تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب التفسير البسيط
المعروف بـالبسيط للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
ﰡ
تفسير سورة الأنعام
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، قال الزجاج (٤): (ذكر أعظم الأشياء المخلوقة؛ لأن السماء (٥) بغير عمد ترونها، والأرض غير مائدة بنا) (٦).
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد: على كل فعال، وبكل لسان، وعلى نعم الإسلام، وعلى صحة الأبدان) (١). قال أهل المعاني: (هذا في لفظ الخبر ومعناه الأمر، أي: احمدوا الله، وإنما جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر؛ لأنه أبلغ في البيان من حيث إنه جمع الأمرين، ولو قيل: احمدوا الله، لم يجمع الأمرين) (٢). وقد ذكرنا في (٣) معنى قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ في الفاتحة ما فيه مقنع.وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، قال الزجاج (٤): (ذكر أعظم الأشياء المخلوقة؛ لأن السماء (٥) بغير عمد ترونها، والأرض غير مائدة بنا) (٦).
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٥، وأخرج ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٥٨ بسند ضعيف عنه قال: (الحمد: هو الشكر والاستحذاء لله، والإقرار بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك) ا. هـ.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٣، و"تفسير الماوردي" ٢/ ٩١، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٥٨٤، وذكره الخازن في "تفسيره" ٢/ ١١٧، عن أهل المعاني.
(٣) لفظ (في): ساقط من (ش).
(٤) الزجاج: أبو إسحاق إبراهيم بن السري البغدادي، إمام أكثر الواحدي من الناقل عنه، وقد تقدمت ترجمته.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٧.
(٦) في (أ): (مائدة بناها)، وعند الزجاج: (مائدة بنا).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٣، و"تفسير الماوردي" ٢/ ٩١، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٥٨٤، وذكره الخازن في "تفسيره" ٢/ ١١٧، عن أهل المعاني.
(٣) لفظ (في): ساقط من (ش).
(٤) الزجاج: أبو إسحاق إبراهيم بن السري البغدادي، إمام أكثر الواحدي من الناقل عنه، وقد تقدمت ترجمته.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٧.
(٦) في (أ): (مائدة بناها)، وعند الزجاج: (مائدة بنا).
7
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾، قد ذكرنا معاني جعل (١) في قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، و ﴿جَعَلَ﴾ هاهنا بمعنى خلق، كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠]. قال ابن عباس: (﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ﴾: ظلمة الشرك، وظلمة النفاق، وظلمة الكفر، وظلمة العصيان، ﴿وَالنُّورَ﴾ يريد: نور الإِسلام، ونور الإيمان، ونور النبوة، ونور اليقين) (٢). وقال الحسن: (يعني الكفر والإيمان) (٣). وقال السدي: (يعني الليل والنهار) (٤) وهو اختيار الزجاج (٥)، والأولى أن يكون هذا عامًّا في كل ظلمة ونور؛ لأن جميع ذلك مخلوق لله تعالى (٦).
(١) انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية جامعة الإِمام ٣/ ٧٩ أ.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٦٨، وفي "الدر" للسيوطي ٣/ ٦. أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: (الكفر والإيمان).
(٣) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٥ - ٦، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٢، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٨٦، والخازن في "تفسيره" ٢/ ١١٧.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٤٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٠، بسند جيد.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٧.
(٦) ذكر قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، وقال: (هذا مشكل؛ لأنه حمل للفظ على مجازه، واللفظ الواحد بالاعتبار الواحد لا يمكن حمله على حقيقته ومجازه معًا) ا. هـ. والظاهر حمل الآية على ظاهرها، والمراد أنار النهار وأظلم الليل، وهو اختيار الجمهور، قال الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة" ص ١٠٧؛ (يعني خلق الظلمات والنور)، وقال ابن عطية ٥/ ١٢١: (قالت فرقة: الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، وهذا غير جيد؛ لأنه أخرج لفظٌ بيّن في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة، وهذا هو طريق اللغز الذي برئ القرآن منه، والنور أيضًا هنا للجنس فإفراده بمثابة جمعه) ا. هـ. وانظر "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٣، والسمرقندي ١/ ٤٧٣، والماوردي ٢/ ٩٢، و"البحر" ٤/ ٦٨.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٦٨، وفي "الدر" للسيوطي ٣/ ٦. أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: (الكفر والإيمان).
(٣) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٥ - ٦، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٢، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٨٦، والخازن في "تفسيره" ٢/ ١١٧.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٤٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٠، بسند جيد.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٧.
(٦) ذكر قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥١، وقال: (هذا مشكل؛ لأنه حمل للفظ على مجازه، واللفظ الواحد بالاعتبار الواحد لا يمكن حمله على حقيقته ومجازه معًا) ا. هـ. والظاهر حمل الآية على ظاهرها، والمراد أنار النهار وأظلم الليل، وهو اختيار الجمهور، قال الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة" ص ١٠٧؛ (يعني خلق الظلمات والنور)، وقال ابن عطية ٥/ ١٢١: (قالت فرقة: الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، وهذا غير جيد؛ لأنه أخرج لفظٌ بيّن في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة، وهذا هو طريق اللغز الذي برئ القرآن منه، والنور أيضًا هنا للجنس فإفراده بمثابة جمعه) ا. هـ. وانظر "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٣، والسمرقندي ١/ ٤٧٣، والماوردي ٢/ ٩٢، و"البحر" ٤/ ٦٨.
8
قال المفسرون: (الظلمة أقدم من النور، وهي مخلوقة قبل، فلذلك قدمت في الذكر، وكذلك السموات خلقت قبل الأرض) (١).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يعني: عبدة الأوثان في قول عامة المفسرين (٢). قال ابن عباس: (يريد: عدلوا بي من خلقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بربوبيتي وبنعمتي) (٣)، وقال الزجاج: (أعلم الله تعالى أنه خالق ما ذكر في هذه الآية، وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم أن الكفار يجعلون له عديلاً، فيعبدون الحجارة [الموات (٤)]، وهم مقرون بأن الله خالق ما وصف (٥)، وقوله: ﴿يَعْدِلُونَ﴾، العدل: التسوية؛ يقال: عدل الشيء بالشيء إذا سواه (٦). ومعنى ﴿يَعْدِلُونَ﴾: يشركون به
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يعني: عبدة الأوثان في قول عامة المفسرين (٢). قال ابن عباس: (يريد: عدلوا بي من خلقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بربوبيتي وبنعمتي) (٣)، وقال الزجاج: (أعلم الله تعالى أنه خالق ما ذكر في هذه الآية، وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم أن الكفار يجعلون له عديلاً، فيعبدون الحجارة [الموات (٤)]، وهم مقرون بأن الله خالق ما وصف (٥)، وقوله: ﴿يَعْدِلُونَ﴾، العدل: التسوية؛ يقال: عدل الشيء بالشيء إذا سواه (٦). ومعنى ﴿يَعْدِلُونَ﴾: يشركون به
(١) هذا قول قتادة أخرجه الطبري ٧/ ١٤٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٥٩، بسند جيد، وقال السمين في "الدر" ٤/ ٥٢٤: (قدمت الظلمات لأنه موافق في الوجود؛ إذ الظلمة قبل النور عند الجمهور) ا. هـ. والراجح عند الجمهور أن خلق الأرض قبل خلق السماء. قال ابن كثير في تفسيره ١/ ٧٣: (هذا ما لا أعلم فيه نزاعًا بين العلماء إلا ما نقله الطبري عن قتادة وتوقف في ذلك القرطبي) ا. هـ ملخصًا. وانظر "تاريخ الطبري" ١/ ٣٢ - ٣٦، وتفسيره ١/ ١٩٢ - ١٩٤، و"الكشاف" ١/ ٢٧١، و"زاد المسير" ١/ ٥٧، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٥، و"دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" للشنقيطي ص ١٤ - ١٦.
(٢) انظر الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٤، والسمرقندي ١/ ٤٧٣، وابن كثير ٢/ ١٣٩، والظاهر أنها عامة في سائر أصناف الكفار، وهو اختيار الطبري في "تفسيره"، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٢٢.
(٣) في تنوير المقباس ٢/ ٣، قال: (يعدلون به الأصنام).
(٤) لفظ: (الموت) ساقط من (أ)، وفي (ش): (والموات).
(٥) معاني الزجاج ٢/ ٢٢٧.
(٦) انظر: "العين" ٢/ ٣٨، و"الجمهرة" ٦٦٣، و"الصحاح" ٥/ ١٧٦١، و"المجمل" ٣/ ٦٥١، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٢٤٦، و"المفردات" ص ٥٥١، و"اللسان" ٥/ ٢٨٤٠ (عدل).
(٢) انظر الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٤، والسمرقندي ١/ ٤٧٣، وابن كثير ٢/ ١٣٩، والظاهر أنها عامة في سائر أصناف الكفار، وهو اختيار الطبري في "تفسيره"، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٢٢.
(٣) في تنوير المقباس ٢/ ٣، قال: (يعدلون به الأصنام).
(٤) لفظ: (الموت) ساقط من (أ)، وفي (ش): (والموات).
(٥) معاني الزجاج ٢/ ٢٢٧.
(٦) انظر: "العين" ٢/ ٣٨، و"الجمهرة" ٦٦٣، و"الصحاح" ٥/ ١٧٦١، و"المجمل" ٣/ ٦٥١، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٢٤٦، و"المفردات" ص ٥٥١، و"اللسان" ٥/ ٢٨٤٠ (عدل).
9
غيره، قاله (١) مجاهد. وقال الأحمر (٢): (عدل الكافر بربه عدلاً وعدولًا إذا سوى به غيره فعبده) (٣).
وقال الكسائي (٤): (عدلت الشيء أعدله عدولًا إذا ساويته [به] (٥)، وعدل الحاكم في الحكم عدلاً) (٦). والآية توجب أنه لا تجوز العبادة إلا لمن له القدرة على خلق السموات والأرض، وهو الله وحده لا شريك له (٧).
وقال صاحب النظم (٨): (دخول ثم في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ دليل على معنى لطيف، وهو أنه عز وجل دل به على إنكاره على الكفار العدل به وعلى تعجب المؤمنين من ذلك، مثال (٩) أن تقول: أكرمتك وأحسنت إليك
وقال الكسائي (٤): (عدلت الشيء أعدله عدولًا إذا ساويته [به] (٥)، وعدل الحاكم في الحكم عدلاً) (٦). والآية توجب أنه لا تجوز العبادة إلا لمن له القدرة على خلق السموات والأرض، وهو الله وحده لا شريك له (٧).
وقال صاحب النظم (٨): (دخول ثم في قوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ دليل على معنى لطيف، وهو أنه عز وجل دل به على إنكاره على الكفار العدل به وعلى تعجب المؤمنين من ذلك، مثال (٩) أن تقول: أكرمتك وأحسنت إليك
(١) "تفسير مجاهد" ص ٢١١، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٤، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٠ من طرق جيدة.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٦٠ (عدل).
(٤) الكسائي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، تقدمت ترجمته.
(٥) لفظ: (به) ساقط من (ش).
(٦) "معاني النحاس" ٢/ ٣٩٨، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٦٠ (عدل).
(٧) قال الشنقيطي في "تفسيره" ٢/ ١٨٠: (في قوله تعالى: ﴿يَعْدِلُونَ﴾ وجهان للعلماء، أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف والميل عنه، وعلى هذا فقوله: ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ متعلق بقوله: ﴿كَفَرُوا﴾...
والثاني: أن الباء متعلقة بـ"يعدلون" والمعنى يجعلون له نظيرًا في العبادة، وهذا الوجه هو الذي يدل عليه القرآن). وهذا اختيار ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٣٩.
(٨) صاحب النظم هو: الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني، أبو علي، له كتاب "نظم القرآن" مفقود.
(٩) في (ش): (مثل).
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٦٠ (عدل).
(٤) الكسائي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، تقدمت ترجمته.
(٥) لفظ: (به) ساقط من (ش).
(٦) "معاني النحاس" ٢/ ٣٩٨، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٦٠ (عدل).
(٧) قال الشنقيطي في "تفسيره" ٢/ ١٨٠: (في قوله تعالى: ﴿يَعْدِلُونَ﴾ وجهان للعلماء، أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف والميل عنه، وعلى هذا فقوله: ﴿بِرَبِّهِمْ﴾ متعلق بقوله: ﴿كَفَرُوا﴾...
والثاني: أن الباء متعلقة بـ"يعدلون" والمعنى يجعلون له نظيرًا في العبادة، وهذا الوجه هو الذي يدل عليه القرآن). وهذا اختيار ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٣٩.
(٨) صاحب النظم هو: الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني، أبو علي، له كتاب "نظم القرآن" مفقود.
(٩) في (ش): (مثل).
10
ثم تشكوني وتشتمني، منكرًا لذلك عليه ومتعجبا منه (١)، ومثل هذا في المعنى قوله فيما بعد هذه الآية: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾) (٢) [الأنعام: ٢].
٢ - قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾، قال ابن عباس (٣) والمفسرون: (يعني آدم والخلق من نسله، ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾، يعني أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث وقيام الساعة)، وهو قول الحسن (٤)، وسعيد بن المسيب (٥)، وقتادة (٦)،
٢ - قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾، قال ابن عباس (٣) والمفسرون: (يعني آدم والخلق من نسله، ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾، يعني أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث وقيام الساعة)، وهو قول الحسن (٤)، وسعيد بن المسيب (٥)، وقتادة (٦)،
(١) أفاد الجمهور أن (ثم) تفيد الإنكار والتوبيخ والاستبعاد والتراخي بين الرتبتين، فهي تفيد الإنكار والتوبيخ على قبح الكفر واستبعاد أن يعدلوا به غيره بعد وضوح آيات قدرته، إذ يبعد من العاقل الناظر بعد إقامة الأدلة اختيار الباطل، ولو كان العطف بالواو لم يلزم ذلك كلزومه بثم.
انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ١٢٦، وابن عطية ٥/ ١٢٢، والرازي ١١/ ١٥١، والقرطبى في "تفسيره" ٦/ ٣٨٧، و"البحر" ٤/ ٦٨، و"الدر المصون" ٤/ ٥٢٤.
(٢) لم أقف عليه.
وقال الكرماني في "غرائب التفسير" ١/ ٣٥١: (ثم) تتضمن الإنكار على الكفار والتعجب للمؤمنين، وكذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾) ا. هـ. وقال الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٤: (﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ استبعاد؛ لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم) ا. هـ.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٥٧/ أ -بسند جيد- قال: (وروي عن مجاهد والسدي والضحاك وقتادة مثل ذلك) ا. هـ. وهذا هو قول الجمهور، ورجحه ابن عطية ٥/ ١٢٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٨٧، وانظر "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٦، والسمرقندي ١/ ٤٧٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٦، بسند ضعيف.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٧، وابن الجوزي ٣/ ٣.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٢، من طرق جيدة.
انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ١٢٦، وابن عطية ٥/ ١٢٢، والرازي ١١/ ١٥١، والقرطبى في "تفسيره" ٦/ ٣٨٧، و"البحر" ٤/ ٦٨، و"الدر المصون" ٤/ ٥٢٤.
(٢) لم أقف عليه.
وقال الكرماني في "غرائب التفسير" ١/ ٣٥١: (ثم) تتضمن الإنكار على الكفار والتعجب للمؤمنين، وكذلك قوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾) ا. هـ. وقال الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٤: (﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ استبعاد؛ لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم) ا. هـ.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٥٧/ أ -بسند جيد- قال: (وروي عن مجاهد والسدي والضحاك وقتادة مثل ذلك) ا. هـ. وهذا هو قول الجمهور، ورجحه ابن عطية ٥/ ١٢٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٨٧، وانظر "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٦، والسمرقندي ١/ ٤٧٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٦، بسند ضعيف.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٧، وابن الجوزي ٣/ ٣.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٢، من طرق جيدة.
11
والضحاك (١)، ومقاتل (٢)، واختيار الزجاج (٣)، ونحو ذلك قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾، قال: يريد: من مولده إلى مماته، ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾: يريد: من الممات إلى المبعث، لا يعلم ميقاته أحد سواه.
وقال: وذلك أن الله تعالى قضى لكل نفس أجلين من مولده إلى موته ومن موته إلى مبعثه، فإذا كان الرجل صالحًا واصلًا لرحمه، زاد الله في أجل الحياة من أجل الممات إلى المبعث، وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله من أجل الحياة وزاد في [أجل] (٤) المبعث، قال: وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ (٥) [فاطر: ١١].
وقال: وذلك أن الله تعالى قضى لكل نفس أجلين من مولده إلى موته ومن موته إلى مبعثه، فإذا كان الرجل صالحًا واصلًا لرحمه، زاد الله في أجل الحياة من أجل الممات إلى المبعث، وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله من أجل الحياة وزاد في [أجل] (٤) المبعث، قال: وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ (٥) [فاطر: ١١].
(١) أخرجه الطبري ٧/ ١٤٦ بسند لا بأس به.
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٤٩.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٨، واختاره الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٧، وقال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" ١٤/ ٤٨٩: (قوله: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾: الأجل الأول وهو أجل كل عبد الذي ينقضي به عمره. والأجل المسمى عنده هو أجل القيامة العامة) ا. هـ.
(٤) لفظ: (أجل) ساقط من (أ).
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٧، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٧، و"الخازن" ٢/ ١١٨، و"البحر المحيط" ٤/ ٧١، وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٧، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٢، بسند جيد عنه قال: (﴿قَضَى أَجَلًا﴾ يعني: أجل الموت، والأجل المسمى: أجل الساعة والوقوف عند الله) ا. هـ. وأخرج الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٥ عنه في الآية قال: (هما أجلان: أجل في الدنيا، وأجل في الآخرة، مسمى عنده لا يعلمه إلا هو). قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) ا. هـ. ووافقه الذهبي في "التلخيص".
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٤٩.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٨، واختاره الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٧، وقال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" ١٤/ ٤٨٩: (قوله: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾: الأجل الأول وهو أجل كل عبد الذي ينقضي به عمره. والأجل المسمى عنده هو أجل القيامة العامة) ا. هـ.
(٤) لفظ: (أجل) ساقط من (أ).
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٧، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٧، و"الخازن" ٢/ ١١٨، و"البحر المحيط" ٤/ ٧١، وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٤٧، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٢، بسند جيد عنه قال: (﴿قَضَى أَجَلًا﴾ يعني: أجل الموت، والأجل المسمى: أجل الساعة والوقوف عند الله) ا. هـ. وأخرج الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٥ عنه في الآية قال: (هما أجلان: أجل في الدنيا، وأجل في الآخرة، مسمى عنده لا يعلمه إلا هو). قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) ا. هـ. ووافقه الذهبي في "التلخيص".
12
وقال أهل المعاني: (في قوله: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾: يجوز أن يكون الحكم بهذا الأجل كان بعد خلق آدم، ويجوز أن يكون قبله لسبق علمه (١) بذلك قبل أن يخلق الخالق، وعلى هذا يحمل قوله: ﴿ثُمَّ﴾ لسبق الخبر الثاني على الخبر الأول، كقول الشاعر (٢):
والجد سابق للأب، والأب سابق للممدوح) (٣).
قلْ لمنْ سادَ ثم سادَ أبُوهُ | ثُمَّ قد سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ |
(١) قال شيخ الإِسلام في "الفتاوى" ١٤/ ٤٩٠ - ٤٩٢ في الآية: (إن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب، والمحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا هو فيه ولا إثبات) ا. هـ ملخصًا.
(٢) الشاهد لأبي نواس في "ديوانه" ص ٢٢٢. وبلا نسبة في "رصف المباني" ص ٢٥٠، و"الدر المصون" ٣/ ٢٢٠، و"المغني" لابن هشام ١/ ١١٧، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ١٣٩، وفي الديوان:
قال السمين عن الشاهد: (الترتيب يعود إلى الخبر لا إلى الوجود). وحكى ابن هشام: (أن الجد أتاه السؤدد من قبل الأب، والأب من قبل الابن) ا. هـ وظاهر كلام ابن القيم في "مختصر الصواعق" ٢/ ١٣٠: أن البيت لشاعر لا يحتج به. وقال في ص ١٢٩ (القول بأن (ثم) تأتي لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر، فيجوز أن يكون ما بعدها سابقًا على ما قبلها في الوجود وإن تأخر عنه في الإخبار لا يثبت ولا يصح به نقل، ولم يأت في كلام فصيح، ولو قدر وروده فهو نادر، لا يكون قياسًا مطردًا تترك الحقيقة لأجله).
(٣) انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٥، وقال ابن فارس في "الصاحبي" ص ٢١٦: (قوله جل ثناؤه: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾ وقد كان قضى الأجل، فمعناه أخبركم أني خلقته من طين، ثم أخبرك أني قضيت الأجل، كما تقول: كلمتك اليوم ثم قد كلمتك أمس، أي: أني أخبرك بذلك ثم أخبرك بهذا) ا. هـ.
(٢) الشاهد لأبي نواس في "ديوانه" ص ٢٢٢. وبلا نسبة في "رصف المباني" ص ٢٥٠، و"الدر المصون" ٣/ ٢٢٠، و"المغني" لابن هشام ١/ ١١٧، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ١٣٩، وفي الديوان:
قلْ لمنْ سادَ ثم سادَ أبُوهُ | قبله ثم قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ |
(٣) انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٥، وقال ابن فارس في "الصاحبي" ص ٢١٦: (قوله جل ثناؤه: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾ وقد كان قضى الأجل، فمعناه أخبركم أني خلقته من طين، ثم أخبرك أني قضيت الأجل، كما تقول: كلمتك اليوم ثم قد كلمتك أمس، أي: أني أخبرك بذلك ثم أخبرك بهذا) ا. هـ.
13
وقوله: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ أي: بعد هذا البيان تشكون يا معشر المشركين وتكذبون بالبعث. والمرية (١) والامتراء: الشك. والآية حجة على منكري البعث بأن الذي ابتدأ الخلق يصح أن يعيده كما ابتدأه وقدر الأجلين له (٢).
٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ الآية، (الله) إذا جعلت هذا الاسم علمًا ثم وصلته بالمحل أوهم أن يكون الباري سبحانه في محل، كما تقول: زيد في البيت وتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وتكلم أهل المعاني في هذا فقال أبو بكر (٣):
(إن وإن كان اسمًا علمًا ففيه معنى ثناء وتعظيم المعظم) (٤) ونحو هذا، قال أبو إسحاق: فقال: (﴿فِي﴾ موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم الله عز وجل، والمعنى: هو المنفرد بالتدبير في السموات والأرض، كما تقول: هو الخليفة في الشرق والغرب) (٥).
٣ - قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ الآية، (الله) إذا جعلت هذا الاسم علمًا ثم وصلته بالمحل أوهم أن يكون الباري سبحانه في محل، كما تقول: زيد في البيت وتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وتكلم أهل المعاني في هذا فقال أبو بكر (٣):
(إن وإن كان اسمًا علمًا ففيه معنى ثناء وتعظيم المعظم) (٤) ونحو هذا، قال أبو إسحاق: فقال: (﴿فِي﴾ موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم الله عز وجل، والمعنى: هو المنفرد بالتدبير في السموات والأرض، كما تقول: هو الخليفة في الشرق والغرب) (٥).
(١) المرية والامتراء: الشك في الأمر، وقال الراغب في "المفردات" ص ٧٦٦: (المرية: التردد في الأمر وهو أخص من الشك، والامتراء والمماراة: المحاجّة فيما فيه مرية) ا. هـ وانظر: "العين" ٨/ ٢٩٥، و"الجمهرة" ٢/ ٨٠٦، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٨٤، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩١، و"المجمل" ٣/ ٨٢٨، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣١٤، و"اللسان" ٨/ ٤١٨٩ (مرى).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٧، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٣، والماوردي ٢/ ٩٣.
(٣) تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٩، وابن الجوزي ٣/ ٤.
(٥) انظر "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٨، وهذا القول رجحه الجمهور كما أفاده السمين في "الدر" ٤/ ٥٢٩، وقال ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٢٧: (هذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازًا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى) ا. هـ وقال القرطبي في "تفسيره" =
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٧، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٣، والماوردي ٢/ ٩٣.
(٣) تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٩، وابن الجوزي ٣/ ٤.
(٥) انظر "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٨، وهذا القول رجحه الجمهور كما أفاده السمين في "الدر" ٤/ ٥٢٩، وقال ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٢٧: (هذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازًا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى) ا. هـ وقال القرطبي في "تفسيره" =
14
وقال أبو على: (الظرف منتصب الموضع عندي بِيَعْلَمُ، وهو عندي إضمار القصة والحديث، كأن معناه الأمر لله بـ ﴿يعلم﴾ في السموات وفي الأرض سركم وجهركم، قال: وإذا جعلت الظرف متعلقًا باسم الله جاز عندي في قياس قول من جعل اسم الله أصله إلا له؛ لأن المعنى يكون وهو المعبود في السموات والأرض. [يعلم (١)] أي الآمر المعبود يعلم سركم وجهركم، قال: ومن ذهب بهذا الاسم مذهب الأسماء الأعلام وجب ألا يجوز على قوله تعلق الظرف به، إلا أن يقدر فيه ضربًا من معنى الفعل) (٢). وقوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ معنى: (الكسب) (٣) الفعل لاجتلاب نفع أو دفع ضرر، ولهذا لم يوصف فعله القديم [جل ثناؤه] (٤) بأنه كسب (٥).
= ٦/ ٣٩٠: (هذا القول أسلم وأبعد من الإشكال) ا. هـ وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٠: (المعنى: وهو الإله وهو المعبود في كل واحدة من السموات، ففي كل واحدة من هذا الجنس هو المألوه المعبود، فذكر الجمع هنا أبلغ وأحسن من الاقتصار على لفظ الجنس الواحد، وهذا قول محققي أهل التفسير) ا. هـ. واختاره ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٣٩، والشنقيطي في "أضواء البيان" ٢/ ١٨١ - ١٨٣، وانظر "الفتاوى" ٢/ ٤٠٤.
(١) لفظ: (يعلم) ساقط من (أ).
(٢) "الإغفال" لأبي علي ص ٧٠٣ - ٧٠٤.
(٣) انظر: "العين" ٥/ ٣١٥، و"الجمهرة" ١/ ٣٣٩، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٤٠، و"الصحاح" ١/ ٢١٢، و"المجمل" ٣/ ٧٨٥، و"مقاييس اللغة" ٥/ ١٧٩، و"المفردات" ص ٧٠٩، و"النهاية" لابن الأثير ٤/ ١٧١، و"اللسان" ٧/ ٣٨٧ (كسب).
(٤) لفظ: [جل ثناؤه] ساقط من (ش).
(٥) انظر: الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٠.
(١) لفظ: (يعلم) ساقط من (أ).
(٢) "الإغفال" لأبي علي ص ٧٠٣ - ٧٠٤.
(٣) انظر: "العين" ٥/ ٣١٥، و"الجمهرة" ١/ ٣٣٩، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٤٠، و"الصحاح" ١/ ٢١٢، و"المجمل" ٣/ ٧٨٥، و"مقاييس اللغة" ٥/ ١٧٩، و"المفردات" ص ٧٠٩، و"النهاية" لابن الأثير ٤/ ١٧١، و"اللسان" ٧/ ٣٨٧ (كسب).
(٤) لفظ: [جل ثناؤه] ساقط من (ش).
(٥) انظر: الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٠.
15
٤ - وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾، ﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿مِنْ آيَةٍ﴾ لاستغراق الجنس الذي يقع في النفي، كقولك: ما أتاني (١) من أحد، والثانية: للتبعيض، فالأول خرج مخرج عموم الآيات كأنه قيل: أي آية أتتهم هي بعض آيات ربهم (٢)، والمراد بالآيات: الدلالات التي يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله وصدق نبيه - ﷺ - من خلق السموات والأرض وما بينهما مع المعجزات التي أتى بها محمد - ﷺ -، قال أبو العالية في قوله تعالى: ﴿مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾: (مثل الشمس والقمر والنجوم) (٣). قال ابن عباس: (ومن الآيات (٤) انشقاق القمر بمكة). وقال عطاء: (﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ﴾: يريد القرآن) (٥).
(١) في (ش): (ما أبالي من أحد).
(٢) انظر: "الكشاف" ٢/ ٥، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٢٨، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٣٣ - ٥٣٤، ونقل قول الواحدي والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٧.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في "تنوير المقباس" ٢/ ٤، نحوه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٦/ ١٧٥ ب، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨ بلا نسبة.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٩، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨، والأولى العموم فتشمل الآيات الشرعية والكونية، الآية من القرآن والمعجزة كانشقاق القمر ونحوه، وهو اختيار الجمهور. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٨، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٤، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٧، وقد أخرج البخاري في "صحيحه" (٣٦٣٦)، كتاب "المناقب"، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي - ﷺ - آية فأراهم انشقاق القمر. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ - شقين، قال النبي - ﷺ -: "اشهدوا" ا. هـ.
(٢) انظر: "الكشاف" ٢/ ٥، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٢٨، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٣٣ - ٥٣٤، ونقل قول الواحدي والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٧.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في "تنوير المقباس" ٢/ ٤، نحوه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٦/ ١٧٥ ب، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨ بلا نسبة.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٩، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨، والأولى العموم فتشمل الآيات الشرعية والكونية، الآية من القرآن والمعجزة كانشقاق القمر ونحوه، وهو اختيار الجمهور. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٨، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٤، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٥٧، وقد أخرج البخاري في "صحيحه" (٣٦٣٦)، كتاب "المناقب"، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي - ﷺ - آية فأراهم انشقاق القمر. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ - شقين، قال النبي - ﷺ -: "اشهدوا" ا. هـ.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ أي: تاركين التفكر فيها. ومعنى الإعراض (١): الانصراف بالوجه عن الشيء، ثم يبنى عليه الانصراف بالفكر عنه.
٥ - قوله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ يعني مشركي مكة ﴿بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾، قال ابن عباس: (بما جاءهم [به] (٢) الصادق الأمين (٣)، ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: أخبار استهزائهم وجزائه. قاله ابن عباس (٤) والحسن (٥). وقال الزجاج: (المعنى: سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم) (٦). ومعنى الاستهزاء: إيهام التفخيم في معنى التحقير (٧).
٦ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ الآية.
٥ - قوله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ يعني مشركي مكة ﴿بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾، قال ابن عباس: (بما جاءهم [به] (٢) الصادق الأمين (٣)، ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: أخبار استهزائهم وجزائه. قاله ابن عباس (٤) والحسن (٥). وقال الزجاج: (المعنى: سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم) (٦). ومعنى الاستهزاء: إيهام التفخيم في معنى التحقير (٧).
٦ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ الآية.
(١) انظر: "جمهرة اللغة" ٢/ ٧٤٨، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩٤، و"الصحاح" ٣/ ١٨٢، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٢٧١، و"المفردات" ص ٥٥٩، و"اللسان" ٥/ ٢٨٩٤ (عرض).
(٢) لفظ: (به) ساقط من (أ).
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ٤، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٠.
(٤) في "تنوير المقباس" ٢/ ٤ نحوه.
(٥) لم أقف عليه بنصه، ولكن معناه موجود في عامة كتب التفسير.
انظر: "تفسير الطبري" ١١/ ٢٩٢، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٢٨، و"زاد المسير" ٣/ ٤، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩١، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ١٤٠.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٨.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٥٥، و"الصحاح" ١/ ٨٣ - ٨٤، و"مجمل اللغة" ٣/ ٩٠٤، و"مقاييس اللغة" ٦/ ٥٢، و"المفردات" ص ٨٤١، و"اللسان" ٨/ ٤٦٥٩ (هزأ).
(٢) لفظ: (به) ساقط من (أ).
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ٤، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٠.
(٤) في "تنوير المقباس" ٢/ ٤ نحوه.
(٥) لم أقف عليه بنصه، ولكن معناه موجود في عامة كتب التفسير.
انظر: "تفسير الطبري" ١١/ ٢٩٢، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٢٨، و"زاد المسير" ٣/ ٤، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩١، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ١٤٠.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٨.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٥٥، و"الصحاح" ١/ ٨٣ - ٨٤، و"مجمل اللغة" ٣/ ٩٠٤، و"مقاييس اللغة" ٦/ ٥٢، و"المفردات" ص ٨٤١، و"اللسان" ٨/ ٤٦٥٩ (هزأ).
17
قال أبو إسحاق: (موضع ﴿كَمْ﴾ نصب بأهلكنا لا بقوله: ﴿يَرَوْا﴾؛ لأن لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله) (١). والقرن: الأمة من الناس، وأهل كل مدة قرن؛ قال النبي - ﷺ -: "خيركم قرني" (٢). واشتقاقه من الاقتران (٣)، فالقرن: القوم المقترنون في زمان من الدهر (٤)، وقال ابن عباس في تفسير قوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾: (يريد: (من جيل ومن أمة) (٥)، وقوله ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد: أعطيناهم ما لم
(١) "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٩، وانظر: "إعراب النحاس" ٢/ ٥٦، و"المشكل" لمكي ١/ ٢٤٦، و"البيان" لابن الأنباري ١/ ٣١٤، و"التبيان" للعكبري ١/ ٣٢٢، و"الفريد" للهمداني ٢/ ١٢٠، و"الدر" للسمين ٤/ ٥٣٥.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٦٥١)، كتاب الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، ومسلم رقم ٢٥٣٥، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". قال عمران: لا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. الحديث.
وانظر شرحه في "فتح الباري" ٧/ ٥.
(٣) انظر: "الجمهرة" ٢/ ٧٩٣، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٤٧، و"الصحاح" ٦/ ٢١٨٠، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٧٦، و"المجمل" ٣/ ٧٤٩، و"المفردات" ص ٦٦٧، و"النهاية" لابن الأثير ٤/ ٥١، و"اللسان" ٦/ ٣٦٠٨ (قرن).
(٤) الجمهور على أن القرن مائة سنة، وأكثر المحققين على أنه غير مقدر بزمن معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر، فإذا انقضى أكثرهم قيل: قد انقضى القرن، وهو اختيار الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٢٩، والنحاس ٢/ ٤٠٠، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٣١، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩١، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٢٨، و"مجاز القرآن" ١/ ١٨٥، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥١، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن عطية ٥/ ١٢٩، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٥، و"البحر" ٤/ ٦٥، و "الدر المصون" ٤/ ٥٣٩.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٤.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٦٥١)، كتاب الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، ومسلم رقم ٢٥٣٥، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". قال عمران: لا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. الحديث.
وانظر شرحه في "فتح الباري" ٧/ ٥.
(٣) انظر: "الجمهرة" ٢/ ٧٩٣، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٤٧، و"الصحاح" ٦/ ٢١٨٠، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٧٦، و"المجمل" ٣/ ٧٤٩، و"المفردات" ص ٦٦٧، و"النهاية" لابن الأثير ٤/ ٥١، و"اللسان" ٦/ ٣٦٠٨ (قرن).
(٤) الجمهور على أن القرن مائة سنة، وأكثر المحققين على أنه غير مقدر بزمن معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر، فإذا انقضى أكثرهم قيل: قد انقضى القرن، وهو اختيار الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٢٩، والنحاس ٢/ ٤٠٠، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٣١، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩١، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٢٨، و"مجاز القرآن" ١/ ١٨٥، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥١، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن عطية ٥/ ١٢٩، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٥، و"البحر" ٤/ ٦٥، و "الدر المصون" ٤/ ٥٣٩.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٤.
18
نعطكم) (١). يعني: وسعنا عليهم في كثرة العبيد والمال والثمار والأنعام. ومعنى التمكين (٢) من الشيء: إعطاء ما يصح به الفعل من الآلات والعدد والقوى، وهو أتم من الإقدار؛ لأن الإقدار: إعطاء القدرة خاصة، والقادر على الشيء قد يتعذر عليه الفعل بعدم الآلة، والتمكن ينافي التعذر (٣) والانتقال من الخبر إلى الخطاب من الاتساع والتصرف في (٤) الكلام، كما تقول: قلت لعبد الله -وقد كان شكره زيد-: ما أكرمك، أي: واجهته بهذا الخطاب، وإن شئت قلت: ما أكرمه، على الإخبار (٥).
وقوله تعالى: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ ثم قال: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ ولم يقل: نمكنكم، وهما لغتان، تقول العرب: مكنته ومكنت له، كما تقول: نصحته ونصحت له. قال صاحب "النظم": (العرب تتسع في الأفعال التي تتعدى
وقوله تعالى: ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ ثم قال: ﴿مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ ولم يقل: نمكنكم، وهما لغتان، تقول العرب: مكنته ومكنت له، كما تقول: نصحته ونصحت له. قال صاحب "النظم": (العرب تتسع في الأفعال التي تتعدى
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٠، وابن الجوزي ٣/ ٦.
(٢) انظر: "الجمهرة" ٢/ ٩٨٣، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٦، و"الصحاح" ٦/ ٢٢٠٥، و"المجمل" ٣/ ٨٣٧، و"المفردات" ص ٧٧٣، و"اللسان" ٧/ ٤٢٥٠ (مكن).
(٣) هذا قول أبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" ص ٩٠، وانظر: "البحر" ٤/ ٦٦.
(٤) قال بعض أهل التفسير: في الآية رجوع من الغيبة في قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ إلى الخطاب في قوله ﴿لَكُمْ﴾ للاتساع وتلوين الخطاب، قال السمين في "الدر المصون" ٤/ ٥٣٨: (فيكون على هذا التفاتًا فائدته التعريض بقلة تمكن هؤلاء ونقص أحوالهم عن حال أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حل بهم الهلاك، فكيف وأنتم أقل منهم تمكينا وعددًا) ا. هـ وانظر: "معاني الأخفش" ٢/ ٢٦٩، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٦، و"غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٣٥٢، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن الجوزي ٣/ ٦، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩١.
(٥) أي يجوز. قلت لزيد: ما أكرمك أو ما أكرمه. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٩، وابن عطية ٥/ ١٣٠، و"البحر" ٤/ ٧٥.
(٢) انظر: "الجمهرة" ٢/ ٩٨٣، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٦، و"الصحاح" ٦/ ٢٢٠٥، و"المجمل" ٣/ ٨٣٧، و"المفردات" ص ٧٧٣، و"اللسان" ٧/ ٤٢٥٠ (مكن).
(٣) هذا قول أبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" ص ٩٠، وانظر: "البحر" ٤/ ٦٦.
(٤) قال بعض أهل التفسير: في الآية رجوع من الغيبة في قوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ إلى الخطاب في قوله ﴿لَكُمْ﴾ للاتساع وتلوين الخطاب، قال السمين في "الدر المصون" ٤/ ٥٣٨: (فيكون على هذا التفاتًا فائدته التعريض بقلة تمكن هؤلاء ونقص أحوالهم عن حال أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حل بهم الهلاك، فكيف وأنتم أقل منهم تمكينا وعددًا) ا. هـ وانظر: "معاني الأخفش" ٢/ ٢٦٩، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٦، و"غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٣٥٢، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن الجوزي ٣/ ٦، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩١.
(٥) أي يجوز. قلت لزيد: ما أكرمك أو ما أكرمه. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٤٩، وابن عطية ٥/ ١٣٠، و"البحر" ٤/ ٧٥.
19
بحروف (١) الصفات فربما عدوها (٢) بغيرها كقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦] المعنى: فإلى أين؛ وربما زادوها فيما يتعدى بغيرها كقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣] وقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وقوله تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ (٣) [النمل: ٧٢] ونحو هذا. قال أبو علي في قوله تعالى: ﴿مَكَّنَّا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف: ٢١] وقوله: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٨٤] قال: (يجوز أن تكون اللام هاهنا على حد التي هي في قوله تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾، ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ قال ابن عباس: (يريد بالغيث والبركة) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ قال ابن عباس: (يريد بالغيث والبركة) (٥).
(١) في: (ش): (بحرف)، والصواب ما أثبته.
(٢) في: (أ): (أعدوها)، والصواب ما أثبته.
(٣) قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٣٧: قال أبو علي الجرجاني: (مكناهم ومكنا لهم لغتان) ا. هـ.
(٤) "الحجة" لأبي علي ٤/ ٤٢٩، وقال العسكري في "الفروق" ص ٩٠: (الصحيح أن مكنت له: جعلت له ما يتمكن به، ومكنته: أقدرته على ملك الشيء في المكان) ا. هـ وقال السمين في "الدر" ٤/ ٥٣٦ - ٥٣٧: (الفرق بينهما أن مكنه في كذا أثبته فيها، وأما مكن له فمعناه جعل له مكانًا) ا. هـ. ملخصًا. وانظر "المسائل العضديات" ص ٦٧، و"الكشاف" ٢/ ٥، والأكثر على التسوية بينهما، ويتعدى مكن بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٦، و"نزهة القلوب" ص ٣٩٩، و"غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٣، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن الجوزي ٣/ ٦، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٢٩، و"البحر" ٤/ ٧٦.
(٥) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٤ بسند جيد عنه قال: (يتبع بعضها بعضا) ا. هـ. وأخرج أبو عبيد في كتاب "اللغات" ص ٩٤، وابن حسنون ص ٢٤، والوزان ص ٣/ ب بسند جيد عنه قال: (متتابعًا بلغة هذيل =
(٢) في: (أ): (أعدوها)، والصواب ما أثبته.
(٣) قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٣٧: قال أبو علي الجرجاني: (مكناهم ومكنا لهم لغتان) ا. هـ.
(٤) "الحجة" لأبي علي ٤/ ٤٢٩، وقال العسكري في "الفروق" ص ٩٠: (الصحيح أن مكنت له: جعلت له ما يتمكن به، ومكنته: أقدرته على ملك الشيء في المكان) ا. هـ وقال السمين في "الدر" ٤/ ٥٣٦ - ٥٣٧: (الفرق بينهما أن مكنه في كذا أثبته فيها، وأما مكن له فمعناه جعل له مكانًا) ا. هـ. ملخصًا. وانظر "المسائل العضديات" ص ٦٧، و"الكشاف" ٢/ ٥، والأكثر على التسوية بينهما، ويتعدى مكن بنفسه وبحرف الجر، والأكثر تعديته باللام. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٦، و"نزهة القلوب" ص ٣٩٩، و"غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٣، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٨، وابن الجوزي ٣/ ٦، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٢٩، و"البحر" ٤/ ٧٦.
(٥) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٤ بسند جيد عنه قال: (يتبع بعضها بعضا) ا. هـ. وأخرج أبو عبيد في كتاب "اللغات" ص ٩٤، وابن حسنون ص ٢٤، والوزان ص ٣/ ب بسند جيد عنه قال: (متتابعًا بلغة هذيل =
20
والسماء [معناه] (١): المطر هاهنا، والمدرار: الكثير الدر وأصله من قولهم: درّ اللبن إذا أقبل على الحالب منه (٢) شيء كثير فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السحاب (٣) ويجوز أن يكون من نعت المطر، ويقال: سحاب مدرار إذا تتابع إمطاره ومفعال يجيء في نعت يبالغ فيه. قال مقاتل: (مدرارًا: متتابعًا) (٤) وقال المؤرج (٥): (مرة بعد أخرى) (٦). ويستوي في المدرار المذكر والمؤنث (٧)
وقوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بكفرهم وجرأتهم عليَّ) (٨). وقوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأْنَا﴾ معنى الإنشاء ابتداء الإيجاد من
وقوله تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بكفرهم وجرأتهم عليَّ) (٨). وقوله تعالى: ﴿وَأَنْشَأْنَا﴾ معنى الإنشاء ابتداء الإيجاد من
= وذكر البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨ عنه أنه قال: (متتابعًا في أوقات الحاجات) ا. هـ.
(١) لفظ: (معناه) ساقط من (أ). وانظر: "الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٢٣٨.
(٢) انظر: "جمهرة اللغة" ١/ ١١، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١١٧١، و"الصحاح" ٢/ ٦٥٥، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٥٥، و"المفردات" ص ٣١٠، و"اللسان" ٣/ ١٣٥٧ (در).
(٣) مثله قال الرازي ١٢/ ١٥٩، والأكثر على أن ﴿مِدْرَارًا﴾ حال من السماء، وهو الظاهر؛ لأنه بعد معرفة. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٦، و"البيان" ١/ ٣٨١، و"الفريد" ٢/ ١٢١، و"البحر" ٤/ ٧٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤١، ولعل مراد الواحدي بالنعت الحال؛ لأن أصله صفة. انظر "الأصول" لابن السراج ١/ ٢١٣، و"شرح شذور الذهب" ص ٢٤٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٠.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) ذكره الرازي ١٢/ ٧٦، عن مقاتل، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٦، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٤، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٠، و"نزهة القلوب" ص ٤٤٠.
(٧) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٩، والنحاس ٢/ ٤٠١.
(٨) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٤.
(١) لفظ: (معناه) ساقط من (أ). وانظر: "الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٢٣٨.
(٢) انظر: "جمهرة اللغة" ١/ ١١، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١١٧١، و"الصحاح" ٢/ ٦٥٥، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٥٥، و"المفردات" ص ٣١٠، و"اللسان" ٣/ ١٣٥٧ (در).
(٣) مثله قال الرازي ١٢/ ١٥٩، والأكثر على أن ﴿مِدْرَارًا﴾ حال من السماء، وهو الظاهر؛ لأنه بعد معرفة. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٦، و"البيان" ١/ ٣٨١، و"الفريد" ٢/ ١٢١، و"البحر" ٤/ ٧٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤١، ولعل مراد الواحدي بالنعت الحال؛ لأن أصله صفة. انظر "الأصول" لابن السراج ١/ ٢١٣، و"شرح شذور الذهب" ص ٢٤٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٠.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) ذكره الرازي ١٢/ ٧٦، عن مقاتل، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٦، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٤، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٠، و"نزهة القلوب" ص ٤٤٠.
(٧) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٩، والنحاس ٢/ ٤٠١.
(٨) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٤.
21
غير سبب (١) تقدم. والآية احتجاج على منكري البعث، من جهة أن الذي أهلك من قبلهم وأنشأ بعدهم قرنًا آخرين قادر على أن يهلك العالم بأسره وينشئ بعده عالمًا آخر، وقادر على الإعادة بعد الإهلاك.
٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾ قال الكلبي: (قال مشركو مكة: يا محمَّد، لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله، وأنك رسوله، فنزلت هذه الآية) (٢). والقرطاس (٣): كاغدٌ (٤) يتخذ من بردي (٥) يكون بمصر، وكل كاغدٍ قرطاس، سواء كان من جنس القراطيس المصرية أو من غيرها، وإن كان قد غلب هذا الاسم عليها، وأراد بالكتاب المصدر (٦).
٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾ قال الكلبي: (قال مشركو مكة: يا محمَّد، لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله، وأنك رسوله، فنزلت هذه الآية) (٢). والقرطاس (٣): كاغدٌ (٤) يتخذ من بردي (٥) يكون بمصر، وكل كاغدٍ قرطاس، سواء كان من جنس القراطيس المصرية أو من غيرها، وإن كان قد غلب هذا الاسم عليها، وأراد بالكتاب المصدر (٦).
(١) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٧، و"الصحاح" ١/ ٧٧، و"المفردات" ص ٨٠٧ (نشأ).
(٢) ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٦، و"الوسيط" ١/ ١١، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٩، وابن الجوزي ٣/ ٧.
وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٣٢، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩٣، و"البحر" ٤/ ٧٧.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٥١، و"جمهرة اللغة" ٣/ ١٢٧٥، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٣٥، و"الصحاح" ٣/ ٩٦٢، و"المفردات" ص ٦٦٦، و"اللسان" ٦/ ٣٥٩٢ (قرطس).
والقرطاس: الصحف التي يكتب فيها، وهو بكسر القاف أكثر استعمالا وأشهر من ضمها.
انظر: "البحر المحيط" ٤/ ٧٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٣.
(٤) الكاغد، بالفتح: القرطاس. انظر: "تاج العروس" ٥/ ٢٢٥.
(٥) قوله: (من بردى) عليه طمس في (أ)، والبردي، بفتح الباء وسكون الراء: نبات معروف. انظر: "اللسان" ١/ ٢٥١ (برد).
(٦) أي: بمعنى الكتابة: انظر: "تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩٣، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٣.
(٢) ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٦، و"الوسيط" ١/ ١١، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٩، وابن الجوزي ٣/ ٧.
وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٣٢، و"تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩٣، و"البحر" ٤/ ٧٧.
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٥١، و"جمهرة اللغة" ٣/ ١٢٧٥، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٣٥، و"الصحاح" ٣/ ٩٦٢، و"المفردات" ص ٦٦٦، و"اللسان" ٦/ ٣٥٩٢ (قرطس).
والقرطاس: الصحف التي يكتب فيها، وهو بكسر القاف أكثر استعمالا وأشهر من ضمها.
انظر: "البحر المحيط" ٤/ ٧٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٣.
(٤) الكاغد، بالفتح: القرطاس. انظر: "تاج العروس" ٥/ ٢٢٥.
(٥) قوله: (من بردى) عليه طمس في (أ)، والبردي، بفتح الباء وسكون الراء: نبات معروف. انظر: "اللسان" ١/ ٢٥١ (برد).
(٦) أي: بمعنى الكتابة: انظر: "تفسير القرطبي" ٦/ ٣٩٣، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٣.
