تفسير سورة النّمل

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة النمل من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة النمل١
مكية كلها في قول الجميع
١ آياتها ٩٣ نزلت بعد الشعراء..

﴿طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم﴾ قوله تعالى: ﴿طس تِلْكَءَايَاتُ الْقُرْءانِ﴾ أي هذه آيات القرآن. ﴿وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي وآيات الكتاب المبين، والكتاب هو القرآن، فجمع له بَيْنَ الصفتين بأنه قرآن وأنه كتاب لأنه ما يظهر بالكتابة ويظهر بالقراءة. ﴿مُّبِينٍ﴾ لأنه يبين فيه نهيه وأمره، وحلاله وحرامه، ووعده ووعيده. وفي المضمر في ﴿تِلْكَءَايَاتُ الْقُرْءانِ﴾ وجهان: أحدهما: أنه يعود إلى الحروف التي في ﴿طس﴾ قاله الفراء. الثاني: إلى جميع السورة. ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: هدى إلى الجنة وبشرى بالثواب، قاله يحيى بن سلام.
192
الثاني: هدى من الضلالة وبشرى بالجنة، قاله الشعبي. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةِ﴾ يعني المفروضة، وفي إقامتها وجهان: أحدهما: استيفاء فروضها وسنتها، قاله ابن عباس. الثاني: المحافظة على مواقيتها، قاله قتادة. ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ فيها أربعة أقاويل: أحدها: أنها زكاة المال، قاله عكرمة، وقتادة والحسن. الثاني: أنها زكاة الفطر؛ قاله الحارث العكلي. الثالث: أنها طاعة الله والإخلاص، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. الرابع: أنها تطهير أجسادهم من دنس المعاصي. قوله تعالى: ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يترددون، قاله ابن عباس، ومجاهد. الثاني: يتمادون، قاله أبو العالية، وأبو مالك، والربيع بن أنس. الثالث: يلعبون، قاله قتادة، والأعمش. الرابع: يتحيرون، قاله الحسن، ومنه قول الراجز:
(ومهمه أطرافه في مهمة أعمى الهدى بالجاهلين العمه)
قوله تعالى: ﴿وَإِنََّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: لتأخذ القرآن، قاله قتادة. الثاني: لتوفى القرآن، قاله السدي. الثالث: لتلقن القرآن، قاله ابن بحر. ويحتمل رابعاً: لتقبل القرآن، لأنه أوّل من يلقاه عند نزوله. ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَليمٍ﴾ أي من عند حكيم في أمره، عليم بخلقه.
193
﴿ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هدى إلى الجنة وبشرى بالثواب، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : هدى من الضلالة وبشرى بالجنة. قاله الشعبي.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةِ ﴾ يعني المفروضة. وفي إقامتها وجهان :
أحدهما : استيفاء فروضها وسنتها، قاله ابن عباس.
الثاني : المحافظة على مواقيتها، قاله قتادة.
﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها زكاة المال، قاله عكرمة وقتادة والحسن.
الثاني : أنها زكاة الفطر، قاله الحارث العكلي.
الثالث : أنها طاعة الله والإخلاص، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
الرابع : أنها تطهير أجسادهم من دنس المعاصي.
قوله تعالى :﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يترددون، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : يتمادون، قاله أبو العالية وأبو مالك والربيع بن أنس.
الثالث : يلعبون، قاله قتادة والأعمش.
الرابع : يتحيرون، قاله الحسن، ومنه قول الراجز :
ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى بالجاهلين العمّه١
١ هذا البيت لرؤبة بن العجاج ويروى بالحائرين بدل الجاهلين..
قوله تعالى :﴿ وَإِنََّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لتأخذ القرآن، قاله قتادة.
الثاني : لتوفى القرآن، قاله السدي.
الثالث : لتلقن القرآن، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً : لتتقبل القرآن لأنه أوّل من يلقاه عند نزوله.
﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَليمٍ ﴾ أي من عند حكيم في أمره، عليم بخلقه.
{إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب
193
العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون} قوله تعالى: ﴿إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: رأيت ناراً، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون. الثاني: أحسست ناراً، قاله قتادة، والإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. ﴿سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: سأخبركم عنها بعلم، قاله ابن شجرة. الثاني: بخبر الطريق، لأنه قد كان ضل الطريق، قاله ابن عباس. ﴿أَوْ ءاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ﴾ والشهاب الشعاع المضي، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب، قال الشاعر:
(في كفِّهِ صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبسِ)
والقبس هو القطعة من النار، ومنه اقتبست النارَ، أخذت منها قطعة، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار. ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي لكي تصطلون من البرد، قال قتادة: وكان شتاء. قوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ يعني ظن أنها نار، وهي نور، قال وهب بن منبه: فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها، فمالت إليه فخافها
194
فتأخر عنها، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها، إلى أن: ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. وفي ﴿بُورِكَ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: يعني قُدِّس، قاله ابن عباس. الثاني: تبارك، حكاه النقاش. الثالث: البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير:
(فبورك في بنيك وفي بنيهم إذا ذكروا ونحن لك الفداء)
وفي النار وجهان: أحدهما: أنها نار فيها نور. الثاني: أنها نور ليس فيها نار، وهو قول الجمهور. وفي ﴿بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ خمسة أقاويل: أحدها: بوركت النار، و ﴿مَن﴾ زيادة، وهي في مصحف أُبي: ﴿بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا﴾ قاله مجاهد. الثاني: بورك النور الذي في النار، قاله ابن عيسى. الثالث: بورك الله الذي في النور، قاله عكرمة، وابن جبير. الرابع: أنهم الملائكة، قاله السدي. الخامس: الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. وفي قوله: ﴿وَمَن حَوْلَهَا﴾ وجهان: أحدهما: الملائكة، قاله ابن عباس. الثاني: موسى، قالها أبو صخر. ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله: ﴿سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ استعانة بالله وتنزيهاً له، قاله السدي. الثاني: أن هذا من قول الله ومعناه: وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين، حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى. وفي ذلك الكلام قولان:
195
أحدهما: أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي. قال وهب بن منبه: ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه. والثاني: أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش. قوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ قال وهب: ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها. ﴿فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجان الحية الصغيرة، سميت بذلك لاجتنانها واستتارها. والثاني: أنه أراد بالجان الشيطان من الجن، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان، كما قال تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥]. وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] و [الشعراء: ٣٣]. قال عبد الله بن عباس: وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها: ما شاء، قال ابن جبير: وكانت من عوسج. ﴿وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ... ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ولم يرجع، قاله مجاهد، قال قطرب: مأخوذ من العقب. الثاني: ولم ينتظر، قاله السدي. الثالث: ولم يلتفت، قاله قتادة. ويحتمل رابعاً: أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش، لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه. قوله تعالى: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم، ولا فالمرسلون من الله أخوف.
196
﴿إلاَّ مَن ظَلَمَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع. الوجه الثاني: أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين. وفيه على هذا وجهان: أحدهما: فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً. الوجه الثاني: بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم، غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ﴾ يعني توبة بعد سيئة. ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي غفور لذنبهم، رحيم بقبول توبتهم.
197
قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا ﴾ يعني ظن أنها نار، وهي نور، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى النار وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها فمالت إليه فخافها فتأخر عنها، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري من أمرها، إلى أن :
﴿ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾.
وفي ﴿ بُورِكَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قُدِّس، قاله ابن عباس.
الثاني : تبارك، حكاه النقاش.
الثالث : البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير :
فبورك في بنيك وفي بنيهم إذا ذكروا ونحن لك الفداء
وفي النار وجهان :
أحدهما : أنها نار فيها نور.
الثاني : أنها نور ليس فيها نار، وهو قول الجمهور.
وفي ﴿ بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ﴾ خمسة أقاويل :
أحدها : بوركت النار، و ﴿ مَن ﴾ زيادة، وهي في مصحف أُبي :﴿ بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا ﴾، قاله مجاهد.
الثاني : بورك النور الذي في النار، قاله ابن عيسى.
الثالث : بورك الله الذي في النور، قاله عكرمة وابن جبير.
الرابع : أنهم الملائكة، قاله السدي.
الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق.
وفي قوله :﴿ وَمَن حَوْلَهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : الملائكة، قاله ابن عباس.
الثاني : موسى، قالها أبو صخر.
﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قول الله :﴿ سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ استعانة بالله وتنزيهاً له، قاله السدي.
الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين، حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى.
وفي ذلك الكلام قولان :
أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي.
قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه.
والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش.
قوله تعالى :﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ قال وهب : ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها.
﴿ فَلَمَا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الجان الحية الصغيرة سميت بذلك لاجتنانها واستتارها.
والثاني : أنه أراد بالجان الشيطان من الجن، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان، كما قال تعالى :
﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾
[ الصافات : ٦٥ ].
وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها، كما قال تعالى :
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
[ الأعراف : ١٠٧ ] و[ الشعراء : ٣٣ ].
قال عبد الله بن عباس : وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها : ما شاء. قال ابن جبير : وكانت من عوسج.
﴿ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ. . . ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ولم يرجع، قاله مجاهد. قال قطرب : مأخوذ من العقب.
