تفسير سورة الملك

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الملك من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الملك
مكيّة وهى ثلثون اية نحمدك يا من لا اله الا أنت ونسبحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انك ملك الملك توتى الملك من نشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير انك على كل شىء قديره أنت ربنا ورب السموات والأرض ومن فيهن ونصلى ونسلم على رسولك وحبيبك سيدنا ومولانا محمد وعلى جميع النبيين والمرسلين وعلى عبادك الصالحين ربّ يسّر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وتمّم بالخير
تَبارَكَ مشتق من البركة بمعنى الزيادة المقتضى للكمال وعدم النقصان والمأخوذ فى اسماء الله تعالى وصفاته من معانى الألفاظ هو الغايات دون المبادي فهو من صيغ التكبير ويستلزمه التنزه عن صفات المخلوقين فانها لا تخلو عن النقصان الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ اليد من المتشابهات لتنزهه سبحانه عن الجارحة واوله المتأخرون بالقدرة والملك وهو السلطان على كل شىء والتصرف فى الأمور كلها وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ اى على كل ما يشاء قَدِيرٌ لا يمكن لاحد دفع ما اراده فلا يجوز الخوف والرجاء الا منه تعالى ولما كانت هذه الاية بمنزلة الدعوى على وجوده تعالى وكمال صفاته وتنزيهه مستدعيا للبرهان عقبها بما يدل على ذلك من الآيات فى نفس المكلفين من خلق الموت والحيوة وفى خلق السموات بلا تفاوت وفطور وخلق الأرض وجعلها ذلولا وخلق ما فيها من الأرزاق والطير صافات وذكر فيها بين ذلك استطرادا عذاب الكفار الذين لم يسمعوا او لم يعقلوا البراهين والآيات وثواب الذين يخشون ربهم المنتفعين بالحجج والبينات فقال.
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول
17
السابق واما خبر مبتداء محذوف اى هو او منصوب على المدح والحيوة من الصفات الله تعالى وهى صفة يستتبع العلم والقدرة والارادة وغيرها من صفات الكمال وقد استودعها الله تعالى فى الممكنات وخلقها فيها على حسب إرادته واستعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات الله تعالى وصفاته وهى الامانة التي حملها الإنسان وأشفقن منها السموات والأرض والجبال وذلك بإلقاء نور من الله تعالى وهذا القسم من الحيوة وما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أفمن كان ميتا فاحييناه وقوله عليه الصلاة والسلام ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي وفى بعضها بحيث يستتبع الحس والحركة الحيوانية المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وفى بعضها لتستتبع النمو فقط المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اى يحيى نبات الأرض بعد يبسها وذلك القسمين من الحيوة ينفخ الروح الإنساني والحيواني والنباتي فى الأجسام وليس شىء من الاقسام الثلاثة المذكورة للحيوة فى الجمادات ولذا قال الله تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء ولكن الجمادات ايضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقد مر تفسيره فى سورة البقرة وهذا النوع من الحيوة لازم للوجود وقال الله تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده والموت فى كل مرتبة من المراتب المذكورة عبارة عن عدم الحيوة او مطلقا او عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا فالتقابل بينهما اما تقابل العدم والملكة او الإيجاب والسلب فهى صفته عدمية مقتضاه الى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة المستودعة من الله سبحانه كما يدل عليه ما تلونا من قوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه وقوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم ويحى الأرض بعد موتها وقوله تعالى كن فيكون ولاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا او لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء الأليق وقال بعض العلماء الموت صفة وجودية والتقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام مانعة من العلم والقدرة والحس والحركة ونحوها مستدلين بهذه الاية فان خلق الموت يقتضى وجوده والاعدام الاصلية
18
غير مخلوقة قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى وبصيرة الكشف حاكمة بان الصفات الله تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت ونقيض العلم الجهل ونقيض القدرة العجز ونقيض البصر العمى وهكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى نقايضها وبصبغ الله سبحانه وكمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال وتلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة وانصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول والسبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات والممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها ومعنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود وتوابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة وأشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات والممكنات انما هو فى دار الدنيا واما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود وتوابعه من الصفات بلا توسط الأعيان وهذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القران اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ وقوله تعالى أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وأمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة والخلق بمعنى التقدير
