ﰡ
مكية، وهى خمسون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهنَّ لإمضاء أوامره، حال كونها كعرف الفرس في الاجتماع والتتابع.(فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢) يعصفن عصف الرياح مبادرة إلى امتثال أمره، أو العرف ضدّ النكرة، مفعول له أي: المرسلة لإنقاذ الأنبياء وإهلاك الكفار، نعمة لأولئك ونقمة لهؤلاء.
(وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣) نشرن أجنحتهن في الجوّ نازلين بالوحي، أو ناشرين الشرائع، أو النفوس الموتى بآفة الجهل. (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤) بين الحقِّ والباطل.
(فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) وحياً إلى الأنبياء فإن قلت: الإلقاء مقدّم على الفرق فما وجه العطف بالفاء؟ قلت: الإلقاء مقدم على العلم بالفرق لا عليه. وقيل: على تقدير الإرادة. أو أقسم برياح أرسلت للعذاب متتابعة عاصفات، وبأخرى نشرن السحاب في
(عُذْرًا... (٦) مصدر عذر: محى الإساءة. (أَوْ نُذْرًا) اسم مصدر هو الإنذار، أو مصدر نَذَرَ بمعنى أنْذَر. أو جمع عذير بمعنى المعذرة وجمع نذير. وانتصابهما على العلِّية، أي: (عُذْرًا) للمحقين، (أَوْ نُذْرًا) للمبطلين. و (أَوْ) للتنويع لا الترديد، أو البدل من " ذِكرًا ". ويجوز أن يكونا بمعنى العاذر والمنذر فالنصب على الحال. وقرأ أبو عمرو، وحمزة والكسائي، وحفص: " نذراً " بالتخفيف.
(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧) لا محالة، وهو قيام الساعة.
(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) محيت وأعدمت، أو أُذهبَ نورُها. (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (٩) فُتحَت، فكانت أبواباً. (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (١٠) نسف الحبّ والرمل، فكانت كثيباً مهيلاً. وأصله القلع بسرعة.
(وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) بلغت وقتها الموعود وهو وقت الحضور للشهادة على الأمم. وقرأ أبو عمرو بالواو وهو الأصل؛ لأنه من الوقت إلا أنَّ الرسم على الهمزة؛ لأنه وإن كان أثقل من الواو، إلا أنَّ الضمّ عليه أخفّ منه على الواو.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) بالغ في تهويله بإبهامه أولاً، ثم ببيانه بأنه يوم الحكم والقضاء، ثم هوّل شَأنَه بأنّك لم تحط علماً بكنه ذلك.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) الويل: الهلاك. أصله النصب على المصدر لغير فعله؛
لعدم استعماله، والعدول إلى الرفع؛ لكونه أبلغ في الدعاء؛ لدلالته على الدوام.
(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) من تقدّم كفار مكة من الأمم المكذبة. (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) نحن نتبع أولئك في الإهلاك أهل مكة. (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) بكلّ مجرم في كلّ عصر.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أي: يوم إهلاكهم فليس فيه تكرير؛ لأنَّ الأول لعذاب الآخرة، وهذا لعذاب الدنيا. مع أنَّ التكرير للتهويل له موقع حسن.
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠) هي النطفة القذرة (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢١) هو الرحم، تفصيل لكيفية الخلق (إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) له تعالى وهو وقت الولادة.
فَقَدَرْنَا... (٢٣) على ذلك (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) نحن على الإعادة. وقرأ نافع والكسائي: (فَقَدَّرْنَا) بالتشديد. إلى ذلك المولود شقياً أو سعيداً، إلى غير ذلك من حال النطفة علقة، ومضغة، وعظاماً. و (فَقَدَرْنَا) بمعنى مقدِّرون. من قدَّرت الشيء أقدّره. قال الشاعر:
وهذا أوفق؛ لقوله: (مِنْ نُطْفَةِ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)، ولأن حديث القدرة قد تم في قوله: (أَلَمْ نَخْلُقْكُم)؛ لكون الاستفهام للتقرير.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) اسم لما يكفت أي: يجمع، كضمام اسم لما يضم، أو مصدر نعت به، لا جمع كافت، كصيام في صائم؛ لإسناده إلى ضمير الأرض.
(أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦) نكّرهما؛ لأنَّ أحياء الإنس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات. ولا ينافيه التفخيم؛ لدلالته على كثرة لا تحصى. وانتصابهما على المفعولية أو الحالية من مفعوله المحذوف.
(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ... (٢٧) جبالاً ثوابت طوالاً. والتنكير للتعظيم، أو التبعيض؛ لكون بعض الجبال في السماء لقوله: (مِنْ جِبَالٍ فِيهَا). (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) عذباً وأيّ عذب.
(انْطَلِقُوا... (٢٩) على تقدير القول (إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العذاب.
(انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ... (٣٠) من حرِّ الشمس (ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ) يحيط همم من فوقهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم.
(لَا ظَلِيلٍ... (٣١) تهكّم بهم، وردّ لما أوهم لفظ الظلّ. (وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) وغير مغنٍ من الحرِّ كقوله: (لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ)، وهذا الظل: هو الدخان الذي هو سرادق النار. (أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) يقفون فيه إلى الفراغ من الحساب، بدل وقوف المؤمنين في ظل عرش اللَّه.
(إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) في العظم (كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) جمع جمال، أو " جمالة " جمع جمل. شبهت أولاً بالقصور ثم بالجمال، فإنَّ العرب تشبه الإبل بالقصور. قال:
[كما طيَّنْتَ بالفَدَن السِّياعَا]
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص: " جمالة "، و (جمالات) أبلغ، وأوفق بالمقام.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) بذلك اليوم (هَذَا... (٣٥) أي: الذي قصّ عليكم. (يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ) يوم القيامة ذو مواطن، ينطقون في موطن دون آخر. ولا ينطقون بما يحق أن يسمى نطقاً؛ لعرائه عن الفائدة.
(وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) عطف على " يُؤْذَنُ " أي: لا إذن ولا اعتذار مطلقاً.
ولو جعل جواباً لدلّ على أن عدم الاعتذار لعدم الإذن. وأوهم أنَّ لهم عذراً يعتدّ به، لكن لم يؤذن لهم فيه.
(فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) توبيخ لهم على ما كانوا يكيدون به المؤمنين، وتسجيلٌ عليهم بالاستكانة.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ... (٤١) من الشرك؛ لأنّه في مقابلة " المكذبين "، (فِي ظِلَالٍ) متراكمة. (وَعُيُونٍ) جارية. (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كثيرة الأنواع.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا... (٤٣) على تقدير القول (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من الصالحات.
(إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) المخلصين.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) تذكير لما كان يقال لهم في الدنيا، وتخسير لهم بإيثار الحقير على الخطير.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) به. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨) متصل بقوله: " للمكذبين " كأنه قيل: ويل يومئذ للذين كذبوا، والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. ويجوز اتصاله بالمجرمين كأنه قيل: هم أحقاء بأن يقال لهم: كلوا وتمتعوا؛ لكونهم مجرمين، ولكونهم إذا قيل لهم: اركعوا لا يركعون.
* * *
تمّت المرسلات، والحمد لواهب البركات، وعلى المختار أفضل الصلوات.
* * *