الثاني : ولم ينتظر، قاله السدي.
الثالث : ولم يلتفت، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش، لأنه في المشي معقب لابتدائه بوضع عقبه قبل قدمه.
قوله تعالى :﴿. . . إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم، وإلا فالمرسلون من الله أخوف.
﴿إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم﴾ قوله تعالى: ﴿إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: رأيت ناراً، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون. الثاني: أحسست ناراً، قاله قتادة، والإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. ﴿سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: سأخبركم عنها بعلم، قاله ابن شجرة. الثاني: بخبر الطريق، لأنه قد كان ضل الطريق، قاله ابن عباس. ﴿أَوْءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ﴾ والشهاب الشعاع المضي، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب، قال الشاعر:
(في كفِّهِ صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبسِ)
والقبس هو القطعة من النار، ومنه اقتبست النارَ، أخذت منها قطعة، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار. ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي لكي تصطلون من البرد، قال قتادة: وكان شتاء. قوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ يعني ظن أنها نار، وهي نور، قال وهب بن منبه: فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها، فمالت إليه فخافها فتأخر عنها، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها، إلى أن: ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. وفي ﴿بُورِكَ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: يعني قُدِّس، قاله ابن عباس. الثاني: تبارك، حكاه النقاش. الثالث: البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير:
(فبورك في بنيك وفي بنيهم إذا ذكروا ونحن لك الفداء)
وفي النار وجهان: أحدهما: أنها نار فيها نور. الثاني: أنها نور ليس فيها نار، وهو قول الجمهور. وفي ﴿بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ خمسة أقاويل: أحدها: بوركت النار، و ﴿مَن﴾ زيادة، وهي في مصحف أُبي: ﴿بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا﴾ قاله مجاهد. الثاني: بورك النور الذي في النار، قاله ابن عيسى. الثالث: بورك الله الذي في النور، قاله عكرمة، وابن جبير. الرابع: أنهم الملائكة، قاله السدي. الخامس: الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. وفي قوله: ﴿وَمَن حَوْلَهَا﴾ وجهان: أحدهما: الملائكة، قاله ابن عباس. الثاني: موسى، قالها أبو صخر. ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله: ﴿سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ استعانة بالله وتنزيهاً له، قاله السدي. الثاني: أن هذا من قول الله ومعناه: وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين، حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى. وفي ذلك الكلام قولان: أحدهما: أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي. قال وهب بن منبه: ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه. والثاني: أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش.
﴿وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين﴾ قوله تعالى: ﴿إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: رأيت ناراً، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون. الثاني: أحسست ناراً، قاله قتادة، والإيناس: الإحساس من جهة يؤنس بها. ﴿سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: سأخبركم عنها بعلم، قاله ابن شجرة. الثاني: بخبر الطريق، لأنه قد كان ضل الطريق، قاله ابن عباس. ﴿أَوْءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ﴾ والشهاب الشعاع المضي، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب، قال الشاعر:
(في كفِّهِ صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبسِ)
والقبس هو القطعة من النار، ومنه اقتبست النارَ، أخذت منها قطعة، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار. ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي لكي تصطلون من البرد، قال قتادة: وكان شتاء. قوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ يعني ظن أنها نار، وهي نور، قال وهب بن منبه: فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها، فمالت إليه فخافها فتأخر عنها، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها، إلى أن: ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. وفي ﴿بُورِكَ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: يعني قُدِّس، قاله ابن عباس. الثاني: تبارك، حكاه النقاش. الثالث: البركة في النار، حكاه ابن شجرة، وأنشد لعبد الله بن الزبير: وفي النار وجهان: أحدهما: أنها نار فيها نور. الثاني: أنها نور ليس فيها نار، وهو قول الجمهور. وفي ﴿بُورِكَ مَن فِي النَّارِ﴾ خمسة أقاويل: أحدها: بوركت النار، و ﴿مَن﴾ زيادة، وهي في مصحف أُبي: ﴿بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا﴾ قاله مجاهد. الثاني: بورك النور الذي في النار، قاله ابن عيسى. الثالث: بورك الله الذي في النور، قاله عكرمة، وابن جبير. الرابع: أنهم الملائكة، قاله السدي. الخامس: الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق. وفي قوله: ﴿وَمَن حَوْلَهَا﴾ وجهان: أحدهما: الملائكة، قاله ابن عباس. الثاني: موسى، قالها أبو صخر. ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله: ﴿سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ استعانة بالله وتنزيهاً له، قاله السدي. الثاني: أن هذا من قول الله ومعناه: وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين، حكاه ابن شجرة. ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى. وفي ذلك الكلام قولان: أحدهما: أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي. قال وهب بن منبه: ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه. والثاني: أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى، حكاه النقاش. قوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ قال وهب: ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها. ﴿فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجان الحية الصغيرة، سميت بذلك لاجتنانها واستتارها. والثاني: أنه أراد بالجان الشيطان من الجن، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان، كما قال تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥]. وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ١٠٧] و [الشعراء: ٣٣]. قال عبد الله بن عباس: وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها: ما شاء، قال ابن جبير: وكانت من عوسج. ﴿وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ... ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ولم يرجع، قاله مجاهد، قال قطرب: مأخوذ من العقب. الثاني: ولم ينتظر، قاله السدي. الثالث: ولم يلتفت، قاله قتادة. ويحتمل رابعاً: أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش، لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه. قوله تعالى: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم، ولا فالمرسلون من الله أخوف. ﴿إلاَّ مَن ظَلَمَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع. الوجه الثاني: أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين. وفيه على هذا وجهان: أحدهما: فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً. الوجه الثاني: بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم، غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ﴾ يعني توبة بعد سيئة. ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي غفور لذنبهم، رحيم بقبول توبتهم.
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
﴿ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً﴾ فيه ستة أوجه: أحدها: فهماً، قاله قتادة.
197
الثاني: صنعة الكيمياء وهو شاذ. الثالث: فصل القضاء. الرابع: علم الدين. الخامس: منطق الطير. السادس: بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿وَقَالاَ الْحَمْدُ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وحمدهما لله شكراً على نعمه. وفيما فضلهما به على كثير من عباده المؤمنين ثلاثة أقاويل: أحدها: بالنبوة. الثاني: بالملك. الثالث: بالنبوة والعلم. قوله تعالى: ﴿ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ورث نبوته وملكه، قاله قتادة، قال الكلبي: وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثتة لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء. الثاني: أن سخر له الشياطين والرياح، قاله الربيع. الثالث: أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة وهو قول الضحاك، ومنه قيل: العلماء ورثة الأنبياء، لأنهم في الدين مقام الأنبياء.
198
قوله تعالى: ﴿فَهُمُ يُوزَعُونَ﴾ فيه ستة أوجه: أحدها: يساقون، وهو قول ابن زيد. الثاني: يدفعون، قاله الحسن، قال اليزيدي: تدفع أخراهم وتوقف أولاهم. الثالث: يسحبون، قاله المبرِّد. الرابع: يجمعون. الخامس: يسجنون، قال الشاعر:
(فبورك في بنيك وفي بنيهم إذا ذكروا ونحن لك الفداء)
(لسان الفتى سبع عليه سداته وإلا يزع من عَرْبه فهو قاتله)
(وما الجهل إلا منطق متسرع سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله)
السادس: يمنعون، مأخوذ من وزعه عن الظلم، وهو منعه عنه، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن. وقال النابغة:
(على حين عاتبتُ المشيبَ على الصبا وقلت ألما تصدع والشيب وازعُ)
والمراد بهذا المنع ما قاله قتادة: أن يُرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا. قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ قال قتادة: ذكر لنا أنه وادٍ بأرض الشام. وقال كعب: وهو بالطائف. ﴿قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُم﴾ قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها، ولولا ذلك، ما علمه.
199
﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ أي لا يهلكنكم. ﴿وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده، قاله يحيى بن سلام. الثاني: وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل، وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها، وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع ﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة. ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه تبسم من حذرها بالمغادرة. الثاني: أنه تبسم من ثنائها عليه. الثالث: أنه تبسم من استبقائها للنمل. قال ابن عباس: فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه. ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ألهمني، قاله قتادة. الثاني: اجعلني، قاله ابن عباس. الثالث: حرضني، قاله ابن زيد فحكى سفيان أن رجلاً من الحرس قال لسليمان، أنا بمقدرتي أشكر لله منك، قال فخرّ سليمان عن فرسه ساجداً.
200
وفي سبب شكره قولان: أحدهما: أن علم منطق الطيرحتى فهم قولها. الثاني: أن حملت الريح قولها إليه حتى سمعه قبل وصوله لجنوده على ثلاثة أميال فأمكنه الكف. ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: شكر ما أنعم به عليه، قاله الضحاك. الثاني: حفظ ما استرعاه، وهو محتمل. ﴿وَأدْخَلْنِي فِي رَحْمَتِكَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالنبوة التي شرفتني بها. الثاني: بالمعونة التي أنعمت عليّ بها. ﴿فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: في جملة أنبيائك. الثاني: في الجنة التي هي دار أوليائك.
