تفسير سورة العنكبوت

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة العنكبوت مكية وهي تسع وستون آية

﴿الم﴾ الكلامُ فيه كالذي مرَّ مراراً في نظائرِه من الفواتحِ الكريمةِ خلا أنَّ ما بعده لا يحتملُ أنُ يتعلَّق به تعلُّقاً إعرابياً
﴿أَحَسِبَ الناس﴾ الحسبانُ ونظائره لا يتعلَّق بمعاني المُفرداتِ بل بمضامينِ الجملِ المفيدةِ لثبوت شيء لشيء او انتفاء شيءٍ بحيثُ يتحصّلُ منها مفعولاه إمَّا بالفعلِ كما في عامَّة المواقع وإما بنوع تصرُّفٍ فيها كما في الجُملِ المصدَّرةِ بأن والواقعة صلةً للموصولِ الاسميِّ أو الحرفيِّ فإنَّ كلاًّ منها صالحةٌ لأنْ يُسبكَ منها مفعولاه لأنَّ قولَه تعالى ﴿أحِسب الناسُ أَن يُتْرَكُواْ أن يقولوا آمنا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُون﴾ في قوَّةِ أنْ يقالَ أحسبُوا أنفسَهم متروكين بلا فتنةٍ بمجرَّدِ أنْ يقولوا آمنَّا أوان يقالَ أحسبوا تركَهم غيرَ مفتونينَ بقولِهم آمنَّا حاصلاً متحقِّقاً والمَعْنى إنكارُ الحُسبانِ المذكور واستبعادُه وتحقيقُ أنَّه تعالى يمتحنُهم بمشاقِّ التَّكاليفِ كالمهاجرةِ والمجاهدة ورفضِ ما تشتهيةِ النَّفسُ ووظائفِ الطَّاعاتِ وفنونِ المصائبِ في الأنفسِ والأموالِ ليتميَّز المخلصُ من المنافقِ والرَّاسخُ في الدِّينِ من المتزلزلِ فيه ويجازيَهم بحسبِ مراتبِ أعمالِهم فإنَّ مجرَّدَ الإيمانِ وإنْ كانَ عن خُلوصٍ لا يقتضِي غيرَ الخلاصِ من الخُلودِ في النَّارِ رُوي أنَّها نزلتْ في ناسٍ من الصَّحابةِ رضوانُ الله تعالى عليهم أجمعينَ جزعُوا من أذيَّةِ المشركينَ وقيل في عمَّارٍ قد عُذِّب في الله وقيل في مهجعٍ مَولى عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنهما رماهُ عامرُ بنُ الحضرميِّ بسهم يومَ بدرٍ فقتلَه فجزع عليه ابواه وامرأتُه وهو أولُ منِ استُشهد يومئذٍ من المسلمينَ فقال رسول الله ﷺ سيِّدُ الشُّهداءِ مهجعٌ وهو أولُ من يُدعى إلى بابِ الجنَّةِ من هذه الأمَّةِ
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ متَّصلٌ بقوله تعالى أحسِب أو بقولِه تعالى لا يُفتنون والمعنى أنَّ ذلك سنَّة قديمةٌ مبنية على الحكمِ البالغةِ جاريةٌ فيما بين الأممِ كلَّها فلا ينبغي أنْ يُتوقَّع خلافُها والمعنى أنّ الأممَ الماضيةَ قد أصابَهم من ضروبِ الفتنِ والمحنِ ما هو أشدُّ ممَّا أصاب هؤلاءِ فصبروا كما يُعرِبُ عنه قولُه تعالى وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا الآياتِ وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم قد كان منَ قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار
29
العنكبوت ٤ ٦ على رأسه فيفرق فرقتينِ ما يصرفُه ذلك عن دينِه ويمشَّط بأمشاطِ الحديدِ ما دون عظمِه من لحمٍ وعصبٍ ما يصرفه ذلك عن دينه ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا﴾ أي في قولِهم آمنا ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين﴾ في ذلك والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما يُفصح عنه ما قبلَها من وقوع الامتحانِ واللامُ جوابُ القَسَمِ والالتفاتُ إلى الإسم الجليل لإدخال الروعةِ وتربيةِ المهابةِ وتكريرُ الجواب لزيادة التَّأكيدِ والتقرير أي فو الله ليتعلقن علمُه بالامتحان تعلُّقاً حالياً يتميزُ به الذين صدقُوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبونَ فيه مستمرَون على الكذب ويترتبُ عليه أجزيتُهم من الثَّواب والعقابِ ولذلك قيل المعنى ليميزن أو ليجازين وقُرىء وليُعلمنَّ من الإعلامِ أي وليعرِّفنَّهم النَّاسَ أو ليسمنّهم بسِمة يُعرفون بها يومَ القيامة كبياضِ الوجوه وسوادِها
30
﴿أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا﴾ أي يفوتُونا فلا نقدرَ على مجازاتهم بمساوى أعمالهم وهو ساد مفعولى حسب لا شتماله على مُسندٍ ومُسندٍ إليهِ وأمْ منقطعةٌ وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقالِ عن التَّوبيخ بإنكارِ حسبانهم متروكين غير مفتُونين إلى التَّوبيخ بإنكارِ ما هو أبطلُ من الحسبان الاول وهو حسبانُهم أنْ لا يجازُوا بسيئاتهم وهم وإنْ لم يحسبوا أنَّهم يفوتونَهُ تعالى ولم يحدِّثوا نفوسَهم بذلك لكنهم حيثُ أصرُّوا على المعاصي ولم يتفكَّروا في العاقبةِ نزلوا منزلة من يطمع في ذلك كما في قوله تعالى يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي بئسَ الذي يحكمونَهُ حكمُهم ذلك أو بئس حكما يحكمونه حكمُهم ذلك
﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله﴾ أي يتوقَّعُ مُلاقاةَ جزائه ثوابا أو عِقاباً أو مُلاقاةُ حُكمِه يومَ القيامةِ وقيل يرجُو لقاء الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة وقيل يرجُو ثوابَه وقيل يخافُ عقابَه وقيل لقاؤه تعالى عبارةٌ عن الوصول إلى العاقبةِ من تلقِّي مَلَكِ الموتِ والبعثِ والحسابِ والجزاءِ على تمثيلِ تلك الحالِ بحالِ عبدٍ قدِم على سيِّده بعد عهدٍ طويلٍ وقد عَلِم مولاهُ بجميعِ ما كان يأتِي ويذرُ فإمَّا أنْ يلقاه ببشرٍ وكرامةٍ لمَا رضي من أفعالِه أو بضدِّه لما سخَطَه ﴿فَإِنَّ أَجَلَ الله﴾ الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمان ممتد عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ ﴿لأَتٍ﴾ لا محالة من غير صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائماً فلا بدَّ من إتيان ذلك الجزاءِ أيضاً البتةَ وإتيانُ وقتِه موجبٌ لإتيانِ اللِّقاءِ حتماً والجوابُ محذوفٌ أي فليخترْ من الأعمالِ ما يؤدي إلى حُسنِ الثَّوابِ وليحذرْ ما يسوقُه إلى سوءِ العذابِ كما في قوله تعالى ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا﴾ وفيه من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى وقيل فليبادرْ الى ما يحقق أملَه ويصدِّق رجاءَهُ أو ما يُوجبُ القُربةَ والزُّلفى ﴿وَهُوَ السميع﴾ لأقوالِ العبادِ ﴿العليم﴾ بأحوالِهم من الأعمالِ الظَّاهرةِ والعقائدِ
﴿وَمَن جَاهَدَ﴾ في طاعةِ الله عزَّ وجلَّ ﴿فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ﴾ لعود منفعتِها
30
العنكبوت ٧ ٩ إليها ﴿إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين﴾ فلا حاجةٍ له إلى طاعتِهم وإنَّما أمرهم بها تعريضاً لهم للثَّوابِ بموجب رحمتِه
31
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ﴾ الكفرَ بالإيمانِ والمعاصيَ بما يتبعُها من الطَّاعاتِ ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي أحسنَ جزاءِ أعمالهم لا جزاء أحسر أعمالِهم فقط
﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ أي بإيتاء والديهِ وإيلائهما فعلاً ذَا حُسنٍ أو ما هو في حدِّ ذاته حسنٌ لفرطِ حُسنِه كقولِه تعالى وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا ووصَّى يجري مجرى أمرَ معنى وتصرُّفاً غيرَ أنَّه يُستعمل فيما كان في المأمورِ به نفعٌ عائدٌ إلى المأمورِ أو غيرِه وقيل هُو بمعنى قال فالمعنى وقلنا أحسِنْ بوالديك حُسنا وقيل انتصابُ حُسنا بمضمرٍ على تقدير قولٍ مفسِّرٍ للتَّوصيةِ أي وقُلنا أوْلِهما أو افعلْ بهما حُسنا وهو أوفق لما بعدَه وعليه يحسنُ الوقفُ على بوالديه وقرئ حسناً وإحساناً ﴿وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي بالهيته عبَّر عن نفيها بنفيِ العلمِ بها للإيذان بأنَّ ما لا يعلم صحته لا يجوزُ اتِّباعُه وإنْ لم يُعلم بطلانُه فكيف بما عُلم بطلانُه ﴿فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ في ذلك فإنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ ولا بُدَّ من إضمارِ القولِ إن لم يُضمر فيما قبل وفي تعليقِ النَّهي عن طاعتهما بمجاهدتهما في التكاليف إشعارٌ بأنَّ موجبَ النَّهي فيما دونها من التَّكليفِ ثابت بطريقِ الأولويَّةِ ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي مرجعُ مَن آمن منكُم ومَن أشركَ ومن برَّ بوالديِه ومن عقَّ ﴿فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تعملون﴾ بأن أجازي كلا منكم بعملِه إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرا فشر والآيةُ نزلتْ في سعدَ بنَ أبي وقاصٍ رضي الله تعالى عنه عند إسلامِه حيثُ حلفت أمُّه حمنهُ بنتُ أبي سفيانَ ابن أُميَّة أن لا تنتقلَ من الضحِّ إلى الظلِّ ولا تَطعمُ ولا تشربُ حتَّى يرتدَّ فلبثتْ ثلاثةَ أيامٍ كذلك وكذا التي في سُورة لقمانَ وسورةِ الأحقافِ وقيل نزلتْ في عياشَ بنَ أبي ربيعةَ المخزُومي وذلك أنه هاجر مع عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه حتَّى نزلا المدينةَ فخرجَ أبو جهل والحرث أخواه لأمِّه أسماء فنزلا بعيَّاش وقالا له إن من دين محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم صلةَ الأرحامِ وبرَّ الوالدينِ وقد تركتَ أمَّك لا تطعمُ ولا تشربُ ولا تأوي بيتاً حتَّى تراك فاخرجْ معنا وفتلا منه في الذِّروة والغاربِ واستشار عمر رضي الله عنه فقال هُما يخدعانِك ولك على أنْ أقسمَ مالي بيني وبينك فما زالا به حتَّى أطاعهما وعصى عمر رضي الله عنه فقال عمرُ رضي الله عنه أما إذا عصيتني فخذنا فتى فليس في الدُّنيا بعيرٌ يلحقها فإنْ رابك منهما ريبٌ فارجع فلمَّا انتهَوا إلى البيداءِ قال أبوُ جهل إن ناقتي قد كلَّت فاحملني معك فنزل ليوطئ لنفسِه وله فأخذاه فشدَّاه وثاقاً وجلده كلُّ واحدٍ مائةَ جلدةٍ وذهبا به إلى أمِّه فقالت لا تزالُ في عذاب حتَّى ترجعَ عن دينِ محمَّدٍ
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصالحين﴾
31
أي في زُمرةِ الرَّاسخينَ في الصَّلاحَ والكمالُ في الصَّلاحِ مِنتهى درجاتِ المؤمنينَ وغايةُ مأمولِ أنبياءِ الله المُرسلين قال الله تعالى حكايةً عن سليمانَ عليه السَّلام وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين وقال في حقِّ إبراهيمَ عليه السَّلام وَإِنَّهُ فِى الأخرة لَمِنَ الصالحين أو في مدخلِ الصَّالحين وهو الجنَّة
32
﴿وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمنا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله﴾ أي في شأنِه تعالى بأنْ عذَّبهم الكفرةُ على الإيمان ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ الناس﴾ أي ما يصيبُه من أذيتَّهم ﴿كَعَذَابِ الله﴾ في الشدَّة والهولِ فيرتدَّ عن الدِّين مع أنَّه لا قدرَ لها عند نفحة من عذابه تعالى أصلاً ﴿وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ﴾ أي فتحٌ وغنيمةٌ ﴿لَّيَقُولَنَّ﴾ بضمِّ اللامِ نظراً إلى مَعْنى مَنْ كما أنَّ الإفرادَ فيما سبقَ بالنَّظرِ إلى لفظها وقرئ بالفتحِ ﴿إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي مشايعينَ لكم في الدين فأشر كونا في المغنمِ وهم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلمين كانُوا إذا مسَّهم أذى من الكفَّارِ وافقُوهم وكانُوا يكتمونَهُ من المسلمينَ فرُدّ عليهِم ذلكَ بقولِه تعالى ﴿أو ليس الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العالمين﴾ أي بأعلم منهم بما في صدورهم من الإخلاصِ والنِّفاقِ حتَّى يفعلوا ما يفعلون من الارتدادِ والاخفاءِ عن المسلمين وإدِّعاءِ كونِهم منهم لنيلِ الغنيمةِ وهذا هو الأوفقُ لما سبقَ ولما لَحِقَ من قوله تعالى
﴿وليعلمن الله الذين آمنوا﴾ أي بالإخلاصِ ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين﴾ سواء كان كفرُهم بإذية الكفرة أولا أي ليجزينَّهم بما لهم من الإيمان والنِّفاقِ
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا﴾ بيانٌ لحملهم للمؤمنين على الكفر بالاستمالة بعد بيان حملِهم لهم عليه بالأذيَّةِ والوعيد وصفهم بالكفرِ هَهُنا دونَ ما سبق لما أنَّ مساقَ الكلامِ لبيان جناياتهم وفيما سبق لبيانِ جنايةِ من أضلُّوه واللامُ للتَّبليغِ أي قالُوا مخاطبينَ لهم ﴿اتبعوا سَبِيلَنَا﴾ أي اسلكُوا طريقتنا التي نسلكُها في الدِّينِ عبَّر عن ذلكَ بالاتباعِ الذي هو المشيُ خلفَ ماشٍ آخرَ تنزيلاً للمسلك منزلةَ السَّالكِ فيه أو اتبعونا في طريقتنا ﴿وَلْنَحْمِلْ خطاياكم﴾ أي إنْ كان ذلك خطيئةً يُؤاخذ عليها بالبعثِ كما تقُولونَ وإنَّما أَمروا أنفسَهم بالحمل عاطفين له على أمرِهم بالأتَّباعِ للمبالغة في تعليق الحملِ بالاتِّباع والوعدِ بتخفيفِ الأوزار عنهم إن كان ثمَةَ وزرٌ فرُد عليهم بقولِه تعالى ﴿وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَىْء﴾ وقُرىء من خطيآتِهم أي وما هم بحاملين شيئاً مِن خطاياهم التي التزمُوا أنْ يحملُوا كلَّها على أن مِن الأُولي للتبيين والثانية مزيدةٌ للاستغراق والجملةُ اعتراضٌ أو حالٌ ﴿إِنَّهُمْ لكاذبون﴾ حيث أخبروا في ضمنِ وعدِهم بالحمل بأنَّهم قادرون على انجاز ما وعدوا فإنَّ الكذبَ كما يتطَّرقُ إلى الكلامِ باعتبار
32
العنكبوت ١٣ ١٦ منطوقِه يتطرَّقُ إليه باعتبارِ ما يلزمُ مدلوله كما مر في قوله تعالى أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين
33
﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ بيانٌ لما يستتبعه قولُهم ذلك في الآخرةِ من المضرة لأنفسِهم بعد بيانِ عدم منفعتِه لمخاطبيهم أصلاً والتَّعبيرُ عن الخطايا بالاثقال للابذان بغاية ثقلِها وكونِها فادحةً واللامُ جوابُ قَسَمٍ مضمرٍ أيْ وبالله ليحملنَّ أثقالَ أنفسِهم كاملةً ﴿وَأَثْقَالاً﴾ أُخرَ ﴿مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ لمَّا تسببُوا بالاضلالِ والحملُ على الكفرِ والمَعاصي من غيرِ أنْ ينتقص من أثقالِ من أضلُّوه شيء ما اصلا ﴿وليسألن يوم القيامة﴾ سؤالَ تقريعٍ وتبكيتٍ ﴿عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي يختلقونَه في الدُّنيا من الأكاذيبِ والأباطيلِ التي من جملتها كذبُهم هذا
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ شروعٌ في بيان افتتانِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأذية أممهم إثرَ بيانِ افتتانِ المؤمنين بأذيةِ الكفَّارِ تأكيداً للإنكارِ على الذين يحسبُون أنْ يُتركوا بمجرَّدِ الإيمان بلا ابتلاءٍ وحثًّا لهم على الصَّبرِ فإنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث ابتُلوا بما أصابَهم من جهةِ أُممهم من فنونِ المكارِه وصبرُوا عليها فَلأن يصبرَ هؤلاءِ أولى وأحرى قالُوا كان عمرُ نوحٍ عليه السَّلام ألفاً وخمسين عاماً بعث على رأس أربعين سنةٍ ودعا قومَه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفانِ ستين سنة وعن وهبٍ أنَّه عاشَ ألفاً وأربعمائة سنة ولعلَّ مَا عليهِ النظمُ الكريمُ للدِّلالةِ على كمال العددِ فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرُب منه ولَما في ذكرِ الألفِ من تخييلِ طولِ المدَّةِ فإنَّ المقصودَ من القصة تسلية رسول الله ﷺ وتثبيته على ما كان عليه من مُكابدةِ ما يناله من الكفرةِ وإظهارُ ركاكةِ رأي الذين يحسبونَ أنَّهم يُتركون بلا ابتلاءٍ واختلافُ المميزِ لما في التَّكريرِ من نوع بشاعةٍ ﴿فأخذهم الطوفان﴾ أي عقب تمامِ المَّدةِ المذكورةِ والطُّوفان يطلق على كل ما يطوفُ بالشيء على كثرةٍ وشدَّةٍ من السَّيلِ والرَّيحِ والظَّلامِ وقد غلب على طُوفانِ الماءِ ﴿وَهُمْ ظالمون﴾ أي والحالُ أنَّهم مستمرُّون على الظُّلمِ لم يتأثَّروا بما سمعُوا من نوحٍ عليه السَّلام من الآياتِ ولم يرعَوُوا عمَّا هُم عليهِ من الكفر والمعاصي هذه المدَّة المتماديةِ
﴿فأنجيناه﴾ أي نوحاً عليهِ السَّلام ﴿وأصحاب السفينة﴾ أي ومَن ركب فيها معه من أولادِه وأتباعِه وكانُوا ثمانين وقيل ثمانيةً وسبعين وقيل عشرةً وقيل ثمانيةً نصفُهم ذكورٌ ونصفُهم إناثٌ ﴿وجعلناها﴾ أيِ السَّفينةَ أو الحادثةَ والقصَّةَ ﴿آيَةً للعالمين﴾ يتَّعظِون بها