اى قدر الموت والحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا والحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت والحيوة الاخروية بالحياة قلت وذلك لما قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا وكون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت ويصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اى فى الحال وكذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال وما كان او ما يؤل فهو مجازى والله تعالى اعلم وذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض وانه مخلوق فى صورة كبش أملح والحياة فى صورة فرس أنثى واختاره السيوطي فى بدور السافرة ومبنى هذا القول
19
ما ذكر البغوي اثر ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ ولا يجد ريحه شيء الا مات وخلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى وهى التي كان جبرئيل والأنبياء يركبونها لا يمر بشئ ولا يجد ريحها شى الا حيى وهى التي أخذ السامري قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت وهذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم وليس بعرض وكذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها الموت وجسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ ولا يجد ريحها الا مات بالأولى وحيى بالثانية فالموت والحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب على مرورها ووجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم ونحو ذلك وما ورد فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي - ﷺ - إذا صار اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا اى فرحهم ويزداد اهل النار حزنا اى حزنهم وفيهما عن ابن سعيد قال قال رسول الله - ﷺ - يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار الحديث الى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ واخرج الحاكم وصححه وابن حبان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه والايمان به وتفويض علمه الى الله تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي والصوفية العلية لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال وفيه مثال لكل جوهر وعرض بل للمجردات ايضا بل لله سبحانه ايضا مع كونه متاعال عن الشبه والمثال ذلك هو المحل لحديث رايت ابى على صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب وقد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال الى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى وقد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء ولعل الله تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة الى عالم الشهادة فيومر بذبحه حتى يظهر اهل الجنة والنار انه خلود ولا موت وهكذا التأويل فى حشر الإسلام والايمان والقرآن والأعمال والامانة والرحم وايام الدنيا كما نطق به الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال والمعاني كلها مخلوقة ولها صورة عند الله تعالى وان كنا لا نشاهدها وقد نص ارباب الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف
20
على حقائق المعاني وادراك صورها بصور الأجسام والأحاديث شاهدة لذلك وهى كثيرة انتهى وهذا القول من السيوطي حكاية عن عالم المثال والله تعالى اعلم لِيَبْلُوَكُمْ اى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف ايها المكلفون أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم وليس هذا من التعليق لتقدم المفعول الاول على الاستفهام ولو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه وقال الفراء لم يوقع البلوى على اى ويليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا وأورع من محارم الله واسرع فى طاعة الله وقوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت والحيوة يعنى الحكمة فى خلق الموت والحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة الممكنة
والموت واعظ به يتعظ الزكي ومغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد وانقلاب الأحوال من الحيوة والممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار وعن عمار بن ياسر مرفوعا كفى بالموت واعظا وكفى باليقين غنى رواه الطبراني ورواه الشافعي واحمد عن الربيع بن انس مرسلا كفى بالموت وهذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة وعن ابى هريرة بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفتدا او موتا مجهرا والدجال فانه شر منتظر والساعة أدهى وامر رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى احمد ومسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض والدجال وخويصة أحدكم وامر العامة والمراد بخويصة أحدكم الموت وبامر العامة القيامة وعن ابى امامة عند البيهقي نحوه وَهُوَ الْعَزِيزُ فى انتقامه ممن عصا الْغَفُورُ لمن شاء.
الَّذِي خَلَقَ خبرا آخر لهو او صفة من الغفور او بدل من الموصول السابق سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً اى ذات طباق جمع طبق كحبل وحبال او طبقة كرحبة ورحاب او مصدر فعل محذوف اى طوبقت طباقا من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وصف للسبع او حال وقد ذكرنا فى سورة البقرة وما ورد فى السموات السبع وبعد ما بينهن ما تَرى يا محمد - ﷺ - او اى مخاطب كان وما نافية او استفهامية للانكار مفعول ترى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ الاضافة للعهد والمراد به ما ذكر من السموات السبع والاضافة الى الرحمن للتعظيم ولا يجوز ان يكون الاضافة لتعريف الجنس فان فى جنس الخلق تفاوتا فاحشا
كما لا يخفى الا ان يقال المراد بالتفاوت فوت شىء مما ينبغى فيه وعدم التناسب فمقتضى العبارة انه ليس فى الإمكان أبدع مما كان يعنى باعتبار النظام الجملي مِنْ تَفاوُتٍ من زائدة او تبعيضية على تقدير كون ما نافية وبيانية على تقدير كونها استفهامية والجملة صفة للسبع او حال من فاعل خلق او مفعوله وضع المظهر يعنى لفظ الرحمن او لفظ خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتصريح على سبب عدم نقصانه فانه مستند الى من هو متنزه عن النقص متصف بالرحمة او مستأنفة فى جواب كيف خلقت قرأ حمزه والكسائي تفوت من التفعيل والباقون من التفاعل ومعناهما واحد كالتعهد والمتعاهد من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت عنه بعض ما فى الاخر يعنى ليس اعوجاج ونقصان كما ترى فى ابنية البشر فَارْجِعِ الْبَصَرَ جواب شرط محذوف اى ان زعمت ان يظهر التفاوت بتكرار البصر فارجع البصر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ اى شقوق من فطرة إذا شقه ومن زائدة او تبعيضية والاستفهام للتقرير.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ عطف على فارجع والتثنية للتكثير اى كرة بعد كرة كما فى لبيك يَنْقَلِبْ مجزوم على جواب الأمر إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً اى بعيدا طريدا عن إصابة المطلوب مع الذل والصغار وَهُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة حال بعد حال من فاعل ينقلب قال البغوي روى عن كعب السماء الدنيا موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفراء نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء ومن السّماء السابعة الى الحجب السبعة صحارى من نور.
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا اى السفلى وهى القريبة من الأرض بِمَصابِيحَ اى الكواكب فانها مصابيح الظلم يهتدى بها الطرق وظاهر الاية تدل على ان الكواكب كلها مرتكزة فى السماء الدنيا وما زعمت الفلاسفة خذلهم الله امر لا دليل عليه واستدلالهم بتعدد حركاتها على تعدد أفلاكها لا يتم الا بعد ثبوت امتناع الخرق والالتيام على السموات وذلك جايز عقلا واجب شرعا وَجَعَلْناها اى المصابيح رُجُوماً لا يزولها من مكانها بل بانتقاض الشهب فيها لِلشَّياطِينِ إذا استرقوا السمع وَأَعْتَدْنا لَهُمْ فى الاخرة عَذابَ السَّعِيرِ النار الموقدة ولما تضمن ما سبق من الكلام ذكر الشياطين عقبهم ذكر عذاب الكفار لكون الشياطين من زمرة الكفار وكونهم اخوان الشياطين فقال.
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
هى.
إِذا أُلْقُوا فِيها اى الذين كفروا فى جهنم سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتا كصوت الحمار خارجا من النار نفسها او من الذين دخلوا فيها قبلهم او من أنفسهم لها حال من شهيقا قدم عليه لكونه نكرة وَهِيَ اى جهنم تَفُورُ تغلى كظيان المرجل اخرج هناد عن مجاهد تفور بهم كما تفور الجب القليل الماء كثيرا وهذا على سبيل الاستعارة.
تَكادُ جهنم تَمَيَّزُ اى تنشق مِنَ الْغَيْظِ متعلق بتميز والجملة حال من فاعل تفور وجملة وهى تفور حال من ضمير لها والمراد بالغيظ اما غيظ الله سبحانه او غيظ ملائكة العذاب او غيظ النار نفسها على اعداء الله تعالى ونسبة الغيظ الى النار اما بالمجاز على سبيل الاستعارة او بالحقيقة بعد اثبات الشعور لها كما أثبتناه فى الجمادات كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها توبيخا وتبكيتا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم من عذاب الله جملة مستانفة فى جواب ما يقال لهم حين يلقون وكلما ظرف متعلق بسالهم والاستفهام للتقرير.
قالُوا حكاية عن الحال المستقبل وهى مستانفة ايضا كانه فى جواب ما يقولون حين يسألون كذلك بَلى مفعول قالوا قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فعيل صفة بمعنى الجمع او مصدر مقدر بمضاف اى اهل إنذار او منعوت به للمبالغة او صفة بمعنى الواحد والمعنى قالوا قد جاء الى كل منا نذير والجملة مقررة لمعنى بلى فَكَذَّبْنا النذير وفرطنا فى التكذيب حتى وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ج صلى فيه نفى للانزال والإرسال إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ الظاهر انه من كلام الكفار مبالغة فى تكذيبهم بالنسبة الى الضلال الكبير ويحتمل ان يكون من كلام الزبانية للكفار على ارادة القول والنذير ان كان بمعنى الواحد فالخطاب له ولامثاله على التغليب او اقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل.
وَقالُوا عطف على قالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام النذير سماع قبول من غير عناد فنؤمن بما ثبت بالادلة السمعية أَوْ نَعْقِلُ ويتفكر فى الآيات والدلائل العقلية الموجبة للايمان بالله تعالى والرسول وما جاء به وتقديم السمع على العقل لكون الادلة السمعية اولى بالاتباع واخرى باصابة الحق من الادلة العقلية والعقل غير كاف بالاستقلال والاية تدل على ان العقل السليم مطابق للوحى المنزل ويحتمل ان يكون كلمة او بمعنى الواو يعنى لو كنا نسمع كلام النذير ونعقل معناه فيتفكر فيه تفكر
المستبصرين ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فى عددهم من جملتهم.
فَاعْتَرَفُوا معطوف على قالوا عطف تفسير بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن معرفة والمراد بالذنب الكفر ولم يجمع لانه فى الأصل مصدر فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ منصوب على المصدر اى فاسحقهم الله سحقا اى ابعدهم من رحمته والتغير للايجاز والمبالغة قرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بالسكون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والجملة الدعائية معترضة.
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاقبوه بعد او غائبين عنه او عن أعين الناس لا كالمنافقين او بالمخفي منهم وهو قلوبهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ يصغر بالنسبة اليه كل ما يخطر بالبال من اللذة والجملة معترضة ذكر الله سبحانه وعد المؤمنين فى مقابلة وعيد الكفار وجعل عنوانهم خشية الله اشعارا بان الخشية هى المقصود من الايمان قال رسول الله - ﷺ - راس الحكمة مخافته رواه الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال ابن عباس كان المشركون ينالون من رسول الله - ﷺ - فيما بينهم فيخبره جبرئيل عليه السلام لو أسروا قولكم كيلا يسمع الله امر محمد فنزلت.
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ امر بمعنى الخبر يعنى هما سواء فى علم الله خطاب الى الكفار على الالتفات من الغيبة وفيه تهديد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بالضمار قبل ان يتكلم لها سرا او جهرا فهو تعليل للتسوية.
أَلا يَعْلَمُ ما فى الصدور مَنْ خَلَقَ الصدور وما فيها وكل شىء او المعنى الا يعلم الله من خلقه الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات للعلم فهو تأكيد بما سبق وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصل علمه الى ما ظهر وما بطن حال من فاعل خلق ثم نبه الله تعالى على جهلهم ببيان بدايع صنعته الدالة على اتساع علمه وقدرته وعلى قبح صنعهم حيث كفروا فى مقابلة الانعام المقتضى للشكر.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا سهلا لا يمنع المشي فيها كالناقة الذلول المنقادة فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جوانبها ومنه منكب الرجل وقيل المراد بالمناكب الجبال وهذا مثل لفرط التذلل فان منكب البعير لا يطأ الراكب ولا يتذلل له فاذا جعل الأرض فى الذل بحيث يمكن المشي فى مناكبها لم يبق شىء لم يتذلل وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ والتمسوا من نعمة عطف على فامشوا
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسالكم عن شكر ما أنعم الله عليكم.
أَأَمِنْتُمْ قرأ قنبل النشور وأمنتم بقلب النشور وأمنتم بقلب همزة الاستفهام واوا فى الوصل ويمد بعد الواو مدة فى تقدير الف ولو وقف على النشور حقق الهمزة والكوفيون وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين والباقون بتليين الثانية وهم على أصولهم فى إدخال الالف وعدمه مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس اى عذابه من فى السماء ان عصوا والمراد بمن فى السماء هو الله سبحانه عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب له من يسالنى فاعطيته من يستغفر فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يعرض عير عدوم ولا ظلوم حتى يتفجر فالاية من المتشابهات لكونه تعالى منزها عن التمكين فى السماء فمذهب السلف السكوت وقول الصوفية كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى يأتيهم الله فى ظلل من الغمام وللمتاخرين تأويلات بان فى السماء امره وقضاءه او هو فيها على زعم العرب او المراد بالسماء الرفعة والعلو من حيث الرتبة دون المكان والاستفهام للانكار وقيل المراد بمن فى السماء الملائكة الموكلين على تدبير الأمور الذين هم بمنزلة الآلة الكاسبة لخسف الأرض وإرسال الحاصب أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل من بدل اشتمال فَإِذا هِيَ اى الأرض تَمُورُ تتحرك الجملة معطوفة على يخسف وإذا للمفاجات مضافة الى الجملة بعدها اى ففاجاء وقت كونها تضطرب وتتحرك.
أَمْ أَمِنْتُمْ أم منقطع بمعنى هل وهمزة الاستفهام للانكار مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ معطوف على مضمون ما سبق اى أنذركم فستعلمون كَيْفَ نَذِيرِ اى إنذاري إذا شاهدتموه ولا ينفعكم العلم به قرأ ورش نذيرى وكذا نكيرى بإثبات الياء فيهما وصلا وحذفها فيهما وقفا والباقون بالحذف فى الحالين.
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جواب قسم محذوف فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بانزال العذاب فيهم تسلية للرسول وتهديد للكفار والاستفهام للتعجب والتقرير والجملة الاستفهامية بتأويل الخبرية معطوفة على كذب يعنى كذبوا فعظم إنكاري عليهم وفى هذه الجملة التفات من الخطاب الى الغيبة.
أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للاستفهام والواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ما خلقنا من السماء والأرض وغيرهما ولم يرو
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ الظرف متعلق بصافات وهى حال من الطير والمراد بالروية روية البصر بقرينة تعدية بالى يعنى باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطن ضغفن قوادمها وَيَقْبِضْنَ أجنحتها الى جنوبهن عطف على صافات وانما عدل من الاسم الى الفعل ليدل على الحدوث والتجدد فان الأصل فى الطيران انما هو بسط الاجنحة والقبض يحدث فى وقت بعد وقت الاستظهار به على التحرك ويحتمل العطف على محذوف اى يبسطن تارة ويقبضن اخرى ما يُمْسِكُهُنَّ فى الجو على خلاف الطبع إِلَّا الرَّحْمنُ والجملة حال من فاعل صافات إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أم متصلة لقوله تعالى او لم يروا على معنى الم ينظروا فى أمثال هذه الصنايع فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو الخسف وإرسال الحاصب أم لكم جند ينصركم من دون الرحمن ويدفع عنكم العذاب ان أرسل إليكم عذابه وقيل أم ابتدائية ليست بمتصلة ولا منقطعة بمعنى الهمزة وهل لئلا يلزم تكرار الاستفهام ومن استفهامية مبتداء وهذا خبره والموصول مع الصلة صفة او بدل منه وينصركم وصف لجند محمول على لفظه وانما ذكر اسم الاشارة والموصول مع انه يستفاد ذلك المعنى مع تركها من قوله أمن هو جند لكم إلخ لان فى ذكر المفصل بعد المبهم وقع عظيم فى القلب ويحتمل ان يكون هذا مبتداء والموصول مع الصلة خبره والجملة مفعول يقال محذوف تقديره أمن يقال هذا الذي هو جند لكم والمراد بالجند المشار اليه بهذا فى الاية وفيما بعدها الأصنام التي زعموها الهة يعنى تلك الأصنام لا يتصور منهم ان ينصروا ويرزقوا او المراد أعوانهم بعضهم لبعض إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ من الشيطان فانه يغرهم بان العذاب لا ينزل بهم من غير ما يعتمد عليه فيه التفات من الخطاب الى الغيبة.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بامساك المطر ومنع الأسباب المحصلة والموصولة إليكم او ابطال تأثيراتها والكلام فيه كالكلام فى أمن هذا الذي فيما سبق بَلْ لَجُّوا يعنى الكفار تمادوا فِي عُتُوٍّ إضلال وَنُفُورٍ تباعد عن الحق بفرط جهلهم وتنفر طباعهم عنه.
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى الهمزة للاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب
على الإقرار بالحق والفاء زائدة ومن موصولة مبتداء واهدى خبره ومكبّا حال من فاعل يمشى والإكباب من الكب يقال كببته فاكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فاقشع او المعنى مكبا نفسه على وجهه قال فى القاموس كبه قلبه وصرعه كاكبه وكببته فاكب وهو لازم ومتعدى وقيل معناه صار ذاكب اى يمشى ويعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعور طريقه واختلاف أجزائه أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائما مائلا من العناد عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوى الاجزاء او خبر من هاهنا محذوف اكتفاء على ما سبق فى المعطوف عليه فالواجب هاهنا الإقرار بان الماشي سويا على صراط مستقيم اهدى فكذلك المؤمن الذي يمشى على بصيرة على مسلك العقل والنقل اهدى من الكافر الذي لا يسمع ولا يعقل وكلمة اهدى لا يقتضى وجود اصل الهداية فى المفضل عليه تحقيقا بل يكفى وجوده فرضا وتقديرا قال قتادة من أكب على معاصى فى الدنيا يمشى مكبا على وجهه يوم القيمة والمؤمن يمشى يوم القيامة سويا اخرج الشيخان عن انس ان رسول الله - ﷺ - سئل كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه على رجليه فى الدنيا قادر على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة وروى ابو داود عن ابى هريرة نحوه وفى هذه الجملة تشنيع اخر على الكفار ولما كان قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم وقوله تعالى أمن هذا الذي يرزقكم لانكار النصر والرزق من جندهم اقتضى السؤال بان يقال فمن ينصرنا ويرزقنا أجيب بقوله تعالى.
قُلْ انما ينصركم ويرزقكم هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ لتعرفوا ربك وتعبدوه وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ تسمعوا المواعظ وَالْأَبْصارَ لتنظروا صنايعه وَالْأَفْئِدَةَ لتتفكروا وتعتبروا ولما كان السمع فى الأصل مصدر او المصدر لا يجمع ذكره بصيغة الافراد بخلاف البصر والفؤاد وايضا العلم الحاصل بالسمع نوع واحد وهو الصوت والحاصل بالبصر والفؤاد انواع مختلفة قَلِيلًا اى شكرا قليلا وزمانا قليلا ما زائدة لتأكيد القلة تَشْكُرُونَ والمراد بالقلة النفي راسا مجازا.
قُلْ كلمة قل زائدة أعيدت للتاكيد هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ بدل من هو الذي انشأكم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء حال مقدرة من فاعل ذرأكم فهذين الجملتين على طريقة جاء زيد وهو راكب.
وَيَقُولُونَ يعنى الكفار انكار الوعد واستبطائه مَتى هذَا الْوَعْدُ اى وعد الحشر إِنْ كُنْتُمْ ايها النبي والمؤمنون صادِقِينَ فى قولكم بالحشر فبينوا وقته.
قُلْ مستانفة فى جواب ما أقول لهم فى الجواب إِنَّمَا الْعِلْمُ اى العلم بوقته عِنْدَ اللَّهِ لا يعلم غيره وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ والانذار يكفى له العلم بوقوع المحذر منه ولا يتوقف على العلم بوقته والجملتين بالعطف مقولة قل.
فَلَمَّا رَأَوْهُ اى الوعد بمعنى الموعود قال اكثر المفسرين المراد به العذاب فى الاخرة وقال مجاهد العذاب ببدر زُلْفَةً اى ذا زلفة وقرب منهم حال من ضمير المفعول ولما ظرف متعلق بقوله تعالى سِيئَتْ اى اسودت قبحت وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بروية العذاب وَقِيلَ هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ اى تطلبون وتستعجلون من الدعاء او من الدعوى اى تدعون ان لا بعث.
قُلْ يا محمد - ﷺ - لمشركى مكة الذين يتمنون هلاككم أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بالفتح اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بالفتح أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا الاستفهام فى ارايتم للتقرير والروية بمعنى العلم معناه أخبروني والجملة الشرطية بعد افعال القلوب كالنفى والاستفهام يوجب التعليق فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الاستفهام للانكار والجملة جزاء للشرط يعنى لا أحد يجيرهم والحاصل انه لا فائدة لكم فى هلاكنا حتى تطلبونه انما يفيدكم ان تتبعوا من يجيركم من عذاب الله ولا يتصور ذلك من الأصنام وقيل معناه ان أهلكني ومن معى يعنى المؤمنين يعذبهم الله بذنوبهم او رحمنا ويغفر لنا فنحن مع أيماننا خائفون عذاب الله لاجل ذنوبنا فان حكمه نافذ فينا فمن يجيركم من عذابه وأنتم كفار.
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ يعنى الذي ذكر فيما سبق دلائل وجوده وقدرته وسلطانه هو الرحمن الذي اعبده وأدعوكم اليه وهو مولى النعم كلها آمَنَّا بِهِ للعلم بذلك فيه تقرير بمضمون جملة هو الرحمن وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لوثوق عليه المبنى على الايمان به وتقديم الظرف تفيد الحصر المستفاد من هو الرحمن فهذه الجملة يقرر مضمون الجملتين السابقتين وهذه الاية بمنزلة النتيجة للبراهين السابقة ويترتب عليه الحكم بحال الفريقين المؤمنين والكافرين ولذا جاء بفاء السببية فى قوله تعالى فَسَتَعْلَمُونَ يوم الجزاء قرأ الكسائي بالياء والباقون بالتاء وتعلمون معلق بالجملة الاستفهامية الواقعة بعده اعنى مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
نحن وأنتم وفيه تهديد وترهيب وكذا فى قوله تعالى.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ وزانه وزان قل ارايتم ان أهلكني الله الاية غَوْراً غايرا فى الأرض بحيث لا يناله الدلاء مصدر وصف به فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ مشتق من العين الجارية اى ماء جار او من العين الباصرة اى مرئى ظاهر سهل المأخذ فان بديهة العقل شاهد على ان هذه الأصنام لا تقدر على إتيانه بل لا يقدر عليه أحد الا الله سبحانه ويستحب للقارى ان يقول حين ختم هذه السورة الله رب العالمين قال الشيخ جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى كذا ورد فى الحديث- (فصل) عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال ان سورة من القران ثلثون اية شفعت لرجل حتى غفر له وهى تبارك الذي بيده الملك رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ورواه البغوي بلفظ ان سورة من كتاب الله ما هى الا ثلثون اية شفعت لرجل فاخرجته يوم القيامة من النار وأدخلته الجنة وهى سورة تبارك وعن ابن عباس قال قال رسول الله - ﷺ - هى المانعة هى المنجية من عذاب الله رواه الترمذي وعن جابر ان النبي - ﷺ - كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك رواه احمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعن خالد بن معدان قال بلغني فى الم تنزيل ومثله فى تبارك الذي ان رجلا كان يقرأهما ما يقرأ شيئا غيرهما وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه قالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى فشفعها الرب تعالى فيه وقال له اكتبوا له بكل خطيئه حسنة وارفعوا له درجة وقال ايضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول اللهم ان كنت من كتابك فشفعنى فيه وان لم أكن فى كتابك فامحنى عنه وانها تكون كالطير يجعل جناحها عليه فيشفع له فيمنعه من عذاب القبر وقال طاؤس فضلتا على كل سورة فى القرآن بستين حسنة رواه الدارمي تمت سورة الملك.
Icon