فيها ثلاث آيات
ﰡ
فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : فِي إعْرَابِهَا :
قَالَ الْمُعْرِبُونَ : هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ، تَقْدِيرُهُ فَاضْرِبُوا الرِّقَابَ ضَرْبًا. وَعِنْدِي أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِقَوْلِك : اقْصِدُوا ضَرْبَ الرِّقَابِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ مَعْنَاهُ افْعَلُوا ذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي رِسَالَةٍ الْإِلْجَاءِ.
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ :
فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِيَةُ كُلُّ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا ذِمَّةَ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْآيَةِ فِيهِ.
المسألة الثَّالِثَةُ : فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ ضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ الْقِتَالُ ؛ قَالَهُ السُّدِّيُّ.
الثَّانِي : أَنَّهُ قَتْلُ الْأَسِيرِ صَبْرًا.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فِي الْقِتَالِ، وَهُوَ اللِّقَاءُ، وَإِنَّمَا نَسْتَفِيدُ قَتْلَ الْأَسِيرِ صَبْرًا من فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَأَمْرِهِ بِهِ.
المسألة الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى. ﴿ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ.
الْمَعْنَى اُقْتُلُوهُمْ حَتَّى إذَا كَثُرَ ذَلِكَ، وَأَخَذْتُمْ مَنْ بَقِيَ فَأَوْثِقُوهُمْ شَدًّا ؛ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ فَتُطْلِقُوهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ وَهِيَ :
المسألة الْخَامِسَةُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي عِزَّةَ وَبِثُمَامَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ : هُوَ الْعِتْقُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ وَالتَّرْكَ مَعْنًى، وَالْعِتْقَ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ فِي الْعِتْقِ مَعْنَى التَّرْكِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ.
المسألة السَّادِسَةُ ﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾، وَيَعْنِي ثِقَلَهَا، وَعَبَّرَ عَنْ السِّلَاحِ بِهِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَفِي ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا حَتَّى يُؤْمِنُوا وَيَذْهَبَ الْكُفْرُ ؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.
الثَّانِي حَتَّى يُسْلِمَ الْخَلْقُ ؛ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ.
الثَّالِثُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
المسألة السَّابِعَةُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكمَةٌ ؟ فَقِيلَ : هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ :﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ ؛ قَالَهُ السُّدِّيُّ.
الثَّانِي : أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعَاهَدُونَ. وَقِيلَ : إنَّهَا مُحْكمَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ؛ قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
الثَّالِثُ أَنَّهَا مُحْكمَةٌ بَعْدَ الْإِثْخَانِ ؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، لِقَوْلِهِ :﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾.
وَالتَّحْقِيقُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مُحْكمَةٌ فِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي.
المسألة الثَّامِنَةُ : فِي التَّنْقِيحِ :
اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ من أُمَّهَاتِ الْآيَاتِ وَمُحْكَمَاتِهَا ؛ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا بِالْقِتَالِ، وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْأَنْفَالِ ؛ فَإِذَا تَمَكَّنَ الْمُسْلِمُ من عُنُقِ الْكَافِرِ أَجْهَزَ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَمَكَّنَ من ضَرْبِ يَدِهِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَتَنَاوَلُ بِهَا قِتَالَ غَيْرِهِ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ إلَّا ضَرَبَ فَرَسَهُ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُرَادِهِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ رَاجِلًا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ قَصْدَ مُسَاوَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ قَصْدَ حَطِّهِ، وَالْمَطْلُوبُ نَفْسُهُ، وَالْمَآلُ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَ بِالْقِتَالِ أَوَّلًا، وَعَلِمَ أَنْ سَتَبْلُغُ إلَى الْإِثْخَانِ وَالْغَلَبَةِ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حُكْمَ الْغَلَبَةِ بِشَدِّ الْوَثَاقِ، فَيَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّمَا لَهُمْ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ ؛ وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَهُ مَنْسُوخَةٌ.
وَالصَّحِيحُ إحْكَامُهَا ؛ فَإِنَّ شُرُوطَ النَّسْخِ مَعْدُومَةٌ فِيهَا من الْمُعَارَضَةِ، وَتَحْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ من الْمُتَأَخِّرِ، وَقَوْلُهُ :﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيدَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالْقَتْلِ، فَإِنَّ طَوْقَ الْمَنِّ يُثْقِلُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ، وَيَذْهَبُ بِنَفَاسَةِ نُفُوسِهِمْ، وَالْفِدَاءُ يُجْحِفُ بِأَمْوَالِهِمْ ؛ «وَلَمْ يَزَلْ الْعَبَّاسُ تَحْتَ ثِقَلِ فِدَاءِ بَدْرٍ حَتَّى أَدَّى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ فَقَدْ قَالَ : وَاحْصُرُوهُمْ ؛ فَأَمَرَ بِالْأَخْذِ كَمَا أَمَرَ بِالْقَتْلِ.
فَإِنْ قِيلَ : أَمَرَ بِالْأَخْذِ لِلْقَتْلِ.
قُلْنَا : أَوْ لِلْمَنِّ وَالْفِدَاءِ. وَقَدْ عَضَّدَتْ السُّنَّةُ ذَلِكَ كُلَّهُ ؛ فَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ من سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ جَارِيَةً فَفَدَى بِهَا نَاسًا من الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ هَبَطَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أَهْلِ مَكَّةَ قَوْمٌ، فَأَخَذَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَّ عَلَيْهِمْ »، وَقَدْ مَنَّ عَلَى سِبِّي هَوَازِنَ، وَقَتَلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ صَبْرًا فَقَالَتْ أُخْتُهُ قُتَيْلَةُ تَرِثِيهِ :
يَا رَاكِبًا إنَّ الْأَثِيلَ مَظِنَّةٌ | من صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ |
أَبْلِغْ بِهَا مَيِّتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً | مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ |
مِنِّي إلَيْهِ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً | جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ |
فَلْيَسْمَعْنِ النَّضْرُ إنْ نَادَيْته | إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ أَوْ يَنْطِقُ |
أَمُحَمَّدٌ وَلَأَنْتَ ضِنْءُ كَرِيمَةٍ | فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ |
مَا كَانَ ضَرَّك لَوْ مَنَنْت وَرُبَّمَا | من الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ |
لَوْ كُنْت قَابِلَ فِدْيَةٍ لَفَدَيْتُهُ | بِأَعَزِّ مَا يُغْلَى بِهِ مَنْ يُنْفِقُ |
وَالنَّصْرُ أَقْرَبُ من أَسَرْت قَرَابَةً | وَأَحَقُّهُمْ لَوْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتِقُ |
ظَلَّتْ رِمَاحُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ | لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقَّقُ |
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيَّةِ مَتْعَبًا | رَسْفَ الْمُقَيِّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ |
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْمٍ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ آثَامَهَا يُرِيدُونَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْكُلُّ، فَلَا يَبْقَى كَافِرٌ ؛ وَيُؤَوَّلُ مَعْنَاهُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْجِهَادُ ؛ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ ».
وَمَنْ ذَكَرَ نُزُولَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ لَا يَبْقَى كَافِرٌ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا جِزْيَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ.
المسألة التَّاسِعَةُ : فِي تَتْمِيمِ الْقَوْلِ :
قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ : فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ : الْمَعْنَى فَضَرْبُ الرِّقَابِ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَإِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَسِيرَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ دَفَعَ أَسِيرًا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِيَقْتُلَهُ، فَأَبَى وَقَالَ : لَيْسَ بِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ، وَقَرَأَ :﴿ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾.
قُلْنَا : قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ، وَلَيْسَ فِي تَفْسِيرِ اللَّهِ لِلْمَنِّ وَالْفِدَاءِ مَنْعٌ من غَيْرِهِ ؛ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي الزِّنَا حُكْمَ الْجَلْدِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الرَّجْمِ ؛ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَ ذَلِكَ من يَدِ الْحَجَّاجِ فَاعْتَذَرَ بِمَا قَالَ، وَرَبُّك أَعْلَمُ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ افْتَتَحَ نَافِلَةً من صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ، ثُمَّ أَرَادَ تَرْكَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي انْعَقَدَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ تَطَوُّعٌ فَإِلْزَامُهُ إيَّاهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الطَّوَاعِيَةِ.
قُلْنَا : إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، فَإِذَا شُرِّعَ لَزِمَهُ كَالشُّرُوعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. الثَّانِي : أَنَّهُ لَا تَكُونُ عِبَادَةٌ بِبَعْضِ رَكْعَةٍ وَلَا بَعْضِ يَوْمٍ فِي صَوْمٍ ؛ فَإِذَا قَطَعَ فِي بَعْضِ الرَّكْعَةِ أَوْ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ إنْ قَالَ : إنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ فقد نَاقَضَ الْإِجْمَاعَ، وَإِنْ قَالَ : إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَدْ نَقَضَ الْإِلْزَامَ، وَذَلِكَ مُسْتَقْصَى فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى [ هَاهُنَا ] عَنْهُ مَعَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لِلْكُفَّارِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ، وَيُفِيدُ فَائِدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُهُ.