آيها سبع وثلاثون
هي مكية إلا الآية الثامنة فمدنية، نزلت بعد سورة الدخان.
ومناسبتها لما قبلها : أن أول هذه مشاكل لآخر سابقتها في الأغراض والمقاصد.
ﰡ
﴿ حم( ١ )تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم( ٢ )إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين( ٣ )وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون( ٤ )واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ﴾( الجاثية : ١ – ٥ ).
الإيضاح :( حم ) قد عرفت الكلام في أمثالها من قبل.
الإيضاح :﴿ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾ أي إن في السماوات السبع اللاتي منهن ينزل الغيث، وفي الأرض التي منها يخرج الخلق – لأدلة واضحة للمصدقين بالحجج إذا تأملوها وفكروا فيها تفكير من يسلك السبيل القويم، فيرتب المقدمات، ليصل منها إلى النتائج، التي هي لازمة لها بحكم النظام الفكري، والترتيب العقلي.
الإيضاح : وبعد أن ذكر الأدلة الكونية التي في الآفاق أتبعها بذكر الأدلة التي في الأنفس فقال :
﴿ وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ﴾ أي وإن في خلق الله إياكم على أطوار مختلفة من تراب ثم من نطفة إلى أن تصيروا أناسي، وفي خلق ما تفرق في الكون من الدواب – لحججا لقوم يوقنون بحقائق الأشياء فيقررونها بعد العلم بصحتها.
الإيضاح :﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ﴾أي وإن في تعاقب الليل والنهار عليكم، هذا بظلمته وسواده، وذاك بنوره وضيائه، وفيما أنزل الله من السماء من مطر تحيا به الأرض بعد موتها، فتهتز بالنبات والزرع من بعد جدوبها وقحوطها، فتخرج أرزاق العباد وأقواتهم، وفي تصريف الرياح لمنافعكم شمالية مرة وجنوبية أخرى، صبا مرة، ودبورا أخرى، لأدلة وحججا لله على خلقه الذين يعقلون عنه حججه ويفهمون ما وعظهم به من الآيات والعبر.
وقصارى ما سلف : إنكم إذا تأملتم الحكم المنبثة في السماوات والأرض آمنتم بوحدة خالقها وقدرته، فإذا ازددتم علما، ازداد تثبتكم وفهمكم، فصرتم موقنين بها ؛ لأن الإيقان يكون بتوافر الأدلة وتكاثرها، ومتى أيقنتم بجمال هذا الكون وحسن نظامه أصبحتم من ذوي العقول الناضجة، والأفكار النافذة في أسرار هذا الكون وبديع صنعه، فتستطيعون أن تنتفعوا بما فيه وتسخروه لمنافعكم في هذه الحياة المليئة بالمطالب.
وإجمال ذلك : إن أول المراتب الإيمان بالله، فإذا ازداد المرء علما وحكمة وبحثا في دقائق الأشياء وعظائمها أصبح موقنا به، وكلما ازداد بحثا ازداد عقله دراية وفهما لأسرار هذا الكون، فسخره لمنافعه، واستفاد من نظمه التي وجد عليها وعرف أنه لم يخلق عبثا، بل خلق للانتفاع بما في ظاهره وباطنه، علويه وسفليه، أرضه وسمائه، نوره وظلامه، فكأنه يقول : إنا أمرناكم بالنظر في العالم لتؤمنوا، فإذا ازددتم علما أيقنتم بي، وذلك كله مما يربي عقولكم، ويكملها إلى أقصى حدود طاقتها البشرية.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر آيات القرآن العظيم، أشار إلى ما لها من علو المرتبة، ورفيع الدرجة ثم أوعد من كذبوا بها بعد سماعها، وأصروا على كفرهم بها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ثم بين أن عاقبتهم النار، وبئس القرار، ولا تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا تدفع عنهم ما قدر لهم من العذاب.
الإيضاح :﴿ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ﴾أي هذه آيات القرآن بما فيها من حجج وبينات، نتلوها عليك متضمنة للحق.
﴿ فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ﴾ أي فبأي حديث أيها القوم بعد حديث الله الذي يتلوه على رسوله، وبعد حججه وبرهاناته التي دلكم بها على وحدانيته، تصدقون إن كذبتم به.
والخلاصة : إذا كنتم لا تؤمنون بهذه الآيات ولا تنقادون لها، فبم تؤمنون ؟ وإلام تنقادون ؟ وبعد أن بين للكفار آياته، وذكر أنهم إن لم يؤمنوا بها فبأي حديث بعدها يؤمنون ؟ أتبعه بالوعيد العظيم لهم فقال :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر آيات القرآن العظيم، أشار إلى ما لها من علو المرتبة، ورفيع الدرجة ثم أوعد من كذبوا بها بعد سماعها، وأصروا على كفرهم بها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ثم بين أن عاقبتهم النار، وبئس القرار، ولا تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا تدفع عنهم ما قدر لهم من العذاب.
الإيضاح :﴿ ويل لكل أفاك أثيم ﴾ أي فالويل أشد الويل، والعذاب أقسى العذاب، لكل كذاب في قوله، أثيم في فعله.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر آيات القرآن العظيم، أشار إلى ما لها من علو المرتبة، ورفيع الدرجة ثم أوعد من كذبوا بها بعد سماعها، وأصروا على كفرهم بها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ثم بين أن عاقبتهم النار، وبئس القرار، ولا تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا تدفع عنهم ما قدر لهم من العذاب.
الإيضاح :
وبعد أن وصف هذا الأفاك بالإثم أولا، أتبعه بوصفه بالاستكبار عن سماع الآيات فقال :﴿ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ﴾أي إذا سمع آيات الله تقرأ عليه، وهي مشتملة على الوعد والوعيد، والإنذار والتبشير، والأمر والنهي، والحكم والآداب، أصر على الكفر بها، وجحدها عنادا كأنه ما سمعها.
ثم أوعده على ما فعل عذابا أليما في نار جهنم فقال :
﴿ فبشره بعذاب أليم ﴾ أي فبشره أيها الرسول بالعذاب المؤلم الموجع في جهنم وبئس القرار.
وفي تسمية هذا الخبر المحزن بشرى، وهي لا تكون إلا في الأمر السار – تهكم بهم، واحتقار لشأنهم، فهو من وادي قوله للكافر :﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾ ( الدخان : ٤٩ ) وقول الشاعر :
تحية بينهم ضرب وجيع
نزلت الآية في النضر بن الحارث، وكان يشتري أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، وهي عامة في كل من كان صادا عن الدين مستكبرا عن اتباع هدايته.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر آيات القرآن العظيم، أشار إلى ما لها من علو المرتبة، ورفيع الدرجة ثم أوعد من كذبوا بها بعد سماعها، وأصروا على كفرهم بها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ثم بين أن عاقبتهم النار، وبئس القرار، ولا تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا تدفع عنهم ما قدر لهم من العذاب.
الإيضاح :﴿ وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا ﴾أي وإذا وصل إليه خبرها، وبلغه شيء منها، جعلها هزوا وسخرية، فقد روي أن أبا جهل حين سمع قوله تعالى :﴿ إن شجرت الزقوم( ٤٣ )طعام الأثيم ﴾( الدخان : ٤٣-٤٤ )دعا بتمر وزبد وقال لأصحابه : تزقموا من هذا، ما يعدكم محمد إلا شهدا، وحين سمع قوله :﴿ عليها تسعة عشر ﴾( المدثر : ٣٠ )أي على النار قال : إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي.
ثم ذكر ما يصيب هؤلاء من العذاب فقال :
﴿ أولئك لهم عذاب مهين ﴾ أي أولئك الأفاكون المتصفون بتلك الصفات لهم العذاب الذي يهينهم ويذلهم في نار جهنم بما كانوا في الدنيا يستكبرون عن طاعة الله واتباع آياته واتخاذها هزوا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر آيات القرآن العظيم، أشار إلى ما لها من علو المرتبة، ورفيع الدرجة ثم أوعد من كذبوا بها بعد سماعها، وأصروا على كفرهم بها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ثم بين أن عاقبتهم النار، وبئس القرار، ولا تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا تدفع عنهم ما قدر لهم من العذاب.
الإيضاح :﴿ من ورائهم جهنم ﴾ أي ومن وراء ما هم فيه من التعزز بالدنيا والتكبر جهنم، والمراد أنها من قدامهم، لأنهم متوجهون إليها.
﴿ ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ﴾أي ولا يدفع العذاب عنهم ما كسبوا من الأموال والأولاد.
﴿ ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ﴾ أي ولا تغني عنهم أصنامهم التي عبدوها من دون الله شيئا.
﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾ أي ولهم من الله يومئذ عذاب عظيم لا يقدر قدره.
الإيضاح :﴿ هذا هدى ﴾ أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول هاد إلى الحق وإلى صراط مستقيم لمن اتبعه وعمل بما فيه.
﴿ والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم ﴾أي والذين جحدوا بآياته الكونية في الأنفس والآفاق وآياته المنزلة على ألسنة رسله لهم العذاب المؤلم الموجع يوم القيامة.
تفسير المفردات : سخر : هيأ، الفلك : السفينة : والابتغاء : الطلب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف الحجج الدالة على ربوبيته ووحدانيته – أردف ذلك ذكر آثارها، فمن ذلك تسخير السفن في البحار حاملة للأقوات والمتاجر رجاء أن تشكروا ما أنعم به عليكم، ومنها تسخيره ما في السماوات والأرض من شموس وأقمار وبحار وجبال، لتنتفعوا بها في مرافقكم وشؤونكم المعيشية.
ثم أمر المؤمنين بأحاسن الأخلاق، فطلب إليهم أن يصفحوا عن الكافرين ويحتملوا أذاهم، وعند الله جزاؤهم، فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ويوم القيامة يعرضون على ربهم ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
الإيضاح :﴿ الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾أي إن ذلك الخالق الواحد الذي أقمت لكم الأدلة على وجوده – هو الذي يسر لكم استخدام البحر لتجري فيه السفن بإذنه وقدرته، حاملة أقواتكم ومتاجركم، لتقوم بشؤونكم المعيشية، ولتطلبوا رزق ربكم منه بالغوص للدر تارة والصيد تارة أخرى، ولتشكروه على ما أفاض عليكم من هذه النعم، فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
ثم أمر المؤمنين بأحاسن الأخلاق، فطلب إليهم أن يصفحوا عن الكافرين ويحتملوا أذاهم، وعند الله جزاؤهم، فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ويوم القيامة يعرضون على ربهم ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
الإيضاح :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾ أي وسخر لكم جميع ما خلقه في سماواته وأرضه مما تتعلق به مصالحكم، وتقوم به معايشكم، فمما سخر لكم من المخلوقات السماوية الشمس والقمر والنجوم النيرات والمطر والسحاب والرياح، ومن المخلوقات الأرضية الدواب والأشجار والجبال والسفن رحمة منه وفضلا، وكل هذه أدلة على أنه الله الذي لا إله غيره، لمن تأمل فيها واعتبر بها وتدبرها حق التدبر.
والخلاصة : إن العالم كله كأنه جسم واحد يحتاج كل جزء منه إلى الأجزاء الباقية، فلا يستقيم مطر بلا حرارة شمس، ولا تسير سفن إلا بهواء أو فحم أو كهرباء وما شاكل ذلك، فالعالم كله كساعة منتظمة لا يستقيم سيرها إلا إذا استكملت آلاتها وعددها.
وعن طاوس قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله مم خلق الخلق ؟ فقال من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب، قال فمم خلق هؤلاء ؟ قال : لا أدري، ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله، فقال مثل قول عبد الله بن عمرو، فأتى ابن عباس فسأله مم خلق الخلق ؟ فقال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، قال : مم خلق هؤلاء ؟ فقرأ ابن عباس :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ﴾ فقال الرجل ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبوة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف الحجج الدالة على ربوبيته ووحدانيته – أردف ذلك ذكر آثارها، فمن ذلك تسخير السفن في البحار حاملة للأقوات والمتاجر رجاء أن تشكروا ما أنعم به عليكم، ومنها تسخيره ما في السماوات والأرض من شموس وأقمار وبحار وجبال، لتنتفعوا بها في مرافقكم وشؤونكم المعيشية.
ثم أمر المؤمنين بأحاسن الأخلاق، فطلب إليهم أن يصفحوا عن الكافرين ويحتملوا أذاهم، وعند الله جزاؤهم، فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ويوم القيامة يعرضون على ربهم ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
الإيضاح : ولما علم سبحانه عباده دلائل التوحيد والقدرة والحكمة أردفه تعليمهم فضائل الأخلاق فقال :
﴿ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ﴾أي قل للذين صدقوا الله ورسوله : اعفوا واصفحوا عن هؤلاء المشركين الذين لا يخافون بأس الله ونقمته، إذا نالكم منهم أذى ومكروه قاله مجاهد.
روى الواحدي والقشيري عن ابن عباس أن الآية نزلت في عمر بن الخطاب مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها : المريسيع، فأرسل عبد الله غلامه ليستقي فأبطأ عليه، فقال : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر قعد على فم البئر، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر وملأ لمولاه، فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل :( سمن كلبك يأكلك )فبلغ عمر قوله، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله، فأنزل الله هذه الآية.
وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس سببا آخر قال : لما نزل قوله تعالى :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ﴾( البقرة : ٢٤٥ )قال يهودي بالمدينة يسمى فنحاصا، احتاج رب محمد، قال : فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقول لك :﴿ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ﴾ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب عمر فلما جاء قال :( يا عمر ضع سيفك ) قال : يا رسول الله صدقت. أشهد إنك أرسلت بالحق، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية. فقال عمر : لا جرم والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي.
ثم علل الأمر بالمغفرة فقال :
﴿ ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ﴾ أي ليجزي الله تعالى يوم القيامة قوما بما كسبوا في الدنيا من أعمال طيبة، من جملتها الصبر على أذى الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه، ما لا يحيط به الوصف من الثواب العظيم في جنات النعيم.
ثم أمر المؤمنين بأحاسن الأخلاق، فطلب إليهم أن يصفحوا عن الكافرين ويحتملوا أذاهم، وعند الله جزاؤهم، فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ويوم القيامة يعرضون على ربهم ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
الإيضاح : ولما رغب سبحانه ورهب وقرر أنه لا بد من الجزاء، أبان أن النفع والضر لا يعدو المحسن والمسيء فقال :
﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ أي من عمل من عباد الله بطاعته، فانتهى إلى أمره وازدجر عن نهيه، فلنفسه عمل، ولها طلب الخلاص من عذابه، والله غني عن كل عامل، ومن أساء عمله في الدنيا بمعصية ربه فعلى نفسه جنى، ولها اكتسب الضر.
ثم بين وقت الجزاء فقال :
﴿ ثم إلى ربكم ترجعون ﴾ أي ثم تصيرون إلى ربكم حين العرض للحساب، فيجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
تفسير المفردات : الكتاب : المراد به الكتب التي نزلت على أنبيائهم، الحكم : الفصل بين الناس في الخصومات، لأنهم كانوا ملوكا.
المعنى الجملي : اعلم أن الله سبحانه بين أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم كثيرة، وقد حصل بينهم الاختلاف بغيا وحسدا، وجاء ذكر هذا تسلية لرسوله بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، بل طريقهم طريق من تقدمهم، ثم أمر رسوله بأن يتمسك بالحق، ولا يكون له غرض سوى إظهاره، ولا يتبع أهواء الجاهلين الضالين، ثم ذكر أن القرآن معالم للهداية تهتدي بها القلوب الضالة عن طريق الحق، فتلزم الجادة وتصل إلى طريق النجاة.
( ١ )إنزال التوراة على موسى فيها معالم للهدى وشرائع للناس تهديهم إلى سواء السبيل.
( ٢ )إرسال الرسل، فكثر فيهم الأنبياء بما لم يكن لأمة مثله.
( ٣ )القضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم، إذ كان الملك فيهم، فاجتمع لهم حكم الدين وحكم الدنيا.
( ٤ )إيتاؤهم طيبات الأرزاق، فكانوا ذوي ترف ونعيم في معايشهم، وكان منهم الملوك ذوو الحظ الأوفر من العظمة والفضل وسعة الجاه والأمر والنهي وبسطة العيش كداود وسليمان عليهما السلام.
( ٥ )تفضيلهم على الناس جميعا، إذ لم يكن في أمة أنبياء كما كان فيهم، ولم يجمع الله بين الملك والنبوة في شعب كما اجتمع فيهم، فهم أرفع الشعوب منقبة.
قال ابن عباس : لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحب إليه منهم اهـ. وقد آتاهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثر فيهم من الأنبياء بما لم يفعله بغيرهم ممن سبق.
( ٦ )إيتاؤهم أحكاما ومواعظ مؤيدة بالمعجزات، وقد كان هذا مما يستدعي ألفتهم واجتماعهم، وكانوا كذلك لا يختلفون إلا اختلافا يسيرا لا يضر مثله، فلما جاءهم العلم اختلفوا كما أشار إلى ذلك بقوله :
﴿ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ﴾ أي فما حدث فيهم هذا الخلاف إلا بعد قيام الحجة طلبا للرياسة وحسدا فيما بينهم، وقد سبق تفصيله في سورة حم عسق.
ثم وكل سبحانه أمر المختلفين إليه للقضاء بينهم يوم القيامة فقال :
﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾أي إن ربك سبحانه يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا وحسدا فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا بعد العلم الذي آتاهم، والبيان الذي جاءهم منه، ويجعل الفلج للمحق على المبطل، والمقصد من هذا أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها، فهو سيرى في الآخرة ما يسوءه.
وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تسير على نهجهم.
المعنى الجملي : اعلم أن الله سبحانه بين أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم كثيرة، وقد حصل بينهم الاختلاف بغيا وحسدا، وجاء ذكر هذا تسلية لرسوله بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، بل طريقهم طريق من تقدمهم، ثم أمر رسوله بأن يتمسك بالحق، ولا يكون له غرض سوى إظهاره، ولا يتبع أهواء الجاهلين الضالين، ثم ذكر أن القرآن معالم للهداية تهتدي بها القلوب الضالة عن طريق الحق، فتلزم الجادة وتصل إلى طريق النجاة.
( ١ )إنزال التوراة على موسى فيها معالم للهدى وشرائع للناس تهديهم إلى سواء السبيل.
( ٢ )إرسال الرسل، فكثر فيهم الأنبياء بما لم يكن لأمة مثله.
( ٣ )القضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم، إذ كان الملك فيهم، فاجتمع لهم حكم الدين وحكم الدنيا.
( ٤ )إيتاؤهم طيبات الأرزاق، فكانوا ذوي ترف ونعيم في معايشهم، وكان منهم الملوك ذوو الحظ الأوفر من العظمة والفضل وسعة الجاه والأمر والنهي وبسطة العيش كداود وسليمان عليهما السلام.
( ٥ )تفضيلهم على الناس جميعا، إذ لم يكن في أمة أنبياء كما كان فيهم، ولم يجمع الله بين الملك والنبوة في شعب كما اجتمع فيهم، فهم أرفع الشعوب منقبة.
قال ابن عباس : لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحب إليه منهم اهـ. وقد آتاهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثر فيهم من الأنبياء بما لم يفعله بغيرهم ممن سبق.
( ٦ )إيتاؤهم أحكاما ومواعظ مؤيدة بالمعجزات، وقد كان هذا مما يستدعي ألفتهم واجتماعهم، وكانوا كذلك لا يختلفون إلا اختلافا يسيرا لا يضر مثله، فلما جاءهم العلم اختلفوا كما أشار إلى ذلك بقوله :
﴿ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ﴾ أي فما حدث فيهم هذا الخلاف إلا بعد قيام الحجة طلبا للرياسة وحسدا فيما بينهم، وقد سبق تفصيله في سورة حم عسق.
ثم وكل سبحانه أمر المختلفين إليه للقضاء بينهم يوم القيامة فقال :
﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾أي إن ربك سبحانه يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا وحسدا فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا بعد العلم الذي آتاهم، والبيان الذي جاءهم منه، ويجعل الفلج للمحق على المبطل، والمقصد من هذا أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها، فهو سيرى في الآخرة ما يسوءه.
وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تسير على نهجهم.
المعنى الجملي : اعلم أن الله سبحانه بين أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم كثيرة، وقد حصل بينهم الاختلاف بغيا وحسدا، وجاء ذكر هذا تسلية لرسوله بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، بل طريقهم طريق من تقدمهم، ثم أمر رسوله بأن يتمسك بالحق، ولا يكون له غرض سوى إظهاره، ولا يتبع أهواء الجاهلين الضالين، ثم ذكر أن القرآن معالم للهداية تهتدي بها القلوب الضالة عن طريق الحق، فتلزم الجادة وتصل إلى طريق النجاة.
الإيضاح :
ولما بين أنهم أعرضوا عن الحق بغيا وحسدا – أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعدل عن هذه الطريقة وأن يستمسك بالحق فقال :
﴿ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ﴾ أي ثم جعلناك بعد بني إسرائيل الذين وصفت لك صفتهم، على نهج خاص من أمر الدين، فاتبع ما أوحي إليك، ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون الذين لا يعلمون توحيد الله ولا شرائعه لعباده وهم كفار قريش ومن وافقهم فتهلك.
الإيضاح : ثم علل النهي عن اتباع أهوائهم فقال :
﴿ إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ﴾ أي إن هؤلاء الجاهلين بربهم لا يدفعون عنك شيئا مما أراده بك إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعته.
ثم بين أولياء الكافرين وأولياء المؤمنين فقال :
﴿ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ﴾أي وإن الكافرين ليتولى بعضهم شؤون بعض في الدنيا، أما في الآخرة فلا ولي ولا شفيع ولا نصير يجلب لهم ثوابا ولا يدفع عنهم عقابا.
﴿ والله ولي المتقين ﴾ أي والمتقون المهتدون وليهم الله وهو ناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور، والكافرون أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، فما أبعد الفرق بين الولايتين :
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر
وقصارى ما سلف : دم على ما أنت عليه من اعتمادك على ولاية ربك ونصرته، وأعرض عما سواه.
المعنى الجملي : اعلم أن الله سبحانه بين أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم كثيرة، وقد حصل بينهم الاختلاف بغيا وحسدا، وجاء ذكر هذا تسلية لرسوله بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، بل طريقهم طريق من تقدمهم، ثم أمر رسوله بأن يتمسك بالحق، ولا يكون له غرض سوى إظهاره، ولا يتبع أهواء الجاهلين الضالين، ثم ذكر أن القرآن معالم للهداية تهتدي بها القلوب الضالة عن طريق الحق، فتلزم الجادة وتصل إلى طريق النجاة.
الإيضاح : ثم بين فضل القرآن وذكر ما يجلبه التمسك بحبله المتين فقال :
﴿ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ﴾ أي هذا القرآن دلائل للناس فيما يحتاجون إليه من أمر الدين، وبينات تبصرهم وجه الفلاح، وتعرفهم سبيل الهدى، وهو هدى ورحمة لقوم يوقنون بصحته، وهو تنزيل من رب العالمين.
وإنما خص الموقنين بأنه لهم هدى ورحمة، لأنهم هم الذين ينتفعون بما فيه دون من كذب به من أهل الكفر فإنه عليهم عمي.
تفسير المفردات : الاجتراح : الاكتساب، ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي، والمراد بالسيئات : سيئات الكفر والإشراك بالله.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الفارق بين الكافرين والمؤمنين في الولاية، فأبان أن الأولين بعضهم أولياء بعض، وأن الآخرين وليهم الله، أردف ذلك ذكر الفارق بينهم في المحيا والممات، فالمحسنون مرحومون في الحالين، ومجترحو السيئات مرحومون في الدنيا فحسب، ثم ذكر الدليل على هذا بأن الله ما خلق الخلق إلا بالحق المقتضي للعدل والانتصاف للمظلوم من الظالم، والتفاوت بين المحسن والمسيء في الجزاء، وإذا لم يكن هذا في المحيا كان في دار الجزاء حتما، لتجزى كل نفس بما كسبت، فلا تظلم بنقص ثواب أو بمضاعفة عقاب.
ثم عجب سبحانه ممن ركب رأسه واتبع هواه وترك الهدى وأضله الله وهو العليم باستعداده وخبث طويته، وأنه ممن يميل إلى تدسية نفسه واجتراح الآثام والمعاصي، فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه، فلا يتأثر بعظة، ولا يفكر في آية، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار، فمن بعد الله يهديه ؟ أفلا تتذكرون وتتفكرون في هذا ؟
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما هو أفضل في الدنيا، فنزلت الآية :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ الخ.
الإيضاح :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ﴾أي أيظن هؤلاء الذين اكتسبوا الإثم والمعاصي في الدنيا، فكفروا بالله وكذبوا الرسل، وخالفوا أمره، وعبدوا غيره، أن نجعلهم كالذين آمنوا به وصدقوا رسله، فنساوي بينهم في دار الدنيا وفي الآخرة، كلا لا يستوون في شيء منهما، فإن أهل السعادة في عز الإيمان والطاعة وشرفهما في المحيا، وفي رحمة الله ورضوانه في الممات، وأهل الشقاء في ذل الكفر والمعاصي وهوانهما في المحيا، وفي لعنة الله والعذاب الخالد في الممات، فشتان ما بينهما وما أبعد ما بين الثريا والثرى.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هو الفائزون ﴾( الحشر : ٢٠ )وقوله :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾٠السجدة : ١٨ ).
﴿ ساء ما يحكمون ﴾ أي ساء ما ظنوا، وبعُد أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة وفي هذه الدار.
وفي الآية إرشاد إلى تباين حالي المؤمن العاصي والمؤمن الطائع.
وقد أثر عن كثير من الناسكين المخبتين لربهم أنهم كانوا يبكون عند تلاوة هذه الآية حتى سموها مبكاة العابدين.
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والطبراني وجماعة عن أبي الضحى قال : قرأ تميم الداري سورة الجاثية فلما أتى على قوله :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ الآية لم يزل يكررها ويبكي حتى أصبح وهو عند المقام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن بشير مولى الربيع بن خيثم أن الربيع كان يصلي فمر بهذه الآية :﴿ أم حسب الذين ﴾ فلم يزل يرددها حتى أصبح.
وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه إذا قرأها : ليت شعري من أي الفريقين أنت ؟.
ثم عجب سبحانه ممن ركب رأسه واتبع هواه وترك الهدى وأضله الله وهو العليم باستعداده وخبث طويته، وأنه ممن يميل إلى تدسية نفسه واجتراح الآثام والمعاصي، فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه، فلا يتأثر بعظة، ولا يفكر في آية، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار، فمن بعد الله يهديه ؟ أفلا تتذكرون وتتفكرون في هذا ؟
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما هو أفضل في الدنيا، فنزلت الآية :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ الخ.
الإيضاح : ثم أقام الدليل على عدم التساوي وأبان حكمة ذلك فقال :
﴿ وخلق الله السماوات والأرض بالحق ﴾ أي لم يخلق الله السماوات والأرض للجور والظلم، بل خلقهما للحق والعدل، ومن العدل أن يخالف بين المحسن والمسيء في العاجل والآجل.
﴿ ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ﴾أي وليثيب كل عامل بما هو له أهل، فلا يبخس المحسن ثواب إحسانه، أو يحمل عليه جرم غيره فيعاقبه به، أو يجعل للمسيء ثواب إحسان غيره.
والخلاصة : كل عامل يجزى بما كسبت يداه، ولا يظلم بنقص ثواب، ولا بتضعيف عقاب.
ثم عجب سبحانه ممن ركب رأسه واتبع هواه وترك الهدى وأضله الله وهو العليم باستعداده وخبث طويته، وأنه ممن يميل إلى تدسية نفسه واجتراح الآثام والمعاصي، فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه، فلا يتأثر بعظة، ولا يفكر في آية، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار، فمن بعد الله يهديه ؟ أفلا تتذكرون وتتفكرون في هذا ؟
روى الكلبي في تفسيره أن عتبة وشيبة والوليد بن عتبة قالوا لعلي وحمزة وجمع من المؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولونه حقا، لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما هو أفضل في الدنيا، فنزلت الآية :﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ﴾ الخ.
الإيضاح : ثم بين أحوال الكافرين وذكر جناياتهم على أنفسهم فقال :
﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾أي انظر واعجب من حال من ركب رأسه، وترك الهدى، وأطاع الهوى، فكأنه جعله إلها يعبده من دون الله، فهو لا يهوى شيئا إلا فعله، لا يخاف ربا ولا يخشى عقابا، ولا يفكر في عاقبة ما يعمل.
وفي هذا إيماء إلى ذم اتباع هوى النفس، ومن ثم قال وهب بن منبه : إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك فأته.
وقال سهيل التستري : هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وقال الإشبيلي الزاهد :
فخالف هواها واعصها إن من يطع هوى نفسه ينزع به شر منزع
ومن يطع النفس اللجوجة تزده وترم به في مصرع أي مصرع
وقال البوصيري في بردته :
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
وقال ابن عباس : ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه، قال تعالى :﴿ واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ﴾( الأعراف : ١٧٦ ) وقال :﴿ واتبع هواه وكان أمره فرطا ﴾ ( الكهف : ٢٨ )، وقال :﴿ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ﴾ ( ص : ٢٦ ).
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم :( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) وقال أبو أمامة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى ) وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم :( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفاجر من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله )وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :( إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة ) وعنه أنه قال :( ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فالمهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، والمنجيات خشية الله في السر والعلن، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب ).
وحسبك ذما لاتباع الهوى قوله تعالى :﴿ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى( ٤٠ )فإن الجنة هي المأوى ﴾ )النازعات : ٤٠-٤١ ).
﴿ وأضله الله على علم ﴾ أي خذله فلم يجعله يسلك سبيل الرشاد، لأنه قد علم أنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية، لما في جوهر نفسه من الميل إلى ارتكاب الإجرام، واتباع الشهوات، فهو يوغل في القبائح دون زاجر ولا وازع.
﴿ وختم على سمعه ﴾ أي وقد طبع على سمعه، فلا يتأثر بالآيات تتلى عليه ليعتبر بها، ولا يتدبرها ليعقل ما فيها من النور والهدى.
﴿ وقلبه ﴾ أي وختم على قلبه، فلا يعي حقا، ولا يسترشد إلى صواب.
﴿ وجعل على بصره غشاوة ﴾ تمنعه أن يبصر حجج الله وآياته في الآفاق والأنفس، فيستدل بها على وحدانيته ويعلم بها أن لا إله غيره.
قال مقاتل : نزلت في أبي جهل. ذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل : والله إني لأعلم أنه صادق، فقال له مه، وما دلك على ذلك ؟ قال : يا أبا عبد شمس كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن، والله إني لأعلم أنه صادق، قال : فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟ قال : تتحدث عني بنات قريش أني اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى إن اتبعته أبدا فنزلت :﴿ وختم على سمعه وقلبه ﴾.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( ٦ )ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ﴾( البقرة : ٦ – ٧ ).
ثم ذكر أن مثل هذا لا أمل في هدايته فقال :
﴿ فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾أي فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه، أي لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك، أفلا تتذكرون أيها القوم فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا، فلن يهتدي أبدا، ولن يجد لنفسه وليا ولا مرشدا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن المشركين قد اتخذوا إلههم هواهم، وأن الله قد أضلهم على علم بحالهم، وأنه ختم على سمعهم وقلبهم وجعل على بصرهم غشاوة، ذكر هنا جناية أخرى من جناياتهم، وحماقة من حماقاتهم، تلك أنهم أنكروا البعث وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، وما ذلك منهم إلا ظنون وأوهام لا مستند لها من نقل ولا عقل، ولم يجدوا حجة يقولونها إلا أن قالوا : إن كان ما تقوله حقا فأرجعوا آباءنا الموتى إلى الحياة، فأمر الله رسوله أن يجيبهم بأنه هو الذي يحييهم ثم يميتهم، ثم يجمعهم في يوم لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة ذلك.
الإيضاح :﴿ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ﴾ أي وقال المشركون الذين سبق ذكر بعض أوصافهم : لا حياة بعد هذه الحياة التي نحن نعيش فيها، فنموت نحن وتحيا أبناؤنا من بعدنا. وهذا تكذيب صريح منهم للبعث والمعاد.
وقصارى ذلك : ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وليس هناك بعث ولا قيامة.
﴿ وما يهلكنا إلا الدهر ﴾ أي وما يفنينا إلا مر الليالي والأيام، فمرورها هو المؤثر في هلاك الأنفس، ويضيفون كل حادث إلى الدهر وأشعارهم ناطقة بذلك قال :
أشاب الصغير وأفنى الكب ير كر الغداة ومر العشي
وقد كان العرب في جاهليتهم إذا أصابتهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : يا خيبة الدهر، وقد جاء النهي عن سب الدهر، فجاء في الحديث القدسي :( يقول الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( يقول الله تعالى : استقرضت عبدي فلم يعطني، وسبني عبدي يقول وادهراه وأنا الدهر ).
قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم :( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) كان العرب في الجاهلية إذا أصيبوا بشدة أو بلاء قالوا : يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله، فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال.
ثم نعى عليهم مقالهم هذا الذي لا دليل عليه فقال :
﴿ وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ﴾أي وما لهم بقصر الحياة على حياة الدنيا ونسبة الإهلاك إلى الدهر، علم يستند إلى عقل أو نقل، وقصارى أمرهم الظن والتخمين من غير أن يكون لهم ما يتمسكون به من حجة نافذة.
وفي الآية إشارة إلى أن القول بغير بينة ولا حجة، لا ينبغي أن يعول عليه، وأن اتباع الظن منكر عند الله.
الإيضاح : ثم ذكر شبهتهم على إنكار البعث فقال :
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ﴾ أي وإذا تلي على هؤلاء المشركين الذين سبق القول في جرائمهم – آيات الكتاب الدالة على أن البعث حق، وأن الله سيعيد الخلق يوم القيامة وينشئه نشأة أخرى – لم يكن لهم من حجة في دحض هذا إلا أن قالوا إن كان ما تقولونه حقا فأنشروا لنا آباءنا الأولين وابعثوهم من قبورهم أحياء حتى نعتقد صحة ما تقولون.
وهذا قول آفن وكلام لا ينبغي أن يصدر من عاقل، فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء في الحال كإعادة آبائهم التي طلبوها في الدنيا، امتناعه فيما بعد إذا قامت القيامة وبعث الله الموتى من قبورهم للعرض والحساب.
وتسمية كلامهم الزائف حجة ضرب من التهكم بهم على نحو قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
الإيضاح : ثم أمر سبحانه رسوله أن يرد عليهم فقال :
﴿ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ﴾ أي قل لهؤلاء المشركين المنكرين للبعث : الله يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدنيا، ثم يميتكم فيها متى شاء، ثم يجمعكم جميعا أولكم وآخركم صغيركم وكبيركم يوم القيامة.
ثم أكد ذلك بقوله :
﴿ لا ريب فيه ﴾ أي لا ريب في هذا الجمع والبعث، فإن من قدر على البدء قدر على الإعادة، والحكمة قاضية بذلك، لتجزى كل نفس بما كسبت، والأديان جميعا متضافرة على تحققه وحصوله يوم القيامة.
وقصارى ما سلف : إن البعث أمر ممكن أخبر به الأنبياء الصادقون، والحكمة تقتضي حصوله والعقل يؤيده، فهو واقع لا محالة.
﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ أي ولكن أكثر الناس ينكرون البعث ويستبعدون عودة الأجسام بعد موتها وحين تكون عظاما نخرة كما قال :﴿ إنهم يرونه بعيدا( ٦ )ونراه قريبا ﴾( المعرج : ٦-٧ ) أي يرون وقوعه بعيدا والمؤمنون يرونه قريبا، وما دعاهم إلى ذلك إلا جهلهم وقصر نظرهم، لا لأن فيه شائبة ريب.
المعنى الجملي : بعد أن أثبت فيما سلف أنه تعالى قادر على الإحياء مرة ثانية كما قدر على ذلك في المرة الأولى – ذكر هنا دليلا آخر على ذلك، وهو أنه تعالى مالك الكون كله، فهو قادر على التصرف فيه بالإحياء في الإعادة كما أحياه في البدء، ثم ذكر من أهوال هذا اليوم أن كل أمة تجثو على ركبها وتجلس جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، وكل أمة تدعى إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب عليها، ويقال لهم : اليوم تجزون ما كنتم تعملون، ولا شاهد عليكم أصدق من كتابكم، فهو صورة أعمالكم قد كتبتها الملائكة في دنياكم.
الإيضاح :﴿ ولله ملك السماوات والأرض ﴾ أي إنه تعالى مالك العالم العلوي والسفلي، جار حكمه فيهما، دون ما تدعون من دونه من الأوثان والأصنام.
ثم توعد الكافرين أهل الباطل فقال :
﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ﴾ أي ويوم تقوم الساعة ويحشر الناس من قبورهم للعرض والحساب – سيظهر خسران أولئك المنكرين الجاحدين بما أنزل الله على رسله من الآيات والدلائل - بدخولهم في جهنم وبئس المستقر.
وقد جعلت الحياة والصحة والعقل كأنها رؤوس أموال، والتصرف فيها بطلب السعادة الأخروية يجري مجرى تصرف التاجر في ماله طلبا للربح. أما الكفار فقد أتعبوا أنفسهم وتصرفوا فيها بفعل الآثام والإشراك بالله تصرف التاجر الذي أساء في تجارته فوكس فيها، ولم يجد في العاقبة إلا الخسران والخذلان والطرد من رحمة الله، وذلك ما لا يرضاه عاقل لنفسه، يزن الأمور بميزان الحكمة والسداد.
سورة الجاثية
آيها سبع وثلاثون
هي مكية إلا الآية الثامنة فمدنية، نزلت بعد سورة الدخان.
ومناسبتها لما قبلها : أن أول هذه مشاكل لآخر سابقتها في الأغراض والمقاصد.
الإيضاح : ثم بين حال الأمم في ذلك اليوم وما تلاقيه من الشدائد انتظارا لفصل القضاء فقال :
( ١ )﴿ وترى كل أمة جاثية ﴾ على ركبها لشدة الهول والرعب، واستعدادا لما لعلها تؤمر به حين فصل القضاء.
( ٢ )﴿ كل أمة تدعى إلى كتابها ﴾ الذي أنزل عليها لتعبد ربها بهديه، وكتابها الذي نسخته الحفظة من أعمالها، ليطبق أحدهما على الآخر، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا، ومن خالفه هلك وكان من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ونحو الآية قوله :﴿ ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ﴾ ( الزمر : ٦٩ ).
ثم ذكر أنهم ينذرون ويبشرون بما سيبنى عليه حكم القضاء فقال :
﴿ اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾ أي ويقال لهم حال دعائهم : اليوم تجازون بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا خيرها وشرها.
المعنى الجملي : بعد أن أثبت فيما سلف أنه تعالى قادر على الإحياء مرة ثانية كما قدر على ذلك في المرة الأولى – ذكر هنا دليلا آخر على ذلك، وهو أنه تعالى مالك الكون كله، فهو قادر على التصرف فيه بالإحياء في الإعادة كما أحياه في البدء، ثم ذكر من أهوال هذا اليوم أن كل أمة تجثو على ركبها وتجلس جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، وكل أمة تدعى إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب عليها، ويقال لهم : اليوم تجزون ما كنتم تعملون، ولا شاهد عليكم أصدق من كتابكم، فهو صورة أعمالكم قد كتبتها الملائكة في دنياكم.
الإيضاح : ثم بين مستندات الحكم وأدلته فقال :
﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ﴾ أي هذا كتابنا الذي كتبته الحفظة ودونت فيه أعمالكم يشهد عليكم شهادة حق دون زيادة ولا نقص، فهو صورة تطابق ما فعلتموه حذو القذة بالقذة.
ثم علل مطابقة هذه الشهادة لأعمالهم فقال :
﴿ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾ أي إنا كنا نأمر الحفظة بنسخ أعمالكم وكتابتها وإثباتها عليكم أول فأول في الدنيا، فهي وفق ما عملتم بالدقة والضبط.
وفي هذا إجابة عما يخطر بالبال من سؤال فيقال : ومن يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة وبعد العهد ؟ فأجيبوا بهذا الجواب.
تفسير المفردات : في رحمته : أي في جنته، الفوز : هو الظفر بالبغية، المبين : أي الظاهر أنه لا فوز وراءه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح : فصل سبحانه في هذه الآيات حالي السعداء والأشقياء فقال :
( ١ )﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ﴾أي فأما الذين آمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم صالح الأعمال التي أمر بها الدين، فيكافئهم ربهم على ما عملوا، ويدخلهم جنات النعيم. جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى قال للجنة :( أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء ).
ثم بين خطر ما نالوا وعظيم ما أوتوا فقال :
﴿ ذلك هو الفوز المبين ﴾أي هذا هو الظفر بالبغية التي كانوا يطلبونها، والغاية التي كانوا يسعون في الدنيا لبلوغها، وهو فوز لا فوز بعده.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح :( ٢ )﴿ وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ﴾ أي وأما الذين جحدوا وحدانية الله فيقال لهم تأنيبا وتوبيخا : ألم تكن تأتيكم رسلي فتتلو عليكم آيات كتبي، فتستكبرن عن الإيمان بها ؟ ولا عجب فديدنكم الإجرام، وارتكاب الآثام، والكفر بالله، لا تصدقون بميعاد، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح :﴿ وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ﴾ أي وكنتم إذا قال لكم المؤمنون : إنه سبحانه وتعالى باعثكم من قبوركم بعد موتكم، وإن الساعة التي أخبركم أنه سيقيمها لحشركم وجمعكم للحساب والثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، آتية لا ريب فيها، فاتقوا الله وآمنوا به، وصدقوا برسوله، واعملوا لما ينجيكم من عذابه، قلتم لعتوكم واستكباركم متعجبين مستغربين، ما الساعة ؟ نحن لا علم لنا بها، وما نظنها آتية إلا ظنا لا يقين فيه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح : ثم ذكر أنهم يقفون موقف المتهم المسؤول زيادة في تأنيبهم ثم يحل بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب :
﴿ وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾أي وظهرت لهم قبائح أعمالهم التي عملوها في الدنيا حين قرؤوا كتب أعمالهم التي دونتها الحفظة كي لا يكون لهم حجة إذ نزل بهم العذاب ثم جوزوا بما كانوا يهزؤون به في الدنيا ويقولون ما هو إلا أوهام وأباطيل، وخرافات قد دونها المبطلون.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح : ثم ذكر ما يزيد في تعذيبهم وإلقاء الرعب في قلوبهم فقال :
﴿ وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ﴾ أي وقيل لهم تغليظا في العقوبة وإمعانا في التهكم والسخرية : اليوم نترككم في العذاب، كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، وليس لكم مستنقذ ينقذكم منه، ولا مستنصر يستنصر لكم ممن يعذبكم.
والخلاصة : إنه تعالى جمع لهم ثلاثة ألوان من العذاب : قطع الرحمة عنهم، وجعل مأواهم النار، وعدم وجود الأنصار والأعوان، من قبل أنهم أتوا بثلاثة ضروب من الإجرام : الإصرار على إنكار الدين الحق، والاستهزاء به، والاستغراق في حب الدنيا، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :﴿ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ﴾
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح :﴿ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ﴾ أي هذا الذي حل بكم من عذاب الله بأنكم في الدنيا اتخذتم حجج الله وآيات كتابه التي أنزلها على رسوله سخرية تسخرون منها، وخدعتكم زينة هذه الحياة فآثرتموها على العمل لما ينجيكم من عذابه، ظنا منكم أنه لا حياة بعد هذه الحياة ولا بعث ولا حساب.
﴿ فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ﴾ أي فاليوم لا يخرجون من النار، ولا هم يردون إلى الدنيا ليتوبوا ويراجعوا الإنابة مما عوقبوا عليه.
والخلاصة : إنهم لا يخرجون ولا يطلب منهم أن يزيلوا عتب ربهم عليهم أي لا يطلب منهم إرضاؤه لفوات أوانه.
الإيضاح :
وبعد أن ذكر ما حوته السورة من آلائه تعالى وإحسانه، وما اشتملت عليه من الدلائل التي في الآفاق والأنفس، وما انطوت عليه من البراهين الساطعة على المبدإ والمعاد، أثنى على نفسه بما هو له أهل فقال :
﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ﴾أي فلله الحمد على أياديه على خلقه، فإياه فاحمدوا، وله فاعبدوا، فكل ما بكم من نعمة فهو مصدرها دون ما تعبدون من وثن أو صنم، وهو مالك السماوات السبع، ومالك الأرضين السبع، ومالك جميع ما فيهن.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها ويقال لهم هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيه، أردف هذا بيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا ويقال لهم : لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم لا يقين عندنا به، وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزئون به في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، فلا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.
الإيضاح :﴿ وله الكبرياء في السماوات والأرض ﴾أي وله الجلال والعظمة والسلطان في العالم العلوي والعالم السفلي، فكل شيء خاضع له فقير إليه دون ما سواه من الآلهة والأنداد.
وفي الحديث القدسي :( يقول الله تعالى : الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أسكنته ناري ). أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن أبي شيبة عن أبي هريرة.
﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾ أي وهو العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب، الحكيم في أفعاله وأقواله، تقدس ربنا جلت قدرته، وعظمت آلاؤه.
وقصارى ذلك : له الحمد فاحمدوه، وله الكبرياء فعظموه، وهو العزيز الحكيم فأطيعوه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.