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ﴾ لَمَّا وَافَوْه بِكَثْرَةٍ ﴿إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغُرْفَة رُوِيَ أَنَّهَا كَفَتْهُمْ لِشُرْبِهِمْ وَدَوَابّهمْ وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ وَهُمْ الَّذِينَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْغُرْفَة ﴿قَالُوا﴾ أَيْ الَّذِينَ شَرِبُوا ﴿لَا طَاقَة﴾ قُوَّة ﴿لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده﴾ أَيْ بِقِتَالِهِمْ وَجَبُنُوا وَلَمْ يُجَاوِزُوهُ ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ يُوقِنُونَ ﴿أنهم ملاقوا اللَّه﴾ بِالْبَعْثِ وَهُمْ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ ﴿كَمْ﴾ خَبَرِيَّة بِمَعْنَى كَثِير ﴿مِنْ فِئَة﴾ جَمَاعَة ﴿قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
٢٥ -
﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوت وَجُنُوده﴾ أَيْ ظَهَرُوا لِقِتَالِهِمْ وَتَصَافُّوا ﴿قَالُوا رَبّنَا أَفْرِغْ﴾ أَصْبِبْ ﴿عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا﴾ بِتَقْوِيَةِ قُلُوبنَا عَلَى الْجِهَاد ﴿وانصرنا على القوم الكافرين﴾
٢٥ -
﴿فَهَزَمُوهُمْ﴾ كَسَرُوهُمْ ﴿بِإِذْنِ اللَّه﴾ بِإِرَادَتِهِ ﴿وَقَتَلَ دَاوُد﴾ وَكَانَ فِي عَسْكَر طَالُوت ﴿جَالُوت وَآتَاهُ﴾ أَيْ دَاوُد ﴿اللَّه الْمُلْك﴾ فِي بَنِي إسْرَائِيل ﴿وَالْحِكْمَة﴾ النُّبُوَّة بَعْد مَوْت شَمْوِيل وَطَالُوت وَلَمْ يَجْتَمِعَا لِأَحَدٍ قَبْله ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ كَصَنْعَةِ الدُّرُوع وَمَنْطِق الطَّيْر ﴿وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضَهْم﴾ بَدَل بَعْض مِنْ النَّاس ﴿بِبَعْض لَفَسَدَتْ الْأَرْض﴾ بِغَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ وَقَتْل الْمُسْلِمِينَ وَتَخْرِيب الْمَسَاجِد ﴿وَلَكِنَّ اللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ فَدَفَعَ بَعْضهمْ ببعض
٢٥ -
﴿تِلْكَ﴾ هَذِهِ الْآيَات آيَات اللَّه ﴿نَتْلُوهَا﴾ نَقُصّهَا ﴿عَلَيْك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالصِّدْقِ ﴿وَإِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ﴾ التَّأْكِيد بِأَنَّ وَغَيْرهَا رَدّ لِقَوْلِ الْكُفَّار لَهُ لَسْت مُرْسَلًا
٢٥ -
﴿تِلْكَ﴾ مُبْتَدَأ ﴿الرُّسُل﴾ نَعْت أَوْ عَطْف بَيَان وَالْخَبَر ﴿فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض﴾ بِتَخْصِيصِهِ بِمَنْقَبَةٍ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه﴾ كَمُوسَى ﴿وَرَفَعَ بَعْضهمْ﴾ أَيْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿دَرَجَات﴾ عَلَى غَيْره بِعُمُومِ الدَّعْوَة وَخَتْم النُّبُوَّة وَتَفْضِيل أُمَّته عَلَى سَائِر الْأُمَم وَالْمُعْجِزَات المتكاثرات والخصائص العديدة ﴿وآتينا عيسى بن مَرْيَم الْبَيِّنَات وَأَيَّدْنَاهُ﴾ قَوَّيْنَاهُ ﴿بِرُوحِ الْقُدُس﴾ جِبْرِيل يَسِير مَعَهُ حَيْثُ سَارَ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه﴾ هَدَى النَّاس جَمِيعًا ﴿مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ﴾ بَعْد الرُّسُل أَيْ أُمَمهمْ ﴿مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات﴾ لِاخْتِلَافِهِمْ وَتَضْلِيل بَعْضهمْ بَعْضًا ﴿وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا﴾ لِمَشِيئَتِهِ ذَلِكَ ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ﴾ ثَبَتَ عَلَى إيمَانه ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ﴾ كَالنَّصَارَى بَعْد الْمَسِيح ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلُوا﴾ تَأْكِيد ﴿وَلَكِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد﴾ مِنْ توفيق من شاء وخذلان من شاء
55
٢٥ -
56
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ زَكَاته ﴿مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَا بَيْع﴾ فِدَاء ﴿فِيهِ وَلَا خُلَّة﴾ صَدَاقَة تَنْفَع ﴿وَلَا شَفَاعَة﴾ بِغَيْرِ إذْنه وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَفِي قِرَاءَة بِرَفْعِ الثَّلَاثَة ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ بِاَللَّهِ أَوْ بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ ﴿هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ لِوَضْعِهِمْ أَمْر اللَّه فِي غير محله
٢٥ -
﴿اللَّه لَا إلَه﴾ أَيْ لَا مَعْبُود بِحَقٍّ فِي الْوُجُود ﴿إلَّا هُوَ الْحَيّ﴾ الدَّائِم بِالْبَقَاءِ ﴿الْقَيُّوم﴾ الْمُبَالِغ فِي الْقِيَام بِتَدْبِيرِ خَلْقه ﴿لَا تَأْخُذهُ سِنَة﴾ نُعَاس ﴿وَلَا نَوْم لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض﴾ مُلْكًا وَخَلْقًا وَعَبِيدًا ﴿مَنْ ذَا الَّذِي﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ﴾ لَهُ فِيهَا ﴿يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ﴾ أَيْ الْخَلْق ﴿وَمَا خَلْفهمْ﴾ أَيْ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه﴾ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ مَعْلُومَاته ﴿إلَّا بِمَا شَاءَ﴾ أَنْ يُعْلِمهُمْ بِهِ مِنْهَا بِأَخْبَارِ الرُّسُل ﴿وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ قِيلَ أَحَاطَ عِلْمه بِهِمَا وَقِيلَ الْكُرْسِيّ نَفْسه مُشْتَمِل عَلَيْهِمَا لِعَظَمَتِهِ لِحَدِيثِ مَا السَّمَاوَات السَّبْع فِي الْكُرْسِيّ إلَّا كَدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ في ترس ﴿ولا يؤوده﴾ يثقله ﴿حفظهما﴾ أي السماوات وَالْأَرْض ﴿وَهُوَ الْعَلِيّ﴾ فَوْق خَلْقه بِالْقَهْرِ ﴿الْعَظِيم﴾ الكبير
٢٥ -
﴿لَا إكْرَاه فِي الدِّين﴾ عَلَى الدُّخُول فِيهِ ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ﴾ أَيْ ظَهَرَ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَات أَنَّ الْإِيمَان رُشْد وَالْكُفْر غَيّ نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَنْصَار أَوْلَاد أَرَادَ أَنْ يُكْرِههُمْ عَلَى الْإِسْلَام ﴿فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ﴾ الشَّيْطَان أَوْ الْأَصْنَام وَهُوَ يُطْلَق عَلَى الْمُفْرَد وَالْجَمْع ﴿وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ﴾ تَمَسَّكَ ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ بِالْعَقْدِ الْمُحْكَم ﴿لَا انْفِصَام﴾ انْقِطَاع ﴿لَهَا وَاَللَّه سَمِيع﴾ لِمَا يُقَال ﴿عَلِيم﴾ بِمَا يفعل
٢٥ -
﴿اللَّه وَلِيّ﴾ نَاصِر ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات﴾ الْكُفْر ﴿إلَى النُّور﴾ الْإِيمَان ﴿وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات﴾ ذَكَرَ الْإِخْرَاج أَمَّا فِي مُقَابَلَة قَوْله يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات أَوْ فِي كُلّ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ قَبْل بَعْثَته مِنْ الْيَهُود ثُمَّ كَفَرَ بِهِ {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
56
٢٥ -
57
﴿أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ﴾ جَادَلَ ﴿إبراهيم في ربه﴾ ل ﴿أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك﴾ أَيْ حَمَلَهُ بَطَره بنعمة الله على ذلك وهو النمروذ ﴿إذْ﴾ بَدَل مِنْ حَاجَّ ﴿قَالَ إبْرَاهِيم﴾ لَمَّا قَالَ لَهُ مَنْ رَبّك الَّذِي تَدْعُونَا إلَيْهِ ﴿رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت﴾ أَيْ يَخْلُق الْحَيَاة وَالْمَوْت فِي الْأَجْسَاد ﴿قَالَ﴾ هُوَ ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت﴾ بِالْقَتْلِ وَالْعَفْو عَنْهُ وَدَعَا بِرَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدهمَا وَتَرَكَ الْآخَر فَلَمَّا رَآهُ غَبِيًّا ﴿قَالَ إبْرَاهِيم﴾ مُنْتَقِلًا إلَى حُجَّة أَوْضَح مِنْهَا ﴿فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا﴾ أَنْت ﴿مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ تَحَيَّرَ وَدُهِشَ ﴿وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ﴾ بِالْكُفْرِ إلَى مَحَجَّة الِاحْتِجَاج
٢٥ -
