ﰡ
ومن سورة الأنعام:
قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ (٦) القرن ثمانون سنة. وقد قَالَ بعضهم: سبعون «١».
وقوله «٢» : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا (٩) : فِي صورة رجل لانَّهم لا يقدرون عَلَى النظر إلى صُورة المَلَك.
وقوله: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (١٢) إن شئت جعلت (الرحمة) غاية كلام، ثُمَّ استأنفت بعدها لَيَجْمَعَنَّكُمْ وإن شئت جعلته «٣» فِي موضع نصب كما قَالَ: كَتَبَ «٤» رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ والعربُ تَقُولُ فِي الحروف التي يَصْلح معها جواب الأيْمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون: أرسلت إِلَيْهِ أن يقوم، وأرسلت إِلَيْهِ ليقومنّ.
وكذلك قوله: ثُمَّ «٥» بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ وهو فِي القرآن كَثِير ألا ترى أنك لو قلت: بدا لَهُم أن يسجنوه كَانَ صوابًا.
وقوله: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ (١٤) مخفوض «٦» فِي الإعراب تَجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى. ولو نصبته عَلَى المدح كَانَ صوابًا، وهو معرفة. ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع
(٢) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج.
(٣) أي «ليجمعنكم».
(٤) آية ٥٤ سورة الأنعام.
(٥) آية ٣٥ سورة يوسف.
(٦) أي «فاطر».
رَبِّ السَّماواتِ «١» وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ:
وقوله: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ (١٨) كلُّ شيء قهر شيئًا فهو مُسْتَعلٍ عَلَيْهِ.
وقوله: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (١٩) يريد: ومن بلغه القرآن من بعدكم، و (بلغ) صلة ل (من). ونصبت (من) بالإنذار. وقوله: آلِهَةً أُخْرى ولم يقل: أُخَر لأن الآلهة جَمع، (والجمع) «٢» يقع عَلَيْهِ التأنيث كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ «٣» الْأَسْماءُ الْحُسْنى وقال الله تبارك وتعالى: فَما «٤» بالُ الْقُرُونِ الْأُولى ولم يقل: الأوَل والأوّلين. وكلّ ذَلِكَ صواب.
وقوله: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ (٢٠) ذُكِرَ أنّ عمر بن الخطاب قَالَ لعبد الله بن سَلام: ما هذه المعرفة التي تعرفون بِهَا محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: والله لأنابه إِذَا رأيته أعرفُ مني بابني وهو يلعب مع الصبيان لاني لا أشكُّ فِيهِ أَنَّهُ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولستُ أدري ما صنع النساء فِي الابن. فهذه المعرفة لصفته فِي كتابِهم.
وجاء التفسير فِي قوله: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ يُقال: لَيْسَ من مؤمن ولا كافر إلا لَهُ منزل فِي الجنة وأهل وأزواج، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه
(٢) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش.
(٣) آية ١٨٠ سورة الأعراف. [.....]
(٤) آية ٥١ سورة طه.
وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنا (٢٣) تقرأ «٤» : رَبِّنَا وربَّنا خفضًا ونصبًا. قَالَ الفراء: وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بن عيَّاش «٥» أخو أبي بكر بن عياش عَن الأعمش عَن الشعبي عَن عَلقمة «٦» أَنَّهُ قرأ وَاللَّهِ رَبِّنا قَالَ: معناهُ: والله يا ربَّنا. فمن قَالَ رَبِّنا جعله محلوفا به.
وقوله: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ... (٣٢)
جعلت الدار هاهنا اسمًا، وجُعِلت الآخِرة من صفتها، وأضيفت فِي غير هَذَا الموضع «٧». ومثله مِمّا يُضاف إلى مثله فِي المعنى قوله (إِنَّ «٨» هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ والحق هُوَ اليقين كما أنّ الدار هي الآخرة. وكذلك آتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى. ومنه: يوم الخميس، وليلة الخميس. يُضاف الشيء إلى نفسه إِذَا اختلف لفظه كما اختلف الحق واليقين، والدار [و «٩» ] الآخرة، واليوم والخميس.
فإذا اتفقا لَمْ تقل العرب: هَذَا حقُّ الحقّ، ولا يقين اليقين لانهم يتوهمون إذا
(٢) آية ١١ سورة المؤمنون.
(٣) آية ١٥ سورة الزمر، ٤٥ سورة الشورى.
(٤) النصب قراءة حمزة والكسائىّ وخلف، والجر قراءة الباقين.
(٥) هو أبو محمد الكوفىّ. روى عن الأعمش وغيره. مات سنة ١٧٢ هـ. وأخوه أبو بكر مات سنة ١٩٣
(٦) هو علقمة بن قيس النخعىّ. مات سنة ٦٢
(٧) كما فى الآية ١٠٩ سورة يوسف. على أن ابن عامر قرأ هنا: «ولدار الاخرة» بالإضافة.
(٨) آية ٩٥ سورة الواقعة.
(٩) سقطت الواو فى ش، ج. وما أثبتناه هو المناسب للمقام.
وقوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ (٣٣) قرأها العامَّة بالتشديد. قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ «٢» عَنْ نَاجِيَةَ «٣» بْنِ كَعْبٍ عَنْ علىّ أنه قرأ «٤» يُكَذِّبُونَكَ مُخَفَّفَةً.
ومعنى التخفيف- والله أعلم-: لا يجعلونك كذَّابًا، وإنَّما يريدونَ أن ما جئت بِهِ باطل لانهم لَمْ يجرّبوا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذبًا فيكذبوه وإنَّما أكذبوه «٥» أي ما جئت بِهِ كذب لا نعرفه. والتكذيب «٦» : أن يُقال: كَذَبت. والله أعلم.
وقوله: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ... (٣٥)
فافعل «٧»، مضمرة، بذلك. جاء التفسير، وَذَلِكَ معناهُ. وإنَّما تفعله العرب فِي كل موضع يُعرف فِيهِ معنى الجواب ألا ترى أنك تَقُولُ للرجل: إن استطعت أن تتصدق، إن رأيت أن تقوم مَعَنا، بترك الجواب لمعرفتك بِمعرفته به «٨». فإذا جاء
(٢) هو عمرو بن عبد الله الهمدانىّ الكوفىّ. توفى سنة ١٢٧ هـ.
(٣) صحابىّ جليل. توفى فى أيام معاوية.
(٤) وهى قراءة نافع والكسائىّ. [.....]
(٥) كذا فى ج. وهو يوافق عبارة اللسان. وفى ش: «يكذبوه».
(٦) حاصل هذا أن التكذيب: النسبة إلى الكذب. والإكذاب للرجل أن يجد كلامه باطلا، وإن لم يكن القائل كاذبا فيه عارفا بكذبه.
(٧) هذا جواب الشرط المحذوف.
(٨) ثبت فى ج، وسقط فى ش.
وقوله: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ... (٣٨)
(الطائر) مخفوض. ورفعه «١» جائز (كما «٢» تَقُولُ: ما عندي من) رجل ولا امرأةٍ، وامرأةٌ من رفع قَالَ: ما عندي من رجلٍ ولا عندي امرأة. وكذلك قوله:
وَما «٣» يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ ثُمَّ قَالَ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ، وَلا أَكْبَرَ، وَلا أَكْبَرَ إِذَا نصبت (أصغر) فهو فِي نية خفض، ومن رفع ردّه عَلَى المعنى.