﴿وإبراهيم﴾ نُصب بالعطفِ على نوحا وقيل
33
العنكبوت ١٧ ١٩ بإضمارِ أذكُر وقُرىء بالرَّفع على تقديرِ ومن المرسلينَ إبراهيمُ ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ على الأولِ ظرفٌ للإرسالِ أي أرسلناه حينَ تكامل عقلُه وقدر على النَّظرِ والاستدلال وترقى من رُتبة الكمال إلى درجة التَّكميلِ حيث تصدَّى لإرشادِ الخلقِ إلى طريق الحقِّ وعلى الثَّاني بدلُ اشتمالٍ من إبراهيمَ ﴿اعبدوا الله﴾ أي وحدَه ﴿واتقوه﴾ أن تُشركُوا به شيئاً ﴿ذلكم﴾ أي ما ذُكر من العبادةِ والتَّقوى ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي ممَّا أنتُم عليه ومعنى التفضيلِ مع أنَّه لا خيريةَ فيه قطعاً باعتبارِ زعمِهم الباطلِ ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي الخيرَ والشرَّ وتُميزون أحدَهما من الآخرِ أو إنْ كنتُم تعلمونَ شيئاً من الأشياءِ بوجهٍ من الوجوهِ فإنَّ ذلك كافٍ في الحكمِ بخيريةِ ما ذكره من العبادةِ والتَّقوى
34
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا﴾ بيانٌ لبطلانِ دينِهم وشرِّيته في نفسِه بعد بيانِ شرِّيته بالنَّسبةِ إلى الدِّينِ الحقِّ أي إنَّما تعبدونَ من دُونه تعالى أوثاناً هي في نفسِها تماثيلُ مصنوعةٌ لكم ليس فيها وصفٌ غير ذلك ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ أي وتكذبون كذباً حيثُ تسمُّونها آلهةً وتدَّعون أنَّها شفعاؤكم عندَ الله تعالَى أو تعملونَها وتنحتونَها للإفكِ وقُرىء تخلقُون بالتَّشديدِ للتكثيرِ في الخلقِ بمعنى الكذبِ والافتراءِ وتخلقُون بحذفِ إحدى التَّاءينِ من تخلَّق بمعنى تكذَّبَ وتخرَّص وقُرىء أَفِكاً على أنَّه مصدرٌ كالكذِب واللَّعِب أو نعتٌ بمعنى خلقاً ذا إفكٍ ﴿إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ بيانٌ لشرِّيةِ ما يعبدونَه من حيثُ إنَّه لا يكادُ يجُديهم نفعاً ﴿لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً﴾ أي لا يقدِرون على أن يرزقوكَم شيئاً من الرِّزقِ ﴿فابتغوا عِندَ الله الرزق﴾ كلَّه فإنَّه هو الرزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المتينِ ﴿واعبدوه﴾ وحدَهُ ﴿واشكروا لَهُ﴾ على نعمائِه متوسِّلين إلى مطالبِكم بعبادتِه مقيدين بالشُّكرِ للعتيدِ ومستجلبين للمزيد ﴿وإليه ترجعون﴾ أي بالموتِ ثمَّ بالبعثِ لا إلى غيرِه فافعلُوا ما أمرتُكم به وقرىء تَرجعون من رَجَع رُجوعاً
﴿وَإِن تُكَذّبُواْ﴾ أي تكذِّبُوني فيما أخبرتُكم به من أنَّكم إليه تُرجعون بالبعثِ ﴿فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ﴾ تعليلٌ للجوابِ أي فلا تضرونني بتكذيبكم فإنَّ من قبلكم من الأممِ قد كذَّبوا مَنْ قبلي من الرُّسلِ وهم شيثُ وإدريُس ونوحٌ عليهم السَّلام فلم يضرَّهم تكذيبهم شيئاً وإنمَّا ضرَّ أنفسَهم حيثُ تسبَّب لما حلَّ بهمْ منَ العذابِ فكذا تكذيُبكم ﴿وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين﴾ أي التَّبليغُ الذي لا يبقى معه شكٌّ وما عليه أنْ يُصدِّقَه قومُه البتةَ وقد خرجتُ عن عُهدةِ التَّبليغِ بما لا مزيدَ عليهِ فلا يضرُّني تكذيُبكم بعد ذلك أصلاً
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يبدئ الله الخلق﴾ كلامٌ مُستأنفٌ مسوقٌ من جهتِه تعالَى للإنكارِ على تكذيبهم بالبعث معَ وضوحِ دليلِه وسنوحِ سبيلِه والهمزةُ لإنكارِ عدمِ رؤيتهم الموجبِ لتقريرها والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ أي الم ينظروا
34
العنكبوت ٢٠ ٢٢ ولم يعلموا علماً جارياً مجرى الرؤيةِ في الجلاءِ والظُّهور كيفيةَ خلقِ الله تعالى الخلقَ ابتداءً من مادَّةٍ ومن غير مادَّةٍ أي قد علموا ذلك وقُرىء بصيغةِ الخطابِ لتشديدِ الإنكارِ وتأكيدِه وقُرىء يبدأُ وقوله تعالى ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ عطفٌ على أو لم يرو الا على يُبدىء لعدمِ وقوعِ الرُّؤية عليه فهو إخبارٌ بأنَّه تعالى يعيد الخلقَ قياساً على الإبداءِ وقد جُوِّز العطفُ على يُبدىء بتأويل الإعادةِ بإنشائِه تعالى كل سنة مثلَ ما أنشأه في السَّنةِ السَّابقةِ من النبات والثمار وغيرِهما فإنَّ ذلك ممَّا يُستدلُّ به على صِحَّة البعثِ ووقوعه من غير رَيبٍ ﴿إِنَّ ذلك﴾ أي ما ذكر من الإعادة ﴿عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ إذ لا يفتقر الى شئ أصلاً
35
﴿قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض﴾ أمرٌ لإبراهيمَ عليه السَّلام أنْ يقولَ لهم ذلك أي سِيروا فيها ﴿فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق﴾ أي كيف خلقهم ابتداءعلى أطوارٍ مختلفةٍ وطبائعَ متغايرةٍ وأخلاقٍ شتَّى فإنَّ ترتيبَ النَّظر على السَّيرِ في الأرضِ مؤذنٌ بتتبعِ أحوالِ أصنافِ الخلق القاطنينَ في أقطارها ﴿ثم الله ينشئ النشأة الاخرة﴾ بعدَ النَّشأةِ الأُولى التي شاهدتُموها والتَّعبيرُ عن الإعادةِ التي هي محلُّ النزاعِ بالنَّشأةِ الآخرةِ المشعرةِ بكون البدِء نشأةً أولى للتَّنبيهِ على أنَّهما شأنٌ واحدٌ من شؤونِ الله تعالى حقيقةً وإسماً من حيث إن كلامنهما اختراعٌ وإخراجٌ من العدمِ إلى الوجودِ ولا فرقَ بينَهما إلا بالأوليةِ والآخريةِ وقرئ النَّشاءَة بالمدِّ وهما لُغتانِ كالرَّأفةِ والرَّآفةِ ومحلُّها النصبُ على أنَّها مصدرٌ مؤكِّدٌ لينشئ بحذف الزَّوائد والأصلُ الإنشاءةِ أو بحذف العاملِ أي ينشئ فينشأون النَّشأةَ الآخرةَ كما في قوله تعالى ﴿وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ والجملةُ معطوفةٌ على جُملةِ سيروا في الارض داخلةٌ معها في حيِّز القول وإظهارُ الاسمِ الجليلِ وإيقاعُه مبتدأً مع إضمارِه في بدأ لإبرازِ مزيدِ الاعتناءِ ببيانِ تحقُّق الإعادةِ بالإشارة إلى عِلَّة الحُكم وتكريرِ الإسنادِ وقولُه تعالى ﴿إِنَّ الله على كل شىء قدير﴾ تعطيل لِمَا قبلَهُ بطريقِ التَّحقيق فإنَّ من علِم قدرتَهُ تعالى على جميعِ الأشياءِ التي من جُملتِها الإعادةُ لا يتصوَّر أنْ يترددَ في قدرتِه عليها ولا في وقوعِها بعد ما أخبر به
﴿يُعَذّبُ﴾ أي بعد النَّشأةِ الآخرةِ ﴿مَن يَشَآء﴾ أنْ يعذَبهُ وهم المنكرون لها حَتماً ﴿وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء﴾ أنْ يرحمَه وهم المصدِّقُون بها والجملةُ تكملة لما قبلها وتقديمُ التَّعذيبِ لما أنَّ التَّرهيبَ أنسبُ بالمقام من الترَّغيبِ ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ عند ذلك لا إلى غيرهِ فيفعلُ بكم ما يشاء من التعذيب والرَّحمةِ
﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ له تعالى عن إجراءِ حُكمه وقَضائه عليكم ﴿فِي الارض وَلاَ فِى السماء﴾ أي بالتَّواري في الأرضِ أو الهبوطِ في مَهَاويها ولا بالتَّحصُّنِ في السَّماءِ التي هي أفسحُ منها لو استطعتُم الرُّقيَّ فيها كما في قوله تعالى ﴿أن استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السماوات والأرض فانفذوا﴾ او
35
العنكبوت ٢٣ ٢٥ القلاعِ الذَّاهبةِ فيها وقيل في السَّماء صفةٌ لمحذوفٍ معطوفٍ على أنتُم أي ولامن في السَّماءِ ﴿وَمَا لَكُم من دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ يحرسكم ممَّا يُصيبكم من بلاءٍ يظهرُ من الأرضِ أو ينزلُ من السَّماءِ ويدفعُه عنكم
36