﴿أَوْ﴾ رَأَيْت ﴿كَاَلَّذِي﴾ الْكَاف زَائِدَة ﴿مَرَّ عَلَى قَرْيَة﴾ هِيَ بَيْت الْمَقْدِس رَاكِبًا عَلَى حِمَار وَمَعَهُ سَلَّة تِين وَقَدَح عَصِير وَهُوَ عُزَيْر ﴿وَهِيَ خَاوِيَة﴾ سَاقِطَة ﴿عَلَى عُرُوشهَا﴾ سُقُوطهَا لَمَّا خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ ﴿قَالَ أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا﴾ اسْتِعْظَامًا لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّه﴾ وَأَلْبَثَهُ ﴿مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ أَحْيَاهُ ليريه كيفية ذلك ﴿قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُ ﴿كَمْ لَبِثْت﴾ مَكَثْت هُنَا ﴿قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم﴾ لِأَنَّهُ نَامَ أَوَّل النَّهَار فَقُبِضَ وَأُحْيِي عِنْد الْغُرُوب فَظَنَّ أَنَّهُ يَوْم النَّوْم ﴿قَالَ بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام فَانْظُرْ إلَى طَعَامك﴾ التِّين ﴿وَشَرَابك﴾ الْعَصِير ﴿لَمْ يَتَسَنَّهُ﴾ لَمْ يَتَغَيَّر مَعَ طُول الزَّمَان وَالْهَاء قِيلَ أَصْل مِنْ سَانَهْت وَقِيلَ لِلسَّكْتِ مِنْ سَانَيْت وَفِي قِرَاءَة بِحَذْفِهَا ﴿وَانْظُرْ إلَى حِمَارك﴾ كَيْفَ هُوَ فَرَآهُ مَيِّتًا وَعِظَامه بيض تلوح فعلنا ذلك لتعلم ﴿وَلِنَجْعَلك آيَة﴾ عَلَى الْبَعْث ﴿لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام﴾ مِنْ حِمَارك ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ نُحْيِيهَا بِضَمِّ النون وقرئ بفتحها من أنشر ونشر لُغَتَانِ وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّهَا وَالزَّاي نُحَرِّكهَا وَنَرْفَعهَا ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَّبَتْ وَكُسِيَتْ لَحْمًا وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوح وَنَهَقَ ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ ﴿قَالَ أَعْلَم﴾ عِلْم مُشَاهَدَة ﴿أن الله على كل شيء قدير﴾ وَفِي قِرَاءَة اعْلَمْ أَمْر مِنْ اللَّه لَهُ
57
٢٦ -
58
﴿و﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُ ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِن﴾ بِقُدْرَتِي عَلَى الْإِحْيَاء سَأَلَهُ مَعَ عِلْمه بِإِيمَانِهِ بِذَلِكَ لِيُجِيبَهُ بِمَا سَأَلَ فَيَعْلَم السَّامِعُونَ غرضه ﴿قال بلى﴾ آمنت ﴿وَلَكِنْ﴾ سَأَلْتُك ﴿لِيَطْمَئِنّ﴾ يَسْكُن ﴿قَلْبِي﴾ بِالْمُعَايَنَةِ الْمَضْمُومَة إلَى الِاسْتِدْلَال ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنَّ إلَيْك﴾ بِكَسْرِ الصَّاد وَضَمّهَا أَمِلْهُنَّ إلَيْك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل﴾ مِنْ جِبَال أَرْضك ﴿منهن جزءا ثم اُدْعُهُنَّ﴾ إلَيْك ﴿يَأْتِينَك سَعْيًا﴾ سَرِيعًا ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز﴾ لَا يُعْجِزهُ شَيْء ﴿حَكِيم﴾ في صنعه فَأَخَذَ طَاوُوسًا وَنِسْرًا وَغُرَابًا وَدِيكًا وَفَعَلَ بِهِنَّ ما ذكر وأمسك رؤوسهن عِنْده وَدَعَاهُنَّ فَتَطَايَرَتْ الْأَجْزَاء إلَى بَعْضهَا حَتَّى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها
٢٦ -
﴿مَثَل﴾ صِفَة نَفَقَات ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ طَاعَته ﴿كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة﴾ فكذلك نفقاتهم تضاعف لسبعمائة ضِعْف ﴿وَاَللَّه يُضَاعِف﴾ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ﴿لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع﴾ فَضْله ﴿عَلِيم﴾ بِمَنْ يَسْتَحِقّ المضاعفة
٢٦ -
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه ثُمَّ لا يتبعون ما أنفقوا مَنًّا﴾ عَلَى الْمُنْفَق عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ مَثَلًا قَدْ أحسنت إليه وجبرت حاله ﴿وَلَا أَذًى﴾ لَهُ بِذِكْرِ ذَلِكَ إلَى مَنْ لَا يُحِبّ وُقُوفه عَلَيْهِ وَنَحْوه ﴿لَهُمْ أَجْرهمْ﴾ ثَوَاب إنْفَاقهمْ ﴿عِنْد رَبّهمْ وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فِي الْآخِرَة
٢٦ -
﴿قَوْل مَعْرُوف﴾ كَلَام حَسَن وَرَدّ عَلَى السَّائِل جميل ﴿ومغفرة﴾ لَهُ فِي إلْحَاحه ﴿خَيْر مِنْ صَدَقَة يَتْبَعهَا أَذًى﴾ بِالْمَنِّ وَتَعْيِير لَهُ بِالسُّؤَالِ ﴿وَاَللَّه غَنِيّ﴾ عَنْ صَدَقَة الْعِبَاد ﴿حَلِيم﴾ بِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَة عَنْ المان والمؤذي
58
٢٦ -
59