وأمّا قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فإنّ الطائر لا يطير إلا بجناحيه. وهو فِي الكلام بِمنزلة قوله (لَهُ «٤» تِسع وتسعونَ نَعْجَة [ولي نعجة] أنثى)، وكقولك للرجل:
كلَّمْته بِفيّ، ومشيت إِلَيْهِ عَلَى رِجْلَيَّ، إبلاغًا فِي الكلام.
يُقال: إنّ كل صنف من البهائم أُمَّةٌ، والعربُ تَقُولُ صِنْف [وصَنْف «٥» ].
ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ حَشْرها: موتها، ثُمَّ تُحشر مع الناس فيُقال لَهَا:
كوني ترابًا. وعند ذَلِكَ يتمنّى الكافر أنه كان ترابا مثلها.
(٢) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش.
(٣) آية ٦١ سورة يونس، وآية ٣ سورة سبأ، والقراءة بالوجهين فى الآية الأولى. فقرأ حمزة ويعقوب وخلف بالرفع، والباقون بالفتح. فأما فى آية سبأ فقد اتفق على الرفع إلا فى رواية عن المطوعى كما فى الإتحاف.
(٤) آية ٢٣ سورة ص. وهذه قراءة ابن مسعود كما فى البديع.
(٥) زيادة يقتضيها السياق.
العرب لها فى (أرأيت) لغتان، ومعينان.
أحدهما أن يسأل الرجل الرجل: أرأيت زيدًا بعينك؟ فهذه مهموزة. فإذا أوقعتها عَلَى الرجُل منه قلت: أرأيتكَ عَلَى غير هَذِه الحال؟ تريدُ: هَلْ رأيتَ نفسك عَلَى غير هَذِه الحال. ثم «١» تثنّى وتجمع، فتقول للرجلين: أرايتما كما، وللقوم:
أَرَأَيْتموكم، وللنسوة: أَرَأَيْتُنَّكُنَّ «٢»، وللمرأة: أَرَأَيْتِكِ، تخفض التاء والكاف، لا يَجوز إلا ذَلِكَ.
والمعنى الآخر أن تَقُولُ: أرأيتَكَ، وأنت تريد: أَخْبِرني (وتهمزها) «٣» وتنصب التاء منها وتترك الْهَمْز إن شئت، وهو أكثر كلام العرب، وتترك التاء موحّدة مفتوحة للواحد والواحدة [والجميع «٤» فِي] مؤنثه ومذكره. فتقول للمرأة: أرايتَكِ زيدًا هَلْ خرج، وللنسوة: أرايتَكُنَّ زيدًا ما فعل. وإنّما تركت العرب التاء واحدة لانهم لَمْ يريدوا أن يكون الفعل منها واقعًا عَلَى نفسها، فاكتَفْوا بذكرها فِي الكاف، ووجَّهوا التاء إلى المذكر والتوحيد إذ لَمْ يكن الفعل واقعًا. وموضع الكاف نصب وتأويله رفع كما أنك إِذَا قلت للرجل: دونك زيدًا وجدت الكاف فِي اللفظ خفضًا وَفِي المعنى رفعًا لانّها مأمورة.
والعرب إِذَا أوقعَتْ فِعْل شيء عَلَى نفسه قد كُنِّيَ فِيهِ عَن الاسم قالوا فِي الأفعال التامَّة غير ما يقولون فِي الناقصة. فيُقال للرجل: قتلتَ نفسك، وأحسنت إلى
(٢) رسم فى اللسان (رأى) :«أرأتن كن» وظاهر أن «أرأتن» تحريف عن «أرأيتن».
(٣) فى عبارة اللسان: «فتهمزها».
(٤) ثبت ما بين الجاصرين فى عبارة اللسان، وسقط فى ش، ج.
وقد قَالَ الله تبارك وتعالى إِنَّ «٣» الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ولم يقل: رأى نفسه. وربما جاء فِي الشعر: ضربتَكَ أو شَبههُ من التامّ. من ذَلِكَ قول الشاعر «٤» :
خُذَا حَذَرًا يا جارتَيَّ فإنَّني... رأيتُ جِرَانَ الْعَوْدِ قد كَادَ يُصْلح
لقد كَانَ لي فِي ضَرّتين عدِمتُني... وما كنت ألقى من رزينة أبرح
والعرب يقولون: عدِمتُنِي، ووجدتُني، وفقدتُني، وليس بوجه الكلام.
وقوله: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا... (٤٣)
معنى (فَلَوْلا) فهلا. ويكون معناها عَلَى معنى لولا «٥» كأنك قلت: لولا عبد الله لضربتك. فإذا رأيت بعدها اسمًا واحدًا مرفوعًا فهو بِمعنى لولا التي جوابها اللام وَإِذَا لَمْ تَر بعدها اسمًا فهي استفهام كقوله: لَوْلا «٦» أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [فَأَصَّدَّقَ
(٢) آية ١٠١ سورة هود.
(٣) آيتا ٦، ٧ سورة العلق.
(٤) هو عامر بن الحارث النميرىّ عند صاحب القاموس تبعا للصاغاتىّ. وعند الجوهرى: المستورد.
وقد لقب جران العود لهذا الشعر. والعود: البعير المسنّ وجرانه مقدّم عنقه. كان له امرأتان لا ترضيانه، فاتخذ من جران العود سوطا قدّه من جران عود نحره، وهو أصلب ما يكون. فقوله: «يا جارتى» يريد زوجتيه.
(٥) كذا فى ج. وفى ش: «لو لاك».
(٦) آية ١٠ سورة المنافقين.
وقوله: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ (٤٤) يعني أبواب الرزق والمطر وهو «٢» الخير فِي الدُّنْيَا لنفتنهم فِيهِ. وهو مثل قوله:
حَتَّى «٣» إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً ومثله وَأَنْ «٤» لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ والطريقة طريقة «٥» الشِرك أي لو استمروا عليها فعلنا ذَلِكَ بِهم.
وقوله: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه. ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس وقد قَالَ الراجز «٦» :
يا صاحِ هَلْ تعرف رَسْمًا مُكْرَسَا | قَالَ نعم أعرفه، وأبلسا |
وقوله: يَأْتِيكُمْ بِهِ (٤٦) كناية عَن ذهاب «٧» السمع والبصر والختم عَلَى الأفئدة. وإذا كنيت عَن الأفاعيل وإن كثرت وحَّدْت الكناية كقولك للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذيني. وقد يُقال: إنَّ الْهَاء التي فِي «٨» بِهِ كناية عن الهدى، وهو كالوجه الأوّل.
(٢) ثبت فى ج، وسقط فى ش.
(٣) آية ٢٤ سورة يونس.
(٤) آيتا ١٦، ١٧ سورة الجنّ
(٥) هذا أحد وجهين فى تفسير الطريقة.
والوجه الآخر أنها طريقة الهدى والإسلام. والنعمة والخير يكونان للكافر استدراجا، وللمؤمن ابتلاه.
(٦) هو العجاج. و «مكرسا» أي فيه الكرس- بكسر فسكون- أي أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض فى الدار.
(٧) هذا تسمح فى التعبير، والمراد: كناية عن السمع والبصر الذاهبين والأفئدة المختوم عليها.
(٨) كذا فى ج. وفى ش: «به».
وقوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (٥٢) يقول القائل: وكيف يَطْرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يدعو ربه حَتَّى يُنْهَى عَن ذَلِكَ؟ فإنه بلغنا أن عيينة بن حِصْن الفَزَاري دخل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده سَلْمَان وبلال وصُهَيْب وأشباههم، فقال عُيينة: يا رسول الله لو نحَّيْتَ هَؤُلاءِ عنك لاتاك أشراف قومك فأسلموا. فأنزل الله تبارك وتعالى:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ.
وقوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ (٥٤) تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها «٢» فى جوابها على الائتناف، وهي قراءة «٣» القرّاء «٤».
وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: كتب ربكم عَلَى نفسه أَنَّهُ من عمل.
ولك فى (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح. فأمّا من «٥» فتح فإنه يقول: إنَّما يَحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحدة ولكن الخبر هُوَ موضعها، فلمّا دخلت فى ابتداء
(٢) ثبت هذا الحرف فى ج، وسقط فى ش.
(٣) كذا فى ج. وفى ش: «فى قراءة».
(٤) الكسر فى إنّ الأولى وإنّ الثانية قراءة ابن كثير وأبى عمرو وحمزة والكسائىّ.
(٥) الفتح فى الموضعين قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب.
أَلَمْ «٣» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ولك أن تكسر «٤» (إِنَّ) التي بعد الفاء فِي هَؤُلاءِ الحروف عَلَى الاستئناف ألا ترى أنك قد تراه حسنًا أن تَقُولُ:
«كتب أَنَّهُ من تولاهُ فهو يضله» بالفتح. وكذلك «وأصلح فهو غفور رحيم» لو كَانَ لكان صوابًا. فإذا حسُنَ دخول (هُوَ) حسن الكسر.
وقوله: وليستبين سبيل المجرمين (٥٥) ترفع (السبيل) بقوله: (وليستبين) لأن «٥» الفعل لَهُ. ومن «٦» أنَّثَ السبيل قَالَ:
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. وقد يجعل «٧» الفعل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنصب «٨» السبيل، يراد بِهِ: ولتستبين يا مُحَمَّد سبيلَ المجرمين.
وقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يقض الحقّ (٥٧) كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام كما كتب سَنَدْعُ «٩» الزَّبانِيَةَ بغير واو، وكما كتب فَما «١٠» تُغْنِ النُّذُرُ بغير ياء عَلَى اللفظ. فهذه قراءة أصحاب «١١»
(٢) آية ٤ سورة الحج.
(٣) آية ٦٣ سورة التوبة.
(٤) فتح الأولى وكسر الثانية قراءة نافع وأبى جعفر.
(٥) وهذه القراءة بالياء فى الفعل ورفع السبيل قراءة أبى بكر وحمزة والكسائىّ وخلف.
(٦) وهذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وحفص.
(٧) كذا فى ش. وفى ج: «جعل».
(٨) وهذه قراءة نافع وأبى جعفر.
(٩) آية ١٨ سورة العلق.
(١٠) آية ٥ سورة القمر. [.....]
(١١) وهى قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائىّ، فهى قراءة سبعية.
وقوله: وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ (٥٩) يَجوز رفعها.
وقوله: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (٦٣) يُقال: خُفْيَة وخِفْية. وفيها لغة بالواو، - ولا تصلح فِي القراءة-: خُفوة وخِفوة كما قيل: قد حلّ حبوته وحبوته وحبيته.
وقوله: لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ (٦٣) قراءة أهل الكوفة، - وكذلك هي فِي مصاحفهم- «أن «٤» جِ ي ن ألف» وبعضهم «٥» بالألف (أَنْجَانَا) وقراءة الناس (أنجيتنا) بالتاء.
وقوله: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ (٦٥) كما فعل بقوم نوح: المطر والحجارة والطوفان أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ:
الخسف أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً: يخلطكم شيعا ذوى أهواء.
(٢) كانت وفاته سنة ١٩٨
(٣) هو أبو محمد المكىّ. توفى سنة ١١٦
(٤) رسمها هكذا، يريد أنجانا بألف بعد الجيم ممالة، فرسمها ياء للدلالة على إمالتها. وهذه قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٥) أي بعض أهل الكوفة وهو عاصم.
وقوله: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً... (٧٠)
يُقال: لَيْسَ من قوم إِلا ولَهم عيد فهم يَلْهُون فِي أعيادِهم، إلا أُمَّةَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أعيادهم بِرّ وصلاة وتكبير وخير.
وقوله: وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي ترتهن «١» (والعربُ «٢» تَقُولُ: هَذَا عليك بَسْل أي حرام. ولذلك قيل: أسَد باسل أي لا يُقْرَب) والعربُ تَقُولُ: أعْطِ الراقِي بُسْلته، وهو أجر الرقْية.
وقوله: يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا... (٧١)
كَانَ أَبُو بكر الصديق وامرأته يدعوان عبد الرحمن ابنهما إلى الإسلام. فهو قوله: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا أي أطعنا، ولو كانت «إلى الهدى أن ائتنا» لكان صوابًا كما قَالَ: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ «٣» فِي كَثِير من أشباهه، يجيء بأَنْ، ويطرحُها.
وقوله: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ... (٧٢)
مردودة عَلَى اللام التي فِي قوله: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ والعربُ تَقُولُ: أمرتك لتذهب (وأن «٤» تذهب) فأَن فِي موضع نصب بالرد عَلَى الأمر. ومثله فى القرآن كثير.
(٢) ثبت ما بين القوسين فى ج، وسقط فى ش.
(٣) آية ١ سورة نوح.
(٤) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج.
يقال إنّ قوله: فَيَكُونُ للصُّور خاصَّة، أي يوم يقول للصور: كُنْ فَيَكُونُ.
ويقال إن قوله: كُنْ فَيَكُونُ لقوله «١» هُوَ الحقّ من نعت القول، ثُمَّ تجعل فعله يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يريد: يكون قوله الحقّ يومئذ. وقد يكون أن تقول:
وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ لكل شيء فتكون كلمة مكتفية وترفع القول بالحقّ، وتنصب (اليوم) لأنه محل لقوله الحقّ.
والعربُ تَقُولُ: نُفِخَ فِي الصورِ وَنُفِخَ، وَفِي قراءة عبد الله: كهيئة الطير فأنفخها فتكون طيرًا بإذني «٢» وقال الشاعر:
لولا ابنُ جَعْدة لَمْ يُفتَح قُهُنْدُزكم... ولا خُراسانُ حَتَّى يُنْفَخَ الصُّورُ «٣»
ويُقال: إن الصُّور قَرن، ويُقال: هُوَ جَمع للصور «٤» ينفخ فِي الصور فِي الموتى.
والله أعلم بصواب ذَلِكَ.
وقوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ... (٧٤)
يُقال: آزر فِي موضع خفض ولا يُجْرى لأنه أعجميّ. وقد أجمع أهل النسب عَلَى أَنَّهُ ابن تَارَح، فكأن آزر لقب لَهُ. وقد بلغني أن معنى (آزر) فِي كلامهم مُعوج، كأنه عابه بزيغه وبِعِوجه عَن الحق. وقد قرأ بعضهم «٥» لِأَبِيهِ آزَرَ بالرفع عَلَى النداء (يَا) وهو وجه حسن. وقوله: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً نصبت الأصنام بإيقاع الفعل عليها، وكذلك الآلهة.
(٢) هذا فى الآية ١١٠ سورة المائدة.
(٣) القهندز كلمة أعجمية معناها الحصن أو القلعة فى وسط المدينة. وهو اسم لأربعة مواضع.
(٤) كذا. والمراد أنه جمع مرادف للصور- بضم الصاد وفتح الواو- فى أنه جمع صورة. وقد يكون الأصل: «للصورة». [.....]
(٥) هو يعقوب.
يُقال: جنّ عَلَيْهِ الليل، وَأَجَنَّ، وَأَجَنَّهُ الليل وجَنّه الليل وبالألف «١» أجود إِذَا ألقيت (عَلَى) وهي أكثر من جنَّه الليل.