﴿والذين كفروا بآيات الله﴾ أي بدلائلِه التَّكوينيةِ والتَّنزيليةِ الدَّالَّةِ على ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه فيدخلُ فيها النَّشأةُ الأُولى الدَّالَّة على تحقُّق البعثِ والآياتُ النَّاطقةُ به دُخولاً أولياً وتخصيصُها بدلائلَ وحدانيتِه تعالى لا يناسبُ المقامَ ﴿وَلِقَائِهِ﴾ الذي تنطقُ به تلك الآياتُ ﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر مِن الكفر بآياتِه تعالى ولقائِه ﴿يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى﴾ أي ييأسون منها يومَ القيامةِ وصيغةُ الماضِي للدِّلالة على تحقُّقِه أو يئسوا منها في الدُّنيا لإنكارِهم البعثَ والجزاءَ ﴿وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وفي تكرير اسمِ الإشارة وتكريرِ الإسناد وتنكيرِ العذابِ ووصفهِ بالأليمِ من الدلالةِ عَلى كمالِ فظاعةِ حالِهم ما لا يَخْفى أي أولئك الموصُوفون بالكفر بآياتِ الله تعالى ولقائِه وباليأس من رحمتِه الممتازون بذلك عن سائر الكَفَرة لهم بسبب تلك الأوصافِ القبيحةِ عذابٌ لا يقادَر قدرُه في الشِّدَّةِ والإيلامِ
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ بالنَّصبِ على أنَّه خبرُ كان واسمُها قولُه تعالى ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أو حرقوه﴾ وقرئ بالرَّفعِ على العكسِ وقد مرَّ ما فيهِ في نظائِره وليس المرادُ أنَّه لم يصدُرْ عنُهم بصددِ الجوابِ عن حُججِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ إلا هذه المقالةُ الشَّنيعةُ كما هو المتبادَرُ من ظاهر النَّظْمِ الكريمِ بل إنَّ ذلك هو الذي استقرَّ عليه جوابُهم بعد اللَّتيا والِّتي في المرَّةِ الأخيرةِ وإلا فقد صدرَ عنُهم من الخُرافاتِ والأباطيلِ ما لا يُحصى ﴿فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار﴾ الفاءُ فصيحةٌ أي فألقَوه في النَّار فأنجاهُ الله تعالى منها بأنْ جعلَها عليه الصَّلاة والسَّلام بَرداً وسلاماً حسبما بُيِّن في مواضعَ أُخَرَ وقد مرَّ في سورةِ الأنبياءِ بيانُ كيفَّيةِ إلقائِه عليه الصَّلاة والسَّلام فيها وإنجائِه تعالى إيَّاه تفصيلاً قيل لم ينتفعْ يومئذٍ بالنَّارِ في موضعٍ أصلاً ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي في إنجائِه منها ﴿لآيَاتٍ﴾ بينةً عجيبةً هي حفظُه تعالى إيَّاه من حرِّها وإخمادِها في زمانٍ يسيرٍ وإنشاءُ رَوْضٍ في مكانِها ﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ وأما مَن عداهُم فهم عن اجتلائِها غافلون ومن الفوزِ بمغانمِ آثارِها محرومون
﴿وَقَالَ﴾ أيْ إبراهيُم عليهِ السَّلامُ مُخاطباً لهم ﴿إِنَّمَا اتخذتم مّن دُونِ الله أوثانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الحياة الدُّنْيَا﴾ أي لتتوادُّوا بينكم وتتواصلُوا لاجتماعِكم على عبادتِها وائتلافِكم وثَاني مفعولَيْ اتخذتم مخذوف أي أوثاناً آلهةً ويجوزُ أن يكونَ مودَّةَ هو المفعولَ بتقديرِ المُضافِ أو بتأويلها بالمودودة أو يجعلها نفسَ المودَّةِ مُبالغةً أي اتخذتم أو ثانا سبب المودة
36
العنكبوت ٢٦ ٢٨ بينكم أو مودودةً أو نفس المودة وقرئ مودةً منونةً منصوبةً ناصبةَ الظَّرفِ وقُرئت بالرَّفعِ والإضافةِ على أنَّها خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أي هي مودودةٌ أو نفسُ المودةِ أو سببُ مودةِ بينكم والجملةُ صفة او ثانا أو خبرُ إنَّ عَلى أنَّ مَا مصدريةٌ أو موصولةٌ قد حذف عائدها وهو المفعولُ الأولُ وقُرئت مرفوعةً منوَّنةً ومضافةً بفتحِ بينكم كما قرئ لقد تقطَّع بينكم على أحد الوجهين وقرئ إنمَّا مودةُ بينكم والمعنى أنَّ اتخاذكم إيَّاها مودةَ بينكم ليس إلاَّ في الحياة وقد أجريتم أحكامه حيث فعلتُم بي ما فعلتُم لأجلِ مودَّتِكم لها انتصارا منى كما ينبئ عنه قولُه تعالى وانصُروا آلهتكم ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة﴾ تنْقلَبُ الأمورُ ويتبدَّلُ التوادُّ تباغُضاً والتَّلاطف تلاعُناً حيث ﴿يكفر بعضكم﴾ وهم العَبَدةُ ﴿بِبَعْضِ﴾ وهم الأوثانُ ﴿ويلعن بعضكم بعضا﴾ أي يلعنُ كلُّ فريقٍ منكم ومن الأوثانِ حيثُ يُنطقها الله تعالَى الفريقَ الآخرَ ﴿وَمَأْوَاكُمُ النار﴾ أي هي منزلكم الذي تأوون إليه ولا ترجعونَ منه أبداً ﴿وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين﴾ يُخلِّصونكُم منها كما خلَّصني ربِّي من النَّارِ التي ألقيتُموني فيها وجمعَ النَّاصرَ لوقوعِه في مقابلة الجمع أي مَا لأحدٍ منكُم من ناصر اصلا
37
﴿فآمن لَهُ لُوطٌ﴾ أي صدَّقه في جميع مقالاتِه لا في نُبُّوتِه وما دعا إليه من التَّوحيدِ فقط فإنَّه كان منزَّهاً عن الكُفر وما قيل إنَّه آمنَ له حين رَأى النَّارَ لم تحرقْهُ ينبغي أن يُحمَلَ على ما ذكرنا أو على أنْ يُرادَ بالإيمانِ الرُّتبةَ العاليةَ منها وهي التي لا يرتقِي اليها الا هم الأفرادِ الكُمَّل ولوطُ هو ابنُ أخيهِ عليهما السَّلامُ ﴿وَقَالَ إِنّى مُهَاجِرٌ﴾ أي من قومِي ﴿إلى رَبّى﴾ إلى حيثُ أمرني ربِّي ﴿إِنَّهُ هُوَ العزيز﴾ الغالبُ على أمرِه فيمنعني من أعدائِي ﴿الحكيم﴾ الذي لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمةٌ ومصلحةٌ فلا يأمرني الا بما فيه صلاحي رُوي أنَّه هاجر من كُوثَى سوادِ الكُوفةِ مع لوطَ وسارَّة ابنة عمِّه إلى حرَّانَ ثمَّ منها إلى الشأمِ فنزلَ فلسطينَ ونزل لوطُ سَدُومَ
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ﴾ ولداً ونافلةً حين أيسَ من عجوز عافر ﴿وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ النبوة﴾ فكثُر منهم الأنبياءُ ﴿والكتاب﴾ أي جنسَ الكتابِ المتناولِ للكتبِ الأربعةِ ﴿وآتيناه أجره﴾ بمقابلة هجرتِه إلينا ﴿فِى الدنيا﴾ بإعطاءِ الولد والذُّرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماءِ أهل المللِ إليه والثناء والصَّلاة عليه إلى آخرِ الدَّهر ﴿وَإِنَّهُ فِى الاخرة لَمِنَ الصالحين﴾ أي الكاملينَ في الصَّلاح
﴿وَلُوطاً﴾ منصوبٌ إمَّا بالعطفِ على نوحاً أو على إبراهيمَ والكلامُ في قوله تعالى ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ كالذي مر في قصة إبراهيمَ عليه السَّلام ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ أي الفعلةَ المُتناهيةَ في القُبح وقُرىء أَئِنَّكم ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين﴾ استئنافٌ مقررٌ لكمالِ قُبحها فإنَّ إجماعَ جميع أفرادِ العالمينَ على التَّحاشي عنها ليس إلا لكونِها مما تشمئزُّ منه الطِّباع وتنفرُ منه النفوس
37
العنكبوات
38
٢٩ - ٣٢ ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل﴾ وتتعرَّضُون للسَّابلةِ أي الفاحشة حيثُ رُوي أنَّهم كانُوا كثيراً ما يفعلونَها بالغُرباء وقيل تقطعون سبيلَ النِّساءِ بالإعراضِ عن الحَرثِ وإتيانِ ما ليس بحرثٍ وقيل تقطعونَ السَّبيلَ بالقتلِ وأخذِ المالِ ﴿وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ﴾ أي تفعلون في مجلسِكم الجامعِ لأصحابكم ﴿المنكر﴾ كالجماعِ والضُّراطِ وحلِّ الإزارِ وغيرِها مما لا خير فيه من الأفاعيل المنكرةِ وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو الحَذفُ بالحَصَى والرَّميُّ بالبنادق والفرقعةُ ومضغُ العلكِ والسِّواكِ بينَ النَّاس وحلُ الإزارِ والسِّبابُ والفُحشُ في المِزاحِ وقيل السُّخريةُ بمن مرَّ بهم وقيل المجاهرةُ في ناديهم بذلكَ العملِ ﴿فَمَا كان جواب قومه إلا أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي فما كان جواباً من جهتِهم شيءٌ من الأشياءِ إِلاَّ هذه الكلمة الشَّنيعةُ أي لم يصدُرْ عنهم في هذه المرَّةِ من مرات مواعظ لوط عليه السلام وقد كان أوعدهم فيها بالعذابِ وأمَّا ما في سُورة الأعرافِ من قولِه تعالَى ﴿وَمَا كَانَ جواب قومه إلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ﴾ الآيةَ وما في سورة النَّمل من قولِه تعالى فَمَا كَانَ جَوَابَ قومه إلا أن قالوا اخرجوا آل لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ الآيةَ فهو الذي صَدر عنهم بعده هذه المرةُ وهي المرة الأخيرة من مرات المُقاولاتِ الجاريةِ بينهم وبينه عليه الصلاةُ والسلامُ وقد مر تحقيقه في سورة الأعرافِ
﴿قَالَ رَبّ انصرنى﴾ أي بإنزالِ العذابِ الموعودِ ﴿عَلَى القوم المفسدين﴾ بابتداعِ الفاحشةِ وسنِّها فيمن بعدَهُم والإصرارِ عليها واستعجالِ العذابِ بطريقِ الاستهزاءِ وإنما وصفَهم بذلك مبالغةً في استنزالِ العذابِ عليهم
﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى﴾ أي بالبشارةِ بالولدِ والنافلة ﴿قَالُواْ﴾ أي لإبراهيمَ عليه السلام في تضاعيف الكلامِ حسبما فُصِّل في سورة هود وسورة الحجرِ ﴿إِنَّا مُهلكو أهلِ هذه القرية﴾ أي قريةِ سَدُومَ والإضافةُ لفظيةٌ لأنَّ المَعنى على الاستقبالِ ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين﴾ تعليلٌ للإهلاكِ بإصرارِهم على الظُّلم وتمادِيهم في فُنون الفسادِ وأنواعِ المَعَاصي
﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً﴾ فكيف تُهلكونها ﴿قَالُواْ نَحْنُ أعلمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ أرادُوا أنَّهم غيرُ غافلينَ عن مكانِ لوطٍ عليه السَّلام فيها بل عمَّن لم يتعرض له إبراهيمُ عليه السَّلامُ من أتباعِه المؤمنينَ وأنَّهم معتنُون بشأنهم أتَّم اعتناءٍ حسبما يُنبيء عنه تصديرُ الوعد بالتَّنجيةِ بالقسمِ أيْ والله لننجينَّه وأهلَه ﴿إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ أي الباقين في العذاب أو القرية
38
العنكبوت
39
٣٣ - ٣٧ ﴿وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ المذكورون بعد مفارقتِهم لإبراهيمَ عليه السَّلامُ ﴿لُوطاً سِىء بِهِمْ﴾ اعتراه المساءة بسبهم مخافةَ أنْ يتعرَّض لهم قومُه بسوءٍ وكلمةُ أنْ صلةٌ لتأكيدِ ما بين الفعلينِ من الاتِّصالِ ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أي ضاقَ بشأنِهم وتدبير أمِرهم ذرعُه أي طاقتُه كقولِهم ضاقتْ يدُه وبإزائِه رَحُبَ ذَرْعُه بكذا اذا كان مطيقا به قادراً عليه وذلك أنَّ طويلَ الذِّراعِ ينالُ ما لا يناله قصير الذِّراع ﴿وَقَالُواْ﴾ ريثما شاهدوا فيه مخايلَ التَّضجرِ من جهتهم وعاينوا أنه عجزَ عن مُدافعةِ قومِه بعد اللَّتيا والتِّي حتى آلتْ به الحالُ إلى أنْ قالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شديدٍ ﴿لاَ تَخَفْ﴾ أي من قومِك علينا ﴿وَلاَ تَحْزَنْ﴾ أي على شئ وقيل بإهلاكِنا إيَّاهم ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ﴾ ممَّا يُصيبهم من العذابِ ﴿إِلاَّ امرأتك كانت من الغابرين﴾ وقرئ لننجينَّك ومنجُّوك من الإنجاءِ وأيا ما كان فمحل الكافِ الجرُّ على المختارِ ونصب أهلكَ بإضمار فعلٍ أو بالعطفِ على محلِّها باعتبارِ الأصلِ
﴿إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً مّنَ السماء﴾ استئساف مسُوقٌ لبيانِ ما أشير إليه بوعدِ التَّنجيةِ من نزول العذابِ عليهم والرِّجزُ العذابُ الذي يُقلقُ المعذَّبَ أي يُزعجُه من قولِهم ارتجزَ إذا ارتجسَ واضطربَ وقرئ مُنزِّلون بالتَّشديدِ ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ بسببِ فسقِهم المستمرِّ
﴿وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا﴾ أي من القريةِ ﴿آيَةً بَيّنَةً﴾ هي قصتها العجيبة وآثار ديارها الخربةِ وقيل الحجارةُ الممطورة فإنَّها كانتْ باقيةً بعدها وقيل الماءُ الأسودُ على وجهِ الأرضِ ﴿لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يستعملون عقولَهم في الاستبصارِ والاعتبارِ وهو متعلقٌ إما بتركنا أو بينة
﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً﴾ متعلق بمضمرٍ معطوفٍ على أرسلنا قي قصة نوح عليه السلام أي وأرسلنا إلى مدينَ شعيبا ﴿فقال يا قوم اعبدوا الله﴾ وحدَه ﴿وارجوا اليوم الاخر﴾ أي توقَّعوه وما سيقعُ فيه من فُنون الأهوالِ وافعلُوا اليوم من الأعمالِ ما تأمنون غائلتَهُ وقيل وارجُوا ثوابَه بطريقِ إقامةِ المسبَّبِ مقامَ السَّببِ وقيل الرَّجاءُ بمعنى الخوفِ ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الارض مُفْسِدِينَ﴾
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ أي الزَّلزلةُ الشَّديدةُ وفي سورة هود وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ أي صيحةُ جبريلَ عليهِ السَّلام فإنَّها المُوجِبة للرَّجفة بسبب تمويجِها للهواءِ وما يُجاورها من
39
العنكبوت ٣٨ ٤١ الأرض ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ﴾ أي بلدِهم أو منازِلهم والإفرادُ لأمنِ اللَّبسِ ﴿جاثمين﴾ باركينَ على الرُّكبِ ميِّتينَ
40
﴿وَعَاداً وَثَمُودَ﴾ منصوبانِ بإضمارِ فعل ينبئ عنه ما قبلَه أي أهلكنا وقرئ ثموداً بتأويلِ الحيِّ ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مساكنهم﴾ أي وقد ظهرَ لكم إهلا كنا إيَّاهم من جهةِ مساكنِهم بالنَّظر إليها عند اجتيازِكم بها ذهاباً إلى الشَّامِ وإياباً منه ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم﴾ من فُنون الكفرِ والمَعاصي ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل﴾ السَّويِّ الموصِّلِ إلى الحق ﴿وكانوا مستبصرين﴾ متمكنين من النَّظرِ والاستدلالِ ولكِنَّهم لم يفعلُوا ذلك أو متبينين أن العذاب لا حق بهم بإخبارِ الرسلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم ولكنَّهم لجُّوا حتَّى لقُوا ما لقُوا
﴿وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان﴾ معطوفٌ على عاداً قيل تقديمُ قارونَ لشرفِ نسبِه ﴿وَلَقَدْ جَاءهُمْ موسى بالبينات فاستكبروا فِى الارض وَمَا كَانُواْ سابقين﴾ مفلتينَ فائتينَ من قولِهم سبقَ طالبَه إذا فانه ولم يُدركه ولقد أدركَهم أمر الله عزوجل أيَّ إدراكٍ فتداركُوا نحوَ الدَّمارِ والهَلاَكِ
﴿فكلا﴾ تفسير لما ينيئ عنه عدمُ سبِقهم بطريقِ الإبهامِ أي فكلُّ واحدٍ من المذكورينَ ﴿أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ أي عاقبناهُ بجنايتِه لا بعضِه دُون بعضٍ كما يُشعر به تقديمُ المفعولِ ﴿فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حاصبا﴾ تفصيل للأخذِ أي ريحاً عاصفاً فيها حصباءُ وقيل مَلَكاً رماهم بهاؤهم قومُ لوطٍ ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة﴾ كمدينَ وثمود ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الارض﴾ كقارون ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ كقومِ نوحٍ وفرعونَ وقومِه ﴿وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بما فعل بهم فإنَّ ذلك محالٌ من جهتِه تعالى ﴿ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بالاستمرارِ على مُباشرةِ ما يُوجبُ ذلك من أنواعِ الكفرِ والمَعاصي
﴿مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء﴾ أي فيما اتخذوه متعمدا ومتَّكلاً ﴿كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً﴾ فيما نسجتْهُ في الوهنِ والخورِ بل ذلك أوهنُ من هذا لأنَّ له حقيقةً وانتفاعاً في الجُملة أو مَثَلُهم بالإضافةِ إلى المُوحَّدِ كمثله بالإضافة إلى رجلٍ بنى بيتاً من حجرٍ وجِصَ والعنكبوتُ يقعُ على الواحدُ والجمعُ والمذكرُ والمؤنَّثِ والغالبُ في الاستعمال التأنيث وتاؤه
40
العنكبوت ٤٢ ٤٥ كتاءِ طاغوت ويُجمع على عناكبَ وعنكبوتاتٍ وأمَّا العِكَابُ والعُكُبُ والأَعْكُبُ فأسماءُ الجموعِ ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت﴾ حيثُ لا يُرى شئ يدانيِه في الوَهَنِ والوَهَى ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي شيئاً من الأشياءِ لجزمُوا ان هذا مثلهم او ان دينهم أو هي من ذلكَ ويجوزُ أنْ يجعلَ بيتُ العنكبوتِ عبارةً عن دينِهم تحقيقاً للتَّمثيلِ فالمعنى وإنَّ أوهنَ ما يُعتمد به في الدِّين دينُهم
41
﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شىء﴾ على إضمار الفول أي قُل للكَفَرةِ إنَّ الله الخ وما استفهامَّيةٌ منصوبةٌ بيدعونَ معلقةٌ ليعلم ومِن للتَّبيينِ أو نافيةٌ ومن مزيدة وشئ مفعولُ يدعون أو مصدريةٌ وشئ عبارةٌ عن المصدرِ أو موصولةٌ مفعولٌ ليعلمُ ومفعولُ يدعون عائده المحذوف وقرئ تَدعُون بالتَّاءِ والكلامُ على الأولين تجهيلٌ لهم وتأكيدٌ للمثل وعلى الاخيرين وعيدلهم ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ تعليلٌ على المعنيينِ فإنَّ إشراكَ ما لا يُعدُّ شيئاً بمن هَذا شأنُه من فرطِ الغباوةِ وإنَّ الجمادَ بالنسبة إلى القادرِ القاهرِ على كل شئ البالغِ في العلم وإتقانِ الفعلِ الغايةَ القاصيةَ كالمعدومِ البحت وأنَّ منَ هذه صفاتُه قادرٌ على مجازاتِهم
﴿وَتِلْكَ الامثال﴾ أي هذا المثلُ وأمثاله ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ تقريباً لما بعُد من أفهامِهم ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾ على ما هي عليه من الحُسنِ واستتباع الفوائدِ ﴿إِلاَّ العالمون﴾ الرَّاسخون في العلمِ المتدبِّرون في الأشياءِ على ما ينبغي وعنه ﷺ أنَّه تَلاَ هذه فقال العالمُ من عقلَ عنِ الله تعالى وعمِل بطاعتِه واجتنبَ سَخَطَه
﴿خلق الله السماوات والارض بالحق﴾ أي مُحقَّاً مُراعياً للحكمِ والمَصَالح على أنه حال من فاعل خلقَ أو ملتبسةً بالحقِّ الذي لا محيد عنه مستتبعةً للمنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ على أنه حال من مفعولِه فإنَّها مع اشتمالِها على جميعِ ما يتعلَّقُ به معايشهم شواهد دالة على شئونه تعالى المتعلقةِ بذاتِه وصفاتِه كما يفصحُ عنه قولُه تعالى ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ دالَّة لهم على ما ذكر من شئونه سبحانه وتخصيصُ المؤمنينَ بالذكر مع عمومِ الهدايةِ والإرشادِ في خلقهِما للكلِّ لأنَّهم المُنتفعون بذلكَ
﴿اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب﴾ تقرُّباً إلى الله تعالى بقراءتِه وتذكُّراً لما في تضاعيفهِ من المعاني وتذكيرا للنا س وحملاً لهم على العملِ بما فيهِ من الأحكامِ ومحاسنِ الآدابِ ومكارمِ الأخلاقِ ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ أي داوِمْ على إقامتِها وحيثُ كانتِ الصَّلاةُ منتظمةً للصَّلواتِ المكتوبةِ المؤدَّاةِ بالجماعةِ وكان أمرُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإقامتِها متضمناً لأمرِ الأمَّة بها علِّل بقوله تعالى ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنكَر﴾
41
كأنّه قيل وصلِّ بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ومعنى نهيها عنهُما أنَّها سببٌ للانتهاءِ عنُهما لأنَّها مناجاةٌ لله تعالى فلا بدَّ أنْ تكونَ مع إقبالٍ تامَ على طاعتِه وإعراضِ كليَ عن معاصيِه قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في الصَّلاةِ مُنتهى ومُزدجرٌ عن مَعَاصي الله تعالى فمَن لم تأمْره صلاتُه بالمعروفِ ولم تنهَه عن المنكرِ لم يزددْ بصلاتِه من الله تعالى إلا بُعداً وقال الحسنُ وقَتادةُ من لم تنهَه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر فصلاتُه وبالٌ عليه ورَوَى أنسٌ رضيَ الله عنه إنَّ فتى من الأنصارِ كانَ يصلِّي مع رسول الله ﷺ ثمَّ لا يدع شيئاً من الفواحِش إلا ركبَهُ فوصف له ﷺ حاله فقال إنَّ صلاتَه ستنهاهُ فلم يلبثْ أن تابَ وحسُنَ حالُه ﴿وَلَذِكْرُ الله أكبر﴾ أي للصلاة أكبرُ من سائرِ الطَّاعاتِ وإنَّما عبرَّ عنها بهِ كما في قوله تعالى فاسعوا إلى ذِكْرِ الله للإيذانِ بأنَّ ما فيها من ذكرِ الله تعالى هو العمدةُ في كونِها مفضَّلةً على الحسناتِ ناهيةً عن السيئاتِ وقيل ولذكرُ الله تعالى عندَ الفحشاءِ والمُنكر وذكرُ نهيهِ عنهُما ووعيدِه عليهما أكبرُ في الزَّجرِ عنهما وقيل ولذكرُ الله إيَّاكم برحمتِه أكبرُ من ذكِركم إيَّاه بطاعتِه ﴿والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ منه ومن سائرِ الطَّاعات فيجازيكم بها أحسن المجازاة
42
﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب﴾ من اليَّهودِ والنَّصارَى ﴿إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ أي بالخَصلة التي هي أحسنُ كمقابلةِ الخشونةِ باللِّينِ والغضبِ بالكظمِ والمشاغبةِ بالنُّصحِ والسَّورةِ بالأَناة على وجهٍ لا يدلُّ على الضَّعفِ ولا يُؤدِّي إلى إعطاءِ الدَّنيةِ وقيل منسوخٌ بآيةِ السَّيفِ ﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾ بالإفراطِ في الاعتداءِ والعنادِ أو بإثباتِ الولدِ وقولِهم يدُ الله مغلولةٌ ونحوِ ذلك فإنَّه يجبُ حينئذٍ المُدَافعةُ بما يليقُ بحالِهم ﴿وَقُولُواْ آمنا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ من القُرآنِ ﴿وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ أي وبالذي أُنزل إليكُم من التَّوراةِ والإنجيلِ وقد مرَّ تحقيقُ كيفيَّةِ الإيمانِ بهما في خاتمةِ سورةِ البقرةِ وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لا تُصدِّقوا أهلَ الكتابِ ولا تكذِّبُوهم وقولُوا آمنَّا بالله وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلالم تصدِّقوهم وإنْ قالُوا حقّاً لم تكذِّبُوهم ﴿وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ﴾ لا شريكٍ له في الأُلوهيَّةِ ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مُطيعونَ خاصَّة وفيه تعريضٌ بحالِ الفريقينِ حيثُ اتَّخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أَرْبَاباً من دُونِ الله
﴿وكذلك﴾ تجريدٌ للخطابِ إلى رسول الله ﷺ وذلكَ إشارةٌ إلى مصدرِ الفعل الذي بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببُعد منزلةِ المشار إليه في الفضلِ أي مثلَ ذلك الإنزالِ البديع الموافقِ لإنزالِ سائرِ الكتبِ ﴿أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب﴾ أي القُرآنَ الذي من جُملتِه هذهِ الآيةُ الناطقةِ بما ذُكر من المُجادلةِ بالحُسْنَى ﴿فالذين آتيناهم الكتاب﴾ من الطَّائفتينِ ﴿يُؤْمِنُونَ به﴾ أريدبهم عبدُ اللَّه بنُ سَلاَم وأضرابِه من أهلِ الكتابين خاصَّة كأنَّ من عداهُم لم يُؤتَوا الكتابَ حيثُ لم يعملوا بما فيهِ أو مَنْ تقدم عهدَ رسول الله
42
العنكبوت ٤٨ ٥١ ﷺ منهم حيثُ كانُوا مصدِّقين بنزولِه حسبما شاهدُوا في كتابيهما وتخصيصُهم بإيتاءِ الكتابِ للإيذانِ بأنَّ مَن بعدهم من مُعاصري رسولِ الله ﷺ قد نُزع عنهم الكتابُ بالنَّسخِ فلم يُؤتَوه والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإنَّ إيمانَهم به مترتِّبٌ على إنزالِه على الوجهِ المذكُورِ ﴿وَمِنْ هَؤُلاء﴾ أي ومِن العربِ أو أهلِ مكَّةَ على الأولِ أو ممَّن في عصره ﷺ على الثَّانِي ﴿مَن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ أي بالقُرآنِ ﴿وَمَا يجحد بآياتنا﴾ عبَّر عن الكتابِ بالآياتِ للتنبيهِ على ظهورِ دلالتِها على معانيها وعلى كونِها من عند الله تعالى وأضيفتْ إلى نونِ العظمةِ لمزيدِ تفخيمِها وغايةِ تشنيعِ مَنْ يجحدُ بها ﴿إِلاَّ الكافرون﴾ المتوغِّلون في الكُفر المصمِّمون عليهِ فإنَّ ذلكَ يصدُّهم عن التَّأملِ فيما يُؤدِّيهم إلى معرفةِ حقّيتها وقيل هم كعبُ بنُ الأشرفِ وأصحابِه
43
﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ﴾ أي ما كنتَ قبل إنزالِنا إليك الكتابَ تقدرُ على أنْ تتلوَ شيئاً من كتابٍ ﴿وَلاَ تَخُطُّهُ﴾ أي ولا تقدرُ على أنْ تخطَّه ﴿بِيَمِينِكَ﴾ حسبَما هُو المعتادُ أو ما كانت عادَتُك أنْ تتلوَه ولا أنْ تخطَّه ﴿إِذاً لارتاب المبطلون﴾ أي لو كنتَ ممَّن يقدرُ على التِّلاوةِ والخطِّ أو ممَّن يعتادُهما لارتابُوا وقالُوا لعلَّه التقطَه من كتبِ الأوائلِ وحيثُ لم تكن كذلكَ لم يبقَ في شأنِك منشأُ ريبٍ أصلاً وتسميتُهم مُبطلينَ في ارتيابِهم على التَّقديرِ المفروضِ لكونِهم مُبطلينَ في اتِّباعِهم للاحتمالِ المذكورِ مع ظهورِ نزاهتِه ﷺ عن ذلكَ