22
قال ابن عباس (١) والسدي (٢) وقتادة (٣) ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾: (يعني: الصحيفة)، وروي عن ابن عباس أنه قال: (﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا﴾ معلقًا من السماء إلى الأرض) (٤)
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ قال قتادة: (فعاينوا ذلك معاينة ومسوه بأيديهم) (٥). وقال أهل المعاني: (اللمس (٦) باليد أبلغ في الإحساس من المعاينة، لذلك قيل: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ دون أن يقال: "لعاينوه" (٧)؛ لأن اللمس باليد يتضمن (٨) المعاينة وزيادة) (٩).
وقوله تعالى: ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أخبر الله تعالى أنهم يدفعون الدليل، حتى لو أتاهم الدليل مدركًا بالحس لنسبوه إلى السحر. قال أبو إسحاق: (لو رأوا الكتاب ينزل من السماء لقالوا: سحر،
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ قال قتادة: (فعاينوا ذلك معاينة ومسوه بأيديهم) (٥). وقال أهل المعاني: (اللمس (٦) باليد أبلغ في الإحساس من المعاينة، لذلك قيل: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ دون أن يقال: "لعاينوه" (٧)؛ لأن اللمس باليد يتضمن (٨) المعاينة وزيادة) (٩).
وقوله تعالى: ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أخبر الله تعالى أنهم يدفعون الدليل، حتى لو أتاهم الدليل مدركًا بالحس لنسبوه إلى السحر. قال أبو إسحاق: (لو رأوا الكتاب ينزل من السماء لقالوا: سحر،
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، بسند ضعيف.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، بسند جيد.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٤، بسند جيد، قال ابن أبي حاتم: (وروي عن السدي نحو ذلك).
(٤) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٢.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٠، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٤، بسند جيد. وأخرج الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٥، عن ابن عباس في الآية قال: (مسوه ونظروا إليه لم يؤمنوا به).
(٦) في (أ): (المس).
(٧) في النسخ: لعاينوه، والأولى "فعاينوه".
(٨) في (ش): (تضمن).
(٩) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٥، وتفسير البغوي" ٣/ ١٢٩، والزمخشري ١٢/ ١٦٠، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٧٧.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، بسند جيد.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٣، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٤، بسند جيد، قال ابن أبي حاتم: (وروي عن السدي نحو ذلك).
(٤) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٢.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٠، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٤، بسند جيد. وأخرج الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٥، عن ابن عباس في الآية قال: (مسوه ونظروا إليه لم يؤمنوا به).
(٦) في (أ): (المس).
(٧) في النسخ: لعاينوه، والأولى "فعاينوه".
(٨) في (ش): (تضمن).
(٩) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٥، وتفسير البغوي" ٣/ ١٢٩، والزمخشري ١٢/ ١٦٠، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٧٧.
23
كما [أنهم] (١) قالوا في انشقاق القمر: ﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ٢]، وكذلك يقولون في كل آية يعجز عنها المخلوقون (٢)) (٣).
٨ - وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ قال المفسرون (٤): (طلبوا ملكًا يرونه [يقول (٥)]: إنه رسول الله، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: لأهلكوا بعذاب الاستئصال)، وهو معنى قول الحسن (٦) وقتادة (٧) والسدي (٨)؛ وقال مجاهد (٩) وعكرمة (١٠): (لقامت الساعة) (١١)؛ وقال الزجاج: (معنى قضى الأمر: أُتم إهلاكهم (١٢) وقضى
٨ - وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ قال المفسرون (٤): (طلبوا ملكًا يرونه [يقول (٥)]: إنه رسول الله، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: لأهلكوا بعذاب الاستئصال)، وهو معنى قول الحسن (٦) وقتادة (٧) والسدي (٨)؛ وقال مجاهد (٩) وعكرمة (١٠): (لقامت الساعة) (١١)؛ وقال الزجاج: (معنى قضى الأمر: أُتم إهلاكهم (١٢) وقضى
(١) لفظ: (أنهم) ساقط من (ش).
(٢) في (ش): (المخلوقات)، وهو تحريف.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠، ونحوه قال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٢.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥١.
(٥) في (أ): (يقولون).
(٦) ذكره الماوردي في "تفسيره" ٢/ ٩٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٣، عن الحسن وقتادة.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٤، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١ - ١٥٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٥، من طرق جيدة عن قتادة.
(٨) أخرجه الطبري ٧/ ١٥١، بسند جيد، وذكره ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٥ عن السدي.
(٩) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٢، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٥ من طرق جيدة.
(١٠) عكرمة بن عبد الله البربري، أبو عبد الله المدني مولى ابن عباس، تقدمت ترجمته.
(١١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، بسند ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٥، وذكر هذا القول ابن عطية ٥/ ١٣٢ عن مجاهد وضعفه، وذكره النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٢، عن مجاهد وقال: (والمعنى عند أهل اللغة: لحتم بهلاكهم، وهو يرجع إلى ذلك القول) ا. هـ.
(١٢) في (ش): (أتم هلاكهم) وفي "معاني الزجاج": ٢/ ٢٣٠: (لتم هلاكهم).
(٢) في (ش): (المخلوقات)، وهو تحريف.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠، ونحوه قال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٢.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥١.
(٥) في (أ): (يقولون).
(٦) ذكره الماوردي في "تفسيره" ٢/ ٩٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٣، عن الحسن وقتادة.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٤، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١ - ١٥٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٥، من طرق جيدة عن قتادة.
(٨) أخرجه الطبري ٧/ ١٥١، بسند جيد، وذكره ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٥ عن السدي.
(٩) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٢، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٥ من طرق جيدة.
(١٠) عكرمة بن عبد الله البربري، أبو عبد الله المدني مولى ابن عباس، تقدمت ترجمته.
(١١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥١، بسند ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٥، وذكر هذا القول ابن عطية ٥/ ١٣٢ عن مجاهد وضعفه، وذكره النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٢، عن مجاهد وقال: (والمعنى عند أهل اللغة: لحتم بهلاكهم، وهو يرجع إلى ذلك القول) ا. هـ.
(١٢) في (ش): (أتم هلاكهم) وفي "معاني الزجاج": ٢/ ٢٣٠: (لتم هلاكهم).
على ضروب كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء في تمامه) (١). وقد ذكرنا معاني القضاء في سورة البقرة.
قال أهل العلم: (إنما لم ينظروا ولو نزل الملك؛ لأنه يجب أن يجروا على سنة من قبلهم ممن طلب الآيات فلم يؤمنوا، فأهلكوا بعذاب الاستئصال كثمود وعاد، لحكم الله في خلقه بذلك؛ لأنه أزجر عن التحكم بطلب الآيات، وأدعى إلى الإيمان خوفا من الإهلاك) (٢).
وقال الضحاك: (لو أتاهم ملك في صورته لماتوا) (٣).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ قال ابن عباس: إلا يؤخرون لتوبة ولا لغير ذلك) (٤).
٩ - وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾ أي: لو جعلنا الرسول ملكًا أو الذي ينزل عليه ليشهد له بالرسالة كما يطلبون ذلك.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ (٥) قال ابن عباس (٦) والمفسرون (٧): (لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته؛ لأن
قال أهل العلم: (إنما لم ينظروا ولو نزل الملك؛ لأنه يجب أن يجروا على سنة من قبلهم ممن طلب الآيات فلم يؤمنوا، فأهلكوا بعذاب الاستئصال كثمود وعاد، لحكم الله في خلقه بذلك؛ لأنه أزجر عن التحكم بطلب الآيات، وأدعى إلى الإيمان خوفا من الإهلاك) (٢).
وقال الضحاك: (لو أتاهم ملك في صورته لماتوا) (٣).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ قال ابن عباس: إلا يؤخرون لتوبة ولا لغير ذلك) (٤).
٩ - وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾ أي: لو جعلنا الرسول ملكًا أو الذي ينزل عليه ليشهد له بالرسالة كما يطلبون ذلك.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ (٥) قال ابن عباس (٦) والمفسرون (٧): (لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته؛ لأن
(١) كذا في النسخ، وعند الزجاج: (انقطاع الشيء وتمامه).
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٩.
(٣) ذكره البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٩، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢ - ١٥٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٦ بسند ضعيف.
وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٢، وابن الجوزي "تفسيره" ٣/ ٨.
(٥) لفظ: (لجعلناه) عليه طمس في (أ).
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢ - ١٥٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٦ بسند ضعيف.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٢، وذكره ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٣، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٢٩.
(٣) ذكره البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٢٩، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢ - ١٥٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٦ بسند ضعيف.
وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٢، وابن الجوزي "تفسيره" ٣/ ٨.
(٥) لفظ: (لجعلناه) عليه طمس في (أ).
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٢ - ١٥٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٦٦ بسند ضعيف.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٢، وذكره ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٣، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.
25
أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة) (١).
قال الزجاج: (قيل: إن الملك لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في سورة الإنس، كجبريل عليه السلام (٢) يأتي النبي - ﷺ - (٣) في سورة دحية (٤) الكلبي، وكقصة نبإ الخصم إذ تسوروا (٥) المحراب، وكما أتوا إبراهيم (٦) ولوطًا -عليهما السلام- في صورة
قال الزجاج: (قيل: إن الملك لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في سورة الإنس، كجبريل عليه السلام (٢) يأتي النبي - ﷺ - (٣) في سورة دحية (٤) الكلبي، وكقصة نبإ الخصم إذ تسوروا (٥) المحراب، وكما أتوا إبراهيم (٦) ولوطًا -عليهما السلام- في صورة
(١) قال القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٣: (أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيقة؛ لأن كل جسم يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه) ا. هـ وقال ابن عطية ٥/ ١٣٣: (أهل التأويل مجمعون أنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته، فالأولى في قوله: ﴿لَقُضِيَ الْأَمْر﴾ أي لماتوا من هول رؤيته) ا. هـ ملخصًا وانظر: "البحر المحيط" ٤/ ٧٨.
(٢) في (ش): (كان يأتي).
(٣) أخرج البخاري (٣٦٣٣)، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، ومسلم رقم ٢٤٥١، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (إن جبريل عليه السلام أتى النبي - ﷺ - وعنده أم سلمة فجعل يحدث ثم قام. فقال النبي لأم سلمة: "من هذا؟ " قالت: هذا دحية) الحديث. وقال ابن حجر في "الإصابة" ١/ ٤٧٣، والمناوي في "الفتح السماوي" ٢/ ٦٠٠: (أخرج النسائي بسند صحيح عن ابن عمر قال: (كان جبريل يأتي النبي - ﷺ - في سورة دحية الكلبي). وانظر: "الكافي الشافي" لابن حجر ٦٠ - ٦١.
(٤) دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي صاحب النبي - ﷺ - ورسوله بكتابه إلى قيصر الروم ليوصله إلى هرقل، وهو صحابي جليل مشهور، وكان جميلًا يضرب به المثل في حسن الصورة، أسلم قبل بدر، وتوفي في خلافة معاوية. انظر: "الاستيعاب" ١/ ٤٧٢، و"سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٥٠، و"الإصابة" ١/ ٤٧٣، و"تهذيب التهذيب" ١/ ٥٧٣، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" ٥/ ٢٢١.
(٥) قصة دواد عليه السلام مع الخصم مذكورة في سورة ص الآية ٢١ وما بعدها.
(٦) قصة إبراهيم عليه السلام مع الرسل مذكورة في مواضع من القرآن منها: في (سورة هود الآية: ٦٩ وما بعدها)، وفي (سورة الحجر الآية ٥١ وما بعدها)، وفي (سورة الذاريات الآية: ٢٤ وما بعدها).
(٢) في (ش): (كان يأتي).
(٣) أخرج البخاري (٣٦٣٣)، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، ومسلم رقم ٢٤٥١، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (إن جبريل عليه السلام أتى النبي - ﷺ - وعنده أم سلمة فجعل يحدث ثم قام. فقال النبي لأم سلمة: "من هذا؟ " قالت: هذا دحية) الحديث. وقال ابن حجر في "الإصابة" ١/ ٤٧٣، والمناوي في "الفتح السماوي" ٢/ ٦٠٠: (أخرج النسائي بسند صحيح عن ابن عمر قال: (كان جبريل يأتي النبي - ﷺ - في سورة دحية الكلبي). وانظر: "الكافي الشافي" لابن حجر ٦٠ - ٦١.
(٤) دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي صاحب النبي - ﷺ - ورسوله بكتابه إلى قيصر الروم ليوصله إلى هرقل، وهو صحابي جليل مشهور، وكان جميلًا يضرب به المثل في حسن الصورة، أسلم قبل بدر، وتوفي في خلافة معاوية. انظر: "الاستيعاب" ١/ ٤٧٢، و"سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٥٠، و"الإصابة" ١/ ٤٧٣، و"تهذيب التهذيب" ١/ ٥٧٣، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" ٥/ ٢٢١.
(٥) قصة دواد عليه السلام مع الخصم مذكورة في سورة ص الآية ٢١ وما بعدها.
(٦) قصة إبراهيم عليه السلام مع الرسل مذكورة في مواضع من القرآن منها: في (سورة هود الآية: ٦٩ وما بعدها)، وفي (سورة الحجر الآية ٥١ وما بعدها)، وفي (سورة الذاريات الآية: ٢٤ وما بعدها).
26
الضيفان من الآدميين (١)) (٢)، وكذلك قصة جبريل مع النبي - ﷺ - حين أتاه يسأله عن الإيمان والإِسلام والإحسان والقدر. والخبر صحيح مشهور (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾:
يقال: لبست الأمر على القوم ألبسه لبسًا إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلًا (٤). قال ابن السكيت (٥): (يقال: لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته) (٦).
قال أهل اللغة (٧): (معنى اللبس: منع النفس من إدراك المعنى كما هو (٨) كالستر له، وأصله من الستر بالثوب ومنه لبس الثوب؛ لأنه ستر النفس به).
قال الضحاك (٩) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾:
وقوله تعالى: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾:
يقال: لبست الأمر على القوم ألبسه لبسًا إذا شبهته عليهم وجعلته مشكلًا (٤). قال ابن السكيت (٥): (يقال: لبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته) (٦).
قال أهل اللغة (٧): (معنى اللبس: منع النفس من إدراك المعنى كما هو (٨) كالستر له، وأصله من الستر بالثوب ومنه لبس الثوب؛ لأنه ستر النفس به).
قال الضحاك (٩) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾:
(١) قصة لوط عليه السلام مع الرسل مذكورة في مواضع من القرآن منها: في (سورة هود الآية: ٧٧ وما بعدها) وفي (سورة الحجر ٦١ وما بعدها).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣١، وانظر: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" للمبرد ص ٣٢.
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٠)، كتاب الإيمان باب سؤال جبريل، ومسلم رقم (٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم عن عمر رضي الله عنه.
(٤) هذا قول الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٨.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) "إصلاح المنطق" ص ٢٠٦، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٨.
(٧) انظر: "العين" ٧/ ٢٦٢، و"الجمهرة" ١/ ٣٤١، و"الصحاح" ٣/ ٩٧٣، و"المجمل" ٣/ ٨٠١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٢٣٠، و"المفردات" ص ٧٣٤، و"اللسان" ٧/ ٣٩٨٧ (لبس).
(٨) في (ش): (بما هو).
(٩) ذكره في "الوسيط" ١/ ١٢، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٣١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٦، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس نحوه.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣١، وانظر: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" للمبرد ص ٣٢.
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٠)، كتاب الإيمان باب سؤال جبريل، ومسلم رقم (٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم عن عمر رضي الله عنه.
(٤) هذا قول الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٨.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) "إصلاح المنطق" ص ٢٠٦، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٨.
(٧) انظر: "العين" ٧/ ٢٦٢، و"الجمهرة" ١/ ٣٤١، و"الصحاح" ٣/ ٩٧٣، و"المجمل" ٣/ ٨٠١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٢٣٠، و"المفردات" ص ٧٣٤، و"اللسان" ٧/ ٣٩٨٧ (لبس).
(٨) في (ش): (بما هو).
(٩) ذكره في "الوسيط" ١/ ١٢، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٣١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٦، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس نحوه.
27
(ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي).
قال الزجاج (١): (وكانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي - ﷺ - فيقولون: إنما هو بشر مثلكم، فقال (٢) الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾ فرأوا الملك رجلاً لكنا قد لبسنا عليهم؛ لأنه كان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم) أي: فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان. وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه من إنزال الملك لا يزيدهم بيانًا، بل يكون (٣) الأمر في ذلك على ما هم عليه من الحيرة بإعمالهم الشبهة.
وذكر صاحب "النظم" في هذه الآية وجهًا آخر فقال: (إنهم خلطوا على أنفسهم في التماس ما التمسوا، وتكلفوا منه ما لم يحتاجوا إليه، فالتمسوا نزول ملك يخبرهم أنه نبي، وقد كان لهم فيما مع النبي - ﷺ - من الآيات والدلائل (٤) كفاية وغنية عن نزول ملك، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾ الآية.
يقول: لو أجبناهم إلى ما سألوا من ذلك فأنزلنا ملكًا لجعلناه رجلاً مثلهم في الخلقة والصورة، فيكون نزوله مثل طلوع الشمس من مغربها أو قيام الساعة، فلا يقبل مع ذلك إيمان، ولكن يجعله (٥) على سورة رجل، فلبس بذلك (٦) عليهم، أي: يعمى (٧) عليهم؛ معاقبة لتكلفهم ما لم يكلفوا
قال الزجاج (١): (وكانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي - ﷺ - فيقولون: إنما هو بشر مثلكم، فقال (٢) الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾ فرأوا الملك رجلاً لكنا قد لبسنا عليهم؛ لأنه كان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم) أي: فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان. وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه من إنزال الملك لا يزيدهم بيانًا، بل يكون (٣) الأمر في ذلك على ما هم عليه من الحيرة بإعمالهم الشبهة.
وذكر صاحب "النظم" في هذه الآية وجهًا آخر فقال: (إنهم خلطوا على أنفسهم في التماس ما التمسوا، وتكلفوا منه ما لم يحتاجوا إليه، فالتمسوا نزول ملك يخبرهم أنه نبي، وقد كان لهم فيما مع النبي - ﷺ - من الآيات والدلائل (٤) كفاية وغنية عن نزول ملك، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا﴾ الآية.
يقول: لو أجبناهم إلى ما سألوا من ذلك فأنزلنا ملكًا لجعلناه رجلاً مثلهم في الخلقة والصورة، فيكون نزوله مثل طلوع الشمس من مغربها أو قيام الساعة، فلا يقبل مع ذلك إيمان، ولكن يجعله (٥) على سورة رجل، فلبس بذلك (٦) عليهم، أي: يعمى (٧) عليهم؛ معاقبة لتكلفهم ما لم يكلفوا
(١) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١.
(٢) في (ش): (وقال)، وهو تحريف.
(٣) في (ش): (بل يكون في الأمر في ذلك)، وهو تحريف.
(٤) في (ش): (والدلالات).
(٥) في (ش): (لجعله).
(٦) في (ش): (فلبس في ذلك).
(٧) في (ش): (لعمى معاقبة لهم).
(٢) في (ش): (وقال)، وهو تحريف.
(٣) في (ش): (بل يكون في الأمر في ذلك)، وهو تحريف.
(٤) في (ش): (والدلالات).
(٥) في (ش): (لجعله).
(٦) في (ش): (فلبس في ذلك).
(٧) في (ش): (لعمى معاقبة لهم).
28
ولم تكن بهم حاجة إليه، وهذا كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [المنافقون: ٣] وكان (١) الطبع معاقبة لهم على الكفر بعد الإيمان، فكذلك قوله: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ أي: نعاقبهم باللبس بما لبسوا على أنفسهم، فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم علي ما كان منهم من التخليط في السؤال (٢).
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية. قال المفسرون (٣): (هذه الآية تعزية للنبي - ﷺ - وتسلية له عما يرى من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به؛ إذ جعل إسوته في ذلك بالأنبياء الذين كانوا قبله، وتحذير المشركين الذين فعلوا بنبيهم ما فعل من قبلهم من مكذبي الرسل فحل بهم العذاب).
وقوله تعالى: ﴿فَحَاقَ﴾ قال النضر (٤): (يقال: حاق بهم العذاب كأنه وجب عليهم. قال: يقال: حاق العذاب يحيق، فهو حائق) (٥).
وقال الليث (٦): (الحيق: ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء بعمله
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية. قال المفسرون (٣): (هذه الآية تعزية للنبي - ﷺ - وتسلية له عما يرى من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به؛ إذ جعل إسوته في ذلك بالأنبياء الذين كانوا قبله، وتحذير المشركين الذين فعلوا بنبيهم ما فعل من قبلهم من مكذبي الرسل فحل بهم العذاب).
وقوله تعالى: ﴿فَحَاقَ﴾ قال النضر (٤): (يقال: حاق بهم العذاب كأنه وجب عليهم. قال: يقال: حاق العذاب يحيق، فهو حائق) (٥).
وقال الليث (٦): (الحيق: ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء بعمله
(١) في (ش): (فكان).
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٣٣، و"بدائع التفسير" ٤/ ١٤٢.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٣، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٥، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣١، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٧، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٤، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤١.
(٤) النضر بن شميل المازني، أبو الحسن البصري، توفي سنة ٢٠٤ هـ تقدمت ترجمته.
(٥) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨.
(٦) الليث بن نصر بن سيار الخراساني، ويقال: الليث بن المظفر بن نصر بن سيار، إمام لغوي، صاحب نحو وغريب وشعر، ومن أصحاب الخليل، ويقال: إنه هو الذي ألف كتاب "العين". انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٧، و"إنباه الرواة" ٣/ ٤٢، =
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٣٣، و"بدائع التفسير" ٤/ ١٤٢.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٣، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٥، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣١، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٧، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٤، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤١.
(٤) النضر بن شميل المازني، أبو الحسن البصري، توفي سنة ٢٠٤ هـ تقدمت ترجمته.
(٥) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨.
(٦) الليث بن نصر بن سيار الخراساني، ويقال: الليث بن المظفر بن نصر بن سيار، إمام لغوي، صاحب نحو وغريب وشعر، ومن أصحاب الخليل، ويقال: إنه هو الذي ألف كتاب "العين". انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٧، و"إنباه الرواة" ٣/ ٤٢، =
29
فنزل ذلك به. كقول: أحاق الله بهم مكرهم وحاق بهم مكرهم) (١) سلمة (٢) عن الفراء في قوله: ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ [الأحقاف: ٢٦] هو في كلام العرب عاد عليهم) (٣).
قال ابن عباس في رواية (٤) عطاء في قوله تعالى: ﴿فَحَاقَ﴾ (يريد: فحَلَّ)
وقال الربيع (٥): (نزل) (٦).
وقال الفراء (٧): (يقال: حاق بهم يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا، بفتح الحاء والياء) (٨).
قال ابن عباس في رواية (٤) عطاء في قوله تعالى: ﴿فَحَاقَ﴾ (يريد: فحَلَّ)
وقال الربيع (٥): (نزل) (٦).
وقال الفراء (٧): (يقال: حاق بهم يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا، بفتح الحاء والياء) (٨).
= و"معجم الأدباء" ١٧/ ٤٣، و"إشارة التعيين" ص ٢٧٧، و"لسان الميزان" ٤/ ٤٩٤، و"البلغة" ص ١٧٨.
(١) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨، وانظر: "العين" ٣/ ٢٥٦ (حاق).
(٢) سلمة بن عاصم البغدادي، أبو محمد، إمام لغوي نحوي، تقدمت ترجمته.
(٣) "معاني الفراء" ٣/ ٥٦، وزاد فيه: (وجاء في التفسير نزل بهم).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٥ ب والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠ عن عطاء فقط.
(٥) الربيع بن أنس بن زياد البكري البصري نزيل خراسان، تقدمت ترجمته.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٥ ب، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠.
(٧) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣ دون (وحيقانا)، ولم أقف عليه في معناه، ولعله من كتاب المصادر المفقود.
(٨) انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٤، و"البحر" ٤/ ٨٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٦، وفي "القاموس" ص ٨٧٧. قال: (حاق به يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا أحاط به). وانظر: "الصحاح" ٤/ ١٤٦٦، و"المجمل" لابن فارس ١/ ٢٥٩، و"مقاييس اللغة" ٢/ ١٢٥، و"المفردات" ص ٢٦٦، و"اللسان" ٢/ ١٠٧٢ (حاق).
(١) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨، وانظر: "العين" ٣/ ٢٥٦ (حاق).
(٢) سلمة بن عاصم البغدادي، أبو محمد، إمام لغوي نحوي، تقدمت ترجمته.
(٣) "معاني الفراء" ٣/ ٥٦، وزاد فيه: (وجاء في التفسير نزل بهم).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٥ ب والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠ عن عطاء فقط.
(٥) الربيع بن أنس بن زياد البكري البصري نزيل خراسان، تقدمت ترجمته.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٥ ب، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠.
(٧) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣ دون (وحيقانا)، ولم أقف عليه في معناه، ولعله من كتاب المصادر المفقود.
(٨) انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٤، و"البحر" ٤/ ٨٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٤٦، وفي "القاموس" ص ٨٧٧. قال: (حاق به يحيق حيقًا وحيوقًا وحيقانًا أحاط به). وانظر: "الصحاح" ٤/ ١٤٦٦، و"المجمل" لابن فارس ١/ ٢٥٩، و"مقاييس اللغة" ٢/ ١٢٥، و"المفردات" ص ٢٦٦، و"اللسان" ٢/ ١٠٧٢ (حاق).
30
قال الضحاك: ﴿فَحَاقَ﴾: (أي: أحاط) (١)، وهو اختيار الزجاج؛ لأنه قال في قوله: ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [هود: ٨]: أي: أحاط بهم العذاب الذي هو جزاء ما كانوا (٢) يستهزئون به، كما تقول: أحاط بفلان عمله وأهلكه كسبه، أي: أهلكه جزاء كسبه) (٣).
قال الأزهري: (جعل أبو إسحاق حاق بمعنى أحاط، وكأن مأخذه من الحوق (٤)، وهو ما استدار بالكمرة (٥). قال: وجائز أن يكون الحوق فعلًا من حاق يحيق كأنه كان في الأصل حيقًا فقلبت الياء واوًا لانضمام ما قبلها) (٦).
قال الأزهري: (جعل أبو إسحاق حاق بمعنى أحاط، وكأن مأخذه من الحوق (٤)، وهو ما استدار بالكمرة (٥). قال: وجائز أن يكون الحوق فعلًا من حاق يحيق كأنه كان في الأصل حيقًا فقلبت الياء واوًا لانضمام ما قبلها) (٦).
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٥ ب، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٨٠.
(٢) في (ش): (ما كانوا به).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١ - ٣/ ٤١، و"تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨، وفي "معاني الزجاج" ٤/ ٢٧٥ - قال: (يحيق: يحيط). والأقوال متقاربة، وأكثرهم على أنه بمعنى نزل وأحاط بهم العذاب، قال الرازي ١٢/ ١٦٣: (في تفسيره وجوه كثيرة وهي بأسرها متقاربة) ا. هـ. وانظر "مجاز القرآن" ١/ ١٨٥، و"تفسير الطبري" ٧/ ١٥٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٠٣، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٢٧٥، و"الكاشف" ٢/ ٧، وابن عطية ٥/ ١٣٤.
(٤) قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٤٦: (حاق ألفه منقلبة عن ياء، بدليل يحيق كباع يبيع، والمصدر حيق وحيوق وحيقان، وزعم أنه من الحوق وهو المستدير بالشيء، وهذا ليس بشيء؛ لاختلاف المادة، إلا أن يراد الاشتقاق الأكبر، وأيضًا هو دعوى جردة من غير دليل) ا. هـ. ملخصًا. ونحوه قال أبو حيان في "البحر" ٤/ ٨٠، وانظر: "روح المعاني" ٧/ ١٠٢.
(٥) الكمرة، بالفتح: رأس الذكر. انظر: "القاموس" ص ٤٧١.
(٦) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨ (حاق).
(٢) في (ش): (ما كانوا به).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١ - ٣/ ٤١، و"تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨، وفي "معاني الزجاج" ٤/ ٢٧٥ - قال: (يحيق: يحيط). والأقوال متقاربة، وأكثرهم على أنه بمعنى نزل وأحاط بهم العذاب، قال الرازي ١٢/ ١٦٣: (في تفسيره وجوه كثيرة وهي بأسرها متقاربة) ا. هـ. وانظر "مجاز القرآن" ١/ ١٨٥، و"تفسير الطبري" ٧/ ١٥٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٠٣، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٢٧٥، و"الكاشف" ٢/ ٧، وابن عطية ٥/ ١٣٤.
(٤) قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٤٦: (حاق ألفه منقلبة عن ياء، بدليل يحيق كباع يبيع، والمصدر حيق وحيوق وحيقان، وزعم أنه من الحوق وهو المستدير بالشيء، وهذا ليس بشيء؛ لاختلاف المادة، إلا أن يراد الاشتقاق الأكبر، وأيضًا هو دعوى جردة من غير دليل) ا. هـ. ملخصًا. ونحوه قال أبو حيان في "البحر" ٤/ ٨٠، وانظر: "روح المعاني" ٧/ ١٠٢.
(٥) الكمرة، بالفتح: رأس الذكر. انظر: "القاموس" ص ٤٧١.
(٦) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٨ (حاق).
31
وأكثر المفسرين جعلوا الآية من باب حذف المضاف؛ لأنهم قالوا: نزل وأحاط بهم عقوبة ما كانوا به يستهزئون وجزاء ما كانوا به يستهزئون. قال الزجاج: ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] أي: لا يرجع عاقبة مكرهم إلا عليهم) (١)، وهذا إذا جعلت ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ عبارة عن القرآن والشريعة وما جاء به النبي - ﷺ -، وإن جعلت ﴿مَا﴾ عبارة عن العذاب الذي كان (٢) يوعدهم به النبي - ﷺ - إن لم يؤمنوا استغنيت عن تقدير حذف المضاف، ويكون المعنى: فحاق بهم الذي كانوا يستهزئون به من العذاب وينكرون وقوعه (٣).
١١ - قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: (سافروا في الأرض، ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾: فاعتبروا، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾: مكذبي الرسل) (٤).
قال قتادة (٥): (دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار). قال مقاتل:
١١ - قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: (سافروا في الأرض، ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾: فاعتبروا، ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾: مكذبي الرسل) (٤).
قال قتادة (٥): (دمر الله عليهم، ثم صيرهم إلى النار). قال مقاتل:
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١، وفيه: (أي لا ترجع عاقبة مكروهة إلا عليهم) ا. هـ.
(٢) في (أ): (الذي كانوا).
(٣) انظر: الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٣، وذكر قول الواحدي السمين في "الدر" ٤/ ٦٥٤٧، و (ما) في قوله: ﴿مَا كَانُوا﴾ موصولة ولا حاجة إلى الإضمار والمعنى، نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به وهو ظاهر كلام الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٣، والزمخشري ٢/ ٧، ورجحه أبو حيان ٤/ ٨٠، وذكر الألوسي في "روح المعاني" ٧/ ١٠٢، أن هذا اختيار الواحدي، وقال بعضهم: (ما) مصدرية، والمعنى: نزل بهم عاقبة أو جزاء أو وبال استهزائهم. "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٦، و"البيان" ١/ ٣١٤، و"التبيان" ص ٣٢٣، و"الفريد" ٢/ ١٢٤.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٦، ففيه نحوه.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٨، بسند جيد.
(٢) في (أ): (الذي كانوا).
(٣) انظر: الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٣، وذكر قول الواحدي السمين في "الدر" ٤/ ٦٥٤٧، و (ما) في قوله: ﴿مَا كَانُوا﴾ موصولة ولا حاجة إلى الإضمار والمعنى، نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به وهو ظاهر كلام الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٣، والزمخشري ٢/ ٧، ورجحه أبو حيان ٤/ ٨٠، وذكر الألوسي في "روح المعاني" ٧/ ١٠٢، أن هذا اختيار الواحدي، وقال بعضهم: (ما) مصدرية، والمعنى: نزل بهم عاقبة أو جزاء أو وبال استهزائهم. "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٦، و"البيان" ١/ ٣١٤، و"التبيان" ص ٣٢٣، و"الفريد" ٢/ ١٢٤.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٢/ ٦، ففيه نحوه.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٨، بسند جيد.
(يحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية). (١)
قال أهل المعاني: (والمكذب قد صار صفة ذم، وإن كان يجوز أن يكذب بالباطل فلا يكون ذمًّا؛ لأنه من أصل فاسد، وهو الكذب، فصار الذم أغلب عليه، كما أن الكفر صفة ذم، مع أنه قد يكفر (٢) بالطاغوت؛ لأنه من أصل فاسد، وهو كفر النعمة) (٣).
١٢ - قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال أهل المعاني: (هذا أمر من الله تعالى لنبيه - ﷺ - بسؤال قومه، وذلك أن السؤال يبعث النفس على طلب الجواب وتبين ما سئل عنه) (٤).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ قال صاحب النظم: (جاء السؤال والجواب من جهة واحدة، وهو محمول على أنه لما أنزل: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قيل لهم ذلك كما أمر به وأنهم أجابوا وقالوا: فلمن هو؟ فجاء الجواب: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾، فهذا جواب عن سؤال مضمر دل عليه الكلام) (٥).
قال أهل المعاني: (والمكذب قد صار صفة ذم، وإن كان يجوز أن يكذب بالباطل فلا يكون ذمًّا؛ لأنه من أصل فاسد، وهو الكذب، فصار الذم أغلب عليه، كما أن الكفر صفة ذم، مع أنه قد يكفر (٢) بالطاغوت؛ لأنه من أصل فاسد، وهو كفر النعمة) (٣).
١٢ - قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال أهل المعاني: (هذا أمر من الله تعالى لنبيه - ﷺ - بسؤال قومه، وذلك أن السؤال يبعث النفس على طلب الجواب وتبين ما سئل عنه) (٤).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ قال صاحب النظم: (جاء السؤال والجواب من جهة واحدة، وهو محمول على أنه لما أنزل: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قيل لهم ذلك كما أمر به وأنهم أجابوا وقالوا: فلمن هو؟ فجاء الجواب: ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾، فهذا جواب عن سؤال مضمر دل عليه الكلام) (٥).
(١) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥١.
(٢) في (أ): (تكفر) وهو تصحيف.
(٣) لم أقف على من ذكر مثل هذا المعنى، وفي القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، قال: (والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله لا من كذب بالباطل) ا. هـ.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٤، و"الرازي" ١٢/ ١٦٤.
(٥) ذكره الكرماني في "غرائب التفسير" ١/ ٣٥٤، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٤٩، عن صاحب النظم، وهو قول أحمد بن فارس في "الصاحبي" ص ٣٩١، وقال السمين: (هذا قول بعيد؛ لأنهم لم يكونوا يشكون في أنه هو الله، وإنما هذا سؤال تبكيت وتوسخ، ولو أجابوا لم يسعهم أن يجيبوا إلا بذلك) ا. هـ وأكثرهم على أن ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ أمر بالجواب عقيب السؤال نيابة عنهم تقريرا لهم وتنبيهًا على أن الجواب متعين بالاتفاق، ولأنه أبلغ في التأثير، وآكد في الحجة. انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٧، وابن =
(٢) في (أ): (تكفر) وهو تصحيف.
(٣) لم أقف على من ذكر مثل هذا المعنى، وفي القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، قال: (والمكذبون هنا من كذب الحق وأهله لا من كذب بالباطل) ا. هـ.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٤، و"الرازي" ١٢/ ١٦٤.
(٥) ذكره الكرماني في "غرائب التفسير" ١/ ٣٥٤، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٤٩، عن صاحب النظم، وهو قول أحمد بن فارس في "الصاحبي" ص ٣٩١، وقال السمين: (هذا قول بعيد؛ لأنهم لم يكونوا يشكون في أنه هو الله، وإنما هذا سؤال تبكيت وتوسخ، ولو أجابوا لم يسعهم أن يجيبوا إلا بذلك) ا. هـ وأكثرهم على أن ﴿قُلْ لِلَّهِ﴾ أمر بالجواب عقيب السؤال نيابة عنهم تقريرا لهم وتنبيهًا على أن الجواب متعين بالاتفاق، ولأنه أبلغ في التأثير، وآكد في الحجة. انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٤، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٠، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٧، وابن =
33
وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ قال ابن عباس: (قضى لنفسه أنه أرحم الراحمين) (١).
وقال أهل المعاني: (٨) أخبر عن عظم ملكه بأن له ما في السموات والأرض ذكر أنه أوجب على نفسه الرحمة؛ تلطفًا في الاستدعاء إلى الإنابة، واستعطافًا للمتولين عنه إلى الإقبال إليه). (٢)
وقوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، الأكثرون على أن هذا ابتداء كلام، واللام فيه لام قسم مضمر، كأنه: والله ليجمعنكم (٣)، وجعل الزجاج ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ متصلًا بما قبل فقال في معنى قوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: (الله عز وجل تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم به وإقدامهم على كبائر ما نهى عنه، بأن أنظرهم وعمَّرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كتبه على نفسه الرحمة) (٤). وعلى هذا قوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ يكون موضعه [نصبا] (٥) بدلاً من ﴿الرَّحْمَةَ﴾، وذلك أنه مفسر للرحمة بالإمهال ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. وذكر الفراء المذهبين (٦) جميعًا فقال: (إن شئت جعلت
وقال أهل المعاني: (٨) أخبر عن عظم ملكه بأن له ما في السموات والأرض ذكر أنه أوجب على نفسه الرحمة؛ تلطفًا في الاستدعاء إلى الإنابة، واستعطافًا للمتولين عنه إلى الإقبال إليه). (٢)
وقوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، الأكثرون على أن هذا ابتداء كلام، واللام فيه لام قسم مضمر، كأنه: والله ليجمعنكم (٣)، وجعل الزجاج ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ متصلًا بما قبل فقال في معنى قوله: ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: (الله عز وجل تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم به وإقدامهم على كبائر ما نهى عنه، بأن أنظرهم وعمَّرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كتبه على نفسه الرحمة) (٤). وعلى هذا قوله تعالى: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ يكون موضعه [نصبا] (٥) بدلاً من ﴿الرَّحْمَةَ﴾، وذلك أنه مفسر للرحمة بالإمهال ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. وذكر الفراء المذهبين (٦) جميعًا فقال: (إن شئت جعلت
= عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٦، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٤، و"البحر" ٤/ ٨١.
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤، وابن الجوزي ٣/ ٩.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣١، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣٠.
(٣) أي جواب قسم محذوف، والجملة لا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلقت به من حيث المعنى، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٧، وابن عطية ٥/ ١٣٩، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٥٠، وابن هشام في "المغني" ٢/ ٤٠٧.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٥) لفظ: (نصبا)، ساقط من (أ).
(٦) "معاني الفراء" ١/ ٣٢٨، ونحوه قال الزجاج ٢/ ٢٣٢، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٨، و"التبيان" ١/ ٣٢٥، و"الفريد" ٢/ ١٢٥.
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤، وابن الجوزي ٣/ ٩.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣١، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣٠.
(٣) أي جواب قسم محذوف، والجملة لا تعلق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلقت به من حيث المعنى، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٧، وابن عطية ٥/ ١٣٩، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٥٠، وابن هشام في "المغني" ٢/ ٤٠٧.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣١ - ٢٣٢.
(٥) لفظ: (نصبا)، ساقط من (أ).
(٦) "معاني الفراء" ١/ ٣٢٨، ونحوه قال الزجاج ٢/ ٢٣٢، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٨، و"التبيان" ١/ ٣٢٥، و"الفريد" ٢/ ١٢٥.
34
﴿الرَّحْمَةَ﴾ غاية الكلام ثم استأنفت بعدها ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، وإن شئت [جعلته] (١) في موضع نصب كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ﴾ الآية [الأنعام: ٥٤]. وعلى هذا يكون قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ جوابًا لقوله: ﴿كُتِبَ﴾؛ لأنه بمعنى أوجب، والقسم يوجب كما يوجب ﴿كُتِبَ﴾، فلما كان معنى قوله: ﴿كُتِبَ﴾، مثل معنى القسم حمل الجواب على معنى القسم، قاله الجرجاني (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [قال الزجاج] (٣): (معناه: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول: قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي: ضممت بينهم في الجمع) (٤).
وقال صاحب النظم: (التأويل: ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة، وقوله: ﴿إِلَى﴾ دليل على معنى التأخير في الجمع إلى هذا اليوم) (٥)، وهذا القول غير ما قال الزجاج في ﴿إِلَى﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [قال الزجاج] (٣): (معناه: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول: قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي: ضممت بينهم في الجمع) (٤).
وقال صاحب النظم: (التأويل: ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة، وقوله: ﴿إِلَى﴾ دليل على معنى التأخير في الجمع إلى هذا اليوم) (٥)، وهذا القول غير ما قال الزجاج في ﴿إِلَى﴾.
(١) (جعلته)، ساقط من (ش).
(٢) لم أقف عليه، وهذا القول هو ظاهر كلام الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٦١، وابن الأنباري في "البيان" ١/ ٣١٥، وانظر: "المشكل" ١/ ٢٤٦، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، و"البحر" ٤/ ٨٢.
(٣) (قال الزجاج): ساقط من (ش).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٢.
(٥) لم أقف عليه. و (إلى) لها عدة معانٍ، كما في "حروف المعاني" للزجاجي ص ٦٥، و"معاني الحروف" للرماني ص ١١٥، و"المغني" لابن هشام ١/ ٧٤، والأظهر هنا قول الجمهور أنها على بابها للغاية، أي: ليجمعنكم منتهين إلى يوم القيامة. وقيل: هي بمعنى في، وقيل: بمعنى اللام، وقيل: زائدة. انظر: البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣١، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، و"البحر" ٤/ ٨٢، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٠.
(٢) لم أقف عليه، وهذا القول هو ظاهر كلام الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٦١، وابن الأنباري في "البيان" ١/ ٣١٥، وانظر: "المشكل" ١/ ٢٤٦، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، و"البحر" ٤/ ٨٢.
(٣) (قال الزجاج): ساقط من (ش).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٢.
(٥) لم أقف عليه. و (إلى) لها عدة معانٍ، كما في "حروف المعاني" للزجاجي ص ٦٥، و"معاني الحروف" للرماني ص ١١٥، و"المغني" لابن هشام ١/ ٧٤، والأظهر هنا قول الجمهور أنها على بابها للغاية، أي: ليجمعنكم منتهين إلى يوم القيامة. وقيل: هي بمعنى في، وقيل: بمعنى اللام، وقيل: زائدة. انظر: البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣١، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٣٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٥، و"البحر" ٤/ ٨٢، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٠.
35
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: بالشرك بالله أوبقوا أنفسهم، وكانوا كمن خسر شيئًا يهلكه. واختلفوا في إعراب ﴿الَّذِينَ﴾، فزعم الأخفش (١): (أن موضعه نصب على البدل من الضمير في: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾، والمعنى: ليجمعن هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾) (٢).
قال أبو إسحاق: (والذي عندي أن قوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في موضع رفع على الابتداء، وخبره: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ لأن قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على الجميع، على ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ وغيرهم (٣).
قال أبو إسحاق: (والذي عندي أن قوله: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ في موضع رفع على الابتداء، وخبره: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ لأن قوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على الجميع، على ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ وغيرهم (٣).
(١) "معاني الأخفش" ٢/ ٢٦٩، وهو قول الطبري في "تفسيره" ١١/ ٢٨١.
(٢) هنا وقع اضطراب في نسخة (أ) ص ١٠٢ حيث جاء باقي التفسير في ١٠٣ ب.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٢، وهو اختيار أكثرهم.
انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، و"غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٤، و"البيان" ١/ ٣١٥، و"التبيان" ١/ ٣٢٥.
وقال الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٢٦: (هذا فيه تأخير السبب وتقديم المسبب، فالأحسن كونه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، والفاء على هذا للعطف) ا. هـ. بتصرف.
وأكثرهم ضعف الوجه الأول؛ لأن القاعدة العامة عند النحاة ألا يبدل مظهر من مضمر بدل كل من غير إحاطة وشمول، وقوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على سائر الخلق الذين خسروا أنفسهم، فلا وجه لاختصاصه بهم، ولا يقال: رأيتك زيدًا على البدل؛ لأن ضمير المخاطب في غاية الوضوح، فلا حاجة إلى البدل منه، أفاده الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٢٦، و"السمين" ٤/ ٥٥١.
وانظر: "الكتاب" ٢/ ٣٨٥ - ٣٨٩، و"المقتضب" ٤/ ٢٩٥ - ٢٩٨، و"الأصول" ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥، و"المقرب" ١/ ٢٤٢، و"البحر" ٤/ ٨٢.
(٢) هنا وقع اضطراب في نسخة (أ) ص ١٠٢ حيث جاء باقي التفسير في ١٠٣ ب.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٢، وهو اختيار أكثرهم.
انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٣٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، و"غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٤، و"البيان" ١/ ٣١٥، و"التبيان" ١/ ٣٢٥.
وقال الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٢٦: (هذا فيه تأخير السبب وتقديم المسبب، فالأحسن كونه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، والفاء على هذا للعطف) ا. هـ. بتصرف.
وأكثرهم ضعف الوجه الأول؛ لأن القاعدة العامة عند النحاة ألا يبدل مظهر من مضمر بدل كل من غير إحاطة وشمول، وقوله: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ مشتمل على سائر الخلق الذين خسروا أنفسهم، فلا وجه لاختصاصه بهم، ولا يقال: رأيتك زيدًا على البدل؛ لأن ضمير المخاطب في غاية الوضوح، فلا حاجة إلى البدل منه، أفاده الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٢٦، و"السمين" ٤/ ٥٥١.
وانظر: "الكتاب" ٢/ ٣٨٥ - ٣٨٩، و"المقتضب" ٤/ ٢٩٥ - ٢٩٨، و"الأصول" ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥، و"المقرب" ١/ ٢٤٢، و"البحر" ٤/ ٨٢.
36
والفاء في قوله ﴿فَهُمْ﴾ (١) تضمن (٢) معنى الشرط والجزاء كقولهم: الذي يكرمني فله درهم، دخلت الفاء؛ لأن الدرهم وجب بالإكرام، فكأن الإكرام شرطًا والدرهم، جزاء، كما تقول: من يأتني فله درهم (٣). ويجوز أن يقال: إن الفاء زائدة، فإنها تزاد في مواضع، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (٤). من ذلك قولهم: زيدًا فاضرب، وقوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)﴾ [المدثر: ٤: ٥]، الفاء هاهنا زائدة (٥).
١٣ - وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال الكلبي: (إن
١٣ - وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ قال الكلبي: (إن
(١) ذكر هذا القول كل من رجح قول الزجاج. وانظر: "تفسير ابن عطية" ٦/ ١٣، والرازي ١٢/ ١٦٦.
(٢) في (ش): (يتضمن).
(٣) الفاء تربط شبه الجواب بشبه الشرط، فيجوز دخول الفاء في خبر الموصول. انظر: "معاني الأخفش" ١/ ١٨٧، و"الأصول" ٢/ ٢٧٢، و"المغني" ١/ ١٦٥.
(٤) انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية ١٧١ ب و١/ ٢٢٣ أ.
(٥) هذا قول ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٨ - ٢٦٠، بتصرف واختصار، وأكثرهم على أن الفاء في ﴿فَهُمْ﴾ رابطة وليست زائدة، وقد اختلف في زيادة الفاء فأجازه الرماني في "معاني الحروف" ص ٤٣ - ٤٧ وابن هشام في "المغني" ١/ ١٦٥ - ١٦٦.
وقال ابن هشام في "الإعراب عن قواعد الإعراب" ص ١٩٨ - ١٠٩: (وينبغي أن يتجنب المعرب أن يقول في حرف في كتاب الله تعالى إنه زائد؛ لأنه يسبق إلى الأذهان أن الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام الله سبحانه منزه عن ذلك، والزائد عند النحويين معناه الذي لم يؤت به إلا لمجرد التقوية والتوكيد لا المهمل، وكثير من المتقدمين يسمون الزائد صلة، وبعضهم يسميه لغوًا، لكن اجتناب هذه العبارة في التنزيل واجب) ا. هـ.
وانظر: "البرهان" للزركشي ١/ ٣٠٥، و"الدر المصون" ٥/ ٢٦٣، و"موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب" لخالد الأزهري ص ١٦٧ - ١٧٠.
(٢) في (ش): (يتضمن).
(٣) الفاء تربط شبه الجواب بشبه الشرط، فيجوز دخول الفاء في خبر الموصول. انظر: "معاني الأخفش" ١/ ١٨٧، و"الأصول" ٢/ ٢٧٢، و"المغني" ١/ ١٦٥.
(٤) انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية ١٧١ ب و١/ ٢٢٣ أ.
(٥) هذا قول ابن جني في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٨ - ٢٦٠، بتصرف واختصار، وأكثرهم على أن الفاء في ﴿فَهُمْ﴾ رابطة وليست زائدة، وقد اختلف في زيادة الفاء فأجازه الرماني في "معاني الحروف" ص ٤٣ - ٤٧ وابن هشام في "المغني" ١/ ١٦٥ - ١٦٦.
وقال ابن هشام في "الإعراب عن قواعد الإعراب" ص ١٩٨ - ١٠٩: (وينبغي أن يتجنب المعرب أن يقول في حرف في كتاب الله تعالى إنه زائد؛ لأنه يسبق إلى الأذهان أن الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام الله سبحانه منزه عن ذلك، والزائد عند النحويين معناه الذي لم يؤت به إلا لمجرد التقوية والتوكيد لا المهمل، وكثير من المتقدمين يسمون الزائد صلة، وبعضهم يسميه لغوًا، لكن اجتناب هذه العبارة في التنزيل واجب) ا. هـ.
وانظر: "البرهان" للزركشي ١/ ٣٠٥، و"الدر المصون" ٥/ ٢٦٣، و"موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب" لخالد الأزهري ص ١٦٧ - ١٧٠.
37
كفار مكة قالوا للنبي - ﷺ -: قد علمنا أنه ما يحملك على ما تفعل إلا الحاجة فنحن نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ (١).
قال ابن الأعرابي (٢): (وله ما حل في الليل والنهار) (٣)، وهذا موافق لقول ابن عباس: (وله ما استقر في الليل والنهار من خلق) (٤).
قال أبو العباس أحمد (٥): (أراد الساكن من الناس والبهائم خاصة، وسكن: هذا بعد تحرك، وإنما معناه -والله أعلم- الخلق) (٦)؛ وهذا مذهب جماعة أن المراد بهذا ما كان من ذي روح، وبه قال مقاتل: (وله مما استقر في الليل والنهار من الدواب والطير في البر والبحر) (٧).
قال ابن الأعرابي (٢): (وله ما حل في الليل والنهار) (٣)، وهذا موافق لقول ابن عباس: (وله ما استقر في الليل والنهار من خلق) (٤).
قال أبو العباس أحمد (٥): (أراد الساكن من الناس والبهائم خاصة، وسكن: هذا بعد تحرك، وإنما معناه -والله أعلم- الخلق) (٦)؛ وهذا مذهب جماعة أن المراد بهذا ما كان من ذي روح، وبه قال مقاتل: (وله مما استقر في الليل والنهار من الدواب والطير في البر والبحر) (٧).
(١) "تنوير المقباس" ٢/ ٧، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ أ، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٦، عن الكلبي عن ابن عباس، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٩ - ١٠، عن ابن عباس.
(٢) ابن الأعرابي: محمد بن زياد الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله الأعرابي الكوفي، إمام ورع ثقة كثير السماع والرواية عالم باللغة والنحو والأدب والتاريخ والنسب، له كتب منها: "النوادر"، و"معاني الشعر"، و"تاريخ القبائل"، و"تفسير الأمثال". توفي سنة ٢٣١ هـ. وله ٨٠ سنة. "طبقات الزبيدي" ص ١٩٥، و"تاريخ بغداد" ٥/ ٢٨٢، و"إنباه الرواة" ٣/ ١٢٨، و"معجم الأدباء" ١٨/ ١٨٩، و"سير أعلام النبلاء" ١٠/ ٦٨٧.
(٣) تهذيب اللغة ٢/ ١٧٢٤ (سكن).
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ٧، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٢٤ (سكن).
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٢.
(٢) ابن الأعرابي: محمد بن زياد الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله الأعرابي الكوفي، إمام ورع ثقة كثير السماع والرواية عالم باللغة والنحو والأدب والتاريخ والنسب، له كتب منها: "النوادر"، و"معاني الشعر"، و"تاريخ القبائل"، و"تفسير الأمثال". توفي سنة ٢٣١ هـ. وله ٨٠ سنة. "طبقات الزبيدي" ص ١٩٥، و"تاريخ بغداد" ٥/ ٢٨٢، و"إنباه الرواة" ٣/ ١٢٨، و"معجم الأدباء" ١٨/ ١٨٩، و"سير أعلام النبلاء" ١٠/ ٦٨٧.
(٣) تهذيب اللغة ٢/ ١٧٢٤ (سكن).
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ٧، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٢٤ (سكن).
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٢.
38
قال أبو روق (من الخلق ما يستقر نهارًا وينتشر ليلاً، ومنها ما هو على الضد) (١).
وقال بعضهم: (هذا عام في جميع المخلوقات؛ لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكن في الليل والنهار، على معنى أنهما يشملانه ويمران عليه) (٢)، وهذا مذهب عبد العزيز بن يحيى (٣) ومحمد بن جرير (٤) (٥)؛ قال عبد العزيز: (كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكني الليل والنهار) (٦)؛ وعلى هذا ليس المراد بالسكون في الآية الذي هو ضد الحركة، بل المراد به الحلول، كما قاله ابن الأعرابي من قولهم: فلان (٧) يسكن بلد كذا إذا كان يحله (٨).
وقال بعضهم: (هذا عام في جميع المخلوقات؛ لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكن في الليل والنهار، على معنى أنهما يشملانه ويمران عليه) (٢)، وهذا مذهب عبد العزيز بن يحيى (٣) ومحمد بن جرير (٤) (٥)؛ قال عبد العزيز: (كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكني الليل والنهار) (٦)؛ وعلى هذا ليس المراد بالسكون في الآية الذي هو ضد الحركة، بل المراد به الحلول، كما قاله ابن الأعرابي من قولهم: فلان (٧) يسكن بلد كذا إذا كان يحله (٨).
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ أ، وهو قول مقاتل ١/ ٥٥٢.
(٢) (عليه) ساقط من (أ)، وقال القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٦: (هذا أحسن ما قيل؛ لأنه يجمع شتات الأقوال) ا. هـ.
(٣) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم الكناني المكي، إمام فاضل فقيه مناظر من تلاميذ الشافعي، يُنسب له كتاب "الحيدة" مطبوع. توفي سنة ٢٤٠ هـ انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٤٤٩، و"ميزان الاعتدال" ٢/ ٦٣٩، و"طبقات السبكي" ٢/ ١٤٤، و"طبقات الأسنوي" ١/ ٤١، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ٥٩٨، و"الأعلام" ٤/ ٢٩.
(٤) محمَّد بن جرير الطبري صاحب التفسير.
(٥) "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٨.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ أ.
(٧) انظر: "العين" ٥/ ٣١٢، و"الجمهرة" ٢/ ٨٥٥، و"الصحاح" ٥/ ٢١٣٦، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٨٨، و"المفردات" ص ٤١٧، و"اللسان" ٤/ ٢٠٥٢ (سكن).
(٨) هذا القول هو الراجح عند أكثر المفسرين. انظر: الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٨، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٤١، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٨، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٦، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤١. وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦، عن أهل المعاني.
(٢) (عليه) ساقط من (أ)، وقال القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٦: (هذا أحسن ما قيل؛ لأنه يجمع شتات الأقوال) ا. هـ.
(٣) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم الكناني المكي، إمام فاضل فقيه مناظر من تلاميذ الشافعي، يُنسب له كتاب "الحيدة" مطبوع. توفي سنة ٢٤٠ هـ انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٤٤٩، و"ميزان الاعتدال" ٢/ ٦٣٩، و"طبقات السبكي" ٢/ ١٤٤، و"طبقات الأسنوي" ١/ ٤١، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ٥٩٨، و"الأعلام" ٤/ ٢٩.
(٤) محمَّد بن جرير الطبري صاحب التفسير.
(٥) "تفسير الطبري" ٧/ ١٥٨.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ أ.
(٧) انظر: "العين" ٥/ ٣١٢، و"الجمهرة" ٢/ ٨٥٥، و"الصحاح" ٥/ ٢١٣٦، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٨٨، و"المفردات" ص ٤١٧، و"اللسان" ٤/ ٢٠٥٢ (سكن).
(٨) هذا القول هو الراجح عند أكثر المفسرين. انظر: الزمخشري في "الكشاف" ٢/ ٨، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٤١، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٨، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٦، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤١. وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦، عن أهل المعاني.
39
وقال جماعة من أصحاب المعاني: (في الآية محذوف، والتقدير: وله ما سكن وتحرك في الليل والنهار، كقوله تعالى: ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أراد: الحر والبرد، فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر؛ لأنه يعرف ذلك بقرينته، كذلك هاهنا حذف ذكر الحركة واقتصر على السكون؛ لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة (١).
قال أبو إسحاق: (هذا أيضًا احتجاج على المشركين؛ لأنهم لم ينكروا أن ما استقر في الليل والنهار لله الذي هو خالقه ومدبره، والذي هو كذلك قادر على إحياء الموتى) (٢).
١٤ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خالقهما، ابتدأ على غير مثال سبق، والفطرة ابتداء الخلقة. قال ابن عباس: (كنت ما أدري ما فاطر السموات حتى احتكم إلى أعرابيان في بئر، قال أحدهما: أنا فطرتها، وأنا ابتدأت حفرها) (٣).
قال أبو إسحاق: (هذا أيضًا احتجاج على المشركين؛ لأنهم لم ينكروا أن ما استقر في الليل والنهار لله الذي هو خالقه ومدبره، والذي هو كذلك قادر على إحياء الموتى) (٢).
١٤ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خالقهما، ابتدأ على غير مثال سبق، والفطرة ابتداء الخلقة. قال ابن عباس: (كنت ما أدري ما فاطر السموات حتى احتكم إلى أعرابيان في بئر، قال أحدهما: أنا فطرتها، وأنا ابتدأت حفرها) (٣).
(١) لم أجده بنصه في كتب المعاني ولكن معناه عند أكثرهم. انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٣٥٤، و"تفسير البغوي" ١/ ١٣١، و"زاد المسير" ٣/ ١٠، و"البحر المحيط" ٤/ ٨٣ - ٨٤، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٣ - ٥٥٤، و"تفسير البيضاوي" ١/ ١٣٤.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٣٢، وذكر نحوه النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٥.
(٣) أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ٢٠٦، وفي "غريب الحديث" ٢/ ٣٨٨، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٩، قال ابن حجر في "الكافي الشافي" ص ٦١، والمناوي في "الفتح السماوي" ٢/ ٦٠٢: إسناده حسن ليس فيه إلا إبراهيم بن مهاجر. ا. هـ. وإبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي مختلف فيه، قال ابن حجر في "التقريب" (٢٥٤): صدوق لين الحفظ. ا. هـ. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٤ من طريق آخر ضعيف، ومن طريق إبراهيم بن مهاجر أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٩ عن ابن عباس قال: فاطر السموات والأرض، =
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٣٢، وذكر نحوه النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٠٥.
(٣) أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ٢٠٦، وفي "غريب الحديث" ٢/ ٣٨٨، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٥٩، قال ابن حجر في "الكافي الشافي" ص ٦١، والمناوي في "الفتح السماوي" ٢/ ٦٠٢: إسناده حسن ليس فيه إلا إبراهيم بن مهاجر. ا. هـ. وإبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي مختلف فيه، قال ابن حجر في "التقريب" (٢٥٤): صدوق لين الحفظ. ا. هـ. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص ٤٤ من طريق آخر ضعيف، ومن طريق إبراهيم بن مهاجر أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٦٩ عن ابن عباس قال: فاطر السموات والأرض، =
40
وقرأت على أبي الفضل العروض -رحمه الله (١) - فقلت: أخبركم الأزهري قال: أخبرني المنذري (٢) عن أبي العباس أنه سمع ابن الأعرابي يقول: (أنا أول من فطر هذا، أي: ابتدأه) (٣). وقال ابن الأنباري (٤): (أصل الفطر شق الشيء عند ابتدائه) (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يريد: خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يكون فيه الشق والتأليف عند ضم بعض الأشياء إلى بعض، فلما كان الأصل للشق جاز أن يكون في حال شق إصلاح وفي حال أخرى شق إفساد، ففاطر السموات من الإصلاح لا غير، وقوله: ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣]، و ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] من
وقوله تعالى: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يريد: خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يكون فيه الشق والتأليف عند ضم بعض الأشياء إلى بعض، فلما كان الأصل للشق جاز أن يكون في حال شق إصلاح وفي حال أخرى شق إفساد، ففاطر السموات من الإصلاح لا غير، وقوله: ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣]، و ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] من
= أي: بديع السماوت والأرض. ا. هـ وذكر الأول أكثرهم. انظر: "الجمهرة" ٢/ ٧٥٥، و"الصحاح" ٢/ ٧٨١، (فطر)، و"تفسير الثعلبي" ص ١٧٦/ أ، و"تفسير الماوردي" ٢/ ٩٧، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٤١، و"تفسير ابن الجوزي" ٣/ ١١، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٨.
(١) أبو الفضل العروضي: أحمد بن محمد بن عبد الله الصفار، إمام تقدمت ترجمته.
(٢) المنذري: محمد بن أبي جعفر المنذري، أبو الفضل الهروي، تقدمت ترجمته.
(٣) "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٦ (فطر).
(٤) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٨.
(٥) أهل اللغة والتفسير على أن الفطر بمعنى الشق والخلق والإنشاء. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٧، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٤، و"الجمهرة" ٢/ ٧٥٥، و"المجمل" ٣/ ٧٢٣، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٥١٠، و"اللسان" ٦/ ٣٤٣٢ (فطر). وقال السمين في "الدر" ٤/ ٥٥٦: (الفطر: الشق مطلقًا، وقيده الواحدي بشق الشيء عند ابتدائه) ا. هـ. وأكثرهم قيده بذلك. انظر: "العين" ٧/ ٤١٧، و"تفسير غريب القرآن" ص ١/ ١٥١، والطبري في "تفسيره" ١/ ١٥٩، و"نزهة القلوب" ص ٣٥٢، و"الصحاح" ٢/ ٧٨١، (فطر) "تفسير الماوردى" ٢/ ٩٨، و"النهاية" لابن الأثير ٣/ ٣٥٧.
(١) أبو الفضل العروضي: أحمد بن محمد بن عبد الله الصفار، إمام تقدمت ترجمته.
(٢) المنذري: محمد بن أبي جعفر المنذري، أبو الفضل الهروي، تقدمت ترجمته.
(٣) "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٢٦ (فطر).
(٤) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٨.
(٥) أهل اللغة والتفسير على أن الفطر بمعنى الشق والخلق والإنشاء. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٧، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٤، و"الجمهرة" ٢/ ٧٥٥، و"المجمل" ٣/ ٧٢٣، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٥١٠، و"اللسان" ٦/ ٣٤٣٢ (فطر). وقال السمين في "الدر" ٤/ ٥٥٦: (الفطر: الشق مطلقًا، وقيده الواحدي بشق الشيء عند ابتدائه) ا. هـ. وأكثرهم قيده بذلك. انظر: "العين" ٧/ ٤١٧، و"تفسير غريب القرآن" ص ١/ ١٥١، والطبري في "تفسيره" ١/ ١٥٩، و"نزهة القلوب" ص ٣٥٢، و"الصحاح" ٢/ ٧٨١، (فطر) "تفسير الماوردى" ٢/ ٩٨، و"النهاية" لابن الأثير ٣/ ٣٥٧.
41
الإفساد، وأصلهما واحد (١).
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ قال السدي: وهو يرزق ولا يُرْزَق. (٢)
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: وقيل لي ذلك وصارت ﴿أُمِرْتُ﴾ (٣) بدلاً من ذلك؛ لأنه حين قال: ﴿أُمِرْتُ﴾ أخبر أنه قيل له ذلك، فقوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ معطوف على ما قبله في المعنى؛ لأن معنى ﴿أُمِرْتُ﴾: قيل لي (٤). والآية حجة على المشركين من جهة أن من يُطْعَم هذا العالم الذي فطره، ولا يُطْعَم لغناه عن كل شيء، فواجب أن يستنصر منه ويؤمل النفع منه لا من غيره (٥).
١٦ - قوله تعالى: ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾ وقرأ (٦) حمزة والكسائي ﴿يُصْرَفْ﴾ بفتح الياء وكسر الراء، وفاعل الصرف على هذه القراءة الضمير
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ قال السدي: وهو يرزق ولا يُرْزَق. (٢)
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: وقيل لي ذلك وصارت ﴿أُمِرْتُ﴾ (٣) بدلاً من ذلك؛ لأنه حين قال: ﴿أُمِرْتُ﴾ أخبر أنه قيل له ذلك، فقوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ معطوف على ما قبله في المعنى؛ لأن معنى ﴿أُمِرْتُ﴾: قيل لي (٤). والآية حجة على المشركين من جهة أن من يُطْعَم هذا العالم الذي فطره، ولا يُطْعَم لغناه عن كل شيء، فواجب أن يستنصر منه ويؤمل النفع منه لا من غيره (٥).
١٦ - قوله تعالى: ﴿مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ﴾ وقرأ (٦) حمزة والكسائي ﴿يُصْرَفْ﴾ بفتح الياء وكسر الراء، وفاعل الصرف على هذه القراءة الضمير
(١) ذكر نحوه الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٣٣، والراغب في "المفردات" ص ٦٤٠، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٦٩.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٥٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٠ بسند جيد.
(٣) (أمرت) ساقط من: (ش).
(٤) هذا قول الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٠، والطبري في "تفسيره" ٤/ ١٥٩، وذكره أكثر أهل التفسير. انظر: "غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٣٥٤، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٢، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٤٣، و"زاد المسير" ٣/ ١١، و"التبيان" للعكبري ١/ ٣٢٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٧، و"البحر المحيط" ٤/ ٨٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٨.
(٥) هذا معنى قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٣٣.
(٦) قرأ حمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم (يَصْرِفْ) بفتح الياء وكسر الراء، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الراء. انظر: "السبعة" ص ٢٥٤، و"المبسوط" ص ١٦٦، و"التذكرة" ٢/ ٣٧٥، و"التيسير" ص ١٠١، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٥٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٠ بسند جيد.
(٣) (أمرت) ساقط من: (ش).
(٤) هذا قول الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٠، والطبري في "تفسيره" ٤/ ١٥٩، وذكره أكثر أهل التفسير. انظر: "غرائب التفسير" للكرماني ١/ ٣٥٤، والزمخشري في "تفسيره" ٢/ ٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٢، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٤٣، و"زاد المسير" ٣/ ١١، و"التبيان" للعكبري ١/ ٣٢٦، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٧، و"البحر المحيط" ٤/ ٨٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٨.
(٥) هذا معنى قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٣٣.
(٦) قرأ حمزة والكسائي، وأبو بكر عن عاصم (يَصْرِفْ) بفتح الياء وكسر الراء، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الراء. انظر: "السبعة" ص ٢٥٤، و"المبسوط" ص ١٦٦، و"التذكرة" ٢/ ٣٧٥، و"التيسير" ص ١٠١، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
42
العائد إلى ﴿رَبِّي﴾ من قوله تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾، على تقدير: من يصرف هو يومئذ عنه العذاب. وحجة هذه القراءة قوله فيما بعده: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾، فلما كان ما بعده فعلًا مسندًا إلى ضمير اسم الله سبحانه، وجب أن يكون هذا أيضاً مسندًا إليه، ليتفق الفعلان في الإسناد إلى هذا الضمير، والضمير العائد إلى العذاب محذوف، والمعنى: من يصرف عنه كما هو في قراءة أُبيّ (من يصرفه) (١) بإثبات الهاء، وليس حذف هذا الضمير بالسهل؛ لأن ﴿مِنْ﴾ هاهنا جزاء وليس بموصول، فيحسن حذف العائد من الصلة، على أن الضمير إنما يحذف من الصلة إذا عاد إلى الموصول نحو: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان: ٤١] ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩] أي: بعثه واصطفاهم، ولا يعود الضمير المحذوف هاهنا إلى موصول ولا إلى ﴿مِنْ﴾ التي للجزاء، إنما يرجع إلى العذاب من قوله: ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، والذي يحمل عليه حذف هذا الضمير من يصرفه أنه لما كان في حيز الجزاء، وكان ما في حيزه في أنه لا يتسلط على ما تقدمه بمنزلة ما في الصلة في أنه لا يجوز تسلطه على الموصول، فحسن حذف الهاء منه، كما حسن حذفها من الصلة.
ومن قرأ ﴿يُصْرَفْ﴾ (٢) فالمسند إليه الفعل المبني للمفعول ضمير العذاب المتقدم ذكره. ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
ومن قرأ ﴿يُصْرَفْ﴾ (٢) فالمسند إليه الفعل المبني للمفعول ضمير العذاب المتقدم ذكره. ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
(١) ذكرها أكثرهم، ففي "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٨٦: (من يصرفه عنه)، وفي "مختصر الشواذ" ص ٤٢، و"الكشف" لمكي ١/ ٤٢٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٧، (من يصرفه الله عنه)، وفي "الكشاف" ٢/ ٩، و"البحر" ٤/ ٨٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٩، (من يصرف الله عنه)، وذكر ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٤٤، (من يصرفه الله عنه. وقيل: من يصرف الله عنه) ا. هـ.
(٢) أي بضم الياء وفتح الراء.
(٢) أي بضم الياء وفتح الراء.
43
مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: ٨]، ألا ترى أن الفعل بُني للمفعول به (١). قال أهل المعاني في هذه الآية: (من يصرف عنه العذاب يومئذ فقد أوجب الله له الرحمة بالثواب لا محالة، فذكر الرحمة مع صرف العذاب؛ لئلا يتوهم أنه ليس [له] (٢) إلا صرف العذاب عنه فقط) (٣).
١٧ - وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ﴾ الآية [إن] (٤) قيل: إن المس من صفة الأجسام فكيف قال: ﴿يَمْسَسْكَ اللَّهُ﴾؟ والجواب: أن يقال: الباء في بالضر للتعدية، والباء والألف يتعاقبان في التعدية، والمعنى: إن أمسك ضرًا أي: جعله يمسك، فالفعل للضر، وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسم الله تعالى كما أنك إذا قلت: ذهب عمر وزيد، كان الذهاب فعلًا لزيد غير أن عمرًا (٥) هو المسبب له والحامل عليه. كذلك هاهنا المس للضر، والله تعالى جعله ماسًّا (٦).
١٧ - وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ﴾ الآية [إن] (٤) قيل: إن المس من صفة الأجسام فكيف قال: ﴿يَمْسَسْكَ اللَّهُ﴾؟ والجواب: أن يقال: الباء في بالضر للتعدية، والباء والألف يتعاقبان في التعدية، والمعنى: إن أمسك ضرًا أي: جعله يمسك، فالفعل للضر، وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسم الله تعالى كما أنك إذا قلت: ذهب عمر وزيد، كان الذهاب فعلًا لزيد غير أن عمرًا (٥) هو المسبب له والحامل عليه. كذلك هاهنا المس للضر، والله تعالى جعله ماسًّا (٦).
(١) ما تقدم قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٢٨٥ - ٢٨٧، مع بعض التصرف والاختصار. وانظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٠، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٩، و"معاني القراءات" ١/ ٣٤٦، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٢، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٦، ولابن زنجلة ص ٢٤٣، و"الكشف" ١/ ٤٢٥، و"الدر المصون" ٤/ ٥٥٩.
(٢) (له) ساقط من (ش).
(٣) لم أقف على من ذكر هذا المعنى. وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٤٤، و"الفخر الرازي" ١٢/ ١٧٠.
(٤) (إن) ساقط من (ش).
(٥) في (أ): (أن عمروًا).
(٦) رجح أبو حيان في "البحر" ٤/ ٨٧، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٦٤، أن الباء هنا للتعدية، وذكر قول الواحدي "السمين"، وانظر: القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٨.
(٢) (له) ساقط من (ش).
(٣) لم أقف على من ذكر هذا المعنى. وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٤٤، و"الفخر الرازي" ١٢/ ١٧٠.
(٤) (إن) ساقط من (ش).
(٥) في (أ): (أن عمروًا).
(٦) رجح أبو حيان في "البحر" ٤/ ٨٧، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٦٤، أن الباء هنا للتعدية، وذكر قول الواحدي "السمين"، وانظر: القرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٨.
والضر اسم جامع لكل ما يتضرر به الإنسان من فقر ومرض (١) وزمانة، كما أن الخير جامع لكل ما ينتفع به الإنسان (٢).
١٨ - وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ قال الليث: (القهر: الغلبة والأخذ من فوق، والله القاهر القهار، قهر (٣) خلقه بقدرته وسلطانه، فصيرهم على ما أراد طوعًا وكرهًا. يقال: أخذت الشيء قهرًا إذا أخذته دون رضا صاحبه). ومعنى ﴿الْقَاهِرُ﴾ في صفة الله تعالى يعود إلى أنه القادر الذي لا يعجزه شيء (٤).
ومعنى ﴿فَوْقَ﴾ هاهنا أن قهره قد استعلى عليهم، فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم من الاقتدار الذي لا ينفك منه أحد (٥).
١٨ - وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ قال الليث: (القهر: الغلبة والأخذ من فوق، والله القاهر القهار، قهر (٣) خلقه بقدرته وسلطانه، فصيرهم على ما أراد طوعًا وكرهًا. يقال: أخذت الشيء قهرًا إذا أخذته دون رضا صاحبه). ومعنى ﴿الْقَاهِرُ﴾ في صفة الله تعالى يعود إلى أنه القادر الذي لا يعجزه شيء (٤).
ومعنى ﴿فَوْقَ﴾ هاهنا أن قهره قد استعلى عليهم، فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم من الاقتدار الذي لا ينفك منه أحد (٥).
(١) قال أهل اللغة: الضر، بالضم: سوء الحال، وبالفتح: ضد النفع. وبعضهم قال: هما لغتان. انظر: "العين" ٧/ ٦، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٨، و"الصحاح" ٢/ ٧١٩، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٣٦٠ "مجمل اللغة" ٢/ ٥٦١، و"المفردات" ص ٥٠٣، و"اللسان" ٥/ ٢٥٧٣ (ضر).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٩٦٠، و"الصحاح" ٢/ ٦٥١، و"مجمل اللغة" ٢/ ٣٠٨، و"المفردات" ص ٣٠٠، و"اللسان" ٣/ ١٣٠٠ (خير).
(٣) في النسخ: -وهو خلقه- وهو تحريف، والصواب ما أثبته من نص قول الليث في في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٨، وانظر: "الجمهرة" ٣/ ٧٩٧، و"الصحاح" ٢/ ٨٠١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٥، و"المجمل" ٣/ ٧٣٦، و"المفردات" ص ٦٨٧، و"اللسان" ٦/ ٣٧٦٤ (قهر).
(٤) انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٣٨، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص٨٢، وص ٥٢٥ - ٥٣٠، و"المقصد الأسنى" للغزالي ص ٧٧، و"شرح أسماء الله الحسنى" للرازي ص ٢٢٠، و"الحق الواضح المبين" للسعدي ص ٧٥، و"شرح أسماء الله الحسنى" للقحطاني ص ١٢٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦١، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٧، و"تفسير المارودي" ٢/ ٩٩، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٤٧، والقرطبي ٦/ ٣٩٩. وما ذكره =
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٩٦٠، و"الصحاح" ٢/ ٦٥١، و"مجمل اللغة" ٢/ ٣٠٨، و"المفردات" ص ٣٠٠، و"اللسان" ٣/ ١٣٠٠ (خير).
(٣) في النسخ: -وهو خلقه- وهو تحريف، والصواب ما أثبته من نص قول الليث في في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٨، وانظر: "الجمهرة" ٣/ ٧٩٧، و"الصحاح" ٢/ ٨٠١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٥، و"المجمل" ٣/ ٧٣٦، و"المفردات" ص ٦٨٧، و"اللسان" ٦/ ٣٧٦٤ (قهر).
(٤) انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٣٨، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص٨٢، وص ٥٢٥ - ٥٣٠، و"المقصد الأسنى" للغزالي ص ٧٧، و"شرح أسماء الله الحسنى" للرازي ص ٢٢٠، و"الحق الواضح المبين" للسعدي ص ٧٥، و"شرح أسماء الله الحسنى" للقحطاني ص ١٢٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦١، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٧، و"تفسير المارودي" ٢/ ٩٩، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٤٧، والقرطبي ٦/ ٣٩٩. وما ذكره =
و ﴿الْخَبِيرُ﴾ العالم بالشي. وتأويله: أنه العالم بما يصح أن يخبر به، والخبر (١) علمك بالشيء، تقول: لي به خبر، أي: علم، وأصله (٢) من الخبر؛ لأنه طريق من طرق العلم.
١٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ الآية، قال المفسرون: (قال أهل مكة للنبي - ﷺ -: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة، فإن اليهود والنصارى ينكرونك (٣)، فنزلت هذه الآية (٤).
قال أصحاب المعاني: (في هذه الآية دلالة أن (شيئًا) من أسماء الله (٥) عز وجل، وأنه يجوز أن يسمى شيئًا؛ لأن قوله: ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ جاء
١٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ الآية، قال المفسرون: (قال أهل مكة للنبي - ﷺ -: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة، فإن اليهود والنصارى ينكرونك (٣)، فنزلت هذه الآية (٤).
قال أصحاب المعاني: (في هذه الآية دلالة أن (شيئًا) من أسماء الله (٥) عز وجل، وأنه يجوز أن يسمى شيئًا؛ لأن قوله: ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ جاء
= الواحدي مجاز وهو قول المؤولة الذين ينفون عن الله تعالى العلو الذي أثبته لنفسه، ومذهب أهل السنة والجماعة أن حقيقة الفوقية علو ذات الشيء على غيره، فالحق أنه تعالى مستعل على كل شيء بذاته وقدرته وقهره. انظر: "مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" ٢/ ٢٠٥ - ٢١٧.
(١) جاء في "اللسان" ٤/ ١٠٩٠: (خِبر) بكسر الخاء وضمها: العلم بالشيء). وانظر: "العين" ٤/ ٢٥٨، و"الجمهرة" ١/ ٢٨٧، و"الصحاح" ٢/ ٦٤١، و"المجمل" ٢/ ٣١٠، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٣٩، و"المفردات" ص ٢٧٣ (خبر).
(٢) قال أبو علي الفارسي في "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٤٥ (الخبير عندنا من الخبر الذي يسمع؛ لأن معنى الخبير العالم) ا. هـ. وانظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٢٧، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص ١/ ١٢٥، و"المقصد الأسنى" للغزالي ص ٩٣، و"شرح أسماء الله الحسنى" ص ٣٤٨.
(٣) في (ش): (ينكرون)، وهو تحريف.
(٤) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٧، و"تفسير الثعلبي" ١٧٦ أو"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٠، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢١٦، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٥، وأكثرهم ذكره عن الكلبي، وبعضهم عن ابن عباس والحسن.
(٥) في (ش): (الله تعالى).
(١) جاء في "اللسان" ٤/ ١٠٩٠: (خِبر) بكسر الخاء وضمها: العلم بالشيء). وانظر: "العين" ٤/ ٢٥٨، و"الجمهرة" ١/ ٢٨٧، و"الصحاح" ٢/ ٦٤١، و"المجمل" ٢/ ٣١٠، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٢٣٩، و"المفردات" ص ٢٧٣ (خبر).
(٢) قال أبو علي الفارسي في "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٤٥ (الخبير عندنا من الخبر الذي يسمع؛ لأن معنى الخبير العالم) ا. هـ. وانظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٢٧، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ص ١/ ١٢٥، و"المقصد الأسنى" للغزالي ص ٩٣، و"شرح أسماء الله الحسنى" ص ٣٤٨.
(٣) في (ش): (ينكرون)، وهو تحريف.
(٤) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٧، و"تفسير الثعلبي" ١٧٦ أو"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٠، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢١٦، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٥، وأكثرهم ذكره عن الكلبي، وبعضهم عن ابن عباس والحسن.
(٥) في (ش): (الله تعالى).
46
جوابه ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ (١)، ومعنى الشهادة البينة من طريق المشاهدة، ونظم هذه الآية مثل نظم قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية [الأنعام: ١٢]، وقد ذكرناه (٢). وقال مجاهد: (أمر أن يسأل قريشًا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾) (٣).
وقال أبو إسحاق: (أمر الله عز وجل نبيه بأن يحتج عليهم ويعلمهم أن شهادة الله عز وجل بأنه واحد، وإقامة البراهين في توحيده ونبوة نبيه أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له أنه رسول الله، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي: الله الذي اعترفتم بأنه خالق السموات والأرض والظلمات والنور). (٤)
وقال أبو إسحاق: (أمر الله عز وجل نبيه بأن يحتج عليهم ويعلمهم أن شهادة الله عز وجل بأنه واحد، وإقامة البراهين في توحيده ونبوة نبيه أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له أنه رسول الله، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي: الله الذي اعترفتم بأنه خالق السموات والأرض والظلمات والنور). (٤)
(١) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٥ - ٣٥٦، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٥٠، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٦، وقال البخاري في "صحيحه"، و"كتاب التوحيد"، باب ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾، وسمى الله تعالى نفسه شيئًا ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ ا. هـ. وانظر: شرحه في "فتح الباري" ١٣/ ٤٠٢، وحكى الغزالي في "المقصد الأسنى" ص ١٤٨، والرازي في "شرح أسماء الله الحسنى" ص ٣٥٤، الاتفاق على ذلك.
(والظاهر أنه من باب الإخبار فيصح أن يخبر عنه بالشيء لكنه شيء كامل، ولا يقال شيء على سبيل الإطلاق فقط، فهو ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه لا بد أن تتضمن أسماء الله معاني حسنى، لكن يصح أن يخبر عن الله بأنه شيء، ولكن لا يدعى به ولا يسمى به): أفاده ابن تيمية في "لفتاوى" ٦/ ٧٣، وابن القيم في "بدائع الفوائد" ١/ ١٦٢، ومحمد بن صالح العثيمين في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" ص ١٠١.
(٢) جاء في النسخ (وقد ذكرنا) ثم صحح في أعلى السطر من (أ).
(٣) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٢، وأخرجه الطبري ٧/ ١٦٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ٢/ ٤٣، من طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٢.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٤.
(والظاهر أنه من باب الإخبار فيصح أن يخبر عنه بالشيء لكنه شيء كامل، ولا يقال شيء على سبيل الإطلاق فقط، فهو ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه لا بد أن تتضمن أسماء الله معاني حسنى، لكن يصح أن يخبر عن الله بأنه شيء، ولكن لا يدعى به ولا يسمى به): أفاده ابن تيمية في "لفتاوى" ٦/ ٧٣، وابن القيم في "بدائع الفوائد" ١/ ١٦٢، ومحمد بن صالح العثيمين في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" ص ١٠١.
(٢) جاء في النسخ (وقد ذكرنا) ثم صحح في أعلى السطر من (أ).
(٣) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٢، وأخرجه الطبري ٧/ ١٦٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص ٢/ ٤٣، من طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٢.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٤.
47
وقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾، هذا احتجاج للنبي - ﷺ - على من أنكر نبوته؛ لأنه لم يأت أحد بمثله في إخباره عما سيكون وكان حقًّا، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]، فعصمه حين لم يقتل مع تظاهر أعدائه عليه، وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] ثم أظهر دين الإِسلام على سائر الأديان، وقال لليهود -وكانوا أعز قوم في وقتهم-: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [البقرة: ٦١]، فهم أذلاء إلى يوم القيامة (١).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ قال ابن عباس: (يريد من أمتي إلى يوم القيامة) (٢).
قال الفراء: (والمعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم. و ﴿بَلَغَ﴾: صلة لمن، ونصبت ﴿مَنْ﴾ بالإنذار) (٣)، والعائد إلى الموصول محذوف (٤)، كقولك: الذي رأيت زيد، ومن ضربت عمرو، وقد مرَّ قبيل، والعلماء على أن من بلغته آية من كتاب الله فهو ممن بلغته الدعوة (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ قال ابن عباس: (يريد من أمتي إلى يوم القيامة) (٢).
قال الفراء: (والمعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم. و ﴿بَلَغَ﴾: صلة لمن، ونصبت ﴿مَنْ﴾ بالإنذار) (٣)، والعائد إلى الموصول محذوف (٤)، كقولك: الذي رأيت زيد، ومن ضربت عمرو، وقد مرَّ قبيل، والعلماء على أن من بلغته آية من كتاب الله فهو ممن بلغته الدعوة (٥).
(١) هذا قول الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٣٤.
(٢) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٢٠، بلا نسبة، وأخرج الطبري ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٤ بسند جيد عنه في الآية قال: (يعني أهل مكة ومن بلغه هذا القرآن فهو له نذير) ا. هـ.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٢٩.
(٤) هذا قول الجمهور والتقدير: ولأنذر الذي بلغه القرآن، حذف العائد لاستعمال العرب ذلك ولدلالة الكلام عليه. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، و"إعراب النحاس" ٢/ ٥٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، ابن عطية ٥/ ١٥١، و"البحر" ٤/ ٩١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٦٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، والبغوي ٣/ ١٣٣، وابن كثير ٢/ ١٤٢.
(٢) ذكره المؤلف في "الوسيط" ١/ ٢٠، بلا نسبة، وأخرج الطبري ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧١، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٤ بسند جيد عنه في الآية قال: (يعني أهل مكة ومن بلغه هذا القرآن فهو له نذير) ا. هـ.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٢٩.
(٤) هذا قول الجمهور والتقدير: ولأنذر الذي بلغه القرآن، حذف العائد لاستعمال العرب ذلك ولدلالة الكلام عليه. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، و"إعراب النحاس" ٢/ ٥٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، ابن عطية ٥/ ١٥١، و"البحر" ٤/ ٩١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٦٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، والبغوي ٣/ ١٣٣، وابن كثير ٢/ ١٤٢.
48
وكان مجاهد يقول: (حيث ما يأتي القرآن فهو داع ونذير)، ثم يقرأ هذ الآية (١).
وقال القرظي (٢): (من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدًا - ﷺ - وسمع منه) (٣). وقال النحاس (٤): ([و] (٥) فيه قول آخر: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي: [و] (٦) من احتلم) (٧)، فلا يكون إضمار الهاء. والعلماء (٨) والمفسرون على القول الأول [وهو منفرد بهذا القول (٩)].
وقوله تعالى: ﴿[أَئِنَّكُمْ] (١٠) لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى﴾ هذا استفهام معناه الجحد والإنكار.
وقال القرظي (٢): (من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدًا - ﷺ - وسمع منه) (٣). وقال النحاس (٤): ([و] (٥) فيه قول آخر: ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي: [و] (٦) من احتلم) (٧)، فلا يكون إضمار الهاء. والعلماء (٨) والمفسرون على القول الأول [وهو منفرد بهذا القول (٩)].
وقوله تعالى: ﴿[أَئِنَّكُمْ] (١٠) لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى﴾ هذا استفهام معناه الجحد والإنكار.
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٣، بسند ضعيف، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ أ، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٠، والسيوطي في "الدر" ٣/ ١٣.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧١ من طرق يقوي بعضها بعضًا، وهو في "تفسير مجاهد" ١/ ٢٣١، عن محمد بن كعب. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٣.
(٤) هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي، أبو جعفر المصري المشهور بالنحاس.
(٥) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٦) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٧) "معاني النحاس" ٢/ ٤٠٦، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٩، و"القطع والائتناف" ١/ ٢٢١، وذكر هذا القول مكي في "المشكل" ١/ ٢٤٧، وابن عطية ٥/ ١٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٩.
(٨) انظر: الطبري ١٦٣١٧، والسمرقندي ١/ ٤٧٧، والماوردي ١/ ٥١٤، والرازي ١٢/ ١٧٨، و"البحر" ٤/ ٩١.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(١٠) جاء في النسخ (قل أئنكم) بزيادة قل، وهو تحريف.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٣، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧١ من طرق يقوي بعضها بعضًا، وهو في "تفسير مجاهد" ١/ ٢٣١، عن محمد بن كعب. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٣.
(٤) هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي، أبو جعفر المصري المشهور بالنحاس.
(٥) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٦) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٧) "معاني النحاس" ٢/ ٤٠٦، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٣٩، و"القطع والائتناف" ١/ ٢٢١، وذكر هذا القول مكي في "المشكل" ١/ ٢٤٧، وابن عطية ٥/ ١٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٣٩٩.
(٨) انظر: الطبري ١٦٣١٧، والسمرقندي ١/ ٤٧٧، والماوردي ١/ ٥١٤، والرازي ١٢/ ١٧٨، و"البحر" ٤/ ٩١.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(١٠) جاء في النسخ (قل أئنكم) بزيادة قل، وهو تحريف.
49
وقال الفراء: (ولم يقل أُخر؛ لأن الآلهة جمع، والجمع يقع عليه التأنيث، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وقال: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه: ٥١]، ولم يقل: الأول، ولا الأولين؛ وكل ذلك صواب) (١)
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾ إلى آخر الآية، قال العلماء: (المستحب لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشهادتين، ويتبرأ من كل دين سوى دين الإسلام) (٢).
ونص الشافعي على استحباب ضم التبرؤ إلى الشهادة لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ عقيب أمره نبيه - ﷺ - بالتوحيد (٣).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ الآية، نصف هذه الآية مفسر في سورة البقرة، والنصف الثاني مفسر في هذه السورة.
وقوله تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي: يعرفونه بالنبوة والصدق، بما يجدونه (٤) مكتوبًا عندهم في صفته ونعته، والمراد بهؤلاء الذين يعرفونه: اليهود والنصارى، و ﴿الْكِتَابَ﴾: التوراة والإنجيل، وهذا قول ابن
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَشْهَدُ﴾ إلى آخر الآية، قال العلماء: (المستحب لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشهادتين، ويتبرأ من كل دين سوى دين الإسلام) (٢).
ونص الشافعي على استحباب ضم التبرؤ إلى الشهادة لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ عقيب أمره نبيه - ﷺ - بالتوحيد (٣).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ الآية، نصف هذه الآية مفسر في سورة البقرة، والنصف الثاني مفسر في هذه السورة.
وقوله تعالى: ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي: يعرفونه بالنبوة والصدق، بما يجدونه (٤) مكتوبًا عندهم في صفته ونعته، والمراد بهؤلاء الذين يعرفونه: اليهود والنصارى، و ﴿الْكِتَابَ﴾: التوراة والإنجيل، وهذا قول ابن
(١) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٢٩، وانظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٣، و"البحر المحيط" ٤/ ٩٢.
(٢) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٩، و"الخازن" ٢/ ١٢٥.
(٣) ذكره في "روضة الطالبين" ٧/ ٣٠١، عن الشافعي، وزاد: (وقال في موضع: إذا أتى بالشهادتين صار مسلمًا؛ وليس هذا باختلاف قول عند جمهور الأصحاب، بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم) ا. هـ
وانظر: "المغني" لابن قدامة ١٢/ ٢٨٨ - ٢٩١، و"نيل الأوطار" ٧/ ٢٣٠ - ٢٣٥.
(٤) في (أ): (لما يجدونه).
(٢) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ١٧٩، و"الخازن" ٢/ ١٢٥.
(٣) ذكره في "روضة الطالبين" ٧/ ٣٠١، عن الشافعي، وزاد: (وقال في موضع: إذا أتى بالشهادتين صار مسلمًا؛ وليس هذا باختلاف قول عند جمهور الأصحاب، بل يختلف الحال باختلاف الكفار وعقائدهم) ا. هـ
وانظر: "المغني" لابن قدامة ١٢/ ٢٨٨ - ٢٩١، و"نيل الأوطار" ٧/ ٢٣٠ - ٢٣٥.
(٤) في (أ): (لما يجدونه).
50
عباس (١) والحسن (٢) وقتادة (٣) وابن جريج والسدي (٤).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال الزجاج: (﴿الَّذِينَ﴾ يجوز أن يكون رفعًا على نعت: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾، وجائز أن يكون على الابتداء، ويكون ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، قال: والأشبه أن يعني بالذين خسروا أنفسهم أهل الكتاب، وجائز أن يُعنى به جملة الكفار) (٥).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال الزجاج: (﴿الَّذِينَ﴾ يجوز أن يكون رفعًا على نعت: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾، وجائز أن يكون على الابتداء، ويكون ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، قال: والأشبه أن يعني بالذين خسروا أنفسهم أهل الكتاب، وجائز أن يُعنى به جملة الكفار) (٥).
(١) "تنوير المقباس" ٢/ ٩، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ١٥٨.
(٢) ذكره الماوردي ٢/ ١٠٠، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٠.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٢ بسند جيد.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٦٤، من طرق جيدة عن قتادة وابن جريج والسدي. وهذا هو قول الجمهور ورجحه أكثرهم. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٢٩، و"النحاس" ٢/ ٤٠٧، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٤، والزمخشري ٢/ ١٠، وابن الجوزي في "تفسيره" ١٢/ ١٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٧٩، وبعضهم حمله على العموم أي يعرفون التوحيد والقرآن ونبوة محمد - ﷺ -. وهو اختيار الطبري ٧/ ١٦٤، وابن كثير ٢/ ١٤٣، وأفاد ابن عطية ٥/ ١٥٤، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٧٠، صحة عودة الضمير على الكل دون تخصيص، كأنه قيل: يعرفون ما ذكرنا وقصصنا. وانظر: الماوردي ٢/ ١٠٠، و"البحر" ٤/ ٩٢.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٥، ومثله ذكر النحاس في "إعرابه" ١/ ٥٣٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٧٩، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٠، ورجح الطبري ٧/ ١٦٤، الوجه الأول، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٧٠، الوجه الثاني، وانظر: "المشكل" ١/ ٢٤٧، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٥، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٣، وأفاد أبو حيان والسمين (أن الفاء في قوله ﴿فَهُمْ﴾ على الوجه الأول لعطف جملة اسمية على مثلها، والمراد بالذين خسروا أهل الكتاب خاصة، وعلى الوجه الثاني الفاء رابطة لما عرف من شبه الموصول بالشرط، والمراد بالذين خسروا جملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم).
(٢) ذكره الماوردي ٢/ ١٠٠، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٠.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٢ بسند جيد.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٦٤، من طرق جيدة عن قتادة وابن جريج والسدي. وهذا هو قول الجمهور ورجحه أكثرهم. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٢٩، و"النحاس" ٢/ ٤٠٧، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٤، والزمخشري ٢/ ١٠، وابن الجوزي في "تفسيره" ١٢/ ١٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٧٩، وبعضهم حمله على العموم أي يعرفون التوحيد والقرآن ونبوة محمد - ﷺ -. وهو اختيار الطبري ٧/ ١٦٤، وابن كثير ٢/ ١٤٣، وأفاد ابن عطية ٥/ ١٥٤، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٧٠، صحة عودة الضمير على الكل دون تخصيص، كأنه قيل: يعرفون ما ذكرنا وقصصنا. وانظر: الماوردي ٢/ ١٠٠، و"البحر" ٤/ ٩٢.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٥، ومثله ذكر النحاس في "إعرابه" ١/ ٥٣٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٧٩، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٠، ورجح الطبري ٧/ ١٦٤، الوجه الأول، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٧٠، الوجه الثاني، وانظر: "المشكل" ١/ ٢٤٧، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٥، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٣، وأفاد أبو حيان والسمين (أن الفاء في قوله ﴿فَهُمْ﴾ على الوجه الأول لعطف جملة اسمية على مثلها، والمراد بالذين خسروا أهل الكتاب خاصة، وعلى الوجه الثاني الفاء رابطة لما عرف من شبه الموصول بالشرط، والمراد بالذين خسروا جملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم).
51
٢١ - وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ قال ابن عباس: (ومن أكفر ممن اختلق على الله كذبًا فأشرك به الآلهة) (١).
وقال أهل المعاني: (هذا استفهام معناه الجحد، أي: لا أحد أظلم منه؛ لأن جوابه كذلك، فاكتفى من الجواب بما يدل عليه، والمراد بالمفتري على الله الكذب الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ (٢) [الأعراف: ٢٨].
وقوله تعالى ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ قال ابن عباس: (يعني القرآن ومحمدًا) (٣). وقال أصحاب المعاني: (المكذّب بآيات الله الجاحد لها بقوله ما نصب الله آية على نبوة محمد - ﷺ - كاليهود والنصارى الذين كذبوا بالقرآن ومعجزاته) (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد لا يسعد من جحد بربوبية ربه وكذب رسله) (٥).
وقال أهل المعاني: (معنى ﴿لَا يُفلِحُ﴾: لا يظفر بطلبه من النجاة في آخرته، ومن لم يظفر بالنجاة هلك بالعذاب) (٦).
وقال أهل المعاني: (هذا استفهام معناه الجحد، أي: لا أحد أظلم منه؛ لأن جوابه كذلك، فاكتفى من الجواب بما يدل عليه، والمراد بالمفتري على الله الكذب الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ (٢) [الأعراف: ٢٨].
وقوله تعالى ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ قال ابن عباس: (يعني القرآن ومحمدًا) (٣). وقال أصحاب المعاني: (المكذّب بآيات الله الجاحد لها بقوله ما نصب الله آية على نبوة محمد - ﷺ - كاليهود والنصارى الذين كذبوا بالقرآن ومعجزاته) (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد لا يسعد من جحد بربوبية ربه وكذب رسله) (٥).
وقال أهل المعاني: (معنى ﴿لَا يُفلِحُ﴾: لا يظفر بطلبه من النجاة في آخرته، ومن لم يظفر بالنجاة هلك بالعذاب) (٦).
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ٩ - ١٠، نحوه.
(٢) انظر: الطبري ٧/ ١٦٥، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، و"البيان" ١/ ٣١٦، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٥، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٦.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٠.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٥، و"القرطبي" ٦/ ٤٠١، و"تفسير الخازن" ٢/ ١٢٥.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١.
