تفسير سورة المرسلات

القطان
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

المرسَلات: الملائكة. عُرفا: للعرف والخير. العاصفات: الرياح الشديدة، عصفت الريح عصفا وعصوفا اشتد هبوبها. الناشرات: تنشر الرياح السحب في الفضاء. فالفارقات: بين الحق والباطل. فالملقيات ذِكرا: الملقيات العلم والحكمة الى الأنبياء. عُذراً او نُذرا: للإعذار والانذار. طمست: محيت وذهب نورها. فُرجت: شقت. نسفت: اقتلعت من اماكنها. أُقتت: عين لها وقت. أُجلت: اخِّرت. ليوم الفصل: يوم القيامة الذي يفصل فيه بين العباد. ماء مهين: نطفة صغيرة. في قرار مكين: في الرحم. الى قدر معلوم: مدة الحمل. فقدرنا: على كل شيء. كفاتا: جامعة للأحياء والأموات. كَفَتَ الشيءَ: ضمه وجمعه. رواسي: جبالا ثوابت. شامخات: مرتفعات. فراتا: عذبا.
أقسم اللهُ تعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسَلون الى الأنبياء بالإحسان والمعروف والخير ليبلغوها للناس، ومنهم الذين يعصِفون ما سوى الحق ويُبعدونه كما تُبعِد العواصف التراب وغيره، ومنهم الذين ينشرون آثار رحمة الله في النفوس الحية، ومنهم الذين يفرقون بين الحق والباطل، ومنهم الملقونَ العلمَ والحكمة لينذروا الناس. اقسم بكل ما تقدم بأنّ يوم القيامة الذي توعدون به لواقعٌ آتٍ لا ريب فيه. وذلك حين تُمحقُ النجوم ويذهب نورها، وتتشقق السماءُ، وتُنسف الجبال، ويُعيَّن للرسُل الوقت الذي يشهدون فيه على أُممهم.
﴿وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الفصل﴾
ليوم القيامة، اليوم الذي يكون فيه الفصل بين الخلائق.
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾.
ما أعلَمك يا محمد بيوم الفصل وشدّته وهوله، ما الذي تعرفه عن ذلك اليوم العظيم؟
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
الهلاك والويل في ذلك اليوم للذين كفروا وكذّبوا رسُلَهم.
وبعد ان حذّر الكافرين وخوّفهم وأنذَرهم بأن يوم الفصل آتٍ لا ريب فيه، اردف ذلك بإعلامهم بانه أهلكَ الكفارَ من الأمم الأولين المكذبين. ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين﴾
﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين﴾.
ثم نحن نفعل ذلك بأمثالهم من الآخرين.. فاذا سلكتم سبيلهم فستكون عاقبتكم كعاقبتهم، وستُعذَّبون في الدنيا والآخرة.
﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين﴾.
الذين كذّبوا محمدا ﷺ، وبكل مجرم كذّب وكفر بالله واليوم الآخر.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
هلاك لكل مكذّب وجاحد في ذلك اليوم الشديد.
ثم ذكّرهم بجزيل نعمه عليهم في خَلقهم وايجادهم بهذه الصورة الحسنة في أحسن تقويم.
﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون﴾.
الم نخلقكم أيها الناس من ماءٍ حقير من تلك النطفة، فجعلنا هذا الماءَ المهينَ في مكان حريز في الرحم، الى زمنٍ معلوم محدّد، فقد! رنا على خلْقِه وتصويره في احسن تقويم، فنعم القادرون والخالقون.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بنعمة الله تعالى وبقدرته على كل شيء.
وبعد ان ذكّرهم بالنِعم التي أنعم بها عليهم في الأنفس ذكّرهم بما أنعم عليهم في الآفاق فقال:
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾.
ألم نجعل الأرضَ ضامَّةً على ظهرها أحياءً لا يُعدّون، وفي بطنها امواتا لا يحصرون، وجعلنا فيها جبالا ثوابت شامخاتٍ عاليات، وأسقيناكم ماء عذباً سائغا تشربون منه، وتسقون دوابكم وزروعكم!؟ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
قراءات:
قرأ الجمهور: عُذرا ونُذرا بإسكان الذال فيهما. وقرأ الحرميان وابن عامر وابو بكر: عذرا باسكان الذال، ونُذُرا بضمها.
لا ظليل: لا يقي من الحر. ولا يغني من اللهب: لا يقي الانسان من لهب النار. بشررٍ كالقصر: ان جهنم ترمي بشرر من النار كل واحدة كالقصر الكبير. جمالة: جمال. صفر: لونها أصفر. ظلال: واحدها ظل، وهي ظلال الاشجار، والبيوت وغير ذلك، ويعبر بالظلال عن الرفاهية والنعيم. وعيون: مياه جارية عذبة تسر الناظرين. اركعوا: صلوا.
يبين الله تعالى في الآيات من رقم ٢٩ ﴿انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ الى رقم ٤٠، نوعَ ذلك العذاب الشديد الهائل، فأخبر تعالى بأنهم يقال لهم: انطلقوا الى ما كنتم به تكذّبون في الدنيا، الى ظلٍ من دخانِ جهنم، المتشعبِ لكثرته وتفرقه الى ثلاثِ شعب عظيمة. وهو مع ذلك لا يُظلُّهم، ولا يمنع عنهم حرَّ اللهب الذي تقذف به جهنم، حيث ترمي بشررٍ عظيم كل واحدة كالقصر الكبير، وكأنه جمالٌ صفر تنطلق وتتفرق في أعداد غير محصورة. ثم أتبع ذلك بأن الويلَ للمكذبين بذلك اليوم الذي اقسَم الله تعالى بأنه وقاع لا محالة. وهم في ذلك اليوم لا ينطِقون من شدة الدهشة والخوف والحيرة، ولا يُسمح لهم بالاعتذار فيعتذرون. وكرر أن لهم الويل والهلاك يومئذٍ، حيث يتم الفصل بين المُحقِّ والمبطِل ويجازَى كل واحد بما يستحق.
ثم بين كيف يكون الفصل في ذلك اليوم فقال:
﴿هذا يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾
لقد جمعنا بينكم وبين من تقدَّمكم من الأمم، فان كان لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخلِّصوا أنفسكم منه، ولكن هيهات ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ بوعيد الله.
ثم بين ما يكون للمؤمنين من السعادة والنعيم والكرامة في ذلك اليوم، فانهم يكونون في ترفٍ ونعيم، ويأكلون فواكه مما يشتهون، فيقال لهم: ﴿كُلُواْ واشربوا هنيائا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الصالحات ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ وكما جزينا هؤلاء المتقين، نجزي أهل الاحسان لطاعتهم وعبادتهم لنا، فلا نضيع لهم اجرا. ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
وفي كل هذا تهديد ووعيد.. كلوا من لذائذ الدنيا، واستمتعوا بشهواتها الفانية فان البقاء فيها قليل، وأنتم مجرمون لا تستحقون التكريم. وهلاكٌ يومئذ للمكذبين، فهم اذا قيل لهم صلّوا لله واخشَعوا، لا يُصلّون ولا يخشعون، بل يصرّون على كفرهم واستكبارهم فالهلاك لهم في ذلك اليوم.
ثم ختم السورة بالتعجب من هؤلاء الجاحدين الذين لم يؤمنوا ولم يستجيبوا لنصح الداعي ولم يتبعوا المرسلين، فقال:
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾
اذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل والمعجزات، ولم يستمعوا لهذا القرآن العظيم، فبأي كلامٍ بعده يصدّقون.
قراءات
قرأ الجمهور: فقدرنا بفتح الدال من غير تشديد. وقرأ نافع والكسائي: فقدّرنا بتشديد الدال المفتوحة. وقرأ الجمهور: جمالات بكسر الجيم والجمع، وقرأ حفص وحمزة والكسائي: جمالة. وقرأ الدمهور: فبأيّ حديث بعده يؤمنون بالياء. وقرأ ابن عامر ويعقوب: تؤمنون بالتاء.
Icon