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ﴾ أَيْ أُجُورهَا ﴿بالمن والأذى﴾ إبطالا ﴿كَاَلَّذِي﴾ أَيْ كَإِبْطَالِ نَفَقَة الَّذِي ﴿يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس﴾ مُرَائِيًا لَهُمْ ﴿وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ هُوَ الْمُنَافِق ﴿فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان﴾ حَجَر أَمْلَس ﴿عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل﴾ مَطَر شَدِيد ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ صُلْبًا أَمْلَس لَا شَيْء عَلَيْهِ ﴿لَا يَقْدِرُونَ﴾ اسْتِئْنَاف لِبَيَانِ مَثَل الْمُنَافِق الْمُنْفِق رِئَاء النَّاس وَجَمْع الضَّمِير بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الَّذِي ﴿عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا﴾ عَمِلُوا أَيْ لَا يَجِدُونَ لَهُ ثَوَابًا فِي الْآخِرَة كَمَا لَا يُوجَد عَلَى الصَّفْوَان شَيْء مِنْ التُّرَاب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِإِذْهَابِ الْمَطَر لَهُ ﴿والله لا يهدي القوم الكافرين﴾
٢٦ -
﴿وَمَثَل﴾ نَفَقَات ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء﴾ طَلَب ﴿مرضاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ﴾ أَيْ تَحْقِيقًا لِلثَّوَابِ عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجون لِإِنْكَارِهِمْ لَهُ وَمِنْ ابْتِدَائِيَّة ﴿كَمَثَلِ جَنَّة﴾ بُسْتَان ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ بِضَمِّ الرَّاء وَفَتْحهَا مَكَان مُرْتَفِع مُسْتَوٍ ﴿أَصَابَهَا وَابِل فَآتَتْ﴾ أَعْطَتْ ﴿أُكُلهَا﴾ بِضَمِّ الْكَاف وَسُكُونهَا ثَمَرهَا ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ مِثْلَيْ مَا يُثْمِر غَيْرهَا ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ﴾ مَطَر خَفِيف يُصِيبهَا وَيَكْفِيهَا لِارْتِفَاعِهَا الْمَعْنَى تُثْمِر وَتَزْكُو كَثُرَ الْمَطَر أَمْ قَلَّ فَكَذَلِكَ نَفَقَات مَنْ ذُكِرَ تَزْكُو عِنْد اللَّه كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ ﴿وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
٢٦ -
﴿أَيَوَدُّ﴾ أَيُحِبُّ ﴿أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة﴾ بُسْتَان ﴿مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الأنهار له فيها﴾ ثمر ﴿من كل الثمرات وَقَدْ {أَصَابَهُ الْكِبَر﴾ فَضَعَفَ مِنْ الْكِبَر عَنْ الْكَسْب ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء﴾ أَوْلَاد صِغَار لَا يقدرون عليه ﴿فأصابها إعصار﴾ ريح شديدة فيها ﴿فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ﴾ فَفَقَدَهَا أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهَا وَبَقِيَ هُوَ وَأَوْلَاده عَجَزَة مُتَحَيِّرِينَ لَا حِيلَة لَهُمْ وَهَذَا تَمْثِيل لِنَفَقَةِ الْمُرَائِي وَالْمَانّ فِي ذَهَابهَا وَعَدَم نَفْعهَا أَحْوَج مَا يَكُون إلَيْهَا فِي الْآخِرَة وَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي وَعَنْ بن عَبَّاس هُوَ الرَّجُل عَمِلَ بِالطَّاعَاتِ ثُمَّ بَعَثَ لَهُ الشَّيْطَان فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَحْرَقَ أَعْمَاله ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا بُيِّنَ مَا ذُكِرَ ﴿يُبَيِّن اللَّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون﴾ فتعتبرون
٢٦ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا﴾ أَيْ زَكُّوا ﴿مِنْ طَيِّبَات﴾ جياد ﴿ما كسبتم﴾ من المال ﴿وم﴾ ن طيبات ﴿ما أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض﴾ مِنْ الْحُبُوب وَالثِّمَار ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ تَقْصِدُوا ﴿الْخَبِيث﴾ الرَّدِيء ﴿مِنْهُ﴾ أَيْ من المذكور ﴿تنفقون﴾ هـ فِي الزَّكَاة حَال مِنْ ضَمِير تَيَمَّمُوا ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ أَيْ الْخَبِيث لَوْ أَعْطَيْتُمُوهُ فِي حُقُوقكُمْ ﴿إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ بِالتَّسَاهُلِ وَغَضّ الْبَصَر فَكَيْفَ تُؤَدُّونَ مِنْهُ حَقّ اللَّه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَنِيّ﴾ عَنْ نَفَقَاتكُمْ ﴿حَمِيد﴾ مَحْمُود عَلَى كل حال
59
٢٦ -
60