(٦) الفلاح في اللغة: الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير. انظر: "العين" ٣/ ٢٣٣، و"الجمهرة" ١/ ٥٥٥، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨٢٦، و"الصحاح" ١/ ٣٩٢، =
(٢) انظر: الطبري ٧/ ١٦٥، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٧، و"البيان" ١/ ٣١٦، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٥، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٦.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٠.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٥، و"القرطبي" ٦/ ٤٠١، و"تفسير الخازن" ٢/ ١٢٥.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١.
(٦) الفلاح في اللغة: الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير. انظر: "العين" ٣/ ٢٣٣، و"الجمهرة" ١/ ٥٥٥، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨٢٦، و"الصحاح" ١/ ٣٩٢، =
والمراد بالظالمين الذين وصفوا بالافتراء على الله والتكذيب بآياته، بين أنهم ظالمون لأنفسهم بإهلاكهم إياها.
٢٢ - وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ العامل في ﴿يَوْمَ﴾ محذوف على معنى: واذكر يوم نحشرهم. وقيل (١): (إنه معطوف على محذوف، كأنه قيل: ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ أبدًا ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾).
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾ اختلفوا في وجه هذا السؤال فقال مقاتل: (إن المشركين في الآخرة لما رأوا تجاوز الله تعالى عن أهل التوحيد قال بعضهم لبعض: إذا سئلتم فقولوا: إنا موحدون، فلما جمعهم الله قال [لهم] (٢): (﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾) (٣)، فعلى هذا إنما سئلوا ليعلموا أن الله تعالى يعرف أنهم أشركوا به في دار الدنيا، وأنه لا ينفعهم الكتمان.
وقال غيره من المفسرين: (إن المشركين كانوا يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، فقيل لهم يوم القيامة: ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
٢٢ - وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ العامل في ﴿يَوْمَ﴾ محذوف على معنى: واذكر يوم نحشرهم. وقيل (١): (إنه معطوف على محذوف، كأنه قيل: ﴿لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ أبدًا ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾).
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ﴾ اختلفوا في وجه هذا السؤال فقال مقاتل: (إن المشركين في الآخرة لما رأوا تجاوز الله تعالى عن أهل التوحيد قال بعضهم لبعض: إذا سئلتم فقولوا: إنا موحدون، فلما جمعهم الله قال [لهم] (٢): (﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾) (٣)، فعلى هذا إنما سئلوا ليعلموا أن الله تعالى يعرف أنهم أشركوا به في دار الدنيا، وأنه لا ينفعهم الكتمان.
وقال غيره من المفسرين: (إن المشركين كانوا يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، فقيل لهم يوم القيامة: ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
= و"المجمل" ٣/ ٧٠٥، و "مقاييس اللغة" ٤/ ٤٥٠، و"المفردات" ص ٦٤٤، و"اللسان" ٢/ ٥٤٧ (فلح).
(١) هذا قول الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٥، وعليه يكون الكلام متصلاً، وقال الكرماني في "غرائبه" ١/ ٣٥٦: (هذا قول غريب)، وأكثرهم على أن قوله: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ كلام مستأنف.
وانظر: "القطع والائتناف" ١/ ٢٢١، و"المكتفي" للداني ص ٢٤٨، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٦، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٤، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧١.
(٢) لفظ: (لهم) ساقط من (ش).
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٥.
(١) هذا قول الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٥، وعليه يكون الكلام متصلاً، وقال الكرماني في "غرائبه" ١/ ٣٥٦: (هذا قول غريب)، وأكثرهم على أن قوله: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ كلام مستأنف.
وانظر: "القطع والائتناف" ١/ ٢٢١، و"المكتفي" للداني ص ٢٤٨، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٥٦، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٤، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧١.
(٢) لفظ: (لهم) ساقط من (ش).
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٥.
أنها تشفع لكم)، فكأن معنى هذا السؤال التوبيخ (١)؛ لأنه سؤال في وقت الحاجة إلى الإغاثة عمن كان يدعي أنه يغيث، وأضاف الشركاء إليهم؛ لأنهم اتخذوها وافتعلوها من عند أنفسهم، ومعنى ﴿تَزْعُمُونَ﴾: تكذبون (٢).
قال ابن عباس: (وكل زعم في كتاب الله كذب) (٣). والعائد إلى الموصول من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ محذوف، والتقدير ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنهم شفعاء، فحذف مفعول الزعم، لدلالة الكلام، وإحالة (٤) السؤال عليه (٥).
٢٣ - وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ (٦) قرئ ﴿يَكُنْ﴾ بالياء والتاء، و (فتنتهم) رفعًا ونصبًا (٧).
قال ابن عباس: (وكل زعم في كتاب الله كذب) (٣). والعائد إلى الموصول من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ محذوف، والتقدير ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنهم شفعاء، فحذف مفعول الزعم، لدلالة الكلام، وإحالة (٤) السؤال عليه (٥).
٢٣ - وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ (٦) قرئ ﴿يَكُنْ﴾ بالياء والتاء، و (فتنتهم) رفعًا ونصبًا (٧).
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٥، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ٤٧٨، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٦، والقرطبي ٦/ ٤٠١.
(٢) الزَّعْم: القول من غير صحة ولا يقين، وقال الراغب في "المفردات" ص ٣٨٠ (الزعم حكايته قول يكون مظنة للكذب، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به ا. هـ. وانظر: "العين" ١/ ٣٦٤، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٢، و"الصحاح" ٥/ ١٩٤١، و"مقاييس اللغة" ٣/ ١٠، و"اللسان" ٣/ ١٨٣٤ (زعم).
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨١، والقرطبي ٦/ ٤٠١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٤.
(٤) في (ش): (وحاله)، وهو تحريف.
(٥) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٦، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٤، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٢.
(٦) في (أ): (ثم لم يكن فتنتهم) قرئ (تكن) الأولى بالياء والثاني بالتاء.
(٧) قرأ حمزة والكسائي (يكن) بالياء على التذكير، وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث، وقرأ ابن عامر وابن كثير وحفص عن عاصم (فتنتهم) برفع التاء، وقرأ الباقون =
(٢) الزَّعْم: القول من غير صحة ولا يقين، وقال الراغب في "المفردات" ص ٣٨٠ (الزعم حكايته قول يكون مظنة للكذب، ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به ا. هـ. وانظر: "العين" ١/ ٣٦٤، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٣٢، و"الصحاح" ٥/ ١٩٤١، و"مقاييس اللغة" ٣/ ١٠، و"اللسان" ٣/ ١٨٣٤ (زعم).
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨١، والقرطبي ٦/ ٤٠١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٤.
(٤) في (ش): (وحاله)، وهو تحريف.
(٥) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٦، و"التبيان" ١/ ٣٢٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٣، و"البحر" ٤/ ٩٤، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٢.
(٦) في (أ): (ثم لم يكن فتنتهم) قرئ (تكن) الأولى بالياء والثاني بالتاء.
(٧) قرأ حمزة والكسائي (يكن) بالياء على التذكير، وقرأ الباقون بالتاء على التأنيث، وقرأ ابن عامر وابن كثير وحفص عن عاصم (فتنتهم) برفع التاء، وقرأ الباقون =
54
وجملة القول في هذا أنه يجوز تذكير الفتنة؛ لأنه بمعنى الافتتان، ويجوز تأنيث ﴿أَنْ قَالُوا﴾ لوجهين: أحدهما: أنه بمعنى المقالة، والثاني: أن قوله: ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ هو الفتنة في المعنى؛ لأن ذلك القول هو فتنتهم، فإذا أسند الكون إليه جاز تأنيثه، كقوله تعالى: ﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]، فأنث الأمثال وواحدها مثل، حيث كانت الأمثال هاهنا في المعنى (١) الحسنات، ومثل هذا في الشعر قول لبيد:
منهُ إذا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدامُها (٢)
فأنث الإقدام لما كان (٣) العادة في المعنى، وإذا كانت الفتنة مؤنثة وجاز تذكيرها، وإن قالوا: مذكر وجاز تأنيثه، وهما (٤) معرفتان، كان لك
منهُ إذا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدامُها (٢)
فأنث الإقدام لما كان (٣) العادة في المعنى، وإذا كانت الفتنة مؤنثة وجاز تذكيرها، وإن قالوا: مذكر وجاز تأنيثه، وهما (٤) معرفتان، كان لك
= بالنصب. انظر: "السبعة" ص ٢٥٤ - ٢٥٥، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٥، و"التيسير" ص ١٠١ - ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧
(١) في (ش): (في معنى).
(٢) "ديوان لبيد بن ربيعة" ص ١٧٠، و"جمهرة أشعار العرب" ١٣٢، و"الخصائص" ٢/ ٤١٥، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٣٠٥، و"أمالي ابن الشجري" ١/ ١٩٧، و"الإنصاف" ٢/ ٦٢٠، و"اللسان" ٥/ ٢٨٧٢ (عرد)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٣، وصدره:
قمضى وقدمها كانت عادة
وقوله: قمضى أي: حمار الوحشي، وقدمها أي: الآتان، وعردت: حادث عن الطريق، وأصل التعريد: الفرار، وإقدامها: تقدمها.
والشاهد: وكانت عادة إقدامها، حيث أنث كانت مع أن المسند إليه إقدمها، وهو مذكر؛ لأنه ذهب إلى تأثيث العادة، أو لأن الإقدام بمعنى التقدمة. انظر: "شرح القصائد" للنحاس ١/ ٣٩٢.
(٣) لفظ: (لما كان)، مكرر في (أ).
(٤) انظر: "الكتاب" ١/ ٥١.
(١) في (ش): (في معنى).
(٢) "ديوان لبيد بن ربيعة" ص ١٧٠، و"جمهرة أشعار العرب" ١٣٢، و"الخصائص" ٢/ ٤١٥، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ١٣، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٣٠٥، و"أمالي ابن الشجري" ١/ ١٩٧، و"الإنصاف" ٢/ ٦٢٠، و"اللسان" ٥/ ٢٨٧٢ (عرد)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٣، وصدره:
قمضى وقدمها كانت عادة
وقوله: قمضى أي: حمار الوحشي، وقدمها أي: الآتان، وعردت: حادث عن الطريق، وأصل التعريد: الفرار، وإقدامها: تقدمها.
والشاهد: وكانت عادة إقدامها، حيث أنث كانت مع أن المسند إليه إقدمها، وهو مذكر؛ لأنه ذهب إلى تأثيث العادة، أو لأن الإقدام بمعنى التقدمة. انظر: "شرح القصائد" للنحاس ١/ ٣٩٢.
(٣) لفظ: (لما كان)، مكرر في (أ).
(٤) انظر: "الكتاب" ١/ ٥١.
55
أن تقرأ ﴿يَكُنْ﴾ بالتاء والياء، وتجعل أيهما شئت من الفتنة. و ﴿أَنْ قَالُوا﴾ الاسم أو الخبر، إلا أن الاختيار قرأه من جعل ﴿أَنْ قَالُوا﴾ الاسم دون الخبر؛ لأن ﴿أَنْ﴾ إذا وصلت بالفعل لم توصف، فأشبهت بامتناع وصفها المضمر، فكما أن المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون الاسم أحسن، كقولك: كنت القائم، كذلك إذا كانت (أن) مع اسم غيرها كانت أن يكون الاسم أولى (١).
واختلفوا في معنى الفتنة هاهنا، فالأكثرون على أن معناه: ثم لم يكن جوابهم، وذلك لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار (٢) إلا هذا القول، وهذا قول أبي العالية والقرظي (٣) واختيار عبد الله بن مسلم (٤). قال أبو العالية: ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾: مقالتهم، وقال القرظي: (إجابتهم)، وقال قتادة (٥): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ معذرتهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾، وهذا راجع إلى معنى الجواب، وروي هذا
واختلفوا في معنى الفتنة هاهنا، فالأكثرون على أن معناه: ثم لم يكن جوابهم، وذلك لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار (٢) إلا هذا القول، وهذا قول أبي العالية والقرظي (٣) واختيار عبد الله بن مسلم (٤). قال أبو العالية: ﴿فِتْنَتُهُمْ﴾: مقالتهم، وقال القرظي: (إجابتهم)، وقال قتادة (٥): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ معذرتهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾، وهذا راجع إلى معنى الجواب، وروي هذا
(١) هذا معنى قول أبي علي الفارسي في "الحجة" ٣/ ٢٨٨ - ٢٩٠. وانظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١٥/ ١٨٨، و"معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ٧/ ١٦٧، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥٤٠، و"معاني القراءات" ١/ ٣٤٧، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٣، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٦، ولابن زنجلة ص ٢٤٣، و"الكشف" ١/ ٤٢٦، و"المشكل" ١/ ٢٤٨، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٢.
(٢) في (ش): (الاختيار) بالياء، وهو تصحيف.
(٣) ذكره أبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٥ عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.
(٤) "تفسير غريب القرآن" ص ١٥٢، و"تأويل مشكل القرآن" ص ٤٧٢.
(٥) أخرجه الطبرى في "تفسيره" ٧/ ١٦٧، من طرق جيدة، وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٦، والطبري في "تفسيره" بسند جيد عنه قال: (مقالتهم).
(٢) في (ش): (الاختيار) بالياء، وهو تصحيف.
(٣) ذكره أبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٥ عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.
(٤) "تفسير غريب القرآن" ص ١٥٢، و"تأويل مشكل القرآن" ص ٤٧٢.
(٥) أخرجه الطبرى في "تفسيره" ٧/ ١٦٧، من طرق جيدة، وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٦، والطبري في "تفسيره" بسند جيد عنه قال: (مقالتهم).
56
القول عن ابن عباس، [ثم قال] (١): ﴿لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ (يعني معذرتهم حين يسألون عن آلهتهم ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾) (٢).
وقال أبو إسحاق: (تأويل هذه الآية تأويل حسن في اللغة لطيف، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك، وذلك أن الله تعالى ذكر في هذه الأقاصيص التي جرت [من] (٣) أمر المشركين، وأنهم مفتنون بشركهم، ثم أعلم أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه إلا أن تبرأوا منه وانتفوا منه، فحلفوا (٤) أنهم ما كانوا مشركين. قال: ومثل ذلك أن ترى إنسانًا يحب غاويًا فإذا وقع في هلكة بسببه تبرأ منه، فيقال له: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه) (٥).
فالفتنة هاهنا بمعنى: الشرك والافتتان بالأوثان، ويؤيد هذا الوجه ما روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية في قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ قال: (يريد شركهم في الدنيا) (٦) وهذا القول في التأويل راجع إلى حذف المضاف؛ لأن المعنى: لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة، ومثله قولك: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه، أي: عاقبة محبتك (٧).
وقال أبو إسحاق: (تأويل هذه الآية تأويل حسن في اللغة لطيف، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك، وذلك أن الله تعالى ذكر في هذه الأقاصيص التي جرت [من] (٣) أمر المشركين، وأنهم مفتنون بشركهم، ثم أعلم أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه إلا أن تبرأوا منه وانتفوا منه، فحلفوا (٤) أنهم ما كانوا مشركين. قال: ومثل ذلك أن ترى إنسانًا يحب غاويًا فإذا وقع في هلكة بسببه تبرأ منه، فيقال له: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه) (٥).
فالفتنة هاهنا بمعنى: الشرك والافتتان بالأوثان، ويؤيد هذا الوجه ما روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية في قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ﴾ قال: (يريد شركهم في الدنيا) (٦) وهذا القول في التأويل راجع إلى حذف المضاف؛ لأن المعنى: لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة، ومثله قولك: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه، أي: عاقبة محبتك (٧).
(١) (ثم قال): ساقط من (ش)، ولعل الصواب: قال.
(٢) ذكره البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير: ٨/ ٢٨٦ "الفتح". في تفسير سورة الأنعام. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٣ بسند ضعيف، وفي رواية أخرى ضعيفة قال: (حجتهم). وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٦ بسند ضعيف عنه قال: (قولهم)، وفي أخرى ضعيفة قال: (كلامهم).
(٣) (لفظ): (من) ساقط من (أ).
(٤) في (ش): (فحلوا)، وهو تحريف.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٢، وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٤: (أي: لم تكن عاقبة شركهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه) ا. هـ.
(٧) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ١٨٢.
(٢) ذكره البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير: ٨/ ٢٨٦ "الفتح". في تفسير سورة الأنعام. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٣ بسند ضعيف، وفي رواية أخرى ضعيفة قال: (حجتهم). وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٦ بسند ضعيف عنه قال: (قولهم)، وفي أخرى ضعيفة قال: (كلامهم).
(٣) (لفظ): (من) ساقط من (أ).
(٤) في (ش): (فحلوا)، وهو تحريف.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦.
(٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٢، وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٤: (أي: لم تكن عاقبة شركهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه) ا. هـ.
(٧) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ١٨٢.
57
واختلفوا في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا﴾ فقرئ ﴿رَبِّنَا﴾ بالنصب والخفض (١)، فمن خفض جعل الاسم المضاف وصفًا للمفرد، كقولك: رأيت زيدًا صاحبنا، وبكرًا جاركم؛ ومن نصب جعله منادى مضافًا، وفصل به بين القسم والمقسم عليه، والفصل بالنداء كثير في كلامهم، وذلك لكثرة النداء في الكلام، ومثله قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ [يونس: ٨٨]. والمعنى: آتيتهم أموالاً ليضلوا فلا يؤمنوا، ففصل بالمنادي بين فعله ومفعوله (٢).
قوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٤] قال قتادة: (باعتذارهم بالباطل) (٣).
وقال عطاء: (بجحد شركهم في الآخرة) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿انْظُرْ﴾ تقديره: وكيف، ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (٥) بعبادته من الأجسام والأوثان فلم
قوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٤] قال قتادة: (باعتذارهم بالباطل) (٣).
وقال عطاء: (بجحد شركهم في الآخرة) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿انْظُرْ﴾ تقديره: وكيف، ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (٥) بعبادته من الأجسام والأوثان فلم
(١) قرأ حمزة والكسائي (ربنا) بنصب الباء، والباقون بجرها.
انظر: "السبعة" ص ٢٥٥، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٦، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) هذا معنى قول الفارسي في "الحجة" ٣/ ٢٩١، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣٠، والأخفش ٢/ ٢٧٠، والزجاج ٢/ ٢٣٦، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤١، و"معاني القراءات" ١/ ٣٤٧، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٣، و"الحجة" لابن خالوية ص ١٣٧. ولابن زنجلة ص ٢٤٤، و"الكشف" ١/ ٤٢٧، و"التبيان" ١/ ٣٢٨، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٤.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٨، بسند جيد.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٢.
(٥) أكثرهم على أن (وضل عنهم) معطوف على جملة (كذبوا)، فيكون داخلًا في حيز النظر، ويجوز أن يكون استئنافًا فلا يندرج في حيز المنظور إليه. انظر: الرازي =
انظر: "السبعة" ص ٢٥٥، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٦، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) هذا معنى قول الفارسي في "الحجة" ٣/ ٢٩١، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣٠، والأخفش ٢/ ٢٧٠، والزجاج ٢/ ٢٣٦، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤١، و"معاني القراءات" ١/ ٣٤٧، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٣، و"الحجة" لابن خالوية ص ١٣٧. ولابن زنجلة ص ٢٤٤، و"الكشف" ١/ ٤٢٧، و"التبيان" ١/ ٣٢٨، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٤.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٨، بسند جيد.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٢.
(٥) أكثرهم على أن (وضل عنهم) معطوف على جملة (كذبوا)، فيكون داخلًا في حيز النظر، ويجوز أن يكون استئنافًا فلا يندرج في حيز المنظور إليه. انظر: الرازي =
58
تغن عنهم شيئًا، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم.
٢٥ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ قال المفسرون (١): (إن نفرًا من مشركي مكة -منهم النضر بن الحارث (٢) وغيره- جلسوا إلى رسول الله - ﷺ - وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، فأنزل الله هذه الآية) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾، الأكنة: جمع كنان، وهو ما وقى شيئًا وستره، مثل عنان وأعنة (٤).
قال الليث: (كل شيء وقي شيئًا فهو كِنانة وكِنُّة، والفعل من ذلك كننتُ وأكننت) (٥). وأنشد أبو عبيدة لعمر بن أبي ربيعة:
٢٥ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ قال المفسرون (١): (إن نفرًا من مشركي مكة -منهم النضر بن الحارث (٢) وغيره- جلسوا إلى رسول الله - ﷺ - وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، فأنزل الله هذه الآية) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾، الأكنة: جمع كنان، وهو ما وقى شيئًا وستره، مثل عنان وأعنة (٤).
قال الليث: (كل شيء وقي شيئًا فهو كِنانة وكِنُّة، والفعل من ذلك كننتُ وأكننت) (٥). وأنشد أبو عبيدة لعمر بن أبي ربيعة:
= في "تفسيره" ١٢/ ١٨٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٢، و"البحر" ٤/ ٩٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٥.
(١) انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٥.
(٢) النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف، شيطان قريش وصاحب لواء المشركين ببدر، مشرك مجاهر بالعداوة والأذي لرسول الله - ﷺ -. قتل في بدر سنة ٢ هـ انظر: "سيرة ابن هشام" ٩/ ٣١١، ٣٢٠، ٣٢١، ٢/ ٢٨٦، و"جوامع السير" ص ٥٢، ١٤٧ - ١٤٨، و"الكامل" لابن الأثير ٢/ ٤١٤، و"الأعلام" ٨/ ٣٣.
(٣) انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٣٧، ٣٣٨، و"تفسير الثعلبي" ١٧٦/ أ، والماوردي ٢/ ١٠٣، و"الزمخشري" ٢/ ١١. وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٧، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٨، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٧ عن ابن عباس، وذكره البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٦، عن الكلبي.
(٤) انظر: "العين" ٥/ ٢٨١، و"المجمل" ٣/ ٧٦٦، و"مقاييس اللغة" ٥/ ١٢٣، و"المفردات" ص ٤٤٢ (كن).
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦ (كن).
(١) انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٥.
(٢) النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف، شيطان قريش وصاحب لواء المشركين ببدر، مشرك مجاهر بالعداوة والأذي لرسول الله - ﷺ -. قتل في بدر سنة ٢ هـ انظر: "سيرة ابن هشام" ٩/ ٣١١، ٣٢٠، ٣٢١، ٢/ ٢٨٦، و"جوامع السير" ص ٥٢، ١٤٧ - ١٤٨، و"الكامل" لابن الأثير ٢/ ٤١٤، و"الأعلام" ٨/ ٣٣.
(٣) انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٣٧، ٣٣٨، و"تفسير الثعلبي" ١٧٦/ أ، والماوردي ٢/ ١٠٣، و"الزمخشري" ٢/ ١١. وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٧، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٨، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٩٧ عن ابن عباس، وذكره البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٦، عن الكلبي.
(٤) انظر: "العين" ٥/ ٢٨١، و"المجمل" ٣/ ٧٦٦، و"مقاييس اللغة" ٥/ ١٢٣، و"المفردات" ص ٤٤٢ (كن).
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦ (كن).
59
أَينا باتَ ليلةً... بَيْنَ غُصْنَينِ يُؤبَلُ (١)
تَحتَ عَيْنِ كِنَانُ (٢)... ظِلُّ برْدٍ مُرَحَّلُ
يعني: غطاهم الذي يكنهم (٣). فأما ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ فقال (٤) الزجاج: (موضع ﴿أَنْ﴾ نصب على أنه مفعول له، والمعنى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾؛ لكراهة ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾، فلما حذفت اللام نصبت الكراهة، ولما حذفت الكراهة انتقل نصبها إلى ﴿أَنْ﴾ (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾، قال ابن السكيت: (الوقر (٦): الثقل في الأذن، يقال: قد وقرت أذنه توقر، فهي موقورة. ويقال: اللهم قر أذنه، ويقال أيضًا: قد وقرت أذنه توقر وقرًا) (٧).
وأنشد الزجاج (٨):
تَحتَ عَيْنِ كِنَانُ (٢)... ظِلُّ برْدٍ مُرَحَّلُ
يعني: غطاهم الذي يكنهم (٣). فأما ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ فقال (٤) الزجاج: (موضع ﴿أَنْ﴾ نصب على أنه مفعول له، والمعنى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾؛ لكراهة ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾، فلما حذفت اللام نصبت الكراهة، ولما حذفت الكراهة انتقل نصبها إلى ﴿أَنْ﴾ (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾، قال ابن السكيت: (الوقر (٦): الثقل في الأذن، يقال: قد وقرت أذنه توقر، فهي موقورة. ويقال: اللهم قر أذنه، ويقال أيضًا: قد وقرت أذنه توقر وقرًا) (٧).
وأنشد الزجاج (٨):
(١) ليس في ديوانه، وهما في "اللسان" ٧/ ٣٩٤٣، (كنن) وبلا نسبة في "الجمهرة" ١/ ١٦٦، والبيت الأخير في "الصحاح" ٦/ ٢١٨٨، و"تاج العروس" ١٨/ ٤٨٤، وبلا نسبة في "تفسير الطبري" ٧/ ١٦٩.
(٢) في (ش): (كناننا)، وهي رواية أكثرهم.
(٣) "مجاز القرآن" ٨/ ١٨٨.
(٤) في (ش): (قال).
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٦، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤١، و"البيان" ١/ ٣١٧، و"التبيان" ١/ ٣٢٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٥، و"البحر" ٤/ ٩٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٧.
(٦) قال الطبري ٧/ ١٧٠: (الوقر عند العرب بفتح الواو: الثقل في الأذن، وبكسرها: الحمل) ا. هـ انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩، و"معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٢، و"الجمهرة" ٢/ ٧٩٦، و"الصحاح" ٢/ ٨٤٨، و"المجمل" ٣/ ٩٣٣، و"مقاييس اللغة" ٦/ ١٣٢، و"المفردات" ص ٨٨٠، و"اللسان" ٨/ ٤٨٨٩، (وقر).
(٧) "إصلاح المنطق" ص ٣ - ٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣١ (وقر).
(٨) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٧.
(٢) في (ش): (كناننا)، وهي رواية أكثرهم.
(٣) "مجاز القرآن" ٨/ ١٨٨.
(٤) في (ش): (قال).
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٦، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤١، و"البيان" ١/ ٣١٧، و"التبيان" ١/ ٣٢٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٥، و"البحر" ٤/ ٩٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٧٧.
(٦) قال الطبري ٧/ ١٧٠: (الوقر عند العرب بفتح الواو: الثقل في الأذن، وبكسرها: الحمل) ا. هـ انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩، و"معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٢، و"الجمهرة" ٢/ ٧٩٦، و"الصحاح" ٢/ ٨٤٨، و"المجمل" ٣/ ٩٣٣، و"مقاييس اللغة" ٦/ ١٣٢، و"المفردات" ص ٨٨٠، و"اللسان" ٨/ ٤٨٨٩، (وقر).
(٧) "إصلاح المنطق" ص ٣ - ٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣١ (وقر).
(٨) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٧.
60
وِكَلاَمٍ سيِّئٍ قَدْ وُقِرَت | أذُنِي عَنْهُ وَمَا بي مِنْ صَمَمْ (١) |
وقال السدي: (يعني الغطاء يكن قلوبهم فلا يعرفون الحق) (٣).
وقال الحسن: (﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ لئلا يقبلوه، كقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٧]، أي: لا يقبلون عن الله تعالى) (٤).
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ قال ابن عباس: (صممًا) (٥).
وقال الضحاك: (ثقلًا) (٦).
وقال قتادة: (يسمعون (٧) بآذانهم فلا يفقهون منه شيئًا، كمثل البهيمة تسمع القول ولا تدري ما يقال (٨) لها) (٩).
قال أبو إسحاق: (وإنما فعل بهم (١٠) ذلك مجازاة لهم بإقامتهم على
(١) الشاهد للمثقب العبدي في "ديوانه" ص ٢٣٠، و"المفضليات" ص ٢٩٤، وبلا نسبة في "العين" ٥/ ٢٠٦، و"معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٢، و"الصاحبي" ص ٤٣٧، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٢، وابن الجوزي ٣/ ١٩.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١١، نحوه.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ١٦٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٥ بسند جيد.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) "تنوير المقباس" ٢/ ١١، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣.
(٧) في (أ): (يستمعون).
(٨) في (ش): (ما يقول).
(٩) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢٠٩، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٦، بسند جيد.
(١٠) في (ش): (وإنما فعل ذلك بهم).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١١، نحوه.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ١٦٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٥ بسند جيد.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) "تنوير المقباس" ٢/ ١١، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣.
(٧) في (أ): (يستمعون).
(٨) في (ش): (ما يقول).
(٩) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢٠٩، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٦، بسند جيد.
(١٠) في (ش): (وإنما فعل ذلك بهم).
61
كفرهم، وليس المعنى أنهم لم يسمعوا ولم يفقهوا، ولكنهم (١) حرموا الانتفاع به لما عدلوا عنه وحرفوا فكرهم عما عليهم (٢) في سوء العاقبة، فكانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع). قال أصحابنا: (وهذه الآية دلالة صريحة على أن الله تعالى يقلب القلوب، فيشرح (٣) بعضها للهدى، ويجعل بعضها في أكنة فلا يفقه صاحبه كلام الله تعالى ولا يؤمن، كما جعل على قلوب القدرية أكنة فلم يفقهوا آيات القدر، كما لم يفقه قلوب المشركين الإيمان) (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد كل عبرة) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد كل عبرة) (٥).
(١) في (ش): (ولكن حرموا).
(٢) كذا في النسخ، ومثله عند ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٩، وعند الزجاج ٢/ ٢٣٧ (عماهم عليه).
(٣) في (ش): (فيشرح الصدر للهدى).
(٤) انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٠، و"تفسير البغوي" ٥/ ١٦٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٣، والرازي ١٢/ ١٨٦، و"البحر" ٤/ ٩٧.
وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٤، في تفسير الآية:
(هذه الأكنة والوقر هي شدة البغض والنفرة والإعراض معها سمعًا لا عقلاً، والتحقيق أن هذا ناشئ عن الأكنة والوقر فهو موجب ذلك مقتضاه، فمن فسر الأكنة والوقر به فقد فسرها بموجبها ومقتضاها، وبكل حال فتلك النفرة والإعراض والبعض من أفعالهم وهي مجعولة لله سبحانه، كما أن الرأفة والرحمة وميل الأفئدة إلى بيته هو من أفعالهم، والله جاعله فهو الجاعل للذوات وصفاتها وأفعالها وإرادتها واعتقادتها، فذلك كله مجعول مخلوق له، وإن كان العبد فاعلًا له باختياره وإرادته) ا. هـ.
(٥) ذكر الرازي ١٢/ ١٨٧، عن ابن عباس في الآية قال: (وإن يروا كل دليل وحجة) ا. هـ.
(٢) كذا في النسخ، ومثله عند ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٩، وعند الزجاج ٢/ ٢٣٧ (عماهم عليه).
(٣) في (ش): (فيشرح الصدر للهدى).
(٤) انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٠، و"تفسير البغوي" ٥/ ١٦٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٣، والرازي ١٢/ ١٨٦، و"البحر" ٤/ ٩٧.
وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٤، في تفسير الآية:
(هذه الأكنة والوقر هي شدة البغض والنفرة والإعراض معها سمعًا لا عقلاً، والتحقيق أن هذا ناشئ عن الأكنة والوقر فهو موجب ذلك مقتضاه، فمن فسر الأكنة والوقر به فقد فسرها بموجبها ومقتضاها، وبكل حال فتلك النفرة والإعراض والبعض من أفعالهم وهي مجعولة لله سبحانه، كما أن الرأفة والرحمة وميل الأفئدة إلى بيته هو من أفعالهم، والله جاعله فهو الجاعل للذوات وصفاتها وأفعالها وإرادتها واعتقادتها، فذلك كله مجعول مخلوق له، وإن كان العبد فاعلًا له باختياره وإرادته) ا. هـ.
(٥) ذكر الرازي ١٢/ ١٨٧، عن ابن عباس في الآية قال: (وإن يروا كل دليل وحجة) ا. هـ.
62
وقال الزجاج: (أي: علامة تدلهم على نبوتك) (١).
﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ قال ابن عباس: (لا يصدقوا بها؛ وذلك لأن الله تعالى جعل على قلوبهم أكنة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾ إلى آخر الآية، فصل آخر متصل بما قبله، والمعنى: إن حالهم في البعد عن الإيمان ما ذكره الله تعالى من منعهم وصدهم عن تصديق محمد، حتى إذا جاؤوه مجادلين إياه فيقول من كفر منهم لما يسمع من القرآن: ﴿مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، قال الزجاج: (أعلم الله عز وجل مقدار احتجاجهم وجدلهم، وأنهم لا يعارضون ما احتج به عليهم من الحق، حيث قيل لهم: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] إلا بأن يقولوا: هذا أساطير الأولين، ويقولون: ﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [المؤمنون: ٣٨] (٣).
فأما معني الأساطير وتفسيرها: فأصلها من السطر، وهو أن يجعل شيئاً ممتدًا مؤلفًا، ومن ذلك سطر الكتاب وسطر من شجر مغروس ونحو ذلك (٤).
قال ابن السكيت: (يقال: سَطْر، وسَطَر فمن قال: سَطْر فجمعه في القليل أَسْطر والكثير سُطُور، ومن قال: سَطَر جَمَعَه أسطاراً) (٥). ثم أساطير
﴿لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ قال ابن عباس: (لا يصدقوا بها؛ وذلك لأن الله تعالى جعل على قلوبهم أكنة) (٢).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾ إلى آخر الآية، فصل آخر متصل بما قبله، والمعنى: إن حالهم في البعد عن الإيمان ما ذكره الله تعالى من منعهم وصدهم عن تصديق محمد، حتى إذا جاؤوه مجادلين إياه فيقول من كفر منهم لما يسمع من القرآن: ﴿مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾، قال الزجاج: (أعلم الله عز وجل مقدار احتجاجهم وجدلهم، وأنهم لا يعارضون ما احتج به عليهم من الحق، حيث قيل لهم: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] إلا بأن يقولوا: هذا أساطير الأولين، ويقولون: ﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [المؤمنون: ٣٨] (٣).
فأما معني الأساطير وتفسيرها: فأصلها من السطر، وهو أن يجعل شيئاً ممتدًا مؤلفًا، ومن ذلك سطر الكتاب وسطر من شجر مغروس ونحو ذلك (٤).
قال ابن السكيت: (يقال: سَطْر، وسَطَر فمن قال: سَطْر فجمعه في القليل أَسْطر والكثير سُطُور، ومن قال: سَطَر جَمَعَه أسطاراً) (٥). ثم أساطير
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٧.
(٢) ذكره الرازي ١٢/ ١٨٧.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٧، والنحاس ٢/ ٤١٠، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٨٨.
(٤) انظر: "العين" ٧/ ٢١٠، و"الجمهرة" ٢/ ٧١٣، ١١٩٣، و"الصحاح" ٢/ ٦٨٤، و"المجمل" ٢/ ٤٦٠، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٧٢، و"المفردات" ص ٤٠٩ (سطر).
(٥) "إصلاح المنطق" ص ٩٥، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٨٣، وأفاد أكثرهم: (أن سطر بسكون الطاء جمعه في القلة أسطر وفي الكثرة سطور، وبفتح الطاء جمعه =
(٢) ذكره الرازي ١٢/ ١٨٧.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٧، والنحاس ٢/ ٤١٠، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٨٨.
(٤) انظر: "العين" ٧/ ٢١٠، و"الجمهرة" ٢/ ٧١٣، ١١٩٣، و"الصحاح" ٢/ ٦٨٤، و"المجمل" ٢/ ٤٦٠، و"مقاييس اللغة" ٣/ ٧٢، و"المفردات" ص ٤٠٩ (سطر).
(٥) "إصلاح المنطق" ص ٩٥، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٨٣، وأفاد أكثرهم: (أن سطر بسكون الطاء جمعه في القلة أسطر وفي الكثرة سطور، وبفتح الطاء جمعه =
63
جمع الجمع، قاله اللحياني. [قال] (١): (وواحد الأساطير أسطور وأسطورة وأسطير وأسطيرة إلى العشرة، ثم أساطير جمع الجمع) (٢).
واختار الزجاج أن يكون واحدها أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث، قال ذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾ [الفرقان: ٥] (٣)، وهو قول أبي عبيدة (٤)، وذهب الأخفش (٥) وأبو زيد (٦) إلى أنه لا واحد لها مثل عباديد (٧) وأبابيل (٨)، قال أبو زيد: إلا أرى الأساطير إلا من الجمع الذي لا واحد له مثل عباديد، ولا يكون هذا المثال إلا جمعًا) (٩).
واختار الزجاج أن يكون واحدها أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث، قال ذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾ [الفرقان: ٥] (٣)، وهو قول أبي عبيدة (٤)، وذهب الأخفش (٥) وأبو زيد (٦) إلى أنه لا واحد لها مثل عباديد (٧) وأبابيل (٨)، قال أبو زيد: إلا أرى الأساطير إلا من الجمع الذي لا واحد له مثل عباديد، ولا يكون هذا المثال إلا جمعًا) (٩).
= أسطار؛ لأن فعل بالسكون يجمع في القلة على أفعل وبالفتح على أفعال). انظر: "البيان" ١/ ٣١٧، و"التبيان" ٣٢٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٥، و"البحر" ٤/ ٩٨.
(١) (قال) ساقط من (ش).
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٨٣، وليس فيه -أسطيرة- وهي في "اللسان" ٤/ ٢٠٠٧ (سطر) عن اللحياني.
(٣) "معاني الزجاج" ٤/ ٥٨، انظر: ٢/ ٢٣٧.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩.
(٥) "معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٢.
(٦) أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو زيد البصري، تقدمت ترجمته.
(٧) في (أ): (عناديد)، ولم أقف عليها، والذي في أكثر المراجع (عباديد)، والعباديد لا واحد لها من لفظها، وهي الفرق من الناس والخيل الذاهبين في كل وجه. والعباديد أيضًا: الأكام والطرق البعيدة. انظر: "القاموس" ص ٢٩٦، (عبد).
(٨) الأبابيل جمع لا واحد له، وقيل: جمع إبيل وإبول، وهي الفرق والجماعات المتفرقة والفرق التي يتبع بعضها بعضًا. انظر: "اللسان" ١/ ١١ (أبل).
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٨، وهو نص كلام الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٢، وحكاه ابن دريد في "الجمهرة" ٣/ ١٢٧١ عن الأصمعي، وأكثرهم على أن أساطير جمع أسطورة، ويحتمل أنه جمع أسطارة أو أسطار. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٧١، و"نزهة القلوب" ص ٧١، و"إعراب =
(١) (قال) ساقط من (ش).
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٨٣، وليس فيه -أسطيرة- وهي في "اللسان" ٤/ ٢٠٠٧ (سطر) عن اللحياني.
(٣) "معاني الزجاج" ٤/ ٥٨، انظر: ٢/ ٢٣٧.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩.
(٥) "معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٢.
(٦) أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو زيد البصري، تقدمت ترجمته.
(٧) في (أ): (عناديد)، ولم أقف عليها، والذي في أكثر المراجع (عباديد)، والعباديد لا واحد لها من لفظها، وهي الفرق من الناس والخيل الذاهبين في كل وجه. والعباديد أيضًا: الأكام والطرق البعيدة. انظر: "القاموس" ص ٢٩٦، (عبد).
(٨) الأبابيل جمع لا واحد له، وقيل: جمع إبيل وإبول، وهي الفرق والجماعات المتفرقة والفرق التي يتبع بعضها بعضًا. انظر: "اللسان" ١/ ١١ (أبل).
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٤، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٨، وهو نص كلام الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٢، وحكاه ابن دريد في "الجمهرة" ٣/ ١٢٧١ عن الأصمعي، وأكثرهم على أن أساطير جمع أسطورة، ويحتمل أنه جمع أسطارة أو أسطار. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٧١، و"نزهة القلوب" ص ٧١، و"إعراب =
64
ومعني ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ ما سطره الأولون (١).
قال ابن عباس: (أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها، أي: يكتبونها) (٢).
فأما قول (٣) من فسر الأساطير بالتُّرّهات (٤) والبسابس (٥) فهو معنى وليس بتفسير، وتفسيره ما ذكرنا (٦). ولما كانت أساطير الأولين مثل حديث رستم (٧) وإسفنديار (٨) كلامًا لا فائدة فيه ولا طائل تحته فسرت أساطير الأولين هاهنا بالتُّرّهات والبسابس (٩).
قال ابن عباس: (أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها، أي: يكتبونها) (٢).
فأما قول (٣) من فسر الأساطير بالتُّرّهات (٤) والبسابس (٥) فهو معنى وليس بتفسير، وتفسيره ما ذكرنا (٦). ولما كانت أساطير الأولين مثل حديث رستم (٧) وإسفنديار (٨) كلامًا لا فائدة فيه ولا طائل تحته فسرت أساطير الأولين هاهنا بالتُّرّهات والبسابس (٩).
= النحاس" ١/ ٥٤١، و"الألفات" لابن خالويه ص ٧٦، و"العضديات" ص ٥٥ و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٠، و"المشكل" ١/ ٢٤٨، و"عمدة الحفاظ" ص ٢٤١، و"تاج العروس" ٦/ ٥٢٠ (سطر).
(١) انظر: "غريب القرآن" ص ٢٤٣.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد.
(٣) هذا قول أبي عبيدة في "المجاز" ١/ ١٨٩، وانظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩.
(٤) التُّرّهات بالضم وفتح الراء المشددة جمع ترهة: وهي الأباطيل، وفي الأصل الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الأعظم. انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٣٧، و"الصحاح" ٦/ ٢٢٢٩، و"اللسان" ١/ ٤٣١ (تره).
(٥) البَسَابس، بالفتح: الباطل، ويقال: ترهاتُ البسابسِ، بالإضافة. انظر: الصحاح ٣/ ٩٠٩، واللسان ١/ ٢٨٢ (بسس).
(٦) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٤، وقال الرازي ١٢/ ١٨٨ (الأول قول الجمهور وتفسيرها بالترهات معنى وليس بتفسير) ا. هـ. بتصرف.
(٧) رستم الشديد بن دستان بن بريمان من ملوك الفرس. انظر أخباره في: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٠٤، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٣٧.
(٨) إسفنديار بن بشتاسب: من ملوك الفرس. انظر أخباره في: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٦٢، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٥٤.
(٩) أفاد أكثرهم: (أن النضر بن الحارث صاحب أسفار وقصص، فسمع بالحيرة وغيرها قصص الأعاجم وأحاديث رستم واسفنديار، وكان يحدث بها ويقول: =
(١) انظر: "غريب القرآن" ص ٢٤٣.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد.
(٣) هذا قول أبي عبيدة في "المجاز" ١/ ١٨٩، وانظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩.
(٤) التُّرّهات بالضم وفتح الراء المشددة جمع ترهة: وهي الأباطيل، وفي الأصل الطرق الصغار المتشعبة عن الطريق الأعظم. انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٣٧، و"الصحاح" ٦/ ٢٢٢٩، و"اللسان" ١/ ٤٣١ (تره).
(٥) البَسَابس، بالفتح: الباطل، ويقال: ترهاتُ البسابسِ، بالإضافة. انظر: الصحاح ٣/ ٩٠٩، واللسان ١/ ٢٨٢ (بسس).
(٦) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٤، وقال الرازي ١٢/ ١٨٨ (الأول قول الجمهور وتفسيرها بالترهات معنى وليس بتفسير) ا. هـ. بتصرف.
(٧) رستم الشديد بن دستان بن بريمان من ملوك الفرس. انظر أخباره في: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٠٤، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٣٧.
(٨) إسفنديار بن بشتاسب: من ملوك الفرس. انظر أخباره في: "تاريخ الطبري" ١/ ٥٦٢، و"الروض الأنف" ٢/ ٥٢، و"الكامل في التاريخ" ١/ ١٥٤.
(٩) أفاد أكثرهم: (أن النضر بن الحارث صاحب أسفار وقصص، فسمع بالحيرة وغيرها قصص الأعاجم وأحاديث رستم واسفنديار، وكان يحدث بها ويقول: =
65
٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ يعني: المشركين ينهون الناس عن اتباع النبي - ﷺ -؛ عن ابن عباس (١) والحسن (٢) والسدي (٣)، فالكناية على هذا تعود إلى النبي - ﷺ -، وكذلك في ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي: يتباعدون عنه فلا يؤمنون به، وهو قول الكلبي (٤) قال: ينهون عن محمد - ﷺ - من سألهم عنه (٥) أن يقربوه ويتبعوه)، ونحو هذا قال الضحاك (٦) ومحمد بن الحنفية (٧).
وقال قتادة (٨) ومجاهد (٩): (ينهون عن القرآن ويتباعدون عن سماعه
وقال قتادة (٨) ومجاهد (٩): (ينهون عن القرآن ويتباعدون عن سماعه
= أنا أحسن حديثًا من محمد، أحاديثه أساطير الأولين).
انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٢٠، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩، وابن عطية ٥/ ١٦٤، والقرطبي ٦/ ٤٠٥.
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٢) ذكره هود الهواري في "تفسيره" ١/ ٥٢١، والماوردي ٢/ ١٠٤، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٥.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥.
(٥) لفظ: (من سألهم عنه) ساقط من (ش).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ ب، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٦، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٥، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٢١.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١، بسند ضعيف، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٨) أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٥، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٢، من طرق جيدة عنه، قال: (ينهون عنه القرآن وعن النبي - ﷺ - ويتباعدون عنه) ا. هـ. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٦.
(٩) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٢ بسند جيد، عن مجاهد وابن زيد، وهو اختيار الرازي ١٢/ ١٨٩.
انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٢٠، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩، وابن عطية ٥/ ١٦٤، والقرطبي ٦/ ٤٠٥.
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٢) ذكره هود الهواري في "تفسيره" ١/ ٥٢١، والماوردي ٢/ ١٠٤، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٥.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١ بسند جيد.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥.
(٥) لفظ: (من سألهم عنه) ساقط من (ش).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٧٦ ب، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٦، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٥، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٢١.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧١، بسند ضعيف، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٨) أخرج عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٥، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٢، من طرق جيدة عنه، قال: (ينهون عنه القرآن وعن النبي - ﷺ - ويتباعدون عنه) ا. هـ. وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٦.
(٩) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٢ بسند جيد، عن مجاهد وابن زيد، وهو اختيار الرازي ١٢/ ١٨٩.
66
لئلا يسبق إلى قلوبهم العلم بصحته).
والنأي: البعد، ويقال: نأى ينأى إذا بعد، وأنأيته إذا أبعدته، ويقال أيضًا (١): نأيته بمعنى نأيت عنه (٢)، وأنشد المبرد:
بمعني نأى عني. وحكى الليث: (نأيت الشيء أي أبعدته، وأنشد:
أي: يُنحى ويبعد) (٥).
والنأي: البعد، ويقال: نأى ينأى إذا بعد، وأنأيته إذا أبعدته، ويقال أيضًا (١): نأيته بمعنى نأيت عنه (٢)، وأنشد المبرد:
أعاذِلُ إنْ يُصْبِح صداي بِقَفْرةٍ | بَعِيدًا نآنِي زائِري وَقرِيبي (٣) |
إذا ما التقينا سالَ مِنْ عَبَرَاتِنا | شآبِيبُ يُنْأى سَيْلُها بالأصابِع (٤) |
(١) لفظ: (أيضًا) ساقط من (أ).
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩، و"معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٣، و"غريب القرآن" ص ١٥٢، و"الجمهرة" ١/ ٢٤٩، و"نزهة القلوب" ص ٤٨٧، و"المفردات" ص ٨٣٠ (نأى).
(٣) الشاهد للنمر بن تولب العكلي في "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٦١، و"الكامل" للمبرد ١/ ٤٧٩، وبلا نسبة في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٧٥، و"اللسان" ٤/ ٤٣١٧ (نأى)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
والصدى هنا ما يبقى وهو جسده الملقى والشاهد: نآني: أصله نأى عني، أي: بعد، فأخرجه مخرج المتعدي، قال المبرد ١/ ٤٨٢ - ٤٨٣: (وقوله. "نآني" أي: أبعدني، والأحسن أنآنى لأن الوجه في فَعَل أفْعَلته، وهو المطرد، ويكون نآني: نأى عني) ا. هـ. بتصرف.
(٤) لم أقف على قائله وهو في: "العين" ٨/ ٣٩٢، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩٩، و"المجمل" ٣/ ٨٥١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٧٧، و"اللسان" ٧/ ٤٣١٤ (نأى)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٧٥.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٨٩، و"معاني الأخفش" ٢/ ٢٧٣، و"غريب القرآن" ص ١٥٢، و"الجمهرة" ١/ ٢٤٩، و"نزهة القلوب" ص ٤٨٧، و"المفردات" ص ٨٣٠ (نأى).
(٣) الشاهد للنمر بن تولب العكلي في "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٦١، و"الكامل" للمبرد ١/ ٤٧٩، وبلا نسبة في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٧٥، و"اللسان" ٤/ ٤٣١٧ (نأى)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
والصدى هنا ما يبقى وهو جسده الملقى والشاهد: نآني: أصله نأى عني، أي: بعد، فأخرجه مخرج المتعدي، قال المبرد ١/ ٤٨٢ - ٤٨٣: (وقوله. "نآني" أي: أبعدني، والأحسن أنآنى لأن الوجه في فَعَل أفْعَلته، وهو المطرد، ويكون نآني: نأى عني) ا. هـ. بتصرف.