201
قوله تعالى :﴿ ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ورث نبوته وملكه، قاله قتادة. قال الكلبي : وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثته لأنها وراثة نبوة وملك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء.
الثاني : أن سخر له الشياطين والرياح، قاله الربيع.
الثالث : أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة، وهو قول الضحاك، ومنه قيل : العلماء ورثة الأنبياء، لأنهم في الدين مقام الأنبياء.
قوله تعالى :﴿ فَهُمُ يُوزَعُونَ ﴾ فيه ستة أوجه :
أحدها : يساقون، وهو قول ابن زيد.
الثاني : يدفعون، قاله الحسن. قال اليزيدي : تدفع أخراهم وتوقف أولاهم.
الثالث : يسحبون، قاله المبرِّد.
الرابع : يجمعون.
الخامس : يسجنون، قال الشاعر :
لسان الفتى سبع عليه سداته وإلاّ يزع من غَرْبه فهو قاتله
وما الجهل إلا منطق متسرع سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله
السادس : يمنعون، مأخوذ من وزعه عن الظلم، وهو منعه عنه. ومنه قول عثمان رضي الله عنه : ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن. وقال النابغة :
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصّبا وقلت ألما تصح والشيب وازعُ
والمراد بهذا المنع ما قاله قتادة : أن يُرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا.
قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ﴾ قال قتادة : ذكر لنا أنه وادٍ بأرض الشام. وقال كعب : وهو بالطائف.
﴿ قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم ﴾ قال الشعبي : كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها، ولولا ذلك ما علمه.
﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾ أي لا يهلكنكم.
﴿ وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل. وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع لأنها تنبت إذا قطعت قطعتين. فألهم بحسه فرق ما بين الأمرين فلهذا الحس قالت :﴿ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴾ فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة.
﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه تبسم من حذرها بالمغادرة.
الثاني : أنه تبسم من ثنائها عليه.
الثالث : أنه تبسم من استبقائها للنمل.
قال ابن عباس : فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه.
﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ألهمني، قاله قتادة.
الثاني : اجعلني، قاله ابن عباس.
الثالث : حرضني، قاله ابن زيد فحكى سفيان أن رجلاً من الحرس قال لسليمان، أنا بمقدرتي أشكر لله منك، قال فخرّ سليمان عن فرسه ساجداً.
وفي سبب شكره قولان :
أحدهما : أن علم منطق الطير حتى فهم قولها.
الثاني : أن حملت الريح قولها إليه حتى سمعه قبل وصوله لجنوده على ثلاثة أميال فأمكنه الكف.
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : شكر ما أنعم به عليه، قاله الضحاك.
الثاني : حفظ ما استرعاه، وهو محتمل.
﴿ وَأدْخَلْنِي فِي رَحْمَتِكَ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : بالنبوة التي شرفتني بها.
الثاني : بالمعونة التي أنعمت عليّ بها.
﴿ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في جملة أنبيائك.
الثاني : في الجنة التي هي دار أوليائك.
﴿وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين﴾ قوله: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَال لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ قيل إن سليمان كان إذا سافر أظله الطير من الشمس، فأخل الهدهد بكانه، فبان بطلوع الشمس منه بعده عنه، وكان دليله على الماء، وقيل: إن الأرض كانت كالزجاج للهدهد، يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى يحضر، قال ابن عباس: فكانوا إذا سافروا نقر لهم الهدهد عن أقرب الماء في الأرض، فقال نافع بن الأزرق: فكيف يعلم أقرب الماء إلى الأرض ولا يعلم بالفخ حتى يأخذه بعنقه؟ فقال ابن عباس: ويحك يا نافع ألم تعلم أنه إذا جاء القدر ذهب الحذر؟ فقال سليمان عن زوال الهدهد عن مكانه ﴿مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبينَ﴾ أي انتقل عن مكانه أم غاب.
201
﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه نتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء، قاله ابن عباس. الثاني: أن يحوجه إلى جنسه. الثالث: أن يجعله مع أضداده. ﴿أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسْلطَانٍ مُبِينٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بحجة بينة. الثاني: بعذر ظاهر، قاله قتادة.
202
﴿ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه نتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء، قاله ابن عباس.
الثاني : أن يحوجه إلى جنسه.
الثالث : أن يجعله مع أضداده.
﴿ أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ ليأتيني بِسْلطَانٍ مُبِينٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بحجة بينة.
الثاني : بعذر ظاهر، قاله قتادة.
﴿فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم﴾ قوله: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي أقام غير طويل ويحتمل وجهين: أحدهما: مكث سليمان غير بعيد حتى أتاه الهدهد. الثاني: فمكث الهدهد غير بعيد حتى أتى سليمان. ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بلغت ما لم تبلغه، قاله قتادة. الثاني: علمت ما لم تعلمه، قاله سفيان.
202
الثالث: اطلعت على ما لم تطلع عليه، قاله ابن عباس، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته، وفي الكلام حذف تقديره. ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته. ﴿وَجِئْتُكَ مِنَ سَبَإٍ بِنَبإٍ يقين﴾ أي بخبر صحيح صدق، وفي ﴿سبأ﴾ قولان: أحدهما: أنها مدينة بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال، قاله قتادة، قال السدي: بعث الله إلى سبأ اثني عشر نبياً، وقال الشاعر:
(من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما)
الثاني: أن سبأ حي من أحياء اليمن واختلف قائلو هذا في نسبتهم إلى هذا، فذهب قوم إلى أنه اسم امرأة كانت أمهم، وروى علقمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله ﷺ عن سبأ فقال: (هُوَ وَلَدُ رَجُلٍ لَهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ فَبِاليَمَنِ مِنهُم سِتةٌ وبالشَّامِ مِنهُم أَربَعَةٌ، فَأَمَّا اليَمَانِيونَ فَمَذحَجُ وجُهَينَةُ وَكِندَةُ وأنمارُ وَالأُزْدُ وَالأَشعَرِيونَ وأَمَّا الشامِيون فَلَخْمُ وَجذامُ وعَامِلَةُ وَغَسَّانُ) وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان. قال المفضل وسُمِّيَ سبأ لأنه أول من سبا. قوله تعالى: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم﴾ قال الحسن: هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، وقال زهير بن محمد: هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية، وقيل ولدها أربعون ملكاً آخرهم شرحبيل. قال قتادة كان
203
أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل. ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيءٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: من كل شيء في أرضها، قاله السدي. الثاني: من أنواع الدنيا كلها، قاله سفيان. ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه السرير، قاله قتادة. الثاني: أنه الكرسي، قاله سفيان. الثالث: المجلس، قاله ابن زيد. الرابع: الملك، قاله ابن بحر. وفي قوله: ﴿عَظِيمٌ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: ضخم. الثاني: حسن الصنعة، قاله زهير. الثالث: لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مستراً بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق، قاله قتادة. قال ابن إسحاق: وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة. قوله: ﴿أَلاَّ يَسْجدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبءَ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: يعني غيب السموات والأرض، قاله عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن جبير. الثاني: أن خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات، قاله ابن زيد، والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة. وفي معنى الخبء في اللغة وجهان: أحدهما: أنه ما غاب. الثاني: أنه ما استتر. وقرأ الكسائي ﴿أَلاَ يَسْجُدُواْ﴾ بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد {أَلاَّ
204
يَسْجُدُواْ} قال الفراء: من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة. وفي قائل هذا قولان: أحدهما: أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام: ألا يا ناس اسجدواْ لله. الثاني: أنه قول الهدهد حكاه الله عنه. ويحتمل قوله هذا وجهين: أحدهما: أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله. الثاني: أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكباراً لما وجدهم عليه. وفي قول الهدهد لذلك وجهان: أحدهما: أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل. الثاني: أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصوّر أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل.
205
قوله تعالى :﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم ﴾ قال الحسن : هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبإ، وقال زهير بن محمد : هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية، وقيل ولدها أربعون ملكاً آخر. هم شرحبيل. قال قتادة كان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل.
﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيءٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من كل شيء في أرضها، قاله السدي.
الثاني : من أنواع الدنيا كلها، قاله سفيان.
﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه السرير، قاله قتادة.
الثاني : أنه الكرسي، قاله سفيان.
الثالث : المجلس، قاله ابن زيد.
الرابع : الملك، قاله ابن بحر.
وفي قوله :﴿ عَظِيمٌ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ضخم.
الثاني : حسن الصنعة، قاله زهير.
الثالث : لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مستراً بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق، قاله قتادة.
قال ابن إسحاق : وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة.
قوله :﴿ أَلاَّ يَسْجدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبءَ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني غيب السموات والأرض، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة وابن جبير.
الثاني : أن خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات، قاله ابن زيد. والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة.
وفي معنى الخبء في اللغة وجهان :
أحدهما : أنه ما غاب.
الثاني : أنه ما استتر.
وقرأ الكسائي ﴿ أَلاَ يَسْجُدُوا ﴾ بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ﴿ أَلاَّ يَسْجُدُوا ﴾. قال الفراء : من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة.
وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام : ألا يا ناس اسجدوا لله.
الثاني : أنه قول الهدهد حكاه الله عنه.
ويحتمل قوله هذا وجهين :
أحدهما : أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله.
الثاني : أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكباراً لما وجدهم عليه.
وفي قول الهدهد لذلك وجهان :
أحدهما : أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل.
الثاني : أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصوّر أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل.
﴿قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين﴾ قوله: ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ... ﴾ الآية، هذا قول سليمان للهدهد قال ابتلي فاختبر من ذلك فوجده صادقاً. ﴿اذْهَبِ بِّكِتَابِي هَذَا إِلَيهِمْ﴾ قال مجاهد أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره فأتى بهوها فجعل يدور فيه فقالت ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها. قال قتادة: فألقاه على صدرها وهي نائمة، قال يزيد بن رومان: كانت في ملك
205
من مضى من أهلها وقد سيست وساست حتى أحكمها ذلك. ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ قال ابن عباس كن قريباً منهم.
﴿فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، حكاه ابن عيسى، وقاله الفراء. قوله: ﴿قَالَتْ يَآ أَيُّهَأ المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ وفي صفتها الكتاب أنه كريم، أربعة أوجه: أحدها: لأنه مختوم، قاله السدي. الثاني: لحسن ما فيه، قاله قتادة. الثالث: لكرم صاحبه وأنه كان ملكاً، حكاه ابن بحر. الرابع: لتسخير الهدهد به بحمله. ويحتمل خامساً: لإلقائه عليها عالياً من نحو السماء. قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ الآية، أما قولها إنه من سليمان فلإعلامهم مرسل الكتابي وممن هو. وأما قولها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فلاستنكار هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ سليمان. روى ابن بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله ﷺ فقال: (إِنِّي لأَعْلَمُ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍ قَبْلِي بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ) قال: قلت يا رسول الله أي آية هي؟ قال: (سَأُعَلِّمُكَهَا قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ) قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي ثم التفت إليّ فقال: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). حكى عاصم عن الشعبي قال: كَانَتْ كُتُبُ رسول الله ﷺ أربعة كتب كان
206
يكتب: باسمك الله، فلما نزلت ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا﴾ [هود: ٤١] كتب: باسم الله، فلما نزلت ﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ﴾ [الإِسراء: ١١٠] كتب: باسم الله الرحمن، فلما نزلت ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ كتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال ذلك الكتاب الثالث. وأما قوله: ﴿ألا تعلواْ عليَّ وأتوني مسلمين﴾ فهذه كتب الأنباء موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط ولا إٍسهاب. وفي ﴿أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: لا تخالفوا عليّ، قاله قتادة. الثاني: لا تتكبروا علي، قاله السدي وابن زيد. الثالث: لا تمتنعوا عليّ، قاله يحيى بن سلام. ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: مستسلمين، قاله الكلبي. الثاني: موحدين، قاله ابن عباس. الثالث: مخلصين، قاله زهير. الرابع: طائعين، قاله سفيان.
207
﴿ اذْهَبِ بِّكِتَابِي هَذَا فألقه إِلَيهِمْ ﴾ قال مجاهد أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره فأتى بهوها فجعل يدور فيه فقالت ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها.
قال قتادة : فألقاه على صدرها وهي نائمة، قال يزيد بن رومان : كانت في ملك من مضى من أهلها وقد سيست وساست حتى أحكمها ذلك.
﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ قال ابن عباس كن قريباً منهم.
﴿ فانظر ماذا يرجعون ﴾ فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم حكاه ابن عيسى وقاله الفراء.
قوله ﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم ﴾ وفي صفتها الكتاب أنه كريم أربعة أوجه :
أحدها : لأنه مختوم، قاله السدي.
الثاني : لحسن ما فيه، قاله قتادة.
الثالث : لكرم صاحبه وأنه كان ملكا، حكاه ابن بحر.
الرابع : لتسخير الهدهد به يحمله.
ويحتمل خامسا : لإلقائه عليها عاليا من نحو السماء.
قوله تعالى ﴿ إنه من سليمان ﴾ الآية، أما قولها إنه من سلمان فلإعلامهم مرسل الكتاب وممن هو،
وأما قولها ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ فلاستنكارها هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم سليمان.
روى ابن أبي بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود، قال قلت يا رسول الله أي آية هي ؟ قال سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت نسي ثم التفت إليّ فقال : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
حكى عاصم عن الشعبي قال كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كتب كان يكتب : باسمك اللهم، فلما نزلت " باسم الله مجريها " كتب : باسم الله، فلما نزلت " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " كتب : باسم الله الرحمن، فلما نزلت " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم " كتب : بسم الله الرحمن الرحيم. قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم، قال ذلك الكتاب الثالث١.
١ كذا، ولعله محرف عن "الرابع" أو أنها على رواية وتجعل المراحل ثلاثة فقط..
وأما قوله ﴿ ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين ﴾ فهذه كتب الأنبياء موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط ولا إسهاب.
وفي " ألا تعلوا عليّ "، ثلاثة أقاويل :
أحدها :" لا تخافوا عليّ "، قاله قتادة.
الثاني :" لا تتكبروا عليّ "، قاله السدي وابن زيد.
الثالث :" لا تمتنعوا عليّ "، قاله يحيى ابن سلام.
و " أتوني مسلمين " فيه أربعة تأويلات :
أحدها : مستسلمين، قاله الكلبي.
الثاني : موحدين، قاله ابن عباس.
الثالث : مخلصين، قاله زهير.
الرابع : طائعين قاله سفيان.
﴿قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون﴾ قوله: ﴿قَالَتْ يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ أشيروا عليّ في هذا الأمر الذي نزل بي فجعلت المشورة فتيا وقيل: إنها أول من وضع المشورة. ﴿مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ﴾ أي ممضية أمراً، وفي قراءة ابن مسعود قاضية أمراً، والمعنى واحد.
207
﴿حَتَّى تَشْهَدُونَ﴾ فيه وجهان. أحدهما: حتى تشيروا، قاله زهير. الثاني: حتى تحضرواْ، قاله الكلبي. قوله تعالى: ﴿قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ﴾ أي أهل عدد وعدة. ﴿وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان: أحدهما: تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم. الثاني: أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد. قال مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد. ﴿وَالأَمْرُ إِلَيْكِ﴾ الآية. عرضوا عليها الحرب وردواْ إليها الأمر، قال الحسن: ولّوا أمرهم علجة يضطرب ثدياها، حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ). قوله: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ قال ابن عباس أخذوها عنوة، وأفسدوها، وخربوها. ويحتمل وجهاً آخر: أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها. ﴿وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان: أحدهما: بالسيف، قاله زهير. الثاني: بالاستعباد، قاله ابن عيسى. ويحتمل ثالثاً: أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم. ﴿وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أن هذا من قول الله، وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، قاله ابن عباس.
208
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس: كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا، قاله ابن شجرة. قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل: أحدها: أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس. الثاني: أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير. الثالث: أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني. الرابع: أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس الغلمان، قاله مجاهد، وعكرمة وابن جبير، والسدي، وزهير، واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير: كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية. ﴿فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ قال قتادة: يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعها من الناس. واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين: أحدهما: ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال. الثاني: اختبار نبوته من ملكه، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين: أحدهما: أنها اختبرته بالقبول والرد، فقالت: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير. الثاني: أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال. أحدها: أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا، قاله السدي. الثاني: لما توضؤوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها، وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها، فميزهم بهذا، قاله قتادة.
209
الثالث: أنهم لما توضؤوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها، فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.
210
قوله تعالى :﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ ﴾ أي أهل عدد وعدة.
﴿ وَأُوْلُوا بَأسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان :
أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم.
الثاني : أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد.
قال مجاهد : كان تحت يدي ملكة سبإ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد.
﴿ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾ الآية. عرضوا عليها الحرب وردوا إليها الأمر. قال الحسن : ولّوا أمرهم علجة١ يضطرب ثدياها. حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ٢ ".
١ مذكرها علج وهو الواحد من الكفار..
٢ رواه البخاري في المغازي وفي الفتن، والنسائي في القضاء، وأحمد ٥/ ٤٣..
قوله :﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ﴾ قال ابن عباس أخذوها عنوة وأفسدوها وخربوها.
ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها.
﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان :
أحدهما : بالسيف، قاله زهير.
الثاني : بالاستعباد، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم.
﴿ وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن هذا من قول الله : وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، قاله ابن عباس.
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس : كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا، قاله ابن شجرة.
قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ﴾ اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير.
الثالث : أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني.
الرابع : أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس الغلمان، قاله مجاهد وعكرمة وابن جبير والسدي وزهير. واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير : كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية.
﴿ فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ قال قتادة : يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها قد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس.
واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين :
أحدهما : ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال.
الثاني : اختبار نبوّته من ملكه. ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين :
أحدهما : أنها اختبرته بالقبول والرد فقالت : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير.
الثاني : أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال.
أحدها : أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا، قاله السدي.
الثاني : لما توضئوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها فميزهم بهذا، قاله قتادة.
الثالث : أنهم لما توضئوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.
﴿فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون﴾ قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فلما جاءت هداياها سليمان، قاله يزيد بن رومان. الثاني: فلما جاءت رسلها سليمان لأن الهدهد قد كان سبق إلى سليمان فأخبره بالهدية والرسل فتأهب سليمان لهم. قال السدي: فأمر الشياطين فموّهوا لَبِن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة، وقيل إنها بعثت مع رسلها بعصاً كان يتوارثها ملوك حمير، وقالت: أريد أن يعرفني رأس هذه من أسفلها، وبقدح وقالت: يملؤه ماءً ليس من الأرض ولا من السماء، وبخرزتين إحداهما ثقبُها معوج وقالت يدخل فيها خيطاً والأخرى غير مثقوبة وقالت يثقب هذه. ﴿قَالَ﴾ سليمان للرسل حين وصلوا إليه ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ معناه أتزيدونني مالاً إلى ما تشاهدونه من أموالي. ﴿فَمَا ءاتَانِ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّاءَاتَاكُم﴾ أي فما آتاني من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال، فرد عليهم المال وميز الغلمان من الجواري، وأرسل العصا إلى الأرض فقال أي الرأسين سبق للأرض فهو أصلها، وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال: ليس هذا من الأرض ولا من السماء، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى، فقال الرسل ما شاهدوا. واختلف في الرسل هل كانوا رجالاً أو نساء على قولين. قوله ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾ فيه قولان:
210
أحدهما: أنه قال ذلك للرسول ارجع إليهم بما جئت من الهدايا، قاله قتادة. ويزيد بن رومان. الثاني: أنه قال ذلك للهدهد [ارجع إليه]، قائلاً لهم: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾ أي لا طاقة لهم بها ليكون الهدهد نذيراً لهم، قاله زهير. وصدق نبي الله سليمان صلى الله عليه لأن من جنوده الإنس والجن والطير فليس لأحدٍ بها طاقة. ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً﴾ الآية. إخباراً له عما يصنعه بهم ليسعد منهم بالإيمان من هدي وهذه سنة كل نبي.
211
قوله ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه قال ذلك للرسول ارجع إليهم بما جئت به من الهدايا، قاله قتادة ويزيد بن رومان.
الثاني : أنه قال ذلك للهدهد [ ارجع إليهم ]، قائلاً لهم :
﴿ فَلَنَأتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا ﴾ أي لا طاقة لهم بها ليكون الهدهد نذيراً لهم، قاله زهير.
وصدق نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم لأن من جنوده الإنس والجن والطير فليس لأحدٍ بها طاقة.
﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً ﴾ الآية. إخباراً لهم عما يصنعه بهم ليسعد منهم بالإيمان من هدي وهذه سنّة كل نبي.
﴿قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم﴾ قوله ﴿يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأَتِيني بِعَرْشِهَا﴾ الآية. حكى يزيد بن رومان أنه لما عاد رسلها بالهدايا قالت: قد والله عرفت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة، ثم بعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي ثم أمرت بعرشها فجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت عليه الأبواب وشَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، فقال سليمان حين علم قدومها عليه: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ الآية: وفيه وجهان: أحدهما: مسلمين أي مستسلمين طائعين، قاله ابن عباس. الثاني: أن يأتوني مسلمين أي بحرمة الإٍسلام ودين الحق، قاله ابن جريج. فإن قيل: فلم أَمَرَ أنَ أن يؤتى بعرشها قبل أن يأتوا إليه مسلمين؟ قيل عنه في الجواب خمسة أوجه:
211
أحدها: أنه أراد أن يختبر صدق الهدهد، قاله ابن عباس. الثاني: أنه أعجب بصفته حين وصفه الهدهد وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل أن يحرم عليه بإسلامها، قاله قتادة. الثالث: أنه أحب أن يعاليها به وكانت الملوك يعالون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد. الرابع: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، وهل تعرفه أو تنكره، قاله ابن جبير. الخامس: أنه أراد أن يجعل ذلك دليلاً على صدق نبوته، لأنها خلفته في دارها وأوثقته في حرزها ثم جاءت إلى سليمان فوجدته قد تقدمها، قاله وهب. قوله: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ العفريت المارد القوي، قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان: أحدهما: أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، قاله الأخفش. الثاني: أصله العفر وهو الشديد، زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة. ﴿أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١]. الثاني: أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم، ويأمرهم، وينهاهم، وكان مجيء اليوم تقريباً. الثالث: أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً. ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل: أحدها: أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير. الثاني: أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
212
الثالث: أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس، وحكى يزيد بن رومان ان اسم العفريت كودي، وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس، والله أعلم بصحة ذلك. قوله: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه ملك أيد الله به سليمان، والعلم الذي من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم، وقد علم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر. القول الثاني: أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس، والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه. والقول الثالث: أنه سليمان قال ذلك للعفريت. والقول الرابع: أنه قول غيره من الإنس، وفيه خمسة أقاويل: أحدها: أنه مليخا، قاله قتادة. الثاني: أنه أسطوم، قاله مجاهد. الثالث: أنه آصف بن برخيا وكان صدّيقاً، قاله ابن رومان. الرابع: أنه ذو النور بمصر، قاله زهير. الخامس: أنه الخضر، قاله ابن لهيعة. و ﴿عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ﴿أَنَاْءَاتِيكَ بِهِ﴾ يعني بالعرش. ﴿قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ فيه ستة أوجه: أحدها: قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير. الثاني: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس، ومجاهد. الثالث: قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس. الرابع: قبل الوقت الذي تنظر وروده فيه من قولهم: أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
213
الخامس: قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف. السادس: قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته. ﴿فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ﴾ قبل أن يرتد طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه. قال عبد الرحمن بن زيد: لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي. قال السدي: فجزع سليمان وقال: غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي﴾ يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي. ﴿لِيَبْلُوَنِّيءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ قال زهير: أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا. قال زهير: ثم عزم الله له على الشكر فقال: ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ﴾ لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد. ﴿وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ﴾ عن الشكر ﴿كَرِيمٌ﴾ في التفضل، وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه. وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل: ان الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه.
214
قوله :﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ ﴾ العفريت المارد القوي قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان :
أحدهما : أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، قاله الأخفش.
الثاني : أصله العفر وهو الشديد زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة.
﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾
[ الدخان : ٥١ ].
الثاني : أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم ويأمرهم وينهاهم وكان مجيء اليوم قريباً.
الثالث : أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً.
﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل :
أحدها : أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير.
الثاني : أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
الثالث : أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس. وحكى يزيد بن رومان أن اسم العفريت كودي وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس. والله أعلم بصحة ذلك.
قوله :﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ملك أيّد الله به سليمان والعلم الذي عنده من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم وقد أعلم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر.
القول الثاني : أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس١. والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه.
والقول الثالث : أنه سليمان قال ذلك للعفريت.
والقول الرابع : أنه قول غيره من الإنس. وفيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه مليخا، قاله قتادة.
الثاني : أنه اسطوم، قاله مجاهد.
الثالث : أنه آصف ابن برخيا وكان صدّيقاً، قاله ابن رومان.
الرابع : أنه ذو النور بمصر، قاله زهير.
الخامس : أنه الخضر، قاله ابن لهيعة.
و﴿ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ﴾ هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ ﴾ يعني بالعرش.
﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ فيه ستة أوجه :
أحدها : قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير.
الثاني : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثالث : قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس.
الرابع : قبل الوقت الذي تنتظر وروده فيه من قولهم : أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
الخامس : قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف.
السادس : قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته.
﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ ﴾ قبل أن يرتد إليه طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه.
قال عبد الرحمن بن زيد : لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي.
قال السدي : فجزع سليمان وقال : غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي ﴾ يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي.
﴿ لِيَبْلُوَنِّي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ قال زهير : أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا.
قال زهير : ثم عزم الله له على الشكر فقال :﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ ﴾ لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد.
﴿ وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن الشكر ﴿ كَرِيمٌ ﴾ في التفضل. وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه.
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل : إن الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه٢.
١ والإنس: ليست في ك..
٢ في ك: وكان ذلك بعد سبع سنين من ملكها..
﴿قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين﴾ قوله: ﴿قَالَ نَكَرُواْ لَهَا عَرْشَهَا﴾ أي غيروه وفي تغييره خمسة أوجه: أحدها: أنه نزع ما عليه من فصوصه، ومرافقه وجواهره، قاله ابن عباس.