يُقال فِي قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي قولان: إِنَّما قَالَ: هَذَا ربي استدراجًا للحجَّة عَلَى قومه ليعيب «٢» آلهتهم أنّها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة ويُقال: إنه قاله عَلَى الوجه «٣» الآخر كما قَالَ الله تبارك وتعالى لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ «٤» يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى واحتجوا هاهنا بقول إِبْرَاهِيم: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.
وقوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ (٨٣) وَذَلِكَ أنهم قالوا لَهُ: أمَا تَخاف أن تخبلك آلهتنا لسبِّك إيّاها؟ فقال لَهُم:
أَفلا تخافون أنتم ذَلِكَ منها إذ سوّيتم بين الصغير والكبير والذكر والأنثى أن يغضب الكبير إذ سويتم بِهِ الصغير. ثُمَّ قَالَ لَهُم: أمن يعبد إلهًا واحدًا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شَتَّى؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فغضبوا على أنفسهم. فذلك قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.
(٢) كذا فى ج. وفى ش: «يعيب».
(٣) يريد أن إبراهيم كان يعتقد ما ذكره أولا، يقولون: كان هذا فى صغره حيث لا يكون كفرو لا إيمان.
(٤) آيتا ٦، ٧ سورة الضحى.
هذه الهاء لنوح: و (هدينا) من ذريته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان عَلَى هَذَا المعنى إذ لَمْ يظهر الفعل كَانَ صوابًا كما تَقُولُ: أخذت صدقاتِهم لكل مائة (شاةٍ «١» شاةٌ) وشاةٌ.
وقوله: وَالْيَسَعَ... (٨٦)
يشدّد «٢» أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين «٣» يقولون وَالْيَسَعَ لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يُجْرَى مثل يزيد ويعمر إلا فِي شعر أنشد بعضهم:
وَجَدْنَا الوليد بن اليزيد مباركًا... شديدًا بَأحْنَاء الْخِلافَةِ كاهِله «٤»
وإنَّما أَدْخل فِي يزيد الألف واللام لَمَّا أدخلها فِي الوليد. والعربُ إِذَا فعلت ذَلِكَ فقد أمسَّت الحرف مدحًا.
وقوله: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ... (٨٩)
يعني أهل مَكَّةَ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً يعنى أهل المدينة لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ بالآية «٥».
(٢) هؤلاء عندهم تشديد اللام مفتوحة وسكون الياء. وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٣) هم أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم.
(٤) من قصيدة لابن ميادة الرماح بن أبرد. والوليد بن يزيد هو الخليفة الأموىّ وقد قتل سنة ١٢٦ وقوله: «بأحناء الخلافة» فالأحناء جمع الحنو وهو الجهة، والجانب. ويروى: «بأعباء الخلافة».
(٥) كذا فى ج، وفى ش: «بالأمة».
تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً يقول: تبدونَ ما تُحبون، وتكتمونَ صفة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ أُمر مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول قُلِ اللَّهُ أي: أنزله الله عليكم. وإن شئت قلت: قل (هُوَ) الله.
وقد يكون قوله قُلِ اللَّهُ جوابًا لقوله: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى، قُلِ اللَّهُ أنزله. وإنما اخترت رفع اللَّهَ بغير الجواب لأن الله تبارك وتعالى الَّذِي أمر محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسألهم: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ وليست بِمسألة منهم فيجابوا، ولكنه جازَ لأنه استفهام، والاستفهام يكون لَهُ جواب.
وقوله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ لو كانت جزمًا لكان صوابًا كما قَالَ ذَرْهُمْ «٣» يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا.
(٢) آية ٧ سورة الأنعام.
(٣) آية ٣ سورة الحجر.
يُقال فِي التفسير: إنّ «١» أمّ القرى مَكَّة.
وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ الْهَاء تكون لِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللتنزيل.
وقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً... (٩٣)
يُقال: إنَّها نزلت فِي مسيلمة الكذَّاب، وَذَلِكَ أنه ادّعى النبوة.
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ ومن فِي موضع خفض. يريد: ومن أظلم من هَذَا ومن هَذَا الَّذِي قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح.
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ كتب سَمِيعٌ عَلِيمٌ أو عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيقول لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سواء حَتَّى أملّ عَلَيْهِ قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «٢» إلى قوله: ثُمَّ «٣» أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقال ابن أبي سَرْح فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجُّبًا من تفصيل خَلق الانْسَان، قَالَ فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أنزِلت عَليّ، فشكّ وارتدّ. وقال: لئن كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقًا لقد أوحي إليّ (كما «٤» أوحي إِلَيْهِ) ولئن كَانَ كاذبًا لقد قلتُ مثل ما قَالَ، فأنزل الله تبارك وتعالى فِيهِ: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.
(٢) آية ١٢ سورة المؤمنون.
(٣) آية ١٤ سورة المؤمنون.
(٤) سقط ما بين القوسين فى ش، وثبت فى ج.
وقوله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى... (٩٤)
وهو جمع. والعرب تَقُولُ: [قوم «٣» ] فرادى وفرادُ يا هَذَا فلا يُجرونَها، شبهت بثُلاث ورُبَاع. وفرادى واحدها فَرْد، وفِرد، وفريد وفراد «٤» للجمع، ولا يَجوز فرد فِي هَذَا المعنى. وأنشدني بعضهم:
ترى النُعَراتِ الزُّرْقِ تَحت لَبَانه... فُرَادَ ومثْنَى أصعقتها صواهِله «٥»
وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ... (٩٤)
قرأ حمزة ومجاهد بَيْنَكُمْ يريد وصلكم. وَفِي قراءة عبد الله لَقَدْ تقطع ما بينكم وهو وجه الكلام. إِذَا جعل الفعل لبين ترك نصبًا كما قالوا: أتاني دونك من الرجال فترك نصبًا وهو فِي موضع رفع لأنه صفة. وإذا قالوا: هذا
(٢) آية ١٢ سورة السجدة.
(٣) زيادة من اللسان فى عبارة الفرّاء (فرد)
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «فردان» وهو يوافق عبارة اللسان. وكأن الصواب ما أثبت.
يريد أن (فراد) تأتى فى التكرير عند الجمع، وليس كذلك فرد.
(٥) «فراد» كذا فى اللسان، وهو المناسب. وفى ش، ج: «فرادى». وتقدّم البيت.
وقوله: فالِقُ الْإِصْباحِ... (٩٦)
والإصباح مصدر أصبحنا إصباحًا، والإصباح «٢» صُبْح كل يوم بِمجموع.
وقوله: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً الليل فِي موضع نصب فِي المعنى. فردّ الشمس والقمر عَلَى معناهُ لِمَا فرق بينهما بقوله: سَكَناً فإذا لَمْ تفرق بينهما بشيء آثروا الخفض. وقد يَجوز أن ينصب وإن لَمْ يحل بينهما بشيء أنشد بعضهم:
وبينا نحنُ ننظره أتانا... معلِّقَ شَكْوةٍ وزِنَادَ راع «٣»
وتقول: أنت آخذٌ حقَّك وَحَقِّ غيرك فتضيف فِي الثاني وقد نوَّنت فِي الأول لأن المعنى فِي قولك: أنت ضارب زيدًا وضاربُ زيدٍ سواء. وأحسن ذلك أن تحول بينهما بشيء كما قَالَ امرؤ القيس:
فظلّ طُهَاةُ اللحم من بين مُنْضِج... صفيفَ شِوَاءٍ أو قَدِيرٍ معجَّلِ «٤»
فنصب الصفيف وخفض القدير على ما قلت لك.