(٤) لم أقف على قائله وهو في: "العين" ٨/ ٣٩٢، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩٩، و"المجمل" ٣/ ٨٥١، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٧٧، و"اللسان" ٧/ ٤٣١٤ (نأى)، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
(٥) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٧٥.
67
وقال عطاء (١) (٢) ومقاتل: (نزلت في أبي طالب، كان ينهى قريشًا عن أذى النبي - ﷺ -، ويتباعد عنه فلا يتبعه على دينه) (٣).
قال الزجاج: (والقول الأول أشبه بالمعنى؛ لأن الكلام متصلٌ بذكر جماعة أهل الكتاب والمشركين) (٤)، والقول الثاني عدول عن الظاهر، وما
قال الزجاج: (والقول الأول أشبه بالمعنى؛ لأن الكلام متصلٌ بذكر جماعة أهل الكتاب والمشركين) (٤)، والقول الثاني عدول عن الظاهر، وما
(١) عطاء هنا هو: عطاء بن دينار الهذلي مولاهم أبو الريان المصري، إمام مفسر صدوق، أخذ صحيفة في التفسير عن سعيد بن جبير ولم يسمع منه. توفي سنة ١٢٦ هـ.
انظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٣٣٢، و"ميزان الاعتدال" ٣/ ٦٩، و"تهذيب التهذيب" ٣/ ١٠٠، و"تقريب التهذيب" (٤٥٨٩).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٣ بسند جيد، عن عطاء بن دينار الهذلي.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٥، وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير وعمر بن دينار والقاسم بن مخيمرة كما في "الوسيط" ١/ ٢٥، و"الدر المنثور" ٣/ ١٥، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٧، وقال: (رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة وغيره، وضعفه يحيى بن معين وغيره) ا. هـ وأخرجه الحاكم ٢/ ٣١٥، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٣٤٠، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٨ من طريق واحد عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي، وعليه يكون هذا تمثيلاً، وهو داخل في جملة الكفار، ولعل الرواية عن ابن عباس لا تصح؛ لأن السند فيه عبد الله بن منده الأصبهاني رواه عن بكر بن بكار القيسي، وبكر ضعيف كما في "لسان الميزان" ٢/ ٤٨٥، وابن منده ضعفه بعضهم، ولم يسمع من بكر كما يظهر من "الجرح والتعديل" ٨/ ١٠٨، و"اللسان" ٥/ ٧٠، ولأن روايته بسند منقطع أقوى، فقد أخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ١٠٦، وعبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٦، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٣، والحاكم ٢/ ٣١٥، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٣٤٠، من طرق صحيحة عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٤) معاني الزجاج ٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وهو الأظهر والأشبه بالمعنى واختيار الجمهور.
انظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٣٣٢، و"ميزان الاعتدال" ٣/ ٦٩، و"تهذيب التهذيب" ٣/ ١٠٠، و"تقريب التهذيب" (٤٥٨٩).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٣ بسند جيد، عن عطاء بن دينار الهذلي.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٥، وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير وعمر بن دينار والقاسم بن مخيمرة كما في "الوسيط" ١/ ٢٥، و"الدر المنثور" ٣/ ١٥، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٧، وقال: (رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة وغيره، وضعفه يحيى بن معين وغيره) ا. هـ وأخرجه الحاكم ٢/ ٣١٥، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٣٤٠، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢١٨ من طريق واحد عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي، وعليه يكون هذا تمثيلاً، وهو داخل في جملة الكفار، ولعل الرواية عن ابن عباس لا تصح؛ لأن السند فيه عبد الله بن منده الأصبهاني رواه عن بكر بن بكار القيسي، وبكر ضعيف كما في "لسان الميزان" ٢/ ٤٨٥، وابن منده ضعفه بعضهم، ولم يسمع من بكر كما يظهر من "الجرح والتعديل" ٨/ ١٠٨، و"اللسان" ٥/ ٧٠، ولأن روايته بسند منقطع أقوى، فقد أخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" ص ١٠٦، وعبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٠٦، والطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٣، والحاكم ٢/ ٣١٥، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٣٤٠، من طرق صحيحة عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٥.
(٤) معاني الزجاج ٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وهو الأظهر والأشبه بالمعنى واختيار الجمهور.
68
يقتضيه الكلام الأول، والوجه أن يقال: أبو طالب من هؤلاء الذين ذكرهم الله (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بتماديهم في معصية الله ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يرتكبون من المعاصي) (٢).
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ الآية. قال أصحاب العربية: (المراد بقوله: ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾ الاستقبال، وإن كان بلفظ المضي؛ لأن هذه القصة كائنة، ولما تكن بعد، وجاز لفظ المضي؛ لأن كل ما هو كائن يومًا مما لم يكن بعد، فكأنه عند الله عز وجل قد كان، لسبق علمه ونفوذ قضائه وقدره به؛ إذ علمه موجب لكونه لا محالة) (٣). وأنشدوا في مثل هذا النظم (٤):
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ قال ابن عباس: (يريد بتماديهم في معصية الله ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أنهم يهلكون أنفسهم ويذهبونها إلى النار بما يرتكبون من المعاصي) (٢).
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ الآية. قال أصحاب العربية: (المراد بقوله: ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾ الاستقبال، وإن كان بلفظ المضي؛ لأن هذه القصة كائنة، ولما تكن بعد، وجاز لفظ المضي؛ لأن كل ما هو كائن يومًا مما لم يكن بعد، فكأنه عند الله عز وجل قد كان، لسبق علمه ونفوذ قضائه وقدره به؛ إذ علمه موجب لكونه لا محالة) (٣). وأنشدوا في مثل هذا النظم (٤):
= انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٣، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٠، و"تفسير ابن كثير" ٢/ ١٤٤.
(١) انظر: ابن عطية ٥/ ١٦٦، و"البحر" ٤/ ١٠٠.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٠، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٢.
(٣) انظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٢، و "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٤، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ١١٨، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"المغني" لابن هشام ١/ ٨١، ٩٥، وقال ابن فارس في الصاحبي ص ١٩٦: (أذ تكون للماضي... فأما قوله جل ثنائه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ فـ (ترى) مستقبل وإذ للماضي، وإنما كان كذا لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد، وذلك عند الله جل ثناؤه قد كان؛ لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ، فهو كائن لا محالة، والعرب تقول مثل ذا وإن لم تعرف العواقب) ا. هـ. ملخصًا.
(٤) لم أعرف قائله، وهو في: "الصاحبي" ص ١٩٦، و"المجمل" ١/ ١٧٠، =
(١) انظر: ابن عطية ٥/ ١٦٦، و"البحر" ٤/ ١٠٠.
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٠، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٢.
(٣) انظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٢، و "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٤، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ١١٨، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"المغني" لابن هشام ١/ ٨١، ٩٥، وقال ابن فارس في الصاحبي ص ١٩٦: (أذ تكون للماضي... فأما قوله جل ثنائه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ فـ (ترى) مستقبل وإذ للماضي، وإنما كان كذا لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد، وذلك عند الله جل ثناؤه قد كان؛ لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ، فهو كائن لا محالة، والعرب تقول مثل ذا وإن لم تعرف العواقب) ا. هـ. ملخصًا.
(٤) لم أعرف قائله، وهو في: "الصاحبي" ص ١٩٦، و"المجمل" ١/ ١٧٠، =
69
ستندم إِذْ يَأتِي عَلَيْكَ رَعِيلُنَا | بأرْعَنَ جَرَّارٍ كثير صوَاهِلُه |
وَندْمَانٍ يَزِيدُ الكَأْسَ طيِبًا | سَقَيْتُ إِذا تَعَرَّضَتِ (٣) النُّجُوم |
وقوله تعالى: ﴿وُقِفُوا﴾. يقال: وقفته (٦) وقفًا فوقف وقوفًا، كما يقال: رجعته رجعًا فرجع رجوعًا (٧).
= و"مقاييس اللغة" ١/ ٤١١، والرعيل: القطعة المتقدمة من الخيل، والأرعن: الجيش العظيم، والجرار: الثقيل السير لكثرته، والصواهل: شدة الصوت والصيال.
(١) انظر: "الأضداد" لقطرب ص ١٥٠، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٥.
(٢) البيت: لبرج بن مسهر الطائي في "مجاز القرآن" ١/ ٢١، والطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨، و"اللسان" ٧/ ٤٣٨٦، (ندم)، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٢٨٠، وبلا نسبة في "الأضداد" لقطرب ص ١٥٢، ولابن الأنباري ص ١٩٩، و"الصاحبي" ص ١٩٧، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٦، و"المغني" لابن هشام ١/ ٩٥.
(٣) جاء في (أ): علامة ضرب على (تعرضت)، ولعلها تحريف عن تغورت كما في جميع المراجع السابقة، ويروى (سقيت وقد تَغَوَّرَت). وندمان: أي نديم: وتغورت أي غارت، وتعرضت: أي أبدت عرضها للمغيب.
(٤) في (ش): (سبق لها نظائر).
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "العين" ٥/ ٢٢٣، و"الجمهرة" ٢/ ٩٦٧، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"الصحاح" ٤/ ١٤٤٠، و"المجمل" ٣/ ٩٣٤، و"المفردات" ص ٨٨١، و"اللسان" ٨/ ٤٨٩٨ (وقف).
(٧) الفعل (وقف) متعدٍّ ولازم، وفرق بينهما بالمصدر اللازم وقوف على فعول ومصدر المتعدي وقف على فعل، وسمع في المتعدي أوقف، يقال: أوقفت عن الأمر =
(١) انظر: "الأضداد" لقطرب ص ١٥٠، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٥.
(٢) البيت: لبرج بن مسهر الطائي في "مجاز القرآن" ١/ ٢١، والطبري في "تفسيره" ١/ ٥٨، و"اللسان" ٧/ ٤٣٨٦، (ندم)، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٢٨٠، وبلا نسبة في "الأضداد" لقطرب ص ١٥٢، ولابن الأنباري ص ١٩٩، و"الصاحبي" ص ١٩٧، و"المدخل" للحدادي ص ٥٧٦، و"المغني" لابن هشام ١/ ٩٥.
(٣) جاء في (أ): علامة ضرب على (تعرضت)، ولعلها تحريف عن تغورت كما في جميع المراجع السابقة، ويروى (سقيت وقد تَغَوَّرَت). وندمان: أي نديم: وتغورت أي غارت، وتعرضت: أي أبدت عرضها للمغيب.
(٤) في (ش): (سبق لها نظائر).
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "العين" ٥/ ٢٢٣، و"الجمهرة" ٢/ ٩٦٧، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٣٧، و"الصحاح" ٤/ ١٤٤٠، و"المجمل" ٣/ ٩٣٤، و"المفردات" ص ٨٨١، و"اللسان" ٨/ ٤٨٩٨ (وقف).
(٧) الفعل (وقف) متعدٍّ ولازم، وفرق بينهما بالمصدر اللازم وقوف على فعول ومصدر المتعدي وقف على فعل، وسمع في المتعدي أوقف، يقال: أوقفت عن الأمر =
70
قال أبو إسحاق: (ومعنى ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه: جائز أن يكون عاينوها، وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم. قال: والأجود أن يكون معنى: ﴿وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها. كما تقول في الكلام: قد وقفت على ما عند فلان، تريد: قد فهمته وتبينته) (١)، هذا كلامه.
وشرح هذا أن قوله: (جائز أن يكون عاينوها) معناه: (أنهم وقفوا عندها وهم يعاينونها، فهم موقوفون على أن يدخلوا النار، وقوله: (وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم) معناه: أنهم وقفوا فوق النار على الصراط، وهو جسر بين ظهري جهنم، والوجه الثالث معناه: أنهم عرفوا حقيقتها تعريفًا من قولك: وقفت فلانا على كلام فلان، أي: علمته معناه وعرفته. وجماعة يقولون ﴿عَلَى﴾ هاهنا بمنزلة (٢) (في)، والمعنى: وقفوا في النار، كقوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]-أي في ملك (٣).
وشرح هذا أن قوله: (جائز أن يكون عاينوها) معناه: (أنهم وقفوا عندها وهم يعاينونها، فهم موقوفون على أن يدخلوا النار، وقوله: (وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم) معناه: أنهم وقفوا فوق النار على الصراط، وهو جسر بين ظهري جهنم، والوجه الثالث معناه: أنهم عرفوا حقيقتها تعريفًا من قولك: وقفت فلانا على كلام فلان، أي: علمته معناه وعرفته. وجماعة يقولون ﴿عَلَى﴾ هاهنا بمنزلة (٢) (في)، والمعنى: وقفوا في النار، كقوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]-أي في ملك (٣).
= إذا أقلعت عنه. انظر: "إعراب النحاس" ٢/ ٦١، و"التبيان" ص ٣٢٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٦، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٤.
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٩.
(٢) قال ابن هشام في "المغني" ١/ ١٤٤، والسيوطي في "الاتقاق" ١/ ٢١٤: (على) تكون ظرفية كـ (في) نحو قوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، وقوله: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾ [القصص: ١٥] أي في حين) ا. هـ.
(٣) هذا قول الطبري ٧/ ١٧٤، البغوي ٣/ ١٣٧، ضعفه السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٤، والظاهر أن ﴿عَلَى﴾ على بابها، أي: حبسوا عليها. والنار طبقات فيصح معنى الاستعلاء، وهذا هو قول الجمهور. انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٢، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩، و"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٥، و"الكشاف" ٢/ ١٢، وابن عطية ٥/ ١٦٨ وابن الجوزي ٣/ ٢٢، والرازي ١٢/ ١٩١، والقرطبي ٦/ ٤٠٨، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٤.
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٩.
(٢) قال ابن هشام في "المغني" ١/ ١٤٤، والسيوطي في "الاتقاق" ١/ ٢١٤: (على) تكون ظرفية كـ (في) نحو قوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، وقوله: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾ [القصص: ١٥] أي في حين) ا. هـ.
(٣) هذا قول الطبري ٧/ ١٧٤، البغوي ٣/ ١٣٧، ضعفه السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٤، والظاهر أن ﴿عَلَى﴾ على بابها، أي: حبسوا عليها. والنار طبقات فيصح معنى الاستعلاء، وهذا هو قول الجمهور. انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٢، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٧٩، و"تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٥، و"الكشاف" ٢/ ١٢، وابن عطية ٥/ ١٦٨ وابن الجوزي ٣/ ٢٢، والرازي ١٢/ ١٩١، والقرطبي ٦/ ٤٠٨، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٤.
71
قال أبو إسحاق: (والإمالة (١) في ﴿النَّارِ﴾ حسنة جيدة؛ لأن ما بعد الألف مكسور (٢)، وهو حرف كأنه مكرر في اللسان، فصارت الكسرة فيه كالكسرتين) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يقتضي ﴿لَوْ﴾ جوابًا، وقد حذف؛ تفخيمًا للأمر وتعظيمًا، وجاز حذفه لعلم المخاطب بما يقتضي. وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر، ولو قدرت الجواب كان على تقدير: لرأيت سوء منقلبهم أو لرأيت أسوأ حال (٤). ومن هذا قول امرئ القيس (٥):
ولم يقل: لفنيت ولا لاستراحت (٧)، وكذلك قول جرير:
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يقتضي ﴿لَوْ﴾ جوابًا، وقد حذف؛ تفخيمًا للأمر وتعظيمًا، وجاز حذفه لعلم المخاطب بما يقتضي. وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر، ولو قدرت الجواب كان على تقدير: لرأيت سوء منقلبهم أو لرأيت أسوأ حال (٤). ومن هذا قول امرئ القيس (٥):
فَلَوْ أنها نَفْسٌ تَمُوتُ سويةً | ولكنَّها نَفْسٌ تَساقَطُ أَنْفُسا (٦) |
(١) الأمالة لغة فصيحة صحيحة، وهي تقريب الفتحة نحو الكسرة والألف نحو الياء، وهي مذهب لبعض القراء كما في "السبعة" ص ١٤٩، و"المبسوط" ص ١٠٣، و"النشر" ٢/ ٣٠، وانظر: "التكملة" للفارسي ص ٥٢٧، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ٥٢، ص ٦٣، و"المشكل" ١/ ١٦٨.
(٢) في (أ): (مكسورة).
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٢٣٩، وانظر: ١/ ١٢٣، و"معاني الأخفش" ١/ ٣٩.
(٤) حذف جواب (لو)، لدلالة المعنى عليه جائز فصيح، وهو أبلغ في التخويف؛ لأن السامع يترك مع غاية تخيله، ولو صرح له بالجواب وطّن نفسه عليه. انظر: "الكتاب" ٣/ ١٠٣، و"البغوي" في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وابن عطية ٥/ ١٦٧، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
(٥) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته.
(٦) "ديوانه" ص ٨٧، و"سر صناعة الإعراب" ص/ ٦٤٨، و"اللسان" ٢/ ٦٧٩، (جمع) و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفي المراجع -جميعة بدل سوية- والمعنى. أنه مريض لا تخرج نفسه مرة ولكنها تموت شيئًا بعد شيء.
(٧) في النسخ: (ولا لاسترحت).
(٢) في (أ): (مكسورة).
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٢٣٩، وانظر: ١/ ١٢٣، و"معاني الأخفش" ١/ ٣٩.
(٤) حذف جواب (لو)، لدلالة المعنى عليه جائز فصيح، وهو أبلغ في التخويف؛ لأن السامع يترك مع غاية تخيله، ولو صرح له بالجواب وطّن نفسه عليه. انظر: "الكتاب" ٣/ ١٠٣، و"البغوي" في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وابن عطية ٥/ ١٦٧، و"البحر" ٤/ ١٠١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٢.
(٥) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو الكندي شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته.
(٦) "ديوانه" ص ٨٧، و"سر صناعة الإعراب" ص/ ٦٤٨، و"اللسان" ٢/ ٦٧٩، (جمع) و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفي المراجع -جميعة بدل سوية- والمعنى. أنه مريض لا تخرج نفسه مرة ولكنها تموت شيئًا بعد شيء.
(٧) في النسخ: (ولا لاسترحت).
72
كَذَبَ العَوَاذِلُ لَوْ رَأَينَ مُنَاخَنَا | بَحزِيز رَامَةَ والمَطِيُّ سَوَامِي (١) |
قال أبو الفتح الموصلي (٢): (ذهب أصحابنا إلى أن حذف الجواب في هذه الأشياء أبلغ في المعنى من إظهاره، ألا ترى أنك إذا قلت لغلامك: والله لئن قمت إليك، وسكتَّ عن الجواب، ذهب تفكره (٣) إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر وغير ذلك، فتمثلت في فكره أنواع العقوبات، وتكاثرت عليه، وعظمت الحال في نفسه، ولم يدر أيها يتقي. ولو قلت: والله لئن قمت إليك لأضربنك. فأتيت بالجواب، لم يتق شيئًا غير الضرب، ولا خطر بباله نوع من المكروه سواه، وكان ذلك دون حذف الجواب؛ لأنه يوطن نفسه على المتوعّد به في الجواب إذا عرفه، ومن وطن نفسه على شيء هان. ألا ترى قول كثير (٤):
فَقُلْتُ لها:
يا عَزَّ كُلُّ مُلمةٍ | إِذا وُطّنَتْ يومًا لها النَّفسُ ذلّتِ (٥) |
(١) "ديوان جرير" ص ٥٤٢، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٨، و"الدر المصون" ٤/ ٢٨٣، الحزيز: المكان الغليظ، وهو اسم لعدة أماكن في بلاد العرب. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٢٥٦، وفيه ذكر البيت وصدره عنده:
ولقد نظرت فرد نظرتك الهوى
والسوامي: الرافعة أبصارها وأعناقها.
(٢) عثمان بن جني النحوي اللغوي إمام مشهور، تقدمت ترجمته.
(٣) في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩ (وذهب بفكره).
(٤) "ديوان كثير عزة" ص ٥٥، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩١١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفيها: مصيبة بدل ملمة، وقد جاء ملمة في بعض نسخ "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩.
(٥) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩، بتصرف يسير، وانظر: "معاني الأخفش" ١/ ١٣٦، و"المدخل" للحدادي ص ٢٣٩.
ولقد نظرت فرد نظرتك الهوى
والسوامي: الرافعة أبصارها وأعناقها.
(٢) عثمان بن جني النحوي اللغوي إمام مشهور، تقدمت ترجمته.
(٣) في "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩ (وذهب بفكره).
(٤) "ديوان كثير عزة" ص ٥٥، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩١١، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٣، وفيها: مصيبة بدل ملمة، وقد جاء ملمة في بعض نسخ "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩.
(٥) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٩، بتصرف يسير، وانظر: "معاني الأخفش" ١/ ١٣٦، و"المدخل" للحدادي ص ٢٣٩.
73
وقوله تعالي: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اختلف القراء في قوله: ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ و ﴿وَنَكُونَ﴾ فقرئ رفعًا ونصبًا (١).
وللرفع وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفًا على ﴿نُرَدُّ﴾ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ داخلا في التمني دخول ﴿نُرَدُّ﴾ فيه، فعلى هذا قد تمنوا الرد، وأن لا يكذبوا، والكون من المؤمنين. [و] (٢) الوجه الثاني: أن تقطع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وما بعده من الأول، فيكون التقدير على هذا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ ونحن ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ضمنوا أنهم لا يكذبون، والمعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نردّ: ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي قد: عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدًا.
قال سيبويه: (هو على قولك: فإنا لا نكذّب كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإني ممّن لا يعود، فإنما (٣) يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود، تُرك أو لم يُترك، ولم يُرد أن يسألك أن يجمع له الترك وأن لا يعود) (٤).
وللرفع وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفًا على ﴿نُرَدُّ﴾ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ داخلا في التمني دخول ﴿نُرَدُّ﴾ فيه، فعلى هذا قد تمنوا الرد، وأن لا يكذبوا، والكون من المؤمنين. [و] (٢) الوجه الثاني: أن تقطع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وما بعده من الأول، فيكون التقدير على هذا: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ ونحن ﴿وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ضمنوا أنهم لا يكذبون، والمعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نردّ: ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي قد: عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدًا.
قال سيبويه: (هو على قولك: فإنا لا نكذّب كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإني ممّن لا يعود، فإنما (٣) يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود، تُرك أو لم يُترك، ولم يُرد أن يسألك أن يجمع له الترك وأن لا يعود) (٤).
(١) قرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم: ﴿نُكَذِّبَ﴾ - ﴿وَنَكُونَ﴾ بنصب الباء والنون فيهما، وقرأ الباقون بالرفع فيهما، وقرأ ابن عامر ﴿نُكَذِّبَ﴾ بالرفع و ﴿نَكُونَ﴾ بالنصب.
انظر: "السبعة" ص ٢٥٥، و"المبسوط" ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٢٩٦، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٣) في (أ): (وإنما).
(٤) "الكتاب" ٣/ ٤٤، وزاد فيه: (الرفع على وجهين: فأحدهما أن يشرك الآخر الأول، والآخر على قولك: دعني...) ا. هـ.
انظر: "السبعة" ص ٢٥٥، و"المبسوط" ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٢٩٦، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٢) لفظ: (الواو) ساقط من (أ).
(٣) في (أ): (وإنما).
(٤) "الكتاب" ٣/ ٤٤، وزاد فيه: (الرفع على وجهين: فأحدهما أن يشرك الآخر الأول، والآخر على قولك: دعني...) ا. هـ.
74
والوجهان ذكرهما الزجاج (١)، وشرح أبو علي (٢) كما حكيت.
والوجه الثاني أقواهما (٣) وهو أن يكون (٤) الرد داخلا في التمني، ويكون ما بعده إخبارًا عنهم أنهم قالوا ذلك على ما بينا. وذلك لأن الله تعالى كذبهم في الآية الثانية فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨]، وهذا يدل على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم ولم يتمنوه (٥)؛ لأن التمني لا يقع فيه الكذب، إنما يقع في الخبر دون التمني. وهذا اختيار أبي عمرو (٦)، وهو استدل بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] على خروج التكذيب والكون من التمني (٧). ومن قرأ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ نصبا، قال الزجاج: (نصب على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك، والمعنى: ليت مصيرك يقع وإكرامنا، ويكون المعنى: ليت ردّنا
والوجه الثاني أقواهما (٣) وهو أن يكون (٤) الرد داخلا في التمني، ويكون ما بعده إخبارًا عنهم أنهم قالوا ذلك على ما بينا. وذلك لأن الله تعالى كذبهم في الآية الثانية فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨]، وهذا يدل على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم ولم يتمنوه (٥)؛ لأن التمني لا يقع فيه الكذب، إنما يقع في الخبر دون التمني. وهذا اختيار أبي عمرو (٦)، وهو استدل بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] على خروج التكذيب والكون من التمني (٧). ومن قرأ ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، ﴿وَنَكُونَ﴾ نصبا، قال الزجاج: (نصب على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك، والمعنى: ليت مصيرك يقع وإكرامنا، ويكون المعنى: ليت ردّنا
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٩، والوجهان ذكرهما أكثرهم. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، و"التذكرة" لابن غلبون ٢/ ٣٩٦، و"البيان" ١/ ٣١٨، وابن عطية ٥/ ١٦٨.
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٣/ ٢٩٣.
(٣) وهو اختيار الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٣، و"الطبري" في "تفسيره" ٧/ ١٧٥ - ١٧٦، و"النحاس في معانيه" ٢/ ٢٧٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وانظر: "الخاطريات" لابن جني ص ١٣٢، و"المحتسب" ١/ ٢٥٢.
(٤) في (أ): (وأن لا يكون) وكأن لا ملحقة وعليها علامة تصحيح، ولعله تحريف من الناسخ؛ لأن سياق الكلام يرده.
(٥) في (ش): (ولم يتمنوا).
(٦) أبو عمرو: زبان بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني البصري، تقدمت ترجمته.
(٧) ذكره عنه أكثرهم. انظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٣، و"الكشف" ١/ ٤٢٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٩، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٧.
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٣/ ٢٩٣.
(٣) وهو اختيار الأخفش في "معانيه" ٢/ ٢٧٣، و"الطبري" في "تفسيره" ٧/ ١٧٥ - ١٧٦، و"النحاس في معانيه" ٢/ ٢٧٣، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ١٣٧، وانظر: "الخاطريات" لابن جني ص ١٣٢، و"المحتسب" ١/ ٢٥٢.
(٤) في (أ): (وأن لا يكون) وكأن لا ملحقة وعليها علامة تصحيح، ولعله تحريف من الناسخ؛ لأن سياق الكلام يرده.
(٥) في (ش): (ولم يتمنوا).
(٦) أبو عمرو: زبان بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي المازني البصري، تقدمت ترجمته.
(٧) ذكره عنه أكثرهم. انظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٣، و"الكشف" ١/ ٤٢٨، و"المشكل" ١/ ٢٤٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٠٩، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٧.
75
وقع وأن لا نكذب) (١).
قال ابن الأنباري: (في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ وجهان، أحدهما: أن تكون الواو مبدلة من الفاء، والتقدير: يا ليتنا نُرد فلا نكذب ونكون، فتكون الواو هاهنا بمنزلة الفاء في قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)﴾ [الزمر: ٥٨]، يؤكد هذا الوجه ما روي أن ابن مسعود وابن أبي إسحاق (٢) كانا يقرآن (فلا نكذب) بالفاء منصوبًا (٣). قال: والوجه الآخر في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ الصرف (٤) ومعناه الحال، أي يا ليتنا نرد غير مكذبين، كما تقول العرب (٥): لا نأكل السمك ونشرب اللبن، أي: لا يأكل السمك شاربًا للبن) (٦).
قال ابن الأنباري: (في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ وجهان، أحدهما: أن تكون الواو مبدلة من الفاء، والتقدير: يا ليتنا نُرد فلا نكذب ونكون، فتكون الواو هاهنا بمنزلة الفاء في قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)﴾ [الزمر: ٥٨]، يؤكد هذا الوجه ما روي أن ابن مسعود وابن أبي إسحاق (٢) كانا يقرآن (فلا نكذب) بالفاء منصوبًا (٣). قال: والوجه الآخر في نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ الصرف (٤) ومعناه الحال، أي يا ليتنا نرد غير مكذبين، كما تقول العرب (٥): لا نأكل السمك ونشرب اللبن، أي: لا يأكل السمك شاربًا للبن) (٦).
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٢) ابن أبي إسحاق: عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي أبو بحر البصري، تقدمت ترجمته.
(٣) ذكر قراءة ابن مسعود أكثرهم. انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٥، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، والحجة لابن خالويه ص ١٣٨، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي، و"البحر" ٤/ ١٠٢، وذكرها السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، عن ابن مسعود، وابن أبي إسحاق، وحكى أكثرهم عن ابن أبي إسحاق أنه يقرأ: (نكذب ونكون) بالنصب بلا فاء. انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٤، و"طبقات ابن سلام" ١/ ١٩ - ٢٠، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢: و"طبقات الزبيدي" ص ٣٣.
(٤) يسمي الكوفيون هذه (الواو) واو الصرف، إرشادًا بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفي أو طلب. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣ - ٣٤، ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٥٥، و"المغني" لابن هشام ٢/ ٣٦١.
(٥) انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٢.
(٦) ذكره السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، وقال الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٦: (المعروف من كلام العرب النصب على الجواب بالفاء والصرف بالواو)، ونحوه قال ثعلب كما في "معاني القراءات" ١/ ٣٤٩، وانظر: "المدخل" للحدادي ص ٣٣٣.
(٢) ابن أبي إسحاق: عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي أبو بحر البصري، تقدمت ترجمته.
(٣) ذكر قراءة ابن مسعود أكثرهم. انظر: الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٥، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، والحجة لابن خالويه ص ١٣٨، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٢، والقرطبي، و"البحر" ٤/ ١٠٢، وذكرها السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، عن ابن مسعود، وابن أبي إسحاق، وحكى أكثرهم عن ابن أبي إسحاق أنه يقرأ: (نكذب ونكون) بالنصب بلا فاء. انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٤، و"طبقات ابن سلام" ١/ ١٩ - ٢٠، و"إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢: و"طبقات الزبيدي" ص ٣٣.
(٤) يسمي الكوفيون هذه (الواو) واو الصرف، إرشادًا بصرفه عن سنن الكلام إلى أنها غير عاطفة، وشرط هذه الواو أن يتقدمها نفي أو طلب. انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٣ - ٣٤، ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٥٥، و"المغني" لابن هشام ٢/ ٣٦١.
(٥) انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٢.
(٦) ذكره السمين في "الدر" ٤/ ٥٩٠، وقال الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٧٦: (المعروف من كلام العرب النصب على الجواب بالفاء والصرف بالواو)، ونحوه قال ثعلب كما في "معاني القراءات" ١/ ٣٤٩، وانظر: "المدخل" للحدادي ص ٣٣٣.
76
وشرح أبو علي كلام أبي إسحاق في هذه القراءة، فقال: (من نصب ﴿نُكَذِّبَ﴾ ﴿وَنَكُونَ﴾ أدخل ذلك في التمني؛ لأن التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كله من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا رد وانتفاء التكذيب وكون من المؤمنين) (١)، فإن قيل على هذه القراءة: كيف أكذبهم الله، فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، والتمني لا يدخله الكذب؟ قال ابن الأنباري: (أكذبهم في معنى التمني؛ لأن تمنيهم رجع إلى معنى نحن لا نكذب إذا رددنا، فغلّب عز وجل تأويل الكلام، فأكذبهم ولم يستعمل لفظ التمني؛ لأن القائل إذا قال: ليت لي مالاً فأتصدق به، يريد أنا أتصدق بالمال إذا وجدته وقدرت عليه، فمتى كذب أو صدق في حال التمني؛ فلأن الكلام راجع إلى معنى الإخبار) (٢).
وكان ابن عامر يرفع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وينصب ﴿وَنَكُونَ﴾، وقد ذكرنا
وكان ابن عامر يرفع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ وينصب ﴿وَنَكُونَ﴾، وقد ذكرنا
(١) "الحجة" لأبي علي ٣/ ٩٤، وانظر: "المسائل المنثورة" ص ١٤٩، وهذا قول أكثر البصريين، انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٣، و"الجمل" للزجاجي ص ١٩٤، و"المشكل" ١/ ٢٥٠، و"البيان" ١/ ٣١٨، و"الفريد" ٢/ ١٣٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٨٧ - ٥٩٠.
(٢) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٤، و"السمين في الدر" ٤/ ٥٨٨ مختصرًا وأكثرهم قال: (إن القول بأن التمني لا يدخله الكذب ليس بقوي؛ لأن هذا تمن تضمن معنى العدة، فجاز أن يدخله التكذيب، أو يكون قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ إخبار عن سجية الكفار وحكاية عن حالهم في الدنيا، فلا يدخل الكذب في التمني). قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٦: (هذان الجوابان واضحان، وثانيهما أوضح) ا. هـ وانظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٤، و"الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩١ - ١٩٢، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٢.
(٢) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٢٤، و"السمين في الدر" ٤/ ٥٨٨ مختصرًا وأكثرهم قال: (إن القول بأن التمني لا يدخله الكذب ليس بقوي؛ لأن هذا تمن تضمن معنى العدة، فجاز أن يدخله التكذيب، أو يكون قوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ إخبار عن سجية الكفار وحكاية عن حالهم في الدنيا، فلا يدخل الكذب في التمني). قال السمين في "الدر" ٤/ ٥٨٦: (هذان الجوابان واضحان، وثانيهما أوضح) ا. هـ وانظر: "الحجة" لأبي علي ٣/ ٢٩٤، و"الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٦٨ - ١٦٩، الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩١ - ١٩٢، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٢.
77
وجهين في رفع ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، وذكرنا وجه من قرأ بالنصب فيهما، فيحتمل أن ابن عامر أدخل ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾ [في التمني] (١)، وإن كان رفعًا على ما بينا والكون داخل فيه إذا نصب، ويحتمل أنه أراد الإخبار في ﴿وَلَا نُكَذِّبَ﴾، وأدخل الكون في التمني (٢).
٢٨ - قوله تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ معنى ﴿بَلْ﴾ هاهنا رد لكلامهم وإضراب عن توهم صحة عزيمتهم على الإنابة التي كان (٣) تمني الرجعة لأجلها، يقول الله تعالى -ليس على ما قالوا-: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾، فلذلك اعتذروا وتمنوا الرد، أي: إنما اعتذروا حين افتضحوا (٤). واختلفوا في معني: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ﴾، فقال أبو روق: إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر وذلك حين ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾) (٥)، وعلى هذا أهل التفسير (٦). وحكى عن المبرد أنه قال: (بدا لهم وباله وسوء عاقبته، وكأن كفرهم لم يكن باديًا لهم إذ خفي مضرته، وهذا كما تقول لمن وقع فيما
٢٨ - قوله تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ معنى ﴿بَلْ﴾ هاهنا رد لكلامهم وإضراب عن توهم صحة عزيمتهم على الإنابة التي كان (٣) تمني الرجعة لأجلها، يقول الله تعالى -ليس على ما قالوا-: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾، فلذلك اعتذروا وتمنوا الرد، أي: إنما اعتذروا حين افتضحوا (٤). واختلفوا في معني: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ﴾، فقال أبو روق: إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر وذلك حين ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾) (٥)، وعلى هذا أهل التفسير (٦). وحكى عن المبرد أنه قال: (بدا لهم وباله وسوء عاقبته، وكأن كفرهم لم يكن باديًا لهم إذ خفي مضرته، وهذا كما تقول لمن وقع فيما
(١) لفظ: (في التمني) ساقط من (أ).
(٢) انظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٤٩، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٤، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، ولأبي علي الفارسي ٣/ ٢٩٣، ولابن زنجلة ص ٢٤٥، و"الكشف" ١/ ٤٢٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٩.
(٣) في (أ): (كانت يتمنى).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٥) ذكره الثعلبي ١٧٦ ب، والرازي ١٢/ ١٩٣، والقرطبي ٦/ ٤١٠، و"البحر" ٤/ ١٠٣.
(٦) انظر: الطبري ٧/ ١٧٦ - ١٧٧، السمرقندي ١/ ٤٨٠، الرازي ١٢/ ١٩٣.
(٢) انظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٤٩، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٤، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، ولأبي علي الفارسي ٣/ ٢٩٣، ولابن زنجلة ص ٢٤٥، و"الكشف" ١/ ٤٢٧، و"المشكل" ١/ ٢٤٩.
(٣) في (أ): (كانت يتمنى).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٥) ذكره الثعلبي ١٧٦ ب، والرازي ١٢/ ١٩٣، والقرطبي ٦/ ٤١٠، و"البحر" ٤/ ١٠٣.
(٦) انظر: الطبري ٧/ ١٧٦ - ١٧٧، السمرقندي ١/ ٤٨٠، الرازي ١٢/ ١٩٣.
78
كنت حذرته قبل ظهر لك الآن ما قلت لك، وقد كان ظاهرًا له ذلك القول قبل هذا) (١). وقال الزجاج: (بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء عنهم من أمر البعث والنشور، قال: لأن المتصل بهذا: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (٢)، وهذا قول الحسن قال: (بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض) (٣)، وكل هذا بمعنى: ظهرت فضيحتهم في الآخرة وتهتكت أستارهم (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ قال ابن عباس: (يريد إلى ما نهوا عنه من الشرك) (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ قال ابن عباس: (يريد إلى ما نهوا عنه من الشرك) (٥).
(١) ذكره الثعلبي ص ١٧٦ ب، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٣، و"القرطبي" ٦/ ٤١٠، وابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٥ - ١٤٦.
(٢) "معني الزجاج" ٢/ ٢٤٠، ونحوه قال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤١٤.
(٣) ذكره الماوردي ٢/ ١٠٦، وابن عطية ٥/ ١٧٢، وابن الجوزي ٣/ ٢٣، والرازي ١٢/ ١٩٤، والقرطبي ٦/ ٤١٠، و"البحر" ٤/ ١٠٣.
(٤) قال الرازي ١٢/ ١٩٤: (اللفظ محتمل لوجوه كثيرة، والمقصود منها بأسرها أنه ظهرت فضيحتهم في الآخرة وانتهكت أستارهم) ا. هـ. ومعنى الآية -والله أعلم-: ظهرت في الآخرة فضيحتهم وعاقبة أعمالهم وما كانوا يخفون من علمهم أنهم على باطل وأن الرسل على حق، فعاينوا ذلك عيانًا بعد أن كانوا يخفونه ويتواصون بإخفائه. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، و"الكشاف" ٢/ ١٣، و"بدائع التفسير" ٢/ ١٤٥، وابن كثير ٢/ ١٤٤ - ٤٤٥.
(٥) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٦، وابن الجوزي ٣/ ٢٤، وأخرج ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٩ بسند جيد عنه قال: (أخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ا. هـ وفي "الدر المنثور" ٣/ ١٦، قال: (أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: (أي لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا) ا. هـ.
(٢) "معني الزجاج" ٢/ ٢٤٠، ونحوه قال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤١٤.
(٣) ذكره الماوردي ٢/ ١٠٦، وابن عطية ٥/ ١٧٢، وابن الجوزي ٣/ ٢٣، والرازي ١٢/ ١٩٤، والقرطبي ٦/ ٤١٠، و"البحر" ٤/ ١٠٣.
(٤) قال الرازي ١٢/ ١٩٤: (اللفظ محتمل لوجوه كثيرة، والمقصود منها بأسرها أنه ظهرت فضيحتهم في الآخرة وانتهكت أستارهم) ا. هـ. ومعنى الآية -والله أعلم-: ظهرت في الآخرة فضيحتهم وعاقبة أعمالهم وما كانوا يخفون من علمهم أنهم على باطل وأن الرسل على حق، فعاينوا ذلك عيانًا بعد أن كانوا يخفونه ويتواصون بإخفائه. انظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٢، و"الكشاف" ٢/ ١٣، و"بدائع التفسير" ٢/ ١٤٥، وابن كثير ٢/ ١٤٤ - ٤٤٥.
(٥) "تنوير المقباس" ٢/ ١٢، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٦، وابن الجوزي ٣/ ٢٤، وأخرج ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٧٩ بسند جيد عنه قال: (أخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ا. هـ وفي "الدر المنثور" ٣/ ١٦، قال: (أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: (أي لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا) ا. هـ.
79
قال أبو إسحاق: (المعنى: إن أكثر أهل الكتاب والمشركين عاندوا بعد أن علموا أن أمر الله حق (١)، فركنوا إلى الرفاهية، وأن الشيء متأخر عنهم إلى أمدٍ، كما فعل إبليس الذي قد شاهد من براهين الله ما لا غاية بعده، فأعلم الله عز وجل أن هؤلاء لو ردوا لعادوا كما أنهم كفروا في الدنيا بعد قيام الدليل ووجوب الحجة عليهم) (٢).
وهذه الآية من الأدلة الظاهرة على تكذيب القدرية، وذلك أن الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك، فقال: لو أنهم شاهدوا النار والحساب وسألوا الرجعة وردوا، لعادوا إلى الشرك، وذلك للقضاء السابق فيهم، وإلا فالعاقل لا يكاد يرتاب فيما شاهد (٣).
٢٩ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ كان ابن زيد (٤) يقول: (هذا عطف على قوله: ﴿لَعَادُوا﴾، والمعنى: لعادوا إلى الشرك، لقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا، وأنكروا البعث) (٥). والآخرون: (على أن هذا ابتداء، إخبار عنهم أنهم كذلك كانوا يقولون في الدنيا) (٦).
وهذه الآية من الأدلة الظاهرة على تكذيب القدرية، وذلك أن الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك، فقال: لو أنهم شاهدوا النار والحساب وسألوا الرجعة وردوا، لعادوا إلى الشرك، وذلك للقضاء السابق فيهم، وإلا فالعاقل لا يكاد يرتاب فيما شاهد (٣).
٢٩ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ كان ابن زيد (٤) يقول: (هذا عطف على قوله: ﴿لَعَادُوا﴾، والمعنى: لعادوا إلى الشرك، لقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا، وأنكروا البعث) (٥). والآخرون: (على أن هذا ابتداء، إخبار عنهم أنهم كذلك كانوا يقولون في الدنيا) (٦).
(١) في (أ): (أن الأمر لله حق).
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٠، انظر: الطبري ٧/ ١٧٦ - ١٧٧، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٤ "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٦.
(٣) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٤، وأبو حيان ٤/ ١٠٤، عن الواحدي.
(٤) ابن زيد: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، تقدمت ترجمته.
(٥) أخرجه الطبري ٧/ ١٧٧، ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٠، بسند جيد، وذكره أكثرهم، وهو ظاهر كلام الزمخشري ٢/ ١٣، و"البيضاوي" ١/ ١٣٦، وقال القرطبي ٦/ ٤١١،: (يحمل هذا على المعاند... أو على أن الله يلبس عليهم بعد ما عرفوا، وهذا شائع في العقل) ا. هـ.
(٦) هذا قول الجمهور واختيار الطبري ٧/ ١٧٧، والجمع بينهما حسن، فيقال. لما كان ديدنهم في الدنيا هو الكذب بالآخرة الذي كانوا يعبرون عنه بتلك المقولة: =
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٠، انظر: الطبري ٧/ ١٧٦ - ١٧٧، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٤ "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٦.
(٣) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٤، وأبو حيان ٤/ ١٠٤، عن الواحدي.
(٤) ابن زيد: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، تقدمت ترجمته.
(٥) أخرجه الطبري ٧/ ١٧٧، ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٠، بسند جيد، وذكره أكثرهم، وهو ظاهر كلام الزمخشري ٢/ ١٣، و"البيضاوي" ١/ ١٣٦، وقال القرطبي ٦/ ٤١١،: (يحمل هذا على المعاند... أو على أن الله يلبس عليهم بعد ما عرفوا، وهذا شائع في العقل) ا. هـ.
(٦) هذا قول الجمهور واختيار الطبري ٧/ ١٧٧، والجمع بينهما حسن، فيقال. لما كان ديدنهم في الدنيا هو الكذب بالآخرة الذي كانوا يعبرون عنه بتلك المقولة: =
٣٠ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ ليس يصح في هذه الآية شيء من الوجوه التي ذكرناها في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام: ٢٧] إلا وجهًا واحداً، وهو أن المعنى هاهنا: عرفوا ربهم ضرورة كما تقول: وقفته على كلام فلان، أي: عرفته إياه (١).
وقال أصحاب المعاني في هذه الآية: (وقفوا على مسألة (٢) ربهم لتقريرهم بما فيه توبيخ لهم على ما سلف من جحودهم، فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة من وقوف العبد بين يدي سيده، لما في ذلك من البلاغة بإخراج المعنى على ما جرت به العادة) (٣).
وقال أصحاب المعاني في هذه الآية: (وقفوا على مسألة (٢) ربهم لتقريرهم بما فيه توبيخ لهم على ما سلف من جحودهم، فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة من وقوف العبد بين يدي سيده، لما في ذلك من البلاغة بإخراج المعنى على ما جرت به العادة) (٣).
= ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ فإنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى ديدنهم ذلك ولقالوا نفس المقولة.
انظر: ابن عطية ٥ - ١٧٢ - ١٧٣، الرازي ١٢/ ١٩٤، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٥، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٢.
(١) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٦، وفيه نظر؛ لأنه تحصيل حاصل والكفار يعرفون ربهم ويقرون بوجوده. وإنما ينكرون توحيد العبادة حيث يعبدون مع الله غيره، فالأولى حمل الآية على ظاهرها، أي: حبسوا على الله تعالى في الآخرة للفصل والقضاء، وأن هذا حق وليس باطلاً كما يظنون. قال السمرقندي ١/ ٤٨٠: (أي: عرضوا وسيقوا وحبسوا عند ربهم وعند عذابه) ا. هـ وقال ابن كثير ٢/ ١٤٥: (أي: أوقفوا بين يديه) ا. هـ
(٢) أكثرهم على أن المعنى: (حبسوا على ربهم، أي: على حكم الله وقضائه فيهم ومسألته).
انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن عطية ٥/ ١٧٣، والقرطبي ٦/ ٤١١.
(٣) انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، والرازي ١٢/ ١٩٦، و"الفريد" ٢/ ١٣٩، و"البحر" ٤/ ١٠٥، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٤، و"البيضاوي" ١/ ١٣٦.
انظر: ابن عطية ٥ - ١٧٢ - ١٧٣، الرازي ١٢/ ١٩٤، و"الفريد" ٢/ ١٣٨، و"البحر" ٤/ ١٠٥، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٢.
(١) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٦، وفيه نظر؛ لأنه تحصيل حاصل والكفار يعرفون ربهم ويقرون بوجوده. وإنما ينكرون توحيد العبادة حيث يعبدون مع الله غيره، فالأولى حمل الآية على ظاهرها، أي: حبسوا على الله تعالى في الآخرة للفصل والقضاء، وأن هذا حق وليس باطلاً كما يظنون. قال السمرقندي ١/ ٤٨٠: (أي: عرضوا وسيقوا وحبسوا عند ربهم وعند عذابه) ا. هـ وقال ابن كثير ٢/ ١٤٥: (أي: أوقفوا بين يديه) ا. هـ
(٢) أكثرهم على أن المعنى: (حبسوا على ربهم، أي: على حكم الله وقضائه فيهم ومسألته).
انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن عطية ٥/ ١٧٣، والقرطبي ٦/ ٤١١.
(٣) انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، والرازي ١٢/ ١٩٦، و"الفريد" ٢/ ١٣٩، و"البحر" ٤/ ١٠٥، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٤، و"البيضاوي" ١/ ١٣٦.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾، أي: هذا البعث، فيقرون حين لا ينفعهم ذلك، ويقولون: ﴿بَلَى وَرَبِّنَا﴾، فيقول الله تعالى (١): ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾، وخص لفظ الذوق (٢)؛ لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في شدة الإحساس من غير أن يصيروا إلى حال من يشم الطعام في نقصان الإدراك. وقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٠] أي: بكفركم (٣).
٣١ - قوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ الآية. قال أصحاب المعاني: (إنما وصفوا بالخسران؛ لأنهم باعوا الإيمان بالكفر، فعظم خسرانهم في ذلك البيع؛ لأنهم خسروا أنفسهم بإهلاكها بالعذاب، وأعظم الخسران في العمل هلاك النفس، كما أن أعظم الخسران في التجارة ذهاب رأس المال) (٤).
وقوله تعالى: ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد بالبعث والثواب والعقاب والمصير إليه) (٥)، وقد أحكمنا شرح هذا عند قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦]، وقال بعضهم: (المعنى هاهنا كذبوا
٣١ - قوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ الآية. قال أصحاب المعاني: (إنما وصفوا بالخسران؛ لأنهم باعوا الإيمان بالكفر، فعظم خسرانهم في ذلك البيع؛ لأنهم خسروا أنفسهم بإهلاكها بالعذاب، وأعظم الخسران في العمل هلاك النفس، كما أن أعظم الخسران في التجارة ذهاب رأس المال) (٤).
وقوله تعالى: ﴿بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد بالبعث والثواب والعقاب والمصير إليه) (٥)، وقد أحكمنا شرح هذا عند قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦]، وقال بعضهم: (المعنى هاهنا كذبوا
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٨.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٠٢، و"المفردات" ص ٣٣٢، و"اللسان" ٣/ ١٥٢٧ (ذوق) وقال بعضهم: (الذوق في العذاب استعارة بليغة، والمعنى: باشروه مباشرة الذائق، إذ هي أشد المباشرات). انظر: ابن عطية ٦/ ٢٥، والرازي ١٢/ ١٩٦، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
(٣) انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٥.
(٤) انظر نحوه في: الطبري ٧/ ١٧٩، و"المفردات" ص ٢٨١ (خسر)، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن عطية ٥/ ١٧٥، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
(٥) في "تنوير المقباس" ٢/ ١٣ نحوه، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٧ بلا نسبة، وهو قول أكثرهم. انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن الجوزي / ٣/ ٢٤، الرازي ١٢/ ١٩٧.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٠٢، و"المفردات" ص ٣٣٢، و"اللسان" ٣/ ١٥٢٧ (ذوق) وقال بعضهم: (الذوق في العذاب استعارة بليغة، والمعنى: باشروه مباشرة الذائق، إذ هي أشد المباشرات). انظر: ابن عطية ٦/ ٢٥، والرازي ١٢/ ١٩٦، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
(٣) انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٥.
(٤) انظر نحوه في: الطبري ٧/ ١٧٩، و"المفردات" ص ٢٨١ (خسر)، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن عطية ٥/ ١٧٥، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
(٥) في "تنوير المقباس" ٢/ ١٣ نحوه، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٧ بلا نسبة، وهو قول أكثرهم. انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن الجوزي / ٣/ ٢٤، الرازي ١٢/ ١٩٧.
82
بلقاء جزاء الله، إلا أنه قحم اللقاء بإضافته إلى الله، وهذا كما يُقال للميت: لقي فلان عمله، أي: لقي جزاء عمله) (١).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾، معنى ﴿حَتَّى﴾ هاهنا بيان أن منتهى تكذيبهم الحسرة يوم القيامة، والمعنى: كذبوا إلى أن ظهرت الساعة بغتة (٢)، والمراد بالساعة (٣): القيامة، وقيل: (يوم القيامة الساعة؛ لسرعة الحساب للجزاء فيها، كأنه قيل: ما هي إلا ساعة الحساب للجزاء حتى جعل أهل المنزلين في منازلهم من الجنة والنار)، هذا قول بعض أهل المعاني (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾، معنى ﴿حَتَّى﴾ هاهنا بيان أن منتهى تكذيبهم الحسرة يوم القيامة، والمعنى: كذبوا إلى أن ظهرت الساعة بغتة (٢)، والمراد بالساعة (٣): القيامة، وقيل: (يوم القيامة الساعة؛ لسرعة الحساب للجزاء فيها، كأنه قيل: ما هي إلا ساعة الحساب للجزاء حتى جعل أهل المنزلين في منازلهم من الجنة والنار)، هذا قول بعض أهل المعاني (٤).
(١) ذكر أبو علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٢٦ نحوه قال في الآية: (المعنى بالبعث يقوي ذلك ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٣١] أي: ملاقو ثواب ربهم وملاقو جزائه إن ثوابًا وإن عقابًا)، وذكر نحوه أكثرهم.
انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية ٥/ ١٧٥، والقرطبي ٦/ ٤١١، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
وهذا التقدير في الآية محتمل، وإن قصد به نفي الرؤية فهو مردود، والأولى حمل الآية على ظاهرها وعدم صرفها عنه.
(٢) وعلى هذا تكون حتى غاية لكذبوا، والمعنى: منتهى تكذيبهم الحسرة، ولا يجوز أن تكون غاية لخسر؛ لأن خسرانهم لا غاية له، أفاده أكثرهم. انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، والرازي ١٢/ ١٩٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٩، و"البحر" ٤/ ١٠٦، البيضاوي ١/ ١٣٦.
(٣) هذا قول أكثرهم. انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٤.
(٤) هذا قول الراغب في "المفردات" ص ٤٣٤، والقرطبي ٦/ ٤١٢، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٦، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٩٥، و"عمدة الحفاظ" ص ٢٥٤.
انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، وابن عطية ٥/ ١٧٥، والقرطبي ٦/ ٤١١، و"البحر" ٤/ ١٠٦.
وهذا التقدير في الآية محتمل، وإن قصد به نفي الرؤية فهو مردود، والأولى حمل الآية على ظاهرها وعدم صرفها عنه.
(٢) وعلى هذا تكون حتى غاية لكذبوا، والمعنى: منتهى تكذيبهم الحسرة، ولا يجوز أن تكون غاية لخسر؛ لأن خسرانهم لا غاية له، أفاده أكثرهم. انظر: "الكشاف" ٢/ ١٣، والرازي ١٢/ ١٩٧، و"الفريد" ٢/ ١٣٩، و"البحر" ٤/ ١٠٦، البيضاوي ١/ ١٣٦.
(٣) هذا قول أكثرهم. انظر: الطبري ٧/ ١٧٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٤.
(٤) هذا قول الراغب في "المفردات" ص ٤٣٤، والقرطبي ٦/ ٤١٢، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٦، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٩٥، و"عمدة الحفاظ" ص ٢٥٤.
83
وقال غيره: (الساعة (١): الوقت الذي تقوم فيه القيامة، سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة) (٢)، وهذا القول أصح. ألا ترى أنه قال: ﴿بَغْتَةً﴾ والبغت والبغتة (٣): الفجأة.
قال ابن عباس: (يريد أن الساعة لا يعلمها أحد إلا هو) (٤) -يعني: أنها تأتي فجأة- لأنه لا يعلم أحد متى إبانها فينتظرها.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا﴾ قال الزجاج (٥) وابن الأنباري (٦): (معنى دعاء الحسرة: تنبيه الناس على ما وقع بهم من الحسرة، والعرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم يقع فيه جعلته نداء، كقوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠]، و {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ
قال ابن عباس: (يريد أن الساعة لا يعلمها أحد إلا هو) (٤) -يعني: أنها تأتي فجأة- لأنه لا يعلم أحد متى إبانها فينتظرها.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا﴾ قال الزجاج (٥) وابن الأنباري (٦): (معنى دعاء الحسرة: تنبيه الناس على ما وقع بهم من الحسرة، والعرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم يقع فيه جعلته نداء، كقوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠]، و {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ
(١) جاء في (أ): تكرار لفظ: (الساعة).
(٢) هذا قول الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٧، وابن منظور في "اللسان" ٤/ ٢١٥١ (سوع) والقاسمي في تفسيره ٦/ ٢٢٨٥، والأقوال متقاربة. قال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٤٦، ٣/ ٢١٤: (الساعة اسم لإماتة الخلق واحيائهم). وانظر الرازي ١٢/ ١٩٧، والخازن ٢/ ١٢٨.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٣، الطبري ٧/ ١٧٨، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤١، ٣/ ١٣١، الزاهر ٢/ ٥، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٥، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٤، و"اللسان" ١/ ٣١٧ (بغت).
(٤) لم أقف عليه.
(٥) أطال الزجاج في تقرير هذا الوجه في مواضع من معانيه ٣/ ٣٥٤، ٤/ ٢٨٤، وقال: (معنى الحسرة: أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له بعده حتى يبقى حسرًا، والفائدة من مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل؛ لأن النداء باب تنبيه، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه فتأويل الحسرة والويل قد حلا به، وإنهما لازمان له غير مفارقين). وانظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨١٤ - ٨١٥.
(٦) لم أقف عليه بعد طول بحث عنه في مظانه.
(٢) هذا قول الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٧، وابن منظور في "اللسان" ٤/ ٢١٥١ (سوع) والقاسمي في تفسيره ٦/ ٢٢٨٥، والأقوال متقاربة. قال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٤٦، ٣/ ٢١٤: (الساعة اسم لإماتة الخلق واحيائهم). وانظر الرازي ١٢/ ١٩٧، والخازن ٢/ ١٢٨.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٣، الطبري ٧/ ١٧٨، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤١، ٣/ ١٣١، الزاهر ٢/ ٥، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٥، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٤، و"اللسان" ١/ ٣١٧ (بغت).
(٤) لم أقف عليه.
(٥) أطال الزجاج في تقرير هذا الوجه في مواضع من معانيه ٣/ ٣٥٤، ٤/ ٢٨٤، وقال: (معنى الحسرة: أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له بعده حتى يبقى حسرًا، والفائدة من مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل؛ لأن النداء باب تنبيه، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه فتأويل الحسرة والويل قد حلا به، وإنهما لازمان له غير مفارقين). وانظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨١٤ - ٨١٥.
(٦) لم أقف عليه بعد طول بحث عنه في مظانه.
84
اللَّهِ} (١) [الزمر: ٥٦]، و ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ (٢) [هود: ٧٢]، وهذا أبلغ من أن يقول: الحسرة علينا في تفريطنا) (٣)، ومثله: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤]؛ تأويله: يا أيها الناس تنبهوا على ما وقع في زمان الأسف، فوقع النداء على غير المنادي في الحقيقة؛ لاتساع العرب في مجازها (٤)، وهذا كقولهم: لا أريتك هاهنا، وقع النهي على غير المنهي في الحقيقة.
وقال سيبويه: (إنك إذا قلت: يا عجباه (٥)، فكأنك قلت: احضر وقال يا عجيب، فإنه من أزمانك، وتأويل يا حسرتاه: انتبهوا على أنّا قد خسرنا) (٦)، فقد حصل للنداء هاهنا تأويلان أحدهما: أن النداء للحسرة، والمراد به تنبيه المخاطبين على قول الزجاج وأبي بكر، وعلى قول سيبويه دُعيت الحسرة على معنى أن هذا وقتك فتعالي (٧).
وقال سيبويه: (إنك إذا قلت: يا عجباه (٥)، فكأنك قلت: احضر وقال يا عجيب، فإنه من أزمانك، وتأويل يا حسرتاه: انتبهوا على أنّا قد خسرنا) (٦)، فقد حصل للنداء هاهنا تأويلان أحدهما: أن النداء للحسرة، والمراد به تنبيه المخاطبين على قول الزجاج وأبي بكر، وعلى قول سيبويه دُعيت الحسرة على معنى أن هذا وقتك فتعالي (٧).
(١) في النسخ: (يا حسرتا..)، وهو تحريف.
(٢) في النسخ: (يا ويلتا..)، وهو تحريف.
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٢٤١.
(٤) هذا من كلام الواحدي، وذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٧، انظر: "معاني الزجاج" ٣/ ٢٣٥.
(٥) جاء في (أ): (يا عجبا).
(٦) النص عند الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٤١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٥، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٨، و"الفريد" للهمذاني ٢/ ١٤٠، وقال سيبويه في "الكتاب" ٢/ ٢١٧: (وقالوا: يا للعجب لما رأوا عجبًا، كأنه يقول: تعال يا عجيب، فإنه من أيامك وزمانك) ا. هـ ملخصًا. وانظر: "معاني الفراء" ٢/ ٤٢١، و"معاني الأخفش" ١/ ٢٠٤، و"المقتضب" للمبرد ٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٧) والظاهر أن الجميع مراد في ذلك، فنداء الحسرة للتنبيه وتعظيم الأمر وتشنيعه، وكأنه يقول: اقربي واحضري فهذا وقتك وزمانك، وفي ذلك تعظيم للأمر على نفس المتكلم وعلى سامعه وهو المقصود بنداء ما لا يعقل. وهذا ظاهر كلام أكثرهم. انظر: المدخل للحدادي ص ٥٨٨، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣٨، ابن =
(٢) في النسخ: (يا ويلتا..)، وهو تحريف.
(٣) معاني الزجاج ٢/ ٢٤١.
(٤) هذا من كلام الواحدي، وذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٧، انظر: "معاني الزجاج" ٣/ ٢٣٥.
(٥) جاء في (أ): (يا عجبا).
(٦) النص عند الزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٤١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٥، والرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٩٨، و"الفريد" للهمذاني ٢/ ١٤٠، وقال سيبويه في "الكتاب" ٢/ ٢١٧: (وقالوا: يا للعجب لما رأوا عجبًا، كأنه يقول: تعال يا عجيب، فإنه من أيامك وزمانك) ا. هـ ملخصًا. وانظر: "معاني الفراء" ٢/ ٤٢١، و"معاني الأخفش" ١/ ٢٠٤، و"المقتضب" للمبرد ٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٧) والظاهر أن الجميع مراد في ذلك، فنداء الحسرة للتنبيه وتعظيم الأمر وتشنيعه، وكأنه يقول: اقربي واحضري فهذا وقتك وزمانك، وفي ذلك تعظيم للأمر على نفس المتكلم وعلى سامعه وهو المقصود بنداء ما لا يعقل. وهذا ظاهر كلام أكثرهم. انظر: المدخل للحدادي ص ٥٨٨، و"تفسير البغوي" ٣/ ١٣٨، ابن =
85
وقوله تعالى: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ قال أبو عبيد: (يقال: فرطت في الشىء، أي: ضيعته) (١).
وقوله: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾، أي: تركنا وضيعنا فيها. وهو قول أبي عبيدة (٢) وأكثر أهل اللغة (٣)، وبه قال الحسن، فقال: (على ما ضيعنا) (٤)، والتأويل: يا حسرتنا على ما تركنا من عمل الآخرة.
وقوله: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾، أي: تركنا وضيعنا فيها. وهو قول أبي عبيدة (٢) وأكثر أهل اللغة (٣)، وبه قال الحسن، فقال: (على ما ضيعنا) (٤)، والتأويل: يا حسرتنا على ما تركنا من عمل الآخرة.
= عطية ٥/ ١٧٦، وابن الجوزي ٣/ ٢٥، و"التبيان" ص ٣٢٩، والقرطبي ٦/ ٤١٢، و"البحر" ٤/ ١٠٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٥، و"روح المعاني" ٧/ ١٣٢، و"التحرير والتنوير" ٧/ ١٩٠.
(١) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧٢ - ٢٧٧٣، وفي "غريب الحديث" ١/ ٣٦، قال أبو عبيد: (قال الأصمعي: الفرط والفارط: المتقدم في طلب الماء... ويقال: أفرطت الشيء، أي: نسيته) ا. هـ. ملخصًا.
(٢) مجاز القرآن ١/ ١٩٠، وهو قول أكثرهم. انظر: "معاني الفراء" ٢/ ١٠٨، و"غريب القرآن" ص ١٦٣، والطبري ٧/ ١٧٩، السمرقندي ١/ ٤٨٠، و"العمدة" لمكي ص ١٢٦، و"التحرير والتنوير" ٧/ ١٩١، وقال بعضهم: (التفريط هو التقصير في الشيء مع القدرة على فعله). وهو قريب من المعني الأول. انظر: "الكشاف" ٢/ ١٤، و"البغوي" ٣/ ١٣٨، ابن عطية ٥/ ١٩٤، والخازن ٢/ ١٢٨، و"البحر" ٤/ ١٠٧، والبيضاوي ١/ ١٣٦، والثعالبي ١/ ٥١٤، والقاسمي ٦/ ٥٠٢.
(٣) قال أهل اللغة: (فرط بفتح الراء المخففة سبق وتقدم، وفرط بتشديد الراء المفتوحة، في الشيء، وفرطه: ضيعه وقدم العجز في التقصير، وأكثرهم. على أنه بمعنى: تقدم. ومنهم من قال: هو بمعنى قصر وضيع).
انظر: "العين" ٧/ ٤١٨، و"الجمهرة" ٢/ ٧٥٤، و"الصحاح" ٣/ ١١٤٨، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٤٩٠، و"المجمل" ٣/ ٧١٦، و"المفردات" ص ٦٣١، و"النهاية" لابن الأثير ٣/ ٤٣٤، واللسان ٦/ ٣٣٨٩، والتاج ٥/ ١٩٥ (فرط).
(٤) ذكر الماوردي ٢/ ١٠٦، عن الحسن في قوله: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قال: (مضيعون). وانظر: ابن الجوزي ٧/ ١٩٢، القرطبي ١٥/ ٢٧١، أخرجه الطبري ٧/ ١٧٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨١، بسد جيد عن السدي، وذكره =
(١) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧٢ - ٢٧٧٣، وفي "غريب الحديث" ١/ ٣٦، قال أبو عبيد: (قال الأصمعي: الفرط والفارط: المتقدم في طلب الماء... ويقال: أفرطت الشيء، أي: نسيته) ا. هـ. ملخصًا.
(٢) مجاز القرآن ١/ ١٩٠، وهو قول أكثرهم. انظر: "معاني الفراء" ٢/ ١٠٨، و"غريب القرآن" ص ١٦٣، والطبري ٧/ ١٧٩، السمرقندي ١/ ٤٨٠، و"العمدة" لمكي ص ١٢٦، و"التحرير والتنوير" ٧/ ١٩١، وقال بعضهم: (التفريط هو التقصير في الشيء مع القدرة على فعله). وهو قريب من المعني الأول. انظر: "الكشاف" ٢/ ١٤، و"البغوي" ٣/ ١٣٨، ابن عطية ٥/ ١٩٤، والخازن ٢/ ١٢٨، و"البحر" ٤/ ١٠٧، والبيضاوي ١/ ١٣٦، والثعالبي ١/ ٥١٤، والقاسمي ٦/ ٥٠٢.
(٣) قال أهل اللغة: (فرط بفتح الراء المخففة سبق وتقدم، وفرط بتشديد الراء المفتوحة، في الشيء، وفرطه: ضيعه وقدم العجز في التقصير، وأكثرهم. على أنه بمعنى: تقدم. ومنهم من قال: هو بمعنى قصر وضيع).
انظر: "العين" ٧/ ٤١٨، و"الجمهرة" ٢/ ٧٥٤، و"الصحاح" ٣/ ١١٤٨، و"مقاييس اللغة" ٤/ ٤٩٠، و"المجمل" ٣/ ٧١٦، و"المفردات" ص ٦٣١، و"النهاية" لابن الأثير ٣/ ٤٣٤، واللسان ٦/ ٣٣٨٩، والتاج ٥/ ١٩٥ (فرط).
(٤) ذكر الماوردي ٢/ ١٠٦، عن الحسن في قوله: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قال: (مضيعون). وانظر: ابن الجوزي ٧/ ١٩٢، القرطبي ١٥/ ٢٧١، أخرجه الطبري ٧/ ١٧٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨١، بسد جيد عن السدي، وذكره =
86
وقال الزجاج: ﴿فَرَّطْنَا﴾: قدمنا العجز) (١)، جعله من قولهم: فرط فلان إذا سبق وتقدم، وفرط الشيء إذا قدمه، فالتفريط عنده تقديم التقصير (٢).
وقوله: ﴿فِيهَا﴾ قال ابن عباس: (في الدنيا) (٣).
وروي عن الحسن أنه قال: (في الساعة) (٤)، والمعنى: على ما فرطنا في العمل للساعة والتقدمة لها.
وقوله: ﴿فِيهَا﴾ قال ابن عباس: (في الدنيا) (٣).
وروي عن الحسن أنه قال: (في الساعة) (٤)، والمعنى: على ما فرطنا في العمل للساعة والتقدمة لها.
= السيوطي في "الإتقان" ١/ ١٥١، عن ابن عباس، وهو قول مقاتل في "تفسيره" ١/ ٥٥٧.
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢ وقال في ٣/ ٢٠٧: (الفرط في اللغة: التقديم) ا. هـ. وهو قول السجستاني في "النزهة" ص ٣٥٢، وابن الجوزي ٣/ ٢٥.
(٢) والمعاني كلها متقاربة، فيقال: فرط أي ضيع وقدم العجز والتقصير فيما يقدر عليه. وانظر: "التصاريف" ليحيى بن سلام ص ٣١٨، و"الأضداد" لقطرب ص ١١٤، و"ما اتفق لفظه واختلف معناه" لليزيدي ص ١٨٣، و"ثلاثة كتب في الأضداد" للأصمعي والسجستاني وابن السكيت وبذيلها أضداد الصاغاني ص ١٤١، وص ٢٤١، و"الزاهر" ١/ ٣٠٩، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٧١، و"الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى" للرماني ص ٧٧، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٦٤، والقرطبي ٦/ ٤١٣، و"عمدة الحفاظ" ص ٤٢٠.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤، وذكره الرازي ١٢/ ١٩٨، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٧، والألوسي ٧/ ١٣٢، وهو قول بعضهم. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٧، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والزمخشري ٢/ ١٤، و"الخازن" ٢/ ١٢٨، والبيضاوي ١/ ١٣٦، وظاهر كلامهم عودة الضمير على الدنيا.
(٤) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٩، والقرطبي ٦/ ٤١٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٧، ورجحه ابن عطية ٥/ ١٧٦، والعكبري في "التبيان" ١/ ٣٢٩، والقرطبي ٦/ ٤١٣، وقال الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٤٠: (هذا هو الوجه لجري ذكرها مع صحة المعنى، وإذا صح العائد إلى مذكور فلا وجه للعدول عنه إلى غيره بغير دليل) ا. هـ.
(١) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢ وقال في ٣/ ٢٠٧: (الفرط في اللغة: التقديم) ا. هـ. وهو قول السجستاني في "النزهة" ص ٣٥٢، وابن الجوزي ٣/ ٢٥.
(٢) والمعاني كلها متقاربة، فيقال: فرط أي ضيع وقدم العجز والتقصير فيما يقدر عليه. وانظر: "التصاريف" ليحيى بن سلام ص ٣١٨، و"الأضداد" لقطرب ص ١١٤، و"ما اتفق لفظه واختلف معناه" لليزيدي ص ١٨٣، و"ثلاثة كتب في الأضداد" للأصمعي والسجستاني وابن السكيت وبذيلها أضداد الصاغاني ص ١٤١، وص ٢٤١، و"الزاهر" ١/ ٣٠٩، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٧١، و"الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى" للرماني ص ٧٧، و"تفسير الرازي" ١٢/ ١٦٤، والقرطبي ٦/ ٤١٣، و"عمدة الحفاظ" ص ٤٢٠.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤، وذكره الرازي ١٢/ ١٩٨، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٧، والألوسي ٧/ ١٣٢، وهو قول بعضهم. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٧، والسمرقندي ١/ ٤٨٠، والزمخشري ٢/ ١٤، و"الخازن" ٢/ ١٢٨، والبيضاوي ١/ ١٣٦، وظاهر كلامهم عودة الضمير على الدنيا.
(٤) ذكره الرازي ١٢/ ١٩٩، والقرطبي ٦/ ٤١٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٧، ورجحه ابن عطية ٥/ ١٧٦، والعكبري في "التبيان" ١/ ٣٢٩، والقرطبي ٦/ ٤١٣، وقال الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٤٠: (هذا هو الوجه لجري ذكرها مع صحة المعنى، وإذا صح العائد إلى مذكور فلا وجه للعدول عنه إلى غيره بغير دليل) ا. هـ.
87
وقال السدي (في الجنة) (١) أي: في طلبها والعمل لها، ويحتمل أن تعود الكناية إلى معنى ﴿مَا﴾، وفي قوله ﴿مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ أي: يا حسرتنا على الأعمال والطاعات التي فرطنا فيها (٢).
وروي عن ابن جرير أنه قال: (الكناية تعود إلى الصفقة؛ لأنه لما ذكر الخسران دل على الصفقة) (٣)، فعنده الكناية تعود إلى مدلول عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾، الأوزار: الأثقال من الإثم، قال ابن عباس: (يريد آثامهم وخطاياهم) (٤).
قال أهل (٥) اللغة: (الوزر الثقل، وأصله من الحمل، يُقال: وزرت
وروي عن ابن جرير أنه قال: (الكناية تعود إلى الصفقة؛ لأنه لما ذكر الخسران دل على الصفقة) (٣)، فعنده الكناية تعود إلى مدلول عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾، الأوزار: الأثقال من الإثم، قال ابن عباس: (يريد آثامهم وخطاياهم) (٤).
قال أهل (٥) اللغة: (الوزر الثقل، وأصله من الحمل، يُقال: وزرت
(١) أخرج الطبري ٧/ ١٧٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨١، بسند جيد عنه قال: (ضيعنا من عمل الجنة) ا. هـ. وقال أبو حيان ٤/ ١٠٧، والسمين في "الدر" ٤/ ٥٩٦، والألوسي ٧/ ١٣٢: (لا يخفى بعده) ا. هـ.
(٢) هذا قول ابن الأنباري في "البيان" ١/ ٣١٩، وقال الكرماني في "الغرائب" ١/ ٣٥٧: (العجيب (ما) موصولة (وفيها) كناية عن (ما) وأنث حملًا على الأعمال وهذا حسن) ا. هـ.
(٣) "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٩، وزاد: (معلوم أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت) وعده الكرماني في "غرائبه" ١/ ٣٥٧، من الغريب، والظاهر -والله أعلم- عودة الضمير على الدنيا؛ لأنه ظاهر الآية، ولكونها معلومة، والمعنى يقتضيها، وهي موضع التقصير، والظرفية فيها أمكن، وعودته على الساعة قوي، إلا أنه لا بد فيه من تقدير مضاف، أي: في شأنها والإيمان بها.
انظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٥، و"البحر" ٤/ ١٠٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٦.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٧، والرازي ١٢/ ١٩٩، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٧٠، وأخرج الطبري ٧/ ١٧٩، بسند ضعيف عنه قال: (ذنوبهم) وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٤: (آثامهم).
(٥) قال أهل اللغة: (الوزر، بكسر الواو وسكون الزاي: الإثم والحمل والثقل على الظهر؛ وبفتح الواو: الملجأ). =
(٢) هذا قول ابن الأنباري في "البيان" ١/ ٣١٩، وقال الكرماني في "الغرائب" ١/ ٣٥٧: (العجيب (ما) موصولة (وفيها) كناية عن (ما) وأنث حملًا على الأعمال وهذا حسن) ا. هـ.
(٣) "تفسير الطبري" ٧/ ١٧٩، وزاد: (معلوم أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت) وعده الكرماني في "غرائبه" ١/ ٣٥٧، من الغريب، والظاهر -والله أعلم- عودة الضمير على الدنيا؛ لأنه ظاهر الآية، ولكونها معلومة، والمعنى يقتضيها، وهي موضع التقصير، والظرفية فيها أمكن، وعودته على الساعة قوي، إلا أنه لا بد فيه من تقدير مضاف، أي: في شأنها والإيمان بها.
انظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٥، و"البحر" ٤/ ١٠٧، و"الدر المصون" ٤/ ٥٩٦.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٧، والرازي ١٢/ ١٩٩، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٧٠، وأخرج الطبري ٧/ ١٧٩، بسند ضعيف عنه قال: (ذنوبهم) وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٤: (آثامهم).
(٥) قال أهل اللغة: (الوزر، بكسر الواو وسكون الزاي: الإثم والحمل والثقل على الظهر؛ وبفتح الواو: الملجأ). =
88
الشيء، أي: حملته أزره وزرًا، ثم قيل للذنوب: أوزار؛ لأنها تثقل ظهر من يحملها). وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ [الأنعام: ١٦٤] أي: لا تحمل نفس حاملة.
وقال أبو عبيد: (يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع: احمل وزرك) (١).
وأوزار العرب: أثقالها من السلاح، ووزير السلطان: الذي (٢) يزر عنه أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية، أي: يحمل، وقال الزجاج: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: (أي: يحملون ثقل ذنوبهم) (٣).
واختلفوا في كيفية حملهم الأوزار، فقال المفسرون (٤): (إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء سورة وأطيبه ريحًا، فيقول: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم، فذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥]، قالوا: ركبانًا. وإن
وقال أبو عبيد: (يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع: احمل وزرك) (١).
وأوزار العرب: أثقالها من السلاح، ووزير السلطان: الذي (٢) يزر عنه أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية، أي: يحمل، وقال الزجاج: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: (أي: يحملون ثقل ذنوبهم) (٣).
واختلفوا في كيفية حملهم الأوزار، فقال المفسرون (٤): (إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء سورة وأطيبه ريحًا، فيقول: أنا عملك الصالح، طالما ركبتك في الدنيا، فاركبني أنت اليوم، فذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥]، قالوا: ركبانًا. وإن
= انظر: "الجمهرة" ٢/ ٧١٢، ١٠٦٤، و"الصحاح" ٢/ ٨٤٥، و"مقاييس اللغة" ٦/ ١٠٨، و"المجمل" ٣/ ٩٢٤، و"المفردات" ص ٨٦٧، و"النهاية" لابن الأثير ٥/ ١٧٩، و"اللسان" ٨/ ٤٨٢٤، (وزر).
(١) ذكره الثعلبي ص ١٧٧، والقرطبي ٣/ ٤١٦، ولم أقف عليه عند غيرهما عن أبي عبيد، وجعله الرازي ١٢/ ١٩٩، والشوكاني ٢/ ١٥٩، عن أبي عبيدة، ولعله الصواب؛ لأنه في "مجاز القرآن" ١/ ١٩٠.
(٢) هذا قول الأزهري في "تهذيبه" ٤/ ٣٨٨٣، وانظر: "معاني الزجاج" ٣/ ٣٥٧، و"الاشتقاق" لابن دريد ص ٣٩٦.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وانظر: "غريب اليزيدي" ص ١٣٥، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٢، و"نزهة القلوب" ص ٧١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٦.
(٤) ذكره أكثرهم. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٧، والسمرقندى ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٦، والرازي ١٢/ ١٩٩، و"الدر المنثور" ٣/ ١٧.
(١) ذكره الثعلبي ص ١٧٧، والقرطبي ٣/ ٤١٦، ولم أقف عليه عند غيرهما عن أبي عبيد، وجعله الرازي ١٢/ ١٩٩، والشوكاني ٢/ ١٥٩، عن أبي عبيدة، ولعله الصواب؛ لأنه في "مجاز القرآن" ١/ ١٩٠.
(٢) هذا قول الأزهري في "تهذيبه" ٤/ ٣٨٨٣، وانظر: "معاني الزجاج" ٣/ ٣٥٧، و"الاشتقاق" لابن دريد ص ٣٩٦.
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وانظر: "غريب اليزيدي" ص ١٣٥، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٢، و"نزهة القلوب" ص ٧١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٦.
(٤) ذكره أكثرهم. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٧، والسمرقندى ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٦، والرازي ١٢/ ١٩٩، و"الدر المنثور" ٣/ ١٧.
89
الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحًا فيقول: أنا عملك السيء، طالما ركبتني في الدنيا، فأنا أركبك اليوم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾)، [و] (١) هذا قول قتادة (٢) والسدي (٣).
وقال الزجاج: (هذا مثل جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل (٤) ما يتحمل؛ لأن الثقل كما يستعمل في الوزن (٥) يستعمل في الحال أيضًا، كما تقول: ثقل على خطاب فلان تأويله: كرهت خطابه كراهة اشتدت عليّ) (٦). فعلى هذا المعنى: أنهم يقاسون عذاب آثامهم مقاساة يثقل عليهم ذلك. وقال أهل العربية: (معنى قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: لا تزايلهم أوزارهم، كما تقول: شخصك نصب عيني، أي ذكرك ملازم لي) (٧).
وقال الزجاج: (هذا مثل جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل (٤) ما يتحمل؛ لأن الثقل كما يستعمل في الوزن (٥) يستعمل في الحال أيضًا، كما تقول: ثقل على خطاب فلان تأويله: كرهت خطابه كراهة اشتدت عليّ) (٦). فعلى هذا المعنى: أنهم يقاسون عذاب آثامهم مقاساة يثقل عليهم ذلك. وقال أهل العربية: (معنى قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: لا تزايلهم أوزارهم، كما تقول: شخصك نصب عيني، أي ذكرك ملازم لي) (٧).
(١) لفظ (الواو) ساقط من (ش).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٨، والرازي ١٢/ ١٩٩، والخازن ٢/ ١٢٩.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ١٧٨ - ١٧٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨١ من طرق جيدة عن السدي وعمرو بن قيس الملائي، وأخرجه الطبري ١٥/ ٩٦، طبعة الحلبي، بسند ضعيف عن زيد بن أسلم العدوي.
(٤) في (ش): (الثقل)، وهو تحريف.
(٥) كذا في النسخ، وعند الزجاج ٢/ ٢٤٢ الوزر، ولعله تحريف.
(٦) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وزاد: (فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة) ا. هـ وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٦، وفيه: (الوزر: الإثم، وهو تمثيل) ا. هـ
(٧) ذكره الثعلبي ١٧٧ أ، عن الزجاج، وذكره بعضهم عن فرقة. انظر: الرازي ١٢/ ١٩٩، الخازن ٢/ ١٢٩، والصواب حمل الآية على الحقيقة؛ لأن كلام الله تعالى يحمل على حقيقته ولا يصرف عنها إلا بدليل، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٧، والثعالبي ١/ ٥١٤، والألوسي ١/ ١٣٢.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٨، والرازي ١٢/ ١٩٩، والخازن ٢/ ١٢٩.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ١٧٨ - ١٧٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨١ من طرق جيدة عن السدي وعمرو بن قيس الملائي، وأخرجه الطبري ١٥/ ٩٦، طبعة الحلبي، بسند ضعيف عن زيد بن أسلم العدوي.
(٤) في (ش): (الثقل)، وهو تحريف.
(٥) كذا في النسخ، وعند الزجاج ٢/ ٢٤٢ الوزر، ولعله تحريف.
(٦) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وزاد: (فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة) ا. هـ وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤١٦، وفيه: (الوزر: الإثم، وهو تمثيل) ا. هـ
(٧) ذكره الثعلبي ١٧٧ أ، عن الزجاج، وذكره بعضهم عن فرقة. انظر: الرازي ١٢/ ١٩٩، الخازن ٢/ ١٢٩، والصواب حمل الآية على الحقيقة؛ لأن كلام الله تعالى يحمل على حقيقته ولا يصرف عنها إلا بدليل، وانظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٧، والثعالبي ١/ ٥١٤، والألوسي ١/ ١٣٢.
90
وقوله تعالى: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ ذكرنا معنى ﴿سَاءَ﴾ (١) عند قوله: ﴿وَسَآءَ سَبِيلًا﴾ في [النساء: ٢٢]، قال ابن عباس: (يريد بئس الحمل حملوا) (٢)، وقال الزجاج: (بئس الشيء شيئًا (٣) يزرونه، أي: يحملونه) (٤).
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾، قال المفسرون: (هذا رد لقول الكفار: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (٥) (٦)، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ (٧) (٨)، قال ابن عباس: (يريد حياة المشركين وأهل النفاق وأهل الكفر بالله: ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ يريد: باطل وغرور) (٩)، وإنما خص ابن عباس هذا بحياة الكافر؛ لأن حياة المؤمن فيها أعمال صالحة لا تكون (١٠) لعبًا ولهوًا.
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾، قال المفسرون: (هذا رد لقول الكفار: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (٥) (٦)، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ (٧) (٨)، قال ابن عباس: (يريد حياة المشركين وأهل النفاق وأهل الكفر بالله: ﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ يريد: باطل وغرور) (٩)، وإنما خص ابن عباس هذا بحياة الكافر؛ لأن حياة المؤمن فيها أعمال صالحة لا تكون (١٠) لعبًا ولهوًا.
(١) انظر: البسيط النسخة الأزهرية ١/ ٢٣٧ أ.
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط ١/ ٢٨، والبغوي ٣/ ١٣٩، والخازن ٢/ ١٢٩.
(٣) في النسخ: (شيء).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وهو قول أكثرهم. انظر: "إعراب النحاس" ٢/ ٦٣ والسمرقندي ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٦.
(٥) في النسخ (ما هي) بدلاً من (إن)، وهو تحريف، وفي الجاثية الآية ٢٤، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ الآية.
(٦) في (أ): (حيوتنا) بدلًا من (حياتنا).
(٧) في (أ): (الحيوة) حسب رسم المصحف.
(٨) ذكره عامة المفسرين أن الآية رد على منكري البعث.
انظر: الطبري ٧/ ١٨٠، وابن عطية ٥/ ١٧٩، والرازي ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٤، و"الخازن" ٢/ ١٢٩، و"البحر" ٤/ ١٠٨.
(٩) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٥، و"الخازن" ٢/ ١٢٩، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٨.
(١٠) في (ب): (يكون). وانظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ٢٠٠.
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط ١/ ٢٨، والبغوي ٣/ ١٣٩، والخازن ٢/ ١٢٩.
(٣) في النسخ: (شيء).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، وهو قول أكثرهم. انظر: "إعراب النحاس" ٢/ ٦٣ والسمرقندي ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٦.
(٥) في النسخ (ما هي) بدلاً من (إن)، وهو تحريف، وفي الجاثية الآية ٢٤، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ الآية.
(٦) في (أ): (حيوتنا) بدلًا من (حياتنا).
(٧) في (أ): (الحيوة) حسب رسم المصحف.
(٨) ذكره عامة المفسرين أن الآية رد على منكري البعث.
انظر: الطبري ٧/ ١٨٠، وابن عطية ٥/ ١٧٩، والرازي ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٤، و"الخازن" ٢/ ١٢٩، و"البحر" ٤/ ١٠٨.
(٩) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٥، و"الخازن" ٢/ ١٢٩، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٨.
(١٠) في (ب): (يكون). وانظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ٢٠٠.
91
وقال مقاتل في قوله: (﴿إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ يلهون في الدنيا) (١).
وهذا يؤكد أن المراد بهذا حياة الكافر؛ لأن المؤمن لا يشتغل باللهو في الدنيا عن عمل الآخرة.
وقال آخرون: (هذا عام في حياة المؤمن والكافر، والمراد بقوله: ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أنها تنقضي وتفنى ولا تبقى كاللعب واللهو، يكون لذة فانية عن قريب) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ قال ابن عباس: (يريد الجنة) (٣)، وهو قول الكلبي (٤). ﴿وَالْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾ وسميت ﴿الْآخِرَةُ﴾ لأنها بعد الدنيا (٥). وقرأ ابن عامر: (ولدار الآخرة) بالإضافة (٦).
قال الفراء: (يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، كقولهم: بارحة الأولى، ويوم الخميس، وحق اليقين؛ فإذا اتفقا لم تقل العرب: هذا حق الحق ولا يقين اليقين، وذلك أنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما
وهذا يؤكد أن المراد بهذا حياة الكافر؛ لأن المؤمن لا يشتغل باللهو في الدنيا عن عمل الآخرة.
وقال آخرون: (هذا عام في حياة المؤمن والكافر، والمراد بقوله: ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أنها تنقضي وتفنى ولا تبقى كاللعب واللهو، يكون لذة فانية عن قريب) (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ قال ابن عباس: (يريد الجنة) (٣)، وهو قول الكلبي (٤). ﴿وَالْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾ وسميت ﴿الْآخِرَةُ﴾ لأنها بعد الدنيا (٥). وقرأ ابن عامر: (ولدار الآخرة) بالإضافة (٦).
قال الفراء: (يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، كقولهم: بارحة الأولى، ويوم الخميس، وحق اليقين؛ فإذا اتفقا لم تقل العرب: هذا حق الحق ولا يقين اليقين، وذلك أنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما
(١) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٨، وفيه قال: (﴿إِلَّا لَعِبٌ﴾ إلا باطل، ﴿وَلَهْوٌ﴾ يكون في الدنيا) ا. هـ.
(٢) انظر: "الطبري" ٧/ ١٨٠، والرازي ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٤.
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٠٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٩.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤، وهو قول السمرقندي ١/ ٤٨١، وابن الجوزي ٣/ ٢٧، والقرطبي ٦/ ٤١٥، وغيرهم.
(٥) انظر: "تفسير القرطبي" ٦/ ٤١٥.
(٦) قال ابن الجزري في "النشر" ٢/ ٢٥٧: (قرأ ابن عامر: (ولدار) بلام واحدة وتخفيف الدال. (الآخرة) بخفض التاء على الإضافة، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام. وقرأ الباقون بلامين مع تشديد الدال للإدغام وبالرفع على النعت، وكذا هو في مصاحفهم) ا. هـ وانظر: "السبعة" ص ٢٥٦، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢.
(٢) انظر: "الطبري" ٧/ ١٨٠، والرازي ١٢/ ٢٠٠، والقرطبي ٦/ ٤١٤.
(٣) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢٠٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٩.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ١٤، وهو قول السمرقندي ١/ ٤٨١، وابن الجوزي ٣/ ٢٧، والقرطبي ٦/ ٤١٥، وغيرهم.
(٥) انظر: "تفسير القرطبي" ٦/ ٤١٥.
(٦) قال ابن الجزري في "النشر" ٢/ ٢٥٧: (قرأ ابن عامر: (ولدار) بلام واحدة وتخفيف الدال. (الآخرة) بخفض التاء على الإضافة، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام. وقرأ الباقون بلامين مع تشديد الدال للإدغام وبالرفع على النعت، وكذا هو في مصاحفهم) ا. هـ وانظر: "السبعة" ص ٢٥٦، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢.
92
مختلفان في المعنى، ولا يتوهمون ذلك إذا اتفق اللفظ) (١).
وعند البصريين (٢) لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه وإن اختلف اللفظ، وقالوا في قراءة ابن عامر: (لم يجعل ﴿الْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنه جعلها صفة الساعة، وكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة كما جاز ذلك في اليوم في قوله تعالى: ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [العنكبوت: ٣٦]، فإن قيل: على هذا التقدير الذي ذكرتم يكون قد أقام ﴿الْآخِرَةُ﴾ التي هي الصفة مقام الموصوف الذي هو الساعة، وذلك قبيح! قيل: لا يقبح ذلك إذا كانت الصفة قد استعملت استعمال الأسماء و ﴿الْآخِرَةُ﴾ صارت كالأبطح (٣) والأبرق (٤) في استعمالهما (٥) أسماء. ألا ترى أنه قال تعالى ذكره: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: ٤]، فليست ﴿الْآخِرَةُ﴾ كالصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء (٦)، ومثل ﴿الْآخِرَةُ﴾ في أنها استعملت
وعند البصريين (٢) لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه وإن اختلف اللفظ، وقالوا في قراءة ابن عامر: (لم يجعل ﴿الْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنه جعلها صفة الساعة، وكأنه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة كما جاز ذلك في اليوم في قوله تعالى: ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [العنكبوت: ٣٦]، فإن قيل: على هذا التقدير الذي ذكرتم يكون قد أقام ﴿الْآخِرَةُ﴾ التي هي الصفة مقام الموصوف الذي هو الساعة، وذلك قبيح! قيل: لا يقبح ذلك إذا كانت الصفة قد استعملت استعمال الأسماء و ﴿الْآخِرَةُ﴾ صارت كالأبطح (٣) والأبرق (٤) في استعمالهما (٥) أسماء. ألا ترى أنه قال تعالى ذكره: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: ٤]، فليست ﴿الْآخِرَةُ﴾ كالصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء (٦)، ومثل ﴿الْآخِرَةُ﴾ في أنها استعملت
(١) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٠ - ٣٣١، وقال الأزهري في "معاني القراءات" ١/ ٣٥١: (من قرأ: (ولدار الآخرة) فإنه أضاف الدار إلى الآخرة، والعرب تضيف الشيء إلى نعته، وهو كثير فصيح جيد) ا. هـ. بتصرف. واختار هذا التوجيه البغوي ٣/ ١٣٩.
(٢) انظر: "الأصول" ٢/ ٨، و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ٦٧، و"الإنصاف" ص ٣٥٣، و"المغني" لابن هشام ٢/ ٦٢٦، واختار هذا التوجيه أكثرهم. انظر: "المشكل" ١/ ٢٥١، و"البيان" ١/ ٣١٩، و"الفريد" ٢/ ١٤١.
(٣) الأبطح: مسيل والتسبيح فيه دقاق الحصى. انظر: "القاموس" ص ٢١٣، (بطح).
(٤) الأبرق: كثير التهديد والتوعد. انظر: "القاموس" ص ٨٦٦. (برق).
(٥) في (أ): (استعمالها).
(٦) قال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠٠، في توجيه كلام البصريين: (وحسن ذلك أيضًا في الآية كون هذه الصفة جرت مجرى الجوامد في إيلائها العوامل كثيراً. وكذلك كل ما جاء مما توهم فيه إضافة الموضف إلى صفته، وإنما احتاجوا إلى ذلك لئلا =
(٢) انظر: "الأصول" ٢/ ٨، و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ٦٧، و"الإنصاف" ص ٣٥٣، و"المغني" لابن هشام ٢/ ٦٢٦، واختار هذا التوجيه أكثرهم. انظر: "المشكل" ١/ ٢٥١، و"البيان" ١/ ٣١٩، و"الفريد" ٢/ ١٤١.
(٣) الأبطح: مسيل والتسبيح فيه دقاق الحصى. انظر: "القاموس" ص ٢١٣، (بطح).
(٤) الأبرق: كثير التهديد والتوعد. انظر: "القاموس" ص ٨٦٦. (برق).
(٥) في (أ): (استعمالها).
(٦) قال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠٠، في توجيه كلام البصريين: (وحسن ذلك أيضًا في الآية كون هذه الصفة جرت مجرى الجوامد في إيلائها العوامل كثيراً. وكذلك كل ما جاء مما توهم فيه إضافة الموضف إلى صفته، وإنما احتاجوا إلى ذلك لئلا =
93
استعمال [الأسماء] (١) الدنيا.
والاختيار قراءة العامة (٢)؛ لأن الأولى أن تجعل ﴿الْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾، وإذا كانت صفة لها وجب أن يجري عليها في الإعراب ولا يضاف إليها، والدليل على كونها صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾ قوله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ فقد علمت بإقامتها مقامها أنها هي وليست غيرها فيستقيم أن يضاف إليها (٣).
قوله تعالى: ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ قال ابن عباس: (يريد اتقوا الله ولم يشركوا به شيئًا) (٤).
وقال مقاتل: (للذين اتقوا الشرك) (٥).
وقال الكلبي: (للذين يتقون الكفر والشرك والفواحش) (٦).
والاختيار قراءة العامة (٢)؛ لأن الأولى أن تجعل ﴿الْآخِرَةُ﴾ صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾، وإذا كانت صفة لها وجب أن يجري عليها في الإعراب ولا يضاف إليها، والدليل على كونها صفة ﴿وَلَلدَّارُ﴾ قوله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ فقد علمت بإقامتها مقامها أنها هي وليست غيرها فيستقيم أن يضاف إليها (٣).
قوله تعالى: ﴿خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ قال ابن عباس: (يريد اتقوا الله ولم يشركوا به شيئًا) (٤).
وقال مقاتل: (للذين اتقوا الشرك) (٥).
وقال الكلبي: (للذين يتقون الكفر والشرك والفواحش) (٦).
= يلزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع، لأن الإضافة إما للتعريف أو للتخصيص، والشيء لا يعرف نفسه ولا يخصصها) ا. هـ. وانظر: "التبيان" للعكبري ١/ ٣٣٠.
(١) لفظ: (الأسماء) ساقط من (أ).
(٢) واختار قراءة العامة أيضًا الأزهري في "معاني القراءات" ١/ ٣٥١، ومكي في "الكشف" ١/ ٤٣٠.
(٣) هذا معنى قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٣٠٠ - ٣٠٢، لكنه لم يذكر اختيار قراءة العامة. وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٢٤٦، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٩، والرازي ١٢/ ٢٠٣، والقرطبي ٦/ ٤١٥، و"البحر المحيط" ٤/ ١٠٩.
(٤) ذكر الرازي ١٢/ ٢٠٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٩، عنه نحوه بلفظ: (خير لمن اتقى الكفر والمعاصي)، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٥: (خير لمن اتقى الكفر والشرك والفواحش).
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٨.
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، والمعاني متقاربة، وهي من باب التنبيه على بعض أجزاء التقوى، فأول ما يتقى الكفر، ثم الشرك؛ ثم الفواحش والمعاصي. انظر: الطبري ٧/ ١٨٠، والسمرقندي ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، والقرطبي ٦/ ٣١٥.
(١) لفظ: (الأسماء) ساقط من (أ).
(٢) واختار قراءة العامة أيضًا الأزهري في "معاني القراءات" ١/ ٣٥١، ومكي في "الكشف" ١/ ٤٣٠.
(٣) هذا معنى قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٣٠٠ - ٣٠٢، لكنه لم يذكر اختيار قراءة العامة. وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٢٤٦، و"تفسير ابن عطية" ٥/ ١٧٩، والرازي ١٢/ ٢٠٣، والقرطبي ٦/ ٤١٥، و"البحر المحيط" ٤/ ١٠٩.
(٤) ذكر الرازي ١٢/ ٢٠٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٠٩، عنه نحوه بلفظ: (خير لمن اتقى الكفر والمعاصي)، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٥: (خير لمن اتقى الكفر والشرك والفواحش).
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٨.
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، والمعاني متقاربة، وهي من باب التنبيه على بعض أجزاء التقوى، فأول ما يتقى الكفر، ثم الشرك؛ ثم الفواحش والمعاصي. انظر: الطبري ٧/ ١٨٠، والسمرقندي ١/ ٤٨١، والبغوي ٣/ ١٣٩، والقرطبي ٦/ ٣١٥.
94
وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ (١) معناه: أفلا يعقل الذين يتقون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار، فيعملوا لما ينالون به الدرجة الرفيعة والنعيم الدائم، فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك (٢).
وقرئ: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالتاء (٣) على معنى قل لهم (٤): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، أو يكون قد وجه الخطاب في ذلك إلى الذين خوطبوا، أي ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أيها المخاطبون أن ذلك خير (٥).
٣٣ - قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾. معنى ﴿قَدْ﴾ هاهنا التوقع (٦)، كقولك: قد ركب الأمير، لقوم يتوقعون ذلك، كأن
وقرئ: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالتاء (٣) على معنى قل لهم (٤): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، أو يكون قد وجه الخطاب في ذلك إلى الذين خوطبوا، أي ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أيها المخاطبون أن ذلك خير (٥).