214
الثاني: أنه غيّر ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر جعله أحمر، قاله مجاهد. الثالث: غيّر بأن زيد فيه ونقص منه، قاله عكرمة. الرابع: حوّل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره، قاله شيبان بن عبد الرحمن. الخامس: غيّره بأن جعل فيه تمثال السمك، قاله أبو صالح. ﴿نَنْظُرُ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أتهتدي إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون، وهذا معنى قول ابن رومان. الثاني: إلى معرفة العرش بفطنتها أم تكون من الذين لا يعرفون، وهذا معنى قول ابن جبير، ومجاهد. ﴿فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ فلم تثبته ولم تنكره واختلف في سبب قولها ذلك، على ثلاثة أقاويل: أحدها: لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته، وهذا معنى قول قتادة. الثاني: لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بُدِّل وغير فلذلك لم تثبته، قاله السدي. الثالث: شبهوا عليها حين قالوا: أهكذا عرشك؟ فشبهت عليهم فقالت: كأنه هو ولو قالوا لها: هذا عرشك لقالت: نعم، قاله مقاتل. ﴿وَأُوَتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا﴾ وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه، وفي تأويله ثلاثة أقاويل: أحدها: معرفة الله وتوحيده، قاله زهير. الثاني: النبوة، قاله يحيى بن سلام. الثالث: أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها، قاله ابن شجرة. ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: طائعين لله بالاستسلام له.
215
الثاني: مخلصين لله بالتوحيد. قوله تعالى ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله. الثاني: وصدّها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق. الثالث: وصدّها سليمان عما كانت تعبد في كفرها. الرابع: وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر. قوله: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها بركة بنيت قوارير، قاله مجاهد. الثاني: أنها صحن الدار، حكاه ابن عيسى يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد. قال زهير مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره. الثالث: أنه القصر قاله ابن شجرة، واستشهد بقول الهذلي.
(على طرق كنحو الظباء تحسب أعلامهن الصروحا)
﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ أي ماء لأن سليمان أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول لأنها وصفت له فأحب أن يراها. قال مجاهد: وكانت هلباء الشعر والهلباء الطويلة الشعر، قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنيه. قال الحسن: وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه. وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين، لأن الآدمي جسماني، والجني روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج من هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف، لكنه قيل فذكرته حاكياً.
216
﴿وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾ فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما، فكان أول من صنعت النورة. واختلفواْ في السبب الذي كان من أجله أراد سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل: أحدها: لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها. الثاني: أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها. الثالث: لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها. ﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته، قاله علي بن عيسى. الثاني: أنه الواسع طوله وعرضه، قاله ابن شجرة وأنشد:
(غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم قبيل الضحى في البابلي الممرد)
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ فيه قولان: أحدهما: بالشرك الذي كانت عليه، قاله ابن شجرة. الثاني: بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان. ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين. قال مقاتل: فتزوجها سليمان واتخذ لها حماماً ونورة بالشام، وهو أول من اتخذ ذلك، ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما، فحكى الشعبي عن ناس من حمير أنهم حفروا مقبرة الملك فوجدوا فيها أرضاً معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوخة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب: -
217
(يا أيها الأقوام عُوجوا معاً وأربعوا في مقبري العيسا)
218
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ فلم تثبته ولم تنكره واختلف في سبب قولها ذلك على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني : لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بُدِّل وغير فلذلك لم تثبته، قاله السدي.
الثالث : شبّهوا عليها حين قالوا : أهكذا عرشك ؟ فشبهت عليهم فقالت : كأنه هو، ولو قالوا لها : هذا عرشك لقالت : نعم، قاله مقاتل.
﴿ وَأُوَتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ﴾ وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه. وفي تأويله ثلاثة أقاويل :
أحدها : معرفة الله وتوحيده، قاله زهير.
الثاني : النبوّة، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها، قاله ابن شجرة.
﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : طائعين لله بالاستسلام له.
الثاني : مخلصين لله بالتوحيد.
قوله تعالى ﴿ وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله.
الثاني : وصدّها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق.
الثالث : وصدّها سليمان عما كانت تعبد في كفرها.
الرابع : وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر.
قوله :﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها بركة بنيت من قوارير، قاله مجاهد.
الثاني : أنها صحن الدار، حكاه ابن عيسى يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد. قال زهير مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره.
الثالث : أنه القصر قاله ابن شجرة، واستشهد بقول الهذلي١.
(لتعلموا أني تلك التي قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا)
(شيّدت قصر الملك في حمير قومي وقد كان مأنوسا)
(وكنت في ملكي وتدبيره أرغم في الله المعاطيسا)
(بَعْلي سليمان النبي الذي قد كان للتوراة دريسا)
(وسخّر الريح له مركباً تهب أحياناً رواميسا)
(مع ابن داود النبي الذي قدسه الرحمن تقديسا)
على طرق كنحور الظباء٢ تحسب أعلامهن الصروحا
﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾ أي ماء لأن سليمان أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول لأنها وصفت له فأحب أن يراها.
قال مجاهد : وكانت هلباء الشّعر والهلباء الطويلة الشعر. قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنّيّة.
قال الحسن : وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه. وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين، لأن الآدمي جسماني، والجني روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج مع هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف. لكنه قيل فذكرته حاكياً٣.
﴿ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما فكان أول من صنعت النورة.
واختلفوا في السبب الذي كان من أجله أراد سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها.
الثاني : أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها.
الثالث : لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها.
﴿ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته، قاله علي بن عيسى.
الثاني : أنه الواسع طوله وعرضه، قاله ابن شجرة وأنشد :
غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم قبيل الضحى في البابلي الممرد
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالشرك الذي كانت عليه، قاله ابن شجرة.
الثاني : بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان.
﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين.
قال مقاتل : فتزوجها سليمان واتخذ لها حمّاماً ونورة بالشام وهو أول من اتخذ ذلك. ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما. فحكى الشعبي عن ناس من حمير أنهم حفروا مقبرة الملوك فوجدوا فيها أرضاً معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوجة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب :-
يا أيها الأقوام عُوجوا معاً وأربعوا في مقبري العيسا٤
لتعلموا أني تلك التي قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا
شيّدت قصر الملك في حمير قومي وقد كان مأنوسا
وكنت في ملكي وتدبيره أرغم في الله المعاطيسا
بَعْلي سليمان النبي الذي قد كان للتوراة درّيسا
وسخّر الريح له مركباً تهب أحياناً رواميسا
مع ابن داود النبي الذي قدّسه الرحمن تقديسا
١ هو ابن ذؤيب الهذلي..
٢ الشطر الأول غير واضح بالأصول وقد أخذناه من تفسير القرطبي.
٣ في هذا رد على من زعم أن التزوج ممكن بين الإنس والجن..
٤ العيس هو الإبل..
﴿ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون﴾ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ فيه قولان: أحدهما: كافر ومؤمن، قاله مجاهد. الثاني: مصدق ومكذب، قاله قتادة. وفيم اختصموا؟ فيه قولان: أحدهما: أن تقول كل فرقة نحن عل الحق دونكم. الثاني: اختلفوا أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه، قاله مجاهد. قوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ فيه قولان: أحدهما: بالعذاب قبل الرحمة، قاله مجاهد، لقولهم ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾. الثاني: بالبلاء قبل العافية، قاله السدي. ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالكفاية. الثاني: بالإِجابة. قوله: ﴿قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ أي تشاءَمنا بك وبمن معك مأخوذ من الطيرة، وفي تطيرهم به وجهان:
218
أحدهما: لافتراق كلمتهم، قاله ابن شجرة. الثاني: للشر الذي نزل بهم، قاله قتادة. ﴿قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: مصائبكم عند الله، قاله ابن عباس، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر. الثاني: عملكم عند الله، قاله قتادة، لأنه في صعوده إليه كالطائر. ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: تبتلون بطاعة الله ومعصيته، قاله قتادة. الثاني: تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام، قاله الحسن.
219
قوله :﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالعذاب قبل الرحمة، قاله مجاهد، لقولهم ﴿ فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
الثاني : بالبلاء قبل العافية، قاله السدي.
﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالكفاية.
الثاني : بالإِجابة.
قوله :﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ﴾ أي تشاءَمنا بك وبمن معك مأخوذ من الطيرة. وفي تطيرهم به وجهان :
أحدهما : لافتراق كلمتهم، قاله ابن شجرة.
الثاني : للشر الذي نزل بهم، قاله قتادة.
﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مصائبكم عند الله، قاله ابن عباس، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر.
الثاني : عملكم عند الله، قاله قتادة، لأنه في صعوده إليه كالطائر.
﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تبتلون بطاعة الله ومعصيته، قاله قتادة.
الثاني : تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام، قاله الحسن.
﴿وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ قوله: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ الرهط الجمع لا واحد له يعني من ثمود قوم صالح وهم عاقرو الناقة، وذكر ابن عباس أساميهم فقال: هم زعجي وزعيم وهرمي ودار وصواب ورباب ومسطح وقدار، وكانواْ بأرض الحجر وهي أرض الشام، وكانوا فساقاً من أشراف قومهم. ﴿يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: يفسدون بالكفر ولا يصلحون بالإيمان. الثاني: يفسدون بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف.