(٢) وقد قرأ بهذا الحسن وعيسى بن عمر.
(٣) نسبه سيبويه فى الكتاب ١/ ٨٧ إلى رجل من قيس عيلان. وقوله: «ننظره» أي ننتظره.
والشكوة وعاء كالدلو أو كالقربة الصغيرة أو وعاء من أدم يبرد فيه الماء. وفى رواية «وفضة» فى مكان (شكوة) وهى خريطة كالجعبة من الجلد بحمل فيها الراعي متاعه وزاده.
(٤) هذا من معلقته. يصف صيده وما فعل به. والصفيف: اللحم يشرح، أو هو الذي يغلى إغلاءة ثم يرفع، أو هو ما صف على الجمر ليشوى. والقدير: ما يطبخ فى القدر.
يعنى فى الرحم «١» وَمُسْتَوْدَعٌ فى صلب الرجل. ويقرأ «٢» فَمُسْتَقَرٌّ يعنى الولد فى الرحم وَمُسْتَوْدَعٌ فِي صلب الرجل. ورفعها عَلَى إضمار الصفة كقولك: رأيت الرجلين عاقل وأحمق، يريدُ منهما كذا وكذا.
وقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ... (٩٩)
يقول: رزق كل شيء، يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء. وكذا جاء التفسير، وهو وجه الكلام. وقد يَجوز فِي العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضًا، فيكون مثل قوله: إِنَّ «٣» هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ واليقين هُوَ الحق. وقوله: مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ الوجه الرفع فِي القنوان لأن المعنى: ومن النخل قِنوانه دانية. ولو نصب: وأخرج من النخل من طلعها قنوانًا دانية لَجَازَ فِي الكلام، ولا يقرأ بِهَا لمكان الكتاب «٤».
وقوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ نصب، إلا أن جَمْع المؤنث بالتاء يَخفض فِي موضع النصب، ولو رفعت «٥» الجنات تتبع «٦» القنوان كان صوابا.
وقوله: وَ «٧» فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ الوجه فِيهِ الرفع، تجعلها تابعة للقطع. ولو نصبتها وجعلتها تابعة للرواسي والانهار كَانَ صوابًا.
(٢) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو. [.....]
(٣) آية ٩٥ سورة الواقعة.
(٤) يريد الكتابة ورسم المصحف.
(٥) قرأ به الأعمش، ويروى عن عاصم.
(٦) أي فى الإعراب لا فى حكمه «من النخل». والتقدير: لهم جنات أو ثم جنات.
(٧) آية ٤ سورة الرعد.
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١» يريد أهل القرية.
وقوله: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ يقول: انظروا إِلَيْهِ أول ما يَعْقِد (وَيَنْعِهِ) : بلوغه وقد قرئت (وَيُنْعِهِ «٢»، ويانِعِهِ «٣» ). فأمّا قوله: وَيَنْعِهِ فمثل نضجه، ويانعه مثل ناضجه وبالغه.
وقوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (١٠٠) إن «٤» شئت جعلت الْجِنَّ تفسيرًا للشركاء. وإن شئت جعلت نصبه عَلَى:
جعلوا الجنّ شركاء لله تبارك وتعالى.
وقوله: وَخَرَقُوا: واخترقوا وخلقوا واختلقوا، يريد: افْتَروْا.
وقوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (١٠٢) يرفع خالِقُ عَلَى الابتداء «٥»، وَعَلَى أن يكون خبرًا. ولو نصبته إذ لَمْ يكن فِيهِ الألف واللام عَلَى القطع «٦» كَانَ صوابًا، وهو مثل قوله: غافِرِ «٧» الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ. وكذلك: فاطِرِ «٨» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لو نصبته إِذَا كَانَ قبله معرفة تامّة جاز ذلك لأنك قد تقول: الفاطر السموات، الخالق كل شىء،
(٢) وهى قراءة ابن محيصن وابن أبى إسحق.
(٣) وهى قراءة محمد بن السميفع.
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «وإن شئت».
(٥) وخبره «ذلكم الله ربكم» وفى الطبري: «يقول- تعالى ذكره-، الذي خلق كل شىء وهو بكل شى عليم هو الله ربكم».
(٦) يريد نصبه على الحال.
(٧) آية ٣ سورة غافر.
(٨) آية ١ سورة فاطر.
وقوله: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ (١٠٥) يقولون: تَعلَّمْتَ من يهود. وَفِي قراءة عبد الله وَلِيقولوا درس يعنون مُحمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: قالوا لي: أساء، وقالوا لي:
أسأت. ومثله: قُلْ «١» لِلَّذِينَ كَفَرُوا سيغلبون وسَتُغْلَبُونَ.
وقرأ بعضهم «٢» (دارست) يريدُ: جادلت اليهود وجادلوك. وكذلك قَالَ ابن عباس. وقرأها مُجَاهد (دارَسْت) وفسَّرها: قرأت عَلَى اليهود وقرءوا عليك.
وقد قرئت «٣» (دُرِسَتْ) أي قرِئت وتليت. وقرءوا (دَرُسَتْ) وقرءوا (دَرَسَتْ) يريد: تقادمت، أي هَذَا الَّذِي يتلوه علينا شىء قد تطاول ومرّبنا.
وقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ (١٠٩) المقسمونَ الكفار. سألوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتيهم بالآية التي نزلت فِي الشعراء إِنْ «٤» نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ
(٢) من هؤلاء أبو عمرو وابن كثير، ووافقهما ابن محيصن واليزيدي.
(٣) هى قراءة قتادة والحسن وزيد بن على.
(٤) آية ٤.
والمراد بالآية فى هذه الآية آية كونية ظاهرة يكون العلم عنها ضروريا. والظاهر أن المراد هنا ما يقترحونه من الآيات، وإن لم تكن ملجئة حتى تنسق مع ختام الآية. وجرى على ذلك البيضاوي.
يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حَتَّى يؤمنوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل للذين آمنوا: وما يُشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب فِي أنّ وما يُشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا، وقرأ بعضهم:
(إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلامًا مكتفيًا. وهي فِي قراءة عبد الله: وما يشعركم «١» إِذَا جاءتهم أنهم لا يؤمنون.
و (لا) فِي هَذَا الموضع «٢» صِلة كقوله: وَحَرامٌ «٣» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ: المعنى: حرامٌ عليهم أن يرجعوا. ومثله: مَا مَنَعَكَ «٤» أَلَّا تَسْجُدَ معناهُ: أن تسجد.
وهي فِي قراءة أُبي: لعلها إِذَا جاءتهم لا يؤمنون وللعرب فِي (لعلّ) لغة بأن يقولوا: ما أدري أنك صاحبها، يريدون: لعلك صاحبها، ويقولون:
ما أدري لو أنّك صاحبها، وهو وجه جيد أن تَجعل (أَنّ) فِي موضع لعل.
وقوله: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ (١١١) هَذَا أمرٌ قد كانوا سألوهُ، فقال الله تبارك وتعالى: لو فعلنا بِهم ذَلِكَ لَمْ يؤمنوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
وقوله: (قبلا) جمع قبيل. والقبيل: الكفيل. وإِنَّما اخترت هاهنا أن يكون الْقُبُلُ فِي معنى الكفالة لقولهم: أَوْ تَأْتِيَ «٥» بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يضمنون «٦»
(٢) أي على القراءة الأولى.
(٣) آية ٩٥ سورة الأنبياء.
(٤) آية ١٢ سورة الأعراف.
(٥) آية ٩٢ سورة الإسراء.
(٦) كذا فى ج. وفى ش: «يمضون».
أنا لقيته قبلا.
وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (١١٢) نصبت العدوّ والشياطين بقوله: جعلنا.
وَقوله: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَإِنَّ إِبْلِيسَ- فِيمَا ذُكِرَ- جَعَلَ فِرْقَةً مِنْ شَيَاطِينِهِ مَعَ الإِنْسِ، وَفِرْقَةً مَعَ الْجِنِّ، فَإِذَا الْتَقَى شَيْطَانُ «٣» الإِنْسِيِّ وَشَيْطَانُ الْجِنِّيِّ «٤» قَالَ: أَضْلَلْتُ صَاحِبِي بِكَذَا وَكَذَا، فَأَضْلِلْ بِهِ صَاحِبَكَ، وَيَقُولُ «٥» لَهُ (شَيْطَانُ «٦» الْجِنِّيِّ) مِثْلَ ذَلِكَ. فَهَذَا وَحْيُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ حَيَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وقوله: وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) الاقتراف: الكسب تَقُولُ العرب: خرج فلان يقترف «٧» أهله.
وقوله: مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) من الشاكّين أنَّهم يعلمون أَنَّهُ مُنزل من ربك.
(٢) هى قراءة نافع وابن عامر وأبى جعفر.
(٣) كذا فى ج. وفى ش: «شياطين».
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «الجن».
(٥) فى ش، ج: «تقول». [.....]
(٦) كذا فى ج. وفى ش: «شياطين الجن».
(٧) فى الأساس: «يقترف لعياله». وفى اللسان: «يقترف لعياله». وكأن الحرف سقط هنا توسعا، والأصل: لأهله، وإلا فالاقتراف يتعدى إلى المال.
وقوله: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ (١١٧) (من) فِي موضع «١» رفع كقوله: لِنَعْلَمَ «٢» أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى إذا كانت (من) بعد العلم والنظر والدراية- مثل نظرت وعلمت ودريت- كانت فِي مذهب أيّ. فإن كَانَ بعدها فعل لَهَا رفعتها بِهِ، وإن كَانَ بعدها فعل يقع عليها نصبتها «٣» كقولك:
ما أدرى من قام، ترفع (من) بقام، وما أدري من ضربت، تنصبها بضربت.
وقوله: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ (١٢٠) فأمّا ظَاهِره فالفجور والزنى، وأمّا باطنه فالمخالة: «٤» أن تتخذ المرأة الخليل وأن يتخذها.
وقوله: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (١٢١) يقول: أكلكم ما لَمْ يذكر اسم الله عَلَيْهِ فسق أي كفر. وكنى عَن الأكل، كما قال:
فَزادَهُمْ «٥» إِيماناً يريد: فزادهم قول الناس إيمانا.
والبصريون يأبونه، ويجعلون «من» معمولا لفعل محذوف، تقديره: «يعلم».
(٢) آية ١٢ سورة الكهف.
(٣) كذا فى ش. وفى ج: «نصبها».
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «فالمخالفة».
(٥) آية ١٧٣ سورة آل عمران. يريد أن الضمير فى قوله: «وإنه لفسق». عائد على الأكل المفهوم من قوله: «ولا تأكلوا» كما فى آية آل عمران هذه، فإن الضمير المستتر فى «فزادهم» يعود على الفول المفهوم من قوله: «قال لهم الناس».
وقوله: نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعني إيمانه.
وقوله: الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ (١٢٤) أي من عند الله، كذلك قَالَ المفسرون. وهو فِي العربية كما تَقُولُ: سيأتيني رزق عندك، كقولك: سيأتيني الَّذِي عند الله. سيصيبهم «١» الصغار الَّذِي عنده، ولِمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينزله بِهم. ولا يَجوز فِي العربية أن تَقُولُ: جئتُ عند زيد، وأنت تريد: من عند زيد.
وقد يكون قوله: صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ أنَّهم اختاروا الكفر تَعزُّزًا وأَنَفةً من اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الله ذَلِكَ صَغَارًا عنده.
وقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ (١٢٥) [من «٢» ] ومن فِي موضع رفع بالهاء التي عادت عليهما من ذكرهما.
وقوله: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً «٣» قرأها ابن عباس وعمر (حرِجًا). وقرأها الناس: حَرَجًا. والحرج- فيما فسر ابن عباس- الموضع الكثير الشجر الَّذِي لا تصل إِلَيْهِ الراعية. قَالَ: فكذلك صَدْر الكافر لا تصل إِلَيْهِ الحكمة. وهو فِي كسره وفتحه
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) وهى قراءة نافع وأبى بكر وأبى جعفر.
وقوله: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ يقول: ضاق عَلَيْهِ المذهب فلم يَجد إِلا أَنْ يَصعد فِي السماء وليس يقدر. وتقرأ «٣» كَأَنَّما يصَّاعَد يريد يتصاعد، (ويَصَّعَّدُ «٤» ) مخففة.
وقوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ (١٢٨) يقول: قد أضللتم كثيرا.
وقوله: وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ فالاستمتاع من الإنس بالجِنّ أن الرجل كَانَ إِذَا فارق «٥» فاستوحش أو قتل صيدًا من صيدهم فخاف قَالَ: أعوذ بسيد هَذَا الوادي، فيبيت آمنًا فِي نفسه. وأمّا استمتاع الجن بالإنس فما نالوا بِهم من تعظيم الإنس إيّاهم، فكان الجِنّ «٦» يقولون: سُدْنا الجنّ والإنس.
وقوله: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
(١٣٠) فيقول القائل: إِنَّمَا الرسل من الإنس خاصة، فكيف قال للجنّ والإنس (منكم) ؟ قيل: هذا كقوله: مَرَجَ «٧» الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. ثم قال: يَخْرُجُ «٨» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وإنّما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العَذْب.
فكأنك قلت: يخرج من بعضهما، ومن أحدهما.
(٢) كذا فى ج. وفى ش: «تقول».
(٣) وهى قراءة أبى بكر والنخعي.
(٤) هى قراءة ابن كثير. ووافقه ابن محيصن. [.....]
(٥) كأنه يريد: فارق حيه أو رفقته.
(٦) أي سادتهم وكبراؤهم الذين يستعاذ بهم.
(٧) آية ١٩ سورة الرحمن.
(٨) آية ٢٢ سورة الرحمن.
وإن شئت جعلت (ذَلِكَ) رفعًا عَلَى الاستئناف إن لَمْ يظهر الفعل. ومثله:
ذلِكَ «١» بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وذلِكَ «٢» بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ. ومثله: ذلِكَ «٣» لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، وذلِكُمْ «٤» وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله: مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ يقول: لَمْ يَكُنْ ليهلكهم بظلمهم وهم غافلونَ لَمَّا يأتهم رسول ولا حُجَّة. وقوله فِي هود: وَما «٥» كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم (وأهلها مصلحون) يتعاطَون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه- وهو أحبّ إليّ من ذا لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى والله أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون.
وقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ (١٣٥) (من «٦» تكون له) فِي موضع «٧» رفع، ولو نصبتها «٨» كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ «٩» يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.
(٢) آية ١٨٢ سورة آل عمران.
(٣) آية ٥٢ سورة يوسف.
(٤) آية ١٨ سورة الأنفال.
(٥) آية ١١٧.
(٦) ثبت فى ج. وسقط فى ش.
(٧) على أنه اسم استفهام مبتدأ. والفعل معلق.
(٨) على أنه اسم موصول.
(٩) آية ٢٢٠ سورة البقرة.
وقوله: هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (١٣٦) وبرعمهم، وزِعْمِهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر «٧» الزَّاي أحدٌ نعلمه. والعربُ قد تَجعل الحرف فِي مثل هَذَا فيقولون: الفَتْك «٨» والفُتْك والفِتْك، والوُدّ والوِدّ والوَدّ، فِي أشباه لَهَا. وأجود ذَلِكَ ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وَفِي قراءة عبد الله «وهذا لشركائِهم» وهو كما تَقُولُ فِي الكلام: قَالَ عبد الله: إِنّ لَهُ مالا، وإِنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قَالَ الشاعر:
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا | إِنَّا رأينا رجلًا عُريانا |
(٢) آية ٢٧٥ سورة البقرة.
(٣) كذا فى ج. وسقط هذا الفعل فى ش.
(٤) آية ٥٧ سورة يونس.
(٥) آية ٦٧ سورة هود.
(٦) آية ٩٤ سورة هود.
(٧) وإنما قرى بفتحها وضمها. والضمّ قراءة الكسائي ويحيى بن وثاب والسلمى والأعمش، وهو لغة بنى أسد. والفتح قراءة الباقين، وهو لغة أهل الحجاز.
(٨) هو مصدر فتك إذا ركب ما هتم به من الأمور ودعت إليه نفسه. وفى ش، وج: «القتل» وهو تحريف.
وَكَانَ بعضهم يقرأ: «وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ» فيرفع القتل إِذَا لَمْ يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء «١» ) بفعل ينويه كأنه قَالَ: زيَّنه لَهم شركاؤهم. ومثله قوله: يُسَبِّحُ «٢» لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ثم قال: رِجالٌ «٣» لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ. وَفِي بعض «٤» مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة «٥» عَن الأوّلين فينبغي أن يقرأ (زُيِّنَ) وتكون الشركاء هم الأولاد لانهم منهم فِي النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عِشايا «٦» ثُمَّ يقولون فِي تثنية (الحمراء «٧» :
حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: «زُيِّنَ لكثيرٍ مِنَ المشركين قتل أولادهم
(٢) آية ٣٦ سورة النور. وفتح الباء فى «يسبح» قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم.
(٣) آية ٣٧ سورة النور.
(٤) وعليها قراءة ابن عامر.
(٥) كذا فى ج. وفى ش: «على».
(٦) أي يبقون حرف العلة فى الطرف بعد الألف الزائدة على أصله ولا يبدلونه همزة فيقولون بنيت بنايا لا بناء. وانظر فى هذه اللغة اللسان (حمو). وهو يريد أنه اتباعا لهذه اللغة ولما ذكر بعد من قولهم فى تثنية حمراء: حمرايان ينطق بالهمزة ياء. وعلى ذلك فالشركاء يقال فيها الشركاى. ويحمل على هذا ما فى بعض مصاحف أهل الشام.
(٧) فى ش: «أحمر أحمريان» وما هنا عن ج. [.....]
فزججتها متمكنًا... زجّ الْقَلوصَ أبِي مزاده «٢»
بشيء. وهذا مما كَانَ يقوله نَحْويُّو أهلِ الحجاز، ولم نَجد مثله فِي العربية.
وقوله: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا (١٣٩) وَفِي قراءة عبد الله «خالصٌ لذكورنا» وتأنيثه لتأنيث الأنعام لأن ما فِي بطونِها مثلها فأنث لتأنيثها. ومن ذكره فلتذكير (ما) وقد قرأ بعضهم «خالصُهُ لذكورِنا» يضيفه إلى الْهَاء وتكون الهاء لِمَا. ولو نصبت الخالص «٣» والخالصة «٤» عَلَى القطع وجعلت خبر ما فِي اللام التي فى قوله (لذكورنا) كأنك قلت: ما فِي بطون هَذِه الأنعام لذكورنا خالصًا وخالصةً كما قَالَ: «وَلَهُ الدِّينُ واصبا «٥» » والنصبُ فِي هَذَا الموضع قليل لا يكادونَ يقولون: عبد الله قائِمًا فيها، ولكنه قياس.
وقوله: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ إن شئت رفعت «٦» الميتة، وإن شئت نصبتها «٧» فقلت (ميتةً) ولك أن تَقُولُ تكن «٨» ويكن بالتاء والياء.
(٢) قيل المراد: زججت الكتيبة أي دفعتها. والقلوص:
الناقة الفتية، وأبو مزادة كنية رجل.
(٣، ٤) قرأ بنصب الخالص «خالصا» ابن جبير، وبنصب الخالصة «خالصة» ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير فى رواية، كما فى البحر.
(٥) آية ٥٢ سورة النحل. وقد ترك جواب لو. وهو محذوف أي لساغ مثلا.
(٦) هو قراءة ابن عامر.
(٧) هى قراءة الباقين بعد ابن عامر وأبى جعفر.
(٨) هى قراءة ابن عامر وأبى جعفر.
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «١».
وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ (١٤١) هَذِه الكروم، ثُمَّ قَالَ: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً فى لونه وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ فِي طعمه، منه حلو ومنه حامض.
وقوله: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ هَذَا لِمَن حضره من اليتامى والمساكين.
وقوله: وَلا تُسْرِفُوا فِي أن تعطوا كله. وَذَلِكَ أن ثابت «٢» بن قيس خلَّى بين النّاس وبين نَخله، فذُهِبَ «٣» بِهِ كله ولم يبق لأهله منه شيء، فقال الله تبارك وتعالى:
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
وقوله: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً (١٤٢) يقول: وأَنشأ لَكم من الأنعام حمولة، يريدُ ما أطاقَ الحمل والعمل:
والفرش: الصغار. ثُمَّ قال:
وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (١٤٣) فإنْ شِئتَ جعلت الثمانية مردودة عَلَى الحمولة. وإن شئت أضمرت لَهَا فعلا «٤».
وقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت «٥» اثنين واثنين
(٢) هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصارىّ الخزرجىّ، خطيب الأنصار، قتل فى وقعة اليمامة.
(٣) كذا فى ش. وفى ج: «قد ذهب».
(٤) أي أنشأ.
(٥) وقد قرأ بذلك أبان بن عثمان.
والمعنى فى قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبَحِيرة والوَصِيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قِبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذَلِكَ لحرّم عليهم الذكر والأنثى لأن الرحم يشتمل عَلَى الذكر والأنثى. و (ما) فى قوله: «أمّا اشتملت» فِي موضع نصب، نصبته بإتباعه «١» الذكرين والأنثيين.
وقوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا (١٤٤) يقول: أوَصَّاكُم الله بِهذا معاينة؟
وقوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً (١٤٥) ثُمَّ قَالَ جل وجهه: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً وإن شئت (تَكُون «٢» ) وَفِي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح «٣» الرفع فِي القراءة لأن الدم منصوب بالرد عَلَى الميتة وَفِيهِ ألف تَمنع من جواز الرفع. ويَجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثُمَّ تردّ «٤» ما بعدها عليها.
(٢) وهى قراءة ابن عامر وأبى جعفر. [.....]
(٣) بل يصلح الرفع، وقرأ به ابن عامر. وقوله: «أو دما» عطف على موضع «أن يكون» أي على المستثنى.
(٤) كأنه يريد أنه يصح تأنيث (تكون) بالنظر إلى «ميتة» وإن عطف عليها «دما» المذكر، وهذا كما تقول جاءت هند ومحمد.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تَجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إِنَّما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلمّا جازَ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ وَأَخَذَتِ جازَ التأنيث، والتذكير. ولَما لَمْ يَجز:
قاما أخواك ولا قاموا قومك، لَمْ يَجز تثنيتها ولا جَمعها.
فإن قلت: أتُجيز تثنيتها فِي قول من قَالَ: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قِبل أن الفعل واحد، والألف التي فيها كأنّها تدلّ عَلَى صاحِبي الفعل، والواو فى الجمع
(٢) جعل (يكون) فى الآية استثناء، وجعل ضميرها الضمير المجهول، وهو ما يسمى ضمير الشأن. وهذا مذهب كوفى. والبصريون يجعلون الضمير فى «يكون» للمطعوم، ونحوه مما يفهم من المقام.
(٣) سقط ما بين القوسين فى ج.
(٤) آية ١٦ سورة لقمان.
(٥) آية ٩ سورة النمل.
وتقول فِي مسألتين منه يستدل بِهما عَلَى غيرهما: إنَّها أسَد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل «١» للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا «٢» للأسد ولِمثله من المذكر لَمْ يَجز إلا تذكير الْهَاء. وكذلك كل اسم مذكر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بِمذكر ففيه تذكير الْهَاء وتأنيثها فهذه واحدة. ومتى ما ذكَّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طالَ صلاتك، (ثُمَّ «٣» أدخلت عَلَيْهِ إنه) لَم يَجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك فذكَّرتها «٤» لتذكير الفعل، لا يَجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وَإِذَا رأيت الاسم مرفوعًا بالمحالّ- مثل عندك، وفوقك، وفيها- فأنِّثْ وذَكّر فِي المؤنث ولا تؤنث فِي المذكر. وَذَلِكَ أن الصفة لا يُقدر فيها عَلَى التأنيث كما يقدر (فِي «٥» قام) جاريتك عَلَى أن تَقُولُ: قامت جاريتك. فلذلك كَانَ فِي الصفات الإجراء «٦» عَلَى الاصل.
وَإِذَا أخليت كَانَ باسم واحد جازَ أن ترفعه «٧» وتَجعل لَهُ الفعل. وإن شئت أضمرت فِيهِ مَجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إِذَا كَانَ غدًا فأتنا. وتقول:
اذهب فليس «٨» إلا أباكَ، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدًا كأنه قَالَ: لَيْسَ أحد
(٢) بأن تكون خبرا عن «أسد» ويكون القصد مسبب ية الأسد بالجارية.
(٣) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج.
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «ذكرتها».
(٥) كذا فى ج. وفى ش: «مقام».
(٦) كذا فى ج. وفى ش: «للإجراء».
(٧) كذا فى ج. وفى ش: «تعرفه». [.....]
(٨) سقط هذا الحرف فى ش.
إن كَانَ بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كَانَ الوجه الرفع فقلت: إن كَانَ شر بينهم فلا تقربهم، ويَجوز النصب. قَالَ وأنشدني بعضهم:
فعينَيَّ هلا تبكيان عفاقا | إذا كان طعنا بينهم وعناقا «١» |
وقوله: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما (١٤٦) حَرَّمَ عليهم الثَّرْب «٢»، وشحوم الْكُلَى.
ثُمَّ قَالَ: إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما و (ما) فِي موضع نصب بالفعل بالاستثناء.
و (الْحَوَايَا) فِي موضع رفع، تردّها عَلَى الظهور: إِلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهي المباعر «٣» وبنات «٤» اللبن. والنصبُ عَلَى أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ، يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهى الألية. و (ما) فى موضع نصب.
(٢) هو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش.
(٣) واحدها مبعر ومبعر بفتح الميم وكسرها. وهو حيث يجتمع البعر من الأمعاء.
(٤) بنات اللبن: ما صغر من الأمعاء. وانظر اللسان (هو).
حجَّ وأوصى بسليمى الاعبدا | ألا ترى ولا تكلم أحدا |
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
. فجعلت أوّله نهيا لقوله: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ.
وقوله: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً (١٥٣) تكسر «٢» إِنَّ إِذَا نويت الاستئناف، وتفتحها من وقوع (أتل) عليها. وإن شئت جعلتها خفضًا، تريد ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ.
وقوله: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعني اليهودية والنصرانية. يقول: لا تتبعوها فتضلوا.
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي وخلف.
وإن شئت جعلت (الَّذِي) عَلَى معنى «٢» (ما) تريد: تَمامًا عَلَى ما أحسن موسى، فيكون المعنى: تَمامًا عَلَى إحسانه. ويكون (أحسن) مرفوعًا «٣» تريد عَلَى الَّذِي هُوَ أحسن، وتنصب (أحسن) هاهنا تنوي بِهَا «٤» الخفض لأن العرب تَقُولُ:
مررتُ بالذي هُوَ خيرٌ منك، وشرٌّ منك، ولا يقولون: مررتُ بالذي قائم لأن (خيرًا منك) كالمعرفة إذ لَمْ تدخل فِيهِ الألف واللام. وكذلك يقولون: مررتُ بالذي أخيك، وبالذي مثلك، إِذَا جعلوا صلة الَّذِي معرفة أو نكرة لا تدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذي أنشدني الْكِسَائي:
إن الزُّبَيْريَّ الَّذِي مِثْلَ الْحَلَمْ | مَشَّى بأسلابك فِي أَهْلِ الْعَلَم «٥» |
(٢) يريد أن تكون مصدرية.
(٣) وبه قرأ يحيى بن يعمر وابن أبى إسحق كما فى القرطبي.
(٤) سقط فى ش. والخفض على أنه نعت للذى.
(٥) الحلم واحده حلمة، وهى الصغيرة من القردان أو دودة تقع فى الجلد فتأكله. يريد أن هذا الرجل الضعيف ابترك ثيابك وسلبك.
(٦) يريد أن يكون حالا.
وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ (١٥٨) لقبض أرواحهم: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ: القيامة أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ:
طلوع الشمس من مغربها.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ (١٥٩) قرأها عَليّ «٣» (فارقوا)، وقال: والله ما فرَّقوه ولكن فارقوه. وهم اليهود والنصارى. وقرأها الناس فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكلّ وجه.
وقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ يقول من قتالِهم فِي شيء، ثُمَّ نسختها:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «٤».
وقوله: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (١٦٠) من خفض يريد: فله عشر حسناتٍ أمثالها. ولو قَالَ هاهنا: فله عشر مِثلها يريد عشر حسنات مثلها كَانَ صوابًا. ومن قَالَ:
(٢) آيتا ٢٠٠، ٢٠١ سورة الشعراء.
(٣) وهى قراءة حمزة والكسائي.
(٤) آية ٥ سورة التوبة.
.
وقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: بلا إله إلا الله، والسيئة: الشِّرك.
وقوله: دِيناً قِيَماً (١٦١) و «٥» «قيّما». حَدَّثَنَا «٦» مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَآنِي أَبِي حُذَيْفَةُ رَاكِعًا قَدْ صَوَّبْتُ رَأْسِي، قَالَ ارْفَعْ رَأْسَكَ، دينا قيما. (دينا قيما) منصوب على المصدر. ومِلَّةَ إِبْراهِيمَ كذلك.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ (١٦٥) جعلت أمة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلائف كل الأمم وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فى الرزق (ليبلوكم) بذلك (فيما آتاكم).
(٢) آية ٣٨ سورة محمد.
(٣) أي بالرفع. وقد قرأ بذلك الحسن وسعيد بن جبير والأعمش.
(٤) سقط فى ج.
(٥) الأولى قراءة الكوفيين وابن عامر. والثانية قراءة الباقين.
(٦) هو محمد بن الجهم السمري راوى الكتاب.