تفسير سورة التكوير

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة التكوير مكية وهى تسع وعشرون آية

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)
﴿إذا الشّمس كُوِّرَتْ﴾ ذهب بضوئها من كورت العمامه إذا لففتها أي يلف ضوءها لفاً فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق وارتفاع الشمس بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره كورت لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)
﴿وإذا النّجوم انكدرت﴾ تساقطت
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)
﴿وإذا الجبال سُيِّرَت﴾ عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤)
﴿وإذا العشارُ﴾ جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة ﴿عُطِّلَتْ﴾ أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزلتها عندهم ويعطلون ما دونها عطلت بالتخفيف عن اليزيدى
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)
﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ جمعت من كل ناحية قال قتادة يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص فاذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلى ما فيه
605
سرورا لبني آدم كالطاوس ونحوه وعن ابن عباس رضى الله عنهما حشرها موتها يقال إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتهم السنة
606
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦)
﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾ سُجّرَتْ مكي وبصري من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً وقيل ملئت نيراناً لتعذيب أهل النار
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧)
﴿وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ﴾ قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح فى لجنة والطالح مع الطالحح فى النار أو قرنت الأرواح بالأاجساد أو بكتبها وأعمالها أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨)
﴿وإذا الموؤودة﴾ المدفونة حية وكانت العرب تئد بناتها خشية الإملاق وخوف الاسترقاق ﴿سُئِلَتْ﴾ سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت أو لتدل على قاتلها أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله أأنت قلت للناس الآية
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
﴿بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ وبالتشديد يزيد وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠)
﴿وإذا الصحف نشرت﴾ فتحت بالتخفيف مدني وشامي وعاصم وسهل ويعقوب والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (١١)
﴿وَإِذَا السماء كُشِطَتْ﴾ قال الزجاج قلعت كما يقلع السقف
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)
﴿وإذا الجحيم سعرت﴾ أو قد إيقاد شديدا وبالتشديد شامى
606
﴿وإذا﴾
ومدنى وعاصم غير حماد ويحيى المبالغة
607
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣)
﴿وإذا الجنة أزلفت﴾ أدينت من المتقين كقوله وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بعيد فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة ولا وقف مطلقاً من أول السورة إلى مَّا أَحْضَرَتْ لأن عامل النصب في إِذَا الشمس وفيما عطف عليه جوابها وهو
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)
﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف ﴿مَّا أَحْضَرَتْ﴾ من خير وشر
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥)
﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ لا زائدة ﴿بالخنس﴾ بالرواجع بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعاً إلى أوله
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦)
﴿الجوار﴾ السيارة ﴿الكنس﴾ الغيب من كناس الوحش إذا دخل كناسه قيل هي الدراري الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس وقيل هي جميع الكواكب
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧)
﴿والليل إِذَا عَسْعَسَ﴾ أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الاضداد
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨)
﴿والصبح إِذَا تَنَفَّسَ﴾ امتد ضوءه ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً وجواب القسم
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
﴿إِنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ﴾ أي جبريل عليه السلام وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به ﴿كَرِيمٍ﴾ عند ربه
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)
﴿ذِى قُوَّةٍ﴾ قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف ﴿عِندَ ذِى العرش﴾ عند الله ﴿مَّكِينٍ﴾ ذي جاه ومنزلة ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال ﴿عِندَ ذِى العرش﴾ ليدل على عظم منزلته ومكانته
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)
﴿مطاع ثم﴾ أى فى السموات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن
607
أمره ويرجعون إلى رأيه ﴿أَمِينٍ﴾ على الوحى
608
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)
﴿وما صاحبكم﴾ يعنى محمدا ﷺ ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)
﴿ولقد رآه﴾ رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته ﴿بالأفق المبين﴾ بمطلع الشمس
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
﴿وما هو على الغيب﴾ ما محمد على الوحى ﴿بضنين﴾ ببخيل من الضنى وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئاً مما علم بظنين مكى وابوة عمرو وعلي أي بمتهم فينقص شيئاً مما أوحي إليه أو يزيد فيه من الظنة وهى التهمة
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥)
﴿وَمَا هُوَ﴾ وما القرآن ﴿بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ﴾ طريد وهو كقوله وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين أى ليس هو بقول بعض المسترق للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)
﴿فأين تذهبون﴾ استظلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهابا فى بنات الطريق أين تذهب مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل وقال الزجاج معناه
التكوير (٢٩ - ٢٧)
الانفطار (٨ - ١)
فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم وقال الجنيد فأين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧)
﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين﴾ ما القرآن إلا عظة للخلق
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)
﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ﴾ بدل من العالمين ﴿أَن يَسْتَقِيمَ﴾ أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعنى إن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعظين جميعا
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)
﴿وما تشاؤون﴾ الاستقامة ﴿إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ العالمين﴾ مالك الخلق أجمعين
609
سورة الانفطار مكية وهي تسع عشرة آية
بسم الله لرحمن الرحيم
610
Icon