219
الثالث: يفسدون بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة. الرابع: يفسدون بكسر الدراهم والدنانير ولا يصلحون بتركها صحاحاً، قاله ابن المسيب، قاله عطاء. الخامس: أنهم كانوا يتتبعون عورات النساء ولا يسترون عليهن. قوله: ﴿قَالُواْ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ﴾ أي تحالفواْ بالله. ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ أي لنقتلنه وأهله ليلاً، والبيات قتل الليل. ﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ﴾ أي لرهط صالح. ﴿مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ أي قتله، وقتل أهله، ولا علمنا ذلك. ﴿وَإِنَّا لَصّادِقُونَ﴾ في إنكارنا لقتله. ﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً﴾ وهو ما همّوا به من قتل صالح. ﴿وَمَكَرْنَا مَكْراً﴾ وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم. ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم. وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان: أحدهما: قاله الكلبي، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً، وسَلِمَ صالح من مكرهم. الثاني: قاله الضحاك، أنهم مكروا بأن أظهروا سفراً وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم.
220
قوله :﴿ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ﴾ أي تحالفوا بالله.
﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ أي لنقتلنه وأهله ليلاً، والبيات قتل الليل.
﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾ أي لرهط صالح.
﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ أي قتله وقتل أهله ولا علمنا ذلك.
﴿ وَإِنَّا لَصّادِقُونَ ﴾ في إنكارنا لقتله.
﴿ وَمَكَرُوا مَكْراً ﴾ وهو ما همّوا به من قتل صالح.
﴿ وَمَكَرْنَا مَكْراً ﴾ وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم.
وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان :
أحدهما : قاله الكلبي، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً وسَلِمَ صالح من مكرهم.
الثاني : قاله الضحاك، أنهم مكروا بأن أظهروا سفراً وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم.
﴿ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين﴾
220
قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي وأنتم تعلمون أنها فاحشة. الثاني: يبصر بعضكم بعضاً.
221
﴿قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون﴾ قوله تعالى: ﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ﴾ فيها قولان: أحدهما: أنها النخل، قاله الحسن. الثاني: الحائط من الشجر والنخل، قاله الكلبي. ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ فيها قولان: أحدهما: ذات غضارة، قاله قتادة. الثاني: ذات حسن، قاله الضحاك. ﴿مَّا كَانَ لَكُْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا﴾ أي ما كان في قدركم أن تخلقوا مثلها. ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي ليس مع الله إله، قاله قتادة. الثاني: أإله مع الله يفعل هذا، قاله زيد بن أسلم. ﴿بَلْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي يعدلون عن الحق. الثاني: يشركون بالله فيجعلون له عدلاً أي مثلاً، قاله قطرب ومقاتل.
قوله تعالى :﴿ فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها النخل، قاله الحسن.
الثاني : الحائط من الشجر والنخل، قاله الكلبي.
﴿ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : ذات غضارة، قاله قتادة.
الثاني : ذات حسن، قاله الضحاك.
﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ أي ما كان في قدرتكم أن تخلقوا مثلها.
﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي ليس مع الله إله، قاله قتادة.
الثاني : أإله مع الله يفعل هذا، قاله زيد بن أسلم.
﴿ بَلْ هم قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي يعدلون عن الحق.
الثاني : يشركون بالله فيجعلون له عدلاً أي مثلاً، قاله قطرب ومقاتل.
﴿أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون﴾ قوله: ﴿أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً﴾ أي جعلها مستقراً.
221
﴿وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً﴾ أي في مسالكها ونواحيها أنهار جارية ينبت بها الزرع ويحيي به الخلق. ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ يعني جبالاً هي لها ماسكة والأرض بها ثابتة. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَينِ حَاجِزاً﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: بحر السماء والأرض، قاله مجاهد. الثاني: بحر فارس والروم، قاله الحسن. الثالث: بحر الشام والعراق، قاله السدي. الرابع: العذب والمالح، قاله الضحاك. والحاجز المانع من اختلاط أحدهما بالآخر فيه وجهان: أحدهما: حاجزاً من الله لا يبغي أحدهما على صاحبه، قاله قتادة. الثاني: حاجزاً من الأرض أن يختلط أحدهما بالآخر، حكاه قتادة. ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا يعقلون، قاله ابن عباس. الثاني: لا يعلمون توحيد الله، حكاه النقاش. الثالث: لا يتفكرون، حكاه ابن شجرة.
222
﴿أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون﴾ قوله ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ وإنما خص إجابة المضطر لأمرين: أحدهما: لأن رغبته أقوى وسؤاله أخضع. الثاني: لأن إجابته أعم وأعظم لأنها تتضمن كشف بلوى وإسداء نعمى. ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون عن المضطر بإجابته. الثاني: عمن تولاه ألاَّ ينزل به. وفي ﴿السُّوءَ﴾ وجهان: أحدهما: الضر.
222
الثاني: الجور، قاله الكلبي. ﴿وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْضِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: خلفاً من بعد خلف، قاله قتادة. الثاني: أولادكم خلفاء منكم، حكاه النقاش. الثالث: خلفاء من الكفار ينزلون أرضهم وطاعة الله بعد كفرهم، قاله الكلبي. ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَرُونَ﴾ أي ما أقل تذكركم لنعم الله عليكم!
223
﴿أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾ قوله ﴿أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرَّ وَالْبَحْرِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يرشدكم من مسالك البر والبحر. الثاني: يخلصكم من أهوال البر والبحر، قاله السدي. وفي ﴿الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ وجهان: أحدهما: أن البر الأرض والبحر الماء. الثاني: أن البر بادية الأعراب والبحر الأمصار والقرى، قاله الضحاك. ﴿وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مبشرة، قاله ابن عباس وتأويل من قرأ بالباء. الثاني: منشرة، قاله السدي وهو تأويل من قرأ بالنون. الثالث: ملقحات، قاله يحيى بن سلام. ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ وهو المطر في قول الجميع. ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي عما أشرك المشركون به من الأوثان.
﴿قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون﴾ قوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾ وفي صفة علمهم بهذه الصفة قولان: أحدهما: أنها صفة ذم فعلى هذا في معناه أربعة أوجه: أحدها: غاب عليهم، قاله ابن عباس. الثاني: لم يدرك علمهم، قاله ابن محيصن. الثالث: اضمحل علمهم، قاله الحسن. الرابع: ضل علمهم وهو معنى قول قتادة. فهذا تأويل من زعم أنها صفة ذم. والقول الثاني: أنها صفة حمد لعلمهم وإن كانوا مذمومين فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه: أحدها: أدرك علمُهم، قاله مجاهد. الثاني: اجتمع علمهم، قاله السدي. الثالث: تلاحق علمهم، قاله ابن شجرة. ﴿فِي شَكٍّ مِّنْهَا﴾ يعني من الآخرة فمن جعل ما تقدم صفة ذمٍ لعلمهم جعل نقصان علمهم في الدنيا فلذلك أفضى بهم إلى الشك في الآخرة، ومن جعل ذلك صفة حمد لعلمهم جعل كمال علمهم في الآخرة فلم يمنع ذلك أن يكونوا في الدنيا على شك في الآخرة.
قوله :﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ ﴾ وفي صفة علمهم بهذه الصفة قولان :
أحدهما : أنها صفة ذم فعلى هذا في معناه أربعة أوجه :
أحدها : غاب عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني : لم يدرك علمهم، قاله ابن محيصن.
الثالث : اضمحل علمهم، قاله الحسن.
الرابع : ضل علمهم وهو معنى قول قتادة. فهذا تأويل من زعم أنها صفة ذم.
والقول الثاني : أنها صفة حمد لعلمهم وإن كانوا مذمومين فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه :
أحدها : أدرك علمُهم، قاله مجاهد.
الثاني : اجتمع علمهم، قاله السدي.
الثالث : تلاحق علمهم، قاله ابن شجرة.
﴿ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ﴾ يعني من الآخرة فمن جعل ما تقدم صفة ذمٍ لعلمهم جعل نقصان علمهم في الدنيا فلذلك أفضى بهم إلى الشك في الآخرة. ومن جعل ذلك صفة حمد لعلمهم جعل كمال علمهم في الآخرة فلم يمنع ذلك أن يكونوا في الدنيا على شك في الآخرة.
{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم
224
لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} قوله: ﴿رَدِفَ لَكُم﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه اقترب لكم ودنا منكم: قاله ابن عباس وابن عيسى. الثاني: أعجل لكم، قاله مجاهد. الثالث: تبعكم، قاله ابن شجرة ومنه رِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها، قال أبو ذؤيبٍ: وفي قوله تعالى: ﴿بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ وجهان: أحدهما: يوم بدر. الثاني: عذاب القبر. قوله: ﴿وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ....﴾ الآية. فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن الغائبة القيامة، قاله الحسن. الثاني: ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش. الثالث: جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيَّبه عنهم، حكاه ابن شجرة. وفي ﴿كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ قولان: أحدهما: اللوح المحفوظ.
225
الثاني: القضاء المحتوم.
226
قوله :﴿ رَدِفَ لَكُم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه اقترب لكم ودنا منكم، قاله ابن عباس وابن عيسى.
الثاني : أعجل لكم، قاله مجاهد.
الثالث : تبعكم، قاله ابن شجرة ومنه رِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها، قال أبو ذؤيبٍ :
(عاد السواد بياضاً في مفارقه لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا)
عاد السواد بياضاً في مفارقه لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا
وفي قوله تعالى :﴿ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : يوم بدر.
الثاني : عذاب القبر.
قوله :﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ. . . . ﴾ الآية. فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الغائبة القيامة، قاله الحسن.
الثاني : ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش.
الثالث : جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيَّبه عنهم، حكاه ابن شجرة.
وفي ﴿ كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ قولان :
أحدهما : اللوح المحفوظ.
الثاني : القضاء المحتوم.
﴿وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون﴾ قوله ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: وجب الغضب عليهم، قاله قتادة. الثاني: إذا حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، قاله مجاهد. الثالث: إذا لم يؤمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم، قاله ابن عمر وأبو سعيد الخدري. الرابع: إذا نزل العذاب، حكاه الكلبي. ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ فيها قولان: أحدهما: ما حكاه محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الدابة فقال: أما والله لها ذنب وإن لها للحية، وفي هذا القول إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح. الثاني: وهو قول الجمهور أنها دابة من دواب الأرض، واختلف من قال بهذا في صفتهاعلى ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها دابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم، قاله ابن عباس: الثاني: أنها دابة ذات وبر تناغي السماء، قاله الشعبي. القول الثالث: أنها دابة رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن آيِّل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فيسود وجهه، قاله ابن الزبير.
226
وفي قوله ﴿مِّنَ الأَرْضِ﴾ أربعة أقاويل: أحدها: أنها تخرج من بعض أودية تهامة، قاله ابن عباس. الثاني: من صخرة من شعب أجياد، قاله ابن عمر. الثالث: من الصفا، قاله ابن مسعود. الرابع: من بحر سدوم، قاله ابن منبه. وفي ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ قراءتان: الشاذة منهما: ﴿تَسِمهُم﴾ بفتح التاء، وفي تأويلها وجهان: أحدهما: تسمهم في وجوههم بالبياض في وجه المؤمن، وبالسواد في وجه الكافر حتى يتنادى الناس في أسواقهم يا مؤمن يا كافر، وقد روى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال: (تَخْرُجُ الدَّابَّهُ فَتَسِم الناسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِم). الثاني: معناه تجرحهم وهذا مختص بالكافر والمنافق، وجرحه إظهار كفره ونفاقه ومنه جرح الشهود بالتفسيق، ويشبه أن يكون قول ابن عباس. والقراءة الثانية: وعليها الجمهور ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ بضم التاء وكسر اللام من الكلام، وحكى قتادة أنها في بعض القراءة: ﴿تُنَبِّئُهُمْ﴾ وحكى يحيى بن سلام أنها في بعض القراءة: ﴿تُحَدِّثُهُمْ﴾. وفي كلامها على هذا التأويل قولان: أحدهما: أن كلامها ظهور الآيات منها من غير نطق ولا لفظ. والقول الثاني: أنه كلام منطوق به.
227
فعلى هذا فيما تكلم به قولان: أحدهما: أنها تكلمهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر. الثاني: تكلمهم بما قاله الله ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِئَايَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ﴾ قاله ابن مسعود وعطاء. وحكى ابن البيلماني عن ابن عمر أن الدابة تخرج ليلة جمع وهي ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى.
228
﴿ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون﴾ قوله: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أَمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِئَايَتِنَا﴾ وهم كفارها المكذبون. وفي قوله ﴿بَئَايَاتِنَا﴾ وجهان: أحدهما: محمد ﷺ، قاله السدي. الثاني: جميع الرسل، وهو قول الأكثرين. ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: يجمعون، قاله ابن شجرة. الثاني: يدفعون، قاله ابن عباس. الثالث: يساقون، قاله ابن زيد والسدي، ومنه قول الشماخ.
(وكم وزعنا من خميس جحفل وكم حبونا من رئيس مسحل)
الرابع: يُرَدُّ أولاهم على أُخراهم، قاله قتادة.
﴿ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون﴾ ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾ وهو يوم النشور من القبور وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن الصور جمع صورة، والنفخ فيها إعادة الأرواح إليها. الثاني: أنه شيء ينفخ فيه كالبوق يخرج منه صوت يحيا بن الموتى. الثالث: أنه مثل ضربه الله لإحياء الموتى في وقت واحد بخروجهم فيه كخروج الجيش إذا أُنذروا بنفخ البوق فاجتمعوا في الخروج وقتاً واحداً. ﴿فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ وفي هذا الفزع هنا قولان: أحدهما: أنه الإجابة والإسراع إلى النداء من قولك فزعت إليه من كذا إذا أسرعت إلى ندائه في معونتك قال الشاعر:
(كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب)
فعلى هذا يكون ﴿إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ﴾ استثناء لهم من الإِجابة والإسراع إلى النار. ويحتمل من أريد بهم وجهين: أحدهما: الملائكة الذين أخروا عن هذه النفخة. والقول الثاني: إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحذر لأنهم
229
أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا وهذا أشبه القولين فعلى هذا يكون قوله ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ﴾ استثناء لهم من الخوف والفزع. وفيهم قولان: أحدهما: أنهم الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم، قاله ابن عيسى. الثاني: أنهم الشهداء. روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنهم الشهداء ولولا هذا النص لكان الأنبياء بذلك أحق لأنهم لا يقصرون عن منازل الشهداء وإن كان في هذا النص تنبيه عليهم. وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور. ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: راغمين، قاله السدي. الثاني: صاغرين، قاله ابن عباس وقتادة ويكون المراد بقوله ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ من فزع ومن استثني من الفزع بقوله ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ وهذا يكون في النفخة الثانية، والفزع بالنفخة الأولى، وروى الحسن عن النبي ﷺ أنه قال: (بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ عَاماً). قوله ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ أي واقفة. ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه وهذا مثل، وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب، قاله سهل بن عبد الله. الثاني: أنه مثل ضربه الله للإيمان، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء. الثالث: أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس.
230
﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيىْءٍ﴾ أي فعل الله الذي أتقن كل شيء. وفيه أربعة أوجه: أحدها: أحكم كل شيء، قاله ابن عباس. الثاني: أحصى، قاله مجاهد. الثالث: أحسن، قاله السدي. الرابع: أوثق، واختلف فيها فقال الضحاك: هي كلمة سريانية، وقال غيره: هي عربية مأخوذ من إتقان الشيء إذا أحكم وأوثق، وأصلها من التقن وهو ما ثقل من الحوض من طينة. قوله: ﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ فيها وجهان: أحدهما: أنها أداء الفرائض كلها. الثاني: أفضل منها لأنه يعطى بالحسنة عشراً، قاله زيد بن أسلم. الثالث: فله منها خير للثواب العائد عليه، قاله ابن عباس ومجاهد. ﴿وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍءَامِنُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: وهم من فزع يوم القيامة آمنون في الجنة. الثاني: وهم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة. ﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةٍ﴾ الشرك في قول ابن عباس وأبي هريرة.
231
قوله ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾ أي واقفة.
﴿ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه وهذا مثل. وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب، قاله سهل بن عبد الله.
الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء.
الثالث : أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس.
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ أي فعل الله الذي أتقن كل شيء. وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أحكم كل شيء، قاله ابن عباس.
الثاني : أحصى، قاله مجاهد.
الثالث : أحسن، قاله السدي.
الرابع : أوثق، واختلف فيها فقال الضحاك : هي كلمة سريانية، وقال غيره : هي عربية مأخوذ من إتقان الشيء إذا أحكم وأوثق، وأصلها من التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينه.
قوله :﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنها أداء الفرائض كلها.
الثاني : إنها التوحيد والإخلاص، قاله قتادة.
﴿ فله خير منها ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الجنة، قاله يحيي بن سلام.
الثاني : أفضل منها لأنه يعطى بالحسنة عشراً، قاله زيد بن أسلم.
الثالث : فله منها خير للثواب العائد عليه، قاله ابن عباس ومجاهد.
﴿ وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وهم من فزع يوم القيامة آمنون في الجنة.
الثاني : وهم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة.
﴿ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةٍ ﴾ الشرك في قول ابن عباس وأبي هريرة.
﴿إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون﴾ قوله: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدُ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدِةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ فيها قولان: أحدهما: مكة، قاله ابن عباس. الثاني: مِنى، قاله أبو العالية، وتحريمها هو تعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها.
231
﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ يعني ملك كل شيء مما أحله وحرمه فيحل منه ما شاء ويحرم منه ما شاء لأن للمالك أن يفعل في ملكه ما يشاء. قوله: ﴿سَيُرِيكُمْءَآيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: يريكم في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا، قاله الحسن. الثاني: يريكم في الدنيا ما ترون من الآيات في السموات والأرض فتعرفونها أنها حق، قاله مجاهد. ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من خير أو شر فلا بد أن يجازي عليه، والله أعلم.
232
سورة القصص
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بين مكة والمدينة، وقيل بالجحفة وهي: ﴿إن الذين فرض عليك القرآن لرأدك إلى معاد﴾ الآية: بسم الله الرحمن الرحيم
233
قوله :﴿ سَيُرِيكُمْ َآيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يريكم في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا، قاله الحسن.
الثاني : يريكم في الدنيا ما ترون من الآيات في السموات والأرض فتعرفونها أنها حق، قاله مجاهد.
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من خير أو شر فلا [ بد أن ]١ يجازى عليه. والله أعلم.
١ زيادة يقتضيها السياق..
Icon