ﰡ
قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن العظيم- من عنده تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وانظر سورة فصلت آية (٤٢) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) يعني: القرآن.
قوله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألا لله الدين الخالص) شهادة أن لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قبلهم يقوله للملائكة ولعيسى ابن مريم ولعزير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا، إلا ليشفعوا لنا عند الله.
قال ابن كثير: ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى، فقال: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء) أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون. وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، كما قال: (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) - كل هذا من باب الشرط، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم.
قوله تعالى (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) يقول: يحمل الليل على النهار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قال: يغشى هذا هذا، ويغشى هذا هذا.
قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (خلقكم من نفس واحدة) يعني آدم، ثم خلق منها زوجها حواء، خلقها من ضلع من أضلاعه.
وانظر سورة النساء آية (١) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، من كل واحد زوج.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (في ظلمات ثلاث) قال: البطن والرحم والمشيمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنى تصرفون) قال: كقوله (تؤفكون).
قوله تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فيقولوا: لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا يرضى لعباده الكفر) قال: لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن تشكروا يرضه لكم) قال: إن تطيعوا يرضه لكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال: لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
وانظر سورة الإسراء آية (١٥) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذا مس الإنسان ضر) قال: الوجع والبلاء والشدة (دعا ربه منيبا إليه) قال: مستغيثا به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نسي) يقول: ترك، هذا في الكفر خاصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجعل لله أندادا) قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم في معاصي الله.
وانظر سورة البقرة آية (٢٤) لبيان أصحاب النار.
قوله تعالى (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا)
أخرج الطبري سنده الحمن عن السدي في قوله (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا) قال: القانت: المطيع. وقوله (آناء الليل) يعني: ساعات الليل.
قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) قال: العافية والصحة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأرض الله واسعة) فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) لا والله ما هناكم مكيال وميزان.
قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قال: هم الكفار
الذين خلقهم الله للنار، وخلق النار لهم، فزالت عنهم الدنيا، وحرمت عليهم الجنة، قال الله (خسر الدنيا والآخرة).
قال ابن كثير: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) كما قال: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين) وقال: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون).
وانظر سورة الأعراف آية (٤١).
قوله تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (والذين اجتنبوا الطاغوت) قال: الشيطان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنابوا إلى الله) : وأقبلوا إلى الله.
قال ابن كثير: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي: يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تعالى لموسى حين أتاه التوراة (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتبعون أحسنه) وأحسنه طاعة الله.
قوله تعالى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) بكفره.
قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ…)
انظر سورة العنكبوت آية (٥٨) وفيها حديث أبي مالك الأشعري وفيه صفة الغرف.
انظر سورة الكهف آية (٤٥).
قوله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) يعني: كتاب الله هو المؤمن، به يأخذ، وإليه ينتهي.
قال ابن كثير: وقوله: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) أي: هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق؟ كقوله تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ولهذا قال: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) أي: فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم، (أولئك في ضلال مبين).
انظر سورة البقرة آية (٧٩) لبيان لفظ (ويل).
قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
انظر حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم عند الآية (١-٣) من سورة يوسف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) | الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف. |
وانظر سورة الأنفال آية (٢) وتفسيرها لبيان أثر تلاوة وسماع القرآن في المؤمنين.
قوله تعالى (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب) قال: يخر على وجهه في النار، يقول: هو مثل (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة).
قال ابن كثير: يقول تعالى (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) ويقرع فيقال له ولأمثاله من الظالمين (ذوقوا ما كنتم تكسبون) كمن يأتي آمنا يوم القيامة؟. كما قال تعالى: (أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى سوياً على صراط مستقيم) وقال: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) وقال: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة).
قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) بينا للناس فيه بضرب الأمثال، (لعلهم يتذكرون)، فإن المثل يُقرب المعنى إلى الأذهان، كما قال تعالى: (ضرب الله مثلاً من أنفسكم)، أي تعلمونه من أنفسكم، وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون).
قوله تعالى (قرآناً عربياً غير ذي عوج)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قرآناً عربياً غير ذي عوج) : غير ذي لبس.
وأخرج الآجري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل (قرآناً عربياً غير ذي عوج) قال: غير مخلوق.
وإسناده حسن تقدم في المقدمة وقد أخرجه الآجري بإسناد ابن أبي حاتم والطبري نفسه (الشريعة ص ٧٧).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل) قال: هذا مثل إله الباطل وإله الحق. ا. هـ.
أي: المشرك والمؤمن المخلص.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: لما نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الزبير: يا رسول الله أتكرَّر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال: نعم، فقال: إن الأمر إذاً لشديد.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن ٥/٣٧٠ ح٣٢٣٦ - ك التفسير، ب سورة الزمر). وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر (المسند رقم ١٤٣٤). وصححه الحاكم في (المستدرك ٢/٤٣٥ ك التفسير)، والضياء المقدسي في (المختارة ٣/٤٩-٥٣ ح٨٥٢-٨٥٦) من طرق، عن محمد بن عمرو بن علقمة به، وحسن المحقق أسانيدها. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد ٧/١٠٠). وقال البوصيري: رواه الحميدي ورواته ثقات (الإتحاف - التفسير ص٣٦٣).
