تفسير سورة الأنعام

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٢٢٦- قال الشافعي : واعلموا أن العالم اسم لجميع ما سوى الله تعالى وصفات ذاته ؛ من عرشه وكرسيه وسمائه وأرضه وحيوانه وجماده، ناطقا وساكنا، إلا أنه من صفة إلى صفة، ومن حال إلى حال، ولا ينفك عن الألوان المختلفة والأكوان المتباينة والحوادث المتعاقبة، وما لم ينفك عن الحوادث لم يسبقها، وإذا لم يسبقها فهو يحدث مثلها، لأنه لا يُعقل وجود الأجزاء الكثيرة إلا مجتمعة أو متفرقة أو متقاربة أو متباعدة، والاجتماع والافتراق حوادث، وفي معنى هذه الدلالة ورد قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام :﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اِليْلُ رَءا كَوْكَبا قَالَ هَاذَا رَبِّى ﴾١ حين نظر إلى الكوكب والشمس والقمر فوجدها مختلفة متغيرة في صفاتها، فأخرجها عن الربوبية بعلة اشتراكها في الأفول والزوال والتنقل من حال إلى حال. ثم سمى الله عز وجل استدلاله حُجَّةً وأضافه إلى نفسه، فقال عز وجل :﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ﴾٢ ثم بين أن من هداه الله إلى حجته ارتفعت درجته فقال :﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَن نَّشَاء ﴾٣. ثم قال الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام :
﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾٤. وذلك يوجب علينا أن نستدل كما استدل إبراهيم عليه السلام. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ٩-١٠. )
١ - الأنعام: ٧٦..
٢ - الأنعام: ٨٣..
٣ - الأنعام: ٨٣..
٤ - النحل: ١٢٣..
٢٢٧- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ ﴾١ وقال تعالى :﴿ خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ ﴾٢ وقال تعالى :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى اِلاَرْضِ إِلا عَلَى اَللَّهِ رِزْقُهَا ﴾٣، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء : من سماء، وأرض، وذي روح، وشجر، وغير ذلك، فالله خالقه. وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. ( أحكام الشافعي : ١/٢٣. )
١ - الأنعام: ١٠٢..
٢ - هود: ٧..
٣ - هود: ٦..
٢٢٨- قال الشافعي : قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام :﴿ اَتَّبِعْ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ وقال :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ وَلا تَتَّبِعَ اَهْوَاءهُمْ ﴾١ الآية. ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال : اُعْلِمُكُمْ غدا، يعني : أسأل جبريل، ثم أُعْلِمُكُم، فأنزل الله عز وجل :﴿ وَلا تَقُولَنَّ لِشَاْىْءٍ اِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا اِلا أَنْ يَّشَاء اَللَّهُ ﴾٢ الآية. وجاءتهُ امرأة أوس بن الصامت٣ تشكو إليه أوسا٤ فلم يجبها، حتى أنزل الله عز وجل :﴿ قَدْ سَمِعَ اَللَّهُ قَوْلَ اَلتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا ﴾٥. وجاءه العجلاني٦ يقذف امرأته، قال : لم ينزل فيكما، وانتظر الوحي، فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله عز وجل٧.
وقال لنبيه :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ ﴾٨ وقال الله عز وجل :﴿ يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى اِلاَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ اَلنَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾٩ الآية،
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحقٍّ إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصًّا، أو دلالة من الله، فقد جعل الله الحق في كتابه، ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فليس تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصًّا أو جملة. ( الأم : ٧/٢٩٨. ون أحكام الشافعي : ١/٣٧. )
١ - المائدة: ٤٩..
٢ - الكهف: ٢٣-٢٤..
٣ - هي خولة بنت ثعلبة الأنصارية، المجادلة، زوجة أوس بن الصامت. عنها: أبو العالية، وقال: بنت فليح، ويوسف بن عبد الله بن سلام وقال: خويلة. الكاشف: ٣/٤١٢. ون الإصابة: ٧/٦١٨. والتهذيب: ١٠/٤٦٨..
٤ - هو أوس بن الصامت أخو عبادة، بدري. عنه: عطاء. الكاشف: ١/٩٣. ون الإصابة: ١/١٥٦. والتهذيب: ١/٣٩٦..
٥ - المجادلة: ١. وروى أبو داود في الطلاق (٧) باب: في الظهار (١٧)(ر٢٢١٤) عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوسُ بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: «اتقي الله فإنه ابن عمك » فما برحت حتى نزل القرآن ﴿ قَدْ سَمِعَ اَللَّهُ قَوْلَ اَلتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا ﴾ الحديث.
ورواه النسائي عن عائشة في الطلاق (٢٧) باب: الظهار (٣٣)(ر٣٤٦٠).
ورواه ابن ماجة في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية (١٣)(ر١٨٨). وفي الطلاق (١٠) باب: الظهار (٢٥)(ر٢٠٦٣).
ورواه البخاري عن عائشة تعليقا في التوحيد (١٠٠) باب: قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ اَللَّهُ سَمِيعَا بَصِيرًا﴾ (٩)..