﴿بَلْ هُوَ﴾ أي القرآنُ ﴿آيَاتٌ بَيّنَاتٌ﴾ واضحاتٌ ثابتةٌ راسِخةٌ ﴿فِى صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم﴾ من غيرِ أنْ يُلتقطَ من كتابٍ يحفظونَهُ بحيثُ لا يقدِرُ أحدٌ على تحريفِه ﴿وَمَا يجحد بآياتنا﴾ مع كونِها كما ذُكر ﴿إِلاَّ الظالمون﴾ المُتجاوزونَ للحدودِ في الشرِّ والمكابرةِ والفسادِ
﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيات مّن رَّبّهِ﴾ مثلُ ناقةِ صالحٍ وعَصَا مُوسى ومائدةُ عيسى عليهم السلام وقرئ آيةٌ ﴿قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِندَ الله﴾ يُنزِّلها حسبَما يشاءُ من غيرِ دخلٍ لأحدٍ في ذلكَ قطعاً ﴿وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ ليسَ من شأنِي إلا الإنذارُ بما أُوتيتُ من الايات
﴿أو لم يَكْفِهِمْ﴾ كلامٌ مستأنفٌ واردٌ من جهتِه تعالى ردّاً على اقتراحِهم وبياناً لبُطلانِه والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ والواوُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيه المقامُ أي أقصُر ولم يكفِهم آيةٌ مغنيةٌ عن سائرِ الآياتِ ﴿أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب﴾ الناطقَ بالحقِّ المصدِّق لما بين يديهِ من الكتبِ السَّماويَّةِ وأنتَ بمعزلٍ عن مدارستِها وممارستِها ﴿يتلى عَلَيْهِمْ﴾ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فلا يزالُ معهم آيةٌ ثابتةٌ لا تزولُ ولا تضمحلُّ كما تزولُ كلُّ آيةٍ بعدَ كونِها وتكونُ في مكانٍ دُونَ مكانٍ أو يُتلى على اليَّهودِ بتحقيقِ ما في أيديهم من نعتِك ونعتِ دينِكَ ﴿إِنَّ فِى ذلك﴾ الكتاب العظيم
43
العنكبوت ٥٢ ٥٤ الشَّأنِ الباقِي على مرِّ الدُّهورِ ﴿لَرَحْمَةً﴾ أي نعمةً عظيمةً ﴿وذكرى﴾ أي تذكرةً ﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لقوم همُّهم الإيمانُ لا التعنُّتُ كأولئك المُقترحينَ وقيلَ إنَّ ناساً من المؤمنينَ أَتَوا رسول الله ﷺ بكتف فيها بعضُ ما يقولُه اليَّهودُ فقال كَفَى بها ضلالةَ قومٍ أنْ يرغبُوا عمَّا جاءَ به نبيُّهم إلى ما جاءَ به غيرُ نبيِّهم فنزلتْ
44
﴿قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً﴾ بمَا صدرَ عنِّي وعنكُم ﴿يَعْلَمُ مَا في السماوات والارض﴾ أي من الأُمورِ التي من جُمْلتِها شأنِي وشأنُكم فهو تقريرٌ لما قبلَه من كفايتِه تعالى شهيدا ﴿والذين آمنوا بالباطل﴾ وهو ما يُعبد من دونِ الله تعالى ﴿وَكَفَرُواْ بالله﴾ مع تعاضُد موجباتِ الإيمانِ به ﴿أولئك هُمُ الخاسرون﴾ المغبُونون في صفقتِهم حيثُ اشترَوُا الكفرَ بالإيمانِ بأنْ ضيَّعوا الفطرةَ الأصليَّةَ والأدلَّةَ السمعيَّةَ الموجبةَ للإيمانِ والآيةُ من قبيلِ المُجادلةِ بالتي هي أحسنُ حيثُ لم يُصرِّحْ بنسبةِ الإيمانِ بالباطلِ والكفرِ بالله والخسرانِ إليهم بل ذُكر على منهاجِ الإبهامِ كما في قولِه تعالى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مبين
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ على طريقةِ الاستهزاءِ بقولِهم متى هذا الوعد وقولهم امطر عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماءِ أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ ونحوِ ذلكَ ﴿وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ قد ضربَهُ الله تعالى لعذابِهم وبيَّنه في اللَّوحِ ﴿لَّجَاءهُمُ العذاب﴾ المعيَّنُ لهم حسبما استعجلوا به قيل المرادُ بالأجلِ يومُ القيامةِ لما رُوي أنَّه تعالى وعدَ رسولَ الله ﷺ أنْ لا يُعذِّبَ قومَه بعذابِ الاستئصال وأنْ يؤخِّر عذابَهم إلى يومِ القيامةِ وقيلَ يوم بدر وقيل وقتُ فنائِهم بآجالِهم وفيه بُعدٌ ظاهرٌ لِمَا أنَّهم ما كانُوا يُوعدون بفنائِهم الطبيعيِّ ولا كانُوا يستعجلونَ به ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ مبينةٍ لما أُشير إليه في الجُملةِ السَّابقةِ من مجئ العذابِ عند محلِّ الأجلِ أي وبالله ليأتينَّهم العذابُ الذي عُيِّن لهم عند حُلولِ الأجلِ ﴿بَغْتَةً﴾ أي فجأةً ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي بإتيانِه ولعلَّ المرادَ بإتيانِه كذلك أنَّه لا يأتيهم بطريقِ التَّعجيلِ عند استعجالِهم والاجابة الى مسئولهم فإنَّ ذلك إتيانٌ برأيهم وشعورِهم لا أنَّه يأتيهم وهم غارُّون آمِنُون لا يخطرونَه بالبالِ كدأبِ بعضِ العُقوباتِ النازلةِ على بعضِ الأممِ بياتاً وهم نائمونَ أو ضُحى وهم يلعبُون لما أنَّ إتيانَ عذابِ الآخرةِ وعذابِ يومِ بدرٍ ليس من هذا القبيلِ
﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين﴾ استئنافٌ مسوقٌ لغايةِ تجهيلِهم ورَكَاكةِ رأيِهم وفيه دلالة على أن ما استعجلوه عذابُ الآخرةِ أي يستعجلونك بالعذابِ والحال أنَّ محلَّ العذابِ الذي لاعذاب فوقَه محيطٌ بهم كأنَّه قيل يستعجلونك بالعذابِ وإنَّ العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم وإنما
44
العنكبوت ٥٥ ٥٨ جئ بالجملةِ الاسميةِ دلالةً على تحقُّقِ الإحاطةِ واستمرارِها أو تنزيلاً لحالِ السَّببِ منزلةَ حالِ المسبَّبِ فإنَّ الكفرَ والمعاصيَ الموجبةَ لدخولِ جهنَّم محيطةٌ بهم وقيل إنَّ الكفرَ والمعاصيَ هي النَّار في الحقيقةِ لكنَّها ظهرتْ في هذهِ النَّشأةِ بهذه الصُّورةِ وقد مرَّ تفصيلُه في سورةِ الأعرافِ عند قوله تعالى ﴿والوزن يَوْمَئِذٍ الحق﴾ ولامُ الكافرينَ إمَّا للعهدِ ووضعُ الظَّاهرِ موضعَ المضمرِ للإشعارِ بعلةِ الحُكمِ أو للجنس وهم داخلون فيه دُخولاً أولياً
45
﴿يَوْمَ يغشاهم العذاب﴾ ظرفٌ لمضمرٍ قد طُوي ذكرُه إيذاناً بغايةِ كثرتِه وفظاعتِه كأنَّه قيلَ يومَ يغشاهُم العذابِ الذي أشير إليه بإحاطةِ جهنَّم بهم يكونُ من الأحوالُ والأهوالُ ما لا يفي به المقالُ وقيل ظرفٌ للإحاطةِ ﴿مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ أي من جميعِ جهاتِهم ﴿وَيَقُولُ﴾ أي الله عزَّ وجلَّ ويعضدُه القِراءةُ بنونِ العظمةِ أو بعضُ ملائكتِه بأمرِه ﴿ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي جزاءَ ما كنتُم تعملونَهُ في الدُّنيا على الاستمرارِ من السيئاتِ التي من جُملتها الاستعجالُ بالعذابِ
﴿يَا عِبَادِى الذين آمَنُواْ﴾ خطابُ تشريفٍ لبعضِ المؤمنينَ الذين لا يتمكَّنُون من إقامةِ أمورِ الدينِ كما ينبغِي لممانعةٍ من جهةِ الكَفَرةِ وإرشادٌ لهم إلى الطَّريقِ الأسلمِ ﴿إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون﴾ أي إذا لم يتسهَّل لكُم العبادةُ في بلدٍ ولم يتيسَّر لكُم إظهارُ دينِكم فهاجِرُوا إلى حيثُ يتسنَّى لكم ذلك وعنه ﷺ من فربدينه من أرضٍ إلى أرضٍ ولو كان شبراً استوجبَ الجنَّة وكان رفيقَ إبراهيمَ ومحمَّدٍ عليهما السَّلامُ والفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ إذِ المعنى إنَّ أرضي واسعةٌ إنْ لم تُخلصوا العبادةَ لي في أرضٍ فأخلِصُوها في غيرِها ثم حُذفَ الشَّرطُ وعُوِّض عنه تقديمُ المفعولِ مع إفادةِ تقديمِه معنى الاختصاصِ والإخلاصِ
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ جملةٌ مستأنفة جئ بها حثاً على المُسارعة في الامتثالِ بالأمرِ أي كُلُّ نَفْسٍ منَ النفوسِ واجدةٌ مرارةَ الموتِ وكربَه فراجعةٌ إلى حُكمِنا وجَزَائِنا بحسبِ أعمالِها فمَنْ كانت عاقبته هذه فليس له بدٌّ من التزود والاستعداد لها وقرئ يرجعون
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوّئَنَّهُمْ﴾ لننزلنَّهم ﴿مّنَ الجنة غُرَفَاً﴾ أي عَلاليَ وهو مفعولٌ ثانٍ للتبوئة وقرئ لثوينهم من الثُّواء بمعنى الإقامةِ فانتصابُ غُرفاً حينئذٍ إمَّا بإجرائِه مُجرى لنُنزلنَّهم أو بنزع الخافض او بتشببه الظرف الموقت بالمبهم كا في قولِه تعالى لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ صفة لغرفاً ﴿خالدين فِيهَا﴾ أي في الغُرَفِ أو في الجنَّة ﴿نِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ أي الأعمالُ الصَّالحةُ والمخصوصُ بالمدحِ محذوفٌ ثقةً بدلالةِ ما قبلَهُ عليه وقرئ فمنعم
45
العنكبوب
46
٥٩ - ٦٣ ﴿الذين صَبَرُواْ﴾ إمَّا صفةٌ للعاملينَ أو نُصب على المدحِ أي صَبَرُواْ على أذيَّةِ المشركينَ وشدائدِ المهاجرةِ وغيرِ ذلكَ من المحنِ والمشاقِّ ﴿وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي ولم يتوكَّلوا فيما يأتُون ويذرونَ إلا عَلى الله تعالى
﴿وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ رُوي أنَّ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لمَّا أمرَ المُؤمنينَ الذين كانُوا بمكَّةَ بالمهاجرةِ إلى المدينةِ قالُوا كيفَ نقدُم بلدةً ليس لنا فيها معيشةٌ فنزلتْ أي وكم من دابةٍ لا تطيقُ حمل رزقها لضعفها أولا تدخره وإنَّما تُصبح ولا معيشةَ عندها ﴿الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ ثمَّ إنَّها مع ضعفِها وتوكُّلِها وإيَّاكم مع قوَّتِكم واجتهادِكم سواء في أنَّه لا يرزقُها وإيَّاكم إلا الله تعالى لأنَّ رزقَ الكلِّ بأسبابٍ هو المسبِّبُ لها وحدَهُ فلا تخافُوا الفقرَ بالمُهاجرةِ ﴿وَهُوَ السميع﴾ المبالغُ في السَّمعِ فيسمعُ قولَكم هذا ﴿العليم﴾ المبالغُ في العلمِ فيعلمُ ضمائرَكم
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ أي أهلَ مكة ﴿من خلق السماوات والارض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله﴾ إذ لا سبيلَ لهم إلى إنكارِه ولا الى النردد فيه ﴿فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ إنكارٌ واستبعادٌ من جهتِه تعالى لتركِهم العملَ بموجبِه أي فكيفَ يُصرفون عن الإقرارِ بتفرُّدِه تعالى في الإلهية مع إقرارِهم بتفرُّدِه تعالى فيما ذكر من الخلق والتَّسخيرِ
﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء﴾ أنْ يبسطَه له ﴿مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ أي يقدرُ لمن يشاءُ أنْ يقدرَ له منهم كائناً مَن كانَ على أنَّ الضَّميرَ مبهمٌ حسبَ إبهامِ مرجعِه أو يقدرُ لمن ببسطه له على التَّعاقبِ ﴿أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ﴾ فيعلم مَن يليقُ ببسطِ الرِّزقِ فيبسطُه له ومن يليقُ بقدره فيقدرُه له أو فيعلم أنَّ كلاًّ من البسطِ والقدرِ في أيِّ وقتٍ يوافق الحكمة والمصلحة فيفعل كلا منها في وقتِه
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الارض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله﴾ معترفينَ بأنه الموجد للمكنات بأسرِها أصولِها وفروعِها ثمَّ إنَّهم يُشركون به بعضَ مخلوقاتِه الذي لا يكادُ يُتوهَّمُ منه القدرةُ على شئ ما أصلاً ﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ﴾ على أنْ جعلَ الحقَّ بحيث لا يجترئ المبطلون على حجوده وأنَّه أظهرَ حجَّتَك عليهم وقيل على أنْ عصَمَك من أمثال هذهِ الضَّلالاتِ ولا يخفى بعدُه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي شيئاً من الأشياءِ فلذلك لا يعلمون بمُقتضى قولِهم هذا فيُشركون به سبحانَه أخسَّ مخلوقاتِه وقيل لا يعقلونَ ما تُريد بتحميدِك عند مقالِهم ذلك
46
العنكبوت ٦٤ ٦٨
47
﴿وَمَا هذه الحياة الدنيا﴾ إشارة تحقير وازدراء الدنيا وكيفَ لا وقد قال رسول الله ﷺ لو كانتِ الدُّنيا تزنُ عندَ الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى الكافرَ منها شَرْبةَ ماءٍ ﴿إِلاَّ لَهْوٌ ولعب﴾ أي إلاكما يُلهى ويلعبُ به الصبيانُ يجتمعون عليهِ ويبتهجون به ساعةً ثم يتفرَّقُون عنه ﴿وَإِنَّ الدار الاخرة لَهِىَ الحيوان﴾ أي لهيَ دارُ الحياة الحقيقية لا متناع طريانِ الموتِ والفناءِ عليها أوهي في ذاتِها حياةٌ للمبالغةِ والحيوان مصدر حي سُمِّيَ بهِ ذُو الحياة وأصلُه حَيَيانُ فقُلبتْ الياءُ الثَّانيةُ واواً لما في بناءِ فَعَلان من مَعْنى الحَرَكةِ والاضطرابِ اللازم للحَيَوان ولذلك اختِير على الحياةِ في هذا المقامِ المُقتضي للمبالغةِ ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لما آثرُوا عليها الدُّنيا التي أصلُها عدمُ الحياةِ ثمَّ ما يحدثُ فيها من الحَيَاةِ عارضةٌ سريعةُ الزَّوالِ وشيكةُ الاضمحلالِ
﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك﴾ متَّصلٌ بما دلَّ عليه شرحُ حالِهم والرُّكوب هو الاستعلاء على الشئ المتحرِّكِ وهُو متعدَ بنفسِه كما في قوله تعالى والخيل والبغال والحمير لنركبوها واستماله ههنا وفي أمثالِه بكلمة في للإيذانِ بأنَّ المركوبَ في نفسِه من قبيلِ الأمكنةِ وحركتُه قسريةٌ غيرُ إراديةٍ كما مر في سورة هُودٍ والمعنى أنَّهم على ما وُصفوا من الإشراكِ فإذا ركبُوا في البحرِ ولقواشدة ﴿دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي كائنينَ على صورةِ المُخلصين لدينِهم من المؤمنينَ حيثُ لا يدعُون غيرَ الله تعالى لعلمِهم بأنَّه لا يكشفُ الشَّدائدَ عنهم إلا هُو ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هم يشركون﴾ أي فاجئوا المعاودةَ إلى الشِّركِ
﴿ليكفروا بما آتيناهم وَلِيَتَمَتَّعُواْ﴾ أي يفاجئونَ الإشراكَ ليكونُوا كافرينَ بما آتيناهُم من نعمةِ الإنجاءِ التي حقُّها أنْ يشكرُوها ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أي عاقبةَ ذلكَ وغائلتَه حينَ يَرَون العذابَ
﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ﴾ أي ألم ينظرُوا ولم يشاهدُوا ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ أي بلدَهم ﴿حَرَماً آمنا﴾ مصُوناً من النَّهبِ والتَّعدِّي سالماً أهلُه من كلِّ سوءٍ ﴿وَيُتَخَطَّفُ الناسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ أي والحالُ أنَّهم يُختلسون من حولِهم قتلاً وسبياً إذ كانتِ العربُ حولَه في تغاورٍ وتناهُبٍ ﴿أفبالباطل يُؤْمِنُونَ﴾ أي أبعد ظهورِ الحقِّ الذي لا ريبَ فيه بالباطلِ خاصَّة يُؤمنون دُون الحقِّ ﴿وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ﴾ وهي المستوجبةُ للشُّكرِ حيثُ يُشركون به غيرَهُ وتقديمُ الصِّلةِ في الموضعينِ لإظهارِ كمالِ شناعةِ ما فعلُوا
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ بأن
47
العنكبوت ٦٩ زعمَ أنَّ له شريكاً أيْ هُو أظلمَ منْ كل ظالم وإن كان سبكُ النَّظمِ دالاًّ على نفيِ الأظلمِ من غيرِ تعرضٍ لنفْي المساوي وقد مرَّ مراراً ٢ ﴿أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَاءهُ﴾ أي بالرَّسولِ أو بالقُرآنِ وفي لمَّا تسفيهٌ لهم بأنْ لم يتوقفُوا ولم يتأمَّلوا حينَ جاءَهم بل سارعُوا إلى التَّكذيبِ آثر ذي أثيرٍ ﴿أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين﴾ تقريرٌ لثُوائِهم فيها كقولِ من قالَ ألستُم خيرَ من رَكبَ المَطَايا أي أَلاَ يستوجبونَ الثَّواء فيها وقد فعلُوا ما فعلُوا من الافتراءِ على الله تعالى والتَّكذيبِ بالحقِّ الصَّريحِ أو إنكارٌ واستبعادٌ لاجترائِهم على ما ذُكر من الافتراءِ والتَّكذيبِ مع علمِهم بحالِ الكَفَرةِ أي ألم يعلمُوا أَنَّ فى جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا هذه الجراءة
48
﴿والذين جاهدوا فِينَا﴾ أي في شاننا ولوجهنا خالصاً أطلقَ المُجاهدةَ ليعمَّ جهادَ الأعادِي الظاهرةِ والباطنةِ ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ سُبُلَ السَّيرِ إلينا والوصولِ إلى جنابِنا أو لنزيدنَّهم هدايةً إلى سبل الخير وتوفيقها لسلُوكها كقولِه تعالى والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وفي الحديثِ من عمِل بما علِم ورَّثه الله علمَ ما لم يعلَمْ ﴿وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين﴾ معيةَ النصر والمعونة عنه ﷺ مَن قرأَ سورةَ العنكبوتِ كان له منَ الأجرِ عشرَ حسناتٍ بعدد كلِّ المؤمنينَ والمُنافقينَ
48
سورة الروم ١ ٤
مكية إلا قوله فسبحان الله الآية وهى ستون آية بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
49
Icon