٣٣ - قوله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾. معنى ﴿قَدْ﴾ هاهنا التوقع (٦)، كقولك: قد ركب الأمير، لقوم يتوقعون ذلك، كأن
(١) في (ش): (تعقلون)، وهي قراءة سبعية.
(٢) هذا قول أبي علي الفارسي في "الحجة" ٣/ ٢٩٧، في توجيه القراءة بالياء. وانظر: الطبري ٧/ ١٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٩.
(٣) قرأ ابن عامر ونافع وحفص عن عاصم: (تعقلون) بالتاء، والباقون بالياء. انظر: "السبعة" ص ٢٥٦، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٤) في (أ): (على معنى وقل لهم).
(٥) هذا قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٢٩٧ - ٣٠٠، وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٥٠، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٥، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، ولابن زنجلة ص ٢٤٦، و"الكشف" ١/ ٤٢٩، و"تفسير ابن عطية" ٦/ ٣٨، و"البحر" ٤/ ١١٠، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٠، ونقل قول الواحدي الرازي ١٢/ ١٦٧.
(٦) قد: للتوقع مع المضارع، وكذلك مع الماضي عند الأكثر، وقال ابن هشام في "المغني" ١/ ١٧١: هي مع الماضي للتقريب؛ لأنها تدخل على ماضٍ متوقع. وانظر: "المقتضب" ٢/ ٣٣٤، و"حروف المعاني" للزجاجي ص ١٣، و"معاني الحروف" للرماني ص ٤٤٥، و"رصف المباني" ص٤٤٥، وقال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠١: (قد هنا حرف تحقيق) ا. هـ. وانظر. "الكشاف" ٢/ ١٤، وابن عطية ٥/ ١٨٠، و"البيان" ١/ ٤٩١، و"الفريد" ٢/ ١٤١، و"البحر" ٤/ ١١٠.
(٢) هذا قول أبي علي الفارسي في "الحجة" ٣/ ٢٩٧، في توجيه القراءة بالياء. وانظر: الطبري ٧/ ١٨٠، والبغوي ٣/ ١٣٩.
(٣) قرأ ابن عامر ونافع وحفص عن عاصم: (تعقلون) بالتاء، والباقون بالياء. انظر: "السبعة" ص ٢٥٦، و"المبسوط" ص ١٦٧، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٤) في (أ): (على معنى وقل لهم).
(٥) هذا قول أبي علي في "الحجة" ٣/ ٢٩٧ - ٣٠٠، وانظر: "معاني القراءات" ١/ ٣٥٠، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٥، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، ولابن زنجلة ص ٢٤٦، و"الكشف" ١/ ٤٢٩، و"تفسير ابن عطية" ٦/ ٣٨، و"البحر" ٤/ ١١٠، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٠، ونقل قول الواحدي الرازي ١٢/ ١٦٧.
(٦) قد: للتوقع مع المضارع، وكذلك مع الماضي عند الأكثر، وقال ابن هشام في "المغني" ١/ ١٧١: هي مع الماضي للتقريب؛ لأنها تدخل على ماضٍ متوقع. وانظر: "المقتضب" ٢/ ٣٣٤، و"حروف المعاني" للزجاجي ص ١٣، و"معاني الحروف" للرماني ص ٤٤٥، و"رصف المباني" ص٤٤٥، وقال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠١: (قد هنا حرف تحقيق) ا. هـ. وانظر. "الكشاف" ٢/ ١٤، وابن عطية ٥/ ١٨٠، و"البيان" ١/ ٤٩١، و"الفريد" ٢/ ١٤١، و"البحر" ٤/ ١١٠.
95
النبي - ﷺ - لما سمع تكذيب قومه إياه توقع ما يخاطبه الله تعالى في ذلك فقال: ﴿قَدْ نَعْلَمُ﴾ ذلك تسلية وتعزية عما يواجه به قومه (١).
قال ابن عباس في هذه الآية: (يريد تعزية النبي - ﷺ - وتصبيره فيما تقول (٢) قريش من تكذيبهم إياه) (٣).
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾. دخلت الفاء (٤) في (إنهم) لاقتضاء الكلام الأول هذا (٥)، كأنه قيل: إذا كان قد يحزنك الذي يقولون فاعلم أنهم لا يكذبونك. واختلفوا في معنى قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ فقال ابن عباس: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ في السر قد علموا أنك صادق: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بمحمد والقرآن في العلانية) (٦)، وهذا قول أكثر المفسرين: أبي صالح (٧) وقتادة (٨) والسدي (٩) ومقاتل، قالوا: (هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق محمد - ﷺ -، وأنه غير كاذب فيما يقول، ولكن عاندوا وجحدوا).
قال ابن عباس في هذه الآية: (يريد تعزية النبي - ﷺ - وتصبيره فيما تقول (٢) قريش من تكذيبهم إياه) (٣).
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾. دخلت الفاء (٤) في (إنهم) لاقتضاء الكلام الأول هذا (٥)، كأنه قيل: إذا كان قد يحزنك الذي يقولون فاعلم أنهم لا يكذبونك. واختلفوا في معنى قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ فقال ابن عباس: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ في السر قد علموا أنك صادق: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بمحمد والقرآن في العلانية) (٦)، وهذا قول أكثر المفسرين: أبي صالح (٧) وقتادة (٨) والسدي (٩) ومقاتل، قالوا: (هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق محمد - ﷺ -، وأنه غير كاذب فيما يقول، ولكن عاندوا وجحدوا).
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٠، وابن الجوزي ٣/ ٢٨.
(٢) في (أ): (يقول): بالياء.
(٣) لم أقف عليه. وانظر: "تنوير المقباس" ٢/ ١٥.
(٤) لم أقف على من تكلم عن الفاء هنا. وفي الجدول في "إعراب القرآن" ٤/ ٧/ ١٠٠، قال في الآية: (الفاء للتعليل؛ لأن القول السابق يفيد النهي، أي: لا تحزن إنهم لا يكذبونك) ا. هـ
(٥) في (ش): (هذه).
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩.
(٧) أخرجه الطبري ٧/ ١٨١، بسند جيد، وذكره أكثرهم.
(٨) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٧، والطبري ٧/ ١٨١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٣ بسند جيد.
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩، عن ابن عباس وقتادة والسدي ومقاتل.
(٢) في (أ): (يقول): بالياء.
(٣) لم أقف عليه. وانظر: "تنوير المقباس" ٢/ ١٥.
(٤) لم أقف على من تكلم عن الفاء هنا. وفي الجدول في "إعراب القرآن" ٤/ ٧/ ١٠٠، قال في الآية: (الفاء للتعليل؛ لأن القول السابق يفيد النهي، أي: لا تحزن إنهم لا يكذبونك) ا. هـ
(٥) في (ش): (هذه).
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩.
(٧) أخرجه الطبري ٧/ ١٨١، بسند جيد، وذكره أكثرهم.
(٨) أخرجه عبد الرزاق ١/ ٢/ ٢٠٧، والطبري ٧/ ١٨١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٣ بسند جيد.
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩، عن ابن عباس وقتادة والسدي ومقاتل.
96
يدل على هذا ما قال مقاتل: (نزلت في الحارث بن عامر (١)، كان يكذب النبي - ﷺ - في العلانية، فإذا خلا مع أهله قال: ما محمد من أهل الكذب نعلم أن الذي يقوله حق، ولا يمنعنا من أن نتبعه إلا المخافة من أن يتخطفنا الناس من أرضنا -يعني: العرب- فإنا أكلة رأس ولا طاقة لنا بهم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ في العلانية أنك كذاب ومفترٍ ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ في السر يعلمون أنك صادق، وقد جربوا منك الصدق فيما مضى، ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بالقرآن بعد المعرفة) (٢). ونحو هذا قال الكلبي (٣) سواء.
وقال السدي (٤) وأبو ميسرة (٥) (٦)....................
وقال السدي (٤) وأبو ميسرة (٥) (٦)....................
(١) الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي. مشرك كان يؤذي النبي - ﷺ - وأصحابه بمكة وقتل في بدر مع المشركين. انظر: "السيرة" لابن هشام ٢/ ٣٥٧، و"جوامع السير" ص ١٤٧، و"عيون الأثر" ١/ ٢٨٥.
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٨.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، وذكره الماوردي ٢/ ١٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٩، و"البحر" ٤/ ١١١، وذكره ابن الجوزي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٢، بسند جيد، وذكره أكثرهم.
انظر: "الثعلبي" ص ١٧٧ أ، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢١٩، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٨.
(٥) أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي مشهور بكنيته، إمام تابعي عابد جليل صالح ثقة مخضرم. وقال بعضهم: له صحبة. توفي سنة ٣٦ هـ انظر: "طقات ابن سعد" ٦/ ١٠٦، و"الجرح والتعديل" ٦/ ٢٣٧، و"الحلية" ٤/ ١٤١، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ١٣٥، و"الإصابة" ٤/ ١١٤، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٥٩٦.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩، وأسباب النزول ص ٢١٩، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وقال: (أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه) ا. هـ.
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٨.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٥، وذكره الماوردي ٢/ ١٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٢٩، و"البحر" ٤/ ١١١، وذكره ابن الجوزي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٢، بسند جيد، وذكره أكثرهم.
انظر: "الثعلبي" ص ١٧٧ أ، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٢١٩، والبغوي ٣/ ١٣٩، وابن الجوزي ٣/ ٢٨.
(٥) أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي مشهور بكنيته، إمام تابعي عابد جليل صالح ثقة مخضرم. وقال بعضهم: له صحبة. توفي سنة ٣٦ هـ انظر: "طقات ابن سعد" ٦/ ١٠٦، و"الجرح والتعديل" ٦/ ٢٣٧، و"الحلية" ٤/ ١٤١، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ١٣٥، و"الإصابة" ٤/ ١١٤، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٥٩٦.
(٦) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٩، وأسباب النزول ص ٢١٩، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وقال: (أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه) ا. هـ.
97
وأبو يزيد (١) المدني (٢) وناجية بن كعب (٣) (٤): (نزلت الآية في أبي جهل قال: يا محمد ما نكذبك ولا نتهمك وإنك عندنا لمصدق، ولكنا نكذب ما جئتنا به، ولا نكون تبعًا لعبد مناف، فأنزل الله هذه الآية).
(١) أبو يزيد المدني نزل البصرة لا يعرف اسمه وهو تابعي ثقة، روى عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وغيرهم، وروى عنه أيوب السختياني وغيره، وأخرج له البخاري والنسائي، توفي بعد المائة.
انظر: "الجرح والتعديل" ٩/ ٤٥٨، و"الكاشف" ٢/ ٤٧٢ (٦٩٠٢)، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٦٠٩، و"تقريب التهذيب" (٨٤٥٢) ص ٦٨٥.
(٢) أخرجه ابن حاتم ٤/ ١٢٨٣، بسند رجاله ثقات سوى بشر بن مبشر الواسطي فقد قال ابن حجر في "اللسان" ٢/ ٣٢ (ضعفه الأزدي وذكره ابن حبان في "الثقات" ا. هـ. وانظر: "ميزان الاعتدال" ١/ ٣٢٤، و"المغني للذهبي" ١/ ١٠٧، وذكر الرواية عن أبي يزيد: ابن كثير ٢/ ١٤٦، والسيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.
(٣) ناجية بن كعب الأسدي الكوفي، تابعي ثقة، روى عن علي وعمار رضي الله عنهما وغيرهما، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وغيره. أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي، توفي بعد المائة.
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي ٢/ ٣٠٨ (١٨٣٠)، و"الجرح والتعديل" ٨/ ٤٨٦، و"ميزان الاعتدال" ٤/ ٢٣٩، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٢٠٤، و"التقريب" (٧٠٦٥) ص ٥٥٧.
(٤) أخرجه الترمذي (٣٠٦٤)، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنعام، والطبري ٧/ ١٨٢، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٢، من طرق جيدة عن ناجية، وأخرجه الترمذي وابن أبي حاتم، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٤١٨، والحاكم ٢/ ٣١٥، عن ناجية عن علي رضي الله عنه، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ا. هـ. ووافقه الذهبي وقال: (لم يخرجا لناجية شيئًا). وصححه الشيخ أحمد شاكر في حاشية "عمدة التفسير" ١/ ٧٧٠، وقال: (حديث علي صحيح؛ لأن الوصل زيادة من ثقتين، فهي مقبولة على اليقين) ا. هـ. وقال الترمذي: =
انظر: "الجرح والتعديل" ٩/ ٤٥٨، و"الكاشف" ٢/ ٤٧٢ (٦٩٠٢)، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٦٠٩، و"تقريب التهذيب" (٨٤٥٢) ص ٦٨٥.
(٢) أخرجه ابن حاتم ٤/ ١٢٨٣، بسند رجاله ثقات سوى بشر بن مبشر الواسطي فقد قال ابن حجر في "اللسان" ٢/ ٣٢ (ضعفه الأزدي وذكره ابن حبان في "الثقات" ا. هـ. وانظر: "ميزان الاعتدال" ١/ ٣٢٤، و"المغني للذهبي" ١/ ١٠٧، وذكر الرواية عن أبي يزيد: ابن كثير ٢/ ١٤٦، والسيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.
(٣) ناجية بن كعب الأسدي الكوفي، تابعي ثقة، روى عن علي وعمار رضي الله عنهما وغيرهما، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وغيره. أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي، توفي بعد المائة.
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي ٢/ ٣٠٨ (١٨٣٠)، و"الجرح والتعديل" ٨/ ٤٨٦، و"ميزان الاعتدال" ٤/ ٢٣٩، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٢٠٤، و"التقريب" (٧٠٦٥) ص ٥٥٧.
(٤) أخرجه الترمذي (٣٠٦٤)، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنعام، والطبري ٧/ ١٨٢، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٢، من طرق جيدة عن ناجية، وأخرجه الترمذي وابن أبي حاتم، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٤١٨، والحاكم ٢/ ٣١٥، عن ناجية عن علي رضي الله عنه، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ا. هـ. ووافقه الذهبي وقال: (لم يخرجا لناجية شيئًا). وصححه الشيخ أحمد شاكر في حاشية "عمدة التفسير" ١/ ٧٧٠، وقال: (حديث علي صحيح؛ لأن الوصل زيادة من ثقتين، فهي مقبولة على اليقين) ا. هـ. وقال الترمذي: =
98
وقال قتادة: (يعلمون أنك رسول، ولكن يجحدون) (١).
وقال ابن جريج: (لا يكذبونك بما تقول، ولكن يجحدون بآيات الله).
وقال عطاء: (لا يكذبونك، ولكن جحدوا ربوبيتي وقدرتي وسلطاني) (٢).
ومعنى الجحد: إنكار المعرفة. وهو ضد الإقرار (٣). كانوا (٤) قبل عرفوا ذلك ولم يقروا، وهذا مذهب هؤلاء المفسرين وعليه أكثر (٥) أهل المعاني.
وذكر الزجاج وجهين يوافقان هذا التفسير الذي ذكرناه: (أحدهما ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ بقلوبهم، أي: يعلمون أنك صادق، وإنما جحدوا براهين الله جل وعز، قال: وجائز أن يكون ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ أي: أنت عندهم صدوق؛ لأنه - ﷺ - كان يسمى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم بكذبهم فيه) (٦).
وقال ابن جريج: (لا يكذبونك بما تقول، ولكن يجحدون بآيات الله).
وقال عطاء: (لا يكذبونك، ولكن جحدوا ربوبيتي وقدرتي وسلطاني) (٢).
ومعنى الجحد: إنكار المعرفة. وهو ضد الإقرار (٣). كانوا (٤) قبل عرفوا ذلك ولم يقروا، وهذا مذهب هؤلاء المفسرين وعليه أكثر (٥) أهل المعاني.
وذكر الزجاج وجهين يوافقان هذا التفسير الذي ذكرناه: (أحدهما ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ بقلوبهم، أي: يعلمون أنك صادق، وإنما جحدوا براهين الله جل وعز، قال: وجائز أن يكون ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ أي: أنت عندهم صدوق؛ لأنه - ﷺ - كان يسمى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم بكذبهم فيه) (٦).
= (الموقف على ناجية أصح) ا. هـ. وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" ص ٣٥٤ - رقم ٥٩٠ - ٥٩١، وفي "المشكاة" ٣/ ١٦٢٢ - رقم (٥٨٣٤)، وقال: (الموقوف أصح). وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٨.
(١) سبق تخريجه.
(٢) لم أقف على من ذكره عن ابن جريج وعطاء.
(٣) انظر: "العين" ٣/ ٧٢، و"الجمهرة" ٢/ ٤٣٥، و"تهذيب اللغة" ١/ ٥٤١، و"الصحاح" ٢/ ٤٥١، و"مقاييس اللغة" ١/ ٤٢٥، و"المفردات" ص ١٨٧، و"اللسان" ١/ ٥٤٧ (جحد).
(٤) في (ش): (كأنه قيل).
(٥) جاء في (أ): تكرار لفظ: (أكثر).
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢.
(١) سبق تخريجه.
(٢) لم أقف على من ذكره عن ابن جريج وعطاء.
(٣) انظر: "العين" ٣/ ٧٢، و"الجمهرة" ٢/ ٤٣٥، و"تهذيب اللغة" ١/ ٥٤١، و"الصحاح" ٢/ ٤٥١، و"مقاييس اللغة" ١/ ٤٢٥، و"المفردات" ص ١٨٧، و"اللسان" ١/ ٥٤٧ (جحد).
(٤) في (ش): (كأنه قيل).
(٥) جاء في (أ): تكرار لفظ: (أكثر).
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢.
99
وقال أبو علي الفارسي: (﴿لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾؛ لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة، ولذلك سمي الأمين، ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بألسنتهم ما يعلمونه يقينًا؛ لعنادهم وما يؤثرونه من ترك الانقياد للحق، وقد قال جل وعز في صفة قوم: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾) [النمل: ١٤] (١).
ونحو هذا قال ابن الأنباري (٢)، وهذا الذي ذكرنا مذهب الجمهور في هذه الآية (٣).
وقال الضحاك: (﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ (لا يقدرون على أن تكون رسولاً (٤)، ولا على أن لا يكون القرآن قرآنا، وإنما يكذبونك بألسنتهم) (٥)، فعلى هذا معن ﴿لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ لا يستطيعون أن يجعلوك كذابًا، [وحرر أبو بكر هذا القول فقال: معناه فإنهم لا يصححون عليك كذابًا] (٦)، إذا كان الذي يظهر منك يدل الناس على صدقك، وإن كذبوا
ونحو هذا قال ابن الأنباري (٢)، وهذا الذي ذكرنا مذهب الجمهور في هذه الآية (٣).
وقال الضحاك: (﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ (لا يقدرون على أن تكون رسولاً (٤)، ولا على أن لا يكون القرآن قرآنا، وإنما يكذبونك بألسنتهم) (٥)، فعلى هذا معن ﴿لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ لا يستطيعون أن يجعلوك كذابًا، [وحرر أبو بكر هذا القول فقال: معناه فإنهم لا يصححون عليك كذابًا] (٦)، إذا كان الذي يظهر منك يدل الناس على صدقك، وإن كذبوا
(١) "الحجة" ٣/ ٣٠٣.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١١٤، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٢٩، وابن منظور في "اللسان" ٧/ ٣٨٤١ (كذب).
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١/ ١٥٧، و"تفسير الطبري" ٧/ ١٨١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٧ - ٤١٩، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥٤٤، و"معاني القراءات" للأزهري ١/ ٣٥٢.
(٤) في (ش): (يكون) بالياء.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٢، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ والطبراني، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٧، وقال: (رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه بشر بن عمارة وهو ضعيف) ا. هـ
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١١٤، وابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٢٩، وابن منظور في "اللسان" ٧/ ٣٨٤١ (كذب).
(٣) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١/ ١٥٧، و"تفسير الطبري" ٧/ ١٨١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٧ - ٤١٩، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٥٤٤، و"معاني القراءات" للأزهري ١/ ٣٥٢.
(٤) في (ش): (يكون) بالياء.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٢، بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٨، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ والطبراني، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٨٧، وقال: (رواه الطبراني عن ابن عباس، وفيه بشر بن عمارة وهو ضعيف) ا. هـ
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
100
كمن لم يكذب، ألا ترى أنك تقول لمن يقول ولا يجيد القول: لم يقل هذا اليوم شيئًا، لما لم يُجد كأن قوله كلا قول) (١).
وقال غيره ما يؤكد هذا المعنى، فقال: معناه: (﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ بحجة، أي: فلا يعتد بتكذيبهم، فإنه لا حقيقة له) (٢).
واختلف القراء (٣) في قوله: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ فقرؤوا مشددًا ومخففًا. قال الفراء: (معنى التخفيف -والله أعلم-: لا يجعلونك كذابًا، ولكن يقولون: إن ما جئت به باطل؛ لأنهم لم يجربوا عليه كذبًا فيكذبوه، وإنما أكذبوه، أي: قالوا: إن ما جئت به كذب. قال: والتكذيب أن يقال: كذبت) (٤).
وقال الزجاج: (معنى كذبته: قلت له: كذبت، ومعنى أكذبته: أريت (٥) أن ما أتى به كذب. قال: ومعنى التخفيف: لا يقدرون أن يقولوا لك كذبت) (٦).
وقال غيره ما يؤكد هذا المعنى، فقال: معناه: (﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ بحجة، أي: فلا يعتد بتكذيبهم، فإنه لا حقيقة له) (٢).
واختلف القراء (٣) في قوله: ﴿يُكَذِّبُونَكَ﴾ فقرؤوا مشددًا ومخففًا. قال الفراء: (معنى التخفيف -والله أعلم-: لا يجعلونك كذابًا، ولكن يقولون: إن ما جئت به باطل؛ لأنهم لم يجربوا عليه كذبًا فيكذبوه، وإنما أكذبوه، أي: قالوا: إن ما جئت به كذب. قال: والتكذيب أن يقال: كذبت) (٤).
وقال الزجاج: (معنى كذبته: قلت له: كذبت، ومعنى أكذبته: أريت (٥) أن ما أتى به كذب. قال: ومعنى التخفيف: لا يقدرون أن يقولوا لك كذبت) (٦).
(١) لم أقف عليه، وقريب منه ما نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١١٤، وابن منظور في "اللسان" ٧/ ٣٨٤١، عن ابن الأنباري في معنى الآية أنه قال: (ويمكن أن يكون ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ بمعنى لا يجدونك كذابًا عند البحث والتدبر والتفتيش). ا. هـ.
(٢) ذكر هذا القول الماوردي في "تفسيره" ٢/ ١٠٧، عن أبي صالح وقتادة والسدي، وانظر: "زاد المسير" ٣/ ٢٩.
(٣) قرأ نافع والكسائي (لا يكذبوك) بسكون الكاف وتخفيف الذال من أَكْذبَ، وقرأ الباقون بفتح الكاف وتشديد الذال من كذَب. انظر: "السبعة" ص ٢٥٧، و"المبسوط" ص ١٦٨، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٣١.
(٥) كذا في النسخ، وعند الزجاج ٢/ ٢٤٢: (ادعيت).
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، بتصرف يسير. ولم يشر الزجاج إلى أن ذلك معنى التخفيف.
(٢) ذكر هذا القول الماوردي في "تفسيره" ٢/ ١٠٧، عن أبي صالح وقتادة والسدي، وانظر: "زاد المسير" ٣/ ٢٩.
(٣) قرأ نافع والكسائي (لا يكذبوك) بسكون الكاف وتخفيف الذال من أَكْذبَ، وقرأ الباقون بفتح الكاف وتشديد الذال من كذَب. انظر: "السبعة" ص ٢٥٧، و"المبسوط" ص ١٦٨، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٧، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٧.
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٣١.
(٥) كذا في النسخ، وعند الزجاج ٢/ ٢٤٢: (ادعيت).
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٢، بتصرف يسير. ولم يشر الزجاج إلى أن ذلك معنى التخفيف.
101
وكان الكسائي يقرأ بالتخفيف ويحتج: (بأن العرب تقول: كذبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب وإلى صنعة الأباطيل من القول (١)، وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب ليس هو الصانع له)، حكاه ابن الأنباري عنه (٢).
ونحو هذا حكى عنه أحمد بن يحيى، وقال: (كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بكذب لم يضعه هو، كأنه حكى كذبًا، وكذبته إذا أخبرت أنه كذاب) (٣).
وقال أبو علي: (لا يجوز أن يكون معنى القراءتين واحداً؛ لأن معنى التثقيل النسبة إلى الكذب، بأن تقول له: كذبت، كما تقول: زنيته وفسقته وخطأته، أي: قلت له: فعلت هذه الأشياء، وسقيته ورعيته قلت له: سقاك الله ورعاك الله، وقد جاء في المعنى أفعلته قالوا: أسقيته قلت له: سقاك الله (٤). قال ذو الرمة:
أي: أنسبه إلى السقيا بأن أقول: سقاك الله. فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحداً وإن اختلف اللفظان، إلا أن فَعَّلْتَ إذا أرادوا أن
ونحو هذا حكى عنه أحمد بن يحيى، وقال: (كان الكسائي يحكي عن العرب: أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بكذب لم يضعه هو، كأنه حكى كذبًا، وكذبته إذا أخبرت أنه كذاب) (٣).
وقال أبو علي: (لا يجوز أن يكون معنى القراءتين واحداً؛ لأن معنى التثقيل النسبة إلى الكذب، بأن تقول له: كذبت، كما تقول: زنيته وفسقته وخطأته، أي: قلت له: فعلت هذه الأشياء، وسقيته ورعيته قلت له: سقاك الله ورعاك الله، وقد جاء في المعنى أفعلته قالوا: أسقيته قلت له: سقاك الله (٤). قال ذو الرمة:
وأُسْقيهِ حَتَّى كَادَ ممَّا أَبُثُّهُ | تُكَلّمُنِي أَحْجَارُهُ ومَلاعبُهْ (٥) |
(١) لفظ: (من القول) ساقط من (ش).
(٢) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١١٥.
(٣) "مجالس ثعلب" ٢٧١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٩، و"الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٠٤.
(٤) جاء في (ش): تكرار: (ورعاك الله - إلى سقاك الله).
(٥) "ديوانه" ص ٢٨٨، و"الكتاب" ٤/ ٥٩، و"النوادر" لأبي زيد ص ٢١٣، و"أدب الكاتب" ص ٣٥٦، و"الممتع في التصريف" ١/ ١٨٧، و"اللسان" ٤/ ٢٠٤٢ (سقى)، وقال الخطيب التبريزي في "شرحه" ٢٨٩: (أبثه، أي أخبره بكل ما في نفسي، وأسقيه، أي: أدعو له بالسقيا، وملاعبه: مواضع يلعب فيها) ا. هـ.
(٢) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١١٥.
(٣) "مجالس ثعلب" ٢٧١، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٩، و"الحجة" لأبي علي ٣/ ٣٠٤.
(٤) جاء في (ش): تكرار: (ورعاك الله - إلى سقاك الله).
(٥) "ديوانه" ص ٢٨٨، و"الكتاب" ٤/ ٥٩، و"النوادر" لأبي زيد ص ٢١٣، و"أدب الكاتب" ص ٣٥٦، و"الممتع في التصريف" ١/ ١٨٧، و"اللسان" ٤/ ٢٠٤٢ (سقى)، وقال الخطيب التبريزي في "شرحه" ٢٨٩: (أبثه، أي أخبره بكل ما في نفسي، وأسقيه، أي: أدعو له بالسقيا، وملاعبه: مواضع يلعب فيها) ا. هـ.
102
ينسبوا إلى أمر أكثر من أَفْعَلْتَ (١). قال: ويجوز أن يكون معنى ﴿لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾: لا يصادفونك كاذبًا؛ لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة، كما تقول: أحمدت الرجل إذا أصبته محمودًا، وأجبنته وأبخلته وأفحمته إذا صادفته على هذه الأحوال) (٢)
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ قد مضى تفسيره (٣)، ودخلت الباء في الآيات، والجحد تعدى بغير الجار؛ لأنه أريد بالجحد التكذيب، وبهذا يطابق المعنى الأول، كأنه قيل: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ ولكن يكذبون بآيات الله.
وقال أبو علي: (﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي: برد آيات الله أو إنكار (٤) آيات الله، ﴿يَجْحَدُونَ﴾، أي: يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك، ومن ذلك (٥) قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩]، أي: ظلموا بردها أو الكفر (٦) بها، فكما أن الجار في قوله: ﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾ من صلة ظلموا، كذلك يكون من صلة الظلم في قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾، و ﴿يَجْحَدُونَ﴾ محذوف
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ قد مضى تفسيره (٣)، ودخلت الباء في الآيات، والجحد تعدى بغير الجار؛ لأنه أريد بالجحد التكذيب، وبهذا يطابق المعنى الأول، كأنه قيل: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ ولكن يكذبون بآيات الله.
وقال أبو علي: (﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي: برد آيات الله أو إنكار (٤) آيات الله، ﴿يَجْحَدُونَ﴾، أي: يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك، ومن ذلك (٥) قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩]، أي: ظلموا بردها أو الكفر (٦) بها، فكما أن الجار في قوله: ﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾ من صلة ظلموا، كذلك يكون من صلة الظلم في قوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾، و ﴿يَجْحَدُونَ﴾ محذوف
(١) انظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٥٨.
(٢) "الحجة" ٣/ ٣٠٢ - ٣٠٥، ولم يذكر قوله: "وأجبنته وأبخلته وأفحمته... " وانظر: "الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٥، و"الحجة" لابن زنجلة ص ٢٤٧، و"الكشف" ١/ ٤٣٠، و"المشكل" ١/ ٢٥١، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٣.
(٣) هي آية لم ترد قبل، ولعله يريد ص ١٧٤ من هذا البحث.
(٤) في (ش): (وإنكار).
(٥) في (أ): (ذلك قوله).
(٦) في (أ): (بردها والكفر بها).
(٢) "الحجة" ٣/ ٣٠٢ - ٣٠٥، ولم يذكر قوله: "وأجبنته وأبخلته وأفحمته... " وانظر: "الحجة" لابن خالويه ص ١٣٨، و"إعراب القراءات" ١/ ١٥٥، و"الحجة" لابن زنجلة ص ٢٤٧، و"الكشف" ١/ ٤٣٠، و"المشكل" ١/ ٢٥١، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٣.
(٣) هي آية لم ترد قبل، ولعله يريد ص ١٧٤ من هذا البحث.
(٤) في (ش): (وإنكار).
(٥) في (أ): (ذلك قوله).
(٦) في (أ): (بردها والكفر بها).
103
المفعول للدلالة عليه) (١).
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية. قال الزجاج: (عزى الله نبيه - ﷺ - وصبره (٢) بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم من قبله) (٣)، قال ابن عباس: (من لدن نوح إليك ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ رجاء ثوابي، ﴿وَأُوذُوا﴾ حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار) (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ معنى النصر: المعونة على العدو (٥)، قال المفسرون: (معنى النصر هاهنا: تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم) (٦).
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية. قال الزجاج: (عزى الله نبيه - ﷺ - وصبره (٢) بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم من قبله) (٣)، قال ابن عباس: (من لدن نوح إليك ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ رجاء ثوابي، ﴿وَأُوذُوا﴾ حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار) (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ معنى النصر: المعونة على العدو (٥)، قال المفسرون: (معنى النصر هاهنا: تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم) (٦).
(١) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٣٩، وقال السمين في "الدر" ٤/ ٦٠٤ - ٦٠٥: (يجوز في هذا الجار وجهان: أحدهما: أنه متعلق بيجحدون، وهو الظاهر الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وجوز أبو البقاء أن يتعلق بالظالمين قال: كقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾، وهذا الذي قاله ليس بجيد؛ لأن الباء هناك سببية أي: ظلموا بسببها، والباء هنا معناها التعدية، وهنا شيء يتعلق به تعلقًا واضحًا فلا ضرورة تدعو إلى الخروج عنه) ا. هـ. وانظر: "التبيان" ١/ ٣٢٠، و"الفريد" ٢/ ١٤٢.
(٢) في (ش): (فصبر).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ٣/ ٢٢٣.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢.
(٥) انظر: "العين" ٧/ ١٠٨، و"الجمهرة" ٢/ ٧٤٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٨٤ و"الصحاح" ٢/ ٨٢٩، و"المجمل" ٣/ ٨٧٠، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣٥، و"المفردات" ص ٨٠٨، و"اللسان" ٧/ ٤٤٤٠ (نصر).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وكلهم اقتصر على هذا المعنى.
(٢) في (ش): (فصبر).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ٣/ ٢٢٣.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢.
(٥) انظر: "العين" ٧/ ١٠٨، و"الجمهرة" ٢/ ٧٤٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٨٤ و"الصحاح" ٢/ ٨٢٩، و"المجمل" ٣/ ٨٧٠، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٣٥، و"المفردات" ص ٨٠٨، و"اللسان" ٧/ ٤٤٤٠ (نصر).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤٠، وابن الجوزي ٣/ ٣٠، وكلهم اقتصر على هذا المعنى.
104
وقوله تعالى: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ قال الكلبي (١) وعكرمة: (يعني الآيات التي وعد فيها نصر الأنبياء على أعدائهم، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ١٧١] الآيات، وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] (٢)، قال ابن عباس: (يريد لا ناقض لحكمي) (٣)، يعني: أنه قد حكم في كتابه بنصر أنبيائه، فليس ينقضه أحد، ولهذا قال الزجاج في قوله تعالى: ﴿[و] (٤) لا مبدل لكلمات الله﴾: (أي: لا يخلف وعده، ولا يغلب أحد أولياءه) (٥). وتفسير ابن عباس يدل على أن قوله: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ معناه: لا ناقض لحكمه في كل مما حكم به من وعد ووعيد وثواب وعقاب، فليس يخص هذا الحكم الواحد، وهو نصر المرسلين، وإذا كان كذلك فالتقدير عند النحويين في الكلمات: ذوي الكلمات أي: يخبر بها عنه. يقول: لا مبدل لما أخبرت عنه بكلماتي ليس يريد أنه لا مبدل للكلمات التي هي عبارات؛ هذا معنى قول أبي علي (٦).
(١) ذكره الثعلبي ١٧٧ أ، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٥ نحوه.
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "الماوردي" ١/ ١٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٣١، وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٧: (أي: لا مبدل لعذاب الله أو لا مبدل لمقتضى عذاب الله) ا. هـ. والظاهر العموم، وحمل الكلمات على الحقيقة أي لا مبدل لكلام الله تعالى الذي به يأمر وينهى ويشرع، وهو صفة من صفاته العلية التي لا تتناهى كسائر صفاته سبحانه وتعالى.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٣/ ٣١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢، عنه في الآية قال: (لا خلف لمواعيده)، وانظر: ابن عطية ٥/ ١٨٥، والقرطبي ٦/ ٤١٧.
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٤.
(٦) "الحجة" ٢/ ٣٤، وفيه قال: (والكلمات تقديرها: ذوي الكلمات، أي: ما عبر =
(٢) لم أقف عليه. وانظر: "الماوردي" ١/ ١٠٨، وابن الجوزي ٣/ ٣١، وقال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٧: (أي: لا مبدل لعذاب الله أو لا مبدل لمقتضى عذاب الله) ا. هـ. والظاهر العموم، وحمل الكلمات على الحقيقة أي لا مبدل لكلام الله تعالى الذي به يأمر وينهى ويشرع، وهو صفة من صفاته العلية التي لا تتناهى كسائر صفاته سبحانه وتعالى.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٣/ ٣١، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٢، عنه في الآية قال: (لا خلف لمواعيده)، وانظر: ابن عطية ٥/ ١٨٥، والقرطبي ٦/ ٤١٧.
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وانظر: "إعراب النحاس" ١/ ٥٤٤.
(٦) "الحجة" ٢/ ٣٤، وفيه قال: (والكلمات تقديرها: ذوي الكلمات، أي: ما عبر =
105
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: خبرهم في القرآن كيف نجيناهم ودمرنا قومهم (١).
قال الأخفش: (﴿مِن﴾ هاهنا صلة كما تقول: أصابنا من مطر) (٢).
وقال غيره (٣): (لا يجوز ذلك؛ لأنها لا تزاد في الواجب (٤)، وإنما تزاد مع النفي، كقولك: ما أتاني من أحدٍ (٥). و ﴿مِّن﴾ هاهنا للتبعيض وفاعل جاء مضمر، أضمر لدلالة المذكور عليه، تقديره: ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ (٦).
قال الأخفش: (﴿مِن﴾ هاهنا صلة كما تقول: أصابنا من مطر) (٢).
وقال غيره (٣): (لا يجوز ذلك؛ لأنها لا تزاد في الواجب (٤)، وإنما تزاد مع النفي، كقولك: ما أتاني من أحدٍ (٥). و ﴿مِّن﴾ هاهنا للتبعيض وفاعل جاء مضمر، أضمر لدلالة المذكور عليه، تقديره: ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ (٦).
= عنه بها من وعد ووعيد وثواب وعقاب) ا. هـ. وانظر: تفسير ابن عطية ٥/ ١٨٥.
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٤، وفيه: (كما تقول: قد أصابنا من مطر، وقد كان من حديث) ا. هـ. وانظر: المصدر نفسه ١/ ٩٨ - ٩٩، ٢٢٣، واقتصر على هذا القول البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٤٠.
(٣) انظر: "الكتاب" ٢/ ٣١٥ - ٣١٦، ٤/ ٢٢٥، و"المقتضب" ٤/ ١٣٦ - ١٣٨، و"الأصول" ١/ ٤٠٩ - ٤١١، و"حروف المعاني" للزجاجي ص ٥٠.
(٤) الواجب ما تقع له حالة الوجوب، والموجب الكلام المثبت غير المنفي، وهو المراد هنا. انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" للدكتور محمد اللبدي ص ٢٣٨، ٢٣٩.
(٥) انظر: "معاني الحروف" للرماني ص ٩٧، و"الصاحبي" ص ٢٧١، و"المغني" ١/ ٣٢٢ - ٣٢٥، وقال المالقي في "رصف المباني" ص ٣٩١: (وقد تكون من زائدة عند الكوفيين في الواجب، وحكوا: قد كان من مطر وهو عند البصريين غير الأخفش مؤول، أي: حادث من مطر أو كائن من مطر، وبعد فهو قليل لا يقاس) ا. هـ. وحكى ابن فارس في "الصاحبي" زيادتها في الواجب عن أبي عبيدة أيضًا.
(٦) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٧، و"البيان" ١/ ٣٢٠، و"التبيان" ص ٣٣٠، و"الفريد" ٢/ ١٤٣، و"البحر" ٤/ ١١٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٦، وعندهم التقدير: (ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين).
(١) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٧٤، وفيه: (كما تقول: قد أصابنا من مطر، وقد كان من حديث) ا. هـ. وانظر: المصدر نفسه ١/ ٩٨ - ٩٩، ٢٢٣، واقتصر على هذا القول البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٤٠.
(٣) انظر: "الكتاب" ٢/ ٣١٥ - ٣١٦، ٤/ ٢٢٥، و"المقتضب" ٤/ ١٣٦ - ١٣٨، و"الأصول" ١/ ٤٠٩ - ٤١١، و"حروف المعاني" للزجاجي ص ٥٠.
(٤) الواجب ما تقع له حالة الوجوب، والموجب الكلام المثبت غير المنفي، وهو المراد هنا. انظر: "معجم المصطلحات النحوية والصرفية" للدكتور محمد اللبدي ص ٢٣٨، ٢٣٩.
(٥) انظر: "معاني الحروف" للرماني ص ٩٧، و"الصاحبي" ص ٢٧١، و"المغني" ١/ ٣٢٢ - ٣٢٥، وقال المالقي في "رصف المباني" ص ٣٩١: (وقد تكون من زائدة عند الكوفيين في الواجب، وحكوا: قد كان من مطر وهو عند البصريين غير الأخفش مؤول، أي: حادث من مطر أو كائن من مطر، وبعد فهو قليل لا يقاس) ا. هـ. وحكى ابن فارس في "الصاحبي" زيادتها في الواجب عن أبي عبيدة أيضًا.
(٦) انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٥٧، و"البيان" ١/ ٣٢٠، و"التبيان" ص ٣٣٠، و"الفريد" ٢/ ١٤٣، و"البحر" ٤/ ١١٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٦، وعندهم التقدير: (ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين).
106
٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾، قال المفسرون: (كان رسول الله - ﷺ - يحرص على إيمان قومه ومتابعتهم إياه أشد الحرص، وكان إذا سألوه آية أراد أن يريهم الله ذلك؛ طمعاً في إيمانهم، فقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾) (١)، قال ابن عباس: (أي: عن الإيمان بك وبالقرآن) (٢).
وقال الزجاج: (عظم عليك أن أعرضوا إذ طلبوا منك أن ينزل عليك (٣) ملك فلم ينزل) (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ﴾، النفق (٥): سرب في الأرض له مخلص إلى مكان آخر (٦).
وقال الزجاج: (عظم عليك أن أعرضوا إذ طلبوا منك أن ينزل عليك (٣) ملك فلم ينزل) (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ﴾، النفق (٥): سرب في الأرض له مخلص إلى مكان آخر (٦).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٤ بسند جيد عن ابن عباس. وانظر: "البغوي" ٣/ ١٤٠.
(٢) لم أقف عليه، وهذا معنى ظاهر، ولم يختلف فيه.
انظر: الطبري ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤٠، والقرطبي ٦/ ٤١٧.
(٣) لفظ: (عليك) ساقط من (ش).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وفيه تصرف واختصار.
(٥) انظر: "العين" ٥/ ١٧٧، و"الجمهرة" ٢/ ٩٦٧، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٣٥، و"الصحاح" ٤/ ٥٦٠، و"المجمل" ٣/ ٨٧٧، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٥٤، و"المفردات" ص ٨١٩، و"اللسان" ٨/ ٤٥٠٨ (نفق).
(٦) هذا قول أهل اللغة والتفسير، وقد أخرجه الطبري ٧/ ١٨٤، من طرق جيدة عن ابن عباس وقتادة والسدي.
وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٠، و"غريب القرآن" ص ١٣٦، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٣، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، و"الزاهر" ١/ ١٣٢، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٩.
(٢) لم أقف عليه، وهذا معنى ظاهر، ولم يختلف فيه.
انظر: الطبري ٧/ ١٨٣، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤٠، والقرطبي ٦/ ٤١٧.
(٣) لفظ: (عليك) ساقط من (ش).
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٣، وفيه تصرف واختصار.
(٥) انظر: "العين" ٥/ ١٧٧، و"الجمهرة" ٢/ ٩٦٧، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٣٥، و"الصحاح" ٤/ ٥٦٠، و"المجمل" ٣/ ٨٧٧، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٤٥٤، و"المفردات" ص ٨١٩، و"اللسان" ٨/ ٤٥٠٨ (نفق).
(٦) هذا قول أهل اللغة والتفسير، وقد أخرجه الطبري ٧/ ١٨٤، من طرق جيدة عن ابن عباس وقتادة والسدي.
وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩٠، و"غريب القرآن" ص ١٣٦، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٥٣، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، و"الزاهر" ١/ ١٣٢، و"معاني النحاس" ٢/ ٤١٩.
107
وقوله تعالى: ﴿أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾، وجواب ﴿أَن﴾ مضمر تقديره ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ﴾ ذلك فافعل (١).
قال الفراء: (وإنما تفعله العرب في كل موضع يُعرف فيه معنى الجواب، ألا ترى أنك تقول للرجل: إن استطعت أن تتصدق. إن رأيت أن تقوم معنا. تترك الجواب لمعرفتك بمعرفته [به] (٢)، فإذا جاء ما لا يُعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته، كقولك للرجل: إن تقم تُصِبْ خيرًا لابد في هذا من جواب؛ لأن معناه لا يعرف إذا طرح) (٣).
وقال الزجاج: (أعلم الله عز وجل أنه بشر لا يقدر على الإتيان بآية إلا بإذن الله تعالى) (٤)، وفي تعجيزه عن الإتيان بما سألوه أمر له بالصبر إلى أن يدخل وقت الآيات ووقت العقاب.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ أخبر الله تعالى نبيه - ﷺ - أنهم إنما تركوا الإيمان وأعرضوا عنه بمشيئة الله ونافذ قضائه فيهم، وأنه لو شاء [الله] (٥) لاجتمعوا على الإيمان، كما قال الله تعالى (٦): ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ (٧) [يونس: ٩٩].
قال الفراء: (وإنما تفعله العرب في كل موضع يُعرف فيه معنى الجواب، ألا ترى أنك تقول للرجل: إن استطعت أن تتصدق. إن رأيت أن تقوم معنا. تترك الجواب لمعرفتك بمعرفته [به] (٢)، فإذا جاء ما لا يُعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته، كقولك للرجل: إن تقم تُصِبْ خيرًا لابد في هذا من جواب؛ لأن معناه لا يعرف إذا طرح) (٣).
وقال الزجاج: (أعلم الله عز وجل أنه بشر لا يقدر على الإتيان بآية إلا بإذن الله تعالى) (٤)، وفي تعجيزه عن الإتيان بما سألوه أمر له بالصبر إلى أن يدخل وقت الآيات ووقت العقاب.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ أخبر الله تعالى نبيه - ﷺ - أنهم إنما تركوا الإيمان وأعرضوا عنه بمشيئة الله ونافذ قضائه فيهم، وأنه لو شاء [الله] (٥) لاجتمعوا على الإيمان، كما قال الله تعالى (٦): ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ (٧) [يونس: ٩٩].
(١) انظر: الطبري ٧/ ١٨٤، والسمرقندي ١/ ٤٨٢، والبغوي ٣/ ١٤١، وابن عطية ٥/ ١٨٨، و"التبيان" ١/ ٣٣١، و"الفريد" ٢/ ١٤٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٠٧.
(٢) لفظ: (به) ساقط من (ش) وكذا في بعض نسخ "معاني الفراء" ١/ ٢٣١ كما في حاشيته.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٣١ - ٣٣٢.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠.
(٥) لفظ (الجلاله) ساقط من (أ).
(٦) في (أ) كما قال تعالى.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٥، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٨٢.
(٢) لفظ: (به) ساقط من (ش) وكذا في بعض نسخ "معاني الفراء" ١/ ٢٣١ كما في حاشيته.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٣١ - ٣٣٢.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠.
(٥) لفظ (الجلاله) ساقط من (أ).
(٦) في (أ) كما قال تعالى.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ١٨٥، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٤٨٢.
108
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، قال أهل التفسير: (أي: فإنه يؤمن بك بعضهم دون بعض، وأنهم لا يجتمعون على الهدى) (١).
وقال أهل المعاني: (معناه: لا يشتد تحسرك على تكذيبهم ولا تجزع من إعراضهم عنك، فتقارب حال الجاهل، وغلظ الخطاب تبعيدًا وزجرًا له عن هذه الحال) (٢).
٣٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ قال مجاهد وقتادة: (يعني: المؤمنين الذين يسمعون الذكر فينتفعون به) (٣). قال قتادة: (المؤمن حي القلب سمع كتاب الله فعقله ووعاه وانتفع به، والكافر لا يصغي إلى الحق؛ لأن الله تعالى ختم على سمعه) (٤). وقال الزجاج: يعني: الذين يسمعون سماع قابلين) (٥). وقال بعض أهل اللغة: (الاستجابة: الجواب بما يوافق الداعي، والإجابة قد تكون بالمخالفة، ولا يقال: استجاب إلا لمن قبل ما دُعي إليه) (٦)، ويؤكد هذا أن ابن عباس -رحمه الله- فسر
وقال أهل المعاني: (معناه: لا يشتد تحسرك على تكذيبهم ولا تجزع من إعراضهم عنك، فتقارب حال الجاهل، وغلظ الخطاب تبعيدًا وزجرًا له عن هذه الحال) (٢).
٣٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ قال مجاهد وقتادة: (يعني: المؤمنين الذين يسمعون الذكر فينتفعون به) (٣). قال قتادة: (المؤمن حي القلب سمع كتاب الله فعقله ووعاه وانتفع به، والكافر لا يصغي إلى الحق؛ لأن الله تعالى ختم على سمعه) (٤). وقال الزجاج: يعني: الذين يسمعون سماع قابلين) (٥). وقال بعض أهل اللغة: (الاستجابة: الجواب بما يوافق الداعي، والإجابة قد تكون بالمخالفة، ولا يقال: استجاب إلا لمن قبل ما دُعي إليه) (٦)، ويؤكد هذا أن ابن عباس -رحمه الله- فسر
(١) انظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ١٨٩، وابن الجوزي ٣/ ٣٣.
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٩، وابن الجوزي ٣/ ٣٣.
(٣) تفسير مجاهد ١/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٨٦، وابن أبي هاشم ٤/ ١٢٨٥، من طرق جيدة عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٩.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٥، وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠ - ٤٢١.
(٦) ذكره الرازي ١٢/ ٢٠٩، وأبو حيان ٤/ ١١٧، عن علي بن عيسى الرماني، وهو قول الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٤٤، وقال العسكري في "الفروق" ص ١٨٤: (أجاب معناه فعل الإجابة، واستجاب طلب أن يفعل الإجابة، لأن أصل الاستفعال لطلب الفعل، وصلح استجاب بمعنى أجاب؛ لأن المعنى فيها يؤول إلى شيء واحد، وذلك أن استجاب طلب الإجابة بقصده إليها، وأجاب أوقع =
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١٠٩، وابن الجوزي ٣/ ٣٣.