٦ - هو عُوَيْمِر بن أشقر العجلاني. بدري. عنه: عباد بن تميم، ويحيى بن أبي سعيد. الكاشف: ٢/٣٤٥. ون الإصابة:
٤/٧٤٧. والتهذيب: ٦/٢٨٩..

٧ - رواه البخاري في الطلاق (٧١) باب: اللعان ومن طلق بعد اللعان (٢٧)(ر٥٠٠٢) و (ر٥٠٠٣).
ورواه مسلم في أول اللعان (١٩)(ر١٤٩٢).
ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

٨ - المائدة: ٤٩..
٩ - سورة ص: ٢٦..
٢٢٩- قال الشافعي : قول الله عز وجل :﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اَسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِئَايَاتِهِ مُومِنِينَ ﴾١ أنه إنما يعني مما أحل الله أكله، لأنه لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه، لم يُحِلَّ الذبيحَةَ ذِكْرُ اسم الله عليه. وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع٢ دليل على ما قلنا : من أن كل ذي ناب من السباع : ما عدا على الناس مكابرة.
وإذا حل أكل الضبع : وهي سبع، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس، وهي أضر على مواشيهم من جميع السباع. فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة. وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينصّ فيه خبر، وتحريم ما كانت تحرمه مما يعدو، من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع، ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر، فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب، ما وصفت، والله أعلم. وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزي ما أحل أكله من الصيد دون ما لم يحل أكله. ( الأم : ٢/٢٤٩. )
ــــــــــــ
٢٣٠- قال الشافعي : قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة :﴿ وَمَا لَكُمُ أَلا تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اَسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ إِلا مَا اَضْطُرِرْتُمُ إِلَيْهِ ﴾٣ وقال :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ اَلْخِنزِيرِ ﴾٤ إلى قوله :﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾٥ وقال في ذكر ما حرم :﴿ فَمَنُ اَضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِّثْمٍ فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾٦.
قال الشافعي : فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير، وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر. والمضطر : الرجل يكون بالموضع لا طعام فيه ولا شيء يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأي هذا ناله فله أن يأكل من المحرم. وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه.
وأحب إلي أن يكون آكله إن أكل، وشاربه إن شرب، أو جمعهما، فعلى ما يقع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة، ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع و يروى، وإن أجزأه دونه، لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة، وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته، لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع. ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الري.
ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه. ( الأم : ٢/٢٥٢. ون أحكام الشافعي : ٢/٩٠-٩٢. )
١ - الأنعام: ١١٨..
٢ - سبق تخريجه..
٣ - الأنعام: ١١٩..
٤ - البقرة: ١٧٣..
٥ - البقرة: ١٧٣..
٦ - المائدة: ٣..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٨:٢٢٩- قال الشافعي : قول الله عز وجل :﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اَسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِئَايَاتِهِ مُومِنِينَ ﴾١ أنه إنما يعني مما أحل الله أكله، لأنه لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه، لم يُحِلَّ الذبيحَةَ ذِكْرُ اسم الله عليه. وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع٢ دليل على ما قلنا : من أن كل ذي ناب من السباع : ما عدا على الناس مكابرة.
وإذا حل أكل الضبع : وهي سبع، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس، وهي أضر على مواشيهم من جميع السباع. فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة. وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينصّ فيه خبر، وتحريم ما كانت تحرمه مما يعدو، من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع، ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر، فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب، ما وصفت، والله أعلم. وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزي ما أحل أكله من الصيد دون ما لم يحل أكله. ( الأم : ٢/٢٤٩. )
ــــــــــــ

٢٣٠-
قال الشافعي : قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة :﴿ وَمَا لَكُمُ أَلا تَاكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اَسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ إِلا مَا اَضْطُرِرْتُمُ إِلَيْهِ ﴾٣ وقال :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ اَلْخِنزِيرِ ﴾٤ إلى قوله :﴿ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾٥ وقال في ذكر ما حرم :﴿ فَمَنُ اَضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِّثْمٍ فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾٦.
قال الشافعي : فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير، وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر. والمضطر : الرجل يكون بالموضع لا طعام فيه ولا شيء يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأي هذا ناله فله أن يأكل من المحرم. وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه.
وأحب إلي أن يكون آكله إن أكل، وشاربه إن شرب، أو جمعهما، فعلى ما يقع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة، ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع و يروى، وإن أجزأه دونه، لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة، وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته، لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع. ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الري.
ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه. ( الأم : ٢/٢٥٢. ون أحكام الشافعي : ٢/٩٠-٩٢. )
١ - الأنعام: ١١٨..
٢ - سبق تخريجه..
٣ - الأنعام: ١١٩..
٤ - البقرة: ١٧٣..
٥ - البقرة: ١٧٣..
٦ - المائدة: ٣..

٢٣١- قال الشافعي رحمه الله تعالى : إذا بلغ ما أخرجت الأرض ما يكون فيه الزكاة أخذت صدقته ولم ينتظر بها حول لقول الله عز وجل :﴿ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ ﴾١ ولم يجعل له وقتا إلا الحصاد، واحتمل قول الله عز وجل :﴿ يَوْمَ حِصَادِهِ ﴾٢ : إذا صلح بعد الحصاد، واحتمل : يوم يحصد وإن لم يصلح. فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تأخذ بعدما يجف، لا يوم يحصد النخل والعنب، والأخذ منهما زبيبا وتمرا٣، فكان كذلك كل ما يصلح بجفوف ودرس مما فيه الزكاة مما أخرجت الأرض. وهكذا زكاة ما أخرج من الأرض من معدن، لا يؤخذ حتى يصلح فيصير ذهبا أو فضة، ويؤخذ يوم يصلح.
قال الشافعي : وزكاة الركاز يوم يؤخذ لأنه صالح بحاله لا يحتاج إلى إصلاح، وكله مما أخرجت الأرض. ( الأم : ٢/٣٦-٣٧. ون مختصر المنزني ص : ١٣٠ و ص : ٤٨. وأحكام الشافعي : ١/١٠٣. )
١ - الأنعام: ١٤١..
٢ - الأنعام: ١٤١..
٣ - أخرج أبو داود في الزكاة (٣) باب: في خرص العنب (١٣)(ر١٦٠٣) عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا.
قال أبو داود: وسعيد لم يسمع من عتاب شيئا.
ورواه الترمذي في الزكاة (٤) باب: ما جاء في الخرص (١٧)(ر٦٤٤) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة. وسأَلْتُ محمدا ـ يعني البخاري ـ عن هذا الحديث، فقال: حديث بن جريج غير محفوظ، وحديث ابن المسيب عن عتاب بن أَسيدٍ أثْبَتُ وأَصَحُّ.
ورواه النسائي في الزكاة (٢٣) باب: شراء الصدقة (١٠٠)(ر٢٦١٧).
ورواه ابن ماجة في الزكاة (٨) باب: خرص النخل والعنب (١٨)(١٨١٩) بنحوه.
ورواه الشافعي في المسند (ر٦٦١)، وفي الأم: ٢/٣١.
ورواه البيهقي في الزكاة باب: كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب: ٤/١٢١.
والْخَرْصُ: تقدير ما على النخل من الرطب تمرا، وما على الكروم من عنب زبيبا. ليعرف مقدار ثمره، ثم يخلى بينه وبين مالكه، ويؤخذ ذلك المقدار وقت قطع الثمار. وفائدته التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها..

٢٣٢- قال الشافعي : وقال الله لنبيه :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَّكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَما مَّسْفُوحا اَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقا اَهِلَّ لِغَيْرِ اِللَّهِ بِهِ ﴾ فاحتملت الآية معنيين : أحدهما : أن لا يَحْرُمَ على طَاعِمٍ أبدا إلا ما استثنى الله. وهذا المعنى الذي إذا وُجِّهَ رجل مخاطبا به كان الذي يسبق إليه أنه لا يَحْرُمُ غيرُ ما سمَّى الله مُحرماً، وما كان هكذا فهو الذي يقول له : أظهر المعاني وأَعَمُّهَا وأَغْلَبُهَا، والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يَلزمُ أهل العِلمِ القوْلُ به، إلا أن تأتي سنةُ النبي تدل على معنى غيره، مما تحتمله الآية، فيقول : هذا معنى ما أراد الله تبارك وتعالى.
ولا يقال بخاصٍّ في كتاب الله ولا سُنَّةٍ إلا بدلالة فيهما أو في واحد منهما. ولا يقال بخاص حتى تكون الآية تحتمل أن يكون أريد بها ذلك الخاص، فأما ما لم تكن محتملة له فلا يقال فيها بما لم تحتمل الآية.
ويحتمل قول الله :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾ : من شيء سئل عنه رسول الله دون غيره.
ويحتمل : مما كنتم تأكلون. وهذا أولى معانيه، استدلالا بالسنة عليه دون غيره، أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني١، عن أبي ثعلبة٢ :« أن النبي نهى عن كل ذي ناب من السباع »٣. أخبرنا مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم٤، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة، عن النبي قال :« أكل كل ذي ناب من السباع حرام »٥. ( الرسالة : ٢٠٦-٢٠٨. ون الرسالة : ٢٣١. والأم : ٤/١٥١ و ٧/٢١. ومناقب الشافعي : ١/٢٩٣. )
ــــــــــــ
٢٣٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : يقول الله عز وجل :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾٦ فأهل التفسير أو ما سمعت من منهم يقول في قول الله عز وجل :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً ﴾٧ يعني : مما كنتم تأكلون، فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث، وتحل أشياء على أنها من الطيبات، فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثني منها، وحرمت عليهم الخبائث عندهم، قال الله عز وجل :﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَائِثَ ﴾٨. ( الأم : ٢/٢٤١. ون أحكام الشافعي : ٢/٨٨-٨٩. والإتقان في علوم القرآن : ١/٨٩. )
١ - عائذ الله أبو إدريس الخولاني أحد الأعلام. عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وحذيفة، وعبادة. وعنه: مكحول، والزهري، وربيعة ابن يزيد. قال سعيد بن عبد العزيز: كان عالم أهل الشام بعد أبي الدرداء. وقال ابن عبد البر: سماعه من معاذ صحيح. وقيل: ولد يوم حنين، ت سنة: ٨٠هـ. الكاشف: ٢/٥٥. ون التهذيب: ٤/١٧٥..
٢ - أبو ثعلبة الخشني الصحابي. عن ابن المسيب، وأبو إدريس. يقال: جرثوم، وقيل: جرهم. ت سنة: ٧٥هـ. الكاشف: ٣/٣٠٤. ون التهذيب: ١٠/٥٣..
٣ - سبق تخريجه..
٤ - إسماعيل بن أبي حكيم المدني. عن: ابن المسيب، وعروة. وعنه: ابن إسحاق، ومالك. صدوق. ت سنة: ١٣٠هـ. الكاشف: ١/٧٥. ون التهذيب: ١/٣٠٣. وقال في التقريب: ثقة..
٥ - رواه مسلم في الصيد والذبائح (٣٤) باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع (٣)(ر١٩٣٣).
ورواه الترمذي في الصيد (١٥) باب: ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب (٣)(ر١٤٩٩).
ورواه النسائي في الصيد (٤٢) باب: تحريم أكل السباع (٢٨)(ر٤٣٣٥). ورواه ابن ماجة، ومالك، وأحمد، والشافعي..

٦ - الأنعام: ١٤٥..
٧ - الأنعام: ١٤٥..
٨ - الأعراف: ١٥٧..
٢٣٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ قُلْ تَعَالَوَا اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُو أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَـادَكُم مِّنِ اِمْلَـاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا اَلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ الآية. وقال جل ثناؤه :﴿ وَإِذَا اَلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾١ وقال :﴿ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾٢.
قال الشافعي : كان العرب تقتل الإناث من ولدها صغارا خوف العيْلَة عليهم والعَارِ بِهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين، دلَّ على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق، قال الله عز وجل :﴿ قَدْ خَسِرَ اَلذِينَ قَتَلُوا أَوْلَـادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾٣ الآية.
قال الشافعي : وأخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي معاوية عمرو النخعي٤ قال : سمعت أبا عمرو الشيباني٥ يقول : سمعت ابن مسعود يقول : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الكبائر أكبر ؟ فقال :« أن تجعل لله ندا وهو خلقك » قلت : ثم أي ؟ قال :« أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك »٦. ( الأم : ٦/٣. ون أحكام الشافعي : ١/٢٦٦-٢٦٧. )
١ - التكوير: ٨-٩..
٢ - الأنعام: ١٣٧..
٣ - الأنعام: ١٤٠..
٤ - عمرو بن عبد الله بن وهب النخعي. عن: أبي عمرو الشيباني، والشعبي. وعنه: وكيع، وأبو نعيم، وطائفة. صدوق. الكاشف: ٢/٣٢٣. ون التهذيب: ٦/١٧٦. وقال في التقريب: ثقة..
٥ - إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني، كوفي نزل بغداد، وكان نحويا لغويا. صدوق. مات سنة عشر أو ست ومائتين، وقد قارب مائة وعشرين سنة. التقريب: ٢/٧٤٩..
٦ - أخرجه البيهقي في كتاب الجنايات باب: قتل الولدان: ٨/١٨.
وأخرجه البخاري في التفسير (٦٨) باب: قوله تعالى: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة: ٢٢)عن أبي وائل، عن عمرو ابن شرحبيل، عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، قلت: إن ذلك لعظيم. قلتُ: ثم أي؟ قال: «وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك ». وأخرجه في الأدب، والتوحيد، والديات، والحدود.
وأخرجه مسلم في الإيمان (١) باب: كون الشرك أقبح الذنوب (٣٧)(ر٨٦). وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، والبيهقي..

٢٣٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : وأرخص في البكاء بلا ندب ولا نياحة، لما في النوح من تجديد الحزن ومنع الصبر وعظيم الإثم. وروي عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ». وذكر ذلك ابن عباس لعائشة فقالت : رحم الله عمر، والله ما حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه » ولكن قال :« إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه ». وقالت عائشة حسبكم القرآن :﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ﴾ وقال ابن عباس عند ذلك : الله أضحك وأبكى ١.
قال الشافعي : ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بدلالة الكتاب والسنة. قال الله عز وجل :﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ﴾ وقال :﴿ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعى ﴾٢ وقال عليه السلام لرجل٣ في ابنه :« إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه »٤.
وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له لا بذنب غيره. ( مختصر المزني : ون اختلاف الحديث ص : ٥٢٧. والسنن الكبرى : ٤/٧٣. )
١ - أخرجه عن ابن أبي مليكة:
البخاري في الجنائز (٢٩) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه (٣٢)(ر١٢٢٦).
ومسلم في الجنائز (١١) باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه (٩)(ر٩٢٩).
والنسائي في الجنائز (٢١) باب: النياحة على الميت (١٥)(ر١٨٥٧).
والبيهقي في الجنائز باب: سياق أخبار تدل على أن الميت يعذب بالنياحة عليه ٤/٧٣. والشافعي في المسند (ر٥٥٨).
قال ابن القيم: هذا أحد الأحاديث التي روتها عائشة واستدركتها، وَوَهَّمَتْ فيه ابن عمر، والصواب فيه مع ابن عمر فإنه حفظه ولم يتهم فيه، وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبوه عمر، وهو في الصحيحين، وقد وافقه من حضره من جماعة الصحابة، كما أخرج في الصحيحين عن ابن عمر قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي» ن سنن أبي داود: ٣/٣٢٤..

٢ - طه: ١٥..
٣ - هو أبو رمثة ون النص رقم: ٢٩٧..
٤ - رواه البيهقي في كتاب الجنائز باب: سياق أخبار تدل على أن الميت يعذب بالنياحة عليه ٤/٧٣، وفي كتاب الأشربة والحد فيها باب: أخذ الولي بالولي ٨/٣٤٥.
ورواه أحمد في مسند أبي رمثة. قال شاكر: إسناده صحيح. والشافعي في الأم: ٤/٢٥٣..

Icon