ﰡ
وذكر معمر عن قتادة، قال : ملكوت السماوات : الشمس والقمر، والنجوم، وملكوت الأرض، الجبال، والشجر، والبحار. ( ت : ٣/٣١٩. وكذا في س : ٧/١١٢ )
قال أبو عمر : اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت طائفة : هو الزكاة. وممن روي ذلك عنه : ابن عباس، ومحمد بن الحنفية، وزيد بن أسلم، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وطاووس، وجابر بن زيد، وقتادة، والضحاك.
وقال آخرون : هو أن يعطى المساكين عند الحصاد والجذاذ مع ما تيسر من غير الزكاة. وروي ذلك عن عمر، وأبي جعفر محمد بن علي بن حنين، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس.
وقال النخعي، والسدي : الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر٢. ( س : ٩/٢٦٢-٢٦٣ )
٢ - انظر جامع البيان: ٨/٥٨-٥٩..
وقال آخرون : معنى قوله هنا، أي لا أجد في ما قد أوحي إلي في هذا الحال يعني في تلك الحال، حال الوحي ووقت نزوله، لأنه قد أوحي إليه بعد ذلك في سورة المائدة، من تحريم المنخنقة والموقوذة، إلى سائر ما ذكر في الآية، فكما أوحى الله إليه في القرآن تحريما بعد تحريم، جاز أن يوحي إليه على لسانه تحريما بعد تحريم. وليس في هذا شيء من النسخ، ولكنه تحريم شيء بعد شيء، قالوا : مع أنه ليس للحمار والسباع وذي المخلب والناب ذكر في قوله :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ﴾، وذلك أن الله عز وجل- إنما ذكر ثمانية أزواج، من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين، ثم قال :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي ﴾، يعني – والله أعلم- من هذه الأزواج الثمانية ﴿ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ﴾، فزاد ذكر لحم الخنزير تأكيدا في تحريمه، حيا وميتا، لأنه ما حرم لحمه، لم تعمل الذكاة فيه، فكان أشد من الميتة، ولم يذكر السباع والحمير والطير ذا المخلب بتحليل ولا تحريم.
وقال آخرون، ليس السباع والخمر من بهيمة الأنعام التي أحلت لنا، فلا يحتاج فيها إلى هذا.
وقال الآخرون : هذه الآية جواب لما سأل عنه قوم من الصحابة، فأجيبوا عن مسألتهم، كأنهم يقولون : إن معنى الآية، قل لا أجد في ما أوحي إلي مما ذكرتم، أو مما كنتم تأكلون، ونحو هذا قاله طاوس، ومجاهد، وقتادة وتابعهم قوم واستدلوا على صحة ذلك، بأن الله قد حرم في كتابه وعلى لسان رسوله، أشياء لم تذكر في الآية، لأنه لا يختلف المسلمون في ذلك.
ذكر سنيد، عن حجاج، عن ابن جريج، قال : أخبرني إبراهيم بن أبي بكر، أن مجاهدا أخبره في قول الله- عز وجل- :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ﴾، قال : ما كان أهل الجاهلية يأكلون، لا أجد من ذلك ﴿ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ﴾ الآية، قال حجاج : وأخبرنا ابن جريج عن طاوس عن أبيه مثله، وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة نحوه.
وقالت فرقة : الآية محكمة، ولا يحرم إلا ما فيها، وهو قول يروى عن ابن عباس، وقد روي عنه خلافه في أشياء حرمها يطول ذكرها، وكذلك اختلف فيه عن عائشة، وروي عن ابن عمر من وجه ضعيف، وهو قول الشعبي، وسعيد بن جبير في الخمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، أنه ليس شيء منها محرما.
وأما سائر فقهاء المسلمين في جميع الأمصار فمخالفون لهذا القول، متبعون للسنة في ذلك.
وقال أكثر أهل العلم والنظر، من أهل الأثر وغيرهم : إن الآية محكمة غير منسوخة، وكل ما حرمه رسول الله مضموم إليها وهو زيادة من حكم الله على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم – ولا فرق بين ما حرم الله في كتابه أو حرمه على لسان رسوله، بدليل قول الله عز وجل- :﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾٢، وقوله :﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾٣، وقوله :﴿ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ﴾٤، قال أهل العلم : القرآن والسنة. وقوله :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾٥، وقوله :﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ﴾٦، وقوله :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾٧، فقرن الله- عز وجل- طاعته بطاعته، وأوعد على مخالفته، وأخبر أنه يهدي إلى صراطه، وبسط القول في هذا موجود في كتب الأصول.
وليس في هذه الآية دليل على أن لا حرام على أكل إلا ما ذكر فيها، وإنما فيها أن الله أخبر نبيه- صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يخبر عباده أنه لم يجد في القرآن منصوصا شيئا محرما على الأكل والشارب إلا ما في هذه الآية، وليس ذلك بمانع أن يحرم الله في كتابه بعد ذلك وعلى لسان رسوله أشياء سوى ما في هذه الآية.
وقد أجمعوا أن سورة الأنعام مكية، وقد نزل بعدها قرآن كثير، وسنن عظيمة، وقد نزل تحريم الخمر في المائدة بعد ذلك، وقد حرم الله على لسان نبيه-صلى الله عليه وسلم – أكل كل ذي ناب من السباع، وأكل الحمر الأهلية، وغير ذلك. فكان ذلك زيادة حكم من الله على لسان نبيه- صلى الله عليه وسلم- كنكاح المرأة على عمتها، وعلى خالتها، مع قوله :﴿ وأحل لكم ما دون ذلك ﴾٨، وكحكمه بالشاهد واليمين، مع قول الله :﴿ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ﴾٩، وما أشبه هذا كثير، تركناه خشية الإطالة، ألا ترى أن الله قال في كتابه :﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾١٠، وقد حرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشياء من البيوع، وإن تراضا بها المتبايعان، كالمزابنة، وبيع ما ليس عندك، وكالتجارة في الخمر، وغير ذلك مما يطول ذكره.
وقد أجمع العلماء أن سورة الأنعام مكية إلا قوله :﴿ قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ﴾١١ الآيات الثلاث، وأجمعوا أن نهي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة، ولم يرو ذلك عنه غير أبي هريرة. وأبي ثعلبة الخشني، وإسلامهما متأخر، بعد الهجرة إلى المدينة بأعوام، وقد روي عن ابن عباس، عن النبي – صلى الله عليه وسلم- مثل رواية أبي هريرة وأبي ثعلبة، في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من وجه صالح١٢. قال إسماعيل بن إسحاق القاضي ؛ وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ﴾-الآية، لأن ذلك مكي.
قال أبو عمر : قول الله- عز وجل :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ﴾ الآية، قد أوضحنا بما أوردنا في هذا الباب بأنه قول ليس على ظاهره، وأنه ليس نصا محكما ؛ لأن النص المحكم مالا يختلف في تأويله، إذا لم يكن نصا، كان مفتقرا إلى بيان الرسول لمراد الله منه، كافتقار سائر مجملات الكتاب إلى بيانه، قال الله- عز وجل- :﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾١٣، وقد بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أكل كل ذي ناب، وأكل الحمر الأهلية مراد الله، فوجب الوقوف عنده، وبالله التوفيق. ( ت : ١/١٤٣-١٤٧. وانظر س : ١٥/٣١٧-٣١٨ )
٢ - سورة النساء: ٥٨..
٣ - سورة النساء: ٧٩..
٤ - سورة الأحزاب: ٣٤..
٥ - سورة الحشر: ٧..
٦ - سورة الشورى: ٤٩-٥٠..
٧ - سورة النور: ٦١..
٨ - سورة النساء: ٢٤. والتلاوة: ﴿وأحل لكم ما رواء لكم﴾..
٩ - سورة البقرة: ٢٨١..
١٠ - سورة النساء: ٢٩..
١١ - سورة الأنعام: ١٥٢..
١٢ - أخرج أبو داود قال : حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السبع، وعن كل ذي مخلب من الطير. كتاب الأطعمة، باب النهي، عن أكل السباع: ٣/٣٥٥..
١٣ - سورة النحل: ٤٤..