(٣) تفسير مجاهد ١/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٨٦، وابن أبي هاشم ٤/ ١٢٨٥، من طرق جيدة عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٩.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٥، وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٤٢٠ - ٤٢١.
(٦) ذكره الرازي ١٢/ ٢٠٩، وأبو حيان ٤/ ١١٧، عن علي بن عيسى الرماني، وهو قول الهمداني في "الفريد" ٢/ ١٤٤، وقال العسكري في "الفروق" ص ١٨٤: (أجاب معناه فعل الإجابة، واستجاب طلب أن يفعل الإجابة، لأن أصل الاستفعال لطلب الفعل، وصلح استجاب بمعنى أجاب؛ لأن المعنى فيها يؤول إلى شيء واحد، وذلك أن استجاب طلب الإجابة بقصده إليها، وأجاب أوقع =
الاستجابة هاهنا بالإيمان (١).
وقوله تعالى: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ قال الحسن (٢) ومجاهد وقتادة (٣). (يعني الكفار)، وهو قول مقاتل قال: (يعني: كفار مكة يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ للحق المؤمنون، وأما (٤) ﴿الْمَوْتَى﴾ وهم الكفار فإن الله يبعثهم في الآخرة ثم إليه يردون فيجزيهم بأعمالهم) (٥).
٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا﴾ يعني: رؤساء قريش، ﴿لَوْلَا﴾: هلا، ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ يعني: نزول الملك يشهد لمحمد بالنبوة وصحة ما أتى به (٦)، ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال المفسرون (٧): (لا يعلمون ما عليهم في الآية من النبلاء لو أنزلناها ولا ما وجه ترك إنزالها). وقال بعض أصحاب المعاني: إلا يعلمون أن الله قادر على إنزالها لا يقدر سواه عليها) (٨).
وقوله تعالى: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ قال الحسن (٢) ومجاهد وقتادة (٣). (يعني الكفار)، وهو قول مقاتل قال: (يعني: كفار مكة يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ للحق المؤمنون، وأما (٤) ﴿الْمَوْتَى﴾ وهم الكفار فإن الله يبعثهم في الآخرة ثم إليه يردون فيجزيهم بأعمالهم) (٥).
٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا﴾ يعني: رؤساء قريش، ﴿لَوْلَا﴾: هلا، ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ يعني: نزول الملك يشهد لمحمد بالنبوة وصحة ما أتى به (٦)، ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال المفسرون (٧): (لا يعلمون ما عليهم في الآية من النبلاء لو أنزلناها ولا ما وجه ترك إنزالها). وقال بعض أصحاب المعاني: إلا يعلمون أن الله قادر على إنزالها لا يقدر سواه عليها) (٨).
= الإجابة بفعلها) ا. هـ. وقال الراغب في "المفردات" ص ٢١٠، والسمين في "العمدة" ص ١٠٥: (الاستجابة قيل: هي الإجابة، وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له، لكن عُبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها) ا. هـ. وفي "اللسان" ٢/ ٧١٦ (جوب): (هما بمعنى واحد) ا. هـ.
(١) "تنوير المقباس" ٢/ ١٦.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥، بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٩.
(٣) سبق تخريج قول مجاهد وقتادة.
(٤) في (ش): (فأما).
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٩.
(٦) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٨٣، والبغوي ٣/ ١٤١، وابن الجوزي ٣/ ٣٤.
(٧) انظر: الطبري ٧/ ١٨٧، والماوردي ٢/ ١١٠، والمراجع السابقة.
(٨) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٥، والمراجع السابقة.
(١) "تنوير المقباس" ٢/ ١٦.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٦، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥، بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ١٩.
(٣) سبق تخريج قول مجاهد وقتادة.
(٤) في (ش): (فأما).
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ٥٥٩.
(٦) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٤٨٣، والبغوي ٣/ ١٤١، وابن الجوزي ٣/ ٣٤.
(٧) انظر: الطبري ٧/ ١٨٧، والماوردي ٢/ ١١٠، والمراجع السابقة.
(٨) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٤٥، والمراجع السابقة.
٣٨ - قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ﴾ الآية، قال ابن عباس: (يريد: كل ما دب وجميع البهائم فهو دابة) (١).
قال الزجاج: وجميع ما خلق الله جل وعز لا يخلو من هاتين المنزلتين: إما أن يدب، وإما أن يطير) (٢). وقال غيره من أهل المعاني: (خص ما في الأرض هاهنا بالذكر دون ما في السماء، احتجاجًا بالأظهر، وإحالة بالدليل على ما هو ظاهر؛ لأن ما في السماء -وإن كان مخلوقًا له مثلنا- فغير ظاهر) (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ قال الفراء والزجاج: (ذكر الجناح هاهنا تأكيد (٤)، كقولك: نعجة أنثى، وكلمته بفي، ومشيت برجلي) (٥). وقال الزجاج: (وقد تقول للرجل: طرفي حاجتي، وأنت تريد أسرع) (٦)، وأراد بهذا أن الطيران قد يستعمل لا بالجناح كقول العنبري (٧):
قال الزجاج: وجميع ما خلق الله جل وعز لا يخلو من هاتين المنزلتين: إما أن يدب، وإما أن يطير) (٢). وقال غيره من أهل المعاني: (خص ما في الأرض هاهنا بالذكر دون ما في السماء، احتجاجًا بالأظهر، وإحالة بالدليل على ما هو ظاهر؛ لأن ما في السماء -وإن كان مخلوقًا له مثلنا- فغير ظاهر) (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ قال الفراء والزجاج: (ذكر الجناح هاهنا تأكيد (٤)، كقولك: نعجة أنثى، وكلمته بفي، ومشيت برجلي) (٥). وقال الزجاج: (وقد تقول للرجل: طرفي حاجتي، وأنت تريد أسرع) (٦)، وأراد بهذا أن الطيران قد يستعمل لا بالجناح كقول العنبري (٧):
(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٢، وابن الجوزي ٣/ ٣٤.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٥.
(٣) ذكره الرازي ١٢/ ٢١٢.
(٤) في (ش): (توكيد)، وهذا هو قول قطرب كما في "الزاهر" ١/ ٥٨ - ٥٩، ونقل عن أبي العباس أنه قال: (ليس يطير بجناحيه توكيدًا، ولكنه دخل؛ لأن الطيران يكون بالجناحين ويكون بالرجلين، فطيران الطائر من البهائم بجناحيه، ومن الناس برجليه ألا ترى أنك تقول: زيد طائر في حاجته، معناه: مسرع برجليه) ا. هـ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣٢، وهو قول عامة أهل التفسير ومنهم الطبري ٧/ ١٧٩، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢٢، والسمرقندي ٣/ ٢٢٧، والبغوي ٣/ ١٤١، وابن عطية ٥/ ١٩٣.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٥.
(٧) العنبري: قُريَط بن أنيف العنبرى التميمي شاعر جاهلي. انظر: "الأعلام" ٥/ ١٩٥.
(٢) "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٥.
(٣) ذكره الرازي ١٢/ ٢١٢.
(٤) في (ش): (توكيد)، وهذا هو قول قطرب كما في "الزاهر" ١/ ٥٨ - ٥٩، ونقل عن أبي العباس أنه قال: (ليس يطير بجناحيه توكيدًا، ولكنه دخل؛ لأن الطيران يكون بالجناحين ويكون بالرجلين، فطيران الطائر من البهائم بجناحيه، ومن الناس برجليه ألا ترى أنك تقول: زيد طائر في حاجته، معناه: مسرع برجليه) ا. هـ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣٢، وهو قول عامة أهل التفسير ومنهم الطبري ٧/ ١٧٩، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢٢، والسمرقندي ٣/ ٢٢٧، والبغوي ٣/ ١٤١، وابن عطية ٥/ ١٩٣.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٢٤٥.
(٧) العنبري: قُريَط بن أنيف العنبرى التميمي شاعر جاهلي. انظر: "الأعلام" ٥/ ١٩٥.
111
طاروا إليه زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا (١)
فذكر الجناح ليتمحض (٢) في الطير.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال الفراء: (يقال: إن كل صنف من البهائم أمة) (٣).
وجاء في الحديث: "لولا (٤) أن الكلاب أمة تنبح لأمرت بقتلها" (٥)، فجعل الكلاب أمة.
واختلفوا في أن البهائم والطير في ماذا شبهت بنا وجُعلت أمثالنا، فقال ابن عباس في رواية عطاء يريد: (يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني، مثل ما قال تعالى في سبحان: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾
فذكر الجناح ليتمحض (٢) في الطير.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قال الفراء: (يقال: إن كل صنف من البهائم أمة) (٣).
وجاء في الحديث: "لولا (٤) أن الكلاب أمة تنبح لأمرت بقتلها" (٥)، فجعل الكلاب أمة.
واختلفوا في أن البهائم والطير في ماذا شبهت بنا وجُعلت أمثالنا، فقال ابن عباس في رواية عطاء يريد: (يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني، مثل ما قال تعالى في سبحان: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾
(١) "الحماسة" لأبي تمام ١/ ٤، وفي "عيون الأخبار" ١/ ١٨٨ الرجل من بلعنبر، وبلا نسبة في "مجال ثعلب" ص ٤٠٥، و"الصناعتين" ص ٢٨٥، والرازي ١٢/ ٢١٢، و"الدر المصون" ٤/ ١١٢، و"روح المعاني" ٧/ ١٤٣، وصدره:
قَوْمٌ إذا الشرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ
وهو من قصيدة تُعد من عيون الشعر، اختارها أبو تمام أول مقطوعة في "الحماسة"، والزرافات، بالفتح: الجماعات، والوحدان، بالضم، جمع واحد. وفي الحماسة فقط: قاموا، بدل طاروا.
(٢) قوله: ليتمحض غير واضح في النسخ، واللفظ نفسه عند الرازي ١٢/ ٢١٣، والقرطبي ٦/ ٤١٩.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٢.
(٤) في (أ): (ولولا).
(٥) أخرجه أحمد في "المسند" ٥/ ٥٤، ٥٦، وأبو داود (٢٨٤٥) كتاب: الضحايا، باب: في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، والترمذي (١٤٨٦) كتاب: الصيد، باب: ما جاء في قتل الكلاب، والنسائي ٧/ ١٨٥، كتاب: الصيد، باب: صفة الكلاب التي أمر بقتلها، وابن ماجة (٣٢٠٥)، كتاب: الصيد، باب: النهي عن =
قَوْمٌ إذا الشرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ
وهو من قصيدة تُعد من عيون الشعر، اختارها أبو تمام أول مقطوعة في "الحماسة"، والزرافات، بالفتح: الجماعات، والوحدان، بالضم، جمع واحد. وفي الحماسة فقط: قاموا، بدل طاروا.
(٢) قوله: ليتمحض غير واضح في النسخ، واللفظ نفسه عند الرازي ١٢/ ٢١٣، والقرطبي ٦/ ٤١٩.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٢.
(٤) في (أ): (ولولا).
(٥) أخرجه أحمد في "المسند" ٥/ ٥٤، ٥٦، وأبو داود (٢٨٤٥) كتاب: الضحايا، باب: في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، والترمذي (١٤٨٦) كتاب: الصيد، باب: ما جاء في قتل الكلاب، والنسائي ٧/ ١٨٥، كتاب: الصيد، باب: صفة الكلاب التي أمر بقتلها، وابن ماجة (٣٢٠٥)، كتاب: الصيد، باب: النهي عن =
112
[الإسراء: ٤٤]، وكقوله تعالى: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾) (١) [النور: ٤١]، فعلى هذا جُعلت أمثالنا في التوحيد والمعرفة والتسبيح.
وقال مجاهد ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾: (أصناف مصنفة تُعرف بأسمائها) (٢)، يريد: أن كل جنس من الحيوان [أمة] (٣) تعرف باسمها كالطير والظباء والذئاب والأسود، وكل صنف من السباع والبهائم مثل بني آدم يعرفون بالإنس والناس.
وقال أبو هريرة في قوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾: (يحشر الله تعالى الخلق يوم القيامة: البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابًا) (٤)، وعلى هذا
وقال مجاهد ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾: (أصناف مصنفة تُعرف بأسمائها) (٢)، يريد: أن كل جنس من الحيوان [أمة] (٣) تعرف باسمها كالطير والظباء والذئاب والأسود، وكل صنف من السباع والبهائم مثل بني آدم يعرفون بالإنس والناس.
وقال أبو هريرة في قوله تعالى: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾: (يحشر الله تعالى الخلق يوم القيامة: البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابًا) (٤)، وعلى هذا
= اقتناء الكلب إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية، والدارمي ٢/ ١٢٧٧ (٢٠٥١) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، ولكن اقتلوا كل أسود بهيم" ا. هـ. أي: خالص السواد. قال الترمذي: (حديث حسن صحيح).
(١) ذكره عن الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٢٠، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٧، نحوه، وذكر الرازي بعده أن هذا قول طائفة عظيمة من المفسرين.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٧١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ٢٠.
(٣) لفظ: (أمة). ساقط من (أ).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ١/ ٢٠٦، والطبري ٧/ ١٨٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٦، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٦، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٣، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي في "التلخيص"، وأخرج أحمد ٢/ ٢٣٥ - ٣٦٣، من طرق جيدة عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال: "يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة" ا. هـ وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٣٥٢، وقال: (رواه أحمد، ورجاله رجال =
(١) ذكره عن الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٣، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٢٠، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ١٧، نحوه، وذكر الرازي بعده أن هذا قول طائفة عظيمة من المفسرين.
(٢) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٧١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٥ بسند جيد، وانظر: "الدر المنثور" ٣/ ٢٠.
(٣) لفظ: (أمة). ساقط من (أ).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ١/ ٢٠٦، والطبري ٧/ ١٨٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٦، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣١٦، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٣، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي في "التلخيص"، وأخرج أحمد ٢/ ٢٣٥ - ٣٦٣، من طرق جيدة عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال: "يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة" ا. هـ وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٣٥٢، وقال: (رواه أحمد، ورجاله رجال =
113
إنما جُعلت أمثالنا في الحشر والاقتصاص؛ واختار الزجاج هذا، قال: (يعني: أمثالكم في أنهم يبعثون. لأنه قال عز وجل: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٣٦]، ثم أعلم أنه ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في الخلق والموت والبعث) (١).
واختار الأزهري قول ابن عباس فقال: (معنى قوله: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في معنى دون معنى -يريد والله أعلم- أنه تعبدهم بما شاء أن يتعبدهم [به] (٢) من تسبيح وعبادة علمها منهم، ولم يفقهنا ذلك) (٣).
وقال ابن الأنباري في هذه الآية: (يسأل السائل عن هذا فيقول: ما في هذا من الاحتجاج على المشركين؟ فيُقال له: الاحتجاج أن الله عز وجل قد ركب في الناس عقولاً، وجعل لهم أفهامًا، ألزمهم بها، تدبر أمر الأنبياء، والتمسك بطاعته، وأنه تعالى قد أنعم على الطير والدواب بأن جعل لها (٤) فهمًا يعرف بعضها به إشارة بعض، فهدى الذكر منها لإتيان الأنثى، فصح التشبيه (٥)؛ لأن الأمم من غير الناس يفهم (٦) بعضها عن بعض، كما يفهم
واختار الأزهري قول ابن عباس فقال: (معنى قوله: ﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في معنى دون معنى -يريد والله أعلم- أنه تعبدهم بما شاء أن يتعبدهم [به] (٢) من تسبيح وعبادة علمها منهم، ولم يفقهنا ذلك) (٣).
وقال ابن الأنباري في هذه الآية: (يسأل السائل عن هذا فيقول: ما في هذا من الاحتجاج على المشركين؟ فيُقال له: الاحتجاج أن الله عز وجل قد ركب في الناس عقولاً، وجعل لهم أفهامًا، ألزمهم بها، تدبر أمر الأنبياء، والتمسك بطاعته، وأنه تعالى قد أنعم على الطير والدواب بأن جعل لها (٤) فهمًا يعرف بعضها به إشارة بعض، فهدى الذكر منها لإتيان الأنثى، فصح التشبيه (٥)؛ لأن الأمم من غير الناس يفهم (٦) بعضها عن بعض، كما يفهم
= الصحيح)، وله شواهد انظر: "المسند" ١/ ٧٢، ومجمع "الزوائد" ١٠/ ٣٥٢ - ٣٥٣، والقرناء: ذات القرون، والجماء: التي لا قرون لها.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٤٥.
(٢) لفظ: (به) ساقط من (ش).
(٣) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٥، وهذا قول أبي عبيدة أيضاً في "مجاز القرآن" ١/ ١٩١، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢١: (وأكثر أهل التفسير يذهب إلى أن المعنى: أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون) ا. هـ. ورجحه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٨٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٣، وابن عطية ٥/ ١٩٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٢٠، و"التذكرة" ص ٣٢٩.
(٤) في (أ): (جعل لهم).
(٥) في (ش): (أن الأمم).
(٦) في (أ): (تفهم).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٤٥.
(٢) لفظ: (به) ساقط من (ش).
(٣) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٥، وهذا قول أبي عبيدة أيضاً في "مجاز القرآن" ١/ ١٩١، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٢١: (وأكثر أهل التفسير يذهب إلى أن المعنى: أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون) ا. هـ. ورجحه الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٨٨، والسمرقندي ١/ ٤٨٣، وابن عطية ٥/ ١٩٢، والقرطبي في "تفسيره" ٦/ ٤٢٠، و"التذكرة" ص ٣٢٩.
(٤) في (أ): (جعل لهم).
(٥) في (ش): (أن الأمم).
(٦) في (أ): (تفهم).
114
الناس بعضهم عن بعض، ويلزمهم بما يتبينونه من فهمها وهدايتها أن يستدلوا على نفاذ قدرة خالقها المركب ذلك الفهم فيها، وعلى هذا جُعلت أمثالنا في فهم البعض عن البعض) (١).
وقال بعض أهل التأويل:
(إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة وشدة الفاقة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم وكِنهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم، إلى ما لا يحصى (٢) كثرة من أحوالهم ومصالحهم، وقد تقدم في الآية الأولى أن الله قادر على أن ينزل [كل] (٣) آية، فجاء في هذه الآية ببيان أنه القادر على تدبير كل أمة وسد كل خلة) (٤). وإلى قريب من هذا ذهب ابن قتيبة فقال: (يريد أنها مثلنا في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك) (٥).
فهذه أقوال المفسرين وأهل التأويل في هذه الآية. وبعد هذا كله فقد أخبرونا عن أبي سليمان البستي الفقيه -رحمه الله- أنبأ (٦) ابن الزئبقي (٧) نبأ
وقال بعض أهل التأويل:
(إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة وشدة الفاقة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم وكِنهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم، إلى ما لا يحصى (٢) كثرة من أحوالهم ومصالحهم، وقد تقدم في الآية الأولى أن الله قادر على أن ينزل [كل] (٣) آية، فجاء في هذه الآية ببيان أنه القادر على تدبير كل أمة وسد كل خلة) (٤). وإلى قريب من هذا ذهب ابن قتيبة فقال: (يريد أنها مثلنا في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك) (٥).
فهذه أقوال المفسرين وأهل التأويل في هذه الآية. وبعد هذا كله فقد أخبرونا عن أبي سليمان البستي الفقيه -رحمه الله- أنبأ (٦) ابن الزئبقي (٧) نبأ
(١) ذكره ابن الجوزي ٣/ ٣٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١١٨ - ١١٩، عن ابن الأنباري.
(٢) في (ش): (فيما لا يحصى).
(٣) لفظ: (كل) ساقط من (ش).
(٤) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ٢١١ - ٢١٣، و"البحر المحيط" ٤/ ١٢٠.
(٥) "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٤٥.
(٦) في (ش): (أخبرنا).
(٧) ابن الزئبقي: محمد بن أحمد بن عمرو الزئبقي البصري، روى عن يحيى بن أبي طالب، وحدث عنه غير واحد من البصريين، قاله ابن ماكولا في "الإكمال" ٤/ ٢٢٨: لم أجد له ترجمته عند غيره. والزئبقي، بكسر الزاي وسكون الياء وفتح الباء وبعدها قاف: نسبة إلى الزئبق وبيعه، انظر: اللباب ٢/ ٨٥.
(٢) في (ش): (فيما لا يحصى).
(٣) لفظ: (كل) ساقط من (ش).
(٤) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ٢١١ - ٢١٣، و"البحر المحيط" ٤/ ١٢٠.
(٥) "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٤٥.
(٦) في (ش): (أخبرنا).
(٧) ابن الزئبقي: محمد بن أحمد بن عمرو الزئبقي البصري، روى عن يحيى بن أبي طالب، وحدث عنه غير واحد من البصريين، قاله ابن ماكولا في "الإكمال" ٤/ ٢٢٨: لم أجد له ترجمته عند غيره. والزئبقي، بكسر الزاي وسكون الياء وفتح الباء وبعدها قاف: نسبة إلى الزئبق وبيعه، انظر: اللباب ٢/ ٨٥.
115
موسى بن زكريا (١) التستري نبأ أبو حاتم (٢) نبأ العُتبي (٣) قال: (كنا عند سفيان بن عيينة فتلا هذه الآية: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ فقال: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار (٤) الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوس (٥) كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنازير التي إذا قدم (٦) لها الطعام الطيب عافته، فإذا قام الرجل عن
(١) موسى بن زكريا التستري أبو عمران متروك، توفي قبل ٣٠٠ هـ.
انظر: "سؤالات الحاكم" للدارقطني ص ١٥٦، و"ميزان الاعتدال" ٥/ ٣٣٠، و"المغني في الضعفاء" ٢/ ٦٨٣، و"لسان الميزان" ٧/ ١٠٥، و"التُّسْتَري" نسبة إلى بلدة تستر من كور الأهواز من خوزستان.
انظر: "اللباب" ١/ ٢١٦.
(٢) أبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني، تقدمت ترجمته.
(٣) العتبي: محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي، أبو عبد الرحمن البصري، إمام علامة فصيح راوية للأخبار والأدب وشاعر مشهور، توفي نحو سنة ٢٢٨ هـ. انظر: "المعارف" ص ٥٣٨، و"تاريخ بغداد" ٢/ ٣٢٤، و"فيات الأعيان" ٤/ ٣٩٨، و"سير أعلام النبلاء" ١١/ ٩٦، و"الأعلام" ٦/ ٢٥٨.
والعتبي بالضم وسكون التاء وبعدها باء: نسبة إلى جده عتبة بن أبي سفيان الأموي. انظر: "اللباب" ٢/ ٣٢٠.
(٤) المهتصر: الأسد. والهصر، بالفتح: الجذب والإمالة وعطف شيء رطب وكسره من غير بينونة، واهتصر النخلة: ذلل عذوقها وسواها. انظر: "القاموس" ص ٤٩٨ (هصر).
(٥) تطوست المرأة: تزينت، والمطوس: الشيء الحسن. انظر: "القاموس" ص ٥٥٥ (طوس).
(٦) في (ش): (التي ألقى إليها الطعام)، وفي العزلة للخطابي ص ٧٥: (التي لو ألقي لها الطعام).
انظر: "سؤالات الحاكم" للدارقطني ص ١٥٦، و"ميزان الاعتدال" ٥/ ٣٣٠، و"المغني في الضعفاء" ٢/ ٦٨٣، و"لسان الميزان" ٧/ ١٠٥، و"التُّسْتَري" نسبة إلى بلدة تستر من كور الأهواز من خوزستان.
انظر: "اللباب" ١/ ٢١٦.
(٢) أبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني، تقدمت ترجمته.
(٣) العتبي: محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي، أبو عبد الرحمن البصري، إمام علامة فصيح راوية للأخبار والأدب وشاعر مشهور، توفي نحو سنة ٢٢٨ هـ. انظر: "المعارف" ص ٥٣٨، و"تاريخ بغداد" ٢/ ٣٢٤، و"فيات الأعيان" ٤/ ٣٩٨، و"سير أعلام النبلاء" ١١/ ٩٦، و"الأعلام" ٦/ ٢٥٨.
والعتبي بالضم وسكون التاء وبعدها باء: نسبة إلى جده عتبة بن أبي سفيان الأموي. انظر: "اللباب" ٢/ ٣٢٠.
(٤) المهتصر: الأسد. والهصر، بالفتح: الجذب والإمالة وعطف شيء رطب وكسره من غير بينونة، واهتصر النخلة: ذلل عذوقها وسواها. انظر: "القاموس" ص ٤٩٨ (هصر).
(٥) تطوست المرأة: تزينت، والمطوس: الشيء الحسن. انظر: "القاموس" ص ٥٥٥ (طوس).
(٦) في (ش): (التي ألقى إليها الطعام)، وفي العزلة للخطابي ص ٧٥: (التي لو ألقي لها الطعام).
116
رجيعه (١) ولغت (٢) فيه، فكذلك (٣) تحد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يتحفظ (٤) واحدة منها وإن أخطأ رجد أو حكى خطأ غيره ترواه وحفظه) (٥).
وقال أبو سليمان: (ما أحسن ما تأول أبو محمد هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعًا لظاهره وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله تعالى عن وجود المماثلة بيننا وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفًا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق (٦)، وإذا كان الأمر كذلك فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر (٧) البهائم والسباع، فليكن حذرك منهم ومباعدتك إياهم على حسب ذلك) (٨).
وقوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم) (٩).
وقال أبو سليمان: (ما أحسن ما تأول أبو محمد هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعًا لظاهره وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله تعالى عن وجود المماثلة بيننا وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفًا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق (٦)، وإذا كان الأمر كذلك فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر (٧) البهائم والسباع، فليكن حذرك منهم ومباعدتك إياهم على حسب ذلك) (٨).
وقوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم) (٩).
(١) الرجيع: الروث. انظر: "القاموس" ص ٧٢١ (رجع).
(٢) ولغ السبع في الإناء، أي: شرب ما فيه بأطراف لسانه. انظر: "القاموس" ص ٧٩٠ (ولغ).
(٣) في (ش): (وكذلك).
(٤) في (ش): (يحفظ).
(٥) في (ش): (يرويه ويحفظه).
(٦) في (ش): (بلا خلاف)، وهو تحريف.
(٧) في (ش): (يعاشر) بالياء.
(٨) "العزلة" للخطابي ص ٧٦، وروايته عن سفيان بن عيينة ضعيفة لمكان موسى التستري كما سبق. وذكره عن سفيان الرازي ١٢/ ٢١٤، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٢٠، وقال القرطبي ٦/ ٤٢٠، بعد ذكر قول سفيان: (استحسنه الخطابي، وهو أيضًا حسن، فإنه تشبيه واقع في الوجود) ا. هـ. بتصرف.
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٤، وابن الجوزي ٣/ ٣٥.
(٢) ولغ السبع في الإناء، أي: شرب ما فيه بأطراف لسانه. انظر: "القاموس" ص ٧٩٠ (ولغ).
(٣) في (ش): (وكذلك).
(٤) في (ش): (يحفظ).
(٥) في (ش): (يرويه ويحفظه).
(٦) في (ش): (بلا خلاف)، وهو تحريف.
(٧) في (ش): (يعاشر) بالياء.
(٨) "العزلة" للخطابي ص ٧٦، وروايته عن سفيان بن عيينة ضعيفة لمكان موسى التستري كما سبق. وذكره عن سفيان الرازي ١٢/ ٢١٤، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ١٢٠، وقال القرطبي ٦/ ٤٢٠، بعد ذكر قول سفيان: (استحسنه الخطابي، وهو أيضًا حسن، فإنه تشبيه واقع في الوجود) ا. هـ. بتصرف.
(٩) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٤، وابن الجوزي ٣/ ٣٥.
117
قال العلماء: (هذا من العام الذي أريد به الخاص؛ لأن المعنى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ بالعباد إليه حاجة إلا وقد بيناه إما نصًّا، وإما دلالة، وإما مجملاً، وإما مفصلاً، فالمجمل كقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، والمفصل ما فصل بيانه مما لا يحتاج فيه إلى بيان الرسول، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (١) [النحل: ٨٩]، أي: لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين وما خفي على الناس فلم يعرفوا فيه دلالة من الكتاب فذاك (٢)، لقصور علمهم، وإخراج كل ما يحتاج إليه في أمر الدين من كتاب الله، كما يروى عن ابن مسعود أنه قال: (ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه) يعني: الواشمة والمستوشمة (٣) والواصلة والمستوصلة (٤)، فروى أن امرأة (٥) قرأت جميع القرآن ثم أتته فقالت: (يا ابن أم عبد (٦)، تلوت البارحة ما بين الدفتين فلم
(١) في (أ)، (ش): (وأنزلنا)، وهو تحريف.
(٢) في (ش): (فذلك).
(٣) في (ش): (والموشومة)، قال ابن الأثير في "النهاية" ٥/ ١٨٩: (الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بصبغ فيظهر أثره. والمستوشمة والموتشمة التي يفعل بها ذلك) ا. هـ بتصرف.
(٤) قال ابن الأثير في "النهاية" ٥/ ١٩٢: (الواصلة: التي تصل شعرها بشعر آخر زور، والمستوصلة: التي تأمر من يفعل بها ذلك) ا. هـ
(٥) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ١٠/ ٣٧٣ - عند كلامه على هذا الحديث-: (المرأة هي أم يعقوب من بني أسد بن خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة) ا. هـ.
(٦) ابن أم عبد، هو: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قد ينسب إلى أمه أم عبد بنت عبد بن سواء من هذيل صحابية رضي الله عنها. انظر: "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٣١.
(٢) في (ش): (فذلك).
(٣) في (ش): (والموشومة)، قال ابن الأثير في "النهاية" ٥/ ١٨٩: (الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بصبغ فيظهر أثره. والمستوشمة والموتشمة التي يفعل بها ذلك) ا. هـ بتصرف.
(٤) قال ابن الأثير في "النهاية" ٥/ ١٩٢: (الواصلة: التي تصل شعرها بشعر آخر زور، والمستوصلة: التي تأمر من يفعل بها ذلك) ا. هـ
(٥) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ١٠/ ٣٧٣ - عند كلامه على هذا الحديث-: (المرأة هي أم يعقوب من بني أسد بن خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة) ا. هـ.
(٦) ابن أم عبد، هو: الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قد ينسب إلى أمه أم عبد بنت عبد بن سواء من هذيل صحابية رضي الله عنها. انظر: "تهذيب التهذيب" ٢/ ٤٣١.
118
أجد فيه لعن [لله] (١) الواشمة). فقال: (لو تلوته (٢) لوجدته، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وأن مما أتانا رسول الله - ﷺ - أن قال: "لعن الله الواشمة والمستوشمة" (٣).
و (٤) كما يروى أن الشافعي - رضي الله عنه - قال ذات يوم وهو جالس في المسجد: (لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه عن كتاب الله، فقال له رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور (٥)، فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا في كتاب الله؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وأخبرنا (٦) فلان... وذكر الإسناد إلى رسول الله - ﷺ -[أنه] (٧) قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (٨)، وأخبرنا
و (٤) كما يروى أن الشافعي - رضي الله عنه - قال ذات يوم وهو جالس في المسجد: (لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم فيه عن كتاب الله، فقال له رجل: ما تقول في المحرم إذا قتل الزنبور (٥)، فقال: لا شيء عليه، فقال: أين هذا في كتاب الله؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: ٧]، وأخبرنا (٦) فلان... وذكر الإسناد إلى رسول الله - ﷺ -[أنه] (٧) قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (٨)، وأخبرنا
(١) لفظ: (الجلالة) ساقط من (أ).
(٢) في (أ): (لو تلوتيه لوجدتيه)، وقال ابن حجر في "الفتح" ١٠/ ٣٧٣) - عند كلامه على الحديث-: (روى مسلم: ليِّن كنت قرأتيه لقد وجدتيه بإثبات الياء، وهي لغة، والأفصح حذفها في خطاب المؤنث في الماضي) ا. هـ
(٣) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٩٣١)، في كتاب: "اللباس"، باب المتفلجات للحسن، ومسلم ٢/ ١١٨٠، ١١٨١ حديث رقم (٢١٢٤ - ٢١٢٥)، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، وانظر: شرحه في "فتح الباري" ١٠/ ٣٧٢ - ٣٨٠، ٨/ ٦٣٠.
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٥) الزنبور -بضم الزاي المشددة وسكون النون وضم الباء-: ذباب لساع. انظر: "القاموس" ص ٤٠١ (زنبور).
(٦) في (أ): (وأخبر فلان).
(٧) لفظ: (أنه) ساقط من (ش).
(٨) حديث صحيح، أخرجه أحمد ٤/ ١٢٦ - ١٢٧، والدارمي ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠، وأبو داود رقم (٤٦٠٧)، والترمذي رقم (٢٦٧٦)، وابن ماجة رقم (٤٢ - ٤٤)، وابن أبي عاصم في السنة ١/ ٢٩ - ٣٠، والحاكم ١/ ٩٥ - ٩٧ من طرق عن العرباض =
(٢) في (أ): (لو تلوتيه لوجدتيه)، وقال ابن حجر في "الفتح" ١٠/ ٣٧٣) - عند كلامه على الحديث-: (روى مسلم: ليِّن كنت قرأتيه لقد وجدتيه بإثبات الياء، وهي لغة، والأفصح حذفها في خطاب المؤنث في الماضي) ا. هـ
(٣) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٩٣١)، في كتاب: "اللباس"، باب المتفلجات للحسن، ومسلم ٢/ ١١٨٠، ١١٨١ حديث رقم (٢١٢٤ - ٢١٢٥)، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، وانظر: شرحه في "فتح الباري" ١٠/ ٣٧٢ - ٣٨٠، ٨/ ٦٣٠.
(٤) لفظ: (الواو) ساقط من (ش).
(٥) الزنبور -بضم الزاي المشددة وسكون النون وضم الباء-: ذباب لساع. انظر: "القاموس" ص ٤٠١ (زنبور).
(٦) في (أ): (وأخبر فلان).
(٧) لفظ: (أنه) ساقط من (ش).
(٨) حديث صحيح، أخرجه أحمد ٤/ ١٢٦ - ١٢٧، والدارمي ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠، وأبو داود رقم (٤٦٠٧)، والترمذي رقم (٢٦٧٦)، وابن ماجة رقم (٤٢ - ٤٤)، وابن أبي عاصم في السنة ١/ ٢٩ - ٣٠، والحاكم ١/ ٩٥ - ٩٧ من طرق عن العرباض =
119
فلان... وذكر الإسناد إلى عمر (١) -رضي الله عنه- أنه قال: للمحرم قتل الزنبور) (٢)، فأجابه عن كتاب الله مستنبطًا بثلاث درجات (٣)
= بن سارية رضي الله عنه، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح)، وقال الحاكم: (حديث صحيح على شرطهما، ولم أعرف له علة)، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة" لابن أبي عاصم.
(١) الأثر عن عمر رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٤٤٣، رقم ٨٣٨٠ - ٨٣٨١، وابن أبي شيبة ٣/ ٣٣٤، والبيهقي في سننه ٥/ ٢١١، بسند جيد عن سويد بن عفلة الجعفي، وانظر: "المغني" لابن قدامة ٥/ ١٧٥ - ١٧٧.
(٢) روى هذه القصة البيهقي في سننه ٥/ ٢١٢ عن عبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي قال: (سمعت الشافعي بمكة يقول: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله - ﷺ - قال: فقلت له: أصلحك الله! ما تقول في المحرم بقتل زنبورًا؟ قال: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾. حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر المحرم بقتل الزنبور) ا. هـ.
وحديث: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" حديث صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٦/ ٣٥٢ (٣١٩٣٣)، والترمذي في "المناقب" ٥/ ٦٠٩ - ٦١٠، حديث ٣٦٦٢ - ٣٦٦٣، وحسنه، وابن ماجة في "المقدمة" ١/ ٣٧، حديث ٩٧، وابن أبي عاصم في كتاب: السنة ٢/ ٥٤٥ - ٥٤٦، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة".
(٣) نقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٦، وقال: (وأما الطريق الذي ذكره الشافعي فهو تمسك بالعموم على أربع درجات:
أولها: التمسك بعموم قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وأحد الأمور الداخلة تحت هذا أمر النبي - ﷺ - بمتابعة الخلفاء الراشدين.
وثانيها: التمسك بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". =
(١) الأثر عن عمر رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٤٤٣، رقم ٨٣٨٠ - ٨٣٨١، وابن أبي شيبة ٣/ ٣٣٤، والبيهقي في سننه ٥/ ٢١١، بسند جيد عن سويد بن عفلة الجعفي، وانظر: "المغني" لابن قدامة ٥/ ١٧٥ - ١٧٧.
(٢) روى هذه القصة البيهقي في سننه ٥/ ٢١٢ عن عبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي قال: (سمعت الشافعي بمكة يقول: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله - ﷺ - قال: فقلت له: أصلحك الله! ما تقول في المحرم بقتل زنبورًا؟ قال: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾. حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر المحرم بقتل الزنبور) ا. هـ.
وحديث: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" حديث صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٦/ ٣٥٢ (٣١٩٣٣)، والترمذي في "المناقب" ٥/ ٦٠٩ - ٦١٠، حديث ٣٦٦٢ - ٣٦٦٣، وحسنه، وابن ماجة في "المقدمة" ١/ ٣٧، حديث ٩٧، وابن أبي عاصم في كتاب: السنة ٢/ ٥٤٥ - ٥٤٦، وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة".
(٣) نقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٦، وقال: (وأما الطريق الذي ذكره الشافعي فهو تمسك بالعموم على أربع درجات:
أولها: التمسك بعموم قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، وأحد الأمور الداخلة تحت هذا أمر النبي - ﷺ - بمتابعة الخلفاء الراشدين.
وثانيها: التمسك بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". =
120
ومن هذا ما روي في حديث العسيف (١) الزاني وأن أباه قال للنبي - ﷺ -: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي فأقول، قال: "قل"، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا... وذكر القصة، فقال النبي - ﷺ -: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله" (٢)، ثم قضى بالجلد والتغريب على العسيف، وبالرجم على المرأة إن اعترفت، وليس للرجم والتغريب ذكر في نص الكتاب، فجعلهما النبي - ﷺ - من الكتاب لما حكم هو بهما، وهذا يبين لك أن كل ما يحكم به النبي - ﷺ - كان ذلك كما لو حكم به الكتاب نصًّا) (٣).
= وثالثها: أن عمر رضي الله عنه كان من الخلفاء الراشدين.
ورابعها: الرواية عن عمر أنه لم يوجب في هذه المسألة شيئًا) ا. هـ.
(١) العسيف: الأجير سمي لأن المستأجر يعسفه في العمل. انظر: "النهاية" ٣/ ٢٣٦، و"فتح الباري" ١٢/ ١٣٩.
(٢) حديث العسيف حديث متفق عليه أخرجه البخاري (٦٨٢٧، ٦٨٢٨)، ومسلم حديث (١٦٩٧ - ١٦٩٨)، كلاهما في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله - ﷺ - فقال: يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال رسول الله - ﷺ -: "قل". قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله - ﷺ -: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله - ﷺ -) ا. هـ. لفظ مسلم.
وانظر: شرح الحديث في "فتح الباري" ١٢/ ١٣٧ - ١٤٢.
(٣) ذكر قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٧، والقاسمي في "تفسيره" ٦/ ٥١٧ - ٥٢١.
وانظر البحث في هذا الموضوع في "الموافقات" للشاطبي ٢/ ٧٩، ٣/ ٣٣٦.
ورابعها: الرواية عن عمر أنه لم يوجب في هذه المسألة شيئًا) ا. هـ.
(١) العسيف: الأجير سمي لأن المستأجر يعسفه في العمل. انظر: "النهاية" ٣/ ٢٣٦، و"فتح الباري" ١٢/ ١٣٩.
(٢) حديث العسيف حديث متفق عليه أخرجه البخاري (٦٨٢٧، ٦٨٢٨)، ومسلم حديث (١٦٩٧ - ١٦٩٨)، كلاهما في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله - ﷺ - فقال: يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال رسول الله - ﷺ -: "قل". قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله - ﷺ -: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله - ﷺ -) ا. هـ. لفظ مسلم.
وانظر: شرح الحديث في "فتح الباري" ١٢/ ١٣٧ - ١٤٢.
(٣) ذكر قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٧، والقاسمي في "تفسيره" ٦/ ٥١٧ - ٥٢١.
وانظر البحث في هذا الموضوع في "الموافقات" للشاطبي ٢/ ٧٩، ٣/ ٣٣٦.
121
والكتاب على هذا التأويل المراد به القرآن (١).
ومعنى ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾: ما ضيعنا وما تركنا وما قصرنا (٢)، وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ [الأنعام: ٣١].
وقوله تعالى: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ أي: شيئًا و ﴿مِن﴾ زائدة (٣)، كقولك: ما جاءني من أحد، وتقديره: ما تركنا في الكتاب شيئًا لم نبينه؛ لأن معنى التفريط يعود إلى التقصير عن المتقدم فيما يحتاج إلى المتقدم فيه.
وقيل: (المراد بالكتاب هاهنا الكتاب الذي هو عند الله عز وجل المشتمل على ما كان ويكون، وهو اللوح المحفوظ)، وهو قول (٤) ابن عباس في
ومعنى ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾: ما ضيعنا وما تركنا وما قصرنا (٢)، وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ [الأنعام: ٣١].
وقوله تعالى: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ أي: شيئًا و ﴿مِن﴾ زائدة (٣)، كقولك: ما جاءني من أحد، وتقديره: ما تركنا في الكتاب شيئًا لم نبينه؛ لأن معنى التفريط يعود إلى التقصير عن المتقدم فيما يحتاج إلى المتقدم فيه.
وقيل: (المراد بالكتاب هاهنا الكتاب الذي هو عند الله عز وجل المشتمل على ما كان ويكون، وهو اللوح المحفوظ)، وهو قول (٤) ابن عباس في
(١) وهو قول الجمهور ورجحه النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٥٤٦، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ١٩٤؛ لأنه هو الذي يقتضيه سياق الآية والمعنى، قال الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٥: (هذا أظهر؛ لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد انصرف إلى المعهود السابق، والمعهود السابق من الكتاب عند المسلمين هو القرآن، فوجب أن يكون المراد من الكتاب في هذه الآية القرآن) ا. هـ.
وانظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١١٢، و"البحر المحيط" ٤/ ١٢٠، و"تفسير القاسمي" ٦/ ٥١٥ - ٥١٦.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩١.
(٣) انظر: "التبيان" ١/ ٣٣١، و"الفريد" ٢/ ١٤٥ - ١٤٦، و"البحر" ٤/ ١٢٠ - ١٢١، و"الدر المصون" ٤/ ٦١٢، ونقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٨، وقال: (من للتبعض، فكأن المعنى: ما فرطنا في الكتاب بعض شيء يحتاج المكلف إليه، وهذا هو نهاية المبالغة في أنه تعالى ما ترك شيئاً مما يحتاج المكلف إلى معرفته في هذا الكتاب) ا. هـ.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٨، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٦ بسند جيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢ /٢٠٧، بسند جيد عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند جيد عن ابن زيد، وهو اختيار مقاتل ١/ ٥٦٠، والطبري والسمرقندي ١/ ٤٨٣، والبغوي ٣/ ١٤٢، والزمخشري ٢/ ١٧، =
وانظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ١١٢، و"البحر المحيط" ٤/ ١٢٠، و"تفسير القاسمي" ٦/ ٥١٥ - ٥١٦.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٩١.
(٣) انظر: "التبيان" ١/ ٣٣١، و"الفريد" ٢/ ١٤٥ - ١٤٦، و"البحر" ٤/ ١٢٠ - ١٢١، و"الدر المصون" ٤/ ٦١٢، ونقل قول الواحدي الرازي في "تفسيره" ١٢/ ٢١٨، وقال: (من للتبعض، فكأن المعنى: ما فرطنا في الكتاب بعض شيء يحتاج المكلف إليه، وهذا هو نهاية المبالغة في أنه تعالى ما ترك شيئاً مما يحتاج المكلف إلى معرفته في هذا الكتاب) ا. هـ.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ١٨٨، وابن أبي حاتم ٤/ ١٢٨٦ بسند جيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢ /٢٠٧، بسند جيد عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند جيد عن ابن زيد، وهو اختيار مقاتل ١/ ٥٦٠، والطبري والسمرقندي ١/ ٤٨٣، والبغوي ٣/ ١٤٢، والزمخشري ٢/ ١٧، =
122
رواية الوالبي (١)، والآية على هذا التأويل عامة، وتدل على أن كل ما في الدنيا من حادث قد سبق به القضاء، وأثبت ذلك في اللوح المحفوظ كما قال - ﷺ -. "جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة" (٢).
= وابن كثير ٢/ ١٤٧، وهو الظاهر -والله أعلم- قال ابن القيم في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٧ - ١٥٠: (هو أظهر القولين وأظهر في الآية، والسياق يدل عليه) ا. هـ.
(١) (تقدم أنه علي بن أبي طلحة: والوالِبي: نسبة إلى والب بن الحارث بن ثعلبة بطن من بني أسد، ينسب إليه جماعة منهم: سعيد بن جبير بن هشام الناس الأسدي الوالبي، أبو محمد الكوفي، تابعي إمام عابد، وفضله ومناقبه وثناء الأئمة عليه كثير، قتله الحجاج سنة ٩٥ هـ. ولم يكمل ٥٠ سنة.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٢٥٦، و"الجرح والتعديل" ٤/ ٩، و"الحلية" ٤/ ٢٧٢، و"تهذيب الأسماء واللغات" ١/ ٢١٦، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٣٢١، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ٩، هذا هو المشهور في الوالبي كما في "اللباب" ٣/ ٣٥٠، ولكن مراد الواحدي كما في "أسباب النزول" ص ٣٩، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى" ٨/ ١٥٠، ١٤/ ٢٣٨، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤٧، أن الوالبي هو علي بن أبي طلحة ولم أجد في ترجمته من نسبه إلى ذلك؛ وهو: علي ابن سالم بن مخارق الهاشمي مولاهم أبو الحسن ابن أبي طلحة الحمصي، أصله من الجزيرة، إمام صدوق مشهور برواية التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يسمع منه، ولكنه أخذه عن الثقات من أصحاب ابن عباس، وقد أشاد العلماء بصحيفته في التفسير واعتمدوها في كتبهم، توفي سنة ١٤٣ هـ.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ٤٥٨، و"الجرح والتعديل" ٦/ ١٨٨، و"مشاهير علماء الأمصار" ص١٨٢، و"تاريخ بغداد" ١١/ ٤٢٩، و"ميزان الاعتدال" ٣/ ١٣٤، و"تهذيب التهذيب" ٣/ ١٧١، ومقدمة "معجم غريب القرآن" لمحمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) أخرج الإمام أحمد ٤/ ٢٨٦ - ٢٨٨، وابن أبي عاصم في "السنة" ١/ ١٣٧ - ١٣٩، حديث طويل عن ابن عباس، وفيه: قال النبي - ﷺ -:
(١) (تقدم أنه علي بن أبي طلحة: والوالِبي: نسبة إلى والب بن الحارث بن ثعلبة بطن من بني أسد، ينسب إليه جماعة منهم: سعيد بن جبير بن هشام الناس الأسدي الوالبي، أبو محمد الكوفي، تابعي إمام عابد، وفضله ومناقبه وثناء الأئمة عليه كثير، قتله الحجاج سنة ٩٥ هـ. ولم يكمل ٥٠ سنة.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٢٥٦، و"الجرح والتعديل" ٤/ ٩، و"الحلية" ٤/ ٢٧٢، و"تهذيب الأسماء واللغات" ١/ ٢١٦، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٣٢١، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ٩، هذا هو المشهور في الوالبي كما في "اللباب" ٣/ ٣٥٠، ولكن مراد الواحدي كما في "أسباب النزول" ص ٣٩، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى" ٨/ ١٥٠، ١٤/ ٢٣٨، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ١٤٧، أن الوالبي هو علي بن أبي طلحة ولم أجد في ترجمته من نسبه إلى ذلك؛ وهو: علي ابن سالم بن مخارق الهاشمي مولاهم أبو الحسن ابن أبي طلحة الحمصي، أصله من الجزيرة، إمام صدوق مشهور برواية التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يسمع منه، ولكنه أخذه عن الثقات من أصحاب ابن عباس، وقد أشاد العلماء بصحيفته في التفسير واعتمدوها في كتبهم، توفي سنة ١٤٣ هـ.
انظر: "طبقات ابن سعد" ٧/ ٤٥٨، و"الجرح والتعديل" ٦/ ١٨٨، و"مشاهير علماء الأمصار" ص١٨٢، و"تاريخ بغداد" ١١/ ٤٢٩، و"ميزان الاعتدال" ٣/ ١٣٤، و"تهذيب التهذيب" ٣/ ١٧١، ومقدمة "معجم غريب القرآن" لمحمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) أخرج الإمام أحمد ٤/ ٢٨٦ - ٢٨٨، وابن أبي عاصم في "السنة" ١/ ١٣٧ - ١٣٩، حديث طويل عن ابن عباس، وفيه: قال النبي - ﷺ -: