تفسير سورة الفاتحة

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها سبع
﴿ الحَمْدُ لِلهِ ﴾ ثناء أثنى به الله على نفسه. وفي ضمنه تعليم عباده كيف يثنون عليه، وأمرهم به. وعن ابن عباس : الحمد لله هو الشكر لله، وهو الاستخذاء له، والإقرار بنعمته وهدايته.
﴿ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ مالكهم. وكل من ملك شيئا يدعى ربه، أو مربيهم ومتولي أمورهم، والقائم عليهم بما يصلحهم، يقال لمن قام بإصلاح الشئ وإتمامه : قد ربه. ويقال : فلان يرب صنيعته عند فلان إذا كان يحفظها ويربيها عنده، وفي الحديث :( هل لك من نعمة تربها عليه ) أي تحفظها وتربيها كما يربي الرجل ولده. وأصل الرب، مصدر بمعنى التربية، وهي تبليغ الشئ إلى كلمة بحسب استعداده شيئا فشيئا، واستعير للفاعل أي المربي. والرب على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل و ﴿ العَالَمِينَ ﴾ جمع عالم، وهو ما سوى الله تعالى، وسمى بذلك لأنه علم على وجود الخالق، وجمع جمع العقلاء تغليبا.
﴿ مَلِكِ يَومِ الدّينِ ﴾ صاحب الملك في ذلك اليوم الذي يكون فيه الجزاء والحساب على الأعمال والمتصرف فيه بالأمر والنهي وحده، قال تعالى :﴿ اليَومَ تُجزَى كُلُّ نَفس بِمَا كَسَبَت ﴾١
﴿ يَومَئِذ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِنَهُمُ الحَقَّ ﴾٢ ويقال : دنته بما صنع دينا-بفتح الدال وكسرها-جزيته، وكما تدين تدان، والله الديان، أي المجازى
١ ية ١٧ غافر..
٢ ية ٢٥ النور.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ لانخضع ونذل إلا لك، إقرارا لك بالربوبية، فلا نعبد سواك. والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، وتستعمل بمعنى الطاعة، ومنه :﴿ ألاَّ تَعبُدُوا الشَّيطَان ﴾١ وبمعنى الدعاء، ومنه :﴿ إنَّ الذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي ﴾٢ وبمعنى التوحيد، ومنه ﴿ ومَا خَلَقتُ الجِنَّ وَ الإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونَ ﴾٣ وكلها متقاربة المعنى.
﴿ وإياك نستعين ﴾
لانستعين إلا بك على عبادتنا وطاعتنا لك في جميع أمورنا، مخلصين لك،
فلا نستعين بغيرك، وفي الحديث :( إذا استعنت فاستعن بالله ). وقدمت العبادة على الاستعانة لأنها وسيلة الإجابة، وتقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة.
١ ية ٦٠ يسن.
٢ ية ٦٠ غافر.
٣ ية ٥٦ الذاريات.
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ أرشدنا إلى الاستقامة على امتثال أوامرك، واجتناب نواهيك. أو أرنا طريق هدايتك الموصلة إلى قربك. أو ألهمنا الطريق الهادي، وهو دين الله لاعوج له. و الهداية : الدلالة بلطف على ما يوصل إلى المطلوب. وقيل : هي الدلالة الموصلة إليه. و " الصراط المستقيم " : الطريق السهل السوي الذي لا اعوجاج فيه. والمراد منه : الطريق الحق، أو دين الإسلام.
﴿ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم ﴾ أي بطاعتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ فَاُولَئِكَ مَعَ الذِينَ أَنعَمَ الله عَليهم من النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُهَدَاءِ والصَالِحِين ﴾١
﴿ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِم ﴾ روي مرفوعا تفسير " المغضوب عليهم " باليهود، و " الضالين " بالنصارى، قال تعالى في اليهود ﴿ قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ من ذَلِكَ مَثُوبَةً عندَ الله مَن لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ وَجَعَلَ منهم القِرَدَةَ والخَنَازِير وعَبَد الطَّاغُوتَ أولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَاَضَلُّ عن سَواء السبِيل ﴾٢ وقال تعالى في النصارى ﴿ يأهلَ الكتابِ لاَ تَغلُوا فِي دِينكم غير الحقِ ولا تتبِعُوا أهواء قوم قد ضَلُّوا من قبلُ وأَضلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواء السبيل ﴾٣ واليهود قد عرفوا الحق وانحرفوا عنه، فغضب الله عليهم. والنصارى جهلوه وعموا عنه، فضلوا وأضلوا. وفي حكم اليهود والنصارى من هم على شاكلتهم من أهل النحل الأخرى من غير المسلمين.
والغضب : صفة أثبتها الله تعالى لنفسه على الوجه اللائق بحلال ذاته، ونؤمن بها، ونفوض إليه تعالى علم حقيقتها بالنسبة إليه، مع تنزيهه عن مشابهة الحوادث. وأثرها الانتقام والعذاب.
والضلال : العدول عن الطريق السوي، والذهاب عن سنن القصد، وطريق الحق، ومنه : ضل اللبن في الماء إذا غاب.
١ آية ٦٩ النساء.
٢ آية ٦٠ المائدة.
٣ آية ٧٧ المائدة.
Icon