﴿الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر﴾ يُخَوِّفكُمْ بِهِ إنْ تَصَدَّقْتُمْ فَتُمْسِكُوا ﴿وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ الْبُخْل وَمَنْع الزَّكَاة ﴿وَاَللَّه يَعِدكُمْ﴾ عَلَى الْإِنْفَاق ﴿مَغْفِرَة مِنْهُ﴾ لِذُنُوبِكُمْ ﴿وَفَضْلًا﴾ رزقا خلفا منه ﴿والله وَاسِع﴾ فَضْله ﴿عَلِيم﴾ بِالْمُنْفِقِ
٢٦ -
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَة﴾ أَيْ الْعِلْم النَّافِع الْمُؤَدِّي إلَى الْعَمَل ﴿مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ لِمَصِيرِهِ إلَى السَّعَادَة الْأَبَدِيَّة ﴿وَمَا يُذْكَر﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال يتعظ ﴿إلا أولوا الْأَلْبَاب﴾ أَصْحَاب الْعُقُول
٢٧ -
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة﴾ أَدَّيْتُمْ مِنْ زَكَاة أَوْ صَدَقَة ﴿أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْر﴾ فَوَفَّيْتُمْ بِهِ ﴿فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ﴾ فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾ بِمَنْعِ الزَّكَاة وَالنَّذْر أَوْ بِوَضْعِ الْإِنْفَاق فِي غَيْر مَحَلّه مِنْ مَعَاصِي اللَّه ﴿مِنْ أَنْصَار﴾ مَانِعِينَ لَهُمْ مِنْ عَذَابه
٢٧ -
﴿إنْ تُبْدُوا﴾ تُظْهِرُوا ﴿الصَّدَقَات﴾ أَيْ النَّوَافِل ﴿فَنِعِمَّا هي﴾ أي نعم شيئا إبداؤه ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا﴾ تُسِرُّوهَا ﴿وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْر لَكُمْ﴾ مِنْ إبْدَائِهَا وَإِيتَائِهَا الْأَغْنِيَاء أَمَّا صَدَقَة الْفَرْض فَالْأَفْضَل إظْهَارهَا لِيُقْتَدَى بِهِ وَلِئَلَّا يُتَّهَم وَإِيتَاؤُهَا الْفُقَرَاء مُتَعَيَّن ﴿وَيُكَفِّر﴾ بِالْيَاءِ وَالنُّون مَجْزُومًا بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلّ فَهُوَ وَمَرْفُوعًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف ﴿عنكم من﴾ بعض ﴿سيآتكم وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ عَالِم بِبَاطِنِهِ كَظَاهِرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ
٢٧ -
وَلَمَّا مَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّصَدُّق عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِيُسْلِمُوا نَزَلَ ﴿لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ﴾ أَيْ النَّاس إلَى الدُّخُول فِي الْإِسْلَام إنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ ﴿وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء﴾ هِدَايَته إلَى الدُّخُول فِيهِ ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر﴾ مَال ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ لِأَنَّ ثَوَابه لَهَا ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إلَّا ابْتِغَاء وَجْه اللَّه﴾ أَيْ ثَوَابه لَا غَيْره مِنْ أَعْرَاض الدُّنْيَا خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر يُوَفَّ إلَيْكُمْ﴾ جَزَاؤُهُ ﴿وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ تُنْقِصُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَالْجُمْلَتَانِ تَأْكِيد لِلْأُولَى
60
٢٧ -
61
﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ الصَّدَقَات ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ حَبَسُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الْجِهَاد نَزَلَتْ فِي أَهْل الصُّفَّة وَهُمْ أَرْبَعمِائَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أُرْصِدُوا لِتَعَلُّمِ الْقُرْآن وَالْخُرُوج مَعَ السَّرَايَا ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا﴾ سَفَرًا ﴿فِي الْأَرْض﴾ لِلتِّجَارَةِ وَالْمَعَاش لِشُغْلِهِمْ عَنْهُ بِالْجِهَادِ ﴿يَحْسِبهُمْ الْجَاهِل﴾ بِحَالِهِمْ ﴿أَغْنِيَاء مِنْ التَّعَفُّف﴾ أَيْ لِتَعَفُّفِهِمْ عَنْ السُّؤَال وَتَرْكه ﴿تَعْرِفهُمْ﴾ يَا مُخَاطَب ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ عَلَامَتهمْ مِنْ التَّوَاضُع وَأَثَر الْجَهْد ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاس﴾ شَيْئًا فَيُلْحِفُونَ ﴿إلْحَافًا﴾ أَيْ لَا سُؤَال لَهُمْ أَصْلًا فَلَا يَقَع مِنْهُمْ إلْحَاف وَهُوَ الْإِلْحَاح ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَإِنَّ اللَّه به عليم﴾ فمجاز عليه
٢٧ -
﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
٢٧ -
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ أَيْ يَأْخُذُونَهُ وَهُوَ الزِّيَادَة فِي الْمُعَامَلَة بِالنُّقُودِ وَالْمَطْعُومَات فِي الْقَدْر أَوْ الْأَجَل ﴿لَا يَقُومُونَ﴾ مِنْ قُبُورهمْ ﴿إلَّا﴾ قِيَامًا ﴿كَمَا يَقُوم الَّذِي يَتَخَبَّطهُ﴾ يَصْرَعهُ ﴿الشَّيْطَان مِنْ الْمَسّ﴾ الْجُنُون مُتَعَلِّق بيَقُومُونَ ﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ﴿قَالُوا إنَّمَا الْبَيْع مِثْل الرِّبَا﴾ فِي الْجَوَاز وَهَذَا مِنْ عَكْس التَّشْبِيه مُبَالَغَة فَقَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ ﴿وَأَحَلَّ اللَّه الْبَيْع وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ﴾ بَلَغَهُ ﴿مَوْعِظَة﴾ وَعْظ ﴿مِنْ رَبّه فَانْتَهَى﴾ عَنْ أَكْله ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ قَبْل النَّهْي أَيْ لَا يَسْتَرِدّ مِنْهُ ﴿وَأَمْره﴾ فِي الْعَفْو عَنْهُ ﴿إلَى اللَّه وَمَنْ عَادَ﴾ إلَى أَكْله مُشَبِّهًا لَهُ بِالْبَيْعِ فِي الْحِلّ ﴿فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾
٢٧ -
﴿يَمْحَق اللَّه الرِّبَا﴾ يُنْقِصهُ وَيُذْهِب بَرَكَته ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَات﴾ يَزِيدهَا وَيُنَمِّيهَا وَيُضَاعِف ثَوَابهَا ﴿وَاَللَّه لَا يُحِبّ كُلّ كَفَّار﴾ بِتَحْلِيلِ الرِّبَا ﴿أَثِيم﴾ فَاجِر بأكله أي يعاقبه
٢٧ -
﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
٢٧ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَذَرُوا﴾ اُتْرُكُوا ﴿مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ صَادِقِينَ فِي إيمَانكُمْ فَإِنَّ مِنْ شَأْن الْمُؤْمِن امْتِثَال أَمْر اللَّه تَعَالَى نَزَلَتْ لَمَّا طَالَبَ بَعْض الصَّحَابَة بَعْد النَّهْي بِرِبًا كَانَ لَهُمْ مِنْ قبل
٢٧ -
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ ﴿فَأْذَنُوا﴾ اعْلَمُوا ﴿بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَرَسُوله﴾ لَكُمْ فِيهِ تهديد شديد لهم لما نَزَلَتْ قَالُوا لَا بُدّ لَنَا بِحَرْبِهِ ﴿وَإِنْ تبتم﴾ رجعتم عنه ﴿فلكم رؤوس﴾ أُصُول ﴿أَمْوَالكُمْ لَا تَظْلِمُونَ﴾ بِزِيَادَةٍ ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بنقص
61
٢٨ -
62
﴿وَإِنْ كَانَ﴾ وَقَعَ غَرِيم ﴿ذُو عُسْرَة فَنَظِرَة﴾ لَهُ أَيْ عَلَيْكُمْ تَأْخِيره ﴿إلَى مَيْسَرَة﴾ بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا أَيْ وَقْت يُسْر ﴿وَأَنْ تَصَّدَّقُوا﴾ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الصَّاد وَبِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفهَا أَيْ تَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُعْسِر بِالْإِبْرَاءِ ﴿خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ خَيْر فَافْعَلُوهُ وَفِي الْحَدِيث مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّه فِي ظِلّه يَوْم لَا ظِلّ إلَّا ظِلّه رَوَاهُ مسلم
٢٨ -
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ تُرَدُّونَ وَلِلْفَاعِلِ تَسِيرُونَ ﴿فِيهِ إلَى اللَّه﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿ثُمَّ تُوَفَّى﴾ فِيهِ ﴿كُلّ نَفْس﴾ جَزَاء ﴿مَا كَسَبَتْ﴾ عَمِلَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ ﴿وَهُمْ لَا يظلمون﴾ بنقص حسنة أو زيادة سيئة
62
٢٨ -
63
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ﴾ تَعَامَلْتُمْ ﴿بِدَيْنٍ﴾ كَسَلَمٍ وقرض ﴿إلى أجل مسمى﴾ معلوم ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ اسْتِيثَاقًا وَدَفْعًا لِلنِّزَاعِ ﴿وَلْيَكْتُبْ﴾ كِتَاب الدَّيْن ﴿بَيْنكُمْ كَاتِب بِالْعَدْلِ﴾ بِالْحَقِّ فِي كِتَابَته لَا يُزِيد فِي الْمَال وَالْأَجَل وَلَا يُنْقِص ﴿وَلَا يأب﴾ يمتنع ﴿كاتب﴾ من ﴿أن يكتب﴾ إذا دُعِيَ إلَيْهَا ﴿كَمَا عَلَّمَهُ اللَّه﴾ أَيْ فَضَّلَهُ بالكتابة فلا يبخل بها والكاف متعلقة بيأب ﴿فَلْيَكْتُبْ﴾ تَأْكِيد ﴿وَلْيُمْلِلْ﴾ يُمْلِ الْكَاتِب ﴿الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ﴾ الدَّيْن لِأَنَّهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَيُقِرّ لِيُعْلَم مَا عَلَيْهِ ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّه رَبّه﴾ فِي إمْلَائِهِ ﴿وَلَا يَبْخَس﴾ يُنْقِص ﴿مِنْهُ﴾ أَيْ الْحَقّ ﴿شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ سَفِيهًا﴾ مُبَذِّرًا ﴿أَوْ ضَعِيفًا﴾ عَنْ الْإِمْلَاء لِصِغَرٍ أَوْ كِبَر ﴿أَوْ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُمِلّ هُوَ﴾ لِخَرَسٍ أَوْ جَهْل بِاللُّغَةِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيّه﴾ مُتَوَلِّي أَمْره مِنْ وَالِد وَوَصِيّ وَقَيِّم وَمُتَرْجِم ﴿بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا﴾ أَشْهِدُوا عَلَى الدَّيْن ﴿شَهِيدَيْنِ﴾ شَاهِدَيْنِ ﴿مِنْ رِجَالكُمْ﴾ أَيْ بَالِغِي الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَار ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا﴾ أَيْ الشَّهِيدَانِ ﴿رَجُلَيْنِ فَرَجُل وامرأتان﴾ يَشْهَدُونَ ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاء﴾ لِدِينِهِ وَعَدَالَته وَتَعَدُّد النِّسَاء لِأَجْلِ ﴿أَنْ تَضِلّ﴾ تَنْسَى ﴿إحْدَاهُمَا﴾ الشَّهَادَة لِنَقْصِ عَقْلهنَّ وَضَبْطهنَّ ﴿فَتُذَكِّر﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿إحْدَاهُمَا﴾ الذَّاكِرَة ﴿الْأُخْرَى﴾ النَّاسِيَة وَجُمْلَة الْإِذْكَار مَحَلّ الْعِلَّة أَيْ لِتَذْكُر إنْ ضَلَّتْ وَدَخَلَتْ عَلَى الضَّلَال لِأَنَّهُ سَبَبه وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ أَنْ شَرْطِيَّة وَرَفْع تُذَكِّر اسْتِئْنَاف جَوَابه ﴿وَلَا يَأْبَ الشهداء إذا ما﴾ زائدة ﴿دُعُوا﴾ إلَى تَحَمُّل الشَّهَادَة وَأَدَائِهَا ﴿وَلَا تَسْأَمُوا﴾ تَمَلُّوا مِنْ ﴿أَنْ تَكْتُبُوهُ﴾ أَيْ مَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ لِكَثْرَةِ وُقُوع ذَلِكَ ﴿صَغِيرًا﴾ كان ﴿أو كبيرا﴾ قليلا أو كَثِيرًا ﴿إلَى أَجَله﴾ وَقْت حُلُوله حَال مِنْ الْهَاء فِي تَكْتُبُوهُ ﴿ذَلِكُمْ﴾ أَيْ الْكَتْب ﴿أَقْسَط﴾ أَعْدَل ﴿عِنْد اللَّه وَأَقْوَم لِلشَّهَادَةِ﴾ أَيْ أَعْوَن عَلَى إقَامَتهَا لِأَنَّهُ يُذَكِّرهَا ﴿وَأَدْنَى﴾ أَقْرَب إلَى ﴿أ﴾ ن ﴿لَا تَرْتَابُوا﴾ تَشُكُّوا فِي قَدْر الْحَقّ وَالْأَجَل ﴿إلَّا أَنْ تَكُون﴾ تَقَع ﴿تِجَارَة حَاضِرَة﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ فَتَكُون نَاقِصَة وَاسْمهَا ضَمِير التِّجَارَة ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنكُمْ﴾ أَيْ تَقْبِضُونَهَا وَلَا أَجَل فِيهَا ﴿فليس عليكم جناح﴾ في ﴿أ﴾ ن ﴿لا تكتبوها﴾ المراد بها المتجر فِيهِ ﴿وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَدْفَع لِلِاخْتِلَافِ وَهَذَا وَمَا قَبْله أَمْر نَدْب ﴿وَلَا يُضَارّ كَاتِب وَلَا شَهِيد﴾ صَاحِب الْحَقّ وَمَنْ عَلَيْهِ بِتَحْرِيفٍ أَوْ امْتِنَاع مِنْ الشَّهَادَة أَوْ الْكِتَابَة وَلَا يَضُرّهُمَا صَاحِب الْحَقّ بِتَكْلِيفِهِمَا مَا لَا يَلِيق فِي الْكِتَابَة وَالشَّهَادَة ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا﴾ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ ﴿فَإِنَّهُ فُسُوق﴾ خُرُوج عَنْ الطاعة لا حق ﴿بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه﴾ فِي أَمْره وَنَهْيه ﴿وَيُعَلِّمكُمْ اللَّه﴾ مَصَالِح أُمُوركُمْ حَال مُقَدَّرَة أَوْ مُسْتَأْنَف ﴿والله بكل شيء عليم﴾
٢٨ -
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَر﴾ أَيْ مُسَافِرِينَ وَتَدَايَنْتُمْ ﴿ولم تجدوا كاتبا فرهن﴾ وفي قراءة فرهان جمع رهن ﴿مقبوضة﴾ تَسْتَوْثِقُونَ بِهَا وَبَيَّنَتْ السُّنَّة جَوَاز الرَّهْن فِي الْحَضَر وَوُجُود الْكَاتِب فَالتَّقَيُّد بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ التوثيق فيه أشد وأفاد قَوْله مَقْبُوضَة اشْتِرَاط الْقَبْض فِي الرَّهْن وَالِاكْتِفَاء بِهِ مِنْ الْمُرْتَهِن وَوَكِيله ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضكُمْ بَعْضًا﴾ أَيْ الدَّائِن الْمَدِين عَلَى حَقّه فَلَمْ يَرْتَهِن ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ﴾ أَيْ الْمَدِين ﴿أَمَانَته﴾ دَيْنه ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّه رَبّه﴾ فِي أَدَائِهِ ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَة﴾ إذَا دُعِيتُمْ لِإِقَامَتِهَا ﴿وَمَنْ يَكْتُمهَا فَإِنَّهُ آثِم قَلْبه﴾ خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَحَلّ الشَّهَادَة وَلِأَنَّهُ إذَا أَثِمَ تَبِعَهُ غَيْره فَيُعَاقَب عَلَيْهِ مُعَاقَبَة الْآثِمِينَ ﴿وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم﴾ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ
63
٢٨ -
64
﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض وَإِنْ تُبْدُوا﴾ تُظْهِرُوا ﴿مَا فِي أَنْفُسكُمْ﴾ مِنْ السُّوء وَالْعَزْم عَلَيْهِ ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ تُسِرُّوهُ ﴿يُحَاسِبكُمْ﴾ يُخْبِركُمْ ﴿بِهِ اللَّه﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء﴾ الْمَغْفِرَة لَهُ ﴿وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء﴾ تَعْذِيبه وَالْفِعْلَانِ بِالْجَزْمِ عَطْف عَلَى جَوَاب الشَّرْط وَالرَّفْع أَيْ فَهُوَ ﴿وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ مُحَاسَبَتكُمْ وَجَزَاؤُكُمْ
٢٨ -
﴿آمَنَ﴾ صَدَّقَ ﴿الرَّسُول﴾ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّه﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ عُطِفَ عَلَيِهِ ﴿كُلّ﴾ تَنْوِيَنه عِوَض مِنْ الْمُضَاف إلَيْهِ ﴿آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه﴾ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد ﴿وَرُسُله﴾ يَقُولُونَ ﴿لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْ رُسُله﴾ فَنُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا﴾ أَيْ ما أمرنا به سماع قبول ﴿وأطعنا﴾ نَسْأَلك ﴿غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك الْمَصِير﴾ الْمَرْجِع بِالْبَعْثِ وَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا شَكَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْوَسْوَسَة وَشَقَّ عَلَيْهِمْ الْمُحَاسَبَة بِهَا فَنَزَلَ
٢٨ -
﴿لَا يُكَلِّف اللَّه نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا﴾ أَيْ ما تسعه قدرتها ﴿لها ما كَسَبَتْ﴾ مِنْ الْخَيْر أَيْ ثَوَابه ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ مِنْ الشَّرّ أَيْ وِزْره وَلَا يُؤَاخَذ أَحَد بِذَنْبِ أَحَد وَلَا بِمَا لَمْ يَكْسِبهُ مِمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسه قُولُوا ﴿رَبّنَا لَا تُؤَاخِذنَا﴾ بِالْعِقَابِ ﴿إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ تَرَكْنَا الصَّوَاب لَا عَنْ عَمْد كَمَا آخَذْت بِهِ مَنْ قَبْلنَا وَقَدْ رَفَعَ اللَّه ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث فَسُؤَاله اعْتِرَاف بِنِعْمَةِ اللَّه ﴿رَبّنَا وَلَا تَحْمِل عَلَيْنَا إصْرًا﴾ أَمْرًا يَثْقُل عَلَيْنَا حَمْله ﴿كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا﴾ أَيْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ قَتْل النَّفْس فِي التَّوْبَة وَإِخْرَاج رُبُع الْمَال فِي الزَّكَاة وَقَرْض مَوْضِع النَّجَاسَة ﴿رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلنَا مَا لَا طَاقَة﴾ قُوَّة ﴿لَنَا بِهِ﴾ مِنْ التَّكَالِيف وَالْبَلَاء ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ اُمْحُ ذُنُوبنَا ﴿وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ فِي الرَّحْمَة زِيَادَة عَلَى الْمَغْفِرَة ﴿أَنْت مَوْلَانَا﴾ سَيِّدنَا وَمُتَوَلِّي أُمُورنَا ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ﴾ بِإِقَامَةِ الْحُجَّة وَالْغَلَبَة فِي قِتَالهمْ فَإِنَّ مِنْ شَأْن الْمَوْلَى أَنْ يَنْصُر مَوَالِيه عَلَى الْأَعْدَاء وَفِي الْحَدِيث لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَقَرَأَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ عَقِب كُلّ كَلِمَة قَدْ فَعَلْت = ٣ سُورَة آل عِمْرَان
﴿مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا مِائَتَانِ أو إلا آية نزلت بعد الأنفال﴾ بسم الله الرحمن الرحيم
Icon