قال النسائي: أخبرنا محمد بن عامر، قال: حدثنا منصور بن سلمة، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد (بن جبير)، عن ابن عمر، قال: نزلت هذه الآية، وما نعلم في أي شيء نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قلنا: من نخاصم؟! ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة، حتى وقعت الفتنة. قال ابن عمر: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
(التفسير ح٤٦٧) وأخرجه الطبري (٢٤/٢) وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (٤/٥٤) من طرق يعقوب به، وحسن إسناده محقق النسائي. وأخرجه الحاكم في (المستدرك ٤/٥٧٢-٥٧٣) من طريق القاسم بن عوف الشيباني عن ابن عمر مطولاً، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، والقاسم فيه ضعيف (انظر تهذيب التهذيب ٨/٣٢٦-٣٢٧). وأخرجه الطبراني كما في المجمع (٧/١٠٠) بنحو لفظ الحاكم، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه نعيم بن حماد في (الفتن ح٤٠٠) لكن من رواية عبد الله بن عمرو، وفي إسناده مبهم.
قوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالصدق إذ جاءه) أي: بالقرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والذي جاء بالصدق) يقول: جاء بلا إله إلا الله (وصدق به) يعني: رسوله.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أولئك هم المتقون) يقول: اتقوا الشرك.
قوله تعالى (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)
قال ابن كنير: يعني: في الجنة، مهما طلبوا وجدوا، (ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) كما قال في الآية الأخرى (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
قوله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أليس الله بكاف عبده) يقول: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويخوفونك بالذين من دونه) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.
قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
انظر سورة آل عمران آية (١٧٣) وسورة الأنعام آية (١٧) وتفسيريهما.
قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)
انظر سورة الإسراء آية (١٥) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أنت عليهم بوكيل) أي: بحفيظ.
قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)
قال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا آوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا. وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
(الصحيح ١١/١١٧ ح٦٣١٢ - ك الدعوات، ب ما يقول إذا نام).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم، فتقبض روحه في منامه، فتلقى الأرواح بعضها بعضاً أرواح الموتى وأرواح النيام، فتلقى فتسائل، قال: فيخلي عن أرواح الأحياء، فترجع إلى أجسادها، وتريد الأخرى أن ترجع، فيحبس التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، قال: إلى بقية آجالها.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان. والوفاة الصغرى عند المنام كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ
قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) الآلهة (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا) الشفاعة.
قوله تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت (وإذا ذكر الذين من دونه) الآلهة (إذا هم يستبشرون).
قوله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ…) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاطر السماوات والأرض) فاطر، قال: خالق، وفي قوله (عالم الغيب) قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه (والشهادة) : ما عرف العباد وشهدوا، فهو يعلمه.
قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) انظر سورة آل عمران آية (٩١) وسورة الرعد آية (١٨).
قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) انظر سورة النحل آية (٣٤) وانظر سورة الأنعام آية (١٠) لبيان حاق أي: وقع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم إذا خولناه نعمة منا) حتى بلغ (على علم) : أي على خير عندي.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إذا خولناه نعمة منا) قال: أعطيناه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هي فتنة) : أي بلاء.
قوله تعالى (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)
قال ابن كثير: (قد قالها الذين من قبلهم)، أي: قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى، كثير ممن سلف من الأمم، (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) أي: فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون، (فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء)، أي: من المخاطبين (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) أي: كما أصاب أولئك (وما هم بمعجزين) كما قال تعالى مخبراً عن قارون أنه قال له قومه: (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ). وقال تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين).
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة الرعد آية (٢٦) وسورة الإسراء آية (٣٠).
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جُريج أخبرهم قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، لو تُخبرنا أن لما عملنا كفّارة.
فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
(الصحيح ٨/٤١١ ح٤٨١٠ - ك التفسير، سورة الزمر)، وأخرجه مسلم في صحيحه (١/١١٣ ح١٢٢ - ك الإيمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله).
قال الحاكم: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القارئ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا الحسن ين الربيع، ثنا عبد الله بن إدريس، حدثني محمد بن إسحاق قال: وأخبرني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر قال: كنا نقول ما لمفتن توبة وما الله بقابلٍ منه شيئاً، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أنزل فيهم (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) والآيات التي بعدها قال عمر: فكتبتها فجلست على بعيري، ثم طفت المدينة، ثم أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة وأصحابه من المهاجرين، وقد أقام أبو بكر - رضي الله عنه - ينتظر أن يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخرج معه.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٤٣٥ - ك التفسير، وصححه الذهبي) وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة ١/٣١٧-٣١٩ ح٢١٢-٢١٤) من طريق عن ابن إسحاق به، وحكم محققه بحسن أسانيدها. وقد عزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله ثقات. (مجمع الزوائد ٦/٦١) وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن السكن في كتابه الصحابة بسند صحيح (الإصابة ٣/٥٧٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنيبوا إلى ربكم) : أي أقبلوا إلى ربكم.
قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (واتبعوا الحسن ما أنزل إليكم من ربكم) يقول: ما أمرتم به في الكتاب (من قبل أن يأتيكم العذاب).
قال الحاكم: حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي، ثنا محمد بن عمرو الجرشي، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة، وكل
أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني فيكون له شكر. ثم تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٤٣٥ - ك التفسير)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير ٤٥١٤) وانظر سورة الأعراف آية (٤٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (يا حسرتا) قال: الندامة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (على ما فرطت في جنب الله) قال: في أمر الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) قال: أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في الله أو تقول لو أن الله هداني)... إلى قوله (فأكون من المحسنين) يقول: من المهتدين، فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى، وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وقال: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة في الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة يقول الله ردا لقولهم، وتكذيباً لهم، يعني لقول القائلين: (لو أن الله هداني)، والصنف الآخر: (بلى قد جاءتك آياتي) … الآية.
قوله تعالى (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
انظر سورة البقرة آية (١٦٧) وسورة الأعراف آية (٣٦) وسورة الشعراء آية (١٠٢).
قوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)
انظر سورة آل عمران آية (١٠٦).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) قال: بفضائلهم.
قوله تعالى (له مقاليد السماوات والأرض)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مقاليد السماوات والأرض) مفاتيحها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (له مقاليد السماوات والأرض) قال: خزائن السماوات والأرض.
قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)
قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عُبيدة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَرَى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
(الصحيح ٨/٤١٢ ح٤٨١١ - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية). (صحيح مسلم ٤/٢١٤٧ - ك صفة القيامة والجنة والنار نحوه).
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عُفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض".
(الصحيح ٨/٤١٣ ح٤٨١٢ - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية)، (وأخرجه مسلم في الصحيح رقم٢٧٨١).
هذا حديث حسن صحيح (السنن ٥/٣٧٢ ح٣٢٤٢ - ك التفسير، ب سورة الزمر). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي الترمذي)، وصححه الحاكم في (المستدرك ٢/٤٣٦ - ك التفسير في حديث طويل)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما قدروا الله حق قدره) قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره.
قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ…)
قال البخاري: حدثني الحسن، حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا عبد الرحيم عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش، فلا أدري، أكذلك كان، أم بعد النفخة".
(الصحيح ٨/٤١٣ ح٤٨١٣ - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية)
وفي رواية بلفظ "فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله".
(الصحيح ح٣٤٠٨ - ك أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى).
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: لسمعت أبا هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بين النفختين أربعون.
قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت. قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت، قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، وببلى كل شيء من الإنسان، إلا عجْب ذنبه، فيه يُركب الخَلق".
(الصحيح ٨/٤١٣ ح٤٨١٤ - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية)، وأخرجه مسلم في (صحيحه ٤/٢٢٧٠ - ك الفتن، ب ما بين النفختين).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد رواه الأعمش أيضاً عن عطية عن أبي سعيد (السنن ٥/٣٧٢-٣٧٣ - ك التفسير، ب سورة الزمر)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح٣٢٤٣).
وأخرجه ابن حبان (الإحسان ٣/١٠٥)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/٥٥٩).
وانظر حديث عبد الله بن عمرو المتقدم عند الآية (٧٣) من سورة الأنعام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في والأرض) قال: مات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) قال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
قوله تعالى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ثم نفخ فيه أخرى) قال: في الصور، وهي نفخة البعث.
(أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فإذا هم قيام ينظرون) قال: حين يبعثون.
قوله تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وجيء بالنبيين والشهداء) فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وبتكذيب الأمم إياهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجيء بالنبيين والشهداء) : الذين استشهدوا في طاعة الله.
قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)
انظر رواية الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب في سورة الأعراف آية (٤٣).
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار؟
وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد. كما قال تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا)، أي: يدفعون إليها دفعا. هذا وهم عطاش ظماء، كما قال في الآية الأخرى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً). وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي، منهم من يمشى على وجهه، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (زمرا) قال: جماعات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) بأعمالهم.
قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة الحجر آية (٤٤) لبيان عدد أبواب جهنم أنها سبعة.
أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون".
(الصحيح ح٣٢٥٧ - كتاب بدء الخلق، ب صفة أبواب الجنة).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (طبتم) قال: كنتم طيبين في طاعة الله.
قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال ابن كثير: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده)، أي: يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر، والعطاء العظيم، والنعيم المقيم، والملك الكبير، يقولون عند ذلك: (الحمد لله الذي صدقنا وعده)، أي: الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام، كما دعوا في الدنيا: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأورثنا الأرض) قال: أرض الجنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) ننزل منها حيث نشاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى الملائكة حافين من حول العرش) محدقين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يسبحون بحمد ربهم)... الآية، كلها قال: فتح أول الخلق بالحمد لله، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وختم بالحمد فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين).
وانظر تفسير بداية سورة